پول فريدمان

پول فريدمان Paul Friedmann (ولد ح. 1840[1] - 9 مارس 1909[2])، هو رجل بر ألماني، وُلد في برلين في منتصف القرن العشرين. وفريدمان هو پروتستانتي ألماني ينحدر من أسرة يهودية ألمانية، ويمثل تطوراً هاماً وخطيراً في تاريخ الفكر الصهيوني من حيث ارتباط المذهب الپروتستانتي المسيحي بالفكر الصهيوني وتأييده لفكرة إحياء أرض الميعاد. لـُقـِّب "ملك مدين Der König von Midian".[3][4]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

وُلِد پول ابناً لإدوارد ومالڤينه فريدمان،[2] الپروتستانتيين من أصل يهودي، وعلى صلة بعائلة موسى مندلسون. لشعوره بالأسى على مصير اليهود الروس بعد حملات الاضطهاد أعوام 1882-1890، قام فريدمان عام 1890 بزيارة أرض مدين شمال غرب شبه الجزيرة العربية وأسس مستعمرة لليهود هناك.


مستوطنة أرض مدين

عام 1891 كانت أرض مدين، شرق مدينة العقبة تحت السيادة المصرية، روج پول فريدمان لمشروع إقامة مستوطنة لتوطين اليهود الروس، المجريين، رومانيين في مدينة مدين. اتصل فريدمان بسلطات الاحتلال الإنگليزي وأبلغتهم نيته الهجرة على ساحل خليج العقبة، فلم تمانع السلطات، فعاد إلى المنطقة عام 1891، وسهل له الإنگليزي ادخال مدافع وذخائر ومتطوعين هربوا إلى المجر والنمسا.[5] على يخته البخاري (إسرائيل)، الذي بني في گلاسگو، إسكتلندا، أبحر فريدمان إلى كراكوڤ لاختيار المهاجرين الأول. منهم 24 مهاجر، تحت قيادة فريدمان، بارون فون سيباخ، العقيد ثايله، ومعهم طبيباً، كيميائياً، وبناء، و50 جندي[6]، وصلوا السويس في منتصف نوفمبر، 1891، على متن اليخت "إسرائيل"، ثم توجهوا إلى شرمة (شرم الموزة) في سيناء بالقرب من طور سيناء، وأقاموا معسكراً بنية عبور خليج العقبة للتوجه إلى مدين، حيث اشتروا أرضاً في ناحية المويلح[7]، ومن هناك بدأ فريدمان يدرب المهاجرين اليهود على الفنون الحربية. لكن المشروع فشل بعد أقل من شهرين، بعد تمرد كثير من أتباعه، بسبب صرامة النظام الذي فرضه عليهم، وجرى طرد المتمردين من المستوطنة، فتاهوا في الصحراء ولقى بعضهم حتفه، واضطر للجلاء عن المنطقة، بعد أن فشل في تأسيس مستعمرته، نتيجة للخلافات بين الدولة العثمانية ومصر، حيث كان الجنود العثمانيين يعسكرون على مقربة من المستوطنة الجديدة. ومن أسباب فشل المستعمرة أيضاً الخلافات الداخلية التي دبت بين زعماء المستوطنة، الذين كانوا جميعهم مسيحيين ويهود.

أهدر فريدمان في هذا المشروع 170.000 مارك، ورفع دعوى قضائية يطالب فيها الحكومة المصرية بدفع 25.000 جنيه إسترليني. كذلك، فتح القنصل الروسي في القاهرة التحقيقات، ونشرت الصحف المصرية مقالات شديدة اللهجة عن الخطر الصهيوني القادم من أوروپا. نشر فريدمان على نفقته الخاصة كتاب عن المستعمرة، باسم أرض مدين Das Land Madian (برلين، 1891).

أطلق فريدمان على مشروعه اسم "أرض مدين"، احياءاً للمصطلح التاريخي الذي ورد في العهد القديم عن "أرض مدين" التي فر إليها النبي موسى. كان مشروع أرض مدين تهميداً لمقترح آخر سبق طرحه عن إنشاء قناة جديدة تربط بين البحر الأبيض والأحمر، وتكون بديلة عن قناة السويس. بل وكما يقول فريدمان نفسه ستضرب هذه القناة البديلة قناة السويس، التي كان قد تم إنشاؤها سابقا، في مقتل.[8]

وتطرح هذه الفكرة تصوراً بإنشاء قناة بين حيفا على البحر المتوسط والعقبة على خليج العقبة وصولاً إلى البحر الأحمر، ووفقا لرؤية فريدمان فإن هذه القناة البديلة ستحرم مصر من هذا الممر الاستراتيجي "قناة السويس"، وستُضعِّف من الاقتصاد المصري، كما ستقلل بشكل كبير من أهمية وضع مصر في الإستراتيجية الدولية. وسيكون كل ذلك في صالح إحياء مشروع أرض الميعاد، فقد كان بول فريدمان يعتقد أن مصر القوية ربما تكون هي العائق الحقيقي أمام قيام إسرائيل الكبرى.

الرد العثماني

خلفية

كانت ضمن الأراضي التي أسندت إدارتها إلى ولاية مصر بحدودها القديمة - كما سبق الإشارة إليها بعض المراكز على الساحل الشرقي لخليج العقبة وهي الوجه وضبا والمويلح والعقبة بهدف تأمين طريق الحج البري بين مصر والحجاز.

وبعد افتتاح قناة السويس في 1869، أهمل الطريق البري، ونشط الطريق البحري، ولكن ظلت تلك المراكز في حوزة الادارة المصرية حتى 1892، وحيث التواجد المصري من خلال نقاط الحراسة، والمخافر لحراسة وتأمين الطريق، وقبلت الدولة العثمانية بالأمر الواقع رغم فرمان 1841 ولم تقدم احتجاجاً أو رافضاً أو فرماناً بتخلي مصر عن هذه المراكز، حتى نشبت أول أزمة بشأن شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة.[9]

تهيأت أحد أسباب أزمة فرمان 1892، ومنحتها فرصة استعادة واسترجاع تلك المراكز الحيوية على ساحل البحر الأحمر من مصر وضمها إلى ولاية الحجاز. بدأت أزمة فرمان 1892 من محاولات صهيونية مبكرة 1890 في شرق خليج العقبة على مقربة من فلسطين. زار مصر عام 1890 رجل يدعى بول فريدمان الذي اتصل باللورد كرومر وسلطات الاحتلال البريطاني في مصر وأبلغهم نيته في استعمار بعض الأراضي في جزيرة العرب، لم تكترث سلطات الاحتلال، ورجال الحكومة المصرية بالمسألة كثيراً، وبالتالي لم يمانعوا أو يمنعوا الرجل من طلبه. وفي أواخر عام 1890 عاد الرجل ويرافقه نحو ثلاثين عائلة من اليهود المهاجرين، وفي بعض المراجع عشرون، واشترى أرضاً في جهة المويلح على ساحل البحر الاحمر وعلى مقربة من خليج العقبة.

كانت محاولة صهيونية مبكرة للاستيطان، وكانت محاولة يائسة وقد فشلت لعدة أسباب منها أن هذا الجماعة الإسرائيلية لم تحسن معاملة الأهالي، إضافة إلى تشكك الأهالي في نية هؤلاء الأوروبين الأغراب تجاه أراضيهم، وقد سبق في عام 1882 أن انقضو على بعث بالمر الذي اتجه نحو سيناء وتوغل بها مما أثار شك وحفيظة الأهالي، فقد كانوا جواسيس أثناء الثورة العرابية، ومن ثم قتلوا أعضاء البعثة. ولاشك في أن هناك تشابهاً شديداً في سلوك ورد فعل البدو بين أهل شبه جزيرة سيناء وبين أهل الحجاز، حيث يرفضون الغربي، ويغارون على بلادهم. والأمر الثاني أن الدولة العثمانية تحظر بيع الأراضي للأجانب في شبه جزيرة العرب. أثار هذا الأمر الحكومة العثمانية على مستويين أولاً من والي الحجاز الذي أصدر أمره لأحد الضباط مع عدد من الجنود العثمانيين ليتولوا حراسة قلعة المويلح وما يليها من مراكز، حيث هي أراضي حجازية وليست مصرية، بل هي من أملاك الدولة العلية. وفي تلك الأثناء توجه بعض الجنود المصريين تحت قيادة ضابط إنجليزي بهدف طلب إخلاء الجنود العثمانيين؛ لأن تلك المراكز هي أراضي في عهدة الحكومة الصمرية. والمستوى الثاني في محادثات فض أزمة فريدمان، كانت بين الغازي مختار باشا والحكومة المصرية، وبين رستم باشا السفير العثماني بلندن - واللورد سالسبري. وانتهت تلك المحاولة اليائسة بالفشل، وأخفق مشروعه الوهمي بتأسيس مملكة إسرائيلية في أرض إسرائيل الأولى.

اتلك ارهاصات فكرية، ومحاولة استيطان مبكرة، لم يكتب لها النجاح، ولكناه تركت صداها على المحاولات المتكررة لاستيطان سيناء أو فلسطين في المستقبل، وقد تواءمت المطامع الاستعمارية في سيناء مع المطامع الصهيونية.

يتضح من هذه الحركة الإسرائيلية المبكرة أنها تهدف إلى التسلل إلى فلسطين لتحقيق حلمهم في فلسطين. فهل كان اختيار فريدمان وجماعته للمويلح هو الاستيلاء واستعمار مراكز حيوية على ساحل البحر الأحمر لاحياء مملكة سليمان القديمة، أم محاولة الاستيطان للمقايضة على فلسطين - الحلم النهائي - أم لسهولة الوثوب منها إلى فلسطين والتوسع في اتجاه شبه جزيرة سيناء؟

نبهت تلك المحاولات المبكرة للاستيطان الدولة العثمانية إلى ضرورة عدة أمور منها:

1- خطر اليهود وهدفهم النهائي هو تشكيل حكومة يهودية في فلسطين.

2- اعادة رسم خط الحدود الشرقية لمصر.

أدرك السلطان عبد الحميد خطر اليهود، حيث أن قبولهم أو قبول التسلل إلى الممالك العثمانية سيؤدي في المستقبل إلى تشكيل حكومة يهودية. ورفض فكرة قبول هؤلاء اليهود واعطائهم حقوق المواطنة، لأنها تؤدي إلى اثارة مسألة يهودية تطرح على الساحة الدولية. كان السلطان عبد الحميد بحسه السياسي والديني يدرك خطورة تسلل اليهود إلى أي من الممالك العثمانية لأن:

1- الممالك الشاهانية ليست أراضي خالية أو متروكة.

2- سيلحق اليهود الضرر بأهل البلاد كما فعلوا في البلاد التي طردوا منها.

3- سيتحول الأمر إلى مسألة يهودية تحظى بدعم أوروبي.

أصدر السلطان عبد الحميد (1876-1909) ثلاثة فرمانات متتالية عام 1891 لكي يمنع استيطان اليهود، ويمنع تسللهم إلى فلسطين خشية اقامة حكومة، وبذلك يتضح موقف السلطان عبد الحميد من دراسة وتحليل الفرمانات الثلاثة. الفرمان الأول، في 28 يونيو 1891، والثاني في 6 يوليو 1891 والثالث في 7 يوليو 1891.

المراجع

المصادر

  1. ^ أ ب William D. Rubinstein. The Palgrave Dictionary of Anglo-Jewish History. Palgrave Macmillan. p. 672.
  2. ^ أ ب "Paul Friedmann". geni.com. 2012-08-24.
  3. ^ ARNO WIDMANN (2014-08-10). "Der Judenstaat des Paul Friedmann". Frankfurter Rundschau.
  4. ^ Julius H. Schoeps (2014). er König von Midian. Paul Friedmann und sein Traum von einem Judenstaat auf der arabischen Halbinsel. Koehler & Amelang. p. 224.
  5. ^ "سيناء‏..‏ من هرتزل إلي شارون ومن بعده الخطر علي مرمي حجر". جريدة الأهرام المسائي. 2013-05-03. Retrieved 2013-05-03.
  6. ^ "اليهود والبحر الأحمر". مجلس الألوكة. 2009-10-11. Retrieved 2013-05-03.
  7. ^ "سيناء والخطر الصهيونى". جريدة المصريون. 2013-03-31. Retrieved 2013-05-03.
  8. ^ "سيناء البوابة الشرقية.. الجغرافيا والتاريخ والهوية (3)". جريدة الشروق. 2010-10-21. Retrieved 2013-05-03.
  9. ^ ألفت أحمد الخشاب (2008). تاريخ تطور حدود مصر الشرقية. دار الشروق.