تاريخ مصر

(تم التحويل من التاريخ المصري)

يرجع تاريخ مصر إلى نحو عام 3100 ق.م، حين شهدت مصر ميلاد إحدى أقدم الحضارات في تاريخ البشرية وكانت نشأتها على ضفاف نهر النيل، واستمرت لأكثر من ألفي عام. وهي تُعَدُّ بذلك من أطول الحضارات البشرية عمرًا وأكثرها امتدادًا عبر التاريخ.

أطلق أهل مصر القديمة على بلادهم اسم كيميت، وتعني الأرض السوداء كناية عن وفرة الرواسب الطينية التي يرسبها النيل على جانبي مجراه وفي دلتاه خلال مواسم فيضانه، والتي أسهمت في خصوبة التربة وتجددها كل عام. وأضافت الحضارة المصرية القديمة الكثير إلى التراث الإنساني العالمي؛ فقد شهد وادي النيل إنشاء أول سلطة مركزية في التاريخ، بالإضافة إلى معرفة الكتابة والمساهمة في ابتكار عديد من العلوم منها الحساب والهندسة والطب والفلك، ومعرفة التقويم، والتفكير في البعث بعد الموت والثواب والعقاب. وهو ما دفع ملوكهم إلى بناء المعابد والمقابر المذهلة ومنها الأهرامات، إلى جانب معرفة طرق تحنيط جثث الموتى والتي مازالت أسرارها غير معروفة حتى الآن. ومرت على مصر مراحل تاريخية متباينة بعد ذلك، خضعت خلالها لحكم الإغريق والفرس والرومان حتى انبعث ميلاد جديد لمصر بدخول الإسلام ربوعها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التسمية

تمثال للإله المصري القديم "حورس"، وعلى رأسه تاج الملكية المزدوج - معبد "إدفـو".
خط زمني لتاريخ مصر
[1]
642 الفتح الإسلامي لمصر.
969-1171 الدولة الفاطمية في مصر.
1171-1250 الدولة الأيوبية في مصر.
1250-1517 دولة المماليك في مصر.
1517 الغزو العثماني لمصر.
1798 الحملة الفرنسية على مصر.
1801 طرد القوات العثمانية والبريطانية للقوات الفرنسية من مصر.
1869 افتتاح قناة السويس.
1875 بيع مصر لنصيبها من أسهم شركة قناة السويس لبريطانيا.
1882 احتلال القوات البريطانية لمصر.
1914 إعلان الحماية البريطانية على مصر.
1922 اعتراف بريطانيا باستقلال مصر اسميًا.
1940-1942 محاربة القوات البريطانية والحليفة لها لقوات المحور (ألمانيا وإيطاليا) في مصر خلال الحرب العالمية الثانية.
1948-1949 اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، حرب 1948، بعد تقسيم فلسطين بموافقة الأمم المتحدة.
1952 اندلاع ثورة يوليو بقيادة الضباط الأحرار وإطاحتهم بعرش فاروق الأول، ملك مصر.
1953 إعلان النظام الجمهوري في مصر.
1954 تولي جمال عبد الناصر مقاليد الحكم في مصر.
1956 تأميم مصر لشركة قناة السويس، والعدوان الثلاثي (الإسرائيلي البريطاني الفرنسي) على مصر، وإنهاء الأمم المتحدة للأزمة وانتصار مصر.
1958 إعلان وحدة مصر وسوريا في دولة واحدة تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، ثم انسحاب سوريا من الاتحاد عام 1961.
1960 بدء إنشاء السد العالي بأسوان الذي بدأ تشغيله الفعلي عام 1968.
1967 اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة.
1970 وفاة جمال عبد الناصر وتولي محمد أنور السادات رئاسة مصر.
1973 اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، حرب 1973.
1978 توقيع اتفاقيات كامپ ديڤد، بين مصر وإسرائيل.
1981 اغتيال محمد أنور السادات وتولي محمد حسني مبارك رئاسة مصر.
1990 عارضت مصر الغزو العراقي لدولة الكويت واشتركت مع قوات التحالف في طرد القوات العراقية خارج الكويت.
1992 ضرب زلزال مدمر مدينة القاهرة، خلف 560 ضحية تحت الأنقاض وخسائر في الممتلكات قدرت بنحو مليار دولار أمريكي.
1999 تحطمت طائرة بوينگ تابعة لشركة مصر للطيران قبالة السواحل الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية، وبلغ عدد الضحايا 217 قتيلاً هم كل من كانوا على متنها.
2011 قيام ثورة 25 يناير وسقوط نظام مبارك، وتولي المجلس العسكري الحكم
2012 تولي محمد مرسي رئاسة مصر

اعتاد الإنسان في الشرق العربي القديم أن يستنبط تسمية للأماكن من أخص صفة فيها، ولما كانت أرض مصر رسوبية سوداء؛ فقد أطلق الإنسان المصري على بلده اسم كمت أي السوداء أو تحبباً السمراء. كما أطلق المصري القديم على مصر أسماء هي ألقاب مقدسة، تنم على إعجاب وتشريف. أما تسمية مصر فقد جاءت من بلاد الشام حيث ورد اسم مصر لأول مرة في رسالة بعث بها «رب عدي» أمير جبيل إلى إخناتون (ح. 1367- 1347 ق.م) بصيغة (ماتو مصري) وماتو لفظة أكادية تعني الأرض، وبعد ذلك وردت هذه التسمية في النصوص الفينيقية والآشورية والكلدانية والمعينية والآرامية والسريانية، أما العرب فقد سمّوها مصر، وشاعت في اللغات الغربية التسمية Egypt للدلالة على مصر، فسمّاها اليونان والرومان «آيجيبتوس» ثم شاعت في اللغات الأوربية المعاصرة (Aegypten¨ Egypt Egypte¨ Egipto).


ما قبل التاريخ

لمصر وبلاد الرافدين والشام مكانة في سجل الحضارة البشرية القديمة لا تدانيها مكانة، فقد حملت شعوب هذه البلاد مشعل الحضارة آلاف السنين وضعت في أثنائها القواعد الرئيسة لأسس الحضارة الإنسانية في الكتابة واللغة والفن والدين والإدارة والعلوم التطبيقية والعمارة.

وقد دلت الدراسات الأثرية على أن الإنسان سكن مصر منذ بداية العصور الحجرية القديمة، وتبين الدراسة المقارنة لجماجم يرجع تاريخها إلى عصور ما قبل الأسرات (4000ق.م) والعصور التاريخية؛ أن مصر سكنت بعنصرين رئيسين: الأول إفريقي وكانت له جماجم متطاولة، والآخر جاء من شرق مصر وله جماجم مستديرة، وقد طغى الأخير على العنصر الأقدم (الزنجي)، وأكد الباحثون رأيهم هذا من خلال الآثار الرافدية والشامية التي عُثر عليها في مصر، فضلاً عن الخصائص اللغوية العربية الموجودة في اللغة المصرية القديمة، سواء من حيث المفردات أم النحو، وكذلك عبادة الآلهة التي أدخلها المهاجرون العرب الشرقيون إلى مصر، وكان من أعظم الآلهة «الإله حورس» (إله عربي شرقي وصفه الدميري في كتابه «الحيوان» وصفاً ينطبق على الصقر الحر العربي تسمية وشكلاً).

أما فيما يتعلق باللغة والكتابة المصريتين، فقد تأثرت اللغة المصرية بالمهاجرين الذين قدموا إلى مصر منذ نهايات العصور الحجرية، نتيجة للجفاف الذي ألمَّ بمنطقة الصحراء الكبرى الإفريقية، كما وصلت إلى مصر هجرات قدمت من بلاد الشام عن طريق سيناء وطريق باب المندب والبحر الأحمر عموماً، وهكذا طُبعت اللغة المصرية القديمة بطابع عربي سواء بنحوها أم مفرداتها، وقد أطلق اليونان على الكتابة المصرية اسم (الكتابة الهيروغليفية) التي اشتقت منها كل الكتابات اللاحقة في مصر (الهيراطيقية، الديموطيقيه)، وفي العصر البطلمي استخدم المصريون الكتابة القبطية، وقد سادت هذه الكتابة حتى بداية العصر الإسلامي بمصر.

إن تاريخ مصر هو سلسلة مترابطة الحلقات، وإنجاز كل عصر فيه يرتكز على ما قدمته العصور السابقة، ولا يمكن لأي باحث بتاريخ مصر أن يحيط به ويفهمه إلا إذا بدأ بدراسة أقدم حلقة فيه، وهي العصور الحجرية. [2]

العصور الحجرية القديمة

بسبب طول هذه العصور، فقد قسمها الباحثون إلى ثلاثة عصور (العصر الحجري القديم الأسفل والأوسط والأعلى) وقد عثر الباحثون على آثار العصر الأول (2300000- 100000ق.م) في الصحارى المصرية، أوفي التلال القريبة من الوادي، وتتكون من فؤوس حجرية، بعضها مهذب بحيث أصبح للفأس ثلاثة أوجه وشكلها العام هرمي، أما آثار العصر الحجري الأوسط (100000- 35000ق.م) في مصر، فكان أغلبها على شكل رقائق تمثل نصالاً، ذات هندسية صغيرة الحجم، ومما هو جدير بالذكر أن الباحثين لم يعثروا على هياكل عظمية للإنسان الذي عاش في مصر في العصرين السابقين، وفيما يخص العصر الحجري القديم الأعلى (35000- 12000 ق.م) فقد اكتُشفت آثاره في جنوبي مصر.

العصر الحجري المتوسط

يمتد هذا العصر من 12000 إلى 8000 ق.م، ويعدّ مرحلة انتقالية بين العصر الحجري القديم الأعلى والعصر الحجري الحديث، وقد شملت آثاره الأدوات الحجرية الصغيرة الدقيقة الحادة؛ ذات الأشكال الهندسية المختلفة التي سادت في العصر السابق.

العصر الحجري الحديث

يمتد هذا العصر في مصر من 8000 إلى 3200 ق.م، وقد تعددت إبداعات الإنسان الحضارية وتنوعت في هذا العصر، بحيث يمكن القول إن ثورة حضارية متعددة المظاهر قامت في هذا العصر، فقد أصبح الجفاف في المشرق العربي القديم حقيقة واقعة، مما دفع الإنسان إلى إبداع الزراعة كي يوفر غذاءه بنفسه، فالطبيعة أصبحت غير قادرة على تقديم الطعام له، ولذلك هاجر الإنسان من الصحارى إلى السهل الرسوبي على جانبي النيل والدلتا، بعد أن أخذ النيل شكل مجراه الحالي منذ نحو 14000ق.م، وقد اضطرته الزراعة إلى إقامة المسكن بجانب زرعه، ومن تجمع المساكن نشأت القرى والمدن، كما دفعه فائض محصوله إلى إبداع الفخار لحفظه. وهكذا نشأت التخصصات وقامت المشاغل لإنتاج الفخار والأدوات الزراعية وأدوات الزينة، مما أدى إلى نشوء الحرف، وأخيراًً لابد من الإشارة إلى ظهور الإدارة في هذا العصر، وقد ساعد على وجود إدارة مبكرة في مصر عاملان رئيسان: الأول حاجة المجتمع الزراعي إلى الأمن الذي يحفظ له محصوله من عبث العابثين، والثاني طبيعي يتمثل بإحاطة مصر بصحراوين قاحلتين، لا يستطيع الإنسان تجاوزهما؛ لأن جفاف الصحراء سيقتله. وينبغي الإشارة إلى أن البذور الأولى في الفن والدين والإدارة والكتابة واللغة قد نمت في هذا العصر،الذي يمثل آخره مرحلة العصر الحجري النحاسي 4500-3200 ق.م، وسُمّي كذلك لأن المصري تعرّف استخراج النحاس من فلذاته واستخدامه في صناعة أدواته إلى جانب الحجر، وقد سادت في هذا العصر حضارتان الأولى: «حضارة نقادة» قامت في أقصى جنوبي مصر بالصعيد، ولذلك كانت نشأتها ذاتية لم تؤثّر ولم تتأثر بغيرها من الحضارات، والثانية «حضارة جرزة» قامت في شمالي مصر، ولذلك أثّرت وتأثرت بالحضارة الرافدية والسورية، ويشهد على ذلك الآثار الصوانية والمقامع الفلسطينية والآثار الرافدية المتعددة من فخار وأختام أسطوانية ومظاهر فنية، وقد عدَّ الباحثون وصول هذه الآثار إلى مصر دليلاً على وصول هجرة بشرية عظيمة إليها من المشرق العربي القديم، وقد حملت معها إلهها حور الذي مثلَّه الصقر الحر العربي في الحضارة المصرية القديمة، ولذلك سُمّي المهاجرون «شمسوحور» أي عبّاد حورس، وقد طبعت هذه الهجرة مصر بطابعها اللغوي والديني والفني والبشري إلى حد بعيد. وكان من أهم مظاهر سيادة عُبَّاد حورس، إعتلاؤهم عرشي مملكتين واحدة في الدلتا والثانية في الصعيد، وقد تُوّج ملوك كل مملكة بتاج خاص بمملكتهم، واستطاع الشمال الذي اتخذ من »دمنهور« الحالية عاصمة له، أن يوِّحد مصر بضم الجنوب إليه، وليس من المستبعد أن «أون» (هليوبوليس أو عين شمس) كانت عاصمة مصر الموحَّدة، ولكن هذه الوحدة لم تدم طويلاً، فقد انفصل الجنوب عن الشمال وأصبحت مصر تتكون من مملكتين ولكل منهما عاصمة سياسية وأخرى دينية، ومعبود وملك وتاج، فقد كان التاج الأبيض لمملكة الصعيد والتاج الأحمر لمملكة الدلتا.

عصر الأسرات

توحيد القطرين

نقش للملك نارمر يعاقب أعداء مصر.

سعت مملكة الصعيد إلى تحقيق الوحدة مع مملكة الدلتا، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، خاضت حروباً قاسية، توجت بالوحدة بين البلدين، ويعدّ دبوس الملك العقرب وصلاية الملك نارمر من أهم الآثار التي تدل رسومها على الحروب التي دارت بين الطرفين، فالملك العقرب حارب أهل الشمال وانتصر عليهم، ولكن نارمر هو الذي حقق الوحدة بين القطرين بدليل تتويجه بتاج الصعيد الأبيض والشمال الأحمر، وهكذا توحدت مصر ح. 3200 ق.م وأصبح نعرمر أول ملك في أول أسرة مصرية حاكمة، ويبدو أنه حمل لقب مينا.

العصر العتيق والدولة القديمة

يطلق الباحثون المحدثون على عصر الأسرتين الأولى والثانية اسم العصر العتيق (3200-2780ق.م) أو العصر الثني، نسبة إلى مدينة ثني الموطن الأول لملوك هذا العصر، ومن أهم آثار هذا العصر، المصاطب؛ إذ بنى كل ملك من ملوك الأسرة الأولى مصطبتين واحدة في الشمال والأخرى في الجنوب لتكون إحداهما (ربما الشمالية) مقبرة للملك، كما يُذكر للملك مينا بناء عاصمة للدولة عند رأس الدلتا هي منف فيما بعد، أما فيما يتعلق بالدولة القديمة فقد بدأت بالأسرة الثالثة (2780ق.م) وانتهت نحو 2230 ق.م، وبذلك تكون قد ضمت الأسر: الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة. ويطلق الباحثون عليها اسم العصر المنفي نسبة إلى مَنُف العاصمة، أو عصر بناة الأهرام بسبب ما شاده أهله من أهرامات لم يعرف لها التاريخ مثيلاً.

الفترة الانتقالية الأولى

الأسر الفرعونية
بمصر القديمة
مصر قبل الأسرات
عصر نشأة الأسرات
عصر الأسر المبكرة
1 - 2
الدولة القديمة
3 - 4 - 5 - 6
الفترة الانتقالية الأولى
7 - 8 - 9 - 10 -
11 (طيبة فقط)
الدولة الوسطى
11 (كل مصر)
12 - 13 - 14
الفترة الانتقالية الثانية
15 - 16 - 17
الدولة الحديثة
18 - 19 - 20
الفترة الانتقالية الثالثة
21 - 22 - 23 - 24 - 25
العصر المتأخر
26 - 27 - 28
29 - 30 - 31
العصر الإغريقي والروماني
بطالمة - الإمبراطورية الرومانية

انتهت أيام الدولة القديمة لأسباب اقتصادية في معظمها، فقد شيّد ملوك هذه الدولة أهرامات عظيمة غير ذات فائدة اقتصادية، كما خصصوا الضيع والأراضي الزراعية ليُصرف من ريعها على إجراء الطقوس الدينية إلى أبد الآبدين، ومنحوا الكهنة الأراضي وأعفوهم من كثير من الواجبات، مما أثقل كاهل فئات مصرية أخرى أقل حظاً.

وبذلك ساد مصر ضعف شديد، نتج منه استقلال حكام الأقاليم، وتدفق القبائل البدوية العربية إلى شمالي مصر والدلتا، وانقطاع التجارة مع بلاد الشام، واضطراب الأمن، واستمرت هذه الأوضاع طوال عصر الأسرتين السابعة والثامنة في الدلتا ومنطقة العاصمة منف، ولكن الأوضاع استقرت في عصر الأسرتين التاسعة والعاشرة، وساد مصر ثلاث قوى رئيسة هي:

- قوة البدو العرب الذين تمركزوا في الدلتا واتخذوا من منف عاصمة لهم.

- قوة الأهناسيين الذين تمركزوا في منطقة الفيوم وعاصمتهم اهناسيا.

- قوة الطيبيين، وقد اتخذوا من طيبة عاصمة لهم.

ونشبت حرب ضروس بين هذه القوى، انتهت بانتصار طيبة، وبتوحيد مصر للمرة الثانية بزعامة منتوحتب الثاني.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عصر الدولة الوسطى

يعد الملك منتوحتب الثاني مؤسس الأسرة الحادية عشره أعظم ملوك هذه الأسرة؛ إذ أعاد وحدة مصر، وحمى حدودها الشرقية، وبنى معبداً ومقبرة إلى الغرب من طيبة؛ إذ مهَّد بجانب الجبل المطل على طيبة مسطحين يعلو أحدهما الآخر، وبنى عليهما معبده ومقبرته، وكان هذا الإبداع المعماري ملهماً لمهندس الملكة حتشبسوت في بناء معبدها على الطراز نفسه بجانب معبد الملك ومقبرته.

خلّف منتوحوتپ الثاني عدة ملوك اتخذوا الاسم نفسه الذي يرتبط بالإله «منتو»، ولكن أيام هذه الأسرة انتهت عام 1991ق.م وجاءت بعدها الأسرة الثانية عشرة، وكان مؤسسها الملك أمنمحات الأول، وقد ساد اسم أمنمحات (أمون في المقدمة) وسنوسرة (ابن الآلهة وسرة) أسماء ملوك هذه الأسرة، ومما يُذكر لهم نقل العاصمة من أقصى الجنوب إلى منطقة اللشت شمالي الفيوم؛ حيث بنوا أهراماتهم، وحماية حدود مصر الشرقية، وازدهار التجارة المصرية مع الساحل السوري، فالنصوص المصرية تذكر أن سفن الأسطول المصري كانت مبنية بخشب الأرز السوري، فضلاً عن أن اللغة المصرية القديمة بلغت قمة الازدهار في تاريخ مصر القديم كله، لكن هذه الدولة ضعفت لأسباب داخلية (التنافس بين أفراد الأسرة الحاكمة على العرش) ولأسباب خارجية (هجرة الزنوج إلى مصر من الجنوب وهجرة القبائل العربية من الشمال؛ مما أدى إلى إضعاف الاقتصاد المصري، وبذلك انتهت أيام هذه الدولة عام 1786ق.م.

الفترة الانتقالية الثانية

تعد الفترة الانتقالية الثانية من أشد فترات التاريخ المصري ضعفاً، إذ استقل حكام الأقاليم المصرية بأقاليمهم وتعرضت البلاد للسيطرة الأجنبية، سواء من الشمال أم من الجنوب، وقد شملت هذه الفترة حكم الأسرات من الثالثة عشرة إلى السابعة عشرة. تعرضت مصر في أثنائها لاحتلال الهكسوس[ر]؛ إذ تعد سيطرة الهكسوس على مصر سيطرة فعلية منذ عام 1730ق.م أعظم حدث سلبي في تاريخ مصر في أثناء حكم هذه الفترة؛ حين سيطروا على مصر زمن الأسر الخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة. ويعني اسمهم عند مانيثون «الحكام الرعاة» وعند غاردنز «حكام البلاد الأجنبية». وعندما قوي أمراء طيبة (سقنن رع وابناه كامس وأحمس) طردوهم بالقوة من مصر، ولاحقوهم إلى فلسطين، وبذلك قامت في مصر الدولة الحديثة.

عصر الدولة الحديثة

تمثال جرانيتي أحمر لتحتمس الثالث راكعاً وهو يقدم القرابين، المتحف المصري بالقاهرة.

تعدّ الدولة المصرية الحديثة من أعظم الدول التي قامت في مصر في تاريخها القديم، وليس من المبالغة في القول: إن لكل شعب عصر بطولة، وعصر بطولة مصر الفرعونية تحقق بعد قيام الدولة الحديثة؛ فقد أقام المصريون امبراطورية تمتد من الفرات شمالاً إلى السودان جنوباً، وكانت الدولة المصرية مرهوبة الجانب، تتمنى كل الدول المعاصرة لها في المنطقة أن تقيم معها صداقة وعلاقات حسنة.

ضمت الدولة المصرية الحديثة ثلاث أسر حاكمة قوية (الأسرة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والأسرة العشرين) وفي مطلع عصر الأسرة الثامنة عشره سارت الأمور على منوال الماضي في الإدارة والدين والفن وعلاقات مصر الخارجية، وقد حرص ملوك الأسرة الأوائل من مؤسس الأسرة الملك أحمس الأول إلى الملكة حتشبسوت على إعطاء الاهتمام الداخلي الأولوية على سواه، ولكن في عهد الملكة حتشبسوت (1490 ـ 1467ق.م) برز حزبان لكلٍ أنصاره ومبادئه للنهوض بمصر، تزعمت الملكة الحزب الأول وجلّ مؤيديها من كبار موظفي الدولة وكبير كهنة الإله آمون، وقد رأى أن نهوض مصر لا يتحقق إلا بالسمو الثقافي والازدهار الاقتصادي على الأمم المجاورة، أما الحزب الثاني فقد تزعمه تحتمس الثالث (صاحب الحق الشرعي بعرش مصر) ورأى أن نهوض مصر لا يتحقق إلا بالقوة العسكرية التي تحقق لها التوسع والسيطرة على الأمم المجاورة.

فترة العمارنة

تابوت توت عنخ أمون الذهبي، أشهر فراعنة الأسرة المصرية الثامنة عشر.

استمرت مصر قوية عسكرياً واقتصادياً حتى عهد الملك أمنحوتب الثالث الذي مال إلى الدعة وآثر الراحة والإقبال على ملذات الدنيا، فضعفت المملكة وأغرى ضعفها أعداءها بالقضاء على امبراطوريتها في بلاد الشام، وكان لهم ما أرادوا، فقد خلفه بعد ابنه أمنحوتب الرابع (أخناتون) الذي كان فيلسوفاًً مبدعاً، هدته فلسفته إلى إبداع مجموعة من المبادىء الإنسانية الراقية التي تسمو بالإنسان عن القتل والطمع والكذب والنفاق، وقد عارضه في دينه هذا كهنة الإله آمون، الذين تضرّرت مصالحهم، وهكذا انقسمت الأمة المصرية بين مؤيد لأخناتون ومعارض له، وغني عن القول: إن هذا الصراع المرير أضعفها وأغرى أعداءها بالهجوم على أملاكها في بلاد الشام. ومما هو جدير بالذكر أن الممالك السورية التي أخلصت لمصر المودة كتبت لأخناتون وأبيه الرسالة تلو الرسالة تطلب النجدة ولكن ما من مجيب. حتى فقدت مصر معظم امبراطوريتها في بلاد الشام عند موت أخناتون، وأصبح الحثيون بزعامة شوبيلوليوما، والآموريون بزعامة عبدي عشرتا وابنه عزير سادة بلاد الشام تقريباً.

حكم مصر بعد أخناتون كل من توت عنخ أمون والكاهن آي وأخيراً قائد الجيش حورمحب (1335- 1308ق.م)، ولم ينجب حورمحب ولياً للعهد فانتقل الحكم إلى رعمسيس الأول قائد جيشه، وبذلك تأسست أسرة جديدة غلب على ملوكها مع الأسرة التي تلتها اسم رعمسيس، ولذلك أطلق عليه «أسرة الرعامسة» مثلما أُطلق على سابقتها تسمية «أسرة التحامسة» لشيوع اسم تحوتمس في أسماء ملوكها.

الأسرة التاسعة عشرة

تعدّ الأسرة التاسعة عشرة من أسر مصر العظيمة، ومنذ بداية عصر هذه الأسرة طمح ملوكها إلى إعادة الامبراطورية الضائعة في بلاد الشام، فأعاد الملك ستي الأول تكوين الجيش المصري وقسّمه إلى ثلاث فرق سمّاها باسم الآلهة المصرية العظيمة (آمون/رع/بتاح)، وأصلح الطريق الذي يصل شرقي مصر عبر سيناء بفلسطين، وقد استفاد ابنه رعمسيس الثاني من إنجازات أبيه، فقاد فرق أبيه بعد أن أضاف إليها فرقة الإله «سِتْ» إلى سورية لإعادة قادش إلى السيطرة المصرية، ووقعت معركة قادش الشهيرة ضد الحثيين بزعامة مواتيلا.

استمر العداء بين مصر والمملكة الحثية عشرين سنة، وفي العام الحادي والعشرين قبلت مصر أن تعقد معاهدة صلح مع خيتا، وليدرأ الطرفان عن نفسيهما خطر شعوب البحر.

شغل الملوك الذين حكموا مصر بعد رعمسيس الثاني بدرء خطر شعوب البحر التي صارت تهاجم غرب الدلتا المرة تلو المرة، وكانت الحرب سجالاً، وكان من أشهرهم الملك مرنبتاح، ولكن حكم هذه الأسرة انتهى بسبب التنازع على العرش بين أمرائها، وقد تلتها فترة سادت فيها الفوضى إلى أن جاء الملك ست نخت وأسس أسرة جديدة هي الأسرة العشرون، فأعاد الأمور إلى نصابها وقضى على الاضطراب وأعاد النظام إلى البلاد.

الأسرة العشرون

نقش بارز من حرم معبد خونسو في الكرنك يصور رمسيس الثالث أشهر حاكم في الأسرة العشرون.

يعدّ عصر الأسرة العشرين امتداداً لعصر الأسرة السابقة، إذ واصلت هذه الأسرة جهودها في القضاء على خطر شعوب البحر الذي تمركز في غرب البلاد المصرية، فقد خاض الملك رمسيس الثالث ضدهم معركتين: الأولى في السنة الخامسة والثانية في السنة الحادية عشرة من حكمه، أما الحملة العسكرية العظيمة ضد شعوب البحر والتي قضت على خطرهم تماماً فكانت في السنة الثامنة من حكمه على الأرض السورية، إذ اجتازت شعوب البحر المضائق، ودمرت خيتا وأُغاريت وكركميش، ثم انحدرت جنوباً تحمل نساءها وأطفالها وأمتعتها على عربات تجرها الثيران، وعسكرت في وسط سورية ـ ربما محطة للاستراحة قبل تقدمها إلى دلتا النيل ـ ولكن رعمسيس الثالث لم يمهلها فخاض ضدها معركة حامية الوطيس على أرض فلسطين الحالية، وقضى عليها، كما خاض ضدها معركة بحرية ناجحة في ساحل مصر الشمالي، وهكذا قضت مصر على شعوب البحر ولم تقم لهم قائمة بعد رعمسيس الثالث.

تسلّم عرش مصر بعد رعمسيس الثالث ثمانية ملوك تسموا جميعاً باسم رعمسيس، ولكن مصر عانت الضعف الشديد في عهودهم، ولذلك استطاع الكهنة الاستيلاء على الحكم وتأسيس أسرة جديدة هي الأسرة الحادية والعشرون.

العصر المتأخر ونهاية عصر الأسرات

بدأ هذا العصر بالأسرة الحادية والعشرين (1087- 945ق.م)، ولكن مصر كانت تحت حكم أسرتين ملكيتين: الأولى في الشمال وكان على رأسها الملك «سمندس» الذي امتد حكمه من الدلتا إلى أسيوط، وكانت عاصمته تانيس (صان الحجر)، والثانية في الجنوب وعلى رأسها الكاهن حريحور الذي اتخذ من طيبه عاصمة له، وقد ساد الوئام بين الأسرتين المالكتين، نتج منه مصاهرة بينهما أدت إلى توحيد الأسرتين تحت حكم بنزم ملك الجنوب، لكن مصر كانت ضعيفة في علاقاتها مع بلاد الشام لدرجة أن ملك جبيل طرد رسول الملك المصري حريحور لأنه لا يملك ثمن الأخشاب التي يرغب في شرائها من جبيل.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الاحتلال الآشوري لمصر

فرعون مصر طهراقاوملك صيداعبد ملكي يسجدون لملك اشور اسرحدون 671 ق.م

سادت ظاهرة فريدة في منطقة الشرق العربي القديم، فما من قوة تنشأ في جزء منه إلا وتسعى إلى السيطرة على المنطقة كلها، حيث يكمن أمنها وازدهارها الاقتصادي. وهكذا سعت آشور إلى السيطرة على بلاد الشام، وتم لها هذا الأمر بعد جهود بذلها سنحاريب وأسرحدون، وأدركت مصر أن الاحتلال سيكون مصيرها، ولذلك أخذ ملكها «طهرقا» يعمل على تشجيع الفلسطينيين ومدن الساحل السوري عامة على الثورة ضد آشور، ومن المحتمل أن مصر كانت وراء ثورة صور التي جاء أسرحدون بنفسه وحاصرها. ثم تركها محاصرة، واتجه إلى مصر حيث استولى على عاصمتها منف، وبذلك اعترف كل حكام الأقاليم المصرية بسلطان آشور عليهم، ودفعوا الجزية إلى ملكها، وبعد سنوات قليلة ثار الملك طهرقا على الآشوريين، فما كان من الملك الآشوري آشور بانيبال إلا أن أرسل جيشاً قضى على الثورة، واتجه جنوباً إلى طيبه واحتلها، وحاول المصريون الثورة للمرة الثانية، إلا أن الآشوريين غلبوهم على أمرهم ووصلوا إلى طيبة.

الأسرة السادسة والعشرون

قمبيز الثاني يلقي القبض على پسماتيك الثالث. نقش على ختم فارسي من القرن 6 ق.م.

يعد بسمتك مؤسس هذه الأسرة من ملوك مصر العظام، إذ استطاع طرد الآشوريين من مصر بمساعدة من ملوك ليديا، كما استطاع ضم الجنوب إلى مملكته في الدلتا، حكم بعد بسمتك عدة ملوك (نخاو الثاني، بسمتك الثاني، أبريس، أحمس الثاني، بسمتك الثالث) وكان نخاو الثاني المميز بينهم في أعماله وإنجازاته.

عمل ملوك هذه الأسرة جاهدين على بعث المظاهر الحضارية المصرية التي سادت في عصر الدولتين القديمة والوسطى، سواء أكان في اللغة أم الفن أم الدين أم ألقاب الفراعنة أم طريقة كتابة النقوش، ولكن القدر لم يمهلهم، إذ سرعان ما تعرضت مصر للغزو الفارسي.

السيطرة الفارسية على مصر

استطاع الفرس السيطرة على مصر بعد معركة بلوزيوم (تل الفرما) بقيادة الملك قمبيز عام 525ق.م، ولكن مصر لم تقبل حكم الأجنبي، فقامت بتأسيس الأسرات الحاكمة المعاصرة للفرس على أجزاء من أرضها (الأسرة السابعة والعشرون)، واشتبكت بمعارك طاحنة مع الفرس، وكانت تتلقى المعونة العسكرية من أثينا، وهكذا استمرت الحرب سجالاً بين الطرفين من عام 404ق.م إلى عام 332ق.م. وقد حكمت في هذه الفترة الأسر المصرية الثامنة والعشرون والتاسعة والعشرون والثلاثون. وفي عام 333ق.م هزم الإسكندر المقدوني الفرس في معركة إيسوس، ودخل مصر في السنة التالية، فرحب به المصريون؛ لأنه خلصهم من الحكم الفارسي الظالم. مات الإسكندر عام 323ق.م، فاقتسم قواده امبراطوريته، وكانت مصر من نصيب القائد «بطلميوس». وبذلك تأسست أسرة حاكمة جديدة بمصر.

مصر البطلمية

أصبحت مصر بعد موت الإسكندر تحت حكم بطلميوس مؤسس أسرة البطالمة والتي استمرت تتوارث الحكم حتى الاحتلال الروماني لمصر عام 30ق.م، ومن أهم مظاهر هذا العصر:

- نقل العاصمة إلى الإسكندرية وأصبحت الأرض المصرية نظرياً ملكاً للحاكم، وقد مُنحت أحسن الأراضي وأوسعها للإغريق وخاصة الجند، وأصبح الفلاحون المصريون بذلك أجراء يعملون في الأراضي الملكية، أو يملكون مساحة صغيرة من الأرض. واحتكرت الدولة زراعة النباتات الزيتية وإنتاجها مثل السمسم والخروع وزيت الكتان والقرطم والحنظل، كما احتكرت التجارة فاستوردت الخشب والمعادن والنبيذ وزيت الزيتون والفاكهة والعبيد والخيول وصدّرت في المقابل القمح.

- الكتابة واللغة: استخدم البطالمة اللغة المصرية القديمة في اللوائح والقوانين والقرارات وخاصة ماكان متعلقاً منها بشؤون الضرائب، واستخدم البطالمة في كتاباتهم الهيروغليفية والديموطيقية المصريتين، كما استخدموا الكتابة القبطية ذات الحروف اليونانية حيث يُرى هذا واضحاً بالنقوش الكتابية على حجر رشيد، الذي نُقش في العصر الإغريقي بالخطوط المذكورة أعلاه.

مصر الرومانية

الملكة البلطمية اليونانية كليوپاترا السابعة، وإبنها من يوليوس قيصر، قيصرون في معبد دندرة.

بعد صراع مرير بين الحاكم الروماني أوكتافيوس من جهة وأنطونيوس وكليوباترا من جهة ثانية، تُوّج هذا الصراع بمعركة اكتيوم البحرية في البلاد الإغريقية عام 31ق.م، فهُزم أنطونيوس وكليوباترا وتراجعا إلى مصر، ولكن أوكتافيوس لحق بهما ودخل الإسكندرية عاصمة البلاد عام 30ق.م، فانتحر أنطونيوس وكليوباترا وبذلك أصبح أوكتافيوس سيد مصر، وأعلن مصر ولاية رومانية مرتبطة بشخص الامبراطور. ووضع لها نظاماً خاصاً، بحيث أصبح محرماً على أيّ عضو من أعضاء مجلس الشيوخ أو السياسيين الكبار زيارة مصر إلا بموافقة الإمبراطور. واستمرت مصر ولاية رومانية يحكمها والٍ روماني حتى عام 18هـ/639م، حين فتحها العرب المسلمون بقيادة عمرو بن العاص.

وهكذا كانت مصر جزءاً من المشرق العربي جغرافياً وتاريخياً وحضارة ووحدة مصير، فأنتج كل هذا حتمية تاريخية، انعكست على أحداث المشرق العربي منذ بداية التاريخ حتى اليوم، فما من حدث عظيم وقع في المشرق إلا وتأثرت به أو أثّرت فيه؛ فكان أمن مصر من أمنه، وكانت أركان الحضارة الإنسانية التي تجلت في وحدة اللغة والفن والدين راسخة رسوخ الجبال في وجدان مصر، صدّقها وعزّزها إيمانها برسالة الإسلام السمحاء، واحتفاظها باللغة العربية، لتستمر مسيرة وحدة المصير والوحدة الحضارية التي تعود إلى آلاف السنين حتى اليوم.

مصر الإسلامية

الفتح الإسلامي لمصر

تعد انطلاقة المسلمين من جزيرتهم العربية إلى بلاد الشام والعراق تسجيلاً لصفحة خالدة من صفحات تاريخهم المجيد، وكان ما تحقق على أيديهم في بضع سنين أبعد بكثير من توقعات القادة والخلفاء. وما إن استقر المقام بعمرو بن العاص في فلسطين حتى شعر بالحاجة الماسة لفتح مصر بهدف تأمين بلاد الشام من الخطر البيزنطي الجاثم فوق أرض مصر، فاستأذن الخليفة عمر بن الخطاب في فتحها، وأذن له بعد تردد، فقصدها عمرو على رأس أربعة آلاف رجل واستهل أعماله بفتح العريش والفرما وبلبيس، ملحقاً الهزائم المتوالية بالبيزنطيين الذين انسحبوا إلى حصن بابليون، وبعد حصار دام بضعة أشهر دخل المسلمون إلى مصر وعبروا النيل غرباً وفرضوا الحصار على الإسكندرية إلى أن فتحوها صلحاً سنة 21هـ/641م، وتابع عمرو فتوحاته في الجنوب، غير أن ملك الروم الامبراطور قسطنطين استغل انشغال عمرو بن العاص بفتوحاته لتلك المناطق ووجه إلى الإسكندرية حملة بحرية تمكنت من دخول المدينة فنهبتها وقتلت عدداً من سكانها، فعاد عمرو مرة ثانية ودخل الإسكندرية وهزم البيزنطيين وقتل قائدهم بمساعدة سكانها الأقباط، وقام ببعض الإصلاحات ورفع المظالم والغرامات التي فرضها الروم على السكان وعاملهم معاملة حسنة وأعاد مطرانهم بنيامين إلى كرسيه مما استجلب محبتهم ودانوا له بالطاعة والولاء.[5]

وفي مدة ولايته أنشأ عمرو بن العاص مدينة الفسطاط لتكون مقراً لولاة مصر من بعده. وفي عهد عثمان بن عفان جعل على ولاية مصر سنة 23هـ/643م أخاه في الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي السرح الذي باشر بتوجيه الحملات العسكرية إلى شمال أفريقيا، وهو أول من فكر بإنشاء أسطول عربي بالتعاون مع والي الشام معاوية بن أبي سفيان، بهدف القضاء على النفوذ البيزنطي على سواحل المتوسط الشرقية والجنوبية. وفي عهد عبد الله بن أبي السرح وصلت الجيوش الإسلامية إلى دنقلة في السودان سنة 31هـ/651م وصالح أهلها بموجب معاهدة اشتملت بنودها على بعض الاتفاقيات الاقتصادية.

الدولة الأموية

تنبه الأمويون منذ بداية عهدهم إلى أهمية مصر وكونها مع بلاد الشام قادرة على منازلة البيزنطيين الذين استغلوا فترة الحرب الداخلية ما بين علي ومعاوية فكانوا يعاودون الغارة بين الحين والآخر على السواحل الشامية والمصرية، ومن جهة أخرى كانت مصر - منذ تولي معاوية سدة الخلافة - القاعدة الأساسية التي تنطلق منها الجيوش الإسلامية باتجاه إفريقيا ثم إلى الأندلس فيما بعد، لكن مصر لم تكن موالية دائماً لبني أمية فقد وقف المصريون بعد وفاة يزيد سنة 64هـ/683م إلى جانب عبد الله بن الزبير في مواجهة عبد الملك بن مروان، غير أنهم مالبثوا أن دخلوا في طاعة عبد الملك بعد أن لجأ إلى استمالتهم وتأليف قلوبهم وخصوصاً حينما وليها أخوه عبد العزيز بن مروان، وبالرغم من ذلك كان شيعة علي يتحينون الفرص بين الحين والآخر ليعلنوا تمردهم على سلطان بني أمية، وليس أدل على ذلك من أن مروان بن محمد لم يجد من أهل مصر من يقف إلى جانبه حينما لجأ إليها حتى مقتله سنة 132هـ/750م.

الدولة العباسية

منارة جامع أحمد بن طولون في القاهرة، والذي يعتبر متأثراً إلى حد كبير في طرازه مع المسجد الكبير في سامراء، بالقرب من المكان الذي نشأ فيه أحمد بن طولون.

وفي العهد العباسي تحولت حاضرة مصر إلى مدينة المعسكر التي أنشأها الفضل بن صالح بن علي العباسي، وكان الخلفاء العباسيون يقلدون ولايتها للأكفياء من قادتهم، فقد تولاها إبراهيم بن صالح وحميد بن قحطبة، ومع ذلك لم يستقم أمرها لبني العباس كما كان متوقعاً، إذ شهدت العديد من حركات التمرد، كتلك التي قادها دحية بن مصعب بن الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان، وهو من بقايا بني أمية، خرج في صعيد مصر سنة 165هـ/781م على أميرها إبراهيم بن صالح،ومنع الأموال وعظم أمره حتى إنه دعا لنفسه بالخلافة وبايعه كثير من وجوه مصر وكاتبوه لدخول الفسطاط، كما وقف المصريون إلى جانب العلويين في كثير من المناسبات وخصوصاً في أثناء الثورة التي قادها محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية، وعدت مصر ملاذاً آمناً لبعض من هاجر إليها منهم كإسحاق بن جعفر الصادق الذي لجأ إليها مع زوجه نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي، وفي الوقت ذاته كانت مصر معبراً آمناً للهاربين إلى المغرب والأندلس سواء كانوا من الأمويين (عبد الرحمن الداخل) أم العلويين (إدريس بن عبد الله) اللذين تمكنا من إقامة دولتين مناهضتين للدولة العباسية في الأندلس والمغرب، ومن جهة أخرى شهد تاريخ مصر في أثناء تبعيتها للخلافة العباسية ظهور بعض القادة المتنفذين أصحاب النزعة الاستقلالية من أمثال عبد العزيز بن الجارور الذي فرض سيطرته على الوجه القبلي بالوقت الذي سيطر فيه السري بن الحكم على الوجه البحري، وابن الحكم هذا من القادة الدهاة أصله من خراسان كان أشد فتكاً بأهل مصر، ويروى أن عدداً من أتباعه تمردوا عليه في إحدى المعارك بقيادة أخ له فتغلب عليهم وحملهم جميعاً في مركب وأمر بإغراقهم في النيل. وفي هذه الفترة قدمت مصر قبيلتا لخم وجذام واستبد رؤساؤهم بالإسكندرية والمناطق الغربية ونجم عن ذلك اضطراب الأحوال الأمر الذي هدد الوضع السياسي والاجتماعي في مصر لو لم يأت الخليفة المأمون نفسه إليها على رأس حملة كبيرة مكنته من إعادة النظام والاستقرار. ومنذ منتصف القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي بدأت مصر تتجه نحو الاستقلال مع بقاء تبعيتها شكلاً للدولة العباسية.

عقب تعيين أحمد بن طولون والياً على مصر سنة 256هـ/869م بعد وفاة واليها التركي الأصل باكباك (بقبق)، وعلى إثر الحروب التي خاضها ضد البيزنطيين، استطاع أن يضم بلاد الشام إلى مصر، وقد أقره الخليفة على ذلك، وتمكن ابن طولون من إنشاء دولته التي استمرت في أسرته حتى نهاية القرن الثالث الهجري، شهدت مصر في أثنائها ازدهاراً ملحوظاً إذ ينسب لأحمد بن طولون إنشاء مدينة القطائع التي أصبحت عاصمة له، وقيامه بتشجيع الصناعة والتجارة والزراعة بحيث تحسنت أحوال الناس على اختلاف طبقاتهم، ولقي أهل الذمة معاملة كريمة منهم، فكان المسلمون يحتفلون بأعيادهم احتفالهم بعيدي الفطر والأضحى، كما يعزى إلى الطولونيين اهتمامهم بالعلوم والآداب، وكان جامعهم الذي لا يزال شاهداً إلى اليوم هو نفسه المدرسة التي خرّجت أكابر العلماء من أدباء وشعراء وفقهاء، أما في الجانب العسكري فتشير الدراسات إلى اهتمام أحمد بن طولون بالجيش الذي وصل عدد أفراده إلى ما يزيد على مئة ألف من العرب والسودانيين والأتراك الذين جُهزوا بأحدث الأسلحة، وكان إلى جانبه أسطول ضخم استحدث له داراً للصناعة في محلة الروضة، ولمع في بلاط الطولونيين من القادة طغج بن جف أبو الإخشيد الذي اتصل بخدمتهم منذ أيام خمارويه بن أحمد، وحقق لهم انتصارات باهرة على الجيوش البيزنطية مهدت له الوصول إلى حكم مصر.

على إثر زوال الأسرة الطولونية أسند الخليفة العباسي الراضي ولاية مصر إلى محمد بن طغج ولقبه بالإخشيد (من ألقاب ملوك فرغانة) تقديراً لخدماته، وكان الإخشيد ملكاً مهيباً استطاع أن يمد نفوذه إلى الشام والحجاز باعتماده على جيش زاد عدد أفراده على 400000 جندي، وبعد وفاته بدمشق سنه 335هـ/946م خلفه على الحكم مؤدب أبنائه كافور الحبشي الذي وصفه ابن خلكان بصفات مزرية، ويبدو أن عهده كان قاتماً كلونه، إذ تعرضت مصر للعديد من الكوارث والحروب من جانب أعدائها ملوك النوبة، وقل شأنها، الأمر الذي مهد إلى دخول الفاطميين إليها على يد جوهر الصقلي سنة 358هـ/968م بعد ما يزيد على 35 سنة من عمر هذه الدولة. وبوجه عام كانت حضارة الإخشيديين مماثلة للحضارة الطولونية لقرب العهد بينهما، فقد نعمت البلاد بالرخاء والثراء في أيامهم وقطعت شوطاً كبيراً في إرساء قواعد الحرية والعدالة بين الناس، وتذكر بعض المصادر أن الإخشيد نفسه كان يجلس للمظالم كل يوم أربعاء، وحذا حذوه كافور، ومن أشهر قضاة هذا العهد محمد بن بدر الصيرفي والحسين بن أبي زرعة الدمشقي. أما على الصعيد العلمي فقد كان بلاط الإخشيد ومن بعده كافور عامراً بالعلماء من مختلف الفنون، وممن نبغ في عهدهما أبو إسحاق المروزي والحسن بن رشيق المصري، ومن المؤرخين أبو عمر الكندي، ومن الشعراء كشاجم وأبو الطيب المتنبي الذي مكث في بلاط كافور ما يزيد على أربع سنوات، أما من الناحية العمرانية فينسب إلى الإخشيد بناء قصر المختار، وإلى كافور القصر الذي أنشأه فيما يعرف بالبستان الكافوري.

الدولة الفاطمية

مسجد الحاكم بأمر الله في القاهرة، والحاكم بأمر الله، هو سادس الخلفاء الفاطميين.

نجح الفاطميون بالزحف إلى مصر بعد محاولات عدة أيام المعز لدين الله على رأس جيش يقوده جوهر الصقلي سنة 358هـ/968م الذي أمر فور دخوله إليها بإنشاء مدينة القاهرة والجامع الأزهر، ولحق به الخليفة المعز الذي كان في مقدمة أعماله نشر المذهب الفاطمي بين المصريين ومنعهم من لبس السواد شعار العباسيين، ومن أجل أن يعزز نفوذه فيها حصر الوظائف الهامة بأتباع المذهب الشيعي؛ فكان ذلك مدعاة لقبول كثيرين من أهل مصر اعتناق هذا المذهب. وكيفما كان فقد تمكن الفاطميون في فترة حكمهم من القضاء على خصومهم وظهر منهم خلفاء أكفياء وكانوا على قدر من المسؤولية وحسن الإدارة مثل المعز لدين الله 362- 365هـ/972 -975م، والعزيز بالله 365- 386هـ/975 - 996م، فدانت لهم مصر بالولاء واتسع نفوذهم ليشمل الحجاز واليمن في أثناء انشغال الخلافة العباسية بالمشكلات التي كانت تواجهها، ثم إنهم تصدوا للقرامطة حينما انقلبوا عليهم في أعقاب انقطاع الأتاوي التي كانوا يأخذونها من أهل الشام، وتمكن العزيز بالله من هزيمتهم سنة 368هـ/978م لتدخل الشام بالكامل في طاعة الفاطميين، وبلغ الفاطميون ذروة نفوذهم حينما سير المستنصر بالله حملة عسكرية إلى بغداد تمكنت من دخولها وأخرجت خليفتها القائم العباسي من بغداد قسراً سنة 450هـ/1058م وخطب أرسلان بن عبد الله البساسيري أحد دعاة الفاطميين لمولاه المستنصر على منابر بغداد. ويذكر أن المستنصر بقي في سدة الخلافة ستين عاماً وهي فترة لم يسبق لأي من الخلفاء أن عمرها من قبل، غير أن مظاهر الضعف بدأت تظهر في مفاصل الدولة منذ بداية عهده بعد أن أطلق أيدي الوزراء في الإدارة، وبدأت تتلاشى ملامح الأمجاد التي حققها الخلفاء من قبله لتتحول الأوضاع في مصر إلى فوضى عارمة أسهمت في إضعاف بنيتها وشجعت الطامعين بالانفصال عنها، فقد أعلن الحسن بن علي بن باديس الصنهاجي استقلاله بشمالي إفريقيا، وعادت بغداد مرة ثانية لبني العباس، واستقلت بلاد الشام بزعامة آل مرداس والحمدانيين بالوقت التي أخذت تزداد فيه هجمات النورمانديين Normans على السواحل الخاضعة للسيادة الفاطمية في شمالي إفريقيا وأصبحت حال الخلفاء في مصر كحال خلفاء بني العباس في العراق يقنعون بما يمنح لهم من قبل الوزراء، والجدير بالذكر أن عصر الوزراء في مصر بدأ ببدر الجمالي وهو أرمني قدم مصر في عهد المستنصر في ثوب زائر ثري استدعاه المستنصر في آخر عهده ليتغلب على المصاعب التي كانت تواجهه بيد أن هذا الوزير مالبث أن استبد بالأمر، وجاء من بعده ولده الأفضل ثم حفيده أحمد بن الأفضل، وتتابع مسلسل الوزراء المستبدين وتلقب بعضهم بألقاب ملكية كرضوان الوحشي وطلائع بن زريك اللذين مهدا للتدخل الأجنبي في شؤون مصر.

وكان من نتائج هذا التدخل أن استعان الوزير شاور بنور الدين زنكي. في حين استعان الوزير ضرغام بن عامر بالصليبيين وانتهى الأمر أخيراً بمقتل ضرغام سنة 559هـ/1163م على أيدي المصريين ومقتل شاور سنة 564هـ/1168م على يد صلاح الدين الأيوبي.

ترك الفاطميون بعد ما يزيد على مئتي عام في حكم مصر حضارة واضحة المعالم انصب اهتمامهم في المقام الأول على تنظيم الفكر الشيعي ونشره على أوسع نطاق، من جهة أخرى كان قصر الحاكم بأمر الله صاحب الشخصية المضطربة مركزاً لتيارات فكرية مختلفة تظهر واقع المجتمع الإسلامي والظروف التي كانت تمر بها الأمة في مشرقها ومغربها وكان وراء تلك التيارات عناصر شيعية وسنية ومسيحية ويهودية ولا دينية، ومثلت دار الحكمة التي أنشأها الحاكم الجامعة التي استقطب إليها العلماء من جميع أنحاء العالم الإسلامي للبحث والتدريس والتأليف بمختلف العلوم والفنون ومن أبرز الشخصيات التي أمّت بلاط الحاكم بأمر الله الفلكي الشهير علي بن يونس وعالم الطبيعيات والبصريات الحسن بن الهيثم والمؤرخ ابن زولاق والشاعر ابن هانئ الأندلسي وعمارة اليمني. ولعل من ألمع الشخصيات التي عاصرت الحكم الفاطمي في سورية الشاعر الفيلسوف أبا العلاء المعري الذي رفض بإباء ما قدمه إليه قائد جيش المستنصر بالرغم من فقره المدقع.

أما على صعيد البناء والعمران فقد ترك الفاطميون آثاراً خالدة يأتي في مقدمتها كما سبق مدينة القاهرة والجامع الأزهر، وما الأبواب التي لاتزال ماثلة إلى اليوم (باب زويلة - باب النصر- باب الفتوح) سوى نماذج من تلك الآثار الفنية الرائعة التي جعلت مصر تحتل مرتبة متقدمة في هذا المجال.

الدولة الأيوبية

تمثال لصلاح الدين في المتحف العسكري المصري بالقاهرة.

بوفاة الخليفة الفاطمي العاضد سنة 567هـ/1171م والتي تلتها وفاة نور الدين زنكي 570هـ/1174م أصبح صلاح الدين الأيوبي الذي قدم مصر مع عمه أسد الدين شيركوه سلطاناً عليها فاستقل بها مع اعترافه بالتبعية للخليفة العباسي. في هذا الوقت كانت بلدان المشرق العربي تشهد فراغاً سياسياً بعد وفاة نور الدين بسبب الانقسامات بين القادة والمتنفذين وكان الصليبيون يراقبون مايجري عن كثب ويتحينون الفرص المواتية للتدخل. فلم يكن أمام صلاح الدين سوى أن يزحف الى الشام لبناء قاعدته الداخلية فتوجه إليها وضمها إلى مصر ثم تابع معاركه ضد المعارضين إلى أن بلغ الموصل شرقاً ثم اتجه إلى إفريقيا فأرسل حملة مكنته من الاستيلاء على سواحلها الشمالية واسترداد قابس من النورمانديين، وبعث بحملة أخرى إلى السودان فضمها إلى ممتلكاته وأرسل أخاه طوران شاه إلى اليمن فدخلها وضمها مع الحجاز إلى دولته التي أصبحت في نهاية عام570هـ/1174م قوة إقليمية وسط صخب الأحداث التي كانت تشهدها المنطقة، وبعد أن اطمأن إلى وضعه الداخلي وجه اهتمامه إلى تحرير بلاد الشام من القوى الصليبية وتم على يديه تحقيق النصر الكبير في حطين سنة 583هـ/1187م وأخرج الصليبيين من بيت المقدس وبعض المدن والحصون في سواحل بلاد الشام، ومع أن الصليبيين حاولوا غزو مصر أكثر من مرة بهدف إضعافها غير أن صلاح الدين كان على الدوام يتصدى لمحاولاتهم ويحبط خططهم فكان الجهاد من أبرز سمات عصره، ولكن بعد وفاته سنة 589هـ/1193م تقطعت أوصال دولته بسبب الشقاق الذي شجر بين إخوته وأبنائه فقام شقيقه الملك العادل بفرض سيطرته على مصر التي استمر حكمها في أبنائه وأحفاده حتى نهاية العصر الأيوبي.

كانت مصر بعد وفاة صلاح الدين هدفاً للحملات الصليبية المتتالية وكان خلفاء صلاح الدين يتصدون لها باستمرار، غير أن الحدث الأبرز في تلك المواجهات كانت عندما تصدى الملك الصالح نجم الدين أيوب مع مماليكه للحملة الصليبية السابعة بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع الذي قرر احتلال مصر لاعتقاده أن استرجاع بيت المقدس لايمكن أن يتحقق إلا بالقضاء على قوتها، وفعلاً استطاعت هذه الحملة أن تصل إلى دمياط لكنها منيت بهزيمة كبرى في المنصورة سنة 647هـ/1249م ومع أن الصالح أيوب أدركته الوفاة في أثنائها، فإن شجرة الدر كتمت نبأ وفاته وتابع مماليكه الحرب بقيادة ولده طوران شاه وألحقوا الهزيمة بالصليبيين بعد قتل وأسر عدد كبير منهم، وكان من بين أسراهم قائد الحملة نفسه لويس التاسع الذي لم يسرح إلا بفدية كبيرة مع الالتزام بألا يعود إلى مثلها في قادم الأيام.

الدولة المملوكية

مصر المملوكية في أقصى اتساعها في عهد المماليك البحرية 1250-1382.

شكل المماليك الذين جلبهم سلاطين الدولة الأيوبية معظم الجيش الذي اعتمدوا عليه في منازلة خصومهم، وبعد وفاة السلطان نجم الدين أيوب استأثر هؤلاء بالحكم إثر مقتل ولده توران شاه، واتفقت كلمتهم على تولية شجرة الدر عرش السلطنة، لكن هذا الإجراء لقي معارضة من جانب بعض المحافظين الذين استنكروا أن تلي أمر المسلمين امرأة فتزوجت شجرة الدر أتابك الجيش (قائده) عز الدين أيبك ليكون ستاراً تحكم من خلاله، غير أن أيبك استبد بالأمر وانفرد بالسلطة دونها فسعت إلى اغتياله لكن مماليكه قتلوها بالوقت الذي كان فيه المغول يكتسحون أقاليم الخلافة العباسية من جهة الشرق، فحزموا أمرهم واختاروا المظفر قطز ليكون سلطاناً على مصر.

ينتمي المماليك إلى أعراق مختلفة، لكن غالبيتهم من الأتراك والشراكسة، وفيهم بعض الروم والأكراد والأوربيون، جيء بهم للتجنيد على فترات من شبه جزيرة القرم، والقوقاز، والقبجاق، وآسيا الصغرى، وتركستان، وبلاد ماوراء النهر. وقد اتفق المؤرخون على أن المماليك صنفان عرف الصنف الأول باسم المماليك البحرية، أو الأتراك؛ عرفوا بهذا الاسم لأن إقامتهم كانت بجزيرة الروضة في النيل قبالة القاهرة. حكمت هذه الجماعة مصر بالفترة مابين 655-784هـ/1257- 1382م. وبلغ عدد سلاطينها أربعة وعشرين سلطاناً، بدأت بعز الدين أيبك وانتهت بالسلطان حاجي بن شعبان، من أحفاد الناصر قلاوون، أما المجموعة الثانية فتعرف بالمماليك البرجية؛ لأن الأشرف خليل بن قلاوون أسكنهم في أبراج قلعة القاهرة وهم من الشراكسة، بدأ حكمهم بفرج بن برقوق وانتهى بمقتل السلطان الثالث والعشرين طومان باي سنة 923هـ/1517م. وعلى العموم يمكن القول إن دولة المماليك كانت امتداداً للدولة الأيوبية من حيث الإدارة والنهج، وفي مدة حكمهم في مصر خضعت لهم بلاد الشام والحجاز وبعض سواحل اليمن، وتصدوا للمغول وانتصروا عليهم في معركة عين جالوت الشهيرة 658هـ/1260م، وأخرجوهم من بلاد الشام ثم تصدوا للصليبيين من بعدهم واستردوا منهم بعض المدن الساحلية، ومنها كانوا يشنون الحملات على القواعد والإمارات الصليبية إلى أن قضوا على وجودهم نهائياً سنة 692هـ/1292م. وبعد نجاح البرتغاليين باكتشاف رأس الرجاء الصالح تصدوا لطلائعهم التي وصلت إلى سواحل شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر، غير أنهم أخفقوا في مواجهتها لأن دولتهم آنذاك كانت على وشك السقوط في أعقاب هزيمتهم أمام العثمانيين في معركة مرج دابق سنة 922هـ/1516م ليسدل الستار على الدولة المملوكية في أعقاب معركة الريدانية سنة 923هـ/1517م.

مصر العثمانية

في معركة الريدانية قرب القاهرة هزم العثمانيون المماليك عام 1517، ومن ثم أصبحت مصر جزءًا من الدولة العثمانية.

بعد مقتل السلطان قانصوه الغوري بايع المصريون طومان باي سلطاناً على مصر. فعرض عليه السلطان سليم الأول حكم مصر على أن يعترف بتبعيته للدولة العثمانية، لكن طومان باي أنف أن يكون خاضعاً للسلطان العثماني، فتوجه العثمانيون بقيادة السلطان سليم إلى مصر والتقوا مع المماليك فهزموهم بالريدانية سنة 1517، ودخل سليم الأول القاهرة منتصراً، وخطب له على منابرها، ومنذ ذلك الوقت أصبحت مصر ولاية عثمانية تولاها من جهةِ العثمانيين خاير بك الذي خان مليكه الغوري في معركة مرج دابق. وبقي العثمانيون في مصر حتى إعلان الحماية البريطانية عليها سنة 1914م، وهي فترة طويلة يمكن تقسيمها إلى أربع مراحل.

إزدياد النفوذ العثماني

تبدأ المرحلة الأولى منذ أن دخل العثمانيون إليها حتى نهاية القرن السابع عشر تقريباً، وهي مرحلة يمكن وصفها بأنها مرحلة النفوذ العثماني.

تميزت هذه الفترة بمحاولة الدولة العثمانية بسط سيطرتها على البلاد وتنظيم إدارتها، حيث أبقى العثمانيون الزعماء المحليين خارج المدن في مواقعهم واعترفوا بزعامة مشايخ البدو في المناطق الشرقية والغربية وصعيد مصر، ومع أن علاقة زعماء القبائل كانت مستقرة تجاه السلطات العثمانية فإنها لم تكن كذلك مع المماليك الذين لجؤوا إلى تلك المناطق وكانوا يتحينون الفرص المواتية لاسترجاع سيادتهم على مصر. ولكن مع بداية القرن السابع عشر وظهور بوادر ضعف الدولة العثمانية أصبحت مصر مسرحاً لحروب داخلية أسهمت فيها بعض طوائف الجند المختلفة (التفكجية - الجنليان - السباهية - الزرباوات) فكانت تثير الشغب وتنقلب على من لا ترضى به من الولاة، ولا أدل على ذلك من قتلهم الوالي إبراهيم باشا سنة 1604م الذي لم يأبه إلى مطالبهم، ومن أشهر ولاة هذه الفترة مصطفى باشا زوج أخت السلطان سليمان القانوني الذي لم يحظ بمحبة المصريين لعنجهيته وتعاليه، وسليمان باشا( 1525)، وسنان باشا (1568) صاحب المنشآت العمرانية والمبرات الخيرية، ومسيح باشا (1574) الذي أحبه المصريون لعدله وعفته واستقامته، ومنهم أيضاً قره مصطفى باشا (1622) الذي ابتليت مصر في أيامه بالأوبئة والكوارث إلى جانب مظالمه التي ألحقها بالأهالي.

القرن 17 و18

الكنيسة المعلقة في القاهرة، بنيت في القرن 3 أو الرابع الميلادي، من أشهر الكنائس القبطية في مصر.

تبدأ في النصف الثاني من القرن السابع عشر، وتنتهي بقدوم الحملة الفرنسية إلى مصر أواخر القرن الثامن عشر. في هذه الفترة بلغ الضعف مداه في السلطنة العثمانية؛ فاستغلت طبقة المماليك هذا الظرف لمصلحتها وأعادت سيطرتها على مصر من خلال احتكارها الوظائف المهمة كإمارة الحج والقائم مقام والدفتر دار، ومن أشهر الشخصيات المملوكية في هذه الفترة إيواز بك الذي تولى منصب شيخ البلد سنة 1695 وعثمان بك ذو الفقار أمير طائفة الفقارية، وقاسم بك أمير طائفة القاسمية. وقد ازداد نفوذ هؤلاء الأمراء إلى حد لم يعد للوالي العثماني في نظرهم شأن يذكر، لكن النزاعات التي شجرت بينهم نجم عنها فتن وحروب دامية ظهر بعدها بعض البيوتات العسكرية التي أنجب بعضها شخصيات تولت رتبة الصنجقية (وحدة إدارية أصغر من الولاية) وإمارة الحج ومشيخة البلد طوال النصف الأول من القرن الثامن عشر، ومن تلك الشخصيات حسين بك الصابونجي وعلي بك الكبير الذي احتل بقواته بلاد الشام متحدياً أوامر السلطان العثماني. وعلي بك مملوك شركسي تدرج في المناصب حتى أصبح صنجقاً وأميراً للحج بآن واحد، وقد مكنه موقعه من القضاء على منافسيه من المماليك وشيوخ القبائل العربية، وأرغم والي مصر محمد راقم باشا على أن يقره على مشيخة البلد، ثم سعى إلى عزل الوالي العثماني وأصبح الحاكم الفعلي لمصر، فوطد الأمن وقام بإصلاحات كثيرة أكسبته محبة الأهالي، وملأ الفراغ الذي أحدثه ضعف السلطنة العثمانية، ثم تاقت نفسه إلى الانفصال عنها حينما أصدر عملة نقدية باسمه وخطب له على منابر مصر. وبعدما اطمأن إلى ترسيخ موقفه تطلع إلى التوسع خارج مصر، فأرسل مملوكه محمد بك أبو الذهب على رأس حملة إلى الحجاز في أعقاب حركة تمرد قادها أحد الأشراف فأخمدها واتجه إلى الشام طمعاً بثرواتها ومواردها، ولكن تخلي أبو الذهب عن فتوحاته في بلاد الشام وعودته المفاجئة إلى مصر ألجأته إلى حليفه ظاهر العمر المتغلب على فلسطين، وانتهى الأمر بمقتله سنة 1773م، لتصبح مصر خاضعة لسيطرة محمد بك أبو الذهب الذي أعلن ولاءه للسلطان مع وجود الوالي العثماني فيما يشبه الإدارة الثنائية، واستمر الوضع على هذه الحال حتى قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر سنة 1798م.


الحملة الفرنسية على مصر

معركة الأهراماتن رسم فرانسوا-لويس-جوسف واتو، 1798-1799

تعرض الوطن العربي منذ بداية العصر الحديث للعديد من محاولات السيطرة الاستعمارية على بحاره وسواحله، وإذا كانت بعض تلك المحاولات قد منيت بالإخفاق، بما فيها الحملة الفرنسية التي قادها نابليون بونابرت، لكن هذه الحملة نجحت بالوصول إلى مصر وجنوبي بلاد الشام، وكان من نتائجها المباشرة أن أخرجت المنطقة من عزلتها الطويلة وأثارت اهتمام الغربيين ليس في مصر وحدها وإنما في جميع بلدان المنطقة العربية.

وصل نابليون إلى الإسكندرية في يوليو/تموز 1798م، بهدف قطع الطريق ما بين بريطانيا ومستعمراتها في الشرق. وبعد معركة غير متكافئة مع المماليك دخل نابليون إلى القاهرة وعمل من فوره على توزيع منشور على المصريين يبين لهم أن من بين الأسباب التي كانت وراء حملته هو تخليص مصر وأهلها من جو المماليك، لكن المصريين لم يأبهوا لذلك، وقاموا بالثورة تلو الثورة ضد قواته في حين أقدم الأسطول البريطاني على تدمير الأسطول الفرنسي بموقعه أبي قير بعد شهر من وصوله إلى مصر ، وأدرك نابليون حرج موقفه فقرر القيام بحملته المخفقة على بلاد الشام ثم انسحب سراً في أعقابها من مصر عائداً إلى بلاده سنة 1799م، ثم لحقت به قواته سنة 1801م بشروط إنكليزية. ومع أن الحملة الفرنسية لم تحقق أهدافها فقد عدها المؤرخون حدثاً مهماً أيقظ الوطن العربي من سباته، ونبهت المنطقة إلى أهميتها السياسية والحضارية والاقتصادية، مهدت جميعها لانتقال مصر إلى عصر جديد.

عاد الصراع ثانية بين الفئات المتغلبة (عثمانيين ومماليك) بعد خروج الفرنسيين وظهرت فئة أخرى وسط هذا الصخب ممثلة بطبقة الأعيان من تجار وعلماء كان لها دور مهم في مواجهة الفرنسيين، فرأت أن من حقها انتزاع الدور الذي كان للمماليك وكذلك العثمانيين بعد أن تبين عجزهم عن حماية مصر، من جانب آخر كان لمشاركة المصريين في الإدارة التي سمح بها الفرنسيون أثر فعال في تحفيز المصريين لإدارة شؤونهم بمعزل عن الأتراك والمماليك؛ لهذا فقد تصدت تلك الطبقة ممثلة بعلمائها وعلى رأسهم عمر مكرم والتمست من السلطان تعيين محمد علي (قائد الجنود الألبان) والياً على مصر، فصدر فرمان السلطان سنة 1805م مؤيداً هذا الخيار.

أمضى محمد علي السنوات الأولى من ولايته بتدعيم نفوذه في البلاد، فتخلص من رقابة عمر مكرم والعلماء الذين ساندوه للوصول إلى الحكم، ثم التفت إلى المماليك فقضى على نفوذهم بعد حادثة القلعة 1811م، وحينما استعانت به الدولة العثمانية للقضاء على الحركة الوهابية قام بمهمته على الوجه الأكمل وقاد الحملات العسكرية إلى الشام ومد نفوذه إلى بلاد اليمن والسودان مدفوعاً بفكرة إعادة بناء الدولة العثمانية التي كانت تعاني الضعف الشديد في هذه الفترة، وحينما أدرك بثاقب نظره ما تبيته الدول الغربية تجاه الدولة العثمانية عمل على بناء جيش وأسطول قويين، وفق أحدث تقنيات عصره، و انشأ المدارس العسكرية بمختلف فنونها وتخصصاتها واستقدم الخبراء والضباط الأجانب لهذه الغاية وأرسل العديد من البعثات إلى الدول الأوربية وخاصة فرنسا حليفته التقليدية للاستعانة بخبراتها، أما على الصعيد الاقتصادي فقد تطورت مصر تطوراً ملحوظاً في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة، الأمر الذي لفت إليه أنظار الدول الغربية التي أخذت تنظر إلى مشروعاته التنموية بعين الريبة والشك فسارعت إلى استغلال خلافاته مع السلطان العثماني محمود معلنة وقوفها إلى جانب السلطان بذريعة ( حماية الشرعية الدولية)، ووجهت إليه إنذاراً يقضي بسحب قواته من المناطق التي تعدها جزءاً من الدولة العثمانية، ثم حاصرت سواحل بلاد الشام ومصر، وانهار المشروع الذي كان يسعى إلى تحقيقه.

بعد وفاة محمد علي استلم حفيده عباس بن طوسون مقاليد الحكم في مصر، ولم يتحقق في عهده شيء كثير، وبعد وفاته سنة 1854م خلفه عمه محمد سعيد بن محمد علي باشا حيث بدأ التدخل الأجنبي في شؤون مصر الداخلية منذ أن منح امتياز حفر قناة السويس لشركة فرنسية وللتجار والمغامرين الأجانب الذين كان لهم دور كبير في العبث بمقدرات مصر في ظل حماية قناصلهم، وفي عام 1863 م أُسندت باشوية مصر إلى إسماعيل بن إبراهيم باشا الذي استكملت مصر في أيامه استقلالها الداخلي بعد أن منحه السلطان العثماني لقب «خديوي»، على أن النفوذ الأجنبي تفاقم في عهده وأدى إلى وقوع مصر في عجز مالي هدد اقتصاد البلاد إثر افتتاح قناة السويس، فلجأ إلى الاقتراض من بعض البيوت المالية الغربية (أوبنهايم وروتشيلد) بشروط مجحفة، ومن أجل ضمان تسديد هذه الديون أُرغم إسماعيل على إدخال وزراء أجانب فيما عرف بالوزارة المختلطة، وتم رهن واردات مصر لتسديد هذا الدين على مدى 65 سنة الأمر الذي أثار المشاعر الوطنية عند غالبية الأهالي، فجاهر العلماء والأعيان بعداوتهم لتلك الوزارة مطالبين بوزارة وطنية مسؤولة، وانحاز إسماعيل لهذه المطالب فكان الثمن إقالته من منصبه وتعيين ولده توفيق بدلاً منه سنة 1879م. في عهد توفيق ازداد نفوذ الدول الغربية وأصبحت مصر عرضة لفرض الحماية عليها بعد أن استجاب الخديوي الجديد لجميع الشروط التي أملتها عليه لجنة تصفية الديون المشكلة من مندوبين بريطانيين وفرنسيين، ومندوب واحد لكل من ألمانيا- النمسا- إيطاليا، إلى جانب مندوب واحد من مصر. فأدرك الزعماء الوطنيون من أبناء مصر خطورة الموقف وقرروا التصدي للوصاية الأجنبية، وتحرك الجيش المصري بقيادة أحمد عرابي على خلفية تسريح عدد من الضباط، وطالب بتشكيل وزارة وطنية مع دعوة البرلمان إلى الانعقاد ووضع دستور وطني يراعي حقوق الجميع، لكن فرنسا وبريطانيا عارضتا هذا التوجه وأرسلتا مذكرة مشتركة هيأت للتدخل العسكري البريطاني في يوليو/تموز 1882م.

الاحتلال البريطاني

المتظاهرات المصريات في القاهرة، 1919.

تميزت هذه المرحلة بخضوع مصر من الناحية الاسمية للسيادة العثمانية، لكنها عملياً كانت تخضع لقوات الاحتلال البريطاني، حيث أصبح اللورد كرومر Cromer هو الحاكم الفعلي لمصر. ولم يكن توفيق سوى أداة بيد البريطانيين، أما عن علاقة مصر بالدولة العثمانية فقد تم الاتفاق بين بريطانيا والباب العالي على أن الوجود البريطاني في مصر ما هو إلا وجود مؤقت هدفه إقرار النظام واستقرار سلطة الدولة ممثلة بالخديوي، وتم الاتفاق على أن يكون لكل من الدولتين مندوب يقوم بتقديم تقريره إلى دولته ريثما يعم السلام في مصر، ولكن بريطانيا وتحت ذريعة حماية الأجانب واستخدام بعض الضباط البريطانيين لتدريب القوات المسلحة المصرية أخذت تماطل في قضية الانسحاب، وانتهى الأمر بتوقيع اتفاقية مع الباب العالي تتضمن اشتراط موافقة الدول ذات المصالح الإقليمية في المنطقة على الانسحاب من مصر، ومع أن بعض هذه الدول رفضت هذا الاتفاق لأنه سيؤثر في ميزان القوى في المنطقة لمصلحة بريطانيا فإنها ما لبثت أن تراجعت عن مواقفها عبر اتفاقات سرية تقاسمت مناطق النفوذ فيما بينها وكانت مصر من نصيب بريطانيا. وعلى العموم تم في عهد توفيق إرسال المزيد من القوات المصرية بقيادات بريطانية للقضاء على الحركة المهدية، وخضع السودان لنوع من الحكم الثنائي (مصري - بريطاني) ومات توفيق سنة 1892 تاركاً خلفه سجلاً حافلاً بذكريات مريرة في نفوس المصريين.

أصدر السلطان عبد الحميد فرماناً بتعيين عباس حلمي بن توفيق حاكماً على مصر، ويبدو أن الخديوي الشاب كان ميالاً للمطالب الشعبية، فانحاز إلى الحركة الوطنية التي كان يتزعمها مصطفى كامل، ولكن هذا العهد شهد عدداً من الشخصيات المشكوك في ولائها لمصر (نوبار باشا - رياض باشا- بطرس غالي - مصطفى فهمي) تقلدت مناصب حساسة بدعم من المقيم البريطاني كرومر، فكانت عائقاً أمام طموحات تلك الحركة، وفي عام 1906 حدثت مأساة دنشواي التي تبدى فيها فقدان الجانب الإنساني والأخلاقي عند السلطات البريطانية، فكانت ردود الأفعال غاضبة في الوسط الجماهيري، وكان لمصطفى كامل رئيس الحزب الوطني دور رئيسي في إبراز ما آلت إليه الأوضاع عبر صحيفة اللواء، وكانت تلك الحادثة سبباً في عزل كرومر، وفي سنة 1908 توفي مصطفى كامل فتابع خليفته محمد فريد مسيرة الحزب على الخطى نفسها، وحينما اشتعلت الحرب العالمية الأولى أعلنت بريطانيا الحماية على مصر منهية بذلك تبعيتها للدولة العثمانية التي دخلت الحرب إلى جانب ألمانيا.

الاستقلال

احتل القوات البريطانية مصر حتى توقيع المعاهدات المصرية الإنجليزية لعامي 1922 و1934، وعادت السيطرة التدريجية لملك مصر. بحلول عام 1934، حصلت مصر على استقلالها الكامل، ولكنه كان كدمية في يد الإنجليز، الذين احتفظوا بسيطرتهم على منطقة قناة السويس حتى انسحابهم منها في عام 1956 بعد 72 عام.

الأسرة العلوية

عانت مصر كغيرها من المناطق العربية الخاضعة للدول المشاركة في الحرب، ففي أثناء القتال خضعت مصر للأحكام العرفية وجيء بالمصريين من قراهم ومحالهم لتسخيرهم في الأشغال العامة، وصودرت أملاكهم ومحاصيلهم ودوابهم لتكون في خدمة الجيش البريطاني، ومع بداية الحرب استبدلت بريطانيا بعباس حلمي عمه حسين كامل بن إسماعيل، وكان هذا أداة طيعة بيد البريطانيين، وبعد وفاته عام 1917 جاء من بعده أخوه أحمد فؤاد الذي اتخذ لقب ملك، واستمر حاكماً لمصر حتى وفاته سنة 1936، وأهم الأحداث التي شهدتها مصر في أيامه ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول رئيس حزب الوفد الذي اعتقل مع بعض الناشطين في حزبه، ثم سُرحوا لتهدئة الثورة، وفي عهده أيضاً صدر تصريح 28 فبراير، ورفعت الحماية عن مصر سنة 1922 ووضع دستور جديد للبلاد مع بعض التحفظات لمصلحة بريطانيا، وشهدت مصر صراعاً حاداً بين الأحزاب المؤيدة للملك المدعوم بريطانياً وتلك المعارضة لها، وأجبرت بريطانيا على إبرام معاهدة 1936 التي حققت لمصر استقلالها وألغت تحفظات فبراير 1922. [6]

ثورة 1952

بعد وفاة أحمد فؤاد خلفه على العرش ابنه فاروق، وحينما نشبت الحرب العالمية الثانية كانت مصر وجارتها ليبيا مسرحاً من مسارحها، وبعد الحرب طالبت الحكومات المصرية المتعاقبة بجلاء القوات البريطانية عن مصر والسودان، لكن الحادث الأبرز كان تفاقم القضية الفلسطينية والإعلان عن قيام دولة إسرائيل سنة 1948 حيث شاركت مصر في حربها إلى جانب البلاد العربية الأخرى، وقد فضحت نتائج تلك الحرب عجز الأنظمة العربية وخيانة بعضها، الأمر الذي عجل بقيام ثورة يوليو 1952.

تعود أسباب الثورة المعاصرة في مصر إلى إحساس المصريين بأن مواردهم وثرواتهم الوطنية قد استنزفت لمصلحة قوى أجنبية ومغامرين تمكنوا من السيطرة على مقاليد الحكم في ظل أسرة محمد علي، الذين كانوا يعبثون بحقوق الأمة ومواردها على مدى عقود طويلة، وكان من نتائج الصراع المتأجج بين تلك العناصر أنها أدارت ظهرها إلى ما يهدد أمن البلاد من مخاطر جسيمة بدأت بالاحتلال البريطاني سنة 1882 وانتهت بالإعلان عن قيام دولة إسرائيل سنة 1948. ولعل أهم ما يعبر عن هذا الصراع أن ما يزيد على 20 تشكيلاً وزارياً تم في عهد الملك فاروق 1936- 1952 لمصلحة فئة كانت غارقة في حياتها المترفة، لهذه الأسباب أخذت شوارع القاهرة تشهد بين الحين والآخر اضطرابات وتحركات شعبية نجم عنها بنهاية الأمر قيام الجيش المصري بثورته المعروفة في تموز/يوليو 1952 واستيلائه على مقاليد الحكم معلناً إلغاء النظام الملكي.

عهد جمال عبد الناصر

في المرحلة الأولى، بعد نجاح الثورة تولى اللواء محمد نجيب رئاسة الجمهورية - وبدأ العمل على إصدار قوانين جديدة ألغت الملكيات الزراعية الكبيرة، وتم الاتفاق مع السلطات البريطانية على حل مسألة السودان، لكن قيادة الثورة تعرضت لبعض الأزمات في عام 1954 نجم عنها تصفية بعض القوى التي كانت تمثل عائقاً أمام تطبيق الأهداف التي قامت من اجلها وأصبح جمال عبد الناصر - أكثر الضباط الأحرار فاعلية - رئيساً لمجلس الثورة، وبدأت في عهده مفاوضات الجلاء مع السلطات البريطانية، انتهت بسحب قواتها من مصر في يونيو 1956، وأخذت الحكومة الجديدة تعمل على وضع الخطط التنموية للنهوض في المجالات المختلفة، ومن ضمنها إنشاء السد العالي وبناء المؤسسة العسكرية لمواجهة الخطر الصهيوني المتنامي، لكن القوى الغربية رأت في هذا التوجه خطراً يهدد مصالحها فأخذت تضغط على الحكومة المصرية من خلال الانسحاب من مشروعات التمويل، ومنع إمدادها بالسلاح فكان الرد المصري كسر طوق احتكار السلاح والإعلان عن تأميم قناة السويس؛ فتعرضت مصر للعدوان الثلاثي في أكتوبر من العام نفسه، وأرغمت الدول المعتدية على الانسحاب من مصر بعد أن وقف العالم برمته إلى جانبها وبلغ المد القومي ذروته حينما وقفت الثورة المصرية ممثلة بقائدها جمال عبد الناصر إلى جانب حركات التحرر في جميع أنحاء الوطن العربي، وحينما تعرضت سورية للتهديد من جانب القوات التركية وقفت مصر إلى جانبها وجاء قيام الوحدة السورية - المصرية استجابة منطقية لمواجهة تلك التحديات في فبراير 1958 وأصبح جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة، ويبدو أن قوانين التأميم التي صدرت في فترة قيام الوحدة أضرت بمصالح بعض الفئات التي كانت على صلة ببعض الأنظمة العربية المحافظة والتي رأت في هذه الوحدة خطراً على أنظمتها الملكية فقامت بحركة الانفصال في سبتمبر 1961م وكان هذا أحد أسباب حركة الانفصال، وفي العام التالي وقفت مصر إلى جانب اليمن في ثورتها فتعرضت العلاقة المصرية السعودية إلى أزمات حادة استمرت طوال عهد عبد الناصر، وفي عام 1967م تعرضت سورية مرة ثانية للتهديدات ولكن هذه المرة من جانب إسرائيل فأعلن عبد الناصر وقوفه إلى جانبها وأغلق خليج العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية، لكن إسرائيل باغتت الوطن العربي بعدوانها الخاطف يوم 5 يونيو 1967م واحتلت شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة إضافة إلى الجولان والضفة الغربية، فقدم عبد الناصر استقالته من منصبه يوم 9 حزيران لكنه عاد عنها بضغط من الجماهير داخل مصر وخارجها، وبعودته أعلن لاءاته الثلاثة ورفع شعار (إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة) وشرع بإعادة بناء قوات مصر المسلحة وباشر حرب الاستنزاف في الوقت الذي نجحت فيه القوى التي كانت على صلة بالدوائر الاستعمارية على تأجيج الصراع بين منظمة التحرير الفلسطينية والجيش الأردني، وحاول عبد الناصر قدر المستطاع تطويق تلك الأزمة وأدركته الوفاة في أثنائها في سبتمبر 1970.

عهد السادات

تولى أنور السادات رئاسة الجمهورية بعد أن تعهد بالالتزام بمبادئ الثورة والسير على خطى سلفه عبد الناصر، لكنه مالبث أن دخل في صراع مع المجموعة التي كانت مقربة من عبد الناصر، واتهم بعضهم بالخيانة وقلب نظام الحكم سنة 1971م، واتخذ إجراءات مناهضة لنهج عبد الناصر فيما عرف بثورة التصحيح. أما على صعيد العلاقات الخارجية فقد وجه ضربة قوية إلى العلاقة مع الاتحاد السوڤييتي حينما قرر إقصاء الخبراء السوڤييت وإلغاء معاهدة الصداقة المصرية السوڤييتية بالوقت الذي مهد الطريق لعلاقات ودية مع الولايات المتحدة. على الصعيد العسكري قام السادات بالاتفاق مع القيادة السورية بشن حرب مفاجئة في أكتوبر 1973م كان الهدف منها لفت أنظار العالم إلى ما عرف بقضية الشرق الأوسط لإجبار القوى الدولية على اتخاذ خطوات مناسبة لحل تلك الأزمة تجاه التعنت الإسرائيلي، وكان من نتائج تلك الحرب عقد اتفاقيتي فك الارتباط على الجبهة المصرية 1974 - 1975 واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية وتركيز الجهود على إحلال السلام بالمنطقة عبر الوسائل السلمية، أما الخطوة الأغرب فكانت قيام السادات بزيارة مفاجئة لإسرائيل سنة 1977م مهدت لاتفاقية كامب ديفيد سنة 1978 فعزل بتلك الخطوة مصر عن محيطها العربي وقطعت معظم الدول العربية علاقاتها بمصر وعلقت عضويتها في جامعة الدول العربية التي نقل مقرها إلى تونس.

أثار السادات بتصرفاته ردود أفعال واسعة في الداخل والخارج، وانتهى الأمر باغتياله على يد بعض أفراد الجماعات الإسلامية يوم احتفاله بيوم العبور 6 أكتوبر 1981م. وتولى نائبه الرئيس الحالي محمد حسني مبارك مقاليد الحكم لمرحلة انتقالية، ثم تحول الانتقال إلى بقاء في السلطة حتى اليوم، أبرز ما تحقق فيها أن مصر عادت إلى جامعة الدول العربية، وهي تحاول العودة لتأدية دور إقليمي فاعل وسط حمى الأزمات التي تعصف بالمنطقة بدءاً من الأزمة في دارفور وانتهاء بأحداث العراق، لكن الضغوط الأمريكية من جهة، وقيود اتفاقية كامب ديفيد من جهة ثانية كانت عائقاً ولا تزال للحيلولة دون عودة مصر إلى موقع الريادة الذي عرفته مطلع النصف الثاني من القرن الماضي.

الثورة المصرية

الاحتفالات في ميدان التحرير بعد إعلان عمر سليمان تنحي حسني مبارك.

في 25 يناير 2011، اندلعت الاحتجاجات ضد نظام مبارك. كان المطلب الرئيسي للثوار هو إسقاط مبارك عن الحكم. بدأت المظاهرات بحملة عصيان مدني دعمتها أعداد كبيرة من المتظاهرين في جميع المدن الرئيسية في مصر. في 29 يناير أصبح من الواضح أن حكومة مبارك قد فقدت سيطرتها على المظاهرات. تركزت المتظاهرات في القاهرة، وسرعان من انتشرت في الإسكندرية، السويس، الإسماعيلية، بورسعيد.[7]

في 11 فبراير 2011، أعلن نائب الرئيس عمر سليمان تنحي مبارك وتسليمه الحكم للمجلس العسكري، وترك القاهرة وتوجه للإقامة في شرم الشيخ.[8][9] [10]

في 13 فبراير 2011، أعلن المجلس العسكري عن تعطيل الدستور وحل البرلمان المصري. في سبتمبر 2011 دعى المجلس العسكري لعقد انتخابات برلمانية.[11]

في 19 مارس 2011 عُقد استفتاء دستوري. في 28 نوفمبر 2011، عقدت أول انتخابات برلمانية بعد سقوط حكومة مبارك. وكانت نسبة المشاركة عالية وعدم وجود تقارير عن حدوث مخالفات أو أحداث عنف، على الرغم من ان بعض أعضاء الأحزاب قاموا بكسر الحظر المفروض على الحملاتالانتخابية في مراكز الاقتراع بتوزيعهم منشورات دعائية أو تعليقهم لافتات.[12]

عهد محمد مرسي

مظاهرات منددة بالاعلان الدستوري المكمل في ميدان التحرير بالقاهرة، نوفمبر 2012.

في 8 يوليو 2012، أعلن الرئيس الجديد محمد مرسي عن إلغلء قرار المجلس العسكري بحل البرلمان المنتخب ودعى البرلمان لعقد جلساته.[13]

في 10 يوليو 2012، أعلنت المحكمة الدستورية العليا إلغاء قرار مرسي.[14] في 2 أغسطس 2012، أعلن رئيس الوزراء المصري هشام قنديل تشكيل حكومته الجديدة المكونة من 35 وزير، منهم 4 وزراء من الإخوان المسلمين.[15]

في يوم 22 نوفمبر 2012 أصدر الرئيس محمد مرسي إعلان دستوري مكمل تضمن ما وصفه بالقرارات الثورية. وتضمن حزمة من القرارات منها: [16] جعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أي جهة أخرى (مثلا المحكمة الدستورية) منذ توليه الرئاسة حتى انتخاب مجلس شعب جديد، إقالة النائب العام المستشار/ عبد المجيد محمود واستبداله بالمستشار طلعت إبراهيم، إمداد مجلس الشورى واللجنة التأسيسية بالحصانة (لا تُحل كما حدث لمجلس الشعب) وتمديد الأخيرة بفترة سماح شهرين لإنهاء كتابة دستور جديد للبلاد. إعادة محاكمات المتهمين في القضايا المتعلقة بقتل وإصابة وإرهاب المتظاهرين أثناء الثورة.

بشكل عام ادى الاعلان الدستوري الى استقطاب شديد وحاد في الشارع المصري بين مؤيد ومعارض ومظاهرات حاشدة بالتأييد والمعارضة في أنحاء الجمهورية.

عرض محمد مرسي إجراء "حوار وطني" مع قادة المعارضة، لكنهم رفضوا حتى يعلن مرسي إلغاء الإعلان الدستوري، وإسقاط اللجنة الدستورية والدستور الجديد، أعقل ذلد إندلاع حالة من الفوضى السياسية والأمنية في البلاد.[17]

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ "مصر". الموسوعة المعرفية الشاملة. Retrieved 2013-03-11.
  2. ^ مصر القديمة. "سركيس (خليل خطّار ـ)". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-03-11.
  3. ^ "عمرو بن العاص..داهية العرب وفاتح مصر". شبكة الإعلام العربية. 2008-06-03.
  4. ^ "'Amr ibn al-'As". ويكيبديا الإنگليزية. Retrieved 2011-01-06.
  5. ^ مصطفى الخطيب. "مصر في العصر الإسلامي". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-03-11.
  6. ^ مصطفى الخطيب. "مصر الحديثة والمعاصرة". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-03-11.
  7. ^ "Malaysia Egypt Protest Pictures & Photos". AP Photo/Lai Seng Sin. 31 January 2011.
  8. ^ Kirkpatrick, David D. (11 February 2010). "Mubarak Steps Down, Ceding Power to Military". The New York Times. Retrieved 11 February 2011.
  9. ^ "Egypt crisis: President Hosni Mubarak resigns as leader". BBC. 11 February 2010. Retrieved 11 February 2011.
  10. ^ Mubarak Flees Cairo for Sharm el-Sheikh. CBS News. 11 February 2011. Archived from the original. You must specify the date the archive was made using the |archivedate= parameter. http://www.cbsnews.com/stories/2011/02/11/501364/main20031477.shtml. Retrieved on 15 May 2012. 
  11. ^ "Egyptian Parliament dissolved, constitution suspended". BBC. 13 February 2011. Retrieved 13 February 2011.
  12. ^ Egypt's Historic Day Proceeds Peacefully, Turnout High For Elections. NPR. 28 November 2011. Last Retrieved 29 November 2011.
  13. ^ Fahmy, Mohamed. "Egypt's president calls back dissolved parliament". CNN. Retrieved 8 July 2012.
  14. ^ Watson, Ivan. "Court overrules Egypt's president on parliament". CNN. Retrieved 10 July 2012.
  15. ^ "Egypt unveils new cabinet, Tantawi keeps defence post". 3 August 2012.
  16. ^ http://www2.youm7.com/News.asp?NewsID=854577
  17. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة LaTimes