الجمعية الوطنية (الثورة الفرنسية)

الجمعية الوطنية

Assemblée nationale
مملكة فرنسا
Coat of arms or logo
حفر مصبوغ للملك لويس السادس عشر من فرنسا، 1792، معتمراً قلنسوة فريگية. هذا التعليق يشير إلى خضوع لويس للجمعية الوطنية، ويختتم قائلاً "هو نفس لويس السادس عشر الذي انتظر بشجاعة عاد رفاقه المواطنون إلى مزارعهم، حتى يخطط حرباً سرية ليُحكِم انتقامه."
النوع
النوع
أحادي الغرفة
التاريخ
تأسس17 يونيو 1789
انحل9 يوليو 1789
سبقهمجلس طبقات الأمة
تلاهالجمعية التأسيسية الوطنية

أثناء الثورة الفرنسية، الجمعية الوطنية (فرنسية: Assemblée nationale؛ إنگليزية: National Assembly)، الذي استمر من 17 يوليو 1789 حتى 9 يوليو 1789، كان مجلساً انتقالياً بين مجلس طبقات الأمة والجمعية التأسيسية الوطنية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

في 4 مايو سنة 1789 اتجه ممثلو الطبقة الثالثة (طبقة العوام) وعددهم 621 وكيلا، وكانوا يلبسون الملابس البورجوازية السوداء، يتبعهم 285 من النبلاء وقد وضع الواحد منهم قبعته المزدانة بالريش فوق رأسه وارتدى ثيابا محلاة بالأشرطة والذهب، ثم 308 من رجال الدين، وقد امتاز الأساقفة عنهم بعباءات من قطيفة، ثم وزراء الملك وأفراد عائلته، ثم لويس السادس عشر وزوجته مارى أنطوانيت، وكان الجند يحيطون بالركب كله وراحت الأعلام ترفرف وكذلك الشارات، واتجهوا جميعا إلى المكان المخصص لاجتماعهم وهو صالة المسرات البريئة Hotel des Menus Plaisirs التي لا تبعد إلا قليلا عن القصر الملكي في فرساي.

وحفت الجماهير الفخورة والسعيدة بالموكب، وراح بعضهم يبكي فرحا وأملا(1) وهو يرى في هذا المنظر الذي ينم عن وحدة الطبقات المتنافسة، وعداً بالتماسك والتضامن والعدل في ظل ملك خير.

وخطب لويس في الوفود المجتمعة معا معترفاً بأن الخزانة على شفا الإفلاس، وعزا ذلك إلى "الحرب المكلفة والمشرفة في آن" وطلب منهم أن يفكروا في وسائل جديدة لزيادة دخل الدولة وأن يصدقوا على المراسيم التي تصدر بهذا الشأن. ثم جاء نيكر Necker فاستمر ثلاث ساعات يقرأ إحصاءات جعلت حتى الثورة نفسها، كئيبة ينقصها الحماس. وفي اليوم التالي خبا تألق الوحدة بين الطبقات الثلاث، فوجدنا الإكليروس (طبقة رجال الدين) يتقابلون في صالة ملحقة أصغر من الصالة التي ضمت الطبقات الثلاث، وراح النبلاء يتقابلون ويجتمعون في صالة أخرى ملحقة وشعر أفراد الطبقتين (النبلاء والإكليروس) أنه يجب عليهم أن يتدارسوا الأمر في نطاق طبقتهم كما يجب عليهم أن يصوتوا بمعزلٍ عن الطبقتين الأخريين كما حدث في آخر مجلس طبقات أمة انعقد منذ 175 عاما مضت، وكان من رأي أفراد الطبقتين أنه لا يجوز إقرار أي اقتراح واعتباره قانونا إلا إذا وافقت عليه الطبقات الثلاث والملك، أما ترك الأمور للانتخابات الفردية أي أن يحسب صوت كل فرد بصرف النظر عن طبقته بين هؤلاء المندوبين المجتمعين فإن هذا يعني تسليم كل شيء لطبقة العوام.

وقد حدث بالفعل أن انضم رجال الدين الأشد فقرا من سواهم إلى جانب طبقة العوام "بل إن بعض النبلاء مثل لافاييت Lafayette وفيليب دورليان Philipe d`Orleans ودوق لا روش‌فوكو La Rochefoucauld، وليان‌كور Liancourt أضمروا مشاعر ليبرالية خطرة.

وبسبب هذا بدأت حرب أعصاب لفترة طويلة، وكان يمكن لطبقة العوام أن تنتظر لأن إقرار ضرائب جديدة يستلزم موافقتهم العلنية بينما كان الملك ينتظر إقرار هذه الضرائب الجديدة بصبر فارغ. وكانت طبقة العامة(ü) تتحلى بالشباب والحيوية والفصاحة والتصميم. لقد كان هناك أونوري Honore- جابريل Gabriel - فيكتور تيكيتي Victor Riquti الذي قدم لهم الكونت دى ميرابو Conte de Mirabeau خبرته وشجاعته وقوة فكرة وصوته الجهوري، وقدم بيير - صامويل دى بو دى نيمور Pierre - Samuel du Pont de Nemours لهم معلومات عن طبيعة اقتصاد الفيزيو قراطيين (الطبيعيين) وعن الاستراتيجية، أما جان بيلي Jean Bailly فقد حقق بالفعل شهرة في مجال الفلك، وقد هدأ من حدة الانفعال ليصلوا إلى حكم هادىء بعد دراسة الأمور وتقليبها. أما مكسيمليان دى روبيسبير Maximilien de Robespierre فظل يتحدث بانفعال وباستمرار كرجل عقد عزمه ألا يسكت حتى يجد طريقه.

لم يبق من عمر روبيسبير الذي ولد في أراس Arras في سنة 1758 سوى خمسة أعوام، لكنه كان في غالب هذه الفترة هو محور الأحداث أو يتحرك بالقرب من قلبها. وكان روبيسبير قد فقد أمه وهو في السابعة من عمره، أما أبوه فقد اختفى في ألمانيا. وقام الأقرباء بتربية الأيتام الأربعة وفاز مكسيميليان الطالب الدؤوب بمنحة دراسية في كلية لويس لي جراند Louis - le - Grand في باريس، ونال درجة جامعية في القانون ومارس المحاماة في أراس Arras وحقق شهرة كمدافع عن الإصلاح حتى إنه كان من بين الذين تم إرسالهم من إقليم أرتوا Artios لحضور مجلس طبقات الأمة State - General. ولم يكن مظهر روبيسبير يدعم دورة كخطيب فقد كان طوله لا يزيد على خمسة أقدام وثلاث بوصات، وكان وجهه عريضاً ومسطحاً شوهه الجدري، وكانت عيناه ضعيفتين محاطتين بدائرتين، وكان لونهما أزرق مخضراً حتى إن كارليل Carlyle أطلق عليه اسم "روبسبير البحر الأخضر" وله بعض العذر في ذلك. وكان روبسبير يدعو إلى الديمقراطبة ويدافع عن حق الذكور البالغين في الانتخاب رغم أن ذلك قد يجعل من أدنى الطبقات(ü) شركاء في الحكم بل ويجعل رايتهم ترتفع فوق الجميع. لقد عاش عيشة بسيطة كعيشة أحد أفراد طبقة العمال لكن لم يقلد ذوى السراويلات (النباطيل) الطويلة المعروفين باسم السانس كلوت (أي الذين لايرتدون الشورتات "الكلوتات" القصيرة) لقد كان يلبس سترة خطافية (فراك) زرقاء غامقة نظيفة، وسروالاً (بنوطلوناً) قصيرا يصل إلى الركبة وجورباً حريرياً، وقلما كان يغادر بيته قبل أن ينثر المساحيق على شعره.وكان يسكن مع نجار اسمه موريس دبلي Maurice Duplay في شارع سانت أونري Rue St-Honore وكان يتغذى على مائدة الأسرة وكان يدفع لقاء ذلك ثماية عشر فرنكا في اليوم. وكان ينطلق من هذا المستوى المتدني (مستوى الحضيض) ليتحرك في معظم أنحاء باريس، وبعد ذلك في معظم أنحاء فرنسا. لقد كان يتحدث بشكل متتابع تتابعا ملحوظا عن الفضيلة، وكان يطبقها بقسوة وصرامة وعناد أمام الجماهير، أما في علاقاته الخاصة فقد كان "كريما عطوفا بل وكان مستعدا لتقديم الخدمات" على حد قول فيليبو بوناروتي Filippo Bunoarrotti الذي كان يعرفه جيدا(2).

لقد كان يبدو محصنا تماما ضد مفاتن النساء، فقد صرف طاقة الحب التي لدية لأخيه الأصغر أوغسطين Augustin وسان ـ جوست Saint - just ولم يتهمه أحدٌ أبداً بأي انحراف جنسي، ولم يكن من الممكن إغواؤه برشوة مهما بلغ قدرها، وعندما عرض أحد الفنانين صورة شخصية لروبيسبير في سنة 1791 لم يكتب إزاءها سوى فقرة واحدة "غير قابل للرشوة(3) The incorruptible " ولم يبد أن هناك من تجرأ على الاعتراض على ذلك. وكان روبيسبير يؤمن بأفكار منتسكيو Montesquieu باعتبارها أساساً لازما لجمهورية ناجحة، فمن غير ناخبين لا يمكن شراء أصواتهم الانتخابية ومن غير موظفين لا يمكن رشوتهم تصبح الديقراطية كذبا ورياء. وقد آمن روبيسبير كما آمن روسو بأن الإنسان خير بالطبيعة أو بتعبير آخر خلقه الله خيرا، بحيث يجب أن تكون "الإرادة العامة" هي قانون الدولة وأن أي معارض مصر على مواجهة الإرادة العامة يستحق بلا ريب الإدانة التي تفضي به إلى ساحة الإعدام. وكان روبيسبير متفقاً مع روسو في أن بعض أشكال المعتقدات الدينية لا بد منها لضمان السلام النفسي والانضباط الاجتماعي ولأمان الدولة وبقائها.

ولم يبد أنه بدأ يشك في اتفاقه التام مع الإرادة العامة "الإرادة الجماهيرية" إلا قرب نهاية حياته. لقد كانت نفسه أضعف من إرادته، وكانت معظم أفكاره مستقاة من قراءاته أو من الشعارات التي ملأت الجو الثوري المحيط. لقد مات في عمر باكر جدا مما لم يتح له فرصة سبر أغوار الحياة بعمق أو تحصيل قدر كبير من المعرفة التاريخية يتيح له أن يقارن بين أفكاره المجردة أو العامة وواقع الأمر من خلال تأمل محايد. لقد عانى بشدة مما حاق بنا من فشل عام، ولم يكن يستطيع أن ينأى بذاته بعيداً عن عينيه. لقد كان مقتنعاً بما يتفوه به مشوبا بالحماس والعاطفة. لقد كان على يقين خطر، وكان يصرخ عبثا بشكل يدعو للسخرية، قال عنه ميرابو Mirabeau " هذا الرجل سيشتط كثيرا وسيذهب بعيدا. إنه مؤمن بكل كلمة يقولها"(4) وكانت نهايته إلى المقصلة.

وقد ألقى روبيسبير على مدار عامين ونصف العام في الجمعية الوطنية نحو خمسمائة خطبة(5) عادة ما كانت الخطبة منها طويلة طولا يبعدها عن تحقيق الإقناع، وعادة ما كانت جدلية خلافية مما يجعلها غير بليغة، ومع هذا فإن جماهير باريس فهمت مغزاها وتعلمت منها وأحبته من أجلها. لقد عارض روبيسبير التفرقة القائمة على أسس عرقية أو دينية واقترح تحرير السود(6) وظل حتى شهور حياته الأخيرة مدافعا عن الشعب. لقد قبل مبدأ الملكية الخاصة، لكنه رغب في تعميم الملكية الصغيرة لتكون هي الأساس الاقتصادي لديمقراطية قوية. وقد اعتبر التفاوت في الثروة شراً لا بد منه"(7) راجع إلى التفاوت الطبيعي بين قدرات البشر. وفي هذه الفترة وجدناه يؤيد الإبقاء على الملكية فقد كان يرى أن الإطاحة بلويس السادس عشر قد تؤدي إلى فوضى وسفك دماء تفضيان في النهاية إلى دكتاتورية أكثر من طغيان الملكية(8).

واستمع كل عضو من أعضاء الجمعية الوطنية - تقريبا - لخطب هذا الخطيب الشاب بحياد فيما عدا ميرابو Mirabeau الذي احترم حجج روبيسبير التي أعدها إعدادا متقنا وبسط شرحها بوضوح. ومن ناحية أخرى(9) لاحظنا ميرابو الذي نشأ في ظل والد عبقري رغم دقته الشديدة الصارمة راح يتشرب بتوق شديد كل تأثير متاح في الحياة مما تهيؤه فرص الرحلة والمغامرة والخطيئة، وراح يطالع مظاهر الضعف البشري والظلم والفقر والمعاناة في اثنتي عشرة مدينة، وسجنه الملك بناء على طلب والده وشهر بأعدائه في نشرات هجائية واتهامات غاضبة، وأخيرا انتخبته طبقة العوام في كل من مرسيليا Marseilles وايزنبروفنس Aix-en- Provence لمجلس طبقات الأمة فحقق انتصارا مزودجا فعالا، وأتى إلى باريس وقد أصبح بالفعل أحد المشاهير اللامعين الذين تحوم حولهم الشكوك في بلد كانت الأزمة تدفع بالنابغين والعباقرة إلى الصدارة في ظروف قلما شهد لها التاريخ مثيلا. لقد رحب به متعلمو باريس كلهم، وأطلت الرؤوس من النوافذ لمشاهدة عربته وهي تمر، وكانت النسوة مشتاقات لمعرفة حقيقة الإشاعات المثارة حول غرامياته كما كن مفتونات بما في وجهه من ندوب وتشوه، فتنة لا يعادلها سوى الاشمئزاز من قبح هذه الندوب وهذا التشوه.

لقد استمع الأعضاء باستسلام لخطابه رغم أنهم كانوا شاكين في طبقته وأخلاقه ونواياه، فقد سبق أن سمعوا أنه كان يعيش عيشة تفوق إمكاناته، وأنه كان يشرب حتى يفقد عقله، وأنه لم يكن يتورع عن استخدام بلاغته وفصاحته للتخفيف من وطأة ديونه، لكنهم علموا أنه لام أفراد طبقته دفاعاً عن العوام الذين قدروا فيه شجاعته لأنهم تشككوا في أن يجدوا لهذا البركان من الطاقة المعتمل في نفسه مثيلا آخر.

لقد انتشرت الخطابة في هذه الأيام المحمومة وازدادت المناورات السياسية أكثر بكثير مما شهده قصر (صالة) المسرات البريئة (مينو بلازير (Hotel des Menus Plaisirs وطغت بها الصحف والنشرات والإعلانات المعلقة على الجدران والنوادي؛ فبعض المندوبين القادمين من بريتاني Brittany كونوا نادي البريتون Club Breton الذي سرعان ما فتح باب عضويته للأعضاء الآخرين وللخطباء والكتاب، وجعل منه كل من سييز Sieyes وروبيسبير، وميرابو منصة يعرضون عليها أفكارهم ويجربون وقع مشاريعهم على المستمعين، وشهد هذا النادي التشكيل الأول للتنظيم القوي الذي عرف بعد ذلك باسم اليعاقبة. وكانت المحافل الماسونية نشيطة أيضا، وكانت عادة مؤيدة للملكية الدستورية، لكن ليس لدينا دليل عن مؤامرة ماسونية سرية(10). وربما كان نادي البريتون هو الذي شهد خطة سييز Sieyes وآخرين القاضية بأن يتحرك النبلاء والإكليروس في خطوة واحدة مع طبقة العوام. وقد ذكّر سييز طبقة العوام بأنّ عددهم 24 مليونا من بين 25 مليون هم سكان فرنسا، فلم طال ترددهم في الحديث باسم فرنسا؟. وفي 16 يونيو اقترح على المندوبين في المينو بلازير(صالة المسرات البريئة) Menu Plaisirs ضرورة أن يرسلوا دعوة أخيرة للطبقتين الأخريين للانضمام إليهم فإن كانت الإجابة بالرفض فما على مندوبي الطبقة الثالثة إلا أن يعلنوا أنهم هم ممثلو الأمة الفرنسية وأن يشرعوا في سن القوانين.

واعترض ميرابو في بادىء الأمر بأن الملك على رأس مجلس طبقات الأمة وبالتالي فهو - من الناحية القانونية - تابع له، ومن ثم يمكن فض المجلس بناء على رغبة الملك. وبعد أن قضى المجتمعون ليلة في النقاش وسوق الحجج والتشابك بالأيدي تمّ طرح القضية للتصويت: أسوف يعلن المجتمعون أنفسهم جمعية وطنية؟ وتمت الموافقة على ذلك بأربعمائة وتسعين صوتا مقابل تسعين كانوا هم المعترضين فقط. وتعهد النواب بالالتزام بحكم دستوري. ومن الناحية السياسية تكون الثورة قد بدأت في 17 يونيو سنة 1789.

وبعد ذلك بيومين اجتمع ممثلو الإكليروس بشكل منفصل وصوتوا لصالح الانضمام لطبقة العوام (الطبقة الثالثة)، وكان عدد الأصوات الموافقة 149، مقابل 137 اعترضوا وألقى الإكليروس الأدنى درجة بثقلهم لصالح طبقة العوام وفزع ذوو الرتب الكنسية العليا من الإكليروس من هذا الانشقاق فانضموا للنبلاء ولجأوا إلى الملك لمنع اتحاد الطبقات معا حتى لو اقتضى الأمر حل مجلس طبقات الأمة وصرفه، فأمر الملك في مساء يوم 19 يونيو بإغلاق صالة المسرات البريئة (مينو بلازير Hotel des Menus Plaisirs) لإعدادها لجلوس ممثلي الطبقات الثلاث في الدورة الملكية التي ستعقد في 22 يونيو. وعندما ظهر نواب الطبقة الثالثة في اليوم العشرين وجدوا الأبواب موصدة فاعتقدوا أن الملك يريد صرفهم فتجمعوا في ملعب تنس مجاور Salle du Jeu de Paume واقترح مونييهMounier على النواب وعددهم 577 المتجمعين أن يقسم كل واحد منهم ألا ينفصل عن المجموع وأن يواجه الظروف مهما كانت حتى يتم وضع الدستور بشكل نهائي" وبالفعل أقسموا جميعا ما عدا واحدا، وقد سجل الفنان جاك لوي دافيد Jacques-Louis David هذا المشهد التاريخي في واحدة من أهم اللوحات الفنية الكبرى في هذا العصر. ومنذ ذلك الوقت أصبحت الجمعية الوطنية هي أيضا الجمعية التأسيسية التي تتولى صياغة الدستور.

وتم افتتاح الدورة الملكية في 23 يونيو أي بعد الميعاد المقرر لها بيوم، وتلي خطاب للملك في حضورة، وكان الخطاب يعكس اقتناعه أنه بغير حماية النبلاء والكنسية ستتضاءل أهميته السياسية، ورفض في خطابه هذا دعوى الطبقة الثالثة بأنها هي الأمة، باعتبار ذلك أمراً غير قانوني. ووافق الملك في خطابه هذا على إلغاء السخرة، وإبطال إصدار المراسيم الملكية القاضية بالسجن من غير محاكمة وإلغاء رسوم الانتقال داخل فرنسا وكل ما يترتب على نظام القنانة (عبودية الأرض) لكنه أكد على اعتراضه عل كل ما يفسد "الحقوق الدستورية القديمة، ... فيما يتعلق بالملكية أو المزايا الشرفية لطبقتي النبلاء والإكليروس" ووعد بالمساواة في الضرائب في حالة موافقة هاتين الطبقتين. كما قال إن كل ما يتعلق بالدين أو الكنسية لا بد أن يتم بموافقة الإكليروس، وأنهى خطابه بإعادة تأكيده على النظام الملكي المطلق:

"وإذا شاءت الأقدار أن تخليتم عني في هذا المشروع العظيم، فإنني وحدي سأعمل على رفاهية شعبي، وأنا وحدي الذي يجب أن ينظر في أمر ممثليه الحقيقيين.. اعتبروا أيها السادة ولتعلموا أن أيا من مشروعاتكم وخططكم لن يكون له قوة القانون بغير موافقتي.. إنني آمركم أيها السادة أن تنفضوا فورا، وأن تجتمعوا غدا كل واحد منكم في الصالة المخصصة لطبقته"(11).

وغادر الملك ومعظم النبلاء وعدد قليل من الإكليروس صالة الاجتماع، وأعلن المركيز دي بريزى de Breze عن رغبة الملك في إخلاء الصالة. وأجاب باييه Bailly - رئيس الجمعية - بأن الأمة المجتمعة لا يمكنها أن تقبل مثل هذا الترتيب، ودوى صوت ميرابو كالرعد معلنا لدى بريزى de Breze : "اذهب وقل لمن أرسلوك إننا هنا بإرادة الشعب ولن نغادر إلا إذا أجبرتمونا على ذلك بالقوة المسلحة"(12). ولم يكن ما قاله صحيحا فقد أتوا إلى هنا بناء على دعوة الملك ومع هذا فقد عبر المجتمعون عن هذا المعنى نفسه بالصياح قائلين "تلك إرادة الجمعية" وعندما حاول الحرس الملكي دخول القاعة سدت مجموعة من النبلاء الليبراليين - وكان من بينهم - لافاييت Lafayette - المداخل بسيوفهم المشهرة، وعندما سئل الملك عما يجب عمله أجاب بضجر "دعوهم يبقون".

وفي 25 يناير انضم دوق أورليان Duc d`orleans مع سبعة وأربعين نبيلا للجمعية الوطنية فاستقبلهم أعضاؤها بعاصفة من الفرح وتردد صدى صياحهم المتحمس في أرجاء القصر الملكي Palais - Royal وحوله، وتآخى الحرس الفرنسي مع الحشود الثائرة، وفي اليوم نفسه شهدت العاصمة ثورتها السلمية فقد التقى الرجال الذين كان قد تم اختيارهم(وكان عددهم 407) من أقسام باريس لاختيار مندوبي باريس في دار البلدية Hotel de Ville وقاموا بتعيين مجلس بلدي جديد، ولما رأى المجلس الذي عينه الملك أنه لا يجد دعما عسكريا يؤازره تخلى - سلميا - عن دار البلدية.

وفي 27 يونيو استسلم الملك لحكم الظروف وتوجهات نيكر Necker وأمر طبقتي النبلاء والإكليروس بالانضمام إلى الجمعية الوطنية الظافرة، وبالفعل ذهب النبلاء إليها لكنهم رفضوا المشاركة في التصويت ومن ثم عاد كثيرون منهم إلى ضياعهم.

وفي أول يوليو استدعى لويس عشرة أفواج - معظمهم من الألمان والسويسريين - لمساعدته، وفي العاشر من يوليو احتلت قوات قوامها ستة آلاف جندي بقيادة المارشال دى برولي Marechal de Broglie فرساي، واتخذ عشرة آلاف جندي بقيادة البارون دى بيسينفال Baron de Besenval مواقع حول باريس. وفي أجواء ملأها الهياج والرعب شرعت الجمعية في اعتبار التقرير الذي سبق تقديمه في 9 يوليو بمثابة دستور جديد. وتوسل ميرابو إلى الأعضاء أن يحتفظوا بالملك كدرع ضد الفوضى الاجتماعية وحكم الغوغاء، ووصف لويس السادس عشر بأنه رجل طيب القلب ذو نوايا حسنه لكن مستشاريه قصيري النظر يضللونه وقال لهم وكأنه يتنبأ:

"أَدَرَسَ هؤلاء الناس في تاريخ أي شعب كيف تبدأ الثورات، وكيف يجري تنفيذها؟ ألم يلاحظوا كيف أن سلسلة من الظروف التي يفرضها القدر تبعد أحكم الرجال عن حدود الاعتدال، وكيف أن الشعب الساخط تدفعه الأحداث المرعبة لتورده موارد الإسفاف؟"(13).

وانصاع أعضاء الجمعية لنصيحته لأنهم شعروا أيضا بتطور الأحداث السريع في شوارع باريس. لكن الملك لويس بدلا من أن يكافىء الطبقة الثالثة بتنازلات جوهرية لتهدئتها، فإنه أثار غضب الراديكاليين والليبراليين بطرده نكير Necker للمرة الثانية (في 11 يوليو) ليضع في منصبه صديق الملكة العنيد المتشدد البارون ده برتوي (Baron de Breteuil) وفي 12 يوليو جعل المقاتل دي برولي de Broglie وزيرا للحرب، وتأزمت الأمور وحان وقت الجد.


الهامش

المراجع

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  • قالب:Mignet

وصلات خارجية