الخوف الكبير

الپاريسيون المسلحون الجائعون يزحفون على قصر ڤرساي.

"الخوف الكبير" (فرنسية: la Grande Peur؛ إنگليزية: Great Fear) حدث بين 19 يوليو – 3 أغسطس 1789،[1] في فرنسا عند بداية الثورة الفرنسية. تمردات الفلاحين تلك ساعدت على إحداث رعب عام لاحقاً سُمي "الخوف الكبير".[2] كانت الاضطرابات الريفية تعم فرنسا بسبب استفحال نقص الحبوب في الربيع، وقد فاقم منه إشاعات عن "مخطط مجاعة" يرسمه الأرستقراط لتجويع السكان أو التخلص من جزء منهم. ولذلك احتشد الفلاحون والجماهير وسكان البلدات في مختلف الأقاليم.[3]

تصوير الخوف العظيم (متحف كرنڤاليه، پاريس).

في 13 يوليو سنة 1789 كتب الحاكم موريس Gouverneur Morris من فرنسا "إن هذه البلاد أقرب ما تكون في الوقت ا لحاضر إلى فوضوية لا ضابط لها"(82) فالتجار يتحكمون في السوق وتسببوا في نقص الحبوب لصالحهم ورفعوا الأسعار، والعربات التي تنقل الطعام إلى المدن تتعرض للنهب في أثناء الطريق، وعمت الفوضى واختل الأمن وتهدد النقل. وضجت باريس من كثرة المجرمين. وكان الريف الفرنسي أيضا مرتعاً للصوص الطوافين حتى إن الفلاحين في كثير من المقاطعات سلحوا أنفسهم في ذلك الجو من الرعب الهائل الذي سببته هذه الجموع التي لا يحكمها قانون، ففي غضون ستة أشهر اقتنى المواطنون 400,000 بندقية، وعندما انتهت فترة الرعب الهائل Great Fear هذه قرر الفلاحون استخدام أسلحتهم ضد جامعي الضرائب والاحتكاريين والسادة الإقطاعيين، فهاجموا قصور الإقطاعيين بالبنادق (المسكت) والمذاري والمناجل (المحشات) وراحوا يطالبون بإظهار الوثائق والمستندات التي تثبت حقوق السادة، ومدى تفو يضهم في جمع الرسوم الإقطاعية، فإذا ما أطلعهم عليها السادة، قاموا بحرقها، وإذا رفضوا إطلاعهم وقاوموهم، أحرق الفلاحون قصر السيد الإقطاعي وحدث في عدة حالات أن قتلوا المالك (السيد الإقطاعي) واستمر الحال على هذا المنوال منذ بداية شهر يوليو سنة 9871 وانتشر حتى عمّ أنحاء فرنسا كلها. وفي بعض الأماكن حمل المتمردون إعلانات يزعمون بمقتضاها أن الملك قد خولهم كل الصلاحيات في مقاطعاتهم(92). وغالبا ما كان التدمير يجري بغير ضابط وبعنف شديد حتى إن الفلاحين التابعين لأراضي دير مورباش Murbach أحرقوا مكتبة الدير، وحملوا معهم الطبق الذي يدار به على المتعبدين لجمع التبرعات واستولوا على ستائر الكتان وفتحوا براميل النبيذ وشربوا كل ما استطاعوا شربه وأراقوا الباقي. وفي ثمانية كومونات Communes (بلديات) اجتاح السكان الأديرة واستولوا على الحجج القانونية ومستندات الملكية بها وأعلنوا للرهبان أن رجال الدين (الإكليروس) أصبحوا الآن تابعين للشعب، وورد في تقرير مقدم للجمعية الوطنية أنه في كونتية فرانش Franche Comte` تم إحراق أو نهب نحو أربعين قصراً إقطاعيا، وفي لانجر Langers جرى نهب وإحراق ثلاثة قصور من خمسة، وفي دوفيني Dauphine` جرى إحراق وتدمير سبعة وعشرين قصرا وفي ڤيينوا Viennois تم نهب الأديرة كلها. وتم اغتيال من لا حصر لهم من السادة الإقطاعيين والبورجوازيين الأثرياء"(03).

أما المسئولون الرسميون في المدن الذين حاولوا إيقاف ثورة الفلاحين (ثورة الجاكيين Jacqueries ) فقد جرى عزلهم، بل لقد جرى إعدام بعضهم. وهجر الأرستقراطيون بيوتهم وراحوا يبحثون عن الأمان في أماكن أخرى لكنهم كانوا يواجهون هذه الفوضوية التلقائية التي لا ضابط لها أينما ذهبوا، ثم بدأت موجة الهجرة الثانية (النزوح عن فرنسا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تخلي النبلاء عن امتيازاتهم في 4 و5 أغسطس 1789

وفي ليلة 4 أغسطس سنة 9871 ذكر مندوب للجمعية الوطنية في فرساي في تقرير له أن "الخطابات الواردة من المقاطعات كلها تشير إلى أن مختلف الممتلكات عرضة للنهب بعنف إجرامي لا حد له، ففي أنحاء البلاد كلها جرى إحراق القصور الإقطاعية وتدمير الأديرة وتركت المزارع للناهبين. وتم إلغاء الرسوم الإقطاعية، وأصبح القانون بلا قوة تحميه وأصبح المسئولون بلا سلطة ولا صلاحيات"(13). لقد أدرك من تبقى من النبلاء أن الثورة التي كانوا يأملون أن تكون قصرا" على باريس وأن تهدأ ببعض التنازلات الصغرى التي تقدمها الحكومة قد أصبحت الآن على مستوى فرنسا كلها وأنه لم يعد من الممكن الاستمرار في تحصيل الرسوم الإقطاعية، فاقترح الفيكونت دى نوال" The Vicomte de Noailles" أنه لم يعد من الممكن فرض الرسوم الإقطاعية... إذ يجب إلغاء القنانة (عبودية الأرض) وغيرها من أشكال العبودية الشخصية بلا تعويض، وأنه لا بد من أن تكون المبالغ المدفوعة مقننة على أسس عادلة" وأنهى حديثه معلنا نهاية التمايز الطبقي "لا بد أن يدفع كل فرد في المملكة ضرائب بما يتناسب مع دخله".

لقد كان الفيكونت دي نوال Noailles فقيرا وبالتالي كان يمكنه تحمل هذه الإجراءات تماما، لكن دوق ديجلون the Duc d` Aiguillon كان من بين أغنى البارونات ثنى على الاقتراح وأعلن قبوله ذا الوقع الشديد قائلاً: "إن الناس قد حاولوا أخيراً أن ينفضوا عن كاهلهم نير العبودية الجاثم عليهم طوال قرون طويلة مضت، ويجب أن نعترف- رغم ضرورة شجب هذا العصيان المسلح- أن من الضروري أن نلتمس للثائرين عذراً فقد كانوا ضحايا بشكل مثير "(23) وقد دفع هذا الاعتراف النبلاء الليبراليين إلى تأييده بحماس، فتزاحموا واحدا إثر الآخر لإعلان تخليهم عن امتيازاتهم التي كانوا يطالبون بها، وبعد ساعات من التخلي ذي الطابع الحماسي أعلنت الجمعية الوطنية في الساعة الثانية من صباح 5 أغسطس تحرير الفلاحين، وجرى إضافة بعض التحفظات بعد ذلك تطالب الفلاحين بدفع مبالغ على أقساط دورية لاسترداد رسوم معينة، لكن مقاومة هذه الفكرة جعلت تحصيلها غير عملي، وبذلك كان في هذا القرار إنهاء حقيقي للنظام الإقطاعي. وكان توقيع الملك على تخلي النبلاء عن امتيازاتهم مدعاة إلى اعتباره كما سجل في المادة 61 "معيد الحرية الفرنسية"(33).

واستمرت موجة المشاعر الإنسانية مدة طويلة تكفي لإبراز وثيقة تاريخية أخرى هي "إعلان حقوق الإنسان" والمواطن (72 أغسطس 9871) وقد اقترح هذه الوثيقة لافاييت Lafayette الذي كان لا يزال متحمساً لتأثره بإعلان الا ستقلال ووثائق الحقوق التي أعلنتها عدة ولايات أمريكية، وأيد النبلاء الأصغرون سناً في الجمعية مبدأ المساواة لأنهم كانوا قد عانوا من المزايا الوراثية التي كان يتمتع بها أكبر الأبناء، وبعضهم مثل ميرابو Mirabeau كان قد عانى من السجن التعسفي.


الهامش

  1. ^ John Merriman, a history of modern Europe from the French revolution to the present, volume 2, 1996.page 481
  2. ^ John Merriman, a history of modern Europe from the French revolution to the present, volume 2, 1996, page 481
  3. ^ John Merriman, a history of modern Europe from the French revolution to the present, volume 2, 1996, page 481.
  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

وصلات خارجية