بيان حضرة صاحب الدولة عبد الخالق ثروت باشا بشأن مفاوضات ثروت-تشمبرلين 1927-1928

بيان حضرة صاحب الدولة عبد الخالق ثروت باشا بشأن مفاوضات ثروت-تشمبرلين 1927-1928، "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 -1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 229- 244"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

( 1 ) بيان حضرة صاحب الدولة عبد الخالق ثروت باشا

إن المحادثات التي دارت بيني وبين سعادة السير أوستن تشمبرلن. وزير خارجية حضرة صاحب الجلالة البريطانية لأجل الوصول إلى اتفاق يصلح أساسا لمفاوضات رسمية يكون الغرض منها عقد معاهدة تحالف وصداقة بين بريطانيا العظمى ومصر، قد مرت بأدوار ثلاثة: أما الدور الأول، وهو الذي كانت ثمرته تبادل مشروعينا، فقد جرى أثناء زيارة مليكنا المعظم لإنجلترا أي من 4 إلى 31 يوليه سنة 1927؛ كذلك جرى الدور الثاني بلوندرة في خلال المدة القصيرة التي أقمتها فيها عقب زيارة جلالته لمدينة بروكسل مباشرة. وفي غضون هذه المدة كانت أهم المناقشات فيما اقترحه كلا الطرفين ؛ وجرى الدور الثالث في القاهرة وكان أهم أغراضه تبادل الرأي تتمة للأحاديث السابقة وسعيا إلى تحديد مرمى بعض نصوص المعاهدة وقد بدأ هذا التبادل شفهيا ثم عاد كتابيا وكان الوسيط فيه فخامة اللورد لويد المندوب السامي لحضرة صاحب الجلالة البريطانية في مصر.

ولقد بدا لي أن زيارة حضرة صاحب الجلالة الملك لإنجلترا فرصة موفقة للاتصال مباشرة برجال السياسة الإنجليز ولاسيما رجال حكومة حضرة صاحب الجلالة البريطانية، ثقة بأن هذا الاتصال الشخصي لا بد عائد بالفائدة على مصر بما يؤدي إليه من زيادة فهم كل منا حالة الآخر؛ وكنت حريصا بوجه خاص على إزالة ما علق بأذهانهم من الأثر الذي تركته الحوادث الأخيرة ولاسيما حادث شهر يونيه بشأن الجيش، ذلك الحادث الذي حدا بهم إلى اتخاذ تدابير - من مثل إرسال مدرعات إلى الإسكندرية - لم تكن في نظرنا لتتفق مع رغبتنا الصادقة في أن تكون علاقاتنا مع بريطانيا العظمى ودّية. أو لتتناسب مع الأسباب التي أدت إلى تلك الأزمة. وقد كان للحفاوة الفائقة التي لقيها مليكنا المعظم من حضرتي صاحبي الجلالة البريطانية ومن الجمهور الإنجليزي بوجه عام في جميع المدن التي زارها ما شدّ من عزمي وسهل من مهمتي. لذلك اجتمعت للمرة الأولى في وزارة الخارجية البريطانية بالسير أوستن تشمبرلن اجتماعا طويلا ؛ أعربت لسعادته فيه قبل كل شيء عما خالج فؤاد جلالته من عظيم الرضا والارتياح وما تركته في نفسه من جميل الأثر مظاهر الحفاوة الودية التي لقيها جلالته من حضرتي صاحبي الجلالة البريطانية والترحاب من جميع طبقات الشعب. بحماسة وطواعية نفس بالغتين، مما سرنا أن نرى فيه إشارة ناطقة بالعطف على مصر.

وكان لعبارات الارتياح والشكر التي أبلغتها لسعادته أجمل الوقع في نفسه . وقد أعرب لي السير تشمبرلن من جانبه عما تكنه الأمة البريطانية من حسن الاستعداد نحو الشعب المصري ، وأكد لي أن موقفه كان على الدوام منطبعا بعامل الصداقة نحو مصر. وأسهب كثيرا في هذا الباب وتمنى أن تجد بريطانيا العظمى ما يشجعها على مواصلة السير في هذا الطريق . فأكدت لسعادته أن الشعب المصري يضمر مثل هذا الشعور نحو الأمة البريطانية ، وأننا نرغب رغبة صادقة في الارتباط معها بأوثق العلاقات. وأن اليوم الذي نصبح فيه حلفاء وأصدقاء . لا يبدو في نظري بعيدا . وكان يسعدني من هذا الحديث أنه مكنني من أن أثبت لسعادته أن الأمل الذي أعربت له عنه في العام الماضي لم يخب، وأن مصر قد سعت بإخلاص إلى تحقيق سياسة حسن التفاهم بين البلدين. وأكدت له أنه، بصرف النظر عن الحوادث الأخيرة التي أخشى أن تكون قد تركت في نفسه أثرا غير حسن، فالحكومة المصرية وأولو الشأن المسئولون في مصر لم يحيدوا عن الخطة التي ترسموها. وأنهم بذلوا أقصى ما استطاعوا من الجهود لاجتناب أسباب سوء التفاهم، كما أنهم ذللوا صعابا ما كانوا ليذللوها لولا رغبتهم الصادقة في السلام وحسن التفاهم فأبدى لي السير أوستن تشمبرلن بالغ سروره لسماع ذلك، وطلب إلى أن أذكر له بعض تفصيلات في هذا الموضوع. فأجبته إلى طلبه وأفضت في إيضاح موقف الحكومة المصرية والبرلمان والزعماء المسئولين بصدد الخلافات التي وقعت أخيرا في مسألة الموظفين البريطانيين ومسألة الجيش وبعض مسائل أخرى، وبيان ما كان للجهود التي بذلها كل في دائرته من الأهمية للوصول إلى تسوية هذه الخلافات تسوية ودّية دفع بها الخطر على حسن العلاقات بين البلدين. وقد ذكرت له أني لم أقصد بهذا البيان أن أشكو من أحد. بل مجرد الإشارة إلى أننا لم نضمر لبريطانيا العظمى في أي وقت من الأوقات أي شعور غير ودي .

لاح لي أن السير أوستن تشمبرلن، وقد كان يصغي إلى هذا البيان بعظيم الاهتمام واللطف تقبله قبولا حسنا. ثم قال لي إنه يأسف جدّ الأسف لوقوع مثل هذه الحوادث التي تكدر العلاقات بين إنجلترا ومصر في أي وقت وأنه يرى من مصلحة مصر الحقيقية أن نذكر أن لبريطانيا العظمى مصالح وتبعات لا يسعها التخلي عنها ونوّه بوجه خاص بواجب الحكومة البريطانية في مراعاة الحقوق والواجبات المترتبة على تحفظات تصريح 28 فبراير سنة 1922 الذي ألغى الحماية وأعلن استقلال مصر، وأشار إلى أن لهذه الحقوق أعظم الأهمية للإمبراطورية البريطانية وأن كل حكومة إنجليزية أيا كان تشكيلها لا يسعها إلا أن تحافظ عليها مهما كلفها ذلك. إذ كانت تلك الحقوق حيوية لبريطانيا العظمى مرتبطة بكيانها نفسه؛ واستطرد قائلا إن سنه تسمح له بأن يذكر ظروف التدخل البريطاني في مصر، وأن يذكر أن وزراء حضرة صاحب الجلالة البريطانية كانوا مخلصين عندما كانوا يصرحون بأن الاحتلال وقتي، وأنه صائر إلى الزوال في أقرب زمن ممكن، ولكن الحوادث كانت فوق مقدور الرجال. وذكر أن المستقبل يعنيه أكثر من الماضي، وعنده أن لب المسألة في الوقت الحاضر هو ما إذا كان الشعب المصري والحكومة المصرية على استعداد للاعتراف بالظروف الخاصة التي يجد كل من البلدين أنه وضع فيها تلقاء الآخر. وبما يترتب على تلك الظروف من الضرورات بالنسبة لكل منهما ، وما إذا كنا نرغب في التعاون الودي مع الحكومة البريطانية لضمان الدفاع عن مصالحنا المشتركة. ولرخاء بلادينا فإن كان الجواب سلبا. ظلت العلاقات بين مصر وانجلترا تحت رحمة أدنى حادث يطرأ. وتعرضت تلك العلاقات الى أزمات قد تضطر بريطانيا العظمى ، على أسف ، الى تسويتها بالقوة. وذكر السير أوستن تشمبرلن أنه في سنة 1924 عند ما كان زغلول باشا في لندره .عمل المستر رمسى ماكدونالد، وقد كان في ذاك الوقت رئيسا للوزارة البريطانية، مخلصا لوضع أساس للتعاون الودى بين البلدين. ولكن مسعاه على الرغم من رغبته الصادقة في احترام الأمانى المصرية المشروعة لم يكلل بالنجاح . ومن ذلك الحين وقعت حوادث يؤسف لها. وكان لها عواقب غير مرضية. وتساءل عما إذا كنا قد استفدنا من تلك التجارب وأصبحنا الآن أكثر استعدادا لأن نلقى حقائق الحالة وجها لوجه، وأن ندرك المزايا التى تترتب على التعاون مع بريطانيا العظمى تعاونا قائما على الصراحة والإخلاص .

فأجبته بأننى لا أنكر ما لوجهة النظر البريطانية من القدر والشأن، على أنى أتمنى أن تقدّر وجهه النظر المصرية أيضا حق قدرها . وذكرت لسعادته أن الشعب المصرى في جملته لا يشك في صدق الوعود البريطانية، وأنه لم يفارقه الأمل بأن سيأتى، على أى حال، يوم تتحقق فيه تلك الوعود. وأنه ليس من العدل أن تلام الأمة المصرية على ذلك الاطمئنان واليقين الراسخين، وإنما أملاهما عليها شعورها بعدالة حقها التى عززتها التصريحات الرسمية المتكررة على لسان رجال الحكومة البريطانية، و إننى لأدرك تمام الإدراك. أن مصالح بلادينا تجعل لهما على السواء مصلحة في إزالة أسباب الاحتكاك أو التصادم ، و إننا لا نطلب إلا أن نتعاون قلبيا في تحقيق هذا الغرض. وقد بينت له أن أكبر الأسباب فيما كان يقع من الحوادث من وقت إلى آخر، مما لا يأسف له أحد بقدر ما نأسف له يرجع إلى جو من سوء الظن وعدم الثقة، يحيط بعلاقات مصر مع انجلترا. و يترتب على ذلك أن أبسط أعمالنا وأشدها أنطواء علي حسن النية. كان ينظر إليه من الجانب البريطانى بعين الريبة،كما أن مطالب الحكومة البريطانية، حتى ولو كانت في مصلحة مصر، كانت تؤول عندنا بأنها اعتداءات على حقوق مصر واستقلالها . وعندى أنه يجب ألا نلتمس في غير هذا المصدر أسباب المشاكل التى كان على الحكومتين أن تذللاها في العهد الأخير. وقد شاطرنى السير أوستن تشمبرلن الرأى وسألنى عن العلاج لهذه الحالة . فأجبته بأن أحسن حل في نظرى هو أن يتولى بإخلاص تحديد العلاقات بين انجلترا ومصر تحديدا يحول دون وقوع مثل هذا الاصطدام، ويجعل علاقاتنا قائمة على قواعد تكفل- بما توثق من عرى الصداقة- زوال سوء التفاهم الذى تجلت أضراره بالبلدين على السواء. فقال لى إن هذا هو ما يشعر به ويتمناه، ولكن هل من سبيل إلى تحقيقه؟ فأجبت بأن ذلك يتوقف على انجلترا بنوع خاص. لأنها تطلب ضمانات بينما مصر لا يسعها أن تعطى من الضمانات إلا ما يتفق مع حرية القيام بشؤون استقلالها. وقد قلت إن رغبة الشعب المصرى وزعمائه المسئولين في إيجاد علاقات ودية مع بريطانيا العظمى رغبة أكيدة لا شك فيها، وقد سبق لى أن أقمت الدليل على ذلك. و إنى لأشعر بأن هذه الرغبة قد زادت تأكيدا بما قوبل به مليكنا المعظم من مظاهر الحفاوة التي أولها المصريون بأن المقصود بها مصر نفسها في شخص جلالته . فإذا عرض شيء لا يتضمن قيودا تتعارض مع سيادتنا. فثمة أمل كبير في أن يحوز القبول، لا سيما أني شخصيا لا أرى أن بين مصالح البلدين تعارضا غير قابل للتوفيق فأعرب السير أوستن تشمبرلن عن ارتياحه لسماع ذلك مني وأكد أن الحكومة البريطانية لا تنوي مطلقا التدخل في الشؤون المصرية. وأنه إذا أدركت مصر أن بريطانيا العظمى في حاجة إلى بعض ضمانات لحماية مصالحها الجوهرية فمن المستطاع الوصول إلى اتفاق، فذكرت لسعادته أني لم أكلف إجراء أي مفاوضة. وأني لم أرم بزيارتي إلى لوندرة إلى مثل تلك الغاية الخطيرة، ولكن ما أبداه لي من صدق الحفاوة ولطف المودة أثناء محادثاتنا قد شجعني على الإعراب بكل بساطة عن رأيي الذي لا يلزم أحدا سواي ، وأن كل ما أستطيع عمله في هذا الشأن إنما هو، إذا أذن بذلك، أن أتعرف رأيه، ونوع الضمانات التي يراها ضرورية من الوجهة البريطانية. فإذا بدت لي مقبولة أبلغتها إلى زعيم الأغلبية ( سعد زغلول باشا ) وننظر بعد ذلك فيما إذا كان في الإمكان الدخول في مفاوضات رسمية. وإذا تمت تلك المفاوضات فتعرض نتيجة الاتفاق على البرلمان. فإن لم تبد الاقتراحات البريطانية مقبولة، بقيت الأمور على ما كانت عليه واتقينا بذلك المضار التي قد تنشأ عن قطع مفاوضات رسمية.

وبعد أن اتفقنا تماما على هذه القاعدة. طلب إليّ السير أوستن تشمبرلن أن أقدم له مشروع معاهدة فقلت له إنه يفاجئني بهذا الطلب، وإني ليست لدي العدة لذلك، فليس بين يدي شيء مما يلزم من الوثائق، وليس معي مساعدون. وإن وزارة الخارجية البريطانية أولى مني بالقيام بهذه المهمة. غير أنه ألح علي في ذلك فوعدته بأني سأبذل الجهد في إعداد مشروع. ثم تذاكرنا في مواضيع عامة أخرى واستأذنته في الانصراف بعد أن ترك في نفسي أجمل الأثر بما أبداه من دلائل الترحاب والصراحة. مما استطعت معه بسط أفكاري عن الحالة الحاضرة وعن الآثار المصرية.

شرعت إذن في وضع مشروع المعاهدة. وإن أعز أماني كل مصري- أماني لا شك أنها مشروعة - هي تحقيق مطالب البلاد كاملة. ولكنني مع ذلك كنت أحسب حسابا لما هو قائم في الأذهان في إنجلترا من عوامل الريبة وعدم الاطمئنان. مما قد يحول دون التحقيق الكامل لتلك المطالب. وإن تكن مصر لم يتوافر لها حتى الآن الوقت أو الوسائل اللازمة لإزالة تلك العوامل، لذلك رأيت أنني لا أكون خدمت المصالح المصرية إذا اقتصرت على تقديم دفاع بليغ عن المطالب القومية، فإن هذه المطالب قد تبدو منذ النظرة الأولى لمحادثيّ البريطانيين بحيث يتعذر الصلح عليها. فيصبح من المستحيل مواصلة المحادثات وينسد بذلك طريق البحث عن حل يمهد سبيل الاتفاق بين الطرفين. على أني كنت حريصا جد الحرص على أن يظل طريق ذلك البحث مفتوحا. وإن كنت لا أشك في أن البحث أمر بالغ الدقة. وواضح أني لم أكن أستطيع بلوغ غايتى ببسط جميع المطالب القومية مرة واحدة. وليست هذه المطالب فوق ذلك بخافية على أحد. فقد صرح بها في المفاوضات الشبيهة بالرسمية التى جرت في سنة 1920، وفى المفاوضات الرسمية التى دارت في سنتى 1921 و 1924، وعرفها رجال الحكومة والساسة البريطانيون بل الشعب الإنجليزي كافة .

وإن هذه المفاوضات- لأسباب مختلفة- لم تكلل بالنجاح، بل إن إحداها لم يكد يشرع في مباشرتها حتى قطعت. ولكنه لم يكن لها من الظروف الملائمة. ما كان للمحادثات المتواضعة التى كنت سآخذ فيها. فإن الحفاوة الشائقة التى لقيها مليكنا المعظم في إنجلترا،وائتلاف الأحزاب السياسية المصرية وما تمتعت به مصر من استتباب السكينة والنظام- بالرغم من صعوبات جمة- في ظل حكومة وطنية دستورية، كل أولئك أسباب كانت تدعو إلى التفاؤل. ولكنها تدعو أيضا في الوقت نفسه إلى الحذر والتبصر، ذلك أنه، على خلاف ما كان يجب عادة أن يكون، وقع على الجانب المصرى لا على الجانب البريطانى عبء تقديم الاقتراحات. أفإذا كان هذا العبء قد ألقي بحكم الظروف على عاتقى، بعد أن فشلت كل التجارب، وعلى غير استعداد سابق مني للقيام به، أكنت أستطيع ألا أرى أن أهم واجب لى هو ألا تجبه طلباتى بادئ ذى بدء بالرفض؟ إذن كان من المتحتم أن تكون الفكرة الأساسية في وضع مشروعى هو أن يصلح أداة لفتح باب المحادثات وكان يجب لذلك ألا تذكر فيه المسائل بقدر الإمكان إلا على أبسط وجوهها، على أن ينظر بعد، إذا ما اتسع نطاق المحادثات، واطرد الكلام في الشرح والتدليل وذكر الشواهد والأمثال، في استيفاء المشروع ببيان جميع الصعوبات التى قد ترد على الحلول المختلفة للمسائل التى تستلزم عناية خاصة . وكنت أود بعد إقرار فكرة التحكيم فيما يتعلق بتفسير نصوص المعاهدة المتوقعة وتطبيقها ، أن أعرف المدى الذى يمكننا الاتفاق عليه في جملة المسائل المختلفة عدا المسألة العسكرية، وما كنت لأخشى أن يظن، حتى من الجانب البريطانى، أننى إذا أغفلت الكلام في مدة استقرار الجنود البريطانية في منطقة قناة السويس، وفى شروط هذا الاستقرار، يكون معنى هذا الإغفال هو أنى أتصور أن الاحتلال البريطانى لتلك الشقة من الأراضى المصرية، احتلال دائم . إذ أن السكوت في هذا الصدد لا يفيد بأى حال من الأحوال القبول. وقد كنت أوثر ألا أتعرض لهذه المسألة إلا بعد الاتفاق على بقية المسائل. إذ يكون الجو أكثر صفاء وملاءمة للبحث فيها. وكان أبسط وجوه الحذر والاحتياط يقضي على بسلوك هذا المسلك. إذ ليس من الحكمة حينما يقضى الأمر معالجة مشاكل عدة أن يبدأ بأصعبها دون أن يعرض الإنسان جهوده إلى الفشل. ودون أن يضعف وجوه الاحتمال وأسباب الأمل في تعرف الصعوبات جميعها. وفى حلها .

ولقد كانت هذه المشاكل على وجه الخصوص هى: الاحتلال، والسودان، وحماية المصالح الأجنبية والعلاقات الخارجية.

أما المسألة الأولى، بصرف النظر عما بمشروعى والمشروع الذى قدمه الوفد في سنة 1920 من فرق في التعبير. فإن الفقرة الأولى من المادة السادسة من مشروعى. تتفق مع نص المادة الثامنة (عدا الفقرة الأخيرة) من مشروع الوفد، بينما الفقرة الثانية من المادة السادسة تطابق المادة الثانية من مشروع الوفد مطابقة تامة، فإن هذه المادة الأخيرة، عندما تشير إلى جلاء الجنود البريطانية عن الأراضى المصرية بعد انقضاء مدة ( لم تحددها ) من تاريخ العمل بالمعاهدة ، لم تقصد في الواقع ، بالرغم من صيغها المطلقة القاطعة، إلا الأراضى الوقعة في غير المنطقة الشرقية لقناة السويس، لأن احتلال هذه المنطقة وهى جزء من الأراضى المصرية. قررته صراحة المادة الثامنة من مشروع الوفد .

وقد خلا مشروعى، كما خلا مشروع الوفد، من بيان الأجل الذى يجب عند انقضائه أن تستقر الجنود البريطانية في مكان خاص. إذ آثرت أن يكون الكلام في ذلك. في سياق الأحاديث التى ستكون لنا فيما بعد، والواقع أنى عند تقديم مشروعى اقترحت أن يكون الأجل من ثلاث الى خمس سنين. وأن يكون استقرار الجنود بمكان في منطقة القنال.

والوجه الوحيد من هذه المسألة الذى لم أشر اليه في موضوعى. إذا قيس الى مشروع سنة 1920، وإن كان لم يغب عنى، هو مدة الاستقرار. وهل أكون بحاجة لأن أذكر أن هذا الاختلاف بين المشروعين ليس راجعا لخلاف في الجوهر والموضوع بل الخلاف في الطريقة والأسلوب. وحسبى الإشارة الى أن المشروع الذى أفضت اليه محادثاتنا يدل بلا جدال. على أن تحديد أجل لاستقرار الجنود كان يشغلنى دائما. وهل أدل على ذلك من العبارة الواردة في المادة السابعة من المشروع التى نصت على أن الحل الذى وضعته تلك المادة. إنما قرر ريثما يحين الوقت لعقد اتفاق يعهد بموجبه حضرة صاحب الجلالة البريطانية الى حضرة صاحب الجلالة ملك مصر مهمة تحقيق حماية طرق مواصلات الإمبراطورية البريطانية. وسأعود فيما بعد إلى المقابلة بين مرمى هذه العبارة. ومرمى الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من مشروع سنة 1920.

أما فيما يتعلق بمشكلة السودان، وهى المشكلة التى رأى مشروع سنة 1920 وجوب تأجيلها، بما فيها مسألة مياه النيل. على الرغم مما لهذه المسألة الأخيرة من صفة الاستعجال، لتكون موضوع اتفاق خاص يعقد فيما بعد، فلا ينكر أحد أن مركزنا في سنة 1920 كان أحسن كثيرا مما هو عليه الآن. وحتى في سنة 1922 عند صدور تصريح 28 فبراير. لم يكن قد اعترى تلك المشكلة أدنى تغيير بل بقيت على حالتها كما كانت في سنة 1920، و إنما تحرجت الحالة بالنسبة للسودان بعد حوادث سنة 1924، فبالنظر الى ما نجم عن ذلك من الصعوبات التى لم يكن لها وجود عند وضع مشروع سنة 1920، رأيت مع الاحتفاظ بحل مسالة السودان السياسية في اتفاق يعقد فيما بعد، أننى اذا استطعت الوصول الى إعادة الحالة الى ما كانت عليه قبل سنة 1924 وتسوية المسألة الحيوية المستعجلة، مسألة مياه النيل، في الحال، أكون قد بلغت نتيجة مرضية لمصر. ومن شأن هذه النتيجة. أنها تمهد الطريق على كل حال. لحل أسرع وأوفق للمسائل الأخرى الخاصة بالسودان .

أما ما يتعلق بحماية المصالح الأجنبية، فإنى لم أر داعيا لأن أغير، في المشروع الذى أقدمه، المركز الذى اتخذه مشروع سنة 1920 في هذا الصدد، اللهم إلا في ما سلم به هذا المشروع الأخير من حصر المفاوضات في تعديل الامتيازات بين مصر والحكومة الإنجليزية دون الحكومات الأخرى ذات الشأن، إذ أشرت في مشروعى إلى أن إصلاح نظام الامتيازات ستقوم بالمفاوضة فيه الحكومة المصرية لا الحكومة البريطانية. ومن يقابل. فوق ذلك. المادة الثالثة من مشروعى، بالمذكرتين اللتين وضعتهما وزارة الخارجية البريطانية عن الامتيازات. على أثر محادثاتنا، وبالإيضاحات التى قدمتها إلى فخامة اللورد لويد، يدرك المسافة التى قطعت في هذا السبيل والتحسينات التى تمت في هذا الصدد بفعل المحادثات. فإن هاتين المذكرتين، وتلك الإيضاحات تحدد النتائج التى وصلنا إليها في هذا الشأن.

وأخيرا. فإنه كان من الواضح أنه يجب مراعاة ما تقضى به الضرورة من إعطاء التأكيدات اللازمة بأن مصر ستقف حيال بريطانيا العظمى موقف الحليف المخلص. وألا تسبب لها أى قلق بأعمالها ومواقفها في البلاد الأجنبية،على أنى كنت أحرص أيضا على إطلاق مصر من كل وصاية أو التزام باستشارة بريطانيا العظمى في المسائل الخارجية. لذلك اقترحت في المادة السابعة من مشروعى بعض قيود هى في الواقع نتيجة لكل محالفة سواء كانت هذه القيود منصوصا عليها أو مسكوتا عنها.

وقد لاحظت. فيما يتعلق بهاتين المسألتين الأخيرتين وبغيرهما من المسائل التى ترتبط عن قرب أو عن بعد بالإدارة الداخلية. إن لبعض الدوائر البريطانية آراء ونزعات لا تعين على الاعتراف لمصر بحرية تسلم من المراقبة، فكان يهمنى أن أدفع الجهات الرسمية في بريطانيا إلى تحديد موقفها في المسائل المعلقة بين البلدين. فيتسنى بذلك أن نلتمس معا تقريب ما بيننا، بما نعالجه من مناقشات صريحة، وما نبذله من جهود صادقة، كما يتسنى أن نصل إلى حلول مرضية. وكانت الأغراض الأساسية التى توخيتها في وضع هذا المشروع. هى أنه في سبيل تبادل الرأى هذا. لا تمس القضية التى بيدى بأى سوء، وأن أتفادى بوجه خاص عرض تعهدات لم يسبق للوفد أن عرضها في مشروعه سنة 1920، وإذا كان لا يتعلق بى أن أمضي قولا فيما إذا كنت قد وفقت إلى أول الغرضين اللذين كنت أرمى إليهما. فإنى أستطيع على كل حال أن أؤكد أنى حافظت كل المحافظة على الغرض الثانى .

ففى هذه الظروف. وعملا بهذه المبادئ التى شرحتها. وضع المشروع المصرى وقد سلمته في 18 يوليه الى المستر سلبى . ليوصله الى السير أوستن تشمبرلن. فبعد أن تلاه، أعرب لى عما يخشاه بوجه خاص من أن الاقتراح الذى تضمنته المادة السادسة في موضوع نقل الجنود البريطانيين الى منطقة القنال في مدة من ثلاث سنوات الى خمس. قد يقضى إلى استحالة الاتفاق. فأجبته بأن هذا الأمر في نظرى لازم لا مندوحة عنه، وذكرت له أنه بالنظر الى وسائل المواصلات الحاضرة، وتقدم أساليب الحرب الفنية. يجب ألا يساور الحكومة البريطانية أى خوف في هذا الشأن. ثم إن فترة الانتقال التى أشار اليها المشروع من شأنها أن تؤكد لها أسباب الاطمئنان وذلك ريثما يكون تنفيذ المعاهدة على الوجه الصحيح في تلك الفترة، وما اعتقد أن الحكومة البريطانية ستتبينه في سياق ذلك التنفيذ من حرص مصر على توثيق عرى الصداقة. قد أدى إلى إزالة ما قد يظل مساورها من المخاوف من جانب مصر.

لم أر السير أوستن تشمبرلن إلا بعد بضعة أيام من هذا الحديث مع المستر سلبى، وكان ذلك في المأدبة التى تكرم بإقامتها لى. وقد اعتذر بمشاغله العديدة عن أنه لم يتمكن بعد من تحديد موعد لاجتماعنا التالى مصرحا بأنه قد يرى أن لقاءنا قبل سفر مليكنا المعظم الى باريس غير ميسور، فقلت له إنى أفهم تماما ما يحيط بمركزه من المشاغل في الوقت الحاضر، على أنى أستطيع عند الضرورة أن أستأذن جلالة الملك في تأجيل سفرى من لوندرة يومين أو ثلاثة أيام بشرط ألا يتجاوز ذك التأجيل 31 يوليه، إذ يجب أن ألحق بجلالته في باريس في ذلك التاريخ لمرافقته في أول أغسطس في زيارته الرسمية لروما. ثم اتفقنا على المقابلة يوم الجمعة ( 29 يوليه) على الأكثر؛ وكان آخر يوم لمقامى بلوندرة.

واستقبلنى السير أوستن تشمبرلن في الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم بوزارة الخارجية البريطانية، وبعد أن شكرنى على وضعى للمشروع، صرح لى بأنه يرى أن بعض نصوصه لا يمكن قبوله. فذكرت له أنى بذلت ما في وسعى إجابة لما طلبه منى من تقديم الاقتراحات الأولى و إنى مستعد لسماع ما قد يبدو له من الملاحظات بشأنه فقال لى إنه عملا على تسهيل المناقشات وجعلها واضحة. قد أمر بوضع مشروع يجوز أن نتناقش فيه معا. وسلم الى صورة منه وأخذ يتلوه على مادة مادة وكان يدلى إلى أثناء تلاوته بالإيضاحات التى كان يراها لازمة عن بعض نصوصه ويبين لى الأسباب التى دعت لوضع تلك النصوص. وكنت من جانبى أظهر أثناء تلاوته، بالقول أو الإشارة. رأيى في أن الأحكام الأساسية التى بنى عليها المشروع البريطانى لم تصادف منى ارتياحا، وأنها تستدعى على كل حال مناقشة جدية وأنها تبدو لى غير متفقة مع مبدأ استقلالنا، وذكرت أنه لتوثيق عرى الصداقة بين انجلترا ومصر، و إقامتها على قواعد ثابتة، كما هى رغبتنا جميعا، يجب أن يكون أساس المشروع الثقة المتبادلة ويجب لذلك أن يقتصر على مجرد الضمانات التى لا غنى عنها، وألا يتعداها إلى غيرها.

ولقد أعلم حسن مقاصده وصحيح رغبته في إقامة الصداقة بين البلدين على أسس قوية وطيدة. لذلك ذكرته. بأنه تفضل في أول حديث معه بالتصريح بأن الحكومة البريطانية لا ترغب مطلقا في التدخل في شؤون مصر الداخلية. وأن لى إذن . أن أستخلص من ذلك. أنه يحق لى أن أعتبر أن بعض نصوص المشروع البريطانى لا يمكن أن يكون لها، بالرغم من صراحتها و وضوحها، مدلول العبارات الواردة فيها، وأنه يجب أن تؤول طبقا للمقاصد الحسنة التى سبق لسعادته إبداؤها. ووعدت بعد ذلك بوضع مذكرة بملاحظاتى على النصوص الأساسية لمشروعه و بإرسالها إليه. فقال السير أوستن تشمبرلن إنه مغتبط بذلك جد الاغتباط وسألنى: متى أنجز هذا العمل؟ فأجبته بأنى أقدر له بضعة أيام بعد نهاية زيارتنا الرسمية لمدينة روما، أى في مدى أسبوعين، ومتى انتهيت من تدوين ملاحظاتى فسأقدمها إليه. فإذا تراءى له، بعد الوقوف عليها، أن في استئناف المحادثات ما يدعو إلى شىء من الأمل في النجاح، فسأكون على استعداد للرجوع إلى لوندرة. ثم أضفت إلى ما تقدّم أنى أنوى العودة إلى القطر المصرى في خلال الأيام الأولى من شهر سبتمبر بعد إقامة مدة أسبوعين طلبا للراحة في بعض الجهات الجبلية. ثم أرجع بعد ذلك إلى أوروبا في منتصف أكتوبر لمرافقة صاحب الجلالة الملك في زيارته لمدينتى باريس و بروكسل، فوافق السير أوستن تشمبرلن على هذا واستأذنته في الانصراف.

غير أنى، قبل مفارقتى إياه، لفت نظره إلى الطلب الذى قدمته الحكومة المصرية منذ أكثر من خمسة أشهر إلى الحكومة البريطانية بشأن تعديل بعض نصوص القانون المختلط و بخاصة ما يتعلق منها بالرقيق الأبيض الخ.. ... والذى ظل بلارد طول هذه المدة وأوضحت لسعادته ما نجم عن تأخير الرد من القلق. وقد كان لنا أن نستشعر القلق لاسيما أن لدينا من الأسباب ما يحملنا على الاعتقاد بأن التعديلات المقترحة صادفت من الجمهور الأوربى نفسه في مصر ارتياحا تاما، ثم زدت على ذلك أن امتناع الحكومة البريطانية عن إجابتنا إلى ما نطلبه في هذه المسألة يتناقض تناقضا كليا مع ما تبديه لنا من شعور الصداقة. وأن ممثلى أغلب الدول الذين استطلعنا نياتهم في هذا الشأن. أكدوا لنا حسن ميول حكوماتهم نحوه. وإذا كنا ننتظر وصول الرد البريطانى لكى نرسل إلى الدول منشورا بعقد مؤتمر دولى للمناقشة في التعديلات المقترحة فإن مركز الحكومة المصرية أمام البرلمان لم يخل، بسبب إبطاء ذلك الرد، من الدقة، ثم ذكرته بأن هذه الاقتراحات كانت قد تمت الموافقة عليها في عهد وزارة عدلى باشا وألححت في طلب تعجيل الحكومة البريطانية بإرسال الرد مهما تكن نتيجة محادثاتنا القائمة الآن في مسألة المعاهدة، فوعدنى السير أوستن تشمبرلن بأن الرد سيصل إلينا فورا. وبلغ من لطفه أن استدعى في الحال أحد كتبة أسراره. وكلفه أن يدعو في الحال السير جون برسفال. لمقابلتى للاتفاق معى على ما يلزم إجراؤه في هذه المسألة. فأعربت له عن مزيد ارتياحى وشكرى. ثم اتفقت على أن تكون مقابلتى مع السير جون برسفال للبحث في ذلك الموضوع في باريس بعد عودتى من إيطاليا.

وغادرت انجلترا قاصدا إلى باريس في 31 يوليه. وفى اليوم التالى، أى في أول أغسطس، رافقت جلالة مولانا الملك في زيارته الرسمية لروما.

وبمجرد وصولى كتبت بإسهاب إلى المغفور له سعد زغلول باشا. لأوقفه بالتفصيل على سير المحادثات بينى وبين السير أوستن تشمبرلن،والظروف التى تقلبت فيها، والأثر الذى تركته في نفسى من ناحية احتمال الوصول إلى اتفاق، وتاريخ هذا الكتاب 8 أغسطس، وقد أرسلت إليه طي هذا الكتاب صورة من مشروعى وسألته عما إذا كان يرغب في أن أبعث إليه بالمشروع الذى وضعته وزارة الخارجية الإنجليزية قبل أن أضع ملاحظاتى عليها وأقدمها للحكومة البريطانية أو أن أضع تلك الملاحظات وأبعث بها إليه مع هذا المشروع أو لا، وأخبرته في الوقت نفسه بما اعتزمته من العودة إلى القاهرة في أوائل سبتمبر بعد أن أكون قد تناقشت مع السير جون برسفال في تعديلات القانون المختلط. فأرسل لى تلغرافا يخبرنى فيه بمرضه، وبأنه وإن كانت صحته قد تحسنت تحسنا محسوسا لا يستطيع أن يدلى لى برأى في موضوع الخطاب إذ كان قد قرأه قراءة سريعة، خصوصا وأنه لا يعلم ما في المشروع البريطانى. وكنت أرجو أن تأتينى بشرى إبلاله من المرض تماما، ولاسيما بعد تلغرافه الذى ورد لى بعد ذلك يبشرنى فيه بأن خطر المرض قد زال والحمد لله، وأنه دخل في دور النقاهة. ولكن أراد القضاء أن أتلقى من مصر بدلا من خبر شفائه نبأ وفاته. وكنت يومئذ في سان موريتز. فكان لهذه الفاجعة في نفسى أشدّ أثر إذ كنت أرى في وفاته خسارة كبرى للبلاد. ولاسيما في الوقت الذى كان يستطيع فيه أن يقوم لها بأجل الخدم في حل مشاكلها الكثيرة الداخلية منها والخارجية. بما عرف فيه من علو الكلمة والنفوذ العظيم والذكاء النادر. وكنت أسائل نفسى طبعا إزاء تلك الكارثة ماذا يكون منذ الآن حظ تلك المحادثات التى أعالجها مع السير أوستن تشمبرلن بقصد الوصول إلى اتفاق مع بريطانيا العظمى. وهل سألقى عند من يخلفونه ما لقيته منه من التشجيع والتأييد .

ولقد سافرت إلى باريس، وأنا في هذه الحالة النفسية،فالتقيت فيها بالمستر سلبي في دار سفارة بريطانيا العظمى.فسلمت إليه مذكرة شاملة لملاحظاتى العامة على الرد البريطانى ، فوجه نظري إلى أننى أثرت فيها من المسائل ما يخشى أن يحول دون الوصول بمحادثاتنا إلى نتيجة مرضية فكان جوابى له . أنه إذا أمعن النظر في مذكرتى فسيتبين أننى لم أغفل الضمانات التى لا غنى عنها لبريطانيا العظمى .

وبعد ذلك بأيام فرغت فيها من المسائل التى التقيت من أجلها مع السير جون برسفال ،عدت إلى القطر المصرى. ثم علمت أن السير أوستن تشمبرلن كان ينتظر رجوعى إلى لوندرة. وفى منتصف أكتوبر عدت إلى باريس ورافقت جلالة الملك في زياراته الرسمية في باريس وبروكسل. وينبغى لى في هذا المقام أن أشير إلى أنى اغتنمت فرصة مقامى بروما وباريس وبروكسل لاستطلاع رأى حكومات إيطاليا وفرنسا وبلجيكا في موضوع تعديل الامتيازات ولقد سرنى ما لقيته على العموم من حسن الاستعداد للنظر فيما تقترحه الحكومة المصرية في هذا الشأن، فلما انتهت الزيارات الرسمية لحضرتى صاحبى الجلالة ملك بلجيكا وملكتها. أذن لى جلالة مولانا الملك بالسفر إلى لوندرة لاستئناف المحادثات مع السير أوستن تشمبرلن.

( 5 )

وصلت إلى لندره في 30 أكتوبر. ولست أخفى أنه كان يخالجنى الشك في نتيجة محادثاتى مع وزارة الخارجية . غير أنى ذكرت أن لبريطانيا العظمى مصلحة تعدل مصلحتنا في تسوية المسائل المعلقة وتوثيق روابط الصداقة مع مصر. قابلت إذن السير أوستن تشمبرلن. فلم يخف علي بادئ ذي بدء ما كان لمذكرتى من أثر لا يقوى الأمل في نجاح محادثاتنا.وذكر أنه يخال له أنى بلغت في مذكرتى حدا لم أترك معه سوى أمل ضعيف جدا. فأعربت له عن شديد أسفى لذلك، على أننى لم أزد على أنى بسطت له بحرية تامة وجهة نظرى في المشروع الذى سلم إلي. إذ كنت أعتقد أن خير ما تخدم به الصداقة بين البلدين. هو أن يفهم كل منهما آراء الآخر على وجهها الصحيح. ثم أخذت في تأييد الملاحظات التى أبديتها على المشروع البريطانى. وبسطت الكلام بعبارات عامة في ذلك المشروع، وفى عدم الأمل في قبوله. كذلك عنيت بإيضاح أنه مناقض كل المناقضة لأساس الفكرة التى بني عليها. إذ كان المقصود إقامة استقلال مصر على قواعد وطيدة وحل المسائل المعلقة منعا للتداخل في شؤوننا الداخلية. وتفاديا من خطر وقوع البلدين في مشاكل جديدة. وأن المشروع البريطانى،فضلا عما يقترحه من حل غير مقبول لمشكلة القوات البريطانية العسكرية يتعارض مع هذه الأغراض الأساسية. بل هو يهدم بالفعل أساس استقلالنا، إذ يضع مصر تحت نوع من الوصاية، ويزيد في أسباب التدخل في شؤونها الداخلية والخارجية. أفلا يكون الأفضل إذن. أن نترك الأمور كما هى. فذلك خير من عمل يزيد في أسباب سوء التفاهم. وإن بعض وجوه التداخل في الشؤون المصرية مما تعتبره مصر تداخلا غير مشروع سيصبح بمقتضى المشروع البريطانى مشروعا. ولن يخفف من هذا العيب أن يكون المشروع البريطانى قد قبل ما اقترحه في مشروعى من أن نحكم جمعية الأمم في كل خلاف يجوز أن يقع في تطبيق شروط المعاهدة أو تفسيرها. إذ الواقع أن جمعية الأمم سوف لا تعتمد في حكمها في الخلاف إلا على المبادئ الثابتة في وثيقة الاتفاق، فإذا قبل المشروع البريطانى فإنما تكون قاعدة الحكم مبادئ ذلك المشروع نفسه.

فأجابنى السير أوستن تشمبرلن بأنى كنت قاسيا جدا في حكمى على المشروع البريطانى، وأنه لا يرى أن هذا المشروع قد جاوز المعقول في أمر الضمانات اللازمة لحماية مصالح بريطانيا العظمى وأنه، فيما يتعلق على وجه الخصوص بوجود القوات البريطانية في مصر، لا مراء في أن الرأى البريطانى في هذه المسألة. مجمع على أن بقاء تلك القوات من المسائل الحيوية بالنسبة للدولة البريطانية، وأن كل سعي للاتفاق لا تلحظ فيه تلك الحقيقة. مآله حتما إلى الفشل والإخفاق. ثم ذكرني بما قاله لى في هذا الشأن قبل الآن عن الموقف الذى وقفه أسلافه إزاء هذه المسألة ، وبخاصة موقف المستر رمسى ماكدونالد في سنة 1924، وصرح بأن مسألة تعيين النقطة التى تعسكر فيها تلك القوات، وتحديد الأجل الذى تنتقل بعد انقضائه إلى تلك النقطة أمران تريد الحكومة البريطانية أن يكون البت فيهما موكولا لمحض رأيها . وأخيرا فإنه فيما يتعلق باحتمال الجلاء عن هذه النقطة التى تكون في منطقة القنال. فلا يمكن البحث فيها في الوقت الحاضر، وقال إن الأوفق في هذه المسألة، وفى مسألة الضمانات التى تطالب بريطانيا العظمى بها الآن. الانتظار ريثما تظهر نتائج المحالفة، وما تجرى عليه الأمور في مصر في هذا العهد الجديد. وهذا ما لا يمكن التنبؤ به الآن . وعلى أى حال. فلن تعرض الحكومة البريطانية نفسها لخطر التفريط فيما بيدها من ضمانات.

وهنا رأيت من الواجب علىّ أن ألفت نظر السير أوستن تشمبرلن إلى أنى لم آل جهدا في أن أحسب لهذه الآراء حسابها، على أنه لن يفوته أن المفاوضة لإبرام معاهدة ليس في الواقع إلا ضربا من ضروب المصالحة، وهو لذلك يستلزم واجبات على الطرفين . مهما يكن مركز كل منهما تلقاء الآخر، ويلوح لى بناء على ما تقدم أنه إذا أريد الوصول إلى حل فلا بد أن يقتصر على الضمانات الأساسية، فإنه ما دام مفهوم الضمانات التى تطلبها الحكومة البريطانية هو أنها، بالنسبة للوقت الحاضر على الأقل، بديل من الثقة الكاملة التى يراد بالمعاهدة أن تنشئها بين البلدين، فإن خير الوسائل لجعل وثيقة الاتفاق محتملة القبول. هو ألا تزيد تلك الوثيقة شيئا على الضمانات الأساسية فتكون بذلك قد قدّمت عربونا من الثقة . ولن تزال هذه الثقة تقوى وتشتد حتى تبلغ درجة من الكمال تصبح الضمانات معها لا لزوم لها .

وقد سرنى أن أرى السير أوستن تشمبرلن يشاطرنى بوجه عام شعورى في هذا الشأن. ومن ثم مضينا نتناقش في مواد المشروع .

وكانت هذه المناقشات التى دارت تارة مع السير أوستن تشمبرلن. وطورا مع المستر سلبي والمستر مرى أو غيرهما من كبار موظفى وزارة الخارجية البريطانية ،عسيرة، وكنا لا نخطو خطوة إلى الأمام إلا بكثير من المشقة والعناء. نظرا لبعد مسافة الخلف بين وجهتى نظر الفريقين. كما يتبين من مطالعة الوثائق على أنى كنت قد جعلت جهدى محصورا في الأهم. وهو وضع المبادئ، طارحا جانبا بعض المسائل التفصيلية ، وكنت أرى من ناحية أخرى أن صيغة المبادئ التى يتم تقريرها أو شكلها يجوز تحسينها بعد ذلك في سياق المفاوضات الرسمية. ولقد اتسع نطاق البحث في مسألة القوات العسكرية ومسألة الامتيازات ذلك الاتساع الذى كنت محتفظا به لهذا الدور من أدوار المحادثات، وحصلت بذلك على حلول لم تعالج في المفاوضات السابقة بشيء من الأمل في نجاحها، وإذ لم أوفق لأن يقبل مبدأ تحديد أجل تنتقل بعده القوات العسكرية إلى منطقة القنال- وكنت لا أرضى بأى حال أن أترك هذه المسألة لمحض رأى بريطانيا العظمى وإرادتها- فقد جعل الفصل في هذه المسألة لجمعية الأمم. على أن يكون لمصر في آجال دورية حق استئناف المسألة أمامها إذا لم تجب إلى مطالبها وقد حصلت أيضا على أن يتضمن المشروع نصا خاصا يشير إلى إمكان وضع حد لبقاء الجيوش البريطانية في معسكرها بمنطقة القنال. نعم إن مشروع سنة 1920 تضمن أيضا الإشارة إلى مثل ذلك الإمكان. ولكن ذلك المشروع لم يرتب حكما للحالة التى تقضى فيها عصبة الأمم لغير مصلحة مصر. مما قد يترتب عليه بقاء القوات البريطانية بمنطقة القنال إلى غير أجل معين .

كذلك أمكن الحصول، فيما يتعلق بإصلاح نظام الامتيازات على مزايا محسوسة بالنسبة لمشروع سنة 1920، فقد حدّدت القواعد الأساسية لامتيازات الأجانب في القضاء والتشريع وقد كان هذا التحديد متروكا لبريطانيا، وكانت هى التى ستتولى المفاوضة في هذا الشأن مع الدول الأجنبية الأخرى على أساس المبادئ والنزعات التى تجلت في مشروعات السير سسل هرست (1)

أما السودان. فقد نلت في أمره أن المسألة المهمة المستعجلة، مسألة مياه النيل تحل مع المعاهدة على وجه يكفل مصالح مصر الحيوية في هذا السبيل.

وأودّ أن أشير آخر الأمر إلى المزايا التى حصلت عليها بالنسبة لمشروع سنة 1920 في أمر التمثيل السياسى لمصر في الخارج، وفي أمر عقد المعاهدات مما يتبين جليا من مقارنة النصوص.

ويتبين من هذا البيان الموجز أنه بالرغم مما بذل من الجانبين من صادق الجهد في التوفيق كان يبدو في بعض الأحيان أن المحادثات سوف لا تسفر عن نتيجة. كذلك كان الأمر في اليوم الأخير من زيارتى الثانية للوندرة فقد تعارضت وجهتا النظر بحيث لم نستطع التوفيق بينهما، فانقطعت المحادثات على غير نتيجة. غير أنى لم أشأ أن أغادر لوندرة دون أن أناشد السير أوستن تشمبرلن وأستنهض رغبته الصادقة في تمكين حسن العلاقات، لاستئناف المحادثات، وذلك بخطاب (2) كنت أعددته ليسلم إليه بواسطة سكرتيره. فلما تفضل فشرفنى بحضوره شخصيا إلى المحطة مودعا ناولته إياه، ولقد كان من أثر ذلك أن كلف المستر سلبى باللحاق بى في باريس لاستئناف المحادثات في المسائل التى لم نكن قد وصلنا بشأنها إلى اتفاق.

( 6 )

ولم يقرر بعض نصوص المشروع النهائى إلا بعد عودتى إلى القاهرة. وقد أرسل إلي السير أوستن تشمبرلن بواسطة فخامة المندوب السامى المشروع النهائى بعد أن وافقت عليه الحكومة البريطانية وحكومات المستعمرات والهند. وطلب إلي بعد ذلك بقليل أن أعرض المشروع على زملائى .

(1) راجع في شأن التعديلات التى أدخلت على تلك المشروعات على أثر محادثاتى مع السير سسل هرست، مذكرتى في وزارة الخارجية ( الوثيقتان رقما 5 و 6 من مجموعة الوثائق).

(2) الوثيقة رقم 4

ولقد رأيت من الضرورى،لكى أستطيع أن أشرح لزملائى نصوص المعاهدة و مدى أحكامها وأن أجيب على ما يمكن أن يوجه إلى من الأسئلة أن أطلب إيضاحا عن بعض نصوص تبينت فيها غموضا قد يؤدى فيما بعد إلى خلاف في تأويلها. لذلك قدّمت إلى اللورد لويد مذكرة بهذه الإستيضاحات رجوته أن يبلغها لوزارة الخارجية البريطانية (1) وقد تضمنت هذه الاستيضاحات مسائل كنت بسطت في أحاديث لوندرة بشأنها ملاحظات أريد الاعتبار بها، ومراعاتها في النصوص التى وضعت على أثر تلك الأحاديث. وكان من بواعث اغتباطى بعد ذلك أن ألفيت المستر أوستن تشمبرلن يرى أن خطتى هذه لها ما يبررها، وأن ما أوردته خلال مناقشاتى مع فخامة المندوب السامى بيانا وتأييدا لما ذهبت إليه في تفسير النصوص. كان تصويرا صحيحا لما تبودل بيننا من الآراء في وزارة الخارجية البريطانية. على أنه قد بقيت ثلاث مسائل بغير حل نهائى قاطع، وهى مسائل الجيش والبوليس وصورة المراقبة على مياه النيل، وكانت هذه المسألة الأخيرة ما تزال موضوع مناقشة بين وزير الأشغال العمومية وفخامة المندوب السامى .

أما ما يتعلق بالجيش فقد اقترحت على الحكومة الإنجليزية أن نتفاوض. قبل توقيع المعاهدة أو بعده. في إنشاء بعثة عسكرية تماثل البعثات القائمة في اليونان وتشيكوسلوفاكيا و بلاد أخرى مستقلة

أما مسألة البوليس فإن السير أوستن تشمبرلن بعد أن سلم بأن النص الوارد في ملحق (ج) لم يرتب، في شأن مركز موظفى البوليس البريطانيين، حكما للحالة التى تكون فيها المفاوضات الخاصة باصلاح نظام الامتيازات قد أخفقت، اقترح تحكيم عصبة الأمم، عند الحاجة، في أمرها، فلم يسعنى مع الأسف قبول ذلك الاقتراح .وكتبت لسعادته مشيرا إلى أن نص المادة 14 الذى يستند إليه. قائم أصلا على فرض جواز حدوث صعوبات لم تكن متوقعة عند تحرير المعاهدة. لا صعوبات موجودة فعلا. قصد بالمعاهدة تسويتها وحلها، وقد أرسلت إلى السير أوستن تشمبرلن مذكرتين عن مسألتى الجيش والبوليس .

لم أكن حتى ذلك الوقت عرضت على زملائى. ولا على رئيس الأغلبية نص المشروع أو نتيجة تبادل الرأى بيننا منذ عودتى الى القاهرة. إذ كنت أرى أننا لم نصل بعد إلى شئ نهائى، على أنه في هذه الأثناء ألح السير أوسن تشمبرلن في طلب عرضها عليهم دون انتظار حل المسائل السابق ذكرها، ولما كان مصطفى النحاس باشا وزملائى من جانب آخر. أبدوا لى رغبتهم في الوقوف على المشروع و المذكرات التى تبودلت في شأنه مهما تكن النتيجة التى وصل اليها حتى ذلك الوقت، لم يسعنى إلا إجابة تلك الرغبة العامة، فقدّمت إلى كل منهم ملفا كاملا بالوثائق المتعلقة بمحادثاتى مع وزارة الخارجية البريطانية.

(1) الوثيقة رقم 9

وقد ذكّرت مصطفى النحاس باشا. عند تقديم هذه الوثائق إليه بما كنت اتفقت عليه من بادئ الأمر مع السير أوستن تشمبرلن ، من أنه إذا ما رأيت. أو رأى هو من بعدى، أن المشروع غير محتمل القبول يقف الأمر عند ذلك الحد، فندرأ بذلك مضار انقطاع المفاوضات انقطاعا رسميا علينا. فأبدى سعادة النحاس باشا موافقته على ذلك. ثم جاءنى سعادة النحاس باشا بعد ذلك يدلنى على رأيه في المشروع. من أنه لا يتفق في أساسه ونصوصه مع استقلال البلاد وسيادتها، ومن أنه يجعل الاحتلال البريطانى شرعيا، وأنه لذلك لا يرى فائدة للدخول في مناقشة يصح أن تفسر المشروع أو توضحه أو يصح عند الحاجة أن تسمح بادخال تحسين عليه يجعله صالحا للقبول. أما زملائى، وقد كان رأيهم رأى رئيس الأغلبية، فقد طلبوا إلى تبليغ رأيهم هذا إلى حكومة حضرة صاحب الجلالة البريطانية.

ولا شك في أنه يباح لى أن أختم هذا البيان ببعض كلمات أجمل بها حكمى على المشروع الذى أفضت إليه محادثاتى ومناقشاتى مع سعادة وزير الشؤون الخارجية لحكومة حضر صاحب الجلالة البريطانية .

وعندى أنه لو جاء الرد الذى كنت أنتظر وصوله في مسألة البوليس مطابقا لوجهة نظرى ووافقت الحكومة والوفد مبدئيا على المشروع لكان هذا المشروع في مصلحة مصر. وذلك بصرف النظر عما كان يرجى من موافقة الحكومة البريطانية، على أثر ذلك القبول، على إدخال بعض تحسينات فيه .

ولقد كان ذلك المشروع يكفل لمصر العمل بسيادتها حرة كاملة سواء في الشؤون الخارجية ما دامت إدارة تلك الشؤون مطابقة لروح المعاهدة. أو في الشؤون الداخلية إذ هى غير مقيدة من هذه الوجهة بسوى وجوب إدخال أساليب التدريب والنظام المتبعة في الجيش الإنجليزى واتخاذ الأسلحة المستعملة فيه، في الجيش المصرى، و بسوى تفضيل البريطانيين على غيرهم من الأجانب في الوظائف الفنية التى ترى الحكومة المصرية فيها حاجة إلى تعيين إخصائيين أجانب، ما دامت الكفايات المشترطة متوافرة فيهم وهذان التعهدان يمكن اعتبارهما من النتائج التى تلزم عن المحالفة .

أما مسألة السودان. فقد كان المشروع يضع لها حلا ابتدائيا عظيم الأهمية. من شأنه أن يمهد لحل الوجه السياسى لتلك المسألة وأن يسهله .

وأخيرا. فإن المعاهدة مع بعدها عن مظنة تأييد الاحتلال تجعل لمسألة وجود الجيوش البريطانية في مصر حلا. لم يتيسر في المفاوضات السابقة، رسمية أو غير رسمية، أن ينظر فيه بشئ من الأمل في نجاحه .


وإن مبدأ تداخل عصبة الأمم في جميع المسائل الناشئة عن المعاهدة. وبخاصة في مسألة الجيش ، وهو ما لست بحاجة إلى التذكير بأن بريطانيا العظمى كانت حتى الآن تصر على رفضه ، وهو ما رضيت به في مشروع المعاهدة ، يعد فيما يتعلق بمستقبل علاقاتنا مع بريطانيا العظمى من أكبر الآمال المشجعة لمصر. لهذا أوثر أن أعتقد أن هذه الجهود لن تذهب سدى ، وأرجو لذلك أنه بالرغم من الصورة التى رفض بها المشروع. سيأتى يوم تستأنف فيه المفاوضات، كما أرجو أن تدخل الأمانى القومية في سبيل التحقيق. بأن يدخل على المشروع التعديلات والإيضاحات الكفيلة بتبديد ما قد يساور النفوس من القلق وبذلك يقوم ما يجب أن يكون بين البلدين من الصداقة على أوطد الأسس وينفتح لمصر عهد جديد من التقدم والرفاهية ،

عبد الخالق ثروت


المصادر