خليل خطار سركيس

خليل خطار سركيس (و. 1842 - ت. 1915)، هو أديب وصحفي لبناني ومؤسس جريدة لسان الحال والمطبعة الأدبية في بيروت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

ولد في عُبَيهْ، وفي عام 1850 قدم مع أسرته إلى بيروت ليتلقى العلم في المدرسة الأمركية، وصار يتردد على المطبعة الأمريكية حتى تعلم فيها صناعة الطباعة وأتقنها، وفي عام 1868 أنشأ بالاشتراك مع بطرس البستاني «مطبعة المعارف». وفي عام 1873 تزوج إحدى كريمات البستاني.[1]

في عام 1875 تخلى عن مطبعة المعارف، وحصل على امتياز مطبعة خاصة به سماها «المطبعة الأدبية» التي أصدر عنها جريدة «لسان الحال» سنة 1877 ومجلة «المشكاة» عام 1878، وقد ساعده على تحريرها نخبة من أدباء ذلك العصر.

وجه خليل سركيس عنايته إلى سبك الحروف الطباعية، وإيجاد أنواع منها لم تكن معروفة قبله، واشتهرت حروفه بالجودة والإتقان في كل أنحاء العالم.

في عام 1892 سافر إلى الأستانة ولقي فيها الحفاوة والتكريم، وقلد الوسامين المجيدي الثالث والعثماني الرابع، وألّف كتاباً عن هذه الرحلة، جمع فيه العديد من الحوادث التاريخية والفوائد القيّمة. لكن الدهر لم يصفُ له، فقد التهمت النار مطبعته عام 1895، وأصيب بفقد أخيه، ثم ابنتيه.

انتخب عضواً في مجلس ولاية بيروت، ورئيساً للجمعية الخيرية الإنجيلية.

في عام 1911 أصيب بمرض، فاضطر إلى اعتزال العمل في المطبعة والجريدة، واعتمد في ذلك على ابنه الوحيد رامز، الذي قام بإدارتهما خير قيام، وكان يتلقى توجيهات والده وإرشاداته فيعمل بها وينفذها له. وظل يعاني المرض طوال أربع سنوات، إلى أن وافته المنية وهو في الثالثة والسبعين من عمره.

كان خليل سركيس مشهورا في بيروت ليس فقط لأنه سلسل أسرة سركيس الذائعة الصيت بوصفه واحدا من كبار مثقفيها وأدبائها، لم يدخر وسعا في اعطاء الطباعة العربية حقها من النماء والرقي، بل وكاتبا بليغا نشر سنة 1873 رواية "سعيد وسعدي" لعشاق الرياضة في سن الصبا عام 1874، وكتاب "تاريخ القدس الشريف" لمحبي التاريخ، وهو من الوجوه ابارزة لأنه أيضا عقيل لويز البستاني احد كريمات المعلم بطرس البستاني. ولكن تخلي سركيس فجأة عن شركة سلفه سليم البستاني كناشر، وعن حمية بطريس البستاني كمحرر، ليؤسس جريدة سياسية اجتماعية خاصة به. ومهما أصر كريمسكي مستشهدا بأقوال هارتمان: "ان تأسيس الجريدة لم يعن اطلاقا القطيعة بين البستاني وصهره"، ومن أن سركيس كان يستفيد من سوق رواج الصحف وكثرة عدد القراء السوريين، فان صدور "لسان الحال" يستحق وقفة قصيرة. وقد تميز أسلوبه بالرقة والسهولة، وكان يوشّيه بالاستعارات وضرب الأمثال، مما يزيد كتاباته رشاقة وتحبباً ووقعاً في النفس. [2]


لسان الحال

كانت جريدة لسان الحال ـ وهي جريدة سياسية تجارية علمية أدبية، أول صوت طالب بالإصلاح بعد تعليق الدستور العثماني، فقد نشر صاحبها عام 1878 عدة مقالات طالب فيها بتحقيق الإصلاح الدستوري. وهي جريدة سياسية اقتصادية علمية ظهرت في 18 أكتوبر 1877 فكانت بداية نصف أسبوعية ثم صارت تصدر ثلاث وأربع مرات كل أسبوع حتى سنة 1895 عندما صدرت يومية الى نشوب الحرب العالمية الأولى.

وإضافة إلى عمله في الصحافة، قام بتنقيح وطباعة ديوان «عنترة العبسي» وكتاب «ألف ليلة وليلة» و«مقدمة ابن خلدون»، و«مقامات الحريري»، وتأليف كتاب «سلاسل القراءة» في ستة أجزاء لطلاب المدارس، وكتاب «أستاذ الطباخين وتذكرة الخواتين» وكتاب «العادات» ورواية «سعيد وسعدة» وكتاب «نزهة الخواطر» وكتاب «تاريخ القدس الشريف» و«معجم اللسان».

كل ما في الأمر أن "لسان الحال" كانت وليدة الأوساط المحافظة، ولذا كانت ناطقة باسم بعض العناصر المسيحية السورية التي كانت تدعو الى رقي العرب عن طريق اجراء عمية تجميل للامبراطورية العثمانية تتلخص في تعميم الاصلاحات والدعوات الزائفة حول الدستور. وكانت "حديقة الأخبار" جريدة شبه رسمية ، ولذا كانت بعيدة كل البعد عن المزايدات الدستورية، أما جريدة "التقدم" لصاحبها أديب اسحاق فكانت معطلة. بينما كان حموه 1877 المعلم بطرس البستاني واقفا بجزم وعزم لا يلين في جبهة المناوئين للحركة الدستورية، وهذا يعني منطقيا أن فراغا ما قد حدث في الحياة السياسية والاجتماعية في بيروت في مجال الدعوة للدستور والاصلاح العثمانيين، ولذا سارع خليل سركيس لملء هذا الفراغ مع صديقه نوفل نوفل الطرابلسي، الذي ترجم "دستور الدولة العثمانية" و"قوانين المجلس البلدية" وغيرها من الكتب الأخرى الى اللغة العربية.

كان خليل سركيس قد اتخذ من الحكمة القائلة: "لا اطلب اثرا بعد عين"، (يضرب لمن ترك شيئا يراه ثم تبع أثره بعد فوته) شعارا له في الحياة. وهل يا ترى هذا الشعار ما هو الا اشارة الى أن ابستاني تراجع عن رسالته في طلب حتى الممكن؟!

أما الذين تولوا تحرير "لسان الحال" فهم حسب تواريخهم، جرجس زوين، الشيخ يوسف الأسير، أمين افرام البستاني، يوسف قيقانو، سليم سركيس، نجيب المشعلاني، الدكتور رزق الحداد، المعلم رشيد عطية، سليم عباس الشلفون، المعلم عبد الله البستاني، سعيد فاضل عقل، وغيرهم من رجالات النهضة البرجوازيين الذين تمسكوا بمذهب الجامعة الاسلامية. ومن الشهادات الواقعية الموثقة أن "لسان الحال" كانت في سنة 1878 غارقة – بكل ما في هذه الكلمة من معنى – بالمقالات التي أطلقت للقلم عنان الحرية، وجاهرت بالدعوة الى تعميم الاصلاحات في سورية عامة ولبنان خاصة، تحت ظل الراية العثمانية. تلك المواد التي كانت سببا في تعطيل الحكومة لها ابتداء من غرة نيسان (أبريل) 1878 . وفي فترة تعطيل "لسان الحال" أصدر خليل سركيس "المشكاة" وهي مجلة شهرية سياسية علمية صناعية تجارية فكاهية، احتجبت على أثر صدور العدد الرابع منها، عندما أعيد نشر "لسان الحالة" التي بالغة في محاسبة الحكومة واشتهرت باعتدال المشرب مراعاة لأحوال المراقبة السلطانية، فلم يعد سركيس يسعى الى الممكن في حيز الامكان.

ولكن البساتنة، ومن كان ضمن اطار تأثيرهم من المؤيدين للاصلاحات، كانوا حقا أكثر تقدمية من أتباع الخوارنة الملتفين حول "حديقة الأخبار"، ولكنهم – رغم هذا – لم يذهبوا أبعد من الدعوة المعتدلة جدا فيما يخص الاصلاح الاجتماعي – السياسية. فلم يكونوا يتقبلون بأي شكل من الأشكال المفاهيم السياسية الراديكالية، مثل "الثورة" أو حتى "الانقلاب" و"التحول".. الخ. فهم لم يقروا لا بضرورة الاصلاحات الاجتماعية – السياسية التدريجية ولا بالراديكالية الثورة. صفوة القول: ان أفكارهم التنويرية لم تتسم قط بالراديكالية، الأمر الذي لم يكن يلاقي استحسانا لدى بعض المنورين الشباب الذين تحلقوا حول البستانيين في أواسط السبعينيات. ولاسيما أن المعلم الرائد – كما رأينا – انسجم تدريجيا مع السلطان الأ؛مر عبد الحميد على أرضية العداء للدستور والحكم الدستوري.

ان التذمر من التبشير البستاني الداعي الى بقاء الأوضاع السائدة والأنظمة الرجعية القائمة دون احداث أي تحول جذري، تحول بالضرورة الى أرضية صالحة ساهمت في رجحان كفة الجناح الراديكالي في الحركة النهضوية القومية الثقافية. هذا النجاح الذي لم يجحد المآثر الأدبية والعلمية والاجتماعية العظيمة للعلامة بطرس البستاني ، ساد داخله نوع من الاتفاق الصامت على ان الشيخ الذي بلغ الستين من عمره فم يعد قادرا – بحكم أفكاره المحافظة وأكاديميته البحتة على تبوؤ مركز الريادة في النهضة الأدبية العلمية والسياسية – القومية التي طرحتها متطلبات الواقع السوري على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي فرضت مهام قومية رفيعة المستوى على رجالات النهضة والتنوير العربي الحقيقي.

كان ظهور جريدة "التقدم" معلما بارزا في ميدان تصاعد الفكر العربي القومي، وايذانا بحل المهام القومية المطروح عصرئذ، ولاسيما بعد أ، تحولت فعليا الى لسان حال "جمعية زهرة الآداب" ، فأصبحت منبرا لأحرار العرب حين تسلم ادارتها الرائد الكبير أديب اسحق.

المصادر

  1. ^ عيسى فتوح. "سركيس (خليل خطّار ـ)". الموسوعة العربية. Retrieved 2012-02-21.
  2. ^ نجاريان, يغيا (2005). النهضة القومية-الثقافية العربية. دمشق، سوريا: أكاديمية العلوم الأرمنية - الدار الوطنية الجديدة.

المراجع

  • فيليب دي طرازي، تاريخ الصحافة العربية (المطبعة الأدبية، بيروت 1913).
  • لويس شيخو، تاريخ الآداب العربية (دار المشرق، بيروت 1991).
  • كمال اليازجي، رواد النهضة الأدبية في لبنان الحديث (1800 ـ 1900) (مكتبة رأس بيروت، بيروت 1962).