السيطرة وليس الحكم

السيطرة وليس الحكم
العسكر والتطور السياسي
في مصر والجزائر وتركيا
Ruling but Not Governing
The Military and Political Development in Egypt, Algeria, and Turkey
415IuUuAN4L SS500 .jpg
المؤلفستيڤن كوك Steven A. Cook
البلدUSA
اللغةEnglish
السلسلةكتب مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations Book
الموضوعتحليل سياسي
الناشرJohns Hopkins University Press
الإصداريونيو 2007
عدد الصفحات208
ISBN978.0801885914

السيطرة وليس الحكم تأليف ستيفن كوك، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي. الكتاب يناقش قضايا الحركات الإسلامية والمؤسسة العسكرية والسياسة وتطور التفاعل مع بعضهم البعض، وذلك بغرض شرح أولاً لماذا بعض الدول مقاومة للتغير الديمقراطي، وثانياً، كيف يمكن للاعبين الخارجيين أن يلعبوا دوراً في حلحلة الجمود السلطوي.

جزء كبير من أهمية الكتاب يعود للهيئة الصادر عنها، والتي توصف بأنها من أهم صناع القرار الأمريكي في السياسة الخارجية. ويمكن النظر للكتاب على على أنه دعوة للابقاء على سيطرة المؤسسات العسكرية في بلدان الشرق الأوسط.[1]

الكاتب يرى أن القاسم المشترك بين الحالات الثلاثة هو أن جذور وأيديولوجية ونظام عمل كل من تلك الدول يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمؤسسة العسكرية. فمصر والجزائر وتركيا، بالرغم من الفروق العديدة، يطرحن تشابهاً بنيوياً أخاذاً من ناحية الحوكمة: فالمؤسسة العسكرية في كل من تلك البلدان في النهاية تسيطر على كل الأمور بدون أن تغوص في سفاسف ادارة الشأن اليومي. فالعسكر، في نظر كوك، يسيطرون دون أن يديروا. فالانتخابات والدساتير والمجالس التشريعية والأحزاب السياسية والإعلام بالرغم من أنهم بالتأكيد أكثر من مجرد واجهة، إلا أنهم عرضة بمطاوعة لهذا التحكم الشامل. ويمكن فهم هذا النظام من خلال العلاقات المتأرجحة مع قوى الإسلاميين، تلك العلاقات التي تتميز بالاحتواء داخل النظام حيناً والانقضاض عليها أحياناً أخرى. وبالرغم من أن تركيا تطرح أربعة أمثلة لانقلابات عسكرية صريحة (آخرهم في 1997)، إلا أن هذا البلد يبدو الآن على مشارف كسر هذه الحلقة المفرغة السلطوية خاصة والبلد بصدد تلبية معايير الانضمام للاتحاد الاوروبي، وأي تدخل عسكري سيطيح بذلك المطمح الذي شغف به عسكر أنقرة. ويعتبر الكاتب التطور التركي منذ 1996 مثالاً على أهمية الحافز الخارجي في حلحلة الجمود السلطوي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الكاتب والمجلس

ستيفن كوك هو زميل أكبر متخصص في أمور الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية. وقبل أن يشغل هذا المنصب فقد عمل معاهد الأبحاث التالية: معهد بروكنگز، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني. تخرج من جامعات ڤاسر، جونز هوپكنز وپنسلڤانيا.

مجلس العلاقات الخارجية هو من أكثر، إن لم يكن أكثر، مراكز صنع القرار غير الحكومية تأثيراً ونفوذاً. وقد أنشأه أكبر رأسي مال في التاريخ، ج ب مورجان وجون روكفلر، عام 1921 كقناة اتصال وتنسيق بين قطاع الأعمال (أي رؤوس الأموال) والحكومة الأمريكية.


استعراض الكتاب

الباب الأول: منطق استقرار النظام

الكاتب يقول أنه في مطلع التسعينات أجمع المحللون والمنظرون على أن الأنظمة السلطوية في الشرق الأوسط أصبحت على وشك الانهيار ليحل محلها أنظمة ديمقراطية. ولكن العسكر في الدول الثلاث أثبتوا قدرة على السيطرة حطمت كل النظريات. فيلاحظ الكاتب أنه "بالرغم من أن قادة الشرق الأوسط قد تغيروا سواء بالتوريث، أو بمؤمرات البلاط أو حتى بالانتخابات فإن النظام السياسي السلطوي وشبه السلطوي في هذا الجزء من العالم قد بقي مستقراً بطريقة مثيرة للاعجاب."

خلفية نظرية

يؤيد الكاتب رأي أنطونيو جرامشي بأنه "من السذاجة الاعتقاد بأن المجتمع المدني إذا قوي فسيقدر على نزع سلاح العسكر".

الباب الثاني: جـُزر المؤسسات العسكرية المصرية والجزائرية والتركية - درجات استقلالية الضباط


الباب الثالث: القوة العسكرية والفشل في تحقيق "متوسط عادل" (الجزائر)


وأخيراً يلاحظ الكاتب أنه منذ تولي بوتفليقة الرئاسة فقد قام ببعض المبادرات، وبعضها لم ينجح. ويردف قائلاً (ربماً معللاً) بأن قادة العسكر خلال الحرب الأهلية لم يغادروا جميعاً فالجنرالين محمد مدين وسماعين لعماري (توفي أغسطس 2007) ما زالا مسيطرين.


الباب الرابع: مأسسة نظام قائم على العسكر (مصر)

محمد حسين طنطاوي
عصام العريان

الحالتان التي يذكرهم الكاتب (ص 86) للعلاقات بين المؤسسة العسكرية والإسلاميين قديمتان إلى حد ما.

المخاوف بشأن العلاقات المصرية الأمريكية تصاعد في 1991 عندما وقفت القاهرة في صف واشنطن في محاولة رد غزو صدام حسين للكويت. بصفة عامة فالاخوان لم يساندوا لا مطالبة العراق بالكويت ولا مشاركة مصر في التحالف الدولي الدبلوماسي والعسكري بقيادة الولايات المتحدة لإجبار العراق على الانسحاب من الكويت. ومثل جبهة الانقاذ الإسلامية بالجزائر، فالاخوان كانوا منافسين أيديولوجيين لفكر حزب البعث العلماني.، إلا أن الاخوان اعترفت بأن للزعيم العراقي جاذبية غامضة. وحسب المرشد الأعلى للاخوان، مأمون الهضيبي، فصدام "أصبح رمزاً للمقاومة لمقاومته تحالفاً هائلاً" وأنه بفعله ذلك "فقد امتلك الشعب وضميره". وقد وصف الهضيبي المواجهة مع العراق بأنها "حرب استعمارية" وأكد في حديث مع صحيفة لو موند أن "المشكلة ليست صدام، ولكن هي قوته ... القصف ليس طريقاً لتحرير الكويت، وإنما لإبادة العراق" اشارات الهضيبي "للاستعمار" و"الشعب" والخراب الذي خلفته هجمات الحلفاء على العراق مثل انتقاداً حاداً، وإن كان مبطناً بالكامل، للمؤسسة العسكرية المصرية، التي بمساهمتها ب 35,000 من القوات المقاتلة في الخليج فقد كانت رابع أكبر قوة في المنظقة (بعد الولايات المتحدة، بريطانيا والسعودية). والتضمين بأن الصفوة العسكرية السياسية بمصر، التي يعتمد خطابها الوطني على مقاومة التغلغل الأجنبي وإرادة الشعب، تسلك مساراً مضاداً لهذه المبادئ الوطنية.

مجهودات الاخوان المسلمين لإثارة أسئلة حول المؤهلات الوطنية لصفوة الدولة في مجالات سياسات الدفاع والأمن لقت ردوداً متباينة من المؤسسة العسكرية. ففي الثمانينات سعى المشير عبد الحليم أبو غزالة، ببعض النجاج، لأن ينزع الفتيل عن انتقادات الإسلاميين للعسكر. وزير الدفاع قام بسلسلة من المبادرات تجاه الاخوان بالتنويه على تمسكه وأفراد أسرته بأهداب الدين و خاصة حقيقة أن زوجته ترتدي الحجاب. بالاضافة لذلك، فقد شدد أبو غزالة على أن مهمة القوات المسلحة المصرية ونظرتها للعالم تتفق مع مبادئ الإسلام. (وقد رحب الكاتب الإسلامي محمد عبد القدوس بقول أبو غزالة أن المؤسسة العسكرية هي مؤسسة جميع أبناء الشعب- من هامش الكتاب). ولاحقاً فقد قام أبو غزالة ثم خلفاؤه يوسف صبري أبو طالب ومحمد حسين طنطاوي بالتباهي بمجهودات القوات المسلحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتطوير رادع مناسب للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وبذلك يدحضون مآخذ الاخوان، على الأقل إلى حد ما. وعموماً فالمؤسسة العسكرية حرصت على أن تنأوا بنفسها عن الانتقاد، بالرغم من أن ضباطاً مثل اللواء أحمد فخر، والذي كان مساعداً لأبو غزالة وناطقاً باسم القوات المسلحة، قد قاموا بالرد. فخر وبخ المعارضة لمناقشتها عناصر حساسة في سياسة الدفاع (بما فيها العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة) مدعياً أن مثل تلك المناقشات قد تهدد الأمن القومي. وبهذه الطريقة، فالعسكر قد أرسلوا رسالة واضحة للعامة: مفادها أن الاخوان لا يتحلون بالمسئولية عند فيما يختص بأمن البلد.

الرد على انتقادات الاخوان للسياسة المصرية خلال حرب الخليج كان أكثر حدة. فرداً على الاتهامات بأن مصر كانت متواطئة في العدوان الاستعماري ضد بلد عربي مسلم، فقد قام عدد من كبار الضباط المصريين مثل اللواء محمد علي بلال، قائد القوات المصرية بالخليج، بالتأكيد على الجانب المقدس في مهمة القوات المصرية في الصحراء السعودية - ألا وهو حماية الحرمين الشريفين من الغزو. ومن جانبه انتقد الرئيس مبارك الاخوان في محاولة لتقويض الشرعية الوطنية والدينية للموقف الإسلامي.

الباب الخامس: المعضلة التركية: القوة السياسية للإسلاميين والنظام السياسي الكمالي


الباب السادس: نحو انتقال ديمقراطي

تبدل اجماع المحللين والمنظرين لأنظمة الحكم في الشرق الأوسط من توقع تغيير ديمقراطي شامل في مطلع التسعينيات إلى تشاؤم عميق من امكانية حدوث ذلك في عام 2007. الكاتب يعزو هذا التبدل إلى عدم رصانة النظريات التي اعتمد عليها المحللون، وإلى أنهم تركوا أنفسهم نهباً للأحداث تسوقهم؛ في حين أن قراءة لصيقة للأحداث في مصر والجزائر وتركيا تعطي فهماً أدق. غرض هذا الباب من الكتاب هو اقتراح طرق مفيدة للمحللين المعنيين ب[صياغة] السياسات الذين يريدون معرفة كيف يمكن للاعبين خارجيين أن يدعموا التغيير السياسي في أنظمة سياسية يسيطر عليها عسكر.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تقييد الحياة السياسية التقليدية في الأنظمة السلطوية

المحللون للأنظمة السلطوية كثيراً ما يصفون تلك الأنظمة بأنها "حكم بقانون" وليس "حكم القانون" كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية. إلا أن هذا التفسير بفشل في الأخذ بعين الاعتبار "الأعراف غير المكتوبة" والتي يصفها الكاتب بالمؤسسات غير الرسمية والتي تحكم كافة مناحي الحياة في الشرق الأوسط، مثل قواعد المرور غير المكتوبة التي يعبر بها المشاة شوارع القاهرة. تلك المؤسسة غير الرسمية هي التي تقيد الحياة السياسية في تلك البلاد. فالصفوة السياسية العسكرية في البلدان الثلاثة تتجشم متاعب الابقاء على واجهة من المؤسسات "الديمقراطية الكاذبة" أو "شبه الديمقراطية" لتبقى بعيداً عن الأنظار ولكيلا تتورط في ادارة الشأن اليومي للبلاد وطالما أنها تستطيع التدخل وقتما أرادت وإزاحة تلك الواجهة. وحتى في تركيا فالكاتب ما زال يعتقد أن العسكر بإمكانهم في أي وقت التدخل وإزالة أي من تلك المؤسسات شبه الديمقراطية مثل البرلمان أو الرئاسة.

المشكلة في نظر الكاتب هي في المعارضة والمثققين الذين يعتقدون بجدية المؤسسات كاذبة الديمقراطية والقوانين المكتوبة والانتخابات، مما يضطر الصفوة للتدخل حين الاحساس بأن استقرار النظام في خطر مثل حالة أن توشك المعارضة أن تسيطر على أحد تلك المؤسسات كاذبة الديمقراطية. فمثل تلك السيطرة قد تمهد الطريق لتغيير طبيعة النظام الذي يسيطر عليه العسكر.

فحتى مع مطالبة المجتمعات العربية بمزيد من الحرية، وفي النهاية الكرامة، فإن الأنظمة السلطوية تظل مسيطرة

كسر ظاهرة الاستقرار السلطوي

التجربة التركية منذ عام 2002 تبين أن منطق استقرار النظام يمكن يـُضـْعـَف، لفتح الباب أمام احتمالات تطور أنظمة أكثر ديمقراطية. وبالرغم من أن التناقضات والمشاكل الداخلية كان لها دخل في التغيير الحادث في تركيا، إلا أن العامل الحاسم كان موقف الاتحاد الاوروبي تجاه تركيا. وبينما تبدو من الموضة، خاصة، للصفوة العربية أن تتشدق بشعار "الديمقراطية لا تفرض من الخارج"، إلا أن درس الاتحاد الاوروبي-تركيا يوضح أن الولايات المتحدة وفرنسا بإمكانهما لعب دوراً لتسهيل الظروف المواتية للتغيير الديمقراطي في مصر والجزائر. إلا أنه يجب أولاً فهم ما هو الضروي لإضعاف منطق استقرار النظام.

ما هو الضروري؟

جمال مبارك

لنحو ست سنوات والمصريون يخمنون على الملأ من سيخلف حسني مبارك كرئيس. والتاريخ يقترح أن عسكرياً سيتولى الرئاسة ليملأ أي فراغ في المستقبل. وفي الواقع فذلك هي توقع مختلف المحللين والمسئولين. إلا أن هناك شائعات لا تختفي بأن مبارك يريد أن يخلفه ابنه جمال. وقد تولى جمال مناصب مرموقة كمساعد الأمين العام للجزب الوطني الديمقراطي، وكرئيس للجنة السياسات بالحزب.

ويقول الكاتب لو أن جمال، الذي لا يملك خبرة عسكرية، تولى الرئاسة، فسيكون ذلك تغيراً مؤسسياً هاماً للنظام السياسي في مصر. فلأول مرة في تاريخ مصر الحديث ستنفصل المؤسسة العسكرية عن الرئاسة. ومن الواضح أن تمدين الرئاسة هو ضروري للتغيير الديمقراطي في مصر. فرئيس مدني قد ينذر بمؤسسة عسكرية ناشطة سياسياً و مستقلة. فانتماء مبارك للمؤسسة العسكرية يحصن مصر ضد الانقلابات. ونظراً لنفوذ الضباط فإن جمال أو أي مدني سيأتي للرئاسة سيحتاج لبناء علاقات داخل تلك المؤسسة الأهم على الإطلاق. ونيجة لذلك فالرئيس المدني لن يكون حراً في اتخاذ سياسات مستقلة عن المؤسسة العسكرية. فعلى سبيل المثال، العسكر غالباً ما سيعترضون على أي اصلاحات وتغييرات في الاتجاه السياسي من شأنها التأثير على مصالحهم الاقتصادية المتنامية، أو فصل سياسة مصر الخارجية عن محيطها العربي. النطاق الضيق الذي سيجبر العسكر المستقلين ذاتياً الرئيس المدني على العمل داخله سيؤدي فقط إلى تقوية منطق استقرار النظام.

فبينما لجمت الاصلاحات المطلوبة من الاتحاد الاوروبي وحدت من سلطة ونفوذ هيئة الأركان التركية، فإن العلاقة غير المتوترة بين العسكر والحكومة المدنية بين عامي 2003 و 2006 تبدو كنتيجة لاتفاق جنتلمان بين رئيس الوزراء أردغان ورئيس هيئة الأركان الجنرال حلمي اُزكوك. فخلال نلك الفترة قام الرجلان بجهد دءوب لتقليل التحرش بين العسكر والحكومة الإسلامية لحزب العدالة والتنمية. والقدرة على الحفاظ على تلك الظروف يرجع في قدر كبير منه للكيمياء بين الشخصيتين. ففي أغسطس 2006، خلف الجنرال يشار بويوقانط اُزكوك كرئيس لهيئة الأركان. بويوقانط معروف بكونه ضابطاً تقليدياً، مما ينذر بعلاقة تصادمية مع الحكومة. [انتخابات الرئاسة في 2007 أثبتت صحة توقع الكاتب].

الغرض من اظهار "سيناريو جمال" ولفت الانتباه إلى العلاقة المحسنة (وإن لم تستقر بعد) بين العسكر والحكومة في تركيا هو للتأكيد على قدرة الابداع المؤسسي على لجم المؤسسة العسكرية والحد من قدرة الضباط على التأثير في مجرى الحياة السياسية على المدى البعيد. فهناك تغيير كبير يحدث في تركيا والاصلاح قد يكون على وشك الانطلاق في كل من مصر والجزائر، إلا أن غياب الضوابط المؤسسية على المؤسسة العسكرية يعني بقاء سيطرة العسكر في البلدان الثلاثة. أضف إلى ذلك أن مجموعة المؤسسات غير الرسمية (العرفية) ستبقى القوة و الهيلمان والنفوذ في يد العسكر المصريين والجزائريين والأتراك. امكانية اضعاف تلك الأعراف غير المكتوبة على مدى طويل ستتعاظم لو تم اغلاق القنوات التي من خلالها يمارس العسكريون نفوذهم السياسي، ومنع العسكر من الانخراط في غير مرتبطة بالدفاع والأمن القومي، واخضاع المؤسسة العسكرية لقيادة مدنية.

ما لن يعمل؟ هناك طريقتان لإضعاف قبضة العسكر على الحكم: الأولي هي "التحول للديمقراطية المرفق بتعهدات للعسكر" والتي أثبت نجاحاً في تشيلي وبيرو والأرجنتين. إلا أن المؤسسات العسكرية في مصر والجزائر لا تشعر بحافز على الدخول في مثل تلك المعاهدات. فقد رفض العسكر الجزائريون اتفاقية سان إيجيديو عام 1995 لأنهم رأوها تضفي شرعية على جبهة الإنقاذ الإسلامية. أما مصر فقد دخلت في معاهدتين غير مكتوبتين مع الإسلاميين في السبعينيات ثم في الثمانينيات لفتح المجال للإسلاميين للعمل في الثقافة والنقابات شريطة ألا يبنوا تواجداً سياسياً. الطريقة الثانية هي انتظار وقوع أخطاء توهن من قوة المؤسسة العسكرية سواء من خارج الجيش مثل تدخل الشاه المستمر في تنقية الضباط ممن يشك في ولائهم الأمر الذي ترك الجيش الإيراني غير قادر، أو غير مكترث، بالحفاظ على النظام أثناء الثورة الإسلامية؛ أو من داخل الجيش مثل مغامرة الجيش الأرجنتيني المهينة في حرب الفوكلاند غير المبررة شعبياً، ويفرق الكاتب بينها وبين هزيمة 1967 التي لم تنتقص من هيبة المؤسسة العسكرية المصرية لاحتلال إسرائيل لسيناء ولاسترداد الجيش المصري كرامته في حرب 1973. بعد سرد الطريقتين نصح الكاتب صناع السياسات (الأمريكيين) إلى أن انتظار انهيار سلطة المؤسسة العسكرية يجب ألا يكون خياراً في حال كل من مصر والجزائر.

حدود قدرة المجتمع المدني والتنمية الاقتصادية والسياسات العقابية

صناع السياسات الأمريكيون والمحللون يعتنقون نظرة توكڤيلية للمجتمع المدني كتحالف بين الهيئات الخاصة والتطوعية والتي لديه القدرة على تأكيد على حقوق الأفراد والجماعات، ويرى الكاتب أن تلك النظرة والسياسات والمعونات القائمة عليها خاطئة. فالكاتب يؤيد نظرة أنطونيو جرامشي للمجتمع المدني كأداة في يد العسكر يستعملونها وقتما شاءوا. ويدفع الكاتب بخطأ السياسة الأمريكية في الترويج التنمية الاقتصادية كمسبب للديمقراطية، إذ أنه يرى أن التنمية الاقتصادية والديمقراطية يجب أن يتزامنا سوية.

فسياسة الانفتاح في مصر ثم في الجزائر أدت إلى تحرير السوق بدون أن يتبع ذلك مأسسة اقتصاديات السوق أو نشوء الديمقراطية. ويلاحظ أن طبقة رجال الأعمال الجدد والغرف التجارية المختلفة ما هي إلا أدوات في أيدي السلطة في مصر والجزائر.

ويحذر الكاتب من جدوى تخفيض المساعدات العسكرية وتوجيهها إلى التنمية الاقتصادية، مثلما اقترح توم لانتوس، رئيس لجنة حقوق الانسان في مجلس الشيوخ الأمريكي، لميزانية 2005 بخفض المعونة العسكرية لمصر بمقدار 25% وتوجيه ذلك المبلغ للتنمية الاقتصادية. إذا يقول أن الحكومة المصرية صورت الاقتراح على أنه تخفيضاً في المعونة لإضعاف مصر مما أثار المشاعر الوطنية وأشاع النقمة على الولايات المتحدة.


إنه ليس نموذجاً تركياً، بل نموذجاً اوروبياً - تركياً

الباب الخاس أوضح أن معايير كوبنهاجن لانضمام تركيا للاتحاد الاوروبي كانت وما زالت العامل الحاسم لإزاحة العسكر الأتراك لأحد قدميهم من الساحة السياسية.

على خلاف مشروع الاتحاد الاوروبي لتركيا، فلا الولايات المتحدة ولا فرنسا تريد أن تعرض على مصر أو الجزائر عضوية أنديتهما الخاصة. أما بالنسبة للمعونة العسكرية الأمريكية لمصر بمقدار 1.3 بليون دولار سنوياً والمعونة الاقتصادية بمقدار 450 مليون دولار فقد فقدتا نحو نصف قدرتهما الشرائية بسبب التضخم منذ عام 1979.

لذلك يقترح الكاتب الابقاء على المعونتين العسكرية والاقتصادية لمصر كما هما بدون شروط. ويقترح فوق ذلك كحافز للانتقال الديمقراطي معونة عسكرية مشروطة مقدارها 1 بليون دولار سنوياً مقابل حزمة من الاصلاحات المؤسسية بغرض الشفافية ومساءلة الحكومة واشتمال الأطياف السياسية في العملية السياسية. وعلى الجانب الاقتصادي يقترح الكاتب معونة اضافية مشروطة مقدارها 500 مليون دولار مقابل اصلاح قوانين الاستثمار الأجنبي والبنوك وتغيير السياسات التجارية والنقدية.

ويأمل الكاتب أن تؤدي المعونة الاقتصادية إلى تحرير رجال الأعمال من خنوعهم الكامل للنظام الحاكم ولمطالبتهم بالاصلاح في المجال القتصادي، وسيادة القانون و مكافحة الفساد والشفافية في اتخاذ القرارات الحكومية.

وأخيراً يرى الكاتب أن تلك الحزمة الإضافية المشروطة من المعونات ستكشف التناقضات والمشاكل في النظام المصري. فقبل انتخابات 1999 انتشرت في كل المدن المصرية يافطات تحث المصريين على التصويت لمبارك "من أجل الاستقرار والتنمية"، وهو رمز لعهد مبارك. وبالإضافة لذلك فالحزب الوطني الديمقراطي كثيرا ما يدعو إلى :تعميق ودعم الديمقراطية". وبالرغم من هذين الشعارين فالكاتب يرى أن النظام السياسي لم يقدم إلا الركود السياسي والاقتصادي، بدلاً من الازدهار والديمقراطية.

تقييم الكتاب

الكتاب بمجمله يمكن رؤيته كدعوة لإبقاء الأمور على ما هي عليه، بيد المؤسسات العسكرية، والركون إلى أساليبهم في الحفاظ على الاستقرار بما في ذلك ما ترتأيه تلك المؤسسات في التعاقب على الحكم. التغيير الممكن يأتي من داخل المؤسسة العسكرية ويمكن للاعبين الخارجيين أن يحاولوا ترغيب تلك المؤسسات العسكرية في التغيير أو تجميل الواجهة باستخدام الجزرة لا العصا.

الكتاب يطرح محاولة جيدة لتنظير الأمر الواقع. وهو ثري بالأحداث والربط بينها ويقودك للقراءة بين السطور لترى الرسائل الضمنية في حوار صحفي العام ثم يريك كيف أن مقالة عامة لاحقة هي في الواقع رد على تلك الرسائل الضمنية. وربما كان السبب في الاختزال هو عدم وصول الأمر (في مصر) لمستوى الأزمة التي وصلت إليها الجزائر. ولكن قد يراه البعض افتعالاً في القراءة.

يؤخذ على الكتاب النقاط التالية:

  • أحداث وأشخاص الكتاب (على الأقل في الشأنين المصري والجزائري) توقفت عند حرب الخليج الأولى (1992).
  • في الشأن الجزائري لم يتطرق الكاتب لاغتيال قاصدي مرباح رئيس المخابرات وأحد أهم محطات العلاقة بين العسكر والإسلاميين.
  • الكاتب لا يتعرض في معرض تحليله للوضع في الجزائر إلى صراع النفوذ الفرنسي الأمريكي، وهو عامل أساسي.
  • الكاتب لا يتعرض للنفط في معرض حديثه عن الجزائر.
  • الكاتب لا يتطرق للشرطة سواء اعتبرهم عسكر أو اعتبرهم منفصلين عن العسكر، خاصة وأن الخمسة عشر سنة الماضية قد شهدت تصاعداً كبيراً في دور الشرطة في مصر ثم في الجزائر (ممثلة في زرهوني).

المصادر

  1. ^ الكاتبة التي تراجع الكتاب في هذا موقع digg.com تشير إلى تغلغل نفوذ مجلس العلاقات الخارجية في الحكومة الأمريكية. وتصف الكتاب بأنه دعم للأنظمة السلطوية. ""Ruling But Not Governing" in America". digg.com. 20070525. Retrieved 20070927. {{cite web}}: Check date values in: |accessdate= and |date= (help); External link in |authorlink= (help)