أبو الحسن ثابت بن سنان

أبو الحسن ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة ، كان طبيباً فاضلاً يلحق بأبيه في صناعة الطب وقال في التاريخ الذي عمله - وهذا التاريخ ذكر فيه الوقائع والحوادث التي جرت في زمانه وذلك من أيام المقتدر باللّه إلى أيام المطيع للّه - إنه كان وولده في خدمة الراضي باللّه وقال بعد ذلك أيضاً عن نفسه إنه خدم بصناعة الطب المتقي بن المقتدر باللّه.



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تاريخه

خدم المستكفي باللّه والمطيع للّه، وفي سنة 313 هـ قلده الوزير الخاقاني البيمارستان الذي اتخذه ابن الفرات، بدرب المفضل. وقال أيضاً في تاريخه إنه لما سُلِّم أبو علي بن مقلة إلى الوزير عبد الرحمن بن عيسى من جهة الراضي باللّه في سنة أربع وعشرين وثلثمائة حمله إلى داره في يوم الخميس لثلاث ليالٍ خلون من جمادى الآخرة وضُرب أبو علي بن مقلة بالمقارع في دار الوزير عبد الرحمن وأخذ خطه بألف ألف دينار. وكان الذي تولى ذلك منه بنان الكبير من الحجرية ثم سلم إلى أبي العباس الحصيني ووكل به ما كردوبنان الكبير ورد الحصيني مناظرته إلى أبي القاسم عبيد اللّه بن عبد اللّه الإسكافي المعروف بأبي نعرة ومطالبته إلى الدستواني. فجرت عليه منه من المكاره والتعليق والضرب والدهق أمر عظيم، والذي شاهدت أنا من أمره أن أبا العباس الحصيني كلفني يوماً الدخول إليه لمعرفة خبره من شيء تشكاه وقال إن كان يحتاج إلى الفصد؟ فتقدم إلى من يفصده بحضرتك فدخلت إليه فوجدته مطروحاً على حصير خَلِق على بارية ومخدة وسخة خليعة تحت رأسه وهو عريان بسراويل فوجدت بدنه من رأسه إلى أطراف أصابع رجليه كلون الباذنجان سواء ليس منه عقد سليم ووجدت به ضيق نفس شديد لأن الدستواني كان قد دهق صدره فعرفت الحصيني أنه شديد الحاجة إلى الفصد. فقال لي يحتاج إلى أن يلحقه كد في المطالبة فكيف نعمل به؟ قلت لا أدري إلا أنه إن ترك ولم يفصد مات، وإن فصد ولحقه مكروه بعده تلف. فقال لأبي القاسم بن أبي نعرة الإسكافي ادخل إليه وقل له إن كنت تظن أنه يلحقك ترفيه إذا افتصدت فبئس ما تظن، فافتصد وضع في نفسك أن المطالبة لا بد منها. ثم قال لي أحب أن تدخل إليه معه فإستعفيته من ذلك، فلم يعفني. فدخلت معه وأدى الرسالة بحضرتي فقال إذا كان الأمر على هذا فلست أريد أن أفتصد وأنا بين يدي اللّه. فعدنا إليه وعرفناه ما قال. فقال لي: أي شيء عندك وما الذي ترى؟ قلت: الذي أرى أن يفصد وأن يرفه. فقال: افعل فعدت إليه، وفصد بحضرتي، ورفه يومه، وخف ما به، ويتوقع المكروه من غد، وهو برعب طائر العقل. فاتفق سبب للحصيني أحوجه إلى الإستتار في ذلك اليوم وبقي ابن مقلة مرفهاً ليس أحد يطالبه وكفي أمر عدوه من حيث لم يحتسب ورجعت نفسه إليه وحضر ابن فراية فضمن ما عليه وتسلمه وقد كان أدى قبل ذلك إلى الحصيني نيفاً وخمسين ألف دينار وأشهر عليه العدول بأنه قد باع جميع ضياعه وضياع أولاده وأسبابه من السلطان.

وقال في موضع آخر من كتابه هذا إنه لما قطعت يد ابن مقلة استدعاني الراضي باللّه في آخر النهار وأمرني بالدخول إليه وعلاجه فصرت إليه يوم قطع يده فوجدته محبوساً في القلاية التي في صحن الشجرة والباب مقفل عليه ففتح الخادم الباب عنه ودخلت إليه فوجدته جالساً على قاعدة من بعض أساطين القلاية ولونه كلون الرصاص الذي هو جالس عليه وقد ضعف جداً وهو في نهاية القلق من ضربان ساعده ورأيت له في القلاية قبة خيش نصبت له وعليها طاقان من الخيش وفيهما مصلى ومخاد طبري وحول المصلى أطباق كثيرة بفاكهة حسنة فلما رآني بكى وشكى حاله وما نزل به وما هو فيه من الضربان ووجدت ساعده قد ورم ورماً شديداً وعلى موضع القطع خرقة غليظة قردواني كحلية مشدودة بخيط قنبي فخاطبته بما يجب وسكنت منه وحللت الخيط ونحيت الخرقة فوجدت تحتها على موضع القطع سرجين الدواب فأمر بأن ينفض عنه فنفض وإذا رأس الساعد أسفل القطع مشدود بخيط قنب وقد غاص في ذراعه لشدة الورم وقد ابتدأ ساعده يسود وعرفته أن سبيل الخيط أن يحل وأن يجعل موضع السرجين كافور ويطلى ذراعه بالصندل وماء الورد والكافور‏.‏

فقال يا سيدي افعل ما رأيت فقال الخادم الذي معي احتاج أن أستأذن مولانا في ذلك ودخل ليستأذن وخرج ومعه مخزنة كبيرة مملوءة كافوراً وقال قد أذن لك مولانا أن تعمل ما ترى وأمر بأن ترفق به وتوفر العناية عليه وتلزمه إلى أن يهب اللّه عافيته فحللت الخيط وفرغت المخزنة في موضع القطع وطليت ساعده فعاش واستراح وسكن الضربان وسألته هل اغتذى فقال وكيف ينساغ لي طعام فتقدمت بإحضار طعام فأحضر وامتنع من الأكل فرفقت به ولقمته بيدي فحصل له نحو عشرين درهماً خبزاً ومن لحم فروج نحو ذلك وحلف أنه لا يقدر أن يبلع شيئاً آخر وشرب ماء بارداً وعاشت روحه وانصرفت وقفل الباب عليه و بقي وحده‏.‏

ثم أدخل عليه من غد خادم أسود يخدمه وحبس معه وترددت إليه أياماً كثيرة وعرض له في رجله اليسرى علة النقرس ففصدته وكان يتألم من يده اليمنى التي قطعت ومن رجله اليسرى ولا ينام الليل من شدة الألم ثم عوفي وكنت إذا دخلت إليه يبتدئ بالمسألة عن خبر ابنه أبي الحسين فإذا عرفته سلامته سكن غاية السكون ثم ناح على نفسه وبكى على يده. وقال يد خدمت بها الخلافة ثلاث دفعات لثلاث خلفاء وكتبت بها القرآن دفعتين تقطع كما تقطع أيدي اللصوص وتذكر وأنت تقول لي أنت في آخر نكبة وأن الفرج قريب؟ قلت بلى. فقال: قد ترى ما حل بي؟ فقلت ما بقي بعد هذا شيء والآن ينبغي أن نتوقع الفرج فإنه قد عمل بك ما لا يعمل بنظير لك وهذا انتهاء المكروه ولا يكون بعد الانتهاء إلا الانحطاط. فقال لا تفعل فإن المحنة تشبثت بي تشبثاً ينقلني من حال إلى حال إلى أن تؤديني إلى التلف كما تتشبث حمى الدق بالأعضاء فلا تفارق صاحبها حتى تؤديه إلى الموت. ثم تمثل بهذا البيت:

إذا ما مات بعضك فابك بعضاً فبعض الشيء من بعض قريب

فكان الأمر كما قال‏.‏

ولما قرب بحكم من بغداد نُقل إبن مقلة من ذلك الموضع إلى موضع أغمض منه فلم يُوقف له على خبر وحُجبت عنه ثم قطع لسانه وبقي في الحبس مدة طويلة ثم لحقه ذرب ولم يكن له من يعالجة ولا من يخدمه حتى بلغني أنه كان يستسقي الماء لنفسه بيده يجتذب الحبل بيده اليسرى ويمسكه بفمه ولحقه شقاء عظيم إلى أن مات‏.‏

وكان ثابت بن سنان المذكور خال هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابئ الكاتب البليغ.

ولثابت بن سنان بن ثابت بن قرة من الكتب "كتاب التاريخ" ذكر فيه الوقائع والحوادث التي جرت في زمانه إلى حين وفاته ووجدته بخطه وقد أبان فيه عن فضل‏.‏