مدرسة البندقية (فن)

Titian, Salome with the Head of John the Baptist c. 1515; this religious work also functions as an idealized portrait of a beauty, a Venetian genre developed by Titian, supposedly often using Venetian courtesans as models.

رسم البندقية كان قوة يـُعتَد بها في رسم النهضة الإيطالية وما بعدها. Beginning with the work of Giovanni Bellini (c. 1430–1516) and his brother Gentile Bellini (c. 1429–1507) and their workshops, the major artists of the Venetian school included Giorgione (c. 1477–1510), Titian (c. 1489–1576), Tintoretto (1518–1594), Paolo Veronese (1528–1588) and Jacopo Bassano (1510–1592) and his sons. Considered to give primacy to colour over line,[1] the tradition of the Venetian school contrasted with the Mannerism prevalent in the rest of Italy. The Venetian style exerted great influence upon the subsequent development of Western painting.[2]

By chance, the main phases of Venetian painting fit rather neatly into the centuries. The glories of the 16th century were followed by a great fall-off in the 17th, but an unexpected revival in the 18th,[3] when Venetian painters enjoyed great success around Europe, as Baroque painting turned to Rococo. This had ended completely by the extinction of the Republic of Venice in 1797 and since then, though much painted by others, Venice has not had a continuing style or tradition of its own.[4]

Though a long decline in the political and economic power of the Republic began before 1500, Venice at that date remained "the richest, most powerful, and most populous Italian city"[5] and controlled significant territories on the mainland, known as the terraferma, which included several small cities who contributed artists to the Venetian school, in particular Padua, Brescia and Verona. The Republic's territories also included Istria, Dalmatia and the islands now off the Croatian coast, who also contributed. Indeed, "the major Venetian painters of the sixteenth century were rarely natives of the city" itself,[6] and some mostly worked in the Republic's other territories, or further afield.[7]

The rest of Italy tended to ignore or underestimate Venetian painting; Giorgio Vasari's neglect of the school in the first edition of his Lives of the Most Excellent Painters, Sculptors, and Architects in 1550 was so conspicuous that he realized he needed to visit Venice for extra material in his second edition of 1568.[8] In contrast, foreigners, for whom Venice was often the first major Italian city visited, always had a great appreciation for it and, after Venice itself, the best collections are now in the large European museums rather than other Italian cities. At the top, princely, level, Venetian artists tended to be the most sought-after for commissions abroad, from Titian onwards, and in the 18th century most of the best painters spent significant periods abroad, generally with great success.[9]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

1- العمارة والنحت =

الطابع الحسي هو أساس فن البندقية لا تستثنى من ذلك عمارتها نفسها، فقد كان في كثير من كنائس البندقية وقصورها، وبعض مباني الأعمال منها، فسيفساء ومظلمات على واجهاتها. وكانت واجهة كنيسة القديس مرقس تتلألأ بالذهب والزينة التي وضعت فيها وضعاً يكاد يكون خبط عشواء؛ وكان يأتي إليها في كل عشر سنين أو نحوها مغانم جديدة وأشكال جديدة حتى أضحى وجه المزار العظيم خليطاً من العمارة، والنحت، والفسيفساء، يطغي فيه الزخرف على البناء، وتُنْسِي فيه الأجزاء الوحدةَ والكلَّ. وإذا شاء الإنسان أن ينظر إلى تلك الواجهة بشيء أحب من الدهشة، وجب عليه أن يقف على بعد 576 قدماً منها عند الطرف الأقصى لساحة القديس مرقس Piazza San Marco؛ فعلى هذا البعد تمتزج أمام عينيه مجموعة المداخل الرومانسية، والمنحنيات المحدبة القوطية، والعمد الرومانية القديمة، والأسيجة التي من طراز عهد النهضة، والقباب البيزنطية، تمتزج هذه كلها في صورة خيالية عجيبة أشبه بحلم علاء الدين السحري. ولم تكن الساحة وقتئذ رحبة فخمة كما هي الآن؛ فقد ظلت حتى القرن الخامس عشر غير مرصوفة، وكان جزء منها تشغله الأشجار والكروم، وجزء منها فناء لقطاع الأحجار وجزء آخر مرحاضاً. ثم رصفت بالآجر في عام 1495؛ وفي عام 1500 صب ألسندور ليوباردي لصواري الأعلام الثلاثة قواعد لم تفقها قط أية صواري أنشئت بعد ذلك الوقت، ثم أقام فيها بارتلميوبون الأصغر Bartolommeo Buon the Younger برج الجرس الفخم. (وقد سقط هذا البرج في عام 1902 ولكنه أعيد بناؤه بالتصميم عينه). ولا يضارعه في إدخال السرور على النفس مكتباً وكيلي كنيسة القديس مرقس - مكتب وكالة فيتشيو ومكتب الوكالة الجديدة (nuovo) - الذين شيدا بين عامي 1517 و 1640 عند طرفي الميدان في الجنوب والشمال بواجهتهما الضخمتين اللتين تبعثان الملل والسأم.

وقامت بين كنيسة القديس مرقس والقناة الكبرى تاج العمائر المدنية في البندقية ونعني بها قصر الدوج. وقد أدخل عليه في تلك الفترة كثير من التجديد حتى لم يبق من شكله الأول إلا النزر اليسير. من ذلك أن بيترو باسيجيو Pietro Baseggio أعاد بين عامي 1309 و 1340 بناء الجناح الجنوبي المواجه للقناة؛ وأن جيوفني بون وابنه بارتلميوبون الأكبر شادا جناحاً جديداً (1424 - 1438) في ناحية الغربية أي الجانب المقابل للساحة الصغرى، ثم أقاماً ((باب الورق)) Porta della Carta القوطي (1438 - 1443) في الركن الجنوبي الغربي. وتعد هاتان الواجهتان الجنوبية والغربية، بما فيهما من البواكي والشرفات الرشيقة من أجمل ما خلفه عصر النهضة؛ وتنتمي معظم التماثيل والصور المنحوتة على الواجهات، وكذلك النقوش الفخمة المنحوتة على تيجان العمد إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر؛ ويظن رسكن Ruskin أن أحد هذه التيجان - وهو القائم تحت صورتي أدم وحواء - أجمل التيجان في أوربا كلها. وأقام بارتلميوبون الأصغر وأنطونيو رتسو داخل الفناء عقداً مزخرفاً سمي باسم فرانتشيسكو فسكاري يجمع بين ثلاثة بأنماط من العمارة ألف بينها ائتلافاً غير متوقع: جمع بين عمد النهضة وأسكفاتها، والعقود الرومانسية، والأبراج المستدقة القوطية وقد وضع رتسو Rizzo في كوتي العقد تمثالين عجيبين: تمثالا لآدم يؤكد برائته، وتمثالاً لحواء وهي تظهر دهشتها من العقاب الذي يفرض من أجل المعرفة. وقد صمم رتسو واجهة الفناء الشرقية وأتمها بيترو لمباردو. وهي قران مبهج بين العقود المستديرة والمستدقة ذات شرفات وطنوف. وكان رتسو نفسه هو الذي صمم بناء سُلَّم الجبابرة Scala de Giganti المؤدي من الفناء إلى الطابق الأول - وهو بناء بسيط، فخم اشتق اسمه من التمثالين الضخمين الممثلين للمريخ ونبتون اللذين أقامهما ياقوبو سانوفينو Jacopo Sanovino عند أول الدرج رمزاً لسيادة البندقة على البر والبحر. وكان في الداخل حجرات للسجن الانفرادي، ومكاتب للأعمال الإدارية، وحجرات استقبال، وقاعات كبيرة لاجتماع المجلس الأكبر، ومجلس الشيوخ، ومجلس العشرة. وكان عدد كبير من هذه الحجرات الجدارية في تاريخ الفن.

وبينما كانت الجمهورية تفخر بهذه الدرة المعمارية، كان كبار الأغنياء من النبلاء .. مثل آل جوستنياني، وكنتاريني، وجرتي، وبرباري، الكبرى بقصورهم. وليس لنا أن نتصور هذه القصور بحالها المنحطة الحاضرة، بل علينا أن نتصورها بما كانت عليه من العز أثناء القرنين الخامس عشر والسادس عشر، بواجهاتها المبنية بالرخام الأبيض والرخام السماقي، والسربنتين، ونوافذها القوطية، وعمدها التي من طراز النهضة، وأبوابها المطلة على الماء، وأفنيتها المختبئة المزدانة بالتماثيل، والفساقي، والحدائق، والمظلمات، والقوارير، وما في داخلها من أرض صنعت من الرخام، ومن مدافيء فخمة، وأثاث مطعم مرصع، وزجاج من صنع مورانو Murano، والظل، والسجف المصنوعة من نسيج الذهب أو الفضة، والماثلات البرنزية المذهبة، أو المشغولة بالميناء، أو من المعدن المنقوش، واللوحات المنقوشة الغائرة في السقف، والرسوم الجدارية التي صورها رجال طبقت شهرتهم الخافقين. من ذلك أن قصر فسكاري قد زين برسوم ملونة من صنع جيان بليني، وتيشيان، وتنتوريتو، وباريس بردوني Paris Bordone، وفيرونيز. وربما كان في هذه الحجرات من الفخامة أكثر ما فيها من أسباب الراحة، فأظهر الكراسي مستقيمة أكثر مما ينبغي، والنوافذ تسبب بوضعها تيارات الهواء، وما بها من وسائل التدفئة لا يدفئ جانبي الحجرة أو جانبي الإنسان في وقت واحد. ولكن في البندقية قصور أنفق على الواحد منها مائتا ألف دوقة، وسن قانون في عام 1476 أريد به تحديد نفقاتها بمائة وخمسين دوقة للحجرة الواحدة، ولكننا نسمع بعدئذ عن حجرات أنفق على تشييدها وتأثيثها ألفا دوقة. وأكبر الظن أن أعظم هذه القصور زينة كان هو بيت الذهب Ca,dOro الذي سمي بهذا الاسم لأن صاحبه مارينو كنتاريني Marino Contarini أمر بأن يغطى كل إصبع من واجهته الرخامية أو ما يقرب منه بالنقوش التي كان معظمها مطلياً بالذهب. ولا تزال شرفاته وزخارفه القوطية الطراز تجعل هذه الواجهة أجمل الواجهات المطلة على الفناء.

وبينا كان هؤلاء الرجال واسعوا الثراء يجملون بيوتهم ويؤثثونها بأفخم الأثاث، فأنهم لم يكونوا يضنون ببعض المال لتشييد الكنائس الفخمة التي كانوا يلجئون إليها بأرواحهم في بعض الأحيان. ومن عجب أن كنيسة القديس مرقس لم تكن قبل عام 1807 كنيسة البندقية الكبرى، بل كانت من الوجهة الرسمية الكنيسة الخاصة بالدوج ومزار قديس المدينة المشفع فيها، فكانت والحالة هذه ملكاً لدين الدولة إذ صح هذه التعبير. وكان كرسي الأسقفية ملحقاً بكنيسة أصغر منها هي كنيسة سان بيترو دي كاستيلو San Pietro di Castello القائمة في الركن الشمالي الشرقي من المدينة. وكان مركز الرهبان الدمنيك في هذا الجزء القاصي نفسه، في كنيسة سان جيوفني إي باولو San Giovanni e Paolo، وهناك وجد جنتيل وجيوفيني بليني راحتهما الأبدية. وكان أهم من هذه الكنيسة من الوجهة التاريخية كنيسة الرهبان الفرنسيس - كنيسة سانتا ماريا جلوريوزا دي فراري Santa Mario Gloriosa di Frari، (1310 - 1343) المعروفة باسم الموجز المحبب إي فراري I Frari أي ((الإخوان Friars)). ولم يكن منظر الكنيسة من الخارج ذا روعة وبهاء، ولكن شهرتها من الداخل أخذت تزداد على مر الأيام لأنها صارت قبراً يضم رفات عظام البنادقة - فرانتشيسكو فسكاري، وتيشيان، وكانوفا Canova - ومعرضاً للفنون. وفيها صمم أنطونيو رزو نصباً تذكارياً فخماً للدوج نقولو ترون Niccolo؛ وفيها وضع جيان بليني صورته الشهيرة فراري مادنا Frari modonna. ووضع تيشيان مادنا سليلة أسرة بيزارو؛ وأهم من هذه كلها تقوم صورة صعود العذراء لتيشيان في جلال وروعة خلف المذبح. وكانت تحف فنية أقل من هذه شأناً تزين المزارات الأقل من تلك الكنائس قدراً: فكانت كنيسة القديس زكريا تطالع المصلين فيها بصور سيدات مُلهمات من تصوير جيوفني بليني وبالما فتشيو؛ وكنيسة سانتا ماريا دل أورتو تطالعهم بصورة مخاض العذراء لتنتوريتو وبعظام تنتوريتو نفسه. وتلقت سان سبستيانو رفات فيرونيز وعدداً من أجمل صوره، ورسم تيشيان لكنيسة سان سلفادور صورة البشارة في الحادية والتسعين من عمره.

وكانت أسرة فذة من المهندسين والمثالين دائبة العمل في تشييد كنائس البندقية وقصورها. فقد جاء آل لمباردي إلى البندقية من شمالي إيطاليا الغربي ومن أجل هذا لقبوا بلقبهم الذي عرفوا به، ولكن اسمهم الحقيقي كان آل سولاري Solari، وكان منهم كرستوفورو سولاري الذي نحت تمثالي لدوفيكو وبيتريس، وأخوة أندريا المصور، وكان كلاهما يعمل في البندقية وميلان معاً. وكان منهم بيترو لمباردو الذ خلف أثره في نحو عشرين بناء في البندقية، وكان هو وولداه أنطونيو وتليو الذين خططا كنيستي جيبي San Giobbe وسانتا ماريا دي ميراكولي Santa Maria de'Mircoli - التي ينفر منها ذوقنا في هذه الأيام، كما خططا فبري بيترو موسينيجو، وقبر نقولو مارسلو في سانتى جيوفني إباولو، وقبر الأسقف دسانتي Zanetti في كتدرائية تريفيزو، وقبر دانتي في رافنا، وقصر فيندرامين كاليجري vendramin - Caiegri الذي مات فيه الموسيقي فاجنر، وكانوا في هذه المشروعات كلها هم أصحاب تصميمات البناء والتماثيل جميعاً. وقد قام بيترو نفسه بأعمال كثيرة بين البناء والتماثيل في قصر الدوج. وأنشأ تليو وأنطونيو يعاونهما ألسندرو ليوباردي قبر أندريا فندارمين في سانتى جيوفني إباولو - وهي أعظم أعمال النحت في البندقية لا يستثنى من ذلك إلا تمثال الكيلوني Colleoni (الفارس) الذي أقامه فيروتشيو وليوباردى مرقس Scuolia di San Marco مدخلا فخماً وواجهة غريبة الشكل، وأشترك في آخر الأمر فنان يدعى سانتى لمباردو في بناء مقر اخوة سان ركو Scuola di San Rocco، التي اشتهرت بست وخمسين صورة من رسم تنتوريتو. ويرجع إلى أعمال هذه الأسرة معظم الفضل في انتشار طراز النهضة من العمد وطيلاتها، والقواصر المزخرفة. وتغلبها على العقود والأبراج المستدقة القوطية والقباب البيزنطية. غير أن عمارة فن النهضة التي كانت لا تزال مزعزعة من أثر النفوذ الشرقي، وقد أسرفت في الزخارف إسرافاً أدى إلى طمس خطوطها ومعالمها، وكان في حاجة إلى جو روما وإلى التقاليد الرومانية القديمة لتكسب الطراز الجديد صورته المحددة المتنافقة.


2- آل بيليني

كان التصوير هو السبب الثاني من أسباب مجد البندقية الفني بعد كنيسة القديس مرقس وقصر الدوج؛ وقد اجتمعت عوامل كثيرة فجعلت المصورين موضع الرعاية الخاصة في مدينة البندقية. فقد كان على الكنيسة هنا، كما كان عليها في المدن الأخرى، أن يقص قصة المسيحية على شعبها الذي لم يكن يعرف القراءة منه إلا عدد قليل، وكانت من أجل ذلك في حاجة إلى الصور والتماثيل لتستبقي بها أثر الكلام السريع الزوال فكان لابد والحالة هذه أن يكون لكل جيل، وأن يكون في كثير من الكنائس والأديرة، صورة للبشارة، والولادة، والعبادة، وزيارة العذراء لإليصابات، والمخاض، ومذبحة الأبرياء ، والفرار إلى مصر، والتجلي، والعشاء الأخير، والصلب، والدفن، والبعث، وصعود المسيح إلى السماء، وصعود العذراء، والاستشهاد. وكانت الصور التي يمكن انتزاعها من مواضعها ونقلها إذا تقادم عهدها وحالت ألوانها، أو مل المصلون رؤيتها، تباع للمولعين بجمعها أو للمتاحف. وكانت من آن إلى آن ويعاد تلوينها أو إصلاحها في بعض الأحيان، ولو أن مصوريها بعثوا إلى الحياة اليوم لمل استطاعوا أن يتعرفوا عليها. ولا حاجة إلى القول إن هذا لا ينطبق على الصور الجذابة، فقد كانت هذه في العادة تتلف وهي على جدرانها. وكان مصيرها هذا يتقي أحياناً بتصويرها على القماش الخشن ثم يلصق هذا القماش بعدئذ على الجدار، كما حدث في قاعة المجلس الأكبر. وكانت الدولة تناقش الكنيسة في البندقية في حبها للصور الجدارية، لأن في وسع هذه الصورة أن تذكى نار الوطنية والعزة القومية حين يحتفل بعظمة الحكومة ومواكبها، وانتصارها، في ميدان التجارة أو الحرب. وكانت الجماعات المختلفة تطلب هي الأخرى صوراً جدارية، وأعلاماً لتخليد ذكرى قديسيها المشفعين أو لمواكبها السنوية. وكان الأغنياء يطلبون صوراً للمناظر الخارجية الجميلة، أو مناظر العشق داخل البيوت، ترسم لهم على جدران القصور، وكانوا يجلسون أمام المصورين ليرسموا لهم صوراً يخدعون بها ساعة من الزمان سخريات مجدهم السريع الزوال. وكان مجلس السيادة يطلب صورة لكل دوج يتولى الحكم، وحتى النواب القائمون بالعمل في كنيسة القديس مرقس عملوا على حفظ ملامحهم للخلف الذي لا يعنى بهم. ولهذا كله كانت البندقية هي المدينة التي انتشرت فيها الصور الملونة الثابتة وذات الحوامل أوسع انتشار.

وظل التصوير الملون يتقدم بخطى بطيئة في البندقية حتى منتصف القرن الخامس عشر، ثم ما لبث أن ازدهر ازدهاراً مفاجئاً، وتلألأ تلألؤاً منقطع النظير، وتفتح كما تتفتح الزهرة حين تستقبل شمس الصباح الساطعة، وذلك لأن البنادقة وجدوا فيه وسيلة لنقل الألوان والحياة التي تعلموا الافتتان بها، وربما كان بعض هذا الولع بالألوان قد جاء إلى البندقية من بلاد الشرق مع التجار الذين استوردوا من البضائع، ونقلوا عنهم ذكريات للقرميد البراق، والقباب المذهبة، وعرضوا في أسواق البندقية، أو كنائسها، أو بيوتها، حرير الشرق وطيلسانه، ومخمله، وديباجة، وأقمشته المنسوجة من خيوط الذهب والفضة، والحق أن البندقية لم تقرر في يوم من الأيام أهي دولة غربية أم شرقية، فقد كان الشرق والغرب يجتمعان في سوق المال، وكان في وسع عطيل ودزدمونا أن يتزوجا، وإذا لم تستطع البندقية أن تأخذ اللون من الشرق ولم يستطع مصوروها أن يأخذوه منه فقد كان من المستطاع أخذه من سماء المدينة، وحسبهم أن يراقبوا تعاقب الأضواء والغيوم تعاقباً لا ينقطع على مر الأيام، وبهاء مغرب الشمس حين ترسل أشعتها الذهبية على أبراج الجسور والقصور، أو تنعكس على مياه النهر. وكانت انتصارات جيوش البندقية وأساطيلها في تتلك الأيام، وانتعاشها ببسالة من خطر الخراب المحدق بها، مما أثار خيال أنصار الفن والمصورين وكبرياءهم، فخلدوا ذلك في الفن، وأدرن ذوو الثراء إن المال لا قيمة له إلا إذا استطاعوا أن يحولوه إلى صلاح، أو جمال، أو حق.

وأضيف إلى هذه الحوافز حافز آخر خارجي عمل على قيام مدرسة بندقية للتصوير. وتفصيل ذلك أن جنتلي فبريانو Gentile Fabriano أستدعى إلى البندقية في عام 1409 ليزين القاعة الكبرى في المجلس الكبير، وجاء أنطونيو بيرانو المسمى بيزانيلو من فيرونا ليشترك معه في هذا العمل. ولسنا نعرف إلى أي حد أجادا عملهما، ولكنهما في أغلب الظن أثارا رغبة مصوري البندقية في أن يستبدلوا بالأشكال الدينية الجامدة القائمة المأخوذة من التقاليد البيزنطية، وبالأشكال الحائلة اللون العديمة الحياة المأخوذة من مدرسة جيتو ومن على شاكلته - أن يستبدلوا بهذه وتلك الخطوط الرفيعة والألوان الزاهية. ولعل بعض التأثيرات الصغرى قد هبطت عليها أيضاً من فوق الألب مع جيوفني الألماني Giovanni d'Alamagna (المتوفى عام 450)، ولكن أن جيوفني قد كبر في مورانو والبندقية وتعلم فيهما فنه، وقد صور هو وصهره أنطونيو فيفاريني Antonio Vivarini ستاراً لمحراب كنيسة القديس زكريا بدت في صوره تلك الرشاقة والرقة اللتان جعلتا أعمال بليني فيما بعد وحيا أوحى إلى البندقية.

وجاء أكبر المؤثرات إليها من صقلية أو الفلاندرز، وكان ممن جاء على أيديهم أنطونيلو دا مسينا Antonello d Messina. نشأ أنطونيلو نشأة رجال الأعمال، ولعله لم يكن في شبابه يظن أن اسمه سيخلد في تاريخ الفن قروناً طوالاً. وشاهد وهو في نابلي (إذا صدقنا قصة فارساي التي ربما كانت من نسج الخيال) صورة زيتية بعث بها إلى الملك ألفنسو جماعة من التجار الفلورنسيين من بروج. وكان المصورون الإيطاليون من عهد سيمابو Cimabue (من حوالي 1240 إلى حوالي عام 1302) الذين يصورون على الخشب أو القماش الخشن يعتمدون على الألوان الزلالية - فيمزجون الألوان بمادة هلامية. وهذه الألوان تترك سطح الصورة خشناً، ولم يكن مزيجاً صالحاً للظلال المتدرجة الدقيقة، وكانت تنتزع إلى التشقق والانطفاء حتى قبل موت الفنان. ولكن أنطونيلو أدرك فائدة خلط المادة الملونة بالزيت إذ وجدها أسهل مزجاً، وأيسر استعمالاً وتنظيفاً، وألمع صقلاً، وأطول بقاء. ثم سافر الرجل إلى بروج حيث درس صناعة التصوير بالزيت على المصورين الفلمنكيين الذين كانوا ينعمون وقتئذ بمجد بيرغندية. ولما له فرصة للذهاب إلى البندقية أحب المدينة - وكان هو نفسه ((زير نساء عاكفاً على اللذات))(25) - حباً حمله على أن يقضي فيها بقية حياته. وترك الأعمال المالية ووجه جهوده كلها نحو التصوير. فرسم لكنيسة سان كسيانو San Cassiano بالزيت شعاراً للمذبح أصبح فيما نموذجاً لمائة صورة من نوعه: نرى فيها العذراء متربعة على عرشها بين أربعة من القديسين، وتحت قدميها الملائكة الموسيقيون، وقد لونت أثواب الديباج والأطلس بالألوان البندقية الكاملة. وكان يشارك أنطونيو في عمله بالأسلوب الجديد غيره من الفنانين، وهكذا بدا عصر التصوير العظيم في البندقية. وجاءه كثير من النبلاء ليصورهم، ولا يزال لدينا حتى اليوم عدد من هذه الصور: صورة الشاعر الخشنة القوية في بافيا، وصورة المحارب المغامر في اللوفر، وصورة رجل بدين مستهزئ في مجموعة جنسن بفلدلفيا، وصورة شاب في نيويورك، وصورة المصور نفسه في لندن. ولما بلغ أنطونيو ذروة نجاحه انتابه المرض، وأصيب بالتهاب البلورة، ومات في سن التاسعة والأربعين، ودفنه فنانو البندقية في موكب فخم، واعترفوا بفضله عليهم في قبرية كريمة قالوا فيها:

في هذه الأرض يثوي أنطونيو المصور، أعظم من تزدان به مسنا وصقلية جميعها، ولم تقتصر شهرته على صوره التي امتازت بالحذق والجمال، بل امتاز فضلا عن هذا لأنه خلع على التصوير الإيطالي هالة من المجد والخلود بتحمسه العظيم له وبجهوده التي لا تعرف الملل، وبمزجه الألوان بالزيت(39).

وكان من بين تلاميذ جنيتلي دافيريانو في البندقية ياقوبو بليني الذي أنشأ أسرة قصيرة الأجل ولكنها عظيمة الشأن في فن النهضة. وشرع ياقوبو بعد أن قضى عهد التلمذة يعمل في فيرونا، وفيرارا، وبدوا. وفي هذه المدينة الخيرة تزوجت ابنته بأندريا مانتينيا وفيها وقع ياقوبو تحت نفوذ اسكوراتشيوني بتأثير أندريا هذا وبغير تأثيره، فلما عاد إلى البندقية جاء إليها معه بمسحة من فن بدوا وصدى من فلورنس إذا أجيز لنا أن نستخدم هذه الكناية بعد أساليب أنطونيلو في استخدام الزيت، انتقلت إلى أبناء ياقوبو الذين ينافسون في عبقريتهم جنتيلي وجيوفيني بليني.

وكان جنتيلي في الثالثة والعشرين من عمره حين انتقلت أسرته إلى بدوا (1452) وفيها أحس إحساساً قوياً بتأثير صهره مانتينا، فحين أخذ ينقش مصراعي الأرغن لكتدرائية بدوا حاكى بعناية مفرطة الصور الجامدة وأساليب القرب والبروز في التصوير التي شاهدها في مظلمات إرمتاني. أما في البندقية فقد ظهرت في صورته التي رسمها لسان لورندسو جوستنياني رقة جديدة لم تعهد من قبل. وفيها عهد إليه مجلس السيادة عام 1474 والى جيوفني أخيه غير الشقيق أن يصوروا أو يعيدا تصوير أربع عشرة لوحة في قاعة المجلس الأكبر. وكانت هذه الصور المرسومة على القماش الخشن من أوائل الصور التي رسمت بالزيت في البندقية(30)، ولكن النار حرقتها في عام 1577. غير أن ما بقى من رسومها التخطيطية يدل على أن جنتيلي قد استخدم فيها طرازه القصصي الذي يمتاز به، والذي يصور فيه حادثة كبرى في الوسط والى جانبها نحو عشر حوادث أقل منها شأناً. وقد شاهد فارساي هذه الصور، ودهش من واقعيتها، وتنوعها، وتعقدها(31).

ولما بعث السلطان محمد الثاني إلى المجلس الأعلى في طلب مصور ماهر، اختير له جنتيلي فسافر إلى القسطنطينية وزين حجرات السلطان (1474) وأنعش روحه بصور غرامية، ورسم له صورة (توجد الآن في لندن) وصورة على مدلاة (بسطن) تدل كلتاهما على شخصية قوية صورتها يد صناع، ومات السلطان في عام 1481 وكان خليفته أكثر استمساكاً منه بقواعد الدين يطيع ما جرى عليه المسلمون من تحريم تصوير الآدميين، فبعثر كل ما وجده من هذه الصور ما عدا هاتين الصورتين اللتين صورهما جنيتلي في العاصمة التركية. وجر النسيان ذيوله على غيرهما من الصور. وكان من حسن حظ جنتيلي أنه عاد إلى البندقية في عام 1480 مثقلاً بالهدايا والنياشين من السلطان الشيخ، وعاد فانضم إلى جيوفني في قصر الدوج، وأتم ما تعاقد عليه مع المجلس الأعلى، وكافأه المجلس على عمله بأن رتب له معاشاً قدره مائتا دوقة كل عام.

وكانت أعظم صور له هي التي رسمها في شيخوخته. وكان في حوزة نقابة القديس يوحنا الإنجيلي الصليب الحقيقي الذي يعتقد انه يأتي بالمعجزات، فطلبت إلى جنتيلي أن يوضح في ثلاث صور شفاء أحد المرضى بقوة هذا الصليب، وموكباً فيه الجسد الطاهر يحمله، والعثور على الجزء المفقود بمعجزة. فأما اللوحة الأولى فقد عدا الدهر عليها فأفقدها بهائها ورونقها، وأما الثانية التي رسمها جنتيلي في سن السبعين فهي منظر متلألئ كبير من العظماء، والمرنمين، وحملة الشموع يسيرون حول ميدان القديس مرقس، الذي يرى في خلفية الصورة، ولم يكن منظره في ذلك الوقت يختلف كثيراً عما هو عليه اليوم. وأما الصورة الثالثة التي رسمها جنتيلي في الرابعة والسبعين فقد رسم هذا الصليب المقدس وقد سقط في قناة سان لورندسو وازدحم الناس في الطرق الجانبية والجسور وقد استولى عليهم الفزع، وخر الكثيرون منهم ركعاً ضارعين، ولكن أندرو فندرامين يقفز في الماء، ويستعيد الأثر المقدس، ثم يطفو وهو معه، ويتحرك في مهابة غير متصنعة نحو الشاطئ. وقد رسم كل شخص على هذا القماش المزدحم بإخلاص واقعي، ونرى الفنان مرة أخرى يبتهج إذ يحيط الحادثة الرئيسية فيها بالحوادث التي تسترعي الالتفات: بقارب يتسلل من حوضه في الوقت الذي يرقب فيه ملاح الجندول استعادة الأثر المقدس، والمغربي الأسود العريان وقد وقف متأهباً لأن يغطس في الماء. ورسم جنتيلي آخر صورة عظيمة له (بريرا Bera) وهو في السادسة والسبعين من عمره، وقد رسمها إخوان لجماعة القديس مرقس ينتمي اليها، ومثل فيها الرسول يعظ في الإسكندرية. وهي كالعادة صورة مزدحمة، لأن جنتيلي كان يفضل تصوير الإنسانية جملة لا تفصيلاً، ومات الرجل في الثامنة والسبعين (1507) وترك الصورة ليكملها أخوه جيان. ولم يكن جيوفيني بليني (جيان بليني، أو جيامبيليني Giambellini) أصغر من جنتيلي إلا بعامين ولكنه عاش بعده تسع سنين. وقد طاف في عمره المديد البالغ ستة وثمانين عاماً بجميع نواحي فنه فحاول وأتقن عدداً كبيراً من الصور المختلفة وسما بالتصوير البندقي إلى ذروة مجده. وقد استوعب وهو في بدوا تعاليم منتينيا الفنية دون أن يقلد طريقته أو طرازه في نحت التماثيل، ولما كان في البندقية سار بنجاح لم يسبق له مثيل على الطريقة الجديدة في خلط المادة الملونة بالزيت. وكان أول من كشف من البنادقة عن عظمة الألوان ومجدها، وبلغ في الوقت عينه درجة من الرشاقة والدقة في رسم الخطوط، وفي رقة الإحساس، وعمق التفسير، رفعته حتى في حياة أخيه إلى منزلة أعظم المصورين في البندقية وأكثر من يسعى إليه منهم.

ويلوح أن رجال الكنائس، ونقابات الحرف، وأنصار الفن لم يكونوا يملون من صور العذراء التي كان يخرجها لهم. وقد ترك من ورائه صوراً لها في مائة شكل وشكل في أكثر من عشرة بلاد.

وفي المجمع العلمي البندقي وحده مجموعة كبيرة من هذه الصور: صورة العذراء مع الطفل النائم، والعذراء مع امرأتين مقدستين، والعذراء مع بمبينو، وعذراء ألبرتيني، وعذراء القديس بولس والقديس جورج، والعذراء على العرس ... وخير هذه المجموعة كلها على الإطلاق عذراء القديس أيوب، ويقولون إن هذه الصورة الخيرة هي أولى الصور التي رسمها جيوفيني بالزيت، وهي أبهى الصور ألواناً في البندقية - أي في العالم أجمع. وفي متحف كرير Correr الصغير القائم في الطرف الغربي من ميدان القديس مرقس صورة أخرى للعذراء من رسم جيامبلينو حنونة، حزينة، جميلة، وفي كنيسة القديس زكريا صورة لعذراء أيوب تختلف عن مثيلتها السالفة الذكر، وفي كنيسة فراري Frari صورة العذراء على عرشها، وهي صورة جامدة بعض الشيء قاسية بعض القسوة، يحف بها قديسون مكتئبون، ولكنها تسترعي النظر بأثوابها القيمة الزرقاء. وفي وسع الجائل الطلعة أن يكشف عن كثير غير هذه من عذارى جيان في فيرونا، وبرجامو، وميلان، وروما، وباريس، ولندن، ونيويورك، وواشنجتن. ترى ماذا عسى يقال أكثر من هذا بالتصوير الملون، عن السيدة مريم بعد هذه الصور الممثلة للإخلاص والتعبد؟ إن في وسع بروجينو ورفائيل أن يضارعا هذه الصور في كثرتها، ولقد استطاع نيشيان فيما بعد أن يجد ما يقوله عنها في كنيسة فيراري نفسها.

ولم يوفق جيوفني هذا التوفيق كله فيما رسمه من الصور للمسيح نفسه، فصور بركة المسيح المحفوظة في متحف اللوفر لا تعلو على المرتبة الوسطى، ولكن صورة الحديث المقدس القريبة منها ذات جمال يثير الدهشة. وقد لاقت صورة الأتقياء في البرايرا بميلان ثناء جماً(32)، ولكنها تمثل مجموعة من ذوى الوجوه المنفرة، يمسكون بالمسيح الميت الذي يبدو أنه لا يطلب لراحته الجسمية الكاملة إلا أن يتخلص من ذلك الإسراف في الاهتمام به، وهذه الصورة الخشنة الفجة التي تمثل دفن المسيح - والتي لا يعرف تاريخها - من الصور التي رسمها بليني في شبابه على طراز منتينيا. وأجمل من هذه وأجلب للسرور صورة القديس جستينا وهي إحدى الصور في مجموعة خاصة بميلان. وهي أيضاً صورة تحكم فيها العرف ولكنها رقيقة المعارف، تنخفض جفونها في حياء، عليها ثياب رائعة، مما جعلها من أكثر جهود جيان نجاحاً. ويبدو أنها كانت لسيدة من الأحياء، ولقد برع جيان وقتئذ في تصوير وجوه الأحياء ونفوسهم براعة جعلت الكثيرين من أنصار الفن يرجون أن يشاركوه في خلود ذكراه. أنظر مرة أخرى إلى صورة الدوج لوردانو. لقد استطاع بليني بعمق فهمه، ونفاذ بصره، ومهارة يده، أن يستوعب قوة الرجل الصافية، الغير مترددة التي أمكنته من أن يقود شعبه إلى النصر في حرب حياة أو موت ضد هجمات الدول الكبرى في إيطاليا وفي أوربا شمالي جبال الألب جميعها إلا القليل منها، ثم هاهو ذا جيوفني ينافس ليوناردو الذي كان وقتئذ يطغي عليه في مهارته وشهرته، فيحاول أن يرسم مناظر طبيعية مختلفة غريبة كتلك المجموعة المختلطة من الصخور، والجبال، والقلاع، والضأن، والماء، والأشجار المنشقة، والسماء الغائمة التي يواجهها القديس فرنسيس في هدوء (في مجموعة فرك Frich) حين يكوى بالنار.

ولما بلغ الفنان سن الشيخوخة مل تكرار الموضوعات المقدسة المعتادة وأخذ يجرب الموضوعات الرمزية وموضوعات الأساطير القديمة، فجسد المعرفة، والسعادة، والصدق، والنميمة، والمطهر، والكنيسة نفسها، أو حولها إلى قصص، وحاول أن يبعث الحياة بالمناظر الطبيعية المغرية الفاتنة، ومن صوره اثنتان معلقتان في معرض الصور القومي بواشنجتن هما صورة اورفيوس بسحر الوحوش وصورة عبد الأرباب- وهما مجموعة من النساء العاريات النهود، والرجال نصف العرايا نصف السكارى. وتاريخ الصورة هو 1514، وقد صورت إجابة لطلب ألفنسو دوق فيرارا حينما كان الفنان في الرابعة والثمانين من عمره. وهي تذكرنا مرة أخرى بمفخرة ألفيري Alfieri وهي أن نماء الآدميين في إيطاليا أشد وأقوى من نمائهم في أي مكان آخر على وجه الأرض.

ولم يعش جيوفني إلا عاماً واحداً بعد أن ودع بهذه الصورة عهد الشباب؛ وقد عاش حياته كاملة سعيدة سعادة معقولة: لقد كان موكباً مدهشاً من روائع الفن، ومجموعة بديعة من الألوان النقية على الأثواب الملساء، وكان ارتقاء لا حد له من الرشاقة، والتركيب، والحيوية عن الحياة آل جيولسكي Giolleschi والمعجبين بفنون بيزنطية، وكان فيها من قوة الإدراك والانفرادية ما لا يرى قط الأشكال المجدبة والخليط الذي لا يستطاع تمييزه في صورة جنتيلي. كانت توسطاً مثمراً في الزمن والطراز بين منتينيا الذي لم يعرف غير الرومان، وتيشيان الذي كان يحس بكل ناحية من نواحي الحياة من فلورا Flora إلى شارل الخامس ويصورها. وكان من تلاميذ جيان جيورجيوني Giorgione الذي تلقى عنه ذلك التقليد العظيم. فقد كان للفن البندقي جيلاً في أثر جيل يجمع معارفه، وينوع تجاربه، ويعد العدة لذروة مجده.


3- من آل بيليني إلى جيورجيوني

وكان نجاح آل بيليني سبباً في نشر فن التصوير في البندقية، وكان فن الفسيفساء قبل عهدهم صاحب الشأن الأعلى فيها، فتضاعف عدد المراسم، وسخا أنصار الفن على المصورين، وزاد عدد هؤلاء، ولم يبلغون ما بلغه آل بيليني أو جورجيوني؛ ولكنهم لو شأوا وسط جماعات أقل من هؤلاء شأناً لكانوا من ألمع النجوم في هذا الفن. وقد بلغ من جمال الصور التي رسمها فنتشندسو كاتبنا أن كان بعض صوره يعزى إلى بيليني أو جيورجيوني. واستجاب بارتولميو الأخ الأصغر لأنطونيو فيفاريني إلى مطالب المتحفظين فاستخدم في موضوعات العصور الوسطى أساليب اسكوارتشيوني والألوان القوية التي عرف المصورون كيف يخلطونها وينقلونها. ولاح وقتاً ما أن ألفيزي فيفاريني Alvise Vivarini تلميذ بارتولميو وابن أخيه سوف ينافس جيان بيليني في رسم صورة جميلة للعذراء، وقد رسم بالفعل ستاراً لمحراب عليه صور العذراء مع القديسين انتقل من إيطاليا إلى متحف القيصر فريدريك في برلين. وكان ألفيزي هذا معلماً بارعاً؛ وشاهد ذلك أن ثلاثة من تلاميذه نالوا شهرة لا بأس بها. أولئك هم باريولميو منتانيا الذي نتركه لنتحدث عنه في فيتشندسا، أما ثانيهما جيوفني باتستاتشيما دا كونجليانو Giovanni Batltista Cima da Conegliano فقد كان يرسم صور العذراء لمن يطلبها في السوق، ومن هذه صورة في بدوا الآن رسم معها ميكائيل رسماً جميلاً. وأخرى في كليفلند Cleveland يغطي عيوبها لونها الزاهي. ورسم ماركو باسيتي Marco Basiti صورة جميلة هي صورة دعاء أبناء زبيدي (في البندقية الآن) وأخرى ذات بهجة - هي صورة شاب في المعرض القومي بلندن.

وربما كان كارلو كريفلي Carlo Crivelli أيضاً من تلاميذ آل فيفاريني؛ وسواء كان هذا أو لم يكن فقد اضطر إلى الفرار من البندقية بعد أن بلغ السابعة عشرة من عمره بقليل (1457): ذلك أنه اختطف زوجة بحار فحكم عليه بالسجن وبغرامة؛ فلما أطلق سراحه احتمى في بدوا حيث درس في مدرسة اسكوارتشيوني، ثم انتقل منها إلى أسكولي Ascoli في عام 1468 وقضى الخمسة عشر عاماً الباقية يرسم لهذه المدينة وما حولها. ولعل خروجه من البندقية بهذه السرعة قد حال بينه وبين الاشتراك في الحركة التقدمية لفن التصوير البندقي؛ وكان يفضل الألوان الزلالية على الألوان الزيتية، ويستمسك بالموضوعات الدينية التقليدية، واتبع طريقة تكاد تكون بيزنطية في إخضاع التمثيل للزخرف. وقد خلع على صوره صقلاً شبيهاً بصقل الميناء جعلها توائم الإطارات المذهبة الكثيرة الطيات التي وضعها فيها؛ وإن في صور العذارى التي أخرجها لرشاقة ورقة في الرسم يستبق بها جيورجيوني وإن بدا فيهما شيء من الفتور. وكان فيتور Vettor (فتوري Vittore) كرباتشيو كبيراً بين هؤلاء الصغار. وقد بدأ تعليمه بدراسة المنظور والتخطيط على طريقة مانتينيا، ثم اتبع الطراز القصصي على نحو ما كان يفعل جنتيلي بليني، وأضاف إليه تفضيل الشباب أناشيد الرعاة الخيالية عن حادثات أيامه، واستخدم في موضوعاته الوجدانية فنه الذي أتقنه كل الإتقان. ومن صوره التي لا تتفق مطلقاً مع روحه المرحة الطروب صورة رسمها في بداية عهده (توجد الآن بنيويورك) هي صورة تفكير في آلام المسيح - وهي دراسة للموت يقوم بها القديسان جيروم وأونوفريوس Onofirus يتصوران المسيح الميت جالساً أمامهما وتحت أقدامهما جمجمة وعظام على شكل صليب، وفي خلفية الصورة سماء ملبدة بالغيوم. ولما بلغ كرباتشيو الثالثة والثلاثين من عمره عهد إليه عمل خطير (1488)؛ فقد طلب إليه أن يرسم لمدرسة القديس أرسولا Arsula سلسلة صور توضح تاريخها. واستجاب إلى الطلب وصور على تسع لوحات جملية مجيء كونون Conon أمير إنكلترا الوسيم إلى بريطانيا ليتزوج بأرسولا ابنة ملكها، ورجاءها إياه أن يؤجل الزفاف حتى تستطيع أن تحج إلى روما مع حاشية لها مؤلفة من أحد عشر ألفاً من العذارى، ثم مصاحبة كونون لها مدفوعاً إلى ذلك بحبها، ونيل الجميع بركة البابا، ثم ظهور ملك لأرسولا وإبلاغه إياها أنها لا بد لها أن تذهب هي وعذاراها إلى كولوني ليستشهدن، ثم تركها هي وصاحباتها كونون وهو حزين وذهابها إلى كولوني هادئة كريمة، وعرض ملكها الصغير الوثني عليها أن تتزوجه، ثم رفضها هذا العرض ومقتل الأحد عشر ألفاً وواحدة جميعهن. ووفقت هذه القصة خيال كرباتشيو، فقد كان يسره أن يرسم جماعات العذارى والحاشية، وقد جعل كل من رسمه منهم تقريباً أرستقراطياً حسن الوجه ذا ثياب زاهية؛ ولم يجيء إلى هذه المناظر بعلمه بالتصوير فحسب بل جاء معه بعلمه بالأشياء الواقعية - كالعمارة، ونقل البضائع في الخلجان، وانتقال السحب في السماء على مهل.

وفي خلال التسع السنين التي كان كرباتشيو يعمل فيها في تصوير أرسولا رسم لمدرسة القديس يوحنا الإنجيلي صورة شفاء المحسوس بتأثير الصليب المقدس. ثم بدا لفتوري أن يصور منظراً على قناة في البندقية يناظر فيه جنتلي بليني، وملأه بالناس؛ وقوارب النزهة، والقصور، فكان فيه بذلك كل ما عند جنتلي من واقعية وتفاصيل مصقولة صقلاً براقاً فوق متناول أرجل العجوز. ثم طلبت مدرسة القديس جورج شفيع السلافونيين إلى كرباتشيو أن يخلد لها شفيعها القديس على جدران محرابهم في البندقية مدفوعين إلى هذا الطلب بما لقيه من نجاح، واستغرق هذا العمل تسع سنين أخرى رسم فيها تسعة مناظر، لا تبلغ ما بلغته مناظر أرسولا، ولكنها تدل على أن كرباتشيو وهو في العقد السادس من عمره لم يفقد ميله إلى رسم الأجسام الرشيقة في مجموعات متناسقة، ومن ورائها العمائر الخيالية في التفكير والمقنعة في التصوير. ونرى في الصورة القديس جورج يهاجم التنين هجوماً عنيفاً ولكن القديس جيروم يظهر على النقيض من هذا في صورة العالم الهادئ المنهمك في الدرس في حجرة تدهش الناظر بجمالها، وليس معه رفيق غير أسده. وقد رسم كل مظهر من مظاهر الحجرة بأمانة ودقة ولم يترك حتى العلامات الموسيقية الواضحة على ملف ساقط في الحجرة وضوحاً حولها ملمينتي Malmenti إلى نغمات على البيان.

وفي عام 1508 عين كرباتشيو واثنان آخران من المصورين المغمورين ليقدروا قيمة رسم تجاري عجيب صورة مصور شاب ناشئ على الجدار الخارجي على مصنع التيديسكي - وهو مصنع يملكه التجار التيوتون بالقرب من جسر السوق المالية. وقدر قيمته بمائة وخمسين دوقة (1875 ؟ دولاراً). ولم يرسم كرباتشيو بعدئذ إلا صورتين عظيمتين وإن كان قد عاش بعد هذا الوقت ثماني عشرة سنة، فأما أحدهما فهي صورة المخلص في المعبد (1510) التي رسمها لمعبد أسرة سانودو Sanudo في كنيسة القديس جيني. وكان لا بد لها أن تنافس في هذا المكان صورة عذراء القديس أيوب لجيان بيليني؛ وجيوفني لافتوري هو الفائز في هذه المنافسة الصامتة وإن كانت عذراء ثانيهما وحاشيتها من السيدات بارعات الجمال. ولو أن كرباتشيو قد وجد في قرن آخر بعد الذي عاش فيه لكان هو سيد زمانه؛ ولكنه عاش لسوء حظه بين جيوفني بيليني وجيورجيوني.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

4- جيورجيوني

قد يبدو غريباً أن يستأجر الفنانون بأجور عالية لنقش جدار في مخزن بضائع، ولكن البنادقة في عام 1507 كانوا يحسون بأن الحياة بلا لون هي والموت سواء، وكان لمن فيها من التجار الألمان، ومنهم من جاءوا من نورمبرج بلد Durer، إحساسهم العارم الخاص بالفن. ولهذا خصصوا بعض مكاسبهم لهذا الغرض السامي وهو رسم صورتين جداريتين، وكان من حظهم أن اختاروا لهذا العمل رجلين من الخالدين. وسرعان ما أفسدت رطوبة الجو وشمسه هاتين الصورتين، فلم يبقى منهما إلا قطع صغيرة متفرقة، ولكن هذه القطع وحدها تشهد بما كان لجيورجيوني دا كاستيلفرانكو من شهرة واسعة. وكان وقتئذ في التاسعة والعشرين ممن عمره؛ ولسنا نعرف اسمه على وجه التحديد، وتقول إحدى القصص إنه ابن رجل من الأشراف يدعى باربريلي Barbarelli من عشيقة له من بنات الشعب؛ ولكن لعل هذه قصة نسجت حوله في ما بعد(33). ولما بلغ الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من عمره (وقد يكون ذلك في عام 1490) أرسل من كاستيلفرانكو Caststelfranco إلى البندقية ليعمل صليباً عند جيان بليني. وتقدم الشاب بخطى سريعة، وعهدت إليه أعمال درت عليه مالاً كثيراً، فابتاع بيتاً، ونقش ورسم رسماً جصياً على واجهته، وملأ بيته موسيقى ومرحاً، لأنه كان يجيد العزف على العود، ويفضل الاستمتاع بأجسام النساء عن رسمهن على القماش. وليس من السهل علينا أن نعرف المؤثرات التي كونت طرازه المتأنق، لأنه لم يكن يشبه غيره من المصورين في عصره، في أنه ربما تعلم من كرباتشيو شيئاً من الرشاقة والجاذبية. وأكبر الظن أن أعظم ما تأثر به هو الأدب لا الفن. ذلك أن الأدب الإيطالي حين بلغ جيورجيوني السابعة والعشرين أو الثامنة والعشرين من عمره كان يتجه نحو النزعة الريفية؛ فقد نشر سنادساروا Sannazaro قصائد أركاديا في عام 1504؛ ولعل جويرجيوني قرأ هذه القصائد ووجد في أخيلتها الجميلة بعض ما أوحى إليه بالمناظر الطبيعية المثالية والحب المثالي. ولعل جيورجيوني قد أخذ عن ليوناردو - الذي مر بالبندقية في عام 1500 - ميلاً إلى رقة التعبير الخيالية الصوفية، والتدرج الخفيف غير المحس، ورقة الأسلوب التي جعلته لحظة قصيرة مفجعة حامل لواء البندقية.

ومن أقدم لأعمال التي تعزى إليه - ونقول تعزى إليه لأننا لا نستطيع أن نجزم بأن شيئاً ما من عمله هو - لوحتان خشبيتان تمثلان تعرض الطفل باريس لقسوة الجو ونجاته؛ وقد تذرع بهذه القصة لتصوير الرعاة، والمناظر الريفية الموحية بالسلام. وإنا لنجد في الصورة الأولى، التي يجمع الثقات على أنها من صنعه، صورة الغجرية والجندي الخيال الذي اختص به جيورجيوني: نجد امرأة نلتقي بها على غير انتظار، عارية إلا من لفاعة حول كتفيها، تجلس على أثوابها التي خلعتها على شاطئ يغشاه الطحلب لمجرى مائي دافق، ترضع طفلاً، وتتلفت حولها في قلق. ومن خلفها يمتد منظر من العقود الرومانية، ونهر، وجسر، وأبراج ، وأشجار غريبة، وبرق أبيض، وسحب خضراء تنذر بالعواصف، والى جانب المرأة فتى وسيم يمسك بعصا راع - ولكن ثيابه أغلى من ثياب الرعاة - وقد سره المنظر فغفل عن العاصفة التي توشك أن تثور. وليست القصة معروفة بوضوح، وكل ما تعنيه الصورة أن جيورجيوني كان يحب الشبان ذوي الجمال، والنساء ذوات الجسم الأملس الرقيق، والطبيعة حتى في نزواتها وغضبها.

ورسم في عام 1504 لأسرة ثاكلة في مسقط رأسه صورة سيدة كاستيلفرانكو. والصورة سخيفة جميلة، يرى في مقدمتها القديس لبيرالي St. Liberale في دروع براقة من التي يلبسها الفرسان في العصور الوسطى، ممسكاً برمح للعذراء، والقديس فرانسس يعظ الهواء. وفي أعلى الصورة جلست مريم العذراء هي وطفلها على قاعدة مزدوجة، والطفل ينحني إلى الأمام في غير اكتراث من موضعه العالي. غير أن الديباج الأخضر والبنفسجي الذي يرى عند قدمي مريم بعد من عجائب التلوين والتخطيط. وتسقط أثواب مريم حولها متثنية، أجمل ما يكون التثني. وينم وجهها عن الحنان الرقيق الذي يصوره الشعراء في رفاق خيالهم، ويتراجع المنظر في غموض شبيه بغموض مناظر ليوناردو حتى تذوب السماء في البحر. ولما تلقى جيورجيوني وصديقه تدسيانو فيتشيلي Tiziano Vecelli الدعوة إلى نقش مخزن التجار التيوتون Fondaco dei Tedeschi، أختار جيورجيوني جداره لمواجه للقناة الكبرى واختار تيشيان الجدار المجاور للسوق المالية. وقد وجد فارساي، وهو يتأمل مظلم جيورجيوني بعد خمسين عاماً من ذلك الوقت، أنه عاجز عن أن يعرف بداية أو نهاية لهذا الخليط الذي وصفه مشاهد آخر بأنه: أنصاب تذكارية، وأجسام عارية، ورؤوس مظللة عليها بالجلاء والقتام .. ومهندسون يقيسون الكرة الأرضية، وفن المنظور ممثل في عمد، وبين هذه كلها رجال على ظهور الخيل، وما إلى ذلك من الأوهام))، غير أن هذا الكاتب نفسه يضيف إلى ذلك قوله: ((ونرى من هذا كيف كان جيورجيوني بارعاً في استخدام الألوان في الرسم على الجص))(34).

غير أن عبقريته كانت تتمثل في التفكير لا في الألوان. ذلك انه لما رسم صورة فينوس النائمة التي كانت ذخيرة لا تقدر بمال في معرض الصور في درسدن Dersden ربما كان يفكر فيها تفكيراً حسياً خالصاً بوصفها جسما مكوناً من جزيئات تثير الشهوة، وما من شك مطلقاً في أنها هذا الجسم أيضاً، وأنها تدل على انتقال فن البندقية من الموضوعات المسيحية إلى الموضوعات والاحساسات الوثنية. ولكننا لا نجد في فينوس ما يتنافى مع الأخلاق أو ما يوحي بما يناقض الفضيلة، فهي ترقد نائمة، عارية مقلقة في الهواء الطلق، على وسادة حمراء وثوب من الحرير الأبيض، وذراعها اليمنى تحت رأسها، وتتخذ من يدها اليسرى ورقة تين ، وأحد طرفيها البالغ غاية الكمال في التصوير ممتد فوق الطرف الآخر الذي يرتفع من تحته. وقلما وصل الفن إلى ما وصل إليه هنا من إبراز التكوين المخملي للبشرة النسائية أو إظهار ما في الوضع الطبيعي من رشاقة. ولكن وجهها ينم براءة وطمأنينة قلما تتفقان مع الجمال العريان، إن جيوجيوني في هذه الصور قد بعد بنفسه كل البعد عن الخير والشر على السواء، وجعل حاسة الجمال تسيطر برهة من الزمان على الشهوة. وفي صورة أخرى له هي صورة السمفونية الريفية المحفوظة في متحف اللوفر نرى اللذة ممثلة في صورة حسية صريحة، ولكن فيها مع ذلك كل ما في الطبيعة من براءة. ففي هذه الصور امرأتان عاريتان، ورجلان مرتديان أثوابهما يستمتعان بعطلة في الريف: وأحد الرجلين شاب من الأشراف في صدرية من الحرير الأحمر البراق، يعزف على عود بغير انتظام، والى جانبه راع أشعث الشعر يجهد نفسه في سد الثغرة القائمة بين العقل الساذج والعقل المثقف. والسيدة صاحبة الأرستقراطي ذات حركة رشيقة تفرغ إبريقاً من البلور في بئر، أما فتاة الراعي فتنتظره في صبر وأناة حتى يلتفت إلى مفاتنها أو إلى نايها. وليس لفكرة الخطيئة أي أثر في رؤوس هذه الجماعة لأن العود والناي قد ارتفعا بالغريزة الجنسية إلى التوافق الموسيقي والانسجام. ويقوم وراء صور الآدميين منظر من أغنى المناظر في الفن الإيطالي.

ويبدو أخيراً في صورة الحفلة الموسيقية المحفوظة في قصر بتي Pitti أن الشهوة قد نسيت لأنها بدائية غير لائقة، وأن الموسيقى هي كل شيء، أو أنها رباط للصداقة أدق وأسمى من الشهوة. وقد ظلت هذه الصورة، وهي أجمع الصور لخصائص جيورجيوني، حتى القرن التاسع عشر تعزى إليه هو نفسه، أما الآن فكثيرون من النقاد يعتقدون أنها من صنع تيشيان، وإذ كانت المسألة لا تزال موضعاً للشك فلنتركها لجيوجيوني، لأنه كان يحب الموسيقى حباً لا يعلو عليه إلا حبه للنساء، ولأن لتيشيان من روائع الفن ما يكفي قبعته بريشة، وهو يبدو عديم الحياة إلى حد ما، في وقفته، والى جانبه راهب جالس أمام معزف من نوع البيان القديم، ويداه اللتان أجيد تصويرهما على مفاتيحه، وقد استدار بوجهه إلى قس في الجهة اليمنى للناظر، والقس يضع إحدى يديه على كتف الراهب، ويمسك بالأخرى كماناً جهيراً مرتكزاً على الأرض. ترى هل انتهيا من العزف أو أنهما لم يبدأا به بعد؟ ليس هذا أمراً ذا بال، لأن الذي يحركنا ويثير مشاعرنا هو ما نشاهده في وجه الراهب من شعور عميق صامت، وقد رقت كل جارحة في وجهه وكل عاطفة في قلبه، وهذا وذاك بسحر الموسيقى التي يستمع إليها بعد أن صمتت الآلتان بزمن طويل. وهذا الوجه ليس فيه شيء من المثالية ولكن فيه أعمق الواقعية، هو من معجزات التصوير في عصر النهضة.

وكانت حياة جيورجيوني قصيرة الأجل، ويبدو أنها كانت حياة مرحة. والظاهر انه كانت له نساء كثيرات، وانه كان يعالج كل غرام مخفق بغرام جديد يبدؤه بعده بقليل. ويقول فارساي إن جيورجيوني أصيب بالطاعون لأن عدواه سرت إليه من آخر امرأة أحبها، ولك الذي نعرفه انه مات أثناء الوباء الذي انتشر في عام 1511، ولما يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره. وكان له قبل وفاته نفوذ واسع، فقد كان أكثر من عشرة فنانين صغار يرسمون مناظر لأناشيد الرعاة الريفية، وصوراً تمثل أحاديث الناس، وألحاناً موسيقية إضافية، وحللاً للمقنعات يحاولون بها عبثاً أن يبلغوا ما بلغه طرازه من رقة وصقل، وما بلغته مناظره الطبيعية من توافق وانسجام، وما في موضوعاته من غرام صادق صريح. وقد ترك من بعده تلميذين كان لهما أثر كبير في العالم: سيبستيانو دل بيمبو Sabastiano del piombo الذي ذهب إلى روما وتدسيانو فيتشيلي Tiziano Vecelli أعظم الفنانين البنادقة على الإطلاق.


5- تيشيان (دور التكوين) 1477 - 1533

Titian's early and dramatically composed Pesaro Madonna (1526), with rich Venetian colouring

ولد في بلدة بييف Pieve في السلسلة الكادورية Cadorico من جبال الدلميت Dolmites، ولم ينس قط هذه الجبال الوعرة في مناظره. ولما بلغ التاسعة أو العاشرة من عمره جيء به إلى البندقية وتتلمذ على سيبستيانو زكاتو، وجنتيلي بيليني، وجيوفيني بيليني كل واحد منهم بعد الآخر، وكان هو في مرسم جيوفيني الذي لم يكن يكبره بأكثر من عام. ولما أنشأ هذا الغلام المصور مرسمه الخاص وأخذ ينتج الصور كما كان الغلام الشاعر كيتس يقرض الشعر، ذهب إليه تيشيان في أغلب الظن مساعداً له أو زميلاً، وبلغ من تأثير جيوفني فيه إن بعض صوره الأولى تعزى إلى جيوفني، وأن بعض صور جيوفني المتأخرة تعزى إلى تيشيان. وأكبر الظن أن صورة الحفلة الموسيقية التي تجل عن المحاكاة مما صور في تلك الفترة، وقد عملا معاً في نقش جدران مخزن التجار التيوتون.

وفر تيشيان من الوباء الذي قضى على حياة جيورجيوني - أو لعله في من الجمود الذي أصاب الفن بسبب حرب عصبة كمبرية - إلى بدوا (1511)، حيث حكمنا بما يبدو في المظلمات من فجاجة قلنا انه هو في الخامسة والثلاثين من عمره كان لابد له أن يقطع شوطاً طويلاً قبل أن يبلغ المستوى الذي بلغته خير أعمال جيورجيوني، غير أن جوته Goethe قد رأى بعين بصيرته النافذة أنها تبشر بالشيء الكثير(36). ولما عاد تيشيان إلى البندقية وجه إلى الدوج ومجلس العشرة (31 مايو سنة 1513) رسالة تذكرنا بالدعوة التي وجهها لدوفيكو قبل ذلك بجيل من الزمان:

أيها الأمير الجليل، أيها السادة الأعلون العظماء! لقد ظللت أنا تيشيان الكادوري منذ طفولتي أدرس فن التصوير، وأهدف بذلك إلى أن أنال قليلاً من الشهرة أكثر مما أنال من المال .... ولقد تلقيت في الماضي وفي الحاضر دعوات ملحة من قداسة البابا وغيره من العظماء للدخول في خدمتهم، ولكنني وأنا أحد رعاياكم المخلص الأمين تحدوني الرغبة الصادقة في أن أترك لي أثراً في هذه المدينة الذائعة الصيت. فإذا راقكم ذلك يا أصحاب السعادة فإني أحب أن أزين قاعة المجلس الكبير وأن أبذل في هذا كل ما وهبت من قوة، وأن أبدأ برسم صورة على القماش للمعركة التي دارت على جانب الميدان الأصغر، وهو موضوع يبلغ من الصعوبة درجة لم يجرؤ معها أحد على محاولته. وإني قابل أن أتناول على جهودي أية مكافأة ترون أنها تليق بها أو أقل .. وإذ لم أكن، كما قلت قبل، أرغب إلا في أن أنال ذلك الشرف، وأن أدخل السرور على نفوسكم، فإني أرجو أن أنال أول رخصة لسمسار مدى الحياة تخلو في مخزن التجار التيوتون، وألا تحول بيني وبينها أية وعود بذلت لغيري، مع ما يصحبها من التكاليف والإعفاءات التي نالها السيد دسوان بيلين Zuan Belin (جيان بيليني)، فضلا عن تعيين مساعدين لي يتناولان أجرهما من مكتب الملح، وأن أحصل على جميع الألوان وما أحتاجه غيرها ... وأعدكم في نظير ذلك أن أقوم بالعمل السالف الذكر بالسرعة والإتقان اللذين يرضيان مجلس السيادة(37).

وكانت »رخصة السمسار« الواردة في هذه الرسالة وظيفة رسمية يعمل صاحبها وسيطاً بين تجار البندقية والتجار الأجانب. كانت رخصة السمسار لدى التجار الألمان في البندقية تجعل الحائز لها فعلاً المصور الرسمي للدولة ويتقاضى نظير ذلك 300 كرون (3750 دولاراً) في العام نظير رسم صورة للدوج وما عسى أن تتطلبه الحكومة من الصور الأخرى. ويبدو أن المجلس قبل اقتراح تيشيان على سبيل التجربة، وسواء كان ذلك أو لم يكن فقد بدأ الفنان برسم معركة كادوري في قصر الدوج. ولكن شانئيه أقنعوا المجلس بسحب الرخصة منه والامتناع عن أداء أجر مساعديه (1514). ثم دارت مفاوضات ضايقت كل من اشترك فيها، وانتهت بتعيينه في المنصب ونيله أجره دون لقبه (1516). وأخذ يؤجل العمل ويتباطأ فيه فلم يتم حتى عام 1537 الرسمين اللذين بدأهما في قاعة المجلس الأكبر. ودمرت النار الرسمين في عام 1577.

Titian's reclining Venus of Urbino (1538), with a lapdog on the right, balancing the face on the left, is an erotic work.

وارتقى تيشيان على مهل كما يرتقي أي كائن حي وهب من العمر مائة عام. ولكنه في عام 1508 لا بعد أظهر من تباشير نفاذ الروح وقوة التطبيق ما رفعه بعدئذ فوق منافسيه في التصوير. ولدينا الآن صورة لا اسم لها تعرف فيما مضى باسم أريستو تطالعنا بذكريات من طراز جيورجيوني - بالوجه الشعري والعينين اللتين تشع منهما الدقة وقليل من الخبث، وأثواب فخمة كانت نموذجاً نسجت على منواله ألف صورة أخرى، وفي هذه الفترة (1506 - 1516) كان الفنان السائر في طريق النهوض يعرف كيف يخلع على صور النساء قدراً كبيراً من الجمال فبدأت بذلك تختلف عن نساء جيورجيوني وتتجه نحو نساء روبنز Rubens. واستمر الانتقال من صور العذراء إلى صور فينوس على يد تيشيان، حتى وهو يرسم صوراً دينية ذات روعة وشهرة فائقة. فكانت اليد التي تبعث في القلوب التقي بصورة السيدة الغجرية وعبادة الرعاة هي نفسها التي تستطيع أن تصور امرأة تزدان وتصور تلك البراءة الخليعة التي نشاهدها في صورة فلورا الموجودة في معرض أفيزي. وأكبر الظن أن هذا الوجه الظريف وهذا الصدر الناهد وجدا أيضاً في صورة ابنة هرودياس، وشالوم في هذه الصورة لا يفترق في شيء عن أهل البندقية كما أن الرأس المقطوع رأس عبري بكل ما فيه.

وأخرج تيشيان في عام 1515 أو حواليه صورتين من أشهر صوره هما ثلاثة أعمار الإنسان وهي جماعة من الأطفال العراة نائمين تحت شجرة، ومعهم كيوبيد يلقنهم في هذه السن الصغيرة جنون الحب، وشيخ في العقد التاسع يتأمل جمجمة، وفتى وفتاة سعيدين في ربيع الحب، ولكن كليهما ينظر إلى الآخر نظرة تنم عن قلق كأنهما قد عرفا مقدماً إصرار الزمن على إبلاء تلك العاطفة. وصورة الحب الطاهر والحب الدنس قد خلع عليهما اسم حديث لو بعث تيشيان حيا لدهش منه. وقد سميت الصورة حين ذكرت لأول مرة الجمال المزدان وغير المزدان(38)، وأكبر الظن انه لم يكن بقصد بها تلقين درس في الأخلاق بل كان الغرض منها أن تزدان بها قصة من القصص. والجسم العاري الدنس في الصورة هو أكمل شكل في سجل أعمال تيشيان، فكأنه صورة فينوس ده ميكو نقلت إلى عصر النهضة. ولكن صورة المرأة الطاهرة عليها أيضاً صبغة دنيوية، فمنطقتها المزدانة بالحلي تستلفت الأنظار، ورداؤها الحريري يغري باللمس، وأكبر الظن أنها هي الخليلة المرحة التي كانت نموذج صورة فلورا أو المرأة تتزين. وإذا ما أنعم الإنسان النظر فيها تكشفت له خلف صور الآدميين عن منظر طبيعي معقد فيه نبات وحيوان وأجمة كثيفة من الأشجار، وراع يتعهد قطيعه، وعاشقان، وصائدون وكلاب يطاردون أرنباً برياً، وبلدة وأبراجها، وكنيسة وبرج جرسها، وبحر أزرق جيورجيوني الطراز، وسماء ملبدة بالغيوم. ترى ماذا يهمنا إذا كنا لا نعرف ماذا تعني هذه الصورة بالضبط؟ إنها الجمال ((يبقى برهة)) أمامنا، أليس هذا هو الذي يظن فاوست Faust انه هو الحياة والروح؟.

ولما أدرك تيشيان أن الجمال النسوي مزداناً أو طبيعياً يجد له على الدوام من يطلبه اتخذه موضوعاً له وهو جذلان، فقبل في بداية عام 1516 دعوة ألفنسو الأول لرسم بعض لوحات في قصره بفيرارا. وهيئ للفنان مسكن في القصر ومعه مساعدان له، وقضى فيه نحو خمسة أسابيع، ويلوح انه تردد عليه بعدئذ قادماً من البندقية.

ورسم تيشيان لقاعة المرمر ثلاث صور واصل فيها مزاج جيورجيوني الوثني. ففي صورة السكارى نرى رجالاً ونساء، وبعضهم عرايا، يشربون، ويرقصون، ويتغازلون، أمام منظر من الأشجار السمراء، وبحيرة زرقاء، وسحب فضية، وأمامهم على الأرض ملف يحمل شعاراً بالفرنسية: ((من يشرب ولا يعد إلى الشرب لا يعرف ما هو الشرب)). وعلى بعد من هذا الشعار نرى نوحاً طاعناً في السن يتمطى وهو عار سكران، وبالقرب من الجزء الأول فتى وفتاة يرقصان معاً، وأثوابهما تدور في الهواء، وفي الجزء الأمامي من الصورة امرأة يدل ثدياها الناهدان على أنها في مقتبل العمر نائمة على الكلأ عارية، والى جانبها طفل قلق يدفع ثوبه ليروح عن مثانته ويتم بذلك دورة السكارى خارجاً من الغابات يفاجئ المرأة المهجورة، ونرى ساتيرات مخمورات، ورجلاً عارياً تلتف الأفاعي حوله، وإله الخمر العاري يقفز من عربته ليمسك بالأميرة الهاربة. وتبلغ النهضة الوثنية في هذه الصورة وفي صورة عبادة فينوس أعظم ما بلغته من قوة وسلطان.

ورسم تيشيان في هذه الثناء صورة تستلفت الأنظار للدوق ألفنسو نصيره الجديد: رسمه ذا وجه جميل ينم عن ذكاء، وجسم ممتلئ تزيده مهابة ثياب رسمية فخمة، ويد جميلة (يصعب أن تكون يد فخراني ومحارب) متكئة على مدفع محبوب، وتلك هي الصورة التي أعجب بها وأثنى عليها ميكل أنجيلو نفسه. وجلس إريستو لتيشيان ليصوره، ورد هذه التحية لتيشيان ببيت من الشعر في إحدى طبعات فيور بوسو المتأخرة، كذلك جلست لكريدسيا بورجيا للمصور العظيم، ولكن أثراً ما لم يبق لهذه الصورة، ولربما جلست أيضاً لورا ديانتي Laura Diante عشيقة ألفنسو لصورة لم تبق إلا نسخة مأخوذة عنها في مودينا. وأكبر الظن أن ألفنسو هذا هو الذي رسم له تيشيان صورة من أجمل صوره وهي صورة مال الخراج، ترى فيها فريسياً له رأس فيلسوف يوجه سؤاله في إخلاص والمسيح يجيبه في غير غضب جواباً بليغاً.

ومن المميزات الخاصة بذلك العصر أن تيشيان قد استطاع الانتقال من تصوير باخوس إلى تصوير المسيح، ومن فينوس إلى مريم، ثم عاد من مريم والمسيح إلى فينوس وباخوس، دون أن يضطرب لذلك عقله، ذلك انه صور في عام 1518 لكنيسة الرهبان أعظم صورة على الإطلاق وهي صورة صعود العذراء. ولما وضعت هذه الصورة في إطار فخم من الرخام خلف المذبح العالي رأى سانودو Sanudo كاتب اليوميات البندقي أن هذا الحادث خليق بالتسجيل فكتب يقول: ((في 20 مايو 1518: أقيمت بالأمس اللوحة التي صورها تيشيان ... للرهبان الفرنسيس))(39). ولا تزال رؤية صورة الصعود في كنيسة الرهبان من الحوادث الهامة في حياة إنسان ذي إحساس رقيق. ويرى الإنسان في وسط اللوحة الضخمة التي رسمت عليها هذه الصورة العذراء كاملة قوية، مكتسبة ثوباً أحمر ومئزراً أزرق، ذاهلة متوجسة، ترفعها خلال السحب هالة مقلوبة من صغار الملائكة المجنحين. وفوق صورة العذراء حاول المصور محاولة مخففة - وكان لابد لها أن تخفق - أن يصور الله - فلم يرسم إلا ثوباً، ولحية، وشعراً تنفشه رياح السماء، وأجمل من هذا صورة الملك الذي يأتيه بتاج لمريم. وتحت هذا صور الرسل، وهم عدد متباين من الصور الفخمة، ينظر بعضهم في دهشة، وبعضهم يركع للصلاة والعبادة، وبعضهم يتطلع إلى أعلى كأنه يريد أن يؤخذ إلى الجنة. وإذا ما وقف متشكك نافر أمام هذه الدعوة القوية إلى الإيمان لم يسعه إلا أن يأسف لتشككه، ويقر بما في هذه الأسطورة من جمال، وما تبعثه في النفس من أمل.

وأراد ياقوبو بيزارو، أسقف باقوس Paphos في قبرص أن يعبر عن شكره لله لما أحرزه أسطول البندقية من نصر على العمارة التركية فعهد إلى تيشيان أن يصور ستاراً آخر في محراب كنيسة الرهبان - للمعبد الذي دشنته من قبل أسرة هذا الأسقف. وأدرك تيشيان الخطر الذي سوف يتعرض له إذ يقوم على رسم صورة عذراء أسرة بيزارو يتحدى بها تحفته الفنية التي نالت الإعجاب من وقت قريب. لكنه ظل يعمل في الصورة الجديدة سبع سنين قبل أن يطلقها من مرسمه. وآثر فيها أن يرسم العذراء جالسة على عرشها، لكنه خرج على السوابق المألوفة فرسم صورتها إلى اليمين مائلة من ركن فوضع بذلك من يقدم لها التاج جهة اليسار، كما وضع القديس فرانسس عند قدميها. ولولا النقش البراق الذي يركز انتباه الناظر على الأم وطفلها لأختل توازن الصورة. ورحب كثيرون من الفنانين بهذه التجربة وحذوا حذوه فيها بعد أن ملوا التركيب التقليدي المألوف المركز أو الهرمي.

ودعا المركيز فيدريجو جندساجا تيشيان إلى مانتوا في عام 1523، لكن الفنان لم يقم فيها طويلاً لأنه كلف بأعمال في البندقية وفيرارا. غير أنه بدأ فيها سلسلة من إحدى عشرة صورة تمثل أباطرة الرومان، وقد فقدت هذه كلها. وقد رسم في إحدى زياراته صورة جذابة للمركيز الشاب الملتحي. وكانت إزبلا العظيمة أم فيدريجو لا تزال على فقيد الحياة، فجلست إليه ليصورها، ولما وجدت أن الصورة واقعية أكثر مما تطيق، وضعتها بين عادياتها القديمة، وطلبت إلى تيشيان أن ينسخ لها صورة كان فرانتشيا Francia قد رسمها قبل أربعين عاماً من ذلك الوقت. تلك هي الصورة التي أخذ عنها تيشيان (ولعل ذلك كان في سنة 1534) صورة المشهورة ذات القلنسوة الشبيهة بالعمامة، والأكمام المزركشة، والفراء المثناة، والوجه الظريف. واحتجت إزبلا قائلة أنها لم تكن تظن نفسها بهذا الجمال، ولكنها عملت على أن تنحدر هذه الصورة التذكارية إلى الخلف.

والى هنا نترك تدسيانو فيتشيلي بعض الوقت، ذلك أننا لا نستطيع أن نفهم الشطر المتأخر من حياته إلا إذا أحطنا علماً بالحوادث السياسية التي كان لشارل الخامس أكبر أنصاره فيها شأن كبير بعد عام 1533. وكان تيشيان قد بلغ السادسة والخمسين من العمر في ذلك العام. ومنذا الذي كان يظن وقتئذ انه لا يزال أمامه من العمر ثلاثاً وأربعين سنة، وأنه سيرسم في النصف الثاني من حياته عدداً من روائع الفن لا يقل عما رسمه منها في نصفها الأول.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

6- صغار الفنانين والفنون الصغرى

Miracle of the Slave (1548), one of a trio of Tintoretto works on St Mark, the patron saint of Venice

من واجبنا أن نعود الآن القهقرى لنشيد في إيجاز بذكر مصورين ولدا بعد مولد تيشيان ولكنهما توفيا قبله بزمن طويل. إن علينا أن ننحني في إجلال قبل أن نختم هذا الفصل أمام جيرولامو سافلدو Girolamo Salvaldo الذي قدم إلى البندقية من بريشيا وفلورنس، ورسم صورتين ممتازتين هما صورة العذراء والقديسين الموجودة الآن في معرض بريرا، ثم صورة فاتنة للقديس متى محفوظة في متحف الفنون بنيويورك، وصورة مجدلين المحفوظة في برلين، وهي أكثر إغواء من صورة السيدة البدينة المسماة بهذا الاسم نفسه والتي رسمها تيشيان.

وقد أطلق على جياكومو نجريتي Giacomo Nigreti اسم بالما Palma نسبة إلى بعض تلال بالقرب من مسقط رأسه سيرينا Serina في الألب البرماسية Bermasque، ثم أصبح اسمه بالما فتشيو حين ذاعت شهرة بالما جيوفاني ابن أخيه. وظل معاصروه هو وتيشيان وقتاً ما يرونهما ندين. ولعل عوامل الغيرة قد دبت بين الرجلين، ولم تخف حدتها بعد أن سرق تيشيان عشيقة جياكومو. ذلك أن جياكومو كان قد رسم لها صورة سماها فيولنتي Violante، ثم جاء تيشيان فاتخذها نموذجا لصورة فلورا. وكان بالما، كما كان تيشيان، بارعاً في تصوير الموضوعات الطاهرة والدنسة بدرجة واحدة من المهارة إن لم نقل بدرجة واحدة من الحماسة، وقد تخصص في تصوير الأحاديث الدينية أو الأسر المقدسة، ولكن شهرته في أكبر الظن ترجع إلى صور الفتيات البندقيات الشقراوات - أي النساء الناهدات اللائى يصبغن شعرهن صبغة سوداء ضاربة إلى الحمرة. مع هذا فان أجمل صوره هي الصور الدينية: القديسة بربارا المعلقة في كنيسة سانتا ماريا فرموزا Santa Maria Formosa، وهي شفيعة المدفعيين البنادقة، وصورة يعقوب وراحيل الموجودة في معرض درسدن ويرى فيها راع وسيم يقبل فتاة ناهدة. ولولا أن تيشيان قد رسم نحو خمسين صورة أعمق من صور بالما لكانت هذه الصورة الخيرة في مستوى أحسن صور عصره وبلده.

وأتخذ تلميذه بنيفادسيو دي بيتاتي Bonifazio de' Pitati، المسمى فيرونيز نسبة إلى مسقط رأسه، طراز صورة العيد الريفي Fete Champetre لجيورجيوني وصورة ديانا لتيشيان، وذلك حين نقش على جدران البندقية وأثاث بيوتها صوراً جذابة للمناظر الطبيعية والجسام العارية، وإن صورة ديانا وأكتابون لتضارع صور هذين الأستاذين.

واكن لورندسو لتو Lorenzo Lotto أقل منزلة عند مواطنيه من بنفادسيو في أيامهما، ولكن شهرته زادت على مر السنين. وكان لورندسو هذا ذا روح حيية مكتئبة ولهذا لم تكن تناسبه حياة مدينة البندقية التي لم تكد تسكت فيها دقات الأجراس ونغمات المرنمين حتى عادت الوثنية فيها إلى ما كان لها من السيطرة. وقد رسم وهو في العشرين من عمره صورة تعد من أعظم صور النهضة ابتكاراً وهي صورة القديس جيروم المحفوظة في متحف اللوفر. وليست هذه صورة مبتذلة للزاهد الضامر الجسم، بل تكاد تكون دراسة صينية للأخاديد القائمة والصخور الجبلية، ليس العالم الشيخ فيها إلا عنصراً مصغراً، لا تكاد العين تقع عليه لأول وهلة. وتلك هي أولى الصور الأوربية التي تمثل الطبيعة بما لها من قوة برية لا يوصفها مظهراً خيالياً في مؤخرة الصورة. وانتقل لورندسو بعدئذ إلى تريفيزو حيث نقش على ظهر مذبح كنيسة سانت كرستينا صورة العذراء على العرش وهي الصورة العظيمة التي أذاعت شهرته في جميع إيطاليا الشمالية. ثم أصاب نجاحاً آخر حين رسم صورة للعذراء لكنيسة القديس دمنيكو في ركاناتي recanati استدعي بسببها إلى روما، حيث طلب إليه البابا يوليوس الثاني بعض حجرات الفاتيكان، ولكن المظلمات التي بدأت لتوها أتلفت حين قدم رفائيل إلى المدينة. وربما كان هذا الإذلال سبباً من أسباب مزاج لورندسو النكد. غير أن برجامو كانت أحسن تقديراً لموهبته التي اختص بها وهي تخفيف ألوان فن البندقية القوية وجعلها ألطف وأكثر اعتدالاً ومواءمة للتقى والصلاح. وظل يعمل في برجامو اثنتي عشرة سنة، لا ينال فيها إلا أجراً متوسطاً، ولكنه آثر أن يكون الأول في برجامو عن أن يكون الرابع في البندقية. ثم نقش لكنيسة سان بارتولميو ستاراً لمذبحها مزدحماً بالصور ولكنه مع ذلك جميل رسم فيه صورة العذراء في جلالها. وأجل من هذه صورة عبادة الرعاة الموجودة في بريشيا. وفيها نرى الألوان كاملة شاملة ولكنها مخففة وأكثر إراحة للعين والروح من أثر البريق الذي تحدثه صور الفنانين البنادقة العظام.

وإذ كان لتوذا نفس حساسة، فقد كان في وسعه أحياناً أن يكون أكثر نفاذاً إلى الشخصية من تيشيان، ولذلك فانك قل أن تجد من الفنانين من أدرك لآلاء الشباب الصحيح الجسم بنفس العمق الذي أدركه به لتو في صورة غلام الموجودة في قصر بميلان. ويظهر لورندسو في صورته التي رسمها لنفسه صحيح الجسم قوية فيما يبدو، ولكن ما من شك في أنه قد قاسى كثيراً من متاعب المرض والألم قبل أن يستطيع تصوير المرض تصويراً يبعث العطف في صورة الرجل المريض في معرض برغيز أو في صورة أخرى لها نفس العنوان في معرض دوريا Doria بروما - ففيهما نرى يداً هزيلة تضغط على القلب، وسمات الألم والحيرة تبدو على الوجه كأن صاحبها سواء كان صالحاً أو عظيماً يسأل لما اختصته الجراثيم بفتكها ؟ وتمثل صورة أخرى هي صورة لورا البولائية Laura di Pola امرأة ذات جمال هادئ تحيرها هي الأخرى الحياة ولا تجد جواباً لحيرتها إلا في الإيمان والتدين.


وقد وصل لتو نفسه إلى هذه السلوى. ذلك أنه ظل قلقاً وحيداً، أعزب، يتنقل من مكان إلى مكان، ولعله كان يتنقل من فلسفة إلى فلسفة، حتى اتخذ سكنه في سنيه الأخيرة (1552 - 1556) في دير سانتا كاسا Santa Casa بلوريتو Loreto بالقرب من البيت المقدس الذي يعتقد الحجاج أن أم الإله لجأت إليه. وقد وهب جميع أملاكه لهذا الدير في عام 1554، وأقسم أن يكرس نفسه له. وكان تيشيان يصفه بأنه ((صالح كصلاح نفسه، وفاضل كالفضيلة ذاتها))(41).وطالت حياة لتو حتى انقضى الشطر الوثني من عصر النهضة، وغرق في بحار الراحة (إذا جاز هذا التعبير) بين زراعي مجلس ترنت، وأسهمت الفنون الصغرى بنصيبها فيما كان هناك من ثقافة غزيرة في ذلك القرن المزعزع (1450 - 1550) الذي عانت فيه تجارة البندقية كثيراً من الهزائم وظفر فيه فن التصوير البندقي بكثير من الانتصارات. ولم يكن ذلك مولوداً جديداً Renaissance بالنسبة لهذه الفنون، لأنها كانت قديمة ناضجة في إيطاليا قبيل عصر بترارك، وكل ما في الأمر أنها واصلت ما كان لها في العصور الوسطى من جودة وامتياز. ولربما كان من يشتغلون بالفسيفساء قد فقدوا شيئاً من مهارتهم أو صبرهم على العمل؛ وحتى لو كان فإن ما قاموا به من الأعمال في كنيسة القديس مرقس كان في القليل أرقى من العصر الذي يعيشون فيه. وكان الفخرانيون وقتئذ يتعلمون صناعة الخزف الرفيع، فقد جاء إليهم ماركوبولو قبل ذلك ببعضه من بلاد الصين، وكان بعض السلاطين قد أرسل نماذج منه إلى الدوج (1461)؛ ولم يحل عام 1470 حتى كان البنادقة يصنعونه في بلدهم. كذلك وصلت صناعة الزجاج في مورانو ذروة مجدها في تلك الفترة، فأخرجوا بلوراً غاية في النقاء وجمال الشكل، وكان أشهر صناع الزجاج في ذلك الوقت معرفين في جميع أنحاء أوربا، وكانت جميع البيوت المالكة تتنافس في الحصول على مصنوعاتهم. وكان معظمهم يستخدمون في صنعه قالباً أو نموذجاً؛ وكان منهم من أغفل القالب، ونفخ فقاعة من الهواء في الزجاج السائح وهو ينصب في الفرن، ثم يشكلون المادة فناجين ومزهريات، وأقداحاً، وحلياً لا تحصى ألوانها ولا أشكالها، وكانوا أحياناً ينقشون سطحه بالميناء الملونة أو الذهب بعد أن أخذوا هذا الفن عن المسلمين. وكان صناع الزجاج يحرصون أشد الحرص على أن يحتفظوا في أسرهم أسرار العمليات التي وصلوا بها إلى ما وصلوا إليه من إعجاز في هذه المصوغات ذات الجمال الهش، وسنت حكومة البندقية قوانين صارمة لمنع هذه الدقة العجيبة من أن تتسرب معرفتها إلى الأقطار الأخرى. من ذلك ما قرره مجلس العشرة في عام 1454 من أنه:

((إذا نقل صانع إلى بلد آخر فناً أو حرفة أضر نقلها بالجمهورية، أمر بأن يعود، فإذا لم يطع الأمر، زج أقرب أقربائه في السجن، وذلك كي يحمله تضامنه مع أسرته على أن يعود؛ فإذا أصر على عدم إطاعة الأمر، اتخذت الإجراءات السرية لقتله أينما وجد))(52). وحدثت الاغتيالات الوحيدة المعروفة تنفيذاً لهذا القرار في فينا في القرن الثامن. لكن الصناع والفنانين البنادقة اتخذوا طريقهم فوق جبال الألب في القرن السادس عشر على الرغم من هذا القانون، ونقلوا صناعتهم إلى فرنسا وألمانيا وقدموا هدية إلى فاتحي إيطاليا.

وكان نصف صناع البندقية فنانين، فكان المشتغلون بصناعة القصدير يزينون الأطباق والصحاف الكبيرة، والأكواب، والأقداح بحافات رشيقة ورسوم نباتية جميلة. واشتهر صناع الدروع بالزرد الدمشقي، والخوذ، والرتوس، والسيوف، والخناجر، والأغماد المنقوشة بالرسوم الجميلة، كما كان غيرهم من كبار الصناع يصنعون للسيوف القصيرة مقابض من العاج مرصعة بالجواهر. وقد حفر بلدساري دجلي أمبرياكي Baldassare degli Embriachi الفلورنسي بالبندقية في عام 1410 من العظم الستار العظيم المكون من تسعة وثلاثين جزءاً، والذي يوجد الآن في المتحف العاصمي بنيويورك. ولم يقتصر حفارو الخشب على صنع التماثيل والنقوش البارزة كتمثال الختان الموجود في اللوفر أن الصندوق الملون الذي صنعه بارتولمبو منتانيا، والذي كان من قبل في متحف بُلدْى بتسولس Poldi Pezzoli الذي دمرته القنابل في ميلان، بل أنهم كانوا ينقشون سُقُف أعيان البندقية، وأبوابهم، وأثاثهم بالخشب المحفور، وبالعُقد، وبالتلبيس، وهم الذين حفروا أمكنة المرنمين في الكنائس مثل كنيسة فيراري، والقديس زكريا. وكانت الطلبات تنهال على صناع الجواهر البنادقة من خارج البلاد وداخلها، ولكنهم احتاجوا إلى بعض الوقت ليسموا بفنهم من الكم إلى الكيف. وكان الصياغ بعد أن أصبحوا وقتئذ تحت تأثير الفن الألماني لا الشرقي يخرجون الأطنان من الصحاف، والحلي الشخصية، وأربطة الزينة لكل شيء من الكتدرائيات إلى الأحذية. وبقي فن تزيين المخطوطات وفن الخط الجميل، وإن أخذ يخلى مكانه للطباعة بالتدريج. وتأثرت نقوش منسوجات البندقية أكسبتا المنتجات طابعها الفني وألوانها. وكانت مدينة البندقية هي التي طلبت إليها ملكة فرنسا ثلاثمائة قطعة من الساتان المصبوغ (1532)، وكانت الأقمشة الناعمة المترفة التي تصنع في حوانيت البنادقة، والألوان التي تكتسبها في أحواض الصباغة بالبندقية هي التي وجد فيها المصدرون البنادقة نماذج للأثواب الفخمة الزاهية التي أكسبت فنهم نصف ما كان له من بهجة ولآلاء. ولقد كانت البندقية تحقق المثل الأعلى الذي إرتآه رسكن Ruskin وهو وجود نظام اقتصادي تستحيل فيه كل صناعة فناً، وتعبَر فيه كل سلعة عن شخصية صانعها وعن مذهبه الفني.

القرن 17

Bernardo Strozzi, Personification of Fame, probably 1635–6

The 17th century was a low point in Venetian painting, especially in the first decades when Palma Giovane, Domenico Tintoretto (the son), the Bassani sons, Padovanino and others continued to turn out works essentially in the styles of the previous century. The most significant artists working in the city were all immigrants: Domenico Fetti (c. 1589–1623) from Rome, Bernardo Strozzi (c. 1581–1644) from Genoa, and the north German Johann Liss (c. 1590? – c. 1630). All were aware of the Baroque painting of Rome or Genoa, and in different ways developed styles reflecting and uniting these and traditional Venetian handling of paint and colour.[11]

New directions were taken by two individual painters, Francesco Maffei from Vicenza (c. 1600–60) and Sebastiano Mazzoni from Florence (1611–78), who both worked mainly in Venice or the terraferma in unorthodox and free Baroque styles, both marked by the Venetian trait of bravura brushwork.[12]

Visits to Venice by the leading Neapolitan painter Luca Giordano in 1653 and 1685 left a body of work in the latest Baroque style, and had an energising effect on younger artists such as Giovan Battista Langetti, Pietro Liberi, Antonio Molinari, and the German Johann Carl Loth.[13]

القرن 18

Sebastiano Ricci, Triumph of the Marine Venus, c. 1713

At the end of the 17th century things began to change dramatically, and for much of the 18th century Venetian painters were in remarkable demand all over Europe, even as the city itself declined and was a much reduced market, in particular for large works;[14] "Venetian art had become, by the mid-eighteenth century, a commodity primarily for export."[15] The first significant artist in the new style was Sebastiano Ricci (1659–1734), from Belluno in the terraferma, who trained in Venice before leaving under a cloud. He returned for a decade in 1698, and then again at the end of his life, after time in England, France and elsewhere. Drawing especially on Veronese, he developed a light, airy, Baroque style that foreshadowed the painting of most of the rest of the century, and was a great influence on young Venetian painters.[16]

Giovanni Antonio Pellegrini was influenced by Ricci, and worked with his nephew Marco Ricci, but also by the later Roman Baroque. His career was mostly spent away from the city, working in several countries north of the Alps, where the new Venetian style was greatly in demand for decorating houses. It was actually slower to be accepted in Venice itself. Jacopo Amigoni (a. 1685–1752) was another travelling Venetian decorator of palaces, who was also popular for proto-Rococo portraits. He ended as a court painter in Madrid.[17] Rosalba Carriera (1675–1757), the most significant Venetian woman artist, was purely a portraitist, mostly in pastel, where she was an important technical innovator, preparing the way for this important 18th-century form. She achieved great international success, in particular in London, Paris and Vienna.[18]

Giovanni Battista Tiepolo (1696–1770) is the last great Venetian painter, who was also in demand all over Europe, and painted two of his largest fresco schemes in the Würzburg Residence in northern Bavaria (1750–53) and the Royal Palace of Madrid, where he died in 1770.[19]

The final flowering also included the varied talents of Giambattista Pittoni, Canaletto, Giovan Battista Piazzetta, and Francesco Guardi, as well as Giovanni Domenico Tiepolo, the most distinguished of several of the family to train with and assist Giovanni Battista Tiepolo. [20]

Canaletto, his pupil and nephew Bernardo Bellotto, Michele Marieschi, and Guardi specialized in landscape painting, painting two distinct types: firstly vedute or detailed and mostly accurate panoramic views, usually of the city itself, many bought by wealthy northerners making the Grand Tour. Few Canalettos remain in Venice. The other type was the capriccio, a fanciful imaginary scene, often of classical ruins, with staffage figures. Marco Ricci was the first Venetian painter of capricci, and the form received a final development by Guardi, who produced many freely painted scenes set in the lagoon, with water, boats and land in "paintings of great tonal delicacy, whose poetic mood is tinged with nostalgia".[21]

Pietro Longhi (c. 1702–1785) was Venetian painting's most significant genre painter, turning early in his career to specialize in small scenes of contemporary Venetian life, mostly with an element of gentle satire. He was one of the first Italian painters to mine this vein, and was also an early painter of conversation piece portraits. Unlike most Venetian artists, large numbers of lively sketches by him survive.[22]

The death of Guardi in 1793, soon followed by the extinction of the Republic by French Revolutionary armies in 1797, effectively brought the distinctive Venetian style to an end; it had at least outlasted its rival Florence in that respect.[23]

Legacy

Francesco Guardi, View of the Venetian Lagoon with the Tower of Maghera, 1770s, 21.3 cm (8.3 ″) x 41.3 cm (16.2 ″)

The Venetian school had a great influence of subsequent painting, and the history of later Western art has been described as a dialogue between the more intellectual and sculptural/linear approach of the Florentine and Roman traditions, and the more sensual, poetic, and pleasure-seeking of the colourful Venetian school.[24] Specifically through the presence of Titians in Spain (he was careful to avoid going there in person), the Venetian style influenced later Spanish art, especially in portraits, including that of Velázquez, and through Rubens was more broadly transmitted through the rest of Europe.[25]

Venice as a subject for visiting artists has been extremely popular, especially from shortly after Venetian artists ceased to be significant. Among the best known to frequently depict the city are J. M. W. Turner, James Abbott McNeill Whistler and Claude Monet.

See also

Notes

  1. ^ Steer, 7–10; Martineau, 38–39, 41–43
  2. ^ Gardner, p. 679.
  3. ^ Steer, 175 describes the cause of the revival as "something of a mystery"; it is also a "mystery" to Wittkower, 479.
  4. ^ Steer, 208
  5. ^ Freedberg, 123
  6. ^ Freedberg, 123
  7. ^ In the 16th century, Lorenzo Lotto, Carlo Crivelli and others; in the 18th century most major Venetian painters spent long periods abroad (see below).
  8. ^ Martineau, 38–39
  9. ^ Martineau, 47–48
  10. ^ Steer, 114-116
  11. ^ Steer, 169–174; Wittkower, 106–108
  12. ^ Wittkower, 348; Steer, 173–174. They differ markedly in their evaluation of Maffei.
  13. ^ Wittkower, 347–349; Steer, 174
  14. ^ Steer, 175–177
  15. ^ Steer, 201
  16. ^ Steer, 176–177; Wittkower, 479–481
  17. ^ Steer, 179–180
  18. ^ Steer, 132
  19. ^ Steer, 186–195
  20. ^ Steer, 180–186; Wittkower, 481–484
  21. ^ Steer, 198–208; Wittkower, 491–505
  22. ^ RA, 277–278; Steer, 198; Wittkower, 496–497
  23. ^ Steer, 208
  24. ^ Gardner, pp. 682–683.
  25. ^ Martineau, 47–48; Prado Guide, p. 118.

References

  • Freedberg, Sydney J. Painting in Italy, 1500–1600, 3rd edn. 1993, Yale, ISBN 0300055870
  • Gardner's: Art Through the Ages—International Edition, Brace Harcourt Jovanovich, 9th edition, 1991.
  • "RA": Martineau, Jane (ed), The Genius of Venice, 1500–1600, 1983, Royal Academy of Arts, London.
  • Martineau, Jane, and Robison, Andrew, eds., The Glory of Venice: Art in the Eighteenth Century, 1994, Yale University Press/Royal Academy of Arts, ISBN 0300061862 (catalogue for exhibition in London and Washington).
  • Penny, Nicholas, National Gallery Catalogues (new series): The Sixteenth Century Italian Paintings, Volume II, Venice 1540–1600, 2008, National Gallery Publications Ltd, ISBN 1857099133
  • The Prado Guide, Ed. Maria Dolores Jimenez-Blanco, Museo Nacional del Prado, English 2nd revised edition, 2009.
  • Steer, John, Venetian painting: A concise history, 1970, London: Thames and Hudson (World of Art), ISBN 0500201013
  • Wittkower, Rudolf, Art and Architecture in Italy, 1600–1750, Penguin/Yale History of Art, 3rd edition, 1973, ISBN 0-14-056116-1

Further reading

  • Rosand, David, Painting in Sixteenth-Century Venice: Titian, Veronese, Tintoretto, 2nd ed 1997, Cambridge UP ISBN 0521565685
  • Federico Zeri, Elizabeth E. Gardner: Italian Paintings: Venetian School: A Catalogue of the Collection of the Metropolitan Museum of Art, (New York, N.Y.) (online)

وصلات خارجية