تاريخ إيران

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ الإيراني قبل الآريين

سكنت المنطقة عدة شعوب قبل مجيئ الفرس الآريين إليها. أهم تلك الشعوب:

  • المانيون أحد الشعوب القديمة التي إستوطنت الأراضي التي تعرف حاليا بأذربيجان الإيرانية في الفترة مابين القرن العاشر قبل الميلاد و القرن السابع قبل الميلاد. لم يكونوا من الشعوب الهندو-أوربية. ويعتقد البعض أنهم يشكلون نواة شعب الأكراد.

المقال الرئيسي: إمبراطورية فارسية


الامبراطورية الفارسية

كانت الدولة الفارسية حين بلغت أعظم إتساعها في أيام دارا تشمل عشرين ولاية أو "إمارة" (ستربية) تضم: مصر ، وفلسطين ، وسوريا ، وفينيقيا، وليديا ، وفريجية ، وأيونيا ، وقبادوش ، وقليقية ، وأرمينيا ، وأشور ، وقفقاسية ، وبابل ، وميديا ، وفارس ، والبلاد المعروفة في هذه الأيام بإسم أفغانستان ، وبلوخستان ، والقسم الممتد من الهند غرب نهر السند ، وسيمديانا ، وبكتريا(بلخ)، وأقاليم المسجينة وغيرهم من قبائل آسية الوسطى. ولم يسجل التاريخ قبل هذه الإمبراطورية أن حكومة واحدة حكمت مثل هذه الرقعة الواسعة من البلاد. ولم تكن بلاد الفرس في تلك الأيام ، وهي البلاد التي قدر لها أن تحكم هذه الأربعين مليوناً من الأنفس مدى مائتي عام ، هي بعينها البلاد المعروفة الآن بإسم بلاد فارس ، والتي يسميها بلاد إيران ، بل كانت هي الإقليم الأصغر المصاحب للخليج الفارسي مباشرة من جهة الشرق ، والمعروفة لدى الفرس الأقدمين بإسم بارش والفرس المحدثين بإسم فارس أو فارستان. وهذا الإقليم يكاد يكون كله صحراوات وجبالاً ، أنهاره قليلة ، معرضة للبرد القارس والحر الجاف اللافح ، ولذلك فإنه لم يكن فيه من الخيرات ما يكفي سكانه البالغ عددهم مليونين من الأنفس ، إلا إذا إستعانوا بما قد يأتيهم من خارج بلادهم عن طريق التجارة والفتح. وأهل البلاد الجبليون الأشداء ينتمون كما ينتمي الميديون إلى الجنس الهندوربي ، ولعلهم جاءوا إلى تلك البلاد من جنوب روسيا ؛ وتكشف لغتهم وديانتهم المبكرة عن صلة نسب وثيقة بينهم وبين الآريين الذين عبروا أفغانستان ، وأصبحوا الطبقة الحاكمة في شمال الهند. ولقد وصف دارا الأول نفسه في نقش - رستم بأنه: "فارسي إبن فارسي ، آرى من سلالة آرية" . ويسمي الزردشتيون وطنهم الأول: إيريانا فيجو أي "موطن الآريين" ، ويطلق لفظ أريانا على البلاد التي يطلق عليها الآن هذا اللفظ الذي لا يكاد يختلف عن اللفظ الأول وهو إيران.

الحياة الإجتماعية في الإمبراطورية الفارسية

ويلوح أن الفرس كانوا أجمل شعوب الشرق الأدنى في الزمن القديم. فالآثار الباقية في عهدهم تصورهم شعباً معتدل القامات ، قوي الأجسام، قد وهبته حياة الجبال شدة وصلابة، ولكن ثروتهم الطائلة رققت طباعهم ، وهم ذوو ملامح متناسبة متناسقة ، شم الأنوف لا يكادون يفترقون في ذلك عن اليونان ، تبدو على وجوههم سمات النبل والروعة؛ ولبس معظمهم الملابس الميدية ثم تحلوا فيما بعد بالحلي الميدية. وكانوا يعدون من سوء الأدب كشف أي جزء من أجزاء الجسم خلا الوج ه، ولذلك كان كل جسمهم مغطى من عمامة الرأس أو عصابته أو قلنسوته إلى خفي القدمين أو حذاءيهما. فكان لباسهم سروالاً مثلث الطيات ، وقميصاً أبيض من التيل ، ومئزراً من طبقتين ، ذا كُمّين يغطيان اليدين ، ومنطقة في وسط الجسم. وكانت هذه الملابس تحفظ أجسامهم ، دفئة في الشتاء ، حارة في الصيف. أما الملك فكان يمتاز بلبس سروال مطرز قرمزي ، وحذاءين ذوي أزرار زعفرانية اللون. ولم تكن ملابس النساء تختلف عن ملابس الرجال إلا بفتحة عند الصدر. وكان الرجال يطيلون لحاهم ويتركون شعر رأسهم ينساب في غدائر ، ثم إستبدلوا بهما فيما بعد شعراً مستعاراً. ولما زادت الثروة في عهد الإمبراطورية أكثر الأهلون رجالهم ونساؤهم من إستعمال أدوات التجميل ، فإستعملوا الأدهان لتجميل الوجه ، والأصباغ الملونة لدهن الجفون ، لكي يزيدوا بذلك من سعة العينين وبريقهما الظاهر. ومن ثم نشأت عندهم طبقة من"المزينين" سماهم اليونان "الكزمتاي" كانوا خبراء في فن التجميل ، وعملهم تجميل الأثرياء. وكان الفرس خبراء في عمل الروائح العطرية ، وكان القدماء يعتقدون أنهم هم الذين إخترعوا أدهان التجميل. ولم يكن مليكهم يخرج إلى الحرب إلا ومعه علبة ثمينة من الزيوت العطرية، يتعطر بها في حالتي النصر والهزيمة.


الحياة الثقافية في الإمبراطورية الفارسية

تكلم الفرس عدة لغات في أثناء تاريخهم الطويل. فكانت الفارسية القديمة لغة البلاط وأعيان البلاد في عهد دارا الأول ، وهذه اللغة وثيقة الإرتباط باللغة السنسكريتية حتى ليبدو لنا جلياً أن اللغتين كانتا في وقت من الأوقات لهجتين من لغة أقدم منهما عهداً، وأنهما هما واللغة الإنجليزية فروع من أصل واحد. وتطورت اللغة الفارسية القديمة وتفرعت إلى فرعين هما الزندية- لغة الزند- أبستاق. و اللغة البهلوية وهي لغة هندية اشتقت منها اللغة الفارسية الحالية. ولما مارس الفرس الكتابة إستخدموا في نقوشهم الخط المسماري وإستخدموا الحروف الهجائية الآرامية لكتابة وثائقهم. وبسطوا مقاطع اللغة البابلية الثقيلة الصعبة ، فأنقصوها من ثلاثمائة رمز إلى ست وثلاثين علامة ، تبدلت شيئاً فشيئاً من مقاطع إلى حروف حتى صارت حروفاً هجائية مسمارية. على أن الكتابة كانت تبدو للفرس لهواً خليقاً بالنساء لا يكادون يقتطعون له وقتاً من بين مشاغلهم الكثيرة في الحب والحرب والصيد ، ولم ينزلوا من عليائهم فينشئوا أدباً.

وكان الرجل العادي أمياً راضياً عن أميته، يبذل جهده كله في فلاحة الأرض. ومجدت الزند- أبستاق الأعمال الزراعية وعدتها أهم أعمال الجنس البشري وأشرفها ، يبتهج لها أهور- مزدا الإله الأعلى أكثر مما يبتهج بغيرها من الأعمال. وكانت بعض الأراضي يزرعها ملاكها المزارعون. وكان هؤلاء الملاك في بعض الأحيان يؤلفون جماعات زراعية تعاونية مكونة من عدة أسر لتزرع مجتمعة مساحات واسعة من الأراضي. والبعض يمتلكه الأشراف الإقطاعيون ويزرعه مستأجروه نظير جزء من غلته ؛ وبعضها الآخر يزرعه الأرقاء الأجانب ( ولم يكونوا قط فرساً). وكانوا يستخدمون محاريث من الخشب ذات أطراف من حديد تجرها الثيران. وكانوا يجرون الماء من الجبال إلى الحقول بطرق الري الصناعية. وكان الشعير والقمح أهم محاصيل الأرض وأهم مواد الغذاء ، ولكنهم كانوا يأكلون كثيراً من اللحم ويتجرعون كثيراً من الخمر. وقد أمر قورش بتقديم الخمر لجيوشه. ولم تكن مناقشة جدية في الشئون السياسية تدور في مجالس الفرس إلا وهم سكارى وإن كانوا يحرصون على أن يعيدوا النظر في قراراتهم في صباح اليوم التالي. وكان من مشروباتهم مشروب مسكر يسمى هوما يقدمونه قرباناً محبباً لآلهتهم ؛ وكانوا يعتقدون أنه لا يبعث في مدمنه الهياج والغضب ، بل يبعث فيه التقى والإستقامة.

الحياة الإقتصادية في الإمبراطورية الفارسية

ولم يكن للصناعة شأن في فارس ؛ فقد رضيت أن تترك لأمم الشرق الأدنى ممارسة الحرف والصناعات اليدوية ، وإكتفت بأن تحمل هذه الأمم إليها منتجاتها مع ما يأتيها من الخراج. أما في شئون النقل والإتصال فكانت أكثر إبتكاراً منها في شئون الصناعة. فقد أنشأ المهندسون إطاعة لأمر دارا الأول طرقاً عظيمة تربط حواضر الدولة بعضها ببعض. وكان طول إحدى هذه الطرق وهي الممتدة من السوس إلى سرديس ألفاً وخمسمائة ميل. وكان طولها يقدر تقديراً دقيقاً بالفراسخ ( وكان الفرسخ 3.4 ميل) ويقول هيرودوت: "إنه كان عند نهاية كل أربعة فراسخ محاط ملكية ونُزل فخمة ، وكان الطريق كله يخترق أقاليم آمنة عامرة بالسكان". وكان في كل محطة خيول بديلة متأهبة لمواصلة السير بالبريد ، ولهذا فإن البريد الملكي كان يجتاز المسافة من السوس إلى سرديس بالسرعة التي يجتازها بها الآن رتل من السيارات الحديثة، أي في أقل قليلاً من أسبوع، مع أن المسافر العادي في تلك الأيام الغابرة كان يجتاز تلك المسافة في تسعين يوماً. وكانوا يعبرون الأنهار الكبيرة في قوارب ، ولكن المهندسين كانوا يستطيعون متى شاءوا أن يقيموا على الفرات أو على الدردنيل نفسه قناطر متينة تمر عليها مئات الفيلة الوجلة وهي آمنة. وكان ثمة طرق تصل فارس بالهند مجتازة ممرات جبال أف انستان ، وقد جعلت هذه الطرق مدينة السوس مستودعاً وسطاً لثروة الشرق التي كانت حتى في ذلك العهد البعيد ثروة عظيمة لا يكاد يصدقها العقل. وقد أنشأت هذه الطرق في الأصل لأغراض حربية وحكومية ، وذلك لتسيير سيطرة الحكومة المركزية وأعمالها الإدارية ؛ ولكنها أفادت أيضاً في تنشيط التجارة وإنتقال العادات والأفكار ، كما أفادت في تبادل خرافات الجنس البشري وهي من مستلزماته التي لا غنى له عنها. من ذلك أن الملائكة والشياطين قد انتقلت على هذه الطرق من الأساطير الفارسية إلى الأساطير اليهودية والمسيحية.

ولم تبلغ الملاحة في فارس ما بلغه النقل البري من رقي عظيم. فلم يكن للفرس أسطول خاص بهم ، بل كانوا يكتفون بإستئجار سفن الفينيقيين أو الإستيلاء عليها لإستخدامها في الأغراض الحربية ، وقد إحتفر دارا الأول قناة عظيمة تصل فارس بالبحر الأبيض المتوسط عن طريق البحر الأحمر والنيل ، ولكن إهمال خلفائه ترك هذا العمل العظيم تبعث به الرمال السافية. وأصدر خشيارشاي أمره الملكي إلى قسم من قواته البحرية بأن يطوف حول إفريقيا ، ولكنه لم يكد يجتاز أعمدة هرقل (مضيق جبل طارق الحالي) حتى عاد من رحلته يجلله الخزي والعار. وكانت الأعمال التجارية تترك في الغالب لغير أبناء البلاد- للبابليين والفينيقيين واليهود ؛ ذلك أن الفرس كانوا يحتقرون التجارة ويرون أن الأسواق بؤرة للكذب والخداع. وكانت الطبقات الموسرة تفخر باستطاعتها الحصول على معظم حاجاتها من حقولها وحوانيتها بغير واسطة ، دون أن تدنس أصابعها بأعمال البيع والشراء. وكانت الأجور والقروض وفوائد الأموال تؤدى في بادئ الأمر سلعاً ، وأكثر ما كانت تؤدى به الماشية والحبوب ؛ ثم جاءتهم النقود من ليديا ، وسكّ دارا "الداريق" من الذهب والفضة وطبع عليه صورته ، وكانت نسبة قيمة الدريق الذهبي إلى الدريق الفضي كنسبة 13.5 إلى 1 . وكان هذا بداية وضع نسبة بين النقدين في الوقت الحاضر.


الحياة السياسية في الإمبراطورية الفارسية

كانت حياة فارس حياة سياسية وحربية أكثر منها إقتصادية ؛ عماد ثروتها القوة لا الصناعة ؛ ومن أجل ذلك كانت مزعزعة الكيان أشبه ما تكون بجزيرة حاكمة وسط بحر واسع خاضع لسلطانها خضوعاً غير قائم على أساس طبيعي. وكان النظام الإمبراطوري الذي يمسك هذا الكيان المصطنع من أقدر الأنظمة ولا يكاد يوجد له شبيه ؛ فقد كان على رأسه الملك أوخشترا أي المحارب ، وهو لقب يدل على منشأ الملكية الفارسية العسكري وصبغتها العسكرية. وإذا كان تحت سلطانه ملوك يأتمرون بأمره فقد كان الفرس يلقبونه "ملك الملوك" ولم يعترض العالم القديم على هذه الدعوة ، غير أن اليونان لم يكونوا يسمونه بأكثر من باسليوس أي الملك.

وكان له من الوجهة النظرية سلطة مطلقة ؛ فكانت كلمة تصدر من فمه تكفي لإعدام من يشاء من غير محاكمة ولا بيان للأسباب ، على الطريقة التي يتبعها أحد الحكام الطغاة في هذه الأيام. وكان في بعض الأحيان يمنح أمه أو كبيرة زوجاته حق القتل القائم على النزعات والأهواء. وقلما كان أحد من الأهلين ، ومن بينهم كبار الأعيان ، يجرؤ على إنتقاد الملك أو لومه ، كما كان الرأي العام عاجزاً عجزاً مصدره الحيطة والحذر ، فكان ما يفعله الذي يرى الملك يقتل إبنه البريء أمام عينيه رمياً بالسهام أن يثني على مهارة الملك العظيمة في الرماية ، وكان المذنبون الذين يلهب السياط أجسادهم بأمر الملك يشكرون له تفضله بأنه لم يغفل عن ذكرهم. ولو أن ملوك الفرس كان لهم من النشاط ما لقورش ودارا الأول لكان لهم أن يملكوا ويحكموا ؛ ولكن الملوك المتأخرين كانوا يعهدون بأكثر شئون الحكم إلى الأشراف الخاضعين لسلطانهم ، أو إلى خصيان قصورهم. أما هم فكانوا يقضون أوقاتهم في الحب أو لعب النرد أو الصيد. وكان القصر يموج بالخصيان يسرحون فيه ويمرحون ، يحرسون النساء ويعلمون الأمراء ، وقد إستخدموا ما تخولهم هذه الأعمال من ميزة وسلطان في حبك الدسائس وتدبير المؤامرات في عهد كل ملك من الملوك. وكان من حق الملك أن يختار خلفه من بين أبنائه ، ولكن وراثة العرش كانت تقرر في العادة بالإغتيال والثورة. غير أن سلطة الملك كانت تقيدها من الوجهة العملية قوة الأعيان ، وكانوا هم الواسطة بين الشعب والعرش. وقد جرت العادة أن يكون لأسر الرجال الستة الذين تعرضوا مع دارا الأول لأخطار الثورة التي قامت على سمرديس الزائف ميزات إستثنائية. وأن يستشاروا في مهام الدولة الحيوية ، وكان كثير من الأشراف يحضرون إلى القصر ويؤلفون مجلساً يولي الملك مشورته في أكثر الأحيان أعظم رعاية. وكان يربط معظم أفراد الطبقة الموسرة بالعرش أن الملك هو الذي يهبهم ضياعهم ؛ وكانوا في مقابل هذا يمدونه بالرجال والعتاد إذا نفر إلى القتال. وكان لهؤلاء الأشراف في إقطاعاتهم سلطان لا يكاد يحده شيء- فكانوا يجبون الضرائب ، ويسنون القوانين، وينفذون أحكام القضاء ويحتفظون بقواتهم المسلحة.

وكان الجيش العماد الحقيقي لسلطان الملك والحكومة الإمبراطورية ، ذلك أن الإمبراطوريات إنما تدوم ما دامت محتفظة بقدرتها على التقتيل. وكان يفرض على كل رجل صحيح الجسم بين الخامسة عشرة والخمسين من عمره أن ينضم إلى القوات العسكرية كلما أعلنت الحرب. وحدث مرة أن طلب والد ثلاثة أبناء أن يُعفى واحد منهم من الخدمة العسكرية فما كان من الملك إلا أن أمر بقتلهم هم الثلاثة ؛ وأرسل والد آخر أربعة من أبنائه إلى ميدان القتال ، ثم رجا خشيارشاي أن يسمح ببقاء أخيهم الخامس ليشرف على ضيعة الأسرة فقطع جسم هذا الابن نصفين بأمر من الملك ، ووضع كل نصف على أحد جانبي الطريق الذي سيمر منه الجيش. وكان الجنود يسيرون إلى الحرب وسط دوي الموسيقى العسكرية وهتاف الجماهير التي تجاوزت سن التجنيد. وكانت أهم فرق الجيش فرقة الحرس الملكي المؤلفة من ألفين من الفوارس وألفين من المشاة وكانت مهمتهم حراسة الملك. وكان الجيش العامل كله بلا استثناء من الفرس والميديين، وكان يؤخذ من هذه القوات الدائمة معظم الحاميات القائمة في النقط العسكرية الهامة في الإمبراطورية لترهيب من تحدثه نفسه بالخروج عليها. أما القوات الحربية الكاملة فكانت تتألف من فرق تجند من جميع الأمم الخاضعة لسلطان الفرس ، وكانت كل فرقة تتكلم بلغتها ، وتقاتل بأسلحتها وتتبع أساليبها الحربية الخاصة ، ولم يكن عتادها وأتباعها أقل إختلافا من أصولها: فهناك القسي والسهام ، والسيوف والحراب ، والخناجر والرماح ، والمقاليع والمدي ، والتروس والخوذ ، والمجنات المتخذة من الجلد ، والزرد. وكانوا يركبون الجياد والفيلة ، ويصحبهم المنادون ، والكتبة ، والخصيان ، والعاهرات ، والسراري ، ومعهم العربات التي سلح كل جزء من عجلاتها بمناجل الصلب الكبيرة. وهذه الجحافل الجرارة التي بلغت عدتها في حملة خشيارشاي 000ر800ر1 مقاتل لم تتألف منها قط وحدة كاملة ، ومن أجل ذلك فإن أول بادرة من بوادر الهزيمة كانت تحيلها إلى جموع من الغوغاء العديمة النظام. وكانت تهزم أعداءها بقوة عددها لا غير ، وبمقدرته على إستيعاب قتلاها ، فإذا ما لاقاها جيش حسن التنظيم يتكلم أفراده لغة واحدة ويخضعون لنظام واحد حاقت بها الهزيمة. وهذا هو السر فيما أصابها عند مرثون وبلاتية.

ولم يكن يوجد في مثل هذه الدولة قانون غير إرادة الملك وقوة الجيش. ولم تكن فيها حقوق مقدسة تستطيع الوقوف أمام هاتين القوتين ، كما أن التقاليد والسوابق لم تجد نفعاً إلا إذا كانت مستمدة من أمر ملكي سابق ؛ ذلك أن الفرس كانوا يفتخرون بأن قوانينهم لا تبديل لها ، وأن الوعد أو المرسوم الملكي لا ينقض بحال من الأحوال ، فقد كان إعتقادهم أن قرارات الملك وأحكامه إنما يوحيها إليهم الإله أهورا- مزدا نفسه.

وعلى هذا الأساس كان قانون المملكة مستمداً من الإرادة الإلهية ، وكان كل خروج على هذا القانون يعد خروجاً على إرادة الإله. فكان الملك صاحب السلطة القضائية العليا، ولكنه كان في العادة يعهد هذا العمل إلى أحد العلماء الشيوخ من أتباعه. ثم يأتي من بعده المحكمة العليا المؤلفة من سبعة قضاة ، ومن تحتها محاكم محلية منتشرة في أنحاء المملكة. وكان الكهنة هم الذين يضعون القوانين ، وظلوا زمناً طويلاً ينظرون في المظالم ، ثم كان النظر فيها في العهود المتأخرة رجال بل نساء من غير رجال الدين ونسائه ، وكانت الكفالة تقبل من المتهم في جميع القضايا إلا ما كان منها خطير الشأن ، وكانوا يتبعون في المحاكمات إجراءات منتظمة. وكانت المحاكم تأمر أحياناً بمنح المكافآت كما كانت تأمر بتوقيع العقوبات ، وكانت وهي تنظر في الجرائم تقدر ما للمتهم من حسنات وما أداه من خدمات. ولكي يحولوا بين إطالة الإجراءات القضائية كانوا يحددون زمناً معيناً تنتهي فيه كل قضية ، ويعرضون على الخصوم أن يختاروا لهم حَكماً يحاول فض ما بينهم من نزاع بالطرق السلمية.

ولما تكاثرت السوابق القانونية وتعقدت القوانين نشأت طائفة من الناس يسمون "المتحدثين في القانون" كانوا يعرضون على المتخاصمين أن يفسروا لهم القانون ويساعدوهم على السير في قضاياهم. وكان يطلب إلى المتقاضين أن يقسموا الأيمان ، وكانوا في بعض الأحيان يلجأون إلى الحكم الإلهي ، (فيفوضون أمر المتهم إلى الآلهة تقضي له أو عليه بوسائلها الخاصة ، بأن تنجيه من النار أو الغرق إن كان بريئاً وتقضي عليه بهما إن كان مذنباً) ، وكانوا يقاومون الرشوة بجعل عرضها أو قبولها جريمة كبرى يعاقب مرتكبها بالإعدام. وكان مما عمله قمبيز لضمان القضاة أن أمر بأن يسلخ جلد القاضي الظالم حياً وأن يستخدم جلده لتنجيد مقاعد القضاة ، ثم كان يعين إبن القاضي القتيل بدلاً منه.

وكانت الجرائم الصغرى يعاقب عليها بالجلد- من خمس جلدات إلى مائتي جلدة- بسوط من سياط الخيل ، وكان عقاب من يسمم كلب راع مائتي جلدة، ومن يقتل آخر خطأ كان عقابه تسعين جلدة. وكانت الدولة تحصل على بعض المال اللازم للشؤون القضائية من استبدال الغرامة بالجلد باحتساب كل ست روبيات للجلدة الواحدة(47). أما الجرائم التي هي أشد من هذه فكان يعاقب عليها بالوسم بالنار أو بتشويه الأعضاء أو بتر بعض الأطراف، أو سمل العين أو السجن أو الإعدام. وكان نص القانون يحرم على أي إنسان حتى الملك نفسه أن يحكم على إنسان بالقتل عقاباً على جريمة صغرى ، ولكنه يحل القتل عقاباً على خيانة الوطن، أو هتك العرض، أو اللواط ، أو القتل ، أو الإستمناء ، أو حرق الموتى ، أو دفنهم سراً ، أو الإعتداء على حرمة القصر الملكي ، أو الإتصال بإحدى سراريه ، أو الجلوس مصادفة على عرشه ، أو الإساءة إلى أحد أفراد البيت المالك.

وكان المذنب في هذه الحالات يعدم إما بإرغامه على تجرع السم ، أو خزقه أو صلبه ، أو شنقه (وكان المجرم يشنق ورأسه عادة إلى الأسفل) ، أو رجمه بالحجارة أو دفن الجسم إلى ما دون الرأس ، أو تهشيم رأسه بين حجرين كبيرين ، أو خنقه في رماد ساخن ، أو بتوقيع ذلك العقاب الذي لا يصدقه العقل والمعروف بإسم عقاب "الزورقين". وقد ورث الأتراك الذين أغاروا على البلاد فيما بعد بعض هذه العقوبات الهمجية ، وأورثوها العالم من بعدهم. واستعان الملك هذه القوانين وهذا الجيش على حكم الولايات العشرين التابعة لدولته من عواصمه الكثيرة. وكانت العاصمة الأصلية بزارجادة ، ولكنه كان ينتقل منها أحياناً إلى برسبوليس ، وكانت إكباتانا عاصمته الصيفية. أما معظم إقامته فكانت في مدينة السوس عاصمة عيلام القديمة التي يجتمع فيها تاريخ الشرق القديم برمته ويرتبط أوله بآخره. وكان من مميزات هذه المدينة صعوبة الوصول إليها، كما كان من عيوبها بُعدها عن سائر عواصم الإمبراطورية، فلما أراد الإسكندر أن يستولي عليها كان لابد له أن يجتاز لها طريقاً طوله ألفا ميل؛ ولكنها كان عليها أن ترسل جيوشها ألفاً وخمسمائة ميل لتخضع الثروات التي تقوم في ليديا أو مصر. ولما أنشئت الطرق العظيمة في آخر الأمر كانت كل فائدتها أن مهدت السبل لليونان والرومان الذين غزوا بجيوشهم غرب آسية، كما ساعدت غرب آسية على أن يغزو اليونان ورومة بعقائده الدينية.

وكانت الإمبراطورية مقسمة إلى ستريبات أو ولايات لتسهل بذلك إدارتها وجباية خراجها. وكان في كل ولاية نائب "لملك الملوك" قد يكون أحياناً أميراً خاضعاً لسلطانه ، ولكنه في العادة "سترب" (حاكم) يعينه الملك ويبقى في منصبه ما دام حائزاً لرضا البلاط الملكي.

وأراد دارا أن يضمن خضوع الوالي لسلطانه فبعث إلى كل ولاية بقائد من قواد جيشه ليشرف على ما فيها من قوى مسلحة مستقلاً عن الوالي؛ ولكي يضمن خضوع هذا وذاك عين لكل ولاية أميناً من قبله مستقلاً عن الوالي والقائد جميعاً ، مهمته أن يبلغ عن مسلكهما. وزيادة في الإحتياط كان للملك إدارة للمخابرات السرية تعرف بإسم "عيون الملك وآذانه" يفاجئ موظفوها الولايات ليفحصوا عن سجلاتها وشئونها الإدارية والمالية. وكان الوالي يعزل أحياناً بلا محاكمة ، وأحياناً يتخلص منه بهدوء ، وذلك بأن يسمه خدمه بأمر الملك نفسه. وكان تحت إمرة الوالي والأمين حشد من الكتبة يصرفون من شئون الحكم ما ليس في حاجة مباشرة إلى القوة. وكان هؤلاء يستمرون في عملهم وإن تغيرت الإدارات ، بل وإن تغير الملوك ، فالملك يموت ولكن البيروقراطية الحكومية باقية مخلدة.

ولم يكن موظفو الولايات يتناولون رواتبهم من الملك ، بل كانوا يتناولونها من أهل الولاية التي يحكمونها. وكانت هذه الرواتب عالية تكفي لأن يكون لهؤلاء الولاة قصور وحريم. وبساتين للصيد ، كان الفرس يسمونها بذلك الاسم التاريخي المأثور وهو الفردوس أي "الجنة". وكان على كل والٍ فضلاً عن هذا أن يبعث إلى الملك في كل عام قدراً معلوماً من المال والبضائع ضريبة مقررة على ولايته. فكانت الهند ترسل 680ر4 تالنتا ، وأشور وبابل ألفاً ، ومصر سبعمائة ، وولايات آسية الصغرى الأربع ترسل مجتمعة 1760 الخ. فكان مجموع ما ترسله الولايات كلها 560ر14 في السنة، قدرت قيمتها تقديراً يختلف من000ر000ر160 ريال أمريكي إلى 000ر000ر218 ريال ؛ وفوق هذا فقد كان ينتظر من كل ولاية أن تمد الملك بحاجته من السلع والمؤن: فقد كان على مصر مثلاً أن تمده في كل عام بما يحتاجه 000ر120 رجل من الغلال ، وكان الميديون يمدونه بمائة ألف من الضأن، والأرمن بثلاثين ألف من الأمهار، والبابليون بخمسمائة من الغلمان الخصيان. وكانت هناك مصادر أخرى تستمد منها الخزانة المركزية الأموال الطائلة. وحسبنا دليلاً على مقدار هذه الثروة أن الإسكندر حين إستولى على عاصمة الفرس وجد في الخزائن الملكية 000ر180 تالنت (وزنة) تبلغ قيمتها بحساب هذه الأيام 000ر000ر700ر2 ريال أمريكي ، وذلك بعد مائة وخمسين عاماً من إسراف الفرس وتبديدهم ، وبعد مائة حرب وثورة باهظة النفقات ، وبعد أن حمل دارا الثالث معه في فراره 000ر8 تالنت. ومع هذا كله فقد كانت الإمبراطورية الفارسية على الرغم من نفقاتها الإدارية الطائلة أنجح تجربة في نظام الحكم الإمبراطوري شهدتها بلاد البحر الأبيض المتوسط قبل الإمبراطورية الرومانية التي قدر لها أن ترث قسطاً كبيراً من النظم السياسية والإدارية لتلك الإمبراطورية القديمة. وإذا كانت هذه الإمبراطورية قد شهدت ما كانت عليه ملوكها المتأخرين من قسوة وبذخ ، وما كان في بعض شرائعها من همجية ، وما كان ينوء به كاهل الأهلين من ضرائب فادحة ، فقد كان يقابل هذه المساوئ ما كان يسود البلاد بفضل حكومتها من نظام وأمن أثرت في ظله الولايات على الرغم من هذه الأكلاف الباهظة ، وما كانت تستمتع به تلك الولايات من حرية لم تستمتع بها الولايات الخاضعة لأكثر الإمبراطوريات رقياً وإستنارة. ذلك أن كل إقليم كان يحتفظ بلغته ، وشرائعه ، وعاداته ، وأخلاقه ، ودينه ، وعملته ، كما كان يحتفظ في بعض الأحيان بالأسرة الحاكمة من أهله. وكانت بعض الأمم التي تؤدى إليها الجزية كبابل وفينيقيا وفلسطين راضية كل الرضا بالوضع الذي وضعت فيه ، ظناً منها أن قوادها وجباتها من أهلها لو وكل إليهم أمرها لكانوا أكثر من حكامها الفرس قسوة وأشد بطشاً. لقد بلغت الإمبراطورية الفارسية في عهد دارا الأول من حيث النظام السياسي مبلغاً لم يصل إليه غيرها من الإمبراطوريات إذا إستثنينا الإمبراطورية الرومانية في عهد دراجان ، وهدريان ، والأنطونيين.



الآريون هم قبائل بدوية آسيوية (مثل: الماديين (الميديين)، البارسيين(الفرس)، والفريتيين (الاشكانيين))، نتمي إلى العرق الأبيض، شكلت نواة الشعوب الهندو-أوربية. هاجرت تلك القبائل على دفعات إلى الهضبة الإيرانية التي عرفت في ما بعد بإسم إيران. بعض التقديرات تقول أنهم جاءوا من آسيا الوسطى وبعضها من منقطة بين بحر الخزر والبحر الأسود. وكان السكان الأصليين في إيران 15 شعباً -منهم العرب والعيلاميون- يعيشون حياة مسالمة، وهم ذات حضارة عريقة.

أهم الممالك التي نشأت في بلاد فارس بعد الهجرة الآرية:

  • الامبراطورية الميدية (728–550 ق.م) الميديون كانوا احد الاقوام التي استوطنت الشمال الغربي لما يعرف الآن بإيران. واختلط بعضهم بالشعوب المحلية في جبال كردستان مكوناً الشعب الكردي. وهناك نوع من الإجماع إن الميديين لم يكونوا من الفرس، وإن كان أصل الشعبين من قبائل الآريين. حيث استقرت قبائل الفرس البدوية في الجنوب عند منطقة سموها "فارس" (بارسيس في اليونانية، معناها السائب والغازي) قرب شيراز اليوم.
  • الامبراطورية الاخمينية (648–330 ق.م) لا تكاد توجد أي نقوش تتكلم عن الفرس قبل قوروش الأكبر (الثاني). تصفهم التوراة بأنهم "أناس برابرة جداً وسفاحون لا يرحمون أحداً". جاء اليهود المنفيين ببابل بقورش الاخمني ونصبوه على شعوب المنطقة عنوة حيث دمر حضارتهم واستعبدهم وأزالهم عن الوجود عن بكرة ابيهم. قام قوروش باحتلال مملكة مديا أولاً، عن طريق تأليب المعارضين لها وإثارة الفتن. وبعدما استولى عليها، قام بالهجوم على بابل مركز حضارة العالم القديم. ثم توسع إلى بلاد الشام، وكذلك إلى غرب الأناضول إلى بحر إيجة. وتوسع شمالاً إلى جبال القوقاز. كما توسع شرقاً في آسيا الوسطى إلى أقصى ما وصلت إليه الحضارة (يعتقد بوصوله إلى حدود قرقيزستان). وقام ابنه من بعده باحتلال مصر، ثم انشغل أحفاده بحروب ضد اليونان وشعوب البحر الأسود.

ويرى الباحث الفارسي ناصر بوربيرار (پورپيرار) في كتابه 12 قرناً من السكوت، أن تلك السلالات الثلاثة (الاخمينيين والاشكانيين والساسانيين): غريبة عن محيطها الجغرافي وعن السكان الاصليين في هضبة إيران. ويقول: "لم يبق من هذه السلالات الثلاث التي حكمت بالقوة والسيف والاستبداد على الشعوب القاطنة في نجد إيران (الهضبة الإيرانية)، لم يبق منها أي أثر حضاري هام يُذكَر قياساً باليونانيين والرومان وحتى العرب الجاهليين. ما عدا أنها كانت تتقن استخدام الرمح الفارسي لمحو الشعوب التي سبقتها في نجد إيران وفتح أراضي الغير وإغراق الشعوب الأخرى -ومنهم اليونانيون والمصريون والهنود- ببحور من الدم". وأنهم جاءوا متأخرين قياساً لشعوب عاشت قبلهم بآلاف السنين. وقد قام علماء الآثار والمستشرقون اليهود بتهويل منزلتهم وسمعتهم خلافاً لحقيقتهم في التاريخ. ويرى كذلك "أنهم لم يتمتعوا لا بثقافة ولا بفن ولا باقتصاد ولا بسياسة" حيث عاشت المنطقة بفترة ظلام إلى مجئ الفتح الإسلامي[1]. كما أن لغتهم البهلوية كانت بدائية.

يمكننا ان نعد قيام الدولة الاخيمنية (حكم قورش) 500 قبل الميلاد ، بداية لتاريخ الحكم الإمبراطوري، الذي يقوم على توارث الحكم في الاسرة الملكية. إن هذا النوع من الحكم الذي يقوم على التسلط و الاستبداد، إستمر في السلالات الملكية التي تلت السلالة الاخيمنية مثل الاشكانية والساسانية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وصول الإسلام

المقال الرئيسي: الفتح الإسلامي لفارس

بدأ وصول الإسلام لفارس في أواخر خلافة أبي بكر الصديق بعد انتهاء حروب الردة. لكن معظم الفتح تم في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. وتم فتح الأقاليم المحيطة بفارس خلال عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان.

تعاقب على حكم بلاد الفرس خلال الحكم الإسلامي:

الغزو المغولي

يعد الغزو المغولي أحد أسوء العهود في تاريخ إيران. إذ قام المغول بقتل الملايين وتدمير الحضارة وترك الأمور فوضى. بين القرن الحادي عشر و القرن التاسع عشر حكمت ايران ما يقارب الخمس عشرة مملكة. وكان معظمها تقريبا ينحدر من اصول بدوية من اسيا الوسطى. واستعمل البدو القوة العسكرية لتوفير اسباب عيشهم عن طريق نهب الثروات التي تكدسها الحضارات المستقرة. أي أن كل احتلال يرافقه مصادرة كبيرة للارض و اعادة توزيعها في صالح نخبة حاكمة جديدة[2].

الدولة الشيعية الإيرانية

بقيت إيران تفتقد إلى حكومة مركزية موحدة منسجمة، إذ كانت تحكم حكومات إقليمية محلية نقاط مختلفة من البلاد حتى قيام الملكية الصفوية (1501) ثم تلته السلالة الملكية الأفشرية و بعدها الزندية فالقجارية، ولقد استمر هذا النوع من الحكم الإستبدادي سائدا في إيران، حتى إنقراض السلالة البهلوية التي تلت القاجارية والتي كانت آخر نظام ملكي امبراطوري في تاريخ إيران.

فارس تحت حكم الصفويين 1502-1576

إن بلاد فارس التي كانت قد نعمت بفترات كثيرة من الخصب الثقافي، كانت الآن تمر بحقبة أخرى من الحيوية السياسية والابداع الفني. وعندما أسس الشاه إسماعيل الأول الأسرة الصفوية (1502-1736) كانت فارس تعاني فوضى التمزق بين ملوك ضعاف، فكان العراق ويزد وسافان وفيروزكة ودياربكر وكاشان وخراسان وقندهار وبلخ وكرمان وأذربيجان، كلها ولايات مستقلة بعضها عن بعض. وفي حملات جبارة لا ترحم، غزا إسماعيل أمير أذربيجان معظم هذه الإمارات واستولى على هرة وبغداد، وجعل ثانية من تبريز عاصمة لمملكة قوية. ورحب الناس بهذه الأسرة من بني جلدتهم، تلك الأسرة التي تألق مجدها فيما أسبغت على البلاد من وحدة وقوة، وعبروا عما يختلج في نفوسهم ببعث جديد للفن الفارسي.

إن لارتقاء إسماعيل إلى الملك قصة لا تصدق، ذلك أنه كان في سن الثالثة عندما مات أبوه (1490)، وفي الثالثة عشرة شرع يكسب لنفسه عرشاً، وفي نفس السن لبس التاج وصار شاه فارس. ويصفه المعاصرون بأنه "شجاع مثل ديك المصارعة الصغير"، "نشيط رشيق مثل الأساطير" (من آلهة الغابات عند الإغريق له ذيل وأذنا فرس)، قوى عريض المنكبين، ذو شوارب رهيبة، وشعر أحمر براق. وكان يستخدم ببراعة سيفاً جباراً بيده اليسرى. وكان في الرمي بالقوس أوديسيوس آخر، يصيب بقوسه سبع تفاحات من عشر مرصوصة على صف واحد(2).ويروي أنه كان "أنيساً لطيفاً كالبنت"، ولكنه قتل أمه (أو زوجة أبيه)، كما أمر بإعدام 300 من المومسات في تبريز، وذبح الآلاف من الأعداء(3). وقال سائح هندي إنه كان محبوباً لدى الشعب حتى "نسى اسم الله"في فارس ولم يذكر إلا إسماعيل وحده(4).

وكمن سر نجاح إسماعيل في الدين والجرأة. وكان المذهب الشيعي هو السائد في فارس، أي "أشياع" علي، صهر محمد أو زوج ابنته، ولم يعترف الشيعة بخلفاء شرعيين غير علي وحلفائه الاثنى عشر وهم "الأئمة"، ولما كان الدين والحكومة غير منفصلين في الإسلام، فإن لمثل هذا الخليفة، طبقاً لهذه النظرية حقاً إلهياً في الجمع بين السلطتين الدينية والزمنية. وكما اعتقد المسيحيون أن المسيح سوف يعود ليؤسس مملكته على الأرض، كذلك اعتقد الشيعة أن الإمام الثاني عشر - محمد بن الحسن - لم يمت قط، وأنه سوف يظهر من جديد في يوم من الأيام ليقيم حكمه المبارك على الأرض. وكما أدان البروتستانت الكاثوليك بأنهم ارتضوا التقاليد جنباً إلى جنب مع الكتاب المقدس كدليل أو مرشد إلى العقيدة الصحيحة، كذلك اتهم الشيعة أهل السنة - وهم الغالبية الذين يعتنقون العقيدة الإسلامية الصحيحة، الذين وجدوا أن الطريق المستقيم ليس في القرآن وحده بل كذلك في كل ما أتى الرسول كما جاء في تقاليد أصحابه وأتباعه. وكما ترك البروتستانت الصلاة على القديسين وأغلقوا الأديرة، لم يشجع الشيعة التصوف وأغلقوا أروقة الدراويش، التي كانت مثل أديار أوربا في بدايتها، مراكز لكرم الضيافة والبر والإحسان. وكما أطلق البروتستانت على مذهبهم اسم "الدين الحق"، اتخذ الشيعة اسم "المؤمنين"(5) (المعتقدون الحقيقيون). ولا يؤاكل المتمسك بمذهبه سنياً أبداً، وإذا وقع ظل مسيحي على طعام شيعي وجب أن ينبذ الطعام على أنه دنس(6) .

وادعى إسماعيل أنه من نسل الإمام السابع "صفي الدين" (نقاء العقيدة)، وباسمه سميت الأسرة الجديدة. وأعلن إسماعيل أن المذهب الشيعي هو المذهب الوطني والرسمي لفارس، وأنه الراية المقدسة التي حارب في ظلها، ومن ثم وحد قومه في إخلاص يتسم بالتقي والورع ضد المسلمين السنيين الذين طوقوا فارس - الأوزبك والأفغان في الشرق، والعرب والأتراك والمصريين في الغرب. ونجحت خطته. وكان شعبه يعبده على أنه قديس (ولي من أولياء الله الصالحين)، وكان رعاياه يثقون في قوته الإلهية لحمايتهم، إلى حد أن بعضهم رفض أن يلبس الدرع في المعركة(7). وما أن إسماعيل بهذا السند الملتهب حماسة - وهو الشعب - حتى أحس أنه من القوة بحيث يستطيع أن يتحدى جيرانه. وكان الأوزبك الذين حكموا بلاد ما وراء النهر، قد بسطوا سلطانهم حتى خراسان، فانتزع منهم هراة وطردهم من فارس، ولما اطمأن إلى سلامته في الشرق ولى وجهه شطر الغرب ضد العثمانيين. واضطهد كل من الطرفين الآخر آنذاك بقوة مقدسة. وقيل في رواية غير موثوقة إن السلطان سليماً قتل أو سجن، قبل الذهاب إلى القتال (1514)، أربعين ألفاً من الشيعة في نطاق مملكته، وإن إسماعيل شنق بعض السنيين الذين كانوا يشكلون الغالبية في تبريز، وأمر الباقين بأن يرتلوا يومياً أدعية يلعنون فيها الخلفاء الثلاثة الأولين على اعتبار أنهم اغتصبوا حق علي في الخلافة. ومهما يكن من أمر، فإن الفرس وجدوا الشيعة في معركة جالديران عاجزين أمام مدفعية سليم العبوس وجنده الانكشارية. واستولى سلطان العثمانيين على تبريز، وأخضع شمالي أرض الجزيرة (1516)، ولكن جيوشه تمردت، فتقهقر وعاد إسماعيل إلى عاصمة ملكه تحف به كل عظمة ومجد يمكن أن يحاط بهما ملك عسكري. وانحط الأدب أثناء حكمه المضطرب القلق، ولكن الفن ازدهر تحت رعايته، فقد كان يرعى المصور بهزاد، وقدر أنه يساوي نصف فارس(8). ومات إسماعيل في سن الثامنة والثلاثين،بعد أن قضى في الحكم 24 عاماً. وخلف عرشه لابنه البالغ من العمر عشر سنوات 1524.

وكان الشاه طهماسب الأول ضعيف الإيمان جباناً، سوداوي المزاج كئيباً مترفاً منغمساً في اللذات، وقاضياً خشناً، يرعى الفنون ويمارسها، شيعياً تقياً، كما كان معبود شعبه، وربما تحلى ببعض فضائل أخفاها عن عيون التاريخ. إن التوكيد المستمر على الدين أربك الحكومة كما قواها، وذلك أنه من أجل الدين شنت الحرب اثنتي عشرة مرة، وظل العالم الإسلامي في الشرقين الأدنى والأوسط ممزقاً متنابذاً من 1508 إلى 1638، وأفاد العالم المسيحي من هذه الفرقة، حيث انقطع سليمان القانوني عن شن هجماته على الغرب، ووجه حملاته نحو فارس. وفي ذلك كتب سفير فرديناند في القسطنطينية يقول: "إن فارس هي التي تقف حائلاً بيننا وبين الدمار"(9). وفي 1533 قاد الوزير الأكبر إبراهيم باشا جيشاً تركياً نحو أذربيجان، واستولى في طريقه على الحصون الواحد تلو الآخر، بتقديم الرشوة إلى القواد الفرس، وأخيراً استولى على تبريز وبغداد دون أن يضرب ضربة واحدة (1534). وبعد أربع عشرة سنة، وفي أثناء هدنة مع فرديناند، قاد سليمان جيشاً آخر ضد "الرءوس الحمراء الوضيعة" (وهو الاسم الذي أطلقه الأتراك على الفرس)، وانتزع إحدى وثلاثين مدينة، ثم استأنف هجماته على العالم المسيحي. وفيما بين عامي 1525،1545، عاود شارل المفاوضة مع فارس المرة بعد المرة، بافتراض التنسيق بين المسيحيين والفرس للوقوف في وجه سليمان. وابتهج الغرب حين تولت فارس الهجوم وانتزعت أرضروم. ولكن سليمان عاد في 1554 واكتسح مساحات كبيرة من فارس، وأرغم طهماسب على عقد صلح بقيت مقتضاه بغداد والقسم الأدنى من أرض الجزيرة تحت حكم الأتراك.

وثمة شيء أكثر إمتاعاً من الصراعات الكئيبة تلك هي الرحلات الجريئة المغامرة التي قام بها أنطوني جنكنسون إلى بلاد ما وراء النهر وفارس، بحثاً عن طريق بري إلى الهند والصين، وكمان مسلك إيفان الرهيب في هذا الموضوع لطيفاً ودياً، فقد رحب بجنكنسون في موسكو، وبعث به سفيراً له لدى حكام الأوزبك في بخاري، ووافق على السماح بدخول البضائع الإنجليزية إلى روسيا معفاة من الرسوم الجمركية، ومرورها في نهر الفولجا عبر بحر قزوين، وكتبت للرحالة النجاة من عاصفة هوجاء في هذا البحر، واصل بعدها الرحلة إلى فارس ووصل إلى قوزين سنة 1516. وهناك سلم طهماسب رسائل التحية من ملكة بعيدة، بدا للفرس أنها سيدة قليلة الشأن تحكم قوماً من الهمج، وكان الفرس ميالين إلى عقد اتفاقية تجارية، ولكنهم عندما أعلن جنكنسون أنه مسيحي، أمروه بمغادرة البلاد، قائلين: "ليس بنا من حاجة إلى مصادقة الكفار". وبعد أن انصرف من حضرة الشاه، جاء أحد الخدم فغطى بالرمل المطهر آثار أقدام المسيحي التي دنست قصر الشيعة(10).

وبموت طهماسب (1576) انفضت أطول فترة حكم لأي حكم من الحكام المسلمين عدا واحداً. ولكنها فترة من أشد الفترات امتلاء بالنكبات. ولم يتميز هذا العهد بأية آداب يعتز بها الفرس في ذاكرتهم، إذا لم تستثن مذكرات بابر Babur الذي أبعد عن بلده. ولكن الفن على عهد الصفويين، ولو أنه سيبلغ ذروته متأخراً عنهم، بدأ في هذين العهدين (عهد إسماعيل وابنه) ينتج أعمالاً تتسم بالعظمة والتألق والنقاوة التي تميزت بها منتجات فارس الغنية لمدة اثنين وعشرين قرناً. وقد أبرزت مقبرة "هارون الولاية" في أصفهان كل ما أودع في الرسم الكلاسيكي الفارسي من دقة ورقة، وأزهى الألوان، وتقطيع الفسيفساء الخزفية المزخرفة. كما توج بوابة مسجد الجمعة الكبير نصف قبة معقدة. وأسس كذلك في هذا العصر في شيراز "مسجد جامع" آخر، ولكن الزمن لم يبق على شيء منه.

وثمة أمثلة كثيرة دلت على أن أشغال التذهيب الدقيقة والخط صمدت على تعاقب الزمن أكثر مما صمدت آثار العمارة، وبرزت العناية التي بذلها المسلمون في إخراج الكتاب (المخطوطات) حتى كادت تجعل منه معبوداً يحوطه الإجلال والحب. إن العرب الذين كانوا فخورين بكل شيء افتتنوا افتتاناً مستساغاً مغفوراً لهم بحروف الهجاء عندهم، تلك التي وهبت لهم من نفسها سطوراً من جمال حسي. فالفرس، فوق كل شيء جعلوا من الخط فناً لتزيين محاريب مساجدهم وأبوابهم، والمعادن التي يصنعون منها أسلحتهم، والفخار الذين يصنعون منه أعمال الخزف، ونسيج سجاجيدهم، ثم المصاحف ودواوين الشعراء، وكل أولئك تعتز به الأجيال على أنه متعة للعين وبهجة للنفس. أما خط "النستعليق Nastaliq، (أو الخط المائل) الذي كان قد ازدهر في عهد التيموريين في تبريز وهراة وسمرقند، فقد عاد إلى تبريز على عهد الصفويين، وذهب معهم إلى أصفهان. وكما ضم المسجد عديداً من الفنون بعضها إلى بعض، كذلك جمع الكتاب بين الشاعر والخطاط ورسام المنمنمات والمجلد (الذي يقوم بالتجليد) في تعاون يتسم بالتفاني والإخلاص والورع.

وظل فن التذهيب مزدهراً في بخاري وهراة وشيراز وتبريز. ويضم متحف الفنون الجميلة في بوسطن مخطوطة رائعة لشاهنامة الفردوسي، بإمضاء عراجي محمد القوام الشيرازي (1552)، وفي متحف كليفلند نسخة أخرى من عمل مشهدي الكاتب (1538)، ويضم متحف المتروبوليتان للفن نيويورك نموذجاً من أروع نماذج التذهيب والخط في تبريز، وهي صحيفة العنوان في مخطوطة "المنظومات الخمس" لنظامي (1525). وانتقل مركز التذهيب الإسلامي إلى تبريز حين اختارها بهزاد مقراً له (1510). وفي أثناء معركة جالديران خبأ الشاه إسماعيل الصفوي المصور بهزاد والخطاط محمود النيسابوري في كهف، بوصفهما أثمن ما يمكن أن يقتنى(11). ورسم أقاميرك، تلميذ بهزاد، في تبريز واحدة من أروع المنمنمات في هذا العصر، وهي صورة "تتويج خسرو وشيرين" (1539) وهي محفوظة الآن في المتحف البريطاني. وعلم ميرك بدوره الفن لتلميذه "سلطان نور الذي ولد في أسرة غنية، ولكنه تجاهل حقيقة أن لديه من الوسائل ما يستطيع معها أن يكون لاهياً تافهاً، فأصبح "اللؤلؤة التي لا تقدر بثمن" في بلاط شاه طهماسب لأنه فاق كل أهل زمانه في الخط والتذهيب، وفي تصميم أغلفة الكتب والسجاجيد، وفيما بين عامي 1539و1543 نسخ مخطوطة المنظومات الخمس لنظامي ووضحها بالرسوم، وثمة صفحة رائعة في المتحف البريطاني تمثل الملك خسرو ممتطياً صهوة جواد قرنفلي اللون، وهو ينعم النظر وسط نقوش النباتات والزهور ذوات اللون الأخضر والأسمر والذهبي، إلى شيرين وهي نصف عارية تستحم في بركة فضية. وثمة صورة أروع وأزهى ألواناً، للرسول وقد أسرى به في السموات السبع على حصانه المجنح "البراق" (ليزور الجنة والنار، هكذا في النص الإنجليزي) والأشكال عبارة عن جمال مجسم، ولكن المصور تعمد لأسباب دينية، ألا يكون بها تقاطيع مميزة فردية، فقد كان الفنان مهتماً بالزخرفة أكثر منه بالتشخيص، وبالجمال الذي يكون موضع التقدير والاحترام، وهو جمال يمكن الوصول إليه أحياناً إذا كان ذاتياً أو شخصياً، أيسر من الوصول إلى الحقيقة التي تفلت دائماً إذا كانت موضوعية. وقد بلغ التذهيب ذروته في هذه المنمنمات.

وحظيت المنسوجات والسجاجيد بمثل هذه العناية المحببة إلى النفس، ولم يبق شيء من منسوجات هذه العهود، ولكن المنمنمات تصورها. وتفوق مصممو السجاد وعماله المهرة في عهد الصفويين. وبدا أن السجاد عنصر أساسي في حضارة الإسلام. ولم يجلس المسلمون أو يأكلوا على الكراسي، ولكن على الأرض المفروشة بالسجاد. وهناك سجادة خاصة للصلاة عليها في العادة رموز دينية وآيات قرآنية، يسجد عليها المسلمون في صلواتهم. وكانت السجاجيد مفضلة كهدايا للأصدقاء أو الملوك أو المساجد، ولذلك أهدى شاه طهماسب عشرين سجادة كبيرة وكثيراً من السجاجيد الصغيرة من الحرير والذهب إلى السلطان سليم الثاني عند ارتقائه عرش آل عثمان 1566. وثمة معالم مميزة من التصميم حددت سجاد هذا العصر، وكأنها بستان، ففيها رسوم النباتات والأزهار، ومنظر الصيد والزهريات والرسوم المضلعة والمشجرة أو الرسوم النافرة أو البارزة، وحول هذه الأشكال الأساسية توجد الزخرفة العربية المتعرجة، مع أشرطة السحب المستمدة من الفن الصيني، ورموز ذات معان سرية لدى مبتكرها، وحيوانات تمثل نمط الحياة، ونباتات وزهور تعطي أريجاً ممثلاً في خيوط، وطابعاً بهيجاً، وسرى في هذا الكل المعقد منطق فني، أو تناغم طباقي في الخيوط أدق من موسيقى بالسترينا (ملحق موسيقى دينية في إيطاليا في القرن السادس عشر) وأجمل من شعر جوديفا.

ويعود تاريخ بعض القطع الباقية حتى الآن من السجاد الإيراني إلى هذا النصف الأول من القرن السادس عشر. وإحداها ذات رسوم بارزة، وبها ثلاثون مليون عقدة من الصوف على سداة من الحرير (380 عقدة في البوصة المربعة)، ظلت مفروشة لعدة قرون في أحد مساجد أردبيل، وهي الآن موزعة بين متحف فكتوريا وألبرت في لندن ومتحف لوس أنجلوس. وفي أحد أطرافها خرطوشة كتب عليها بيت من شعر حافظ، وتحته عبارة الفخر: "من صنع العبد.... مقصود الكاشاني في سنة 946 هجرية"، أي 1539م(12). كذلك يوجد في متحف لوس أنجلوس "ساط التتويج" الهائل الذي استخدم في تتويج إدوارد السابع 1901، وكان من بين أعظم النفائس في متحف بولدي بتزوللي في ميلان، قبل تدميره في الحرب العالمية الثانية، سجادة بها مناظر صيد من صنع غياث الدين جامي من مدينة يزد، وهو الذي يحتل في رسوم السجاد مكانة بهزاد في المنمنمات.

أما سجادة "دوق أنهالت" في مجموعة دوفين فقد حظيت بشهرة عالمية بأرضيتها الذهبية الصفراء: مع زخرفة عربية رائعة ذات الألوان القرمزي والوردي والأزرق الفيروزي. إن السجاد والكتاب من أعظم المميزات التي تميزت بها فارس على عهد الصفويين وهي مميزات لا يستطيع أن يتحداها أو يمارى فيها أحد، وهي تحتل في ذاكرة الجنس البشري مكانة رقيعة.

القرن الثامن عشر

ولو سئل رجل فارسي في هذه الحقبة لأعرب عن شعوره بالراحة شبيه بهذا عند عودته إلى وطنه بعد مقامه حقبة في الأقطار المسيحية أو حتى في أقطار العثمانيين المسلمين. فالفارسي المتعلم حتى سقوط الدولة الصفوية (1736) في أغلب الظن كان يضع المدنية الإيرانية في مرتبة أعلى من أي حضارة معاصرة، ربما باستثناء الصينية. وكان يستنكر النصرانية باعتبارها انتكاساً غلى الشرك الشائع بين العوام. ولعله كان يسلم بتفوق بلاد النصارى في العلوم والتجارة والحرب، ولكنه كان يؤثر الفنون على العلوم، والحرف اليديوة على الصناعة المميكنة.

كان القرن الثامن عشر قرناً أليماً على فارس. فأنى لإيران وقد غزاها الأفغانيون من الجنوب الشرقي، ولاحقتها غارات قناصة العبيد من الأزبك في الشمال الشرقي، وهاجمتها غارات السلب والنهب الروسية في الشمال، واجتاحتها المرة بعد المرة الجيوش التركية في الغرب، وأفقرها طغيان نادر شاه ملكها المحب للأبهة وتعسفه في جميع الضرائب، ومزق أوصالها الصراع الوحشي بين الأسر المتناحرة طمعاً في العرش الفارسي-نقول أني وكيف تستطيع إيران وقد ابتليت بهذا الاضطراب كله أو تواصل التقاليد العظمى للأدب والفن الفارسيين.

وكان البلد الذي نسميه الآن أفغانستان في القرن السادس عشر تتقاسمه ثلاث حكومات: كابول الخاضعة للحكم الهندي، وبلخ الخاضعة للأزبك، وهراة وقندهار الخاضعتان للفرس. وفي 1706-8 ثار أفغانيو قندهار بقيادة مير (أمير) فايز وطردوا الفرس. وغزا ابنه مير محمود فارس، وخلع الحاكم الصفوي حسيناً، ونصب نفسه شاهاً. وقد دعم الدين سلاحه، لأن الأفغانيين كانوا يتبعون المذهب السني، ويكفرون الفرس المتشيعين. وقتل محمود في سورة غضب ثلاثة آلاف من حرس حسين وثلاثمائة من أشراف الفرس، ونحو مائتي طفل اشتبه في أنهم استنكروا قتل آبائهم. وبعد راحة طويلة قتل محمود في يوم واحد (7 فبراير 1725) جميع الأحياء من أفراد الأسرة المالكة خلاً حسيناً واثنين من أبنائه الصغار. ثم التاث عقل محمود، فقتله وهو لا يزال في السابعة والعشرين ابن عمه أشرف (22 أبريل 1725) الذي نادى بنفسه شاهاً. وهكذا بدأ سفك الدماء الذي هد كيان فارس في ذلك القرن.

واستنجد طهماسب بن حسين بروسيا وتركيا، فاستجابت بالاتفاق على اقتسام فارس فيما بينهما (1725). ودخل جيش تركي فارس واستول على همدان وقزوين والمراغة، ولكن هزمه أشرف قرب كرمانشاه. وكان الجنود الأتراك يفتقرون إلى الحماسة، فقد تساءلوا أي سبب يدعوهم لمقاتلة الأفغانيين، وهم أخوة لهم سنيون على شاكلتهم، ليردوا الصفويين الشيعيين الزنادقة إلى الحكم. وتصالح الأتراك مع أشرف ولكنهم احتفظوا بالأقاليم التي فتحوها (1727).

وبدا أن أشرف قد غدا الآن في أمان، ولكن ما مضي عليه عام حتى تحدى سلطانه المغصوب الدخيل ظهور رجل فارسي مغمور انقض على العدو في بضع سنين، فحقق انتصارات من أروع وأفظع ما سجله تاريخ الحروب قاطبة. وقد ولد هذا المقاتل واسمه نادر قيلي (أي عبد الله) في خيمة بشمال شرقي إيران (1686) وكان يعين أباه على رعي ما يملكان من قطعان الغنم والماعز، ولم يتح له من التعليم غير ما لقنته الحياة الشاقة المحفوفة بالمخاطر. فلما بلغ الثامنة عشرة وخلف أباه كبيراً لأسرته اختطفه هو وأمه المغيرون الأزبك وحملوهما إلى خيوة حيث باعوهما عبيداً. وماتت الأم في ذل السر، ولكن نادراً هرب وأصبح زعيماً لعصابة لصوص، واستولى على كالات ونيشابور ومشهد، وأعلن ولاءه وولاء هذه المدن للشاه طهماسب، وتعهد بطرد الأفغانيين من فارس ورد عرش فارس إلى طهماسب. وقد أنجز هذا كله في حملات متلاحقة (1729-30) ورد طهماسب إلى عرشه، فعين نادراً سلطاناً على خراسان وسيستان وكرمان ومازندران.

وما لبث القائد المظفر أن شرع في استرداد الأقاليم التي استولت عليها تركيا. فاستطاع بهزيمة الترك هزيمة فاصلة في همدان (1731) أن يخضع العراق وأزربيجان لحكم الفرس. ثم نمى إليه نبأ تمرد في خراسان، فرفع الحصار عن أروان وزحف ألفاً وأربعمائة ميل عبر العراق وإيران ليحاصر هراة، وهو زحف يتضاءل بالقياس إليه الزاحف الشهير الذي عبر فيه فردريك الأكبر ألمانيا مراراً في حرب السنين السبع. ونزل طهماسب بشخصه أثناء ذلك إلى ساحة القتال ضد الترك فخسر كل ما كسبه نادر، ونزل عن جورجيا وأرمينيا لتركيا نظير تعهد الترك بمساعدته ضد روسيا (1732). فأسرع نادر قافلاً من الشرق وأنهى المعاهدة، وخلع طهماسب وسجنه، وأجلس على العرش غلاماً لطهماسب لم يجاوز عمره ستة أشهر باسم الشاه عباس الثالث، ونادى بنفسه وصياً على الصبي، وأرسل إلى تركيا إعلاناً بالحرب.

ثم زحف على الترك بجيش عدته ثمانون ألف مقاتل جندهم بالإقناع أو بالإرهاب. وعلى مقربة من سامراء التقى بجيش عرمرم من الترك يقودهم توبال عثمان من محفته لبتر ساقيه. وأطلقت النار مرتين على جوادي نادر أسفله، وفر حامل علمه ظناً منه أنه قتل، وانقلبت عليه فرقة عربية كان يعتمد على معونتها، وهكذا كانت هزيمة الفرس هزيمة نكراء ماحقة (18 يوليو 1733). ولكنه لملم فلول جيشه في همدان، وجند آلافاً جدداً، وسلحهم وأطعمهم، ثم كر على الترك وبطش بهم في ليلان في مذبحة رهيبة لقي فيها توبال عثمان حتفه. ثم اندلعت ثورة أخرى في جنوب غربي فارس، فشق نادر طريقه من الغرب إلى الشرق، وهزم الزعيم المتمرد فانتحر. وفي عودته عبر فارس والعراق، التقى بثمانين ألف تركي في بغاوند (1735)، وهزمهم هزيمة نكراء أكرهت تركيا على إبرام صلح نزلت بمقتضاه لفارس عن تفليس وجوندة وأروان.

لم ينس نادر أن بطرس الأكبر هاجم فارس في 1722-23، واستولى على أقاليم جيلان وأستراباد ومازندران على بحر قزوين، وعلى مدينتي دربند وباكو. وكانت روسيا قد ردت الأقاليم الثلاثة لفارس (1732) لانشغالها في جهات أخرى. فهدد نادر الآن (1735) بالتحالفمع تركيا ضد روسيا إن لم تنسحب من دربند وباكو. وعليه سلمت إليه المدينتان، ودخل نادر أصفهان دخول الفاتح الظافر الذي أعاد بناء قوة فارس. فلما مات الصبي عباس الثالث (1736) مختتماً بموت ملك الصفويين، جمع نادر بين الواقع والمظهر، وارتقى العرش باسم نادر شاه.

وكان يؤمن بأن الخلافات الدينية بين تركيا وفارس تعمل على نشوب الحروب المتكررة، لذلك أعلن أن فارس ستتخلى منذ الآن عن بدعة التشيع وترتضي السنية مذهباً لها. فلما أدان زعيم الشيعة هذه الخطوة شنقه نادر بكل هدوء مستطاع. ثم صادر أوقاف قزوين الدينية ليفي بنفقات جيشه لأن فارس على حد قوله مدينة لجيشها أكثر مما هي مدينة لدينها(22). ثم إذ شعر بالحنين إلى الحرب، فأشرك معه في الملك ابنه رضا قلي، ثم قاد جيشاً من 100.000 مقاتل ليفتح به أفغانستان والهند.

وضرب الحصار عاملاً كاملاً حول قندهار. فلما استسلمت له (1738) كان كريماً رحيماً مع المدافعين عنها، حتى أن جيشاً من الأفغانيين انضوى تحت لوائه وظل وفياً له إلى يوم مماته. ثم زحف على كابول مفتاح ممر خيبر، وهناك أعانته الغنائم التي ظفر بها على رفع الروح المعنوية في جيشه. وكان محمد شاه، إمبراطور الهند المغولي، يأبى أن يصدق إمكان الغزو الفرس للهند، وكان أحد ولاته قد قتل مبعوث نادر إليه، فعبر نادر جبال الهملايا، واستولى على بشاور، وعبر السند، وزحف على دلهي حتى لم يعد بينه وبينها سوى ستين ميلاً قبل أن يهب جيشه محمد لمقاومته والتقى الجيشان الهائلان على بطاح كرنال (1739)، واعتمد الهنود على فيلتهم، أما الفرس فقد هاجموا هذه الحيوانات الصبورة بكرات النار، فانقلبت الفيلة هاربة وأشاعت الفوضى في جيش الهنود، وقتل منهم عشرة آلاف، وأسر عدد زاد على القتلى، ويروي نادر أن محمد شاه جاءه يلتمس الرأفة "أمام حضرتنا السماوية". (23) وفرض عليه القائد المنتصر تسليم دلهي وكل ثروتها القابلة للنقل تقريباً، والتي تقدر بـ 87.500.000 جنيه، بما فيها عرش الطاووس الأشهر، الذي كان قد صنع (1628-35) لشاه جيهان في أوج سطوة المغول. وقتل بعض جنود نادر في شغب أحدثه الأهالي، فانتقم بالسماح بجيشه بذبح 100.000 من الوطنيين في سبع ساعات. واعتذر عن هذه الفعلة بتزويج ابنه نصر الله من ابنة محمد. ثم زحف قافلاً إلى فارس لا يعوقه عائق بعد أن أثبت أنه أعظم الفاتحين قاطبة منذ تيمور لنك.

وكان قدره المقدور أنه لو سرح جيشه فربما يعيث فساداً في الأرض ويشق عليه عصا الطاعة، ولو أبقى عليه جيشاً عاملاً فلزام عليه أن يكسوه ويطعمه، وكانت النتيجة التي خلص إليها أن الحرب أرخص له من السلم إذ استطاع خوضها على ساحة غريبة. فمن ترى يكون هدفه الآن؟ وتذكر غارات الأزبك على شمال شرقي فارس، وكيف باعوه عبداً، وكيف ماتت أمه في رقها. وإذن ففي 1740 قاد جيشه زاحفاً على أزبكستان، ولم يكن لأمير بخاري لا القوة ولا الميل للوقوف في وجه نادر، ومن ثم فقد أذعن، وأدى تعويضاً ضخماً، ووافق أن يكون نهر سيحون كما كان في القدم الحد بين أزبكستان وفارس. وكان أخاه خيوه قد أعدم مبعوث نادر، فقتل نادر هذا الخان، وأطلق سراح آلاف من العبيد الفرس والروس (1740).

كان نادر بكل شخصيته مقاتلاً استغرقت الحرب عقله كله، فلم يعد فيه ذرة من الرغببة في الحكم والإدارة. وبات السلام عنده عبئاً ثقيلاً لا يطيقه. وجعلته الغنائم والأسلاب إنساناً جشعاً بخيلاً بدلاً من أن يكون جواداً كريماً. فحين ملأت خزائنه كنوز الهند أعلن تأجيل دفع الضرائب في فارس ثلاث سنين، ثم عدل عن رأيه وأمر بجمع الأموال كما كانت تجمع من قبل، وأفقر جباته فارس كما لو كانت بلداً مغلوباً. ثم خامرته الظنون بأن ابنه يتآمر على خلعه، فأمر بأن تفقأ عيناه. وقال له ابنه رضا قلي "إنك تفقأ عيني بل عيني فارس"(24). وبدأ الفرس يمقتون منقذهم كما تعلم الروس من قبلهم أن يمقتوا بطرس الأكبر. وأثار الزعماء الدينيون عليه بغض أمة طعنت في إيمانها الديني. فحاول أن يخمد التمرد المتعاظم بإعدام المتمردين بالجملة، حتى لقد بنى أهراماً من جماجم ضحاياه. وفي 20 يونيو 1747 اقتحم خيمته أربعة رجال من حرسه وهجموا عليه، فقتل اثنين منهم، ولكن الآخرين صرعاه. وتنفست فارس كلها الصعداء.

وهوت من بعد البلاد إلى درك من الفوضى أسوأ مما تردت فيه أيام سيطرة الأفغانيين. فطالب نفر من خانات الأقاليم بالعرش، وتلا ذلك مباراة في التقتيل والاغتيال. وقنع أحمد خان بتأسيس مملكة أفغانستان الحديثة. أما شاه رخ-الرجل الوسيم اللطيف الرحيم-فقد سملت عيناه بعد اعتلائه العرش بقليل، فتقهقر ليحكم خراسان حتى 1796. وخرج كريم خان منتصراً من الصراع، وأسس الأسرة الزندية (1750) التي احتفظت بسلطانها حتى 1794. واختار كريم شيراز عاصمة لملكه، وزينها بالمباني الجميلة، وساد جنوبي فارس تسعة وعشرين عاماً من نظام وسلام لا بأس بهما. فلما مات جعل التطاحن على السلطة يتخذ من جديد صورة الحرب الأهلية، وعادت الفوضى تضرب أطنابها من جديد.

اختتمت فارس آخر مراحلها الفنية العظمى بسقوط الدولة الصفوية على يد الأفغانيين، فلم تجملها بعد ذلك غير بعض الآثار الفنية الصغيرة. وقد وصف اللورد كرزن مدرسة الشاه حسين (1714) بأصفهان-وكانت كلية لتدريب الدارسين والمحامين-بأنها "من أفخم الأطلال في فارس"(25). وتعجب السيربرسي سايكس من "قرميدها البديع... ورسومها المخرقة الجميلة"(26). وكان صناع القرميد لا يزالون أمهر صناعه في العالم بأسره، بيد أن افتقار الطبقات العليا نتيجة للحروب الطويلة قضى على سوق المهارة والتفوق وأكره الخزافين على الهبوط بفنهم إلى مستوى الصناعة. وصنعت أغلفة الكتب الفاخرة من الورق المعجن المصقول. وأنتج النساجون أقمشة مقصبة ومطرزة غاية في الرهافة. وظلت السجاجيد الفارسية تنسج للمحظوظين من شعوب كثيرة رغم أنها شهدت آخر أمجادها في عهد الشاه عباس الأول. وفي يوشاجان، وهراة، وكرمان، وشيراز على الأخص، كان النساجون ينتجون سجاجيد "لا يقلل من روعتها في عين الناظر إلا مقارنتها بأسلافها الكلاسيكية"(27).

أما الشعر الفارسي فقد حطم الفتح الأفغاني قلبه، وتركه أخرس أو كالأخرس طوال حقبة العبودية التالية لهذا الفتح. وحوالي 1750 صنف لطف على بك أدار-قاموساً بسير الشعراء الفرس، اختتم بستين من معاصريه. ومع هذه الوفرة الظاهرة فإنه آسف على ما رآه مجاعة في الكتاب المجيدين في عصره، وعزا ذلك إلى الفوضى والفقر السائدين، "واللذين استشريا بحيث لم يعد لإنسان رغبة في قراءة الشعر فضلاً عن قرضه"(28). ونسوق هنا تجربة نموذجية للشيخ علي حزين اللاهيجي، الذي نظم أربعة دواوين من الشعر، ولكنه أمسك في حصار الأفغانيين لأصفهان، ومات كل أهل بيته في الحصار، وظل هو على قيد الحياة، ثم أفاق من محنته، وهرب من أنقاض المدينة التي كانت رائعة الجمال يوماً ما، وأنفق الأعوام الثلاثة والثلاثين الباقية من أجله في الهند. وقد خلد في "مذكراته" (1742) ذكرى مائة شاعر فارسي في جيله، وأعظمهم في رأيه سيد أحمد هاتف الأصفهاني، ولعل أكثر قصائده ظفراً بالثناء تلك التي أكد فيها بوجد المتصوفة إيمانه بالله رغم الشك والدمار:

"في الكنيسة قلت لفاتنة نصرانية،
يا من يقع القلب في فخك أسيراً،
أنت التي يتعلق كل طرف شعرة من شعري بسدي منطقتك!
إلى متى تضلين الطريق إلى وحدانية الله؟
إلى متى تفرضين على الإله الواحد عار التثليث؟
كيف يتأتى أن تدعي الإله الحق الواحد أباً وابنا وروح القدس؟
فافتر ثغرها الجميل وقالت لي والضحك الحلو يتدفق منها:
إن كنت تعرف سر الإله الواحد فلا ترمني بسبة الكفر!
في ثلاث مرايا يشرق الجمال الأبدي بشعاع من وجهه الساطع.
وبينما نحن في حديثنا هذا انبعثت هذه الأنشودة بجوارنا من جرس الكنيسة:
"إنه إله واحد ولا إله سواه؟
"لا إله إلا الله وحده...
في قلب كل ذرة تشقينها ترين شمساً في الوسط.
إن أنت بذلت لله كل ما تملكين، فلا حسب كافراً
إن أصابك مثقال ذرة من الخسران...
سوف تعبرين الصراط الضيق وتبصرين الملكوت الرحب،
ملكوت الإله الذي لا يحده مكان.. ..
وسوف تسمعين ما لم تسمعه أذن، وترين ما لم تره عين،
حتى يأتوا بك إلى مكان لا تبصرين فيه من الدنيا وأهلها غير واحد أحد
إلى هذا الواحد ستبذلين الحب من قلبك وروحك،
حتى ترى بعين اليقين في جلاء لا خفاء فيه.
إنه إله واحد ولا إله سواه،
لا إله إلا الله وحده"(29).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

القرنان 19 و 20

التغيرات الإقليمية في إيران في القرنين 19 و 20.


المصادر

ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.