انقلاب 18 فروكتيدور

نيابة عن قادة الانقلاب، الجنرال بيير أوجرو يقتح قصر تويلير للقبض على شارل پيشگرو وآخرون بتهمة التآمر على الثورة.

انقلاب 18 فروكتيدور Coup of 18 Fructidor، السنة الخامسة كان استيلاء على السلطة من قبل أعضاء الديركتوار الفرنسي في 4 سبتمبر 1797. قام الديركتوارات الثلاثة بارا، ريوبل ولا ريڤلير-لوپو، بتنظيم انقلاب بدعم من الجيش.[1] فاز النواب المعتدلون والملكيون بشكل حاسم في الانتخابات الأخيرة، وكانت الحكومة المشكلة قلقة بخصوص القوة المتنامية حديثاً. كان شارل پيشگرو، من الشخصيات التي يعتقد أنها متعاطفة بشكل كبير مع الملكية وعلى عودتها مرة أخرى، وكان قد أُنتخب رئيساً لمجلس الخمسمائة.[1] بعد توثيق الأنشطة الخائنة التي قام بها پيشگرو (من قبل ناپليون بوناپرت)، اتهمه الديركتوار بالتآمر ضد الثورة وسرعان من قاموا بعقد الانتخابات واعتقال الملكيين.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

لم تكن باريس التي وصلها هي باريس نفسها التي ألفها في أيام عامي 1792 و1793 حيث حكم الجماهير والحشود. بل إنه حتى منذ سقوط روبيسبير سنة 1794 كانت العاصمة باريس تتبع خطى أهل الريف فزادت معارضتها للثورة؛ معارضة ذات بعد ديني وبعد سياسي أيضا. فالكاثوليكية - بقيادة القسس الذين لم يقسموا يمين الولاء للدستور المدني - استعادوا نفوذهم على شعب كان قد فقد تصديقه للبديل الدنيوي عوضا عن الآمال المعقودة على حياة أخرى فيها العزاء وزاد حنينه إلى الطقوس الدينية والمناسبات المرتبطة بالقديسين، فزاد إهماله للنظام العشري لتقسيم الأيام الذي ابتدعته الثورة واعتبار اليوم العاشر هو يوم الراحة، وعادوا للاحتفاء بيوم الأحد من كل أسبوع وتوقيره. إن فرنسا تصوت الآن لصالح الرب.

أما بالنسبة للملك، ففي البيوت والصالونات والشوارع بل وفي تنظيمات الأحياء التي كان العوام ( السانس كولوت) يسيطرون عليها - راح الرجال والنساء يتحسرون على أيام الرجل الطيب لويس السادس عشر وراحوا يلتمسون الأعذار لما وقع فيه البوربون من أخطاء وراحوا يتساءلون أيمكن لأي حكومة أخرى غير الملكية الشرعية أن تعيد النظام والأمان والرخاء والسلام وتخرج فرنسا من حالة الفوضى والجريمة التي دمرت فرنسا؟ والمهاجرون العائدون (الذين كانوا قد تركوا فرنسا إثر قيام الثورة) كثر عددهم حتى إن الظرفاء منهم أطلقوا على مقار إقامتهم في باريس اسم "كوبلينز الصغيرة " (إشارة إلى مكان إقامتهم في ألمانيا بعد مغادرتهم فرنسا)، وفي مقارهم في باريس بعد عودتهم كان يمكن للمرء أن يسمع الفلسفات الملكية التي كان يدعوهم إليها خارج فرنسا بونال وميستر. والجمعيات المنتخبة التي كان يسودها البورجوازيون كانت ترسل إلى مجلس الشيوخ ومجلس الخمسمائة مزيدا من النواب المستعدين لمغازلة النظام الملكي شريطة ضمان الممتلكات. وبحلول سنة 1797 كان أنصار النظام الملكي في المجلسين من القوة بمكان حتى إنهم انتخبوا لحكومة الإدارة الماركيز دى بارثيليمي ووجدنا لازار كارنو عضو حكومة الإدارة منذ سنة 1795 يعود مرة أخرى ألى اليمين ويتخذ موقفا معارضا من دعايات بابيف وراح ينظر بعين الرضا إلى الدين باعتباره طعما (تطعيم) ضد الشيوعية.[2]

وشعر الجمهوريون الراسخون من أعضاء حكومة الإدارة - بارا ولارفيليير-ليبو وروبل، بالخطر على مناصبهم وحياتهم بسبب الحركة الملكية، فقرروا المخاطرة بكل شيء والقيام بانقلاب يمكن أن يخلصهم من الزعماء الملكيين في كلا المجلسين وفي حكومة الإدارة. وراحوا يطلبون الدعم الجماهيري من اليعاقبة الراديكاليين الذين اختفوا عن الساحة والمرارة في حلوقهم في أثناء حركة المحافظين (المطالبين بالعودة إلى الماضي الملكي)، كما طلبوا الدعم العسكري من نابليون ليرسل لهم من إيطاليا جنرالا ذا كفاءة لتنظيم جنود باريس للدفاع عن الجمهورية. وكان نابليون راغبا في مساعدتهم، فإحياء مطالبات أسرة البوربون بالعرش قد تحبط خططه، إذ كان راغبا في ترك الطريق مفتوحا لوصوله هو للسلطة السياسية، فالوقت لم يصبح مناسبا بعد لهذه المغامرة. فأرسل إليهم قائدا حازما هو بيير أوجرو وهو رجل محنك عركته المعارك. فقام أوجرو بضم بعض جنود هوش للعمل معه، وبهؤلاء الجنود اقتحم في 18 فروكتيدور (شهر الفواكه) المجلسين التشريعيين وقبض على 53 نائبا وكثير من الوكلاء الملكيين كما قبض على عضوي حكومة الإدارة : بارثيليمي وكارنو، وهرب كارنو إلى سويسرا وتم ترحيل معظم الباقين إلى گويانا في أمريكا الجنوبية حيث الكدح والعمل وحيث لا يعرف بهم أحد. وفي انتخابات سنة 1797 سيطر الراديكاليون على المجلسين وضموا كلا من ميرلي الدووى وجان بابتست تريهار إلى الثلاثة الآخرين في حكومة الإدارة التي تم تعديلها على هذا النحو، وخولوها سلطة تكاد تكون مطلقة.


الانقلاب

وعندما وصل نابليون إلى باريس في 5 ديسمبر 1797 وجد إرهابا جديدا موجها إلى المحافظين كلهم، وكل ما كان يفرق بين هذا الإرهاب الجديد والإرهاب القديم، أن الإرهاب الجديد استخدم نفي المعارضين إلى گويانا بدلا من قطع رقابهم بالمقصلة. ومع هذا فقد بدت الطبقات كلها متفقة على كفاءة هذا الشاب (نابليون) الذي أضاف نصف إيطاليا إلى فرنسا. وقد نحى نابليون جانبا الآن تطلعه إلى القيادة الصارمة، وراح يظهر بمظهر التواضع والاعتدال، وراح يعمل على إرضاء الجميع بطرق مختلفة ؛ إرضاء المحافظين بتمجيد النظام، وإرضاء اليعاقبة بإظهار دوره في نقل إيطاليا من مرحلة العبودية الإقطاعية إلى مرحلة الحرية، وإرضاء المثقفين بكتابته "إن الفتوح الحقيقية تتمثل في القضاء على الجهل، ولا عذر لنا في التواني في القضاء عليه". وفي 10 ديسمبر قام أصحاب المقام الرفيع في الحكومة الوطنية بتكريمه بشكل رسمي. وكانت مدام دى ستيل حاضرة، وقد حفظت لنا مذكراتها هذا المشهد:

"استقبلت حكومة الإدارة الجنرال بونابرت استقبالا مهيبا كان في بعض جوانبه علامة مميزة في تاريخ الثورة وقد اختاروا قصر لوكسمبرج لإقامة هذه المراسم، فلم تكن هناك قاعة من السعة بحيث تتسع لمثل هذا الحشد؛ وتجمع الناس لمشاهدته فوق كل سطح. وقد وقف أعضاء حكومة الإدارة الخمسة - وقد ارتدوا ملابس رومانية - على منصة، وبالقرب منهم كان نواب مجلس الشيوخ ومجلس الخمسمائة وأعضاء المعهد العلمي.

ووصل نابليون وهو يلبس ملابس بسيطة جدا ويتبعه مساعدوه، وكانوا جميعا أطول منه لكنهم كانوا يحترمونه جدا وينحنون له، وشملت النخبة - المتجمعة هناك - الجنرال المنتصر بالتحية والتصفيق. لقد كان نابليون هو أمل الجميع من جمهوريين وملكيين، فالجميع رأوا الحاضر والمستقبل في قبضته".

وفي هذه المناسبة سلم أعضاء حكومة الإدارة معاهدة كامبوفورميو، فتم اعتمادها رسميا وأصبح نابليون قادرا على قضاء فترة راحة من المشاغل الدبلوماسية ومن الحرب.

وبعد أن حضر نابليون هذا الاحتفال الفخم الذي أقامه تاليران على شرفه (تاليران كان في ذلك الوقت هو وزير الخارجية أو عضو حكومة الإدارة للشئون الخارجية) انسحب نابليون إلى بيته في شارع شانترين وقبع فيه يستجم مع جوزفين وأبنائها وكان يسمح لنفسه بالظهور أمام الجمهور فامتدح المعجبون به تواضعه، وراح المقللون من شأنه يبدون سعادتهم بانتهاء دوره، وعلى أية حال فقد دأب على زيارة المعهد العلمي، وراح يتحدث في الرياضيات مع لاجرانج وفي الفلك مع لابلاس وفي نظم الحكم مع سييز وفي الأدب مع مارى - جوزيف دى شنييه وفي الفن مع ديفيد وربما كان بنشاطه هذا يعد بالفعل للحملة على مصر، ويفكر في أن يصحب معه مجموعة من الدارسين والعلماء. ورأت حكومة الإدارة في مسلكه المتواضع هذا شيئا غير واضح المعالم يدعو إلى الريبة، فهذا الشاب الذي كان في إيطاليا والنمسا يتصرف وكأنه هو الحكومة، كيف يتخذ قرارا بالتصرف على النحو (المتواضع) في باريس؟ فأرادوا أن يشغلوه ويبعدوه فعرضوا عليه أن يقود خمسين ألف جندي وبحار جمعوهم في برست لغزو إنجلترا. ودرس نابليون المشروع ورفضه وحذر حكومة الإدارة في خطاب بتاريخ 23 فبراير 1798:

"لا بد أن تتخلوا عن محاولة حقيقية لغزو إنجلترا وأن تقنعوا أنفسكم بالاكتفاء بالظهور أمامها (بمظهر القوة) فالأولى هو أن نركز انتباهنا لمواردنا ناحية الراين ... ويجب ألا نبعد الجيش الكبير عن ألمانيا ... أو يمكننا إرسال حملة إلى الشرق ونهدد تجارة إنجلترا مع الهند".

فهناك في الشرق كان حلمه، فحتى عندما كان وسط معامع المعارك في إيطاليا كان يفكر في إمكانيات القيام بغزوة في الشرق: ففي ظل الانهيار التدريجي للدولة العثمانية، فإنه بروح جسور ورجال شجعان جوعى يمكن تشكيل الأمور، وتكوين إمبراطورية. إن إنجلترا تحكم المحيطات ولكن قبضتها على البحر المتوسط يمكن خلخلتها بالاستيلاء على مالطة، وقبضتها على الهند يمكن إضعافها بالاستيلاء على مصر، ففي مصر حيث العمالة رخيصة يمكن بالفرنكات والتفكير السليم بناء أسطول، ويمكن بالشجاعة والخيال الخصب دفع هذا الأسطول عبر البحر والمحيط ليصل إلى الهند والاستيلاء من النظام الاستعماري البريطاني على أغلى ممتلكاته. وقد اعترف نابليون في سنة 1803 لمدام دى ريموسا:

"لا أدري ما كان يحدث لي لو لم تواتني الفكرة السعيدة بالذهاب إلى مصر. فعندما غادرت السفن إلى شواطئها لم أكن أعرف سوى أنني قد ودعت فرنسا إلى الأبد، وإن اعتراني قليل من الشك أن فرنسا ستستدعيني. إن سحر فتح بلاد الشرق قد أبعد أفكاري عن أوربا أكثر مما كنت أتصور".

ووافقت حكومة الإدارة على اقتراحاته، وكان أحد أسباب موافقتها هو اعتقادها أنه سيكون أكثر أمانا (لها) أن يكون هو بعيدا عن فرنسا، ووافق أيضا تاليران لأسباب لا تزال محل خلاف، فمشرفة بيته مدام جراند تفسر ذلك بأنه اتخذ هذا الموقف " لمصلحة أصدقائه الإنجليز "بتحويل مسار الجيش الذي يهدد بغزو إنجلترا إلى مصر. وأخرت حكومة الإدارة موافقتها لأن الحملة مكلفة وتتطلب من الرجال والعتاد ما تحتاجه فرنسا لحماية أراضيها من إنجلترا والنمسا وربما أيضا من تركيا التي قد تنظم في حلف جديد ضد فرنسا (وكانت السلطة التركية - العثمانية - على مصر متراخية) لكن التقدم السريع للقوات الفرنسية في إيطاليا - ضم الولايات الباباوية ومملكة نابلي - أدى إلى وصول أسلاب متتالية إلى حكومة الإدارة، وفي أبريل سنة 1798 غزا جيش فرنسي آخر - بموافقة نابليون - سويسرا وأقام فيها الجمهورية الهيلفيتية وتم جمع "التعويضات" منها، وتم إرسالها إلى باريس. والآن أصبح يمكن الإنفاق على تحقيق حلم الاستيلاء على مصر.

وبدأ نابليون فورا في إصدار أوامر مفصلة لإعداد أسطول فرنسي جديد (استخدم المؤلف عبارة new armada أي أسطول قوي على نمط الأساطيل الإسبانية والبرتغالية في عصورها الزاهرة)، فكان لا بد من تجميع القوات والمواد التالية في طولون وجنوا وأجاكسيو أو سيفيتا فيشيا: 31 سفينة حربية وسبع فرقاطات و35 سفينة قتال أخرى و130 سفينة نقل، 61.000 بحار و38.000 جندي (كثيرون منهم كان مع الجيش الفرنسي الذي حارب في إيطاليا) بالإضافة إلى المواد والعتاد الضروري، ومكتبة مكونة من 287 مجلداً. وكان العلماء والباحثون والفنانون سعداء بقبول الدعوة للانضمام إلى ما وصف بأنه اتحاد مثير وتاريخي بين المغامرة (العسكرية) والبحث. وكان من بين هؤلاء العلماء: مونج الرياضي وفورييه الفيزيائي، وبيرثولي الكيميائي. وجيوفرى سان هيلار - البيولوجي (عالم الأحياء). وقام تاييه بالتنازل عن زوجته لبارا واتخذ سبيله بين العلماء. وقد لاحظ العلماء وقد اعتراهم الفخر أن نابليون أصبح الآن يوقع خطاباته مشفوعة بعبارة " بونابرت عضو المجمع العلمي الفرنسي والقائد العام". وبوريين الذي كان قد رافق نابليون كسكرتير له في كومبوفورميو في سنة 1797، صحبه أيضا في هذه الرحلة إلى مصر وقدم لنا رواية مفصلة عن مصيرها. وأرادت جوزفين أيضا أن تواصل الرحلة، فسمح نابليون لها بمرافقته حتى طولون لكنه منعها من ركوب السفن، وعلى أية حال فقد أخذ معه ابنها يوجين ده بوهارنيه الذي كان نابليون قد أحبه لتواضعه وكفاءته وولائه وقوة إخلاصة، وقد حزنت جوزفين حزنا مضاعفا لهذا الفراق؟ أيمكنها أن ترى ابنها أو زوجها مرة أخرى بعد هذا الفراق؟ ومن طولون اتجهت جوزفين إلى بلومبيير لتتناول "مياه الخصوبة" لأنها أصبحت الآن - وكذلك نابليون - تريد طفلا.

وفي 19 مايو سنة 1798 أبحر الأسطول الأساسي من طولون ليكرر في التاريخ الحديث إحدى روايات تاريخ العصور الوسطى.

المصادر

  1. ^ أ ب ت Doyle, William (2002). The Oxford History of the French Revolution. Oxford: Oxford University Press. p. 330. ISBN 978-0-19-925298-5.
  2. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

المراجع