جميل السيد

جميل السيد
جميل السيد1.jpg
اللواء جميل السيد
الميلاد 15 يوليو 1950
زحلة، لبنان
المهنة لواء سابق في الجيش اللبناني

اللواء جميل السيد (و. 15 يوليو 1950)، هو سياسي وعسكري لبناني شغل مناصب عسكرية مختلفة. تعرض في الثمانينات إلى محاولة اغتيال على يد عناصر من حزب الله. خدم في الجيش 30 سنة، ثم 7 سنوات في الأمن العام حتى تقديم استقالته عام 2005 في خضم التداعيات السياسية التي اعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري. واللواء جميل السيد هو أحد الضباط الأربعة الذين سجنوا في أغسطس 2005 بسبب شهود الزور في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وقد افرج عن الضباط الأربعة في أبريل 2009 بقرار من المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي التي تنظر في ملف إغتيال الحريري، بسبب عدم وجود عناصر اثبات كافية.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

ولد جميل السيّد في النبي ايلا - قضاء زحلة في 15 يوليو 1950. ينتمي السيد إلى الطائفة الشيعية.


الحياة العسكرية

لدى انقسام الجيش في 1975-1976 رفض الالتحاق بجيش الملازم أول أحمد الخطيب الذي أصدر مذكرة باعتقاله مع آخرين. غادر على الاثر إلى البقاع والتحق بالنواة الأولى لجيش الطلائع الذي حافظ على التنوع الطائفي بقيادة العميد الطيار فهيم الحاج وأصبح قائد سرية مدرعات في اللواء الأول بقيادة العميد إبراهيم شاهين. تسلّم في 1983 قيادة فرع استخبارات الجيش اللبناني في البقاع وعُيّن في آب 1991 مساعداً لمدير الاستخبارات في الجيش اللبناني وبعد انتخاب العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية في 1998 عُيّن مديراً للأمن العام.

ترأس اللجنة العسكرية اللبنانية في مفاوضات الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في 2000 التي اشرفت عليها الأمم المتحدة ولعب دور ضابط الارتباط بين الدولة والمقاومة وقوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان وشارك في مفاوضات تحرير الأسرى المعتقلين في السجون الإسرائيلية. كان عضواً شبه دائم في الوفود الرسمية اللبنانية إلى القمم العربية وفي زيارات الرئيس لحود إلى الدول العربية والاجنبية. تابع دورات عسكرية عدة ونال عدداً من الأوسمة والتنويهات.

كان الرائد جميل السيد أول ضابط لبناني يتعرض لمحاولة اغتيال من جانب مجموعة صغيرة شكلت اللبنة الأولى بقاعياً في حزب الله الصاعد حديثاً على يد سفير إيران في دمشق السيد علي محتشمي الذي أصبح فيما بعد وزيراً لداخلية إيران وأبرز عناصر التيار الإصلاحي.

صفاته

عرف عن الضابط جميل السيد أمران أساسيان: هما انضباطيته وجديته الكاملة فضلاً عن طموحه اللامحدود ومن خلال هاتين الميزتين وبهما وبسببهما امتلك السيد قدرة تحليل منطقية وقدرة أقوى على الاسترسال والاستطراد في الكلام إلى ان يجد من هو أعلى منه يطلب منه التوقف بعد استفاضة في شرح أفكاره.

حرص جيش الطلائع العربي الذي عاد كتلة واحدة إلى الجيش اللبناني الرسمي في عهد أمين الجميل ومنه اللواء شاهين وضابط اللواء جميل السيد على الانضباط في البقاع جعله يتصرف كجيش تقليدي له مناقبيته ولم يكن يرضى وجوداً منفلشاً ميليشياوياً أو حزبياً حوله أو إلى جانبه فكانت حواجزه محاولة للسيطرة على الأرض وهذا ما كان يزعج حزب الله الصاعد حديثاً بأغلبيته البقاعية الذي كان بدأ عملاً سرياً في المقاومة بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، وكانت عقبته حواجز ((جيش الطلائع)) السابق الذي كان فعالاً في التنسيق مع الجيش السوري ومخابراته في البقاع بعد نكسة خروجه الأول تحت وطأة الحصار الصهيوني لبيروت إلى البقاع، فحصلت صدامات متعددة أثارت غضب أطر الحزب فقررت إزاحة شاهين والسيد من الدرب ورتبت عملية لاغتيالهما في البقاع فنجوا منها بأعجوبة حيث رمى السيد نفسه وسط حقل على الطريق، في قريته النبي أيلا، فكان استيعابه للدرس سريعاً، وساعده أول الأمر نسبه مع أحد العناصر البارزة في الحزب يومها إبراهيم أمين السيد، الذي استعار لقب السيد لاسمه إبراهيم الأمين حيث عائلة الأمين من العائلات الدينية المعروفة جداً على مستوى لبنان وسوريا والعراق وبات اسمه متداولاً بهذه الصفة السيد إبراهيم الأمين الناطق الرسمي باسم حزب الله، إلى ان استقامت الأمور وعاد إبراهيم أمين السيد نائباً ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) في مجلس النواب السابق.

فترة إلياس الهراوي

كان جميل السيد يشغل منصب رئيس مخابرات البقاع في عهد إلياس الهراوي وكانت العلاقة بينهما متوترة حيث كان الرئيس الهراوي يشكوا من تدخلات السيد الزائدة في حياته الشخصية وحياة أسرته في إطار تأمين حياة الرئيس وعائلته. ثم انتقل الرئيس الهراوي إلى مقر الرئاسة الجديد وهو عبارة عن مبنى قدمه رفيق الحريري يقع في منطقة الرملة البيضاء غرب بيروت. واستمرت حماية جميل السيد للرئيس بحكم منصبه، حتى ضاق بهذه التدخلات الرئيس وقرينته. فاستغاث الهراوي كأول استغاثاته من جميل السيد بالرئيس حافظ الاسد وضاق الهراوي ذرعاً بمضايقات جميل الامنية وأوامره بل وتدخله في كل كبيرة وصغيرة حتى انه قال للرئيس الاسد في دمشق يا سيادة الرئيس جميل السيد بيلحقني عالحمام ببيتي..!! وهي احدى الاساليب التي يلجأ اليها الهراوي اذا كان يريد امراً آخر كبيراً وكان يخلط المزاح بالجد. وقدم رفيق الحريري مبنى للرئاسة في غرب بيروت، وانتقل الرئيس الهراوي للاقامة فيه، بينما انتقل جميل السيد إلى مديرية المخابرات حيث عمل نائبا لقائدها. وبعدها استمرت تدخلات السيد ومراقباته للهراوي إلى أن طلب من الرئيس الأسد تخصيص قصر بعبدا، وبالفعل انتقل إلياس الهراوي للاقامة فيه.

وحتى بعد انتقال الهراوي الى قصر بعبدا وانتقال جميل السيد الى مديرية المخابرات فإن العلاقة بينهما لم تهدأ، واستمرت بطرق غير مباشرة، وكما يعتقد الهراوي أن جميل السيد كثيرا ما يدفع الصحفيين إلى كتابة مقالات تنتقده.

كان الزميل سمير قصير أستاذ العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف، والكاتب في جريدة ((النهار)) ذا رأي مستقل ومن أول المنتقدين في كل لبنان للنظام الأمني اللبناني – السوري، وكانت مقالاته في الصفحة الأولى في جريدة ((النهار)) صباح كل جمعة فضلاً عن محاضراته وندواته ومداخلاته عبر وسائل الاعلام الفضائية تغضب جميل السيد كثيراً وكذلك برامج زوجته جيزيل خوري إلى جحيم (جيزيل كانت تقدم برنامجاً أسبوعياً في اللبنانية للإرسال ثم تحولت لتقديم برنامج بالعربي في محطة العربية).

وكانت سيارة للأمن العام بعناصرها فرزهم جميل السيد لملاحقة سمير وجيزيل، مما دفع سمير للاتصال بصديقه الزعيم وليد جنبلاط ناقلاً حالته وتهديد السيد له فوضع جنبلاط مرافقاً مع سيارته تحت تصرف سمير، ولم يرتدع السيد وظل ملاحقاً للرجل وزوجه حتى ان سيارة الأمن العام لاحقت الاثنين إلى عشاء برفقة الرئيس رفيق الحريري في مطعم ((بلنيس)) في آخر الوسط التجاري لبيروت وبعد انتهاء العشاء سارت سيارة سمير التي يقودها عنصر من الحزب الاشتراكي مع موكب الحريري حتى وصوله إلى منـزله في قريطم، واقتربت سيارة الأمن العام من سيارة سمير وزوجه في تحدٍ سافر، لكن عنصر الاشتراكي نزل من سيارته حاملاً مسدساً في يده ووجهه إلى صدر عنصر جميل السيد قائلاً: أمر شو بدهم الشباب فتراجعت سيارة الأمن العام وعناصرها وتوقفت الملاحقة عن سمير بهذه الصفة ليفتعل جميل السيد مشكلة مع جواز سفر سمير العائد من إحدى سفراته فينـزع منه الجواز بحجة تجديده ولا يعاد له لأن سمير حسب رواية الأمن العام فلسطيني المولد، رغم ان جوازه لبناني منذ أكثر من عشر سنوات، إلى ان تم تسليمه الجواز بعد عدة أسابيع.

ولم تكن حالة سمير قصير وحيدة، بل ان الأمر نفسه تكرر بشكل أخف مع الكاتب الصحافي أيضاً جهاد الزين الذي بكّر مثل سمير ليس فقط في انتقاد النظام الأمني اللبناني – السوري بل وفي إعلان نهايته وقبل عدة أشهر، فكان عرضة لتهديد من جميل، لكن الزين كتب في ((النهار)) حيث يرأس قسم صفحات الرأي رداً أكثر لؤماً لم يجرؤ بعده جميل السيد على معاودة الكرة وإن كان كرهه لجهاد الزين أوغر صدره ليفش خلقه بآخرين.

وقصة سحب جواز سفر الصحفية راغدة درغام في لبنان لأنها شاركت كمندوبة ((للحياة)) في نيويورك في ندوة عقدت هناك وكان بين المحاضرين كاتب يهودي، باتت معروفة وقد صمم جميل على موقفه وهو يعلم ان ((الحياة)) مملوكة للأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز السعودي.

كذلك قصته مع رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط السعودية عبد الرحمن الراشد الذي منعه جميل من دخول لبنان فجاء عبد الرحمن غصباً عن جميل وفي وفد ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز.

وأسوأ توقيت اختاره الياس الهراوي ليخلع جميل السيد من منصبه حاملاً شكوى مرة الى الرئيس الأسد بذلك كان مع بدء تركيب ملف كنيسة سيدة النجاة لاعتقال د. سمير جعجع، خاصة بعد ان ذهب الهراوي الى الكنيسة بعد الحادثة وسمع كلاماً قاسياً من رجال الدين والمواطنين المسيحيين محملينه مسؤولية تدبير هذه ((المسرحية)). طلب الهراوي موعداً عاجلاً من الاسد ملحاً عليه استقباله وعلى جدول الاعمال نقطة واحدة هي إخراج جميل السيد وميشال الرحباني من مديرية مخابرات الجيش، فرد عليه الاسد بحسم: ((يا أبو جورج الشباب الآن ماسكين اهم ملف في البلد – اعتقال سمير جعجع – وعندما ينتهي امر هذا الملف نبحث الأمر من جديد)).

انتهى عهد الهراوي رغم التمديد وما زال سمير جعجع في السجن. وظل جميل السيد في مكانه في إشارة الى مكانة هذا الضابط عند حافظ الاسد شخصياً.

عاد الياس الهراوي الى لبنان ليشكو أمره الى المقربين وكان بينهم وزير الدفاع ميشال المر، فاخترع له هذا الاخير منصب رئيس الجهاز المشترك المسؤول نظرياً عن أمن العلاقات بين الجيشين اللبناني والسوري لكنه ظل في موقعه ليضبط حركة الهراوي الذي كثيراً ما حاول التفلت لكنه كان يرد على عقبيه دائماً.

فترة رفيق الحريري

عملت الأموال السعودية على نفخ صورة رفيق الحريري محلياً وعربياً لإقناع المسلمين السنة بأنه خير من يمثلهم. وفي ظل انكفاء مصر بعد جمال عبدالناصر عن أي دور قومي طليعي ورائد، وفي ظل الهجمة الصهيونية التي تذبح الشعب الفلسطيني وقواه وطموحاته ومساعيه للحرية والاستقلال وتقرير المصير وبعد ذلك وحتى الآن في ظل حصار العراق ثم احتلاله وإسقاط صدام حسين وتراجع التمثيل العربي السني في العراق لمصلحة التحالفات الايرانية – الاميركية – الكردية التي نصبت جماعاتها في هذا البلد العظيم.

واجه الحريري معاركه الكبرى مع إميل لحود، لكنه ايضاً عاش معارك لا تنتهي مع إلياس الهراوي وفي معاركه مع الرئيسين كان الحريري يعرف انه يواجه جميل السيد مباشرة أو تحت جنح الظلام.

كان الحريري ينتظر، كلما بلغه لقاء جميل السيد مع إلياس الهراوي، معركة مع الاخير، وكانت معارك الهراوي مع الحريري قياساً بمعارك الحريري بعد ذلك مع لحود سهلة ومحتملة وثمنها معروف، وكان المال وسيلة مهضومة وفعّالة لحل أي مشكلة مع الهراوي، او تعيين قريب او محسوب بغض النظر عن كفاءته او امكاناته.

ومع ان الهراوي جاء برجل مشهود له بالآدمية هو ريمون روفائيل لرئاسة جهاز الامن العام، وكان ابو اسعد واسطة خير دائماً مع الحريري يعاونه اول الامر شقيق زوجه والمستشار السياحي عند الحريري فؤاد فواز وهو الآن المستشار السياحي لنبيه بري الا ان الهراوي كان يبعد روفائيل عن خط الحريري عندما يريد مشكلة معه فيكلف جميل السيد، وكانجميل يتولى تحريض بعض الصحافيين لكتابة معلومات لا اساس لها من الصحة في بعض الصحف ضد حكومة الحريري وشخصه (مثلما يكتب هؤلاء الصحافيون معلومات اخرى غير صحيحة ضد الهراوي نفسه عندما يشتبك معه جميل). كان جميل السيد نائباً لمدير المخابرات في الجيش وقد نجح مع قائد الجيش المعين اميل لحود في تشكيل ثنائي متناغم ضد الهراوي والحريري، وفي جعل الجيش جزيرة معزولة وكان يتعالى على السياسيين دون استثناء حتى الذين ينتظرون اشارة منه لشتم الحريري او الهراوي او بري وكان يجعلهم ينتظرونه على باب مكتبه في وزارة الدفاع بالساعات وهو جالس في غرفته مع صحافيين يلقنهم درس اليوم لينشر تالياً في صحف الصباح تحليلات في الصفحة الثانية او اخباراً صغيرة فيها او على صدر الصفحات الاولى).

كان الحريري يدرك ان الهراوي يريد منه شيئاً فيصعد اليه الى بعبدا ويتناقشان والحل دائماً على الطاولة يناوله الحريري للهراوي فتنتهي المشكلة ويرتاح الهراوي فيغضب جميل السيد.

كان الحريري في حالات يتجاوز فيها الهراوي حدوده وتزداد مطالبه كفرن تلتهم ناره كل ما تضعه فيه، يصعد الى القصر الجمهوري ليفجرها مع الهراوي او ليوقفه عند حده، وكان الهراوي اللماح والذكي يدرك غضب الحريري فيتداركه بنكتة او طرفة تجعل الحريري يستلقي على ظهره ضحكاً وفرقعة، تجعله ينسى كل ما جاء من اجله. [2]

ذهب وليد جنبلاط الى دمشق للقاء مع الرئيس بشار الأسد واثناء الحديث تحدث عن إميل لحود والى ان الرئيس اللبناني يحيط نفسه بعضلات مصطفى حمدان وعقل جميل السيد، فالتقط الاسد الاشارة وخاف على إميل لحود اذا تم ابعاد السيد.

واسطة نصر الله

وكان السيد حسن نصر الله زار دمشق سراً طالباً موعداً عاجلاً من الرئيس بشار الاسد الذي يكن مودة شخصية عميقة جداً لأبي هادي فاستقبله ليسمع منه طلباً بالإبقاء على جميل السيد في مكانه لأن المقاومة لا تستطيع الاستغناء عنه تحت أي ظرف.

اشارة جنبلاط الذكية وواسطة نصرالله المباشرة دفعتا بشار الاسد لأن يوعز بزيارة جميل السيد الى غازي كنعان للإعتذار منه، فاستقبله غازي بعد ان سمع بما جرى في القصر الجمهوري وطوى صفحة مع جميل السيد وأعاده الى حضور اجتماعات مجلس الامن المركزي الاسبوعية.

فترة إميل لحود

كان هم إميل لحود الاول ان يحكم وان يزيل من دربه كل من يعترض سبيله او يحجم مكانته كرجل اول بغض النظر عن الدستور او القانون او الاعراف، وكان يعتبر ان رفيق الحريري هو العقبة التي لا بد من التخلص منها.

وبدأ إميل لحود بالتفاهم مع الجانب السوري استعراضاً للقوى يؤكد فيه مفهومه للسلطة المقبلة في لبنان واتفق الطرفان بتخفيف الحساسية على ان يتولى الجانب السوري وحده هذه العملية فأبلغ العميد غازي كنعان في حينه الرئيس رفيق الحريري ان لمستشاره السياسي والاعلامي نهاد المشنوق اتصالات بجهات إسرائيلية وانه أمام واحد من أمرين: إما ان يتعرض للتحقيق من جانب السلطات اللبنانية وإما ان يترك عمله ويغادر لبنان.

كانت الخطة تقول بأن فقدان الحريري لمساعده الرئيسي والأقرب إليه درس لرفيق الحريري أولاً ولكل الذين يفكرون في التجرؤ على عهد إميل لحود، وما حصل بالفعل انه تم تطبيق البند الثاني حين نفي نهاد المشنوق لمدة ثلاث سنوات خارج لبنان ونفي رفيق الحريري نفسه لمدة سنتين خارج رئاسة الحكومة (1998 – 2000).

عمل لحود مع جميل السيد على تحجيمه قبل ان يصبح لحود رئيساً للجمهورية وكان قائداً للجيش، فحرّم عليه ان يدخل ملعب الجيش وجعل لحود المؤسسة العسكرية في معركة مستمرة مع الحريري وبالاستناد دائماً الى جميل السيد وقدراته وافلامه وأهمها الطعن والتحريض على الحريري دون الطبقة السياسية التي كلف السيد سورياً بتدميرها وابتداع طبقة اخرى بديلة عنها حملت الى مجلس النواب ومجلس الوزراء حثالات من البشر ليحكموا ويشرعوا؟!!.

ثم لما اصبح لحود رئيساً للجمهورية لم يتورع عن بدء عهده بمعركة اقصاء حاسمة للحريري عن تشكيل اولى حكوماته، في اول جلسة عقدها مع الرئيس حافظ الاسد في مطلع ديسمبر 1998.

قال الاسد في هذه الجلسة ان رفيق الحريري هو أنسب من يتعاون معه لحود لتشكيل حكومة العهد الاولى ليبدأ بداية صحية يحتاجها لبنان للخروج من اوضاعه الاقتصادية المتأزمة. لكن لحود قال انه يرى ان سليم الحص جيد ويحب ان يتعاون معه، قال الاسد الحص كويس لكن يمكن تأجيل مجيئه الآن لأن المرحلة تحتاج الحريري، وخرج لحود وهو متمسك برأيه ضمناً حتى ان الاسد كلف غازي كنعان ان يرافق لحود الى بيروت ليقنعه بالحريري وينـزع فكرة تكليف الحص بتشكيل الحكومة من رأسه.

وبدأ كنعان بمعالجة اولى عقبات عهد اميل لحود المتمثلة بترجمة كلام الرئيس الاسد حرفياً وعدم اغضاب او احباط اميل لحود مطلع عهده خاصة وان أبا يعرب يعرف ان لحود هو خيار بشار الاسد الفعلي والعملي، وان بشار يلتقي مع لحود في كراهية الحريري.

وكان الدور هذه المرة على نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، وهو احد الخياطين المهرة العاملين في معمل غازي كنعان بإدارة جميل السيد، فأطلق في بداية مرحلة تكليف رفيق الحريري تشكيل الحكومة بدعة الاستشارات النيابية غير الملزمة التي ستسبق التكليف حسب المادة 53 (زعماً) في محاولة لتحرير اميل لحود من الاغلبية النيابية التي ستسمي رفيق الحريري لتشكيل اولى حكومات العهد، ثم اكتملت المسرحية بتوزيع اصوات النواب كأسهم ((سوليدير أ)) وأسهم ((سوليدير ب)) كما وصف الحريري اللائحة التي قرأها لحود امامه باسماء النواب الذين اقترحوا اسمه لتشكيل الحكومة، اذ قرأها لحود بالتقسيط المريح فلم تتجاوز ارقامها الاولى 60 نائباً اضاف اليها نائبي البعث اللذين فوضاه ثم اضاف اليهما نواب كتلة التحرير والتنمية برئاسة نبيه بري الذي فوضه ايضاً فيصبح عدد النواب الذين سموه لتشكيل الحكومة 83 نائباً، فطلب الحريري مهلة للتفكير بقبوله التشكيل. كانت بداية للإعتذار ثم تصريح للحريري مع شبكة ((سي.ان.ان)) الاميركية تحدث فيه عن بدء عهد لحود بخرق الدستور والاساءة للديموقراطية في خطوة اعتبرها اصدقاء للحريري انها متسرعة (اتصل محمد حسنين هيكل بالحريري، بعد مشاهدته حديثه مع الشبكة الاميركية ليقول له: أبو بهاء لقد تسرعت).

وبدأ الإعداد للخطوة الثالثة في خطة إزاحة الحريري وكانت هذه المرة من فعل اللواء غازي كنعان الذي استند الى حوار مع النائب محسن دلول للبحث عن حل فقال أبو نزار ربما يكون الحل في اعادة التكليف، فالتقطها كنعان على انها بإيحاء من الحريري او انها شرطه للعودة عن الإعتذار، ولم يكن هذا قصد دلول، ولم تكن العلاقات جيدة يومها بين الحريري ودلول بل كان الحريري مبعداً والد صهره عن أي دور اساسي في السلطة او في التشاور.

هنا دبّرها غازي كنعان مع جميل السيد، ففي حين استمع الحريري الى نصائح مقربين ومحبين بالتراجع عن الإعتذار وقبول التكليف، كان الثنائي الامني يكتب مع لحود نهاية المسرحية بقبول اعتذار الحريري المتأهب للصعود الى القصر الجمهوري لاعلان قبوله التكليف حاملاً في جيبه صيغة اول حكومة في العهد الجديد، فسمع عبر وسائل الاعلام قبول اعتذاره ليدرك ان كميناً أعد له في ليل لإبعاده فاستسلم له ليبدأ معه عهد الكيدية السياسية كما اسماها احد اصدقاء الحريري من النواب.

وكان من الطبيعي ان يتساءل الرئيس حافظ الاسد عن سر ابتعاد الحريري وتكليف لحود للرئيس سليم الحص بتشكيل الحكومة فاستدعى غازي كنعان ليروي له ان الحريري وضع شروطاً لتشكيل الحكومة بإعادة الاستشارات وفق ما حمله محسن دلول وفي هذا – حسب وصف كنعان – اساءة وعرقلة للحود في مطلع عهده فإنـزعج الاسد الأب من الحريري وبارك تكليف الحص وقطعت الطريق من يومها على أي علاقة مع محسن دلول وأقفلت ابواب القصر الجمهوري في دمشق امام محسن دلول فلم يزره في السنوات الاخيرة من عمر حافظ الاسد كما لم يـزره منذ تسلم بشار الاسد رئاسة الجمهورية، ومع ضمور دور قادة ملف لبنان الشهابي – خدام – دوبا ثم إحالة الاول والثالث الى التقاعد وعزل الثاني عن أي دور ومع عودة اللواء كنعان الى دمشق رئيساً لجهاز الامن السياسي ثم وزيراً للداخلية ومع كراهية لحود لدلول الذي عمل له بكل قوته ليكون رئيساً وجد أبو نـزار نفسه محاصراً متراجعاً وهو يرى ان اولاده خسروا صفقة الخلوي رغم وعود ثبت كذبها من العميد رستم غزالة خليفة كنعان في رئاسة جهاز الامن السوري في لبنان.

وهكذا.. وفي دربه ازاح جميل السيد خصماً اساسياً من خصومه البقاعيين محسن دلول، حتى انه لم يتورع منذ عدة اشهر وتحديداً عام 2004 عن التحدث اليه طالباً منه التنحي عن مقعده الشيعي في البقاع قائلاً له: ((يا أبو نـزار انت كبرت واخذت حصتك بالكامل وقد جاء دوري لآخذ مقعدك النيابي في البقاع الاوسط لأني اريد ترك الاستخبارات والامن العام والتفرغ للعمل السياسي))، فرد عليه محسن دلول بالقول ((يا ابو مالك خلي المعركة رياضية وأهلاً وسهلاً بك الى ميدان المنافسة الرياضية)).

وكان جميل السيد يستند في طموحه الى دعم مباشر وواضح من الرئيس بشار الاسد الذي كان معجباً بشخصية جميل ودوره وكان تعرّف عليه في دمشق وكان يزوره في بيروت ضمن اهتمامات الاسد برفاق دورته الذين درسوا الاركان معه عندما كان يتهيأ للسلطة وكان يلتقيه مع آخرين في الدورة ومنهم جريس لحود ونديم الاسمر وقد استضافوه الى غداء في نادي اليخوت في الكسليك عندما كان عقيداً في الجيش السوري.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لحود حاكماً والسيّد مديراً

جاء الثنائي إميل لحود وجميل السيد إلى السلطة عام 1998 الأول رئيساً للجمهورية والثاني مديراً عاماً للأمن العام مع كامل الصلاحيات.

وإذا كان صحيحاً ان إميل لحود ليس طائفياً ولا يهمه طائفة أو مذهب أي موقع في لبنان حتى لو كان المديرية العامة للأمن العام، فإن الصحيح أيضاً ان اختيار السيد كان سورياً بالدرجة الأولى، لا بل لعل جميل السيد هو الذي عمل لإيصال إميل لحود نفسه إلى الرئاسة بطلب سوري مباشر وصريح وحاسم.

فتنازل لحود الطائفي والمذهبـي هو سياسي أيضاً باختيار السيد مديراً عاماً للأمن العام، وقد خدم لحود السيد بتوسيع جهاز وملاك وصلاحيات الأمن العام مثلما فعل تماماً الرئيس الراحل سليمان فرنجية في مطلع عهده عام 1971 حين اتفق مع الزعيم الراحل صائب سلام على تصفية المكتب الثاني اللبناني يومها – أي استخبارات الجيش حالياً – ووزع ضباطه سفراء ومبعدين وملاحقين، واستعاض عنهم بتعزيز مكانة وصلاحيات وإمكانات الأمن العام اللبناني مع تعيين المقرب منه اللواء انطوان الدحداح مديراً عاماً للأمن العام فزاد ميزانية المديرية وعززها بالعناصر، وكان قربه من فرنجية يسمح له أن يكون الحاكم الأقوى أمنياً وعسكرياً في لبنان.

ولم يكن جميل السيد ليرضى بهذا الموقع إلا وفق المعطيين الأساسيين وهما:

أن يكون هذا الخيار سورياً وبالمطلق ولخدمة مشروعها في لبنان، وهو يعرف هذا تماماً قادماً بالإرادة السورية ولاستهداف معين يخدم فيه سياستها ومشروعها في لبنان، مثلما يخدم طموحه اللامحدود رئيساً لمجلس النواب إلى زمن تتغير فيه الأحوال ليصبح بإمكانه أن يكون رئيساً للجمهورية فعلاً!؟

صلاحيات مفتوحة على كل الطاقات والافعال المناسبة يريدها موازية لطموحه المهني – وقد برع فيه جداً – والشخصي وقد ((تأله)) حتى لم يبق عنده كبير، وكان هو يردد وعلناً ((والله نحنا قصة كبيرة)) نحنا البلد!!

وكانت الصلاحيات في المديرية العامة للأمن العام والميزانية والعديد والسلطة والهيبة كلها مكونات توافرت بعوامل موضوعية بقرارات من السلطة وذاتية بقدراته الشخصية الكبيرة حقاً.


فهو ان جميل السيد، وهو الخبير العارف بمكانته الكبيرة وأهميته داخل جهاز الاستخبارات العسكرية، لم يكن ليرضى أن يتخلى عن إدارة جهاز مسؤول عن 50 ألف عسكري ضباطاً وجنوداً ومديريات وعتاداً ومهمات واستراتيجيات ليقبل جهازاً للأمن العام تكاد أفضل مهماته تكون في إصدار جوازات السفر وتصاريح استقدام السيريلانكيات وكتابة تقارير عن هذا وذاك..

كانت السواعد الأقوى مع جميل السيد في مديرية الأمن العام هي في تجيير مدعي عام التمييز عدنان عضوم لخدمة موقعه بالقانون والمؤسسات.

كان جميل السيد يدرك انه يتخلى عن موقع نائب مدير الاستخبارات العسكرية حيث ليس فقط مسؤولية50 ألف عسكري بل وأساساً حيث المؤسسات الفائقة الأهمية العظيمة الصلاحيات، سواء في الضابطة العدلية أو المحكمة العسكرية والقضاء العسكري والشرطة العسكرية وصلاحيات التحقيق وقبول الإخبار والتحقيق فيه.. وقد وفر هذا كله انسجاماً كاملاً مع النيابة العامة التمييزية كانت في عهدة عضوم خاتماً في إصبع جميل السيد ودائماً بوصاية ورعاية وأمر سوري حاسم، وكم من الملفات الكبيرة فبركت في مناخ هذا الانسجام.

وكان أمراً مثيراً للسخرية ان يلجأ السيد إلى هذه النيابة العامة التمييزية مدعياً على نفسه – إخباراً عنه وعن زملائه الذين لم يكلفه أحد منهم بذلك وهم قادة أجهزة – في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوم 14/2/2005.

علاقاته بغازي كنعان

وكان جميل السيد مفتاحاً لكل يد تتملكه، من يد اميل لحود ضد رفيق الحريري، الى يد غازي كنعان ضد اميل لحود، وكان خلاف غازي كنعان مع اميل لحود، فرصة كي يجرب كنعان هذا المفتاح خدمة للحريري هذه المرة ضد اميل لحود.

فقد تمرد لحود على كنعان ولم يعد يتصل به كي يخاطب بشار الاسد، بل اعتمد الاتصال المباشر احياناً وكان يكلف رجل الاعمال طه ميقاتي كي يقوم بدور المتصل بالاسد لحل قضية ما للحود مما كان يغيظ كنعان وهو لا يريد اغضاب ميقاتي صديق بشار فكان مستعداً لإغاظة لحود.. وكانت الفرصة مؤاتية في انتخابات 2000 النيابية.

كان الحريري خارج السلطة، وقد اعمى حقد لحود عليه عينيه وبصره وبصيرته حتى لم يعد يرى الا كيف يشنع عليه ويشيع ويفبرك، وكانت الوسيلة الاعلامية (تلفزيون لبنان) هي بابه لهذا السلوك فخدم دون ان يدري الحريري ومده بشعبية كاسحة اوصلته الى اكتساح انتخابات بيروت عام 2000 نكاية بلحود انما دائماً بتدبير من غازي كنعان منتقماً من لحود نفسه.

وأدى غازي كنعان وجميل السيد أدواراً مهمة في ترتيب وضع الحريري في بيروت، من خلال تركيب لوائح بيروت الانتخابية بعد تقسيم العاصمة الى ثلاث دوائر.

قال غازي كنعان لرفيق الحريري: ((أبو بهاء لك كل بيروت فاترك لنا المقعدين الشيعيين الاول لحزب الله والثاني لناصر قنديل))، ولم يجد الحريري مشكلة في طلب كنعان فرضخ له.

وقال غازي كنعان لرئيس الحكومة سليم الحص خصم الحريري الانتخابي في الدائرة الثالثة في بيروت: ((دولة الرئيس خذ ناصر قنديل على لائحتك فرفض الحص التخلي عن حليفه محمد يوسف بيضون فكان ثمن الرفض إسقاط الحص وحليفه والمجيء بناصر قنديل في حملة قادها جميل السيد لفرض قنديل نائباً)).

وتولى كنعان والسيد خداع تمام سلام الذي كان شكّل لائحة لمنافسة الحريري انتخابياً في الدائرة الثانية من خلال إيهامه بأن السلطة وسوريا ستؤيده في هذه الانتخابات ضد الحريري، ليكتشف متأخراً ان الاثنين خدعاه وانهما فرضا حزب الله على لائحة الحريري في دائرته بينما كان سلام يستند الى قوة الحزب الانتخابية الشيعية في دائرة المصيطبة.

وجاء الحريري على حصان ابيض.. نعم لم يكن لجامه كله في يديه، ففي كتلته النيابية وديعة سورية مكونة من اربعة نواب على الاقل هم ناصر قنديل وبشارة مرهج وعدنان عرقجي وباسم يموت فضلاً عن ان غازي العريضي رغم انه حمامة سلام بين الحريري وجنبلاط الا ان جذوره ساعة الحقيقة جنبلاطية مئة بالمئة، اضافة الى الاصل السوري لنبيل دو فريج.

وليردد اميل لحود في مجالسه ان الحريري اشترى جميل السيد بأموال طائلة في هذه الانتخابات دون ان يجرؤ على ذكر اسم غازي كنعان في هذه المنفعة مورداً رقم 15 مليون دولار ثروة جمعها جميل السيد، وكان الاخير يردد انه معتز انه لم يجمع قرشاً واحداً من موقعه الرسمي وان ماله كله جاء من السياسة وهو تقليد بات كثيرون من المتعاطين في العمل السياسي يرددونه أي انهم لم يجمعوا اموالهم من الدولة او استغلال المناصب بل جمعوها من عملهم السياسي استشارات لهذا المتمول أو ذاك سواء سياسياً او غير سياسي، وصفقات في القطاع الخاص وسمسرات هنا وهناك وقسائم نفط عراقية لا شأن للبنان فيها او ((قسمة ضيزى)) اعتمدها النظام المافياوي الامني اللبناني – السوري بين ادواته في لبنان؟!!

وعندما شكل الحريري حكومته الاولى عام 2000 في عهد لحود لم يكن مطلق اليدين كالعادة فقد اقصي عنها أي تمثيل سني من كتلته النيابية كما اقصي عنها أي تمثيل مسيحي وفرضت عليه ثقالات سياسية وأخلاقية كان مكلفاً بحملها دون حتى الوعد بتغيير سلوك ونهج وممارسات اميل لحود وجميل السيد ضده، وساد بين الاثنين نهج غسيل القلوب أي ان يفعل اميل لحود ما يريد مقابل ان يسكت الحريري عما يريده لحود، واذا تحدث او تنفس انهالت عليه الأسواط من جميل السيد في الاعلام وفي الامن وفي الاشاعات.

ولم تفد كل الاغراءات التي وفرها الحريري للسيد قبل وبعد وخلال الانتخابات النيابية عام 2000 فجميل السيد لا صاحب له الا جميل السيد.

كان الحريري يستيقظ صباح كل يوم باكراً على خبر او تعليق في صحف الصباح البيروتية فيقرأه سواء نازلاً على درج منـزله الاصلي في قريطم او في بهو منـزله الملحق فيدرك أن غازي كنعان يستهدفه بأمر ما نتيجة ((تقصير)) ما او هفوة او تسريبة او فيلم رتبه جميل السيد.

وكان اسوأ وأكثر ما يؤلم الحريري وهو يعلم ان جميل السيد مكلف من غازي كنعان بإيذائه سياسياً هو مد يده الى الملعب الاساسي لرفيق الحريري وهو الملعب المالي او الاقتصادي.


حرّم الثنائي لحود – السيد برعاية غازي كنعان على الحريري الدخول الى ملعب الجيش وملعب مجلس النواب حيث كان نبيه بري (وحزب الله) يتصدى له وأيضاً برعاية سورية، اما ان يقتحموا عليه ملعبه المالي والاقتصادي فكان هذا ضرباً تحت الحزام بالنسبة الى الحريري.

كان الحريري يدرك ان الياس الهراوي سبق ودخل هذا الملعب انما بأسلوب بدائي ومكشوف فكان يتصل بمصرف B.N.P.I لصاحبه هنري تيان ليقلب امواله فيه من ليرة الى دولار اميركي في اشارة الى عدم ثقة رئيس البلاد بالعملة الوطنية ويتكفل جميل السيد بتعميم هذا الاتصال على سياسيين واقتصاديين ورجال أعمال ومال محليين وعرب وكان الحريري يلتقط الاشارة فيذهب الى الهراوي ليشوف خاطره في هذه المسألة، حتى اذا رفع الهراوي سعره اضطر الحريري للذهاب الى السوري فكان يدفع لحل هذه المسألة مرتين مرة للهراوي ومرة للسوري، وكان هناك من ينصح الحريري بألا يشتبك مع احد حتى لا يدفع دائماً ثمن المصالحة للسوري او لالياس الهراوي.

اما ان يدخل جميل السيد على الخط فكانت هذه اشارة خطرة بالنسبة للحريري بعد ان بلغه ان السيد اقام علاقات واسعة وعميقة مع عدد من اصحاب المصارف اللبنانية ومنهم صاحب ((سوسيتيه جنرال)) موريس صحناوي، بل ان هذه العلاقة تعمقت بين الاثنين الى درجة توزير صحناوي في حكومة عمر كرامي الاخيرة بعد ان وصلت الى الحريري اخبار عن تلاعب صحناوي بالعملة الوطنية لضربها خدمة لمشروع لحود – السيد قبل التمديد القسري لاميل لحود.

وقد سبق للحود والسيد ان حاولا اختراق صفوف المشروع الاقتصادي للحريري من خلال اقتراح لحود تشكيل لجنة مشتركة بين مجموعة الحريري ومجموعة ابتدعها السيد للحود لوضع ومناقشة الحلول المقترحة للمديونية اللبنانية – وكان هذا يعني تجميداً عملياً لكل حركة اقتصادية يقدم عليها الحريري فضلاً عن تسجيل فشل كامل لتوجهاته، وعرقلة أي محاولة جديدة وصولاً الى تعطيل كل محاولات الانقاذ عبر مؤتمر اصدقاء لبنان وباريس 1 وباريس 2 وقد تم التعطيل الكامل ودفع لبنان غالياً هذا الثمن وتم تحميل المسؤولية كالعادة لرفيق الحريري.


مصطفى حمدان

مصطفى حمدان

جاء إميل لحود على حصان أبيض كان جميل السيد يضع قماشة سوداء على عينيه وكان لجامه الحقيقي في يد غازي كنعان لكن لحود أصعد خلفه على الحصان مرافقه الشخصي بطوله وعضلاته العقيد – العميد مصطفى حمدان.

ومثلما ابتدع السوريون – كسابقة فرنجية المختصرة – صلاحيات وإمكانات وتوسعاً وتجييراً قضائياً للأمن العام ابتدع إميل لحود عديداً وميزانية وصلاحيات وإمكانات للحرس الجمهوري بقيادة مصطفى حمدان ليوازن به حركة وقوة الآخرين وخاصة جميل السيد.

كان لواء الحرس الجمهوري قوة مستقلة عن الجيش حتى لو كان نظرياً تابعاً لقيادة الجيش، لكن لحود لم يرض أبداً أن يكون مجرداً من السلاح.

كانت ضخامة عديد وميزانية الحرس الجمهوري المتوافرة من الصندوق الأسود في كازينو لبنان – كغيره من المصادر الأخرى غير المرئية، والتي تبلغ عشرات ملايين الدولارات سنوياً (الكازينو يوفر وحده 78 مليون دولار يوزع هذا المبلغ كما مبالغ المصادر الأخرى أيضاً على عديدين في لبنان وسوريا) تشكل عنصر توازن قوة للحود مع جميل السيد تحديداً أو أية جهة لبنانية أخرى يريد لحود إرعابها أو تطويعها، ألم يكن الصاروخان اللذان اطلقا على ((مرئية المستقبل)) عام 2001 رسالة واضحة الى رفيق الحريري؟

وكان أول من استوعب رسالة قوة الحرس الجمهوري هو سفير أمريكا السابق في لبنان (نائب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية حالياً) ديفيد ساترفيلد عندما حضر بصفته الاولى العرض الذي قدمه الحرس الجمهوري في ((عيد الاستقلال)) عام 2000 وحضره الى جانب لحود رفيق الحريري بصفته رئيساً للحكومة الثانية في عهد لحود الاولى له في هذا العهد.


((تمتع)) حضور العرض بالمعارك اليدوية وبالسلاح الابيض بين عناصر الحرس الجمهوري ليلتفت ساترفيلد الى وزير المالية فؤاد السنيورة قائلاً له: ((مستر سنيورة هذه رسالة من مصطفى حمدان إلى رفيق الحريري، فهل هو مستعد للمنازلة؟)).

سمعت النائبة السيدة بهية الحريري هذا السؤال من السفير الاميركي فردت قائلة: ((على الرئيس الحريري الآن توفير الامكانات لأبي طارق (الشهيد يحيى العرب المرافق الشخصي للحريري وسقط معه يوم 14/2/2005) لكي ينازل مصطفى حمدان)).

بدأ عهد لحود على الضفة السورية بهذه التركيبة الثنائية ليبعد عن نفسه صفة الأول او الثاني مع جميل السيد، فجاء بمصطفى حمدان وعزز وضعه ليحكم هو بثنائية من تصوره أي ثنائية السيد - حمدان.


ومع ان جميل السيد متزوج من ابنة عم مصطفى حمدان السيدة سوسن وشقيقها فؤاد الآن مدير عام الاتصالات – اوجيرو. الا ان عقلية جميل واستعداداته العملية للمبادرة والابداع وتمرده الداخلي الخادم لمصلحته الشخصية وهي في نفسه فوق أي اعتبار وقدرته على فعل الشيء ونقيضه وكتابة التقرير ونقيضه واقناعك بالشيء ونقيضه، تختلف تماماً عن عقلية مصطفى حمدان الموظف المنضبط شأنه شأن اعظم ابناء اقليم الخروب الذين امتهنوا الوظيفة الرسمية التي توفر الضبط والربط والدوام واحترام التراتبية في بيروقراطية مشهودة، وليس من المصادفة ان يختار اميل لحود ابرز مساعديه من بين ضباط الجيش المنتمين الى هذه المنطقة، وهم يتمتعون بكفاءة ادارية عالية وعملهم الوظيفي فوق كل اعتبار.

فإميل لحود كان يعرف ان مصطفى حمدان لن يتخلى عنه او يبيعه كما يمكن ان يتخلى عنه ويبيعه جميل السيد مثلاً. وأكثر من هذا كان اميل لحود يعرف ان مصطفى حمدان لن يكتب تقارير ضده حتى الى السوريين بينما كان يدرك تماماً ان جميل السيد مستعد ان يكتب تقارير عن اميل لحود وحتى عن جميل السيد ايضاً

فهذا الرجل – جميل السيد – مبدع في الكتابة ويستهويه قراءة خطه الذي كتبنا سابقاً انه لا يخطىء فيه بحرف، وكان يكتب موجزاً دورياً للسوريين يتناول فيه ليس كتابة المعلومات فقط بل وأساساً كتابة الاستنتاجات والتحليلات التي يتوصل اليها بناءً على هذه المعلومات، وكفاءته تسمح له بأن يكتب تحليلات ويستخرج استنتاجات مضادة بناء على معلومات مضادة ايضاً.


ولم تكن العلاقات دائماً ((سمناً على عسل)) بين اميل لحود وجميل السيد وما قوة او تقوية مصطفى حمدان وحرسه الجمهوري الا للتوازن مع جميل السيد ومهاراته وامكاناته، خاصة وان اسماع لحود كانت تلتقط تمرداً من جميل السيد ضده وكلاماً كبيراً حول دوره في المجيء به الى السلطة، قائلاً في احدى المرات ((نحن بذلنا الدماء كي يصل اميل لحود الى السلطة، فهل يظن نفسه انه اصبح حافظ الاسد في لبنان؟)).

وكانت تعابير الخلاف احياناً بين لحود والسيد تمر عبر مصطفى حمدان الذي كان يصدر تعليماته الى ضباطه بمنع أي منهم من زيارة جميل السيد او الاستماع الى أي معلومة او تعليمة منه، والامر كذلك كان سارياً عند جميل السيد وضباطه فكان منعهم من زيارة القصر الجمهوري او لقاء مصطفى حمدان او التعاون معه في أي حقل او ميدان.

وكانت الامور تتطور من حالة الى اخرى فينقل السيد ضباطاً من الامن العام يشك بعلاقاتهم مع الحرس الجمهوري، وينقل مصطفى حمدان ضباطاً في الحرس يشك بعلاقتهم بجميل السيد.

وكان هناك صراع المودة ايضاً اذ كان السيد وحمدان يتسابقان ويتنافسان حول من هو الأقرب الى عقل وقلب اميل لحود، وكان هذا السباق ينـزل الى الساحة اللبنانية والبيروتية خاصة، فيلجأ كل منهما الى شراذم ودكاكين وأحزاب لا قيمة لها لاحتضانها وتقوية نفوذ كل منها على حساب الاخرى ترجمة للمحبة بين السيد وحمدان وسباق الفوز بعقل وقلب اميل لحود.

وكان لحود اقرب دائماً الى طرف حمدان ليس لأنه الأقرب فقط، وليس لأنه ينفذ كل ما يطلب منه دون نقاش، بل لأنه متفق معه تماماً على ان لحود لا يدين بمجيئه الى الرئاسة الى دور جميل السيد كما كان السيد يشيع ويتباهى حتى يكون تحت وصايته بل هو يدين للسوري مباشرة في مجيئه الى الحكم عام 1998، وكان حمدان يردد ((يا فخامة الرئيس انت وجميل السيد من منبع واحد ولا فضل له عليك فالسوري جاء بكما معاً))، وكان لحود يجن جنونه عندما يصله كلام السيد ويبدأ بالسباب والشتائم ضده، بل اقسم انه لن يتركه لحظة في مكانه، خاصة بعد ان بدأ يقرأ تقارير تعد له ساعة بساعة مقالات في صحف الصباح تنتقده وتجرح في عهده وكان يعرف من اسماء كتابها انها من فبركة جميل السيد.

استدعى اميل لحود ميشال المر وارسله على عجل الى دمشق ليخلع جميل السيد، متجاوزاً غازي كنعان في عنجر فأحاله من في دمشق الى غازي كنعان فعاد المر الى المركز البقاعي الاستخباراتي فلم يجد كنعان فتوجه الى بعبدات لمقابلة لحود ونقل الرسالة السورية له فوجد عنده أبو يعرب يقول له بمودة: ((فخامة الرئيس: انت تقلع عيناً من عيني وانت تكسر يداً من يديّ ولكن اترك لي جميل السيد، فأنا لا استغني عنه، فوافق لحود شرط الا يقوم جميل السيد بأي دور امني او سياسي الآن اما بعد ذلك فيتم كل ذلك تحت اشرافه.

وهكذا عندما كان جميل السيد يختلف مع الياس الهراوي كان يجد حماية من حافظ الاسد الى اميل لحود، وحين كان يختلف مع اميل لحود فإن غازي كنعان كان يحميه، اما حين يختلف مع الحريري او بري فإنه كان يجد لحود وكنعان خلف السيد دائماً.


الحياة الخاصة

متزوج من سوسن حمدان ولهما اربعة أولاد: مالك ومازن وسامر وسارة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضا

المصادر

  1. ^ "اللواء جميل السيد: الملاحقات القضائية بحقي "لم تعد جائزة قانونا"". حزب البعث. 2004-06-19.
  2. ^ "ملف اللواء السابق جميل السيّد". يا بيروت - نقلاً بالحرف والصورة من مجلة الشراع اللبنانيّة.