علم الريافة

اشتهر العرب بالفراسة الفطرية لمعرفة ما يتعلق في عمليات تفاعلهم الإيجابي مع بيئتهم الصحراوية (إيكولوجيا) من ذلك نجد فراسة علم القيافة وهي القدرة على تحديد ما يتعلق بالجاني مثل الأثر أو الجرة (صورة القدم) والحذاء أ أو أثر عجلات السيارة ، ونحو ذلك ، وتستخدم غالبا في مجال الأدلة الجنائية ، ويشتهر فيها قبيلة آل مرة كما نجد فراسة علم الريافة وجاء اسمها من الريف وهي فراسة تحديد المواقع المناسبة للزراعة ، من حيث وفرة المياه وقربها ومدى عذوبتها ، وخصوبة الأرض ، ونحو ذلك ، وقد اشتهرت عشيرة آل همزان من قبيلة شمر حيث فراستهم الفطرية في هذا الفن الحيوي ، حيث اتساع شهرتهم في هذا المجال ، خاصة مع ندرة المياه في شبه الجزيرة العربية ، ويسمى الرجل الذي يشتهر بهذه المهارة (سايوس) وعند البعض (صانوت) وفي الجنوب يسمى (المرزِّم) ومن الآبار المشهورة التي اختطها رجالاتهم نجد بئر سماح المشهور الذي يقع حاليا في قلب مدينة حائل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصة اكتشاف بئر سماح المشهورة :

يطلق الاسم بئر سماح على بئر تقع الآن في قلب مدينة حائل وسط حديقة تسمى باسم البئر (حديقة سماح) .. وإلى الشرق منها بمسافة (800متر) تقريبا تقع (حديقة سمـيِّح) وفي وسطها بئر تسمى (سميِّح) سميت الحديقة باسمها و(سميِّح) لغويا تصغير (سماح) ..

وللبئرين قصة معروفة لدى البعض وفيها من الدلالات ما فيها ، وهي أنه في زمن حكم (آل رشيد) وأعتقد في عهد الأمير محمد بن عبد الله الرشيد رحمه الله ، احتاجوا إلى أن يحفروا بئرا وقرروا أن تكون خارج السور من جهة الغرب تجاه جبل أجا حتى تكون أكثر عذوبة ونقاء ، فحددوا المكان حسب ما رأوه مناسبا وبدأ العمال يحفرون البئر ، والعملية تحتاج عدة أيام حتى يصلون إلى الماء.

وفي ذات يوم هبط جماعة من عشيرة آل همزان رحمهم الله إلى حائل بغرض التسوق وفي طريق العودة مروا بالعمال العاملين على حفر البئر فنزل (دغيمان بن جروان الهمزاني) من على ظهر بعيره ، وأطل في الحفرة ، وفحص التراب ، وعرف أنها للأمير ؛ فقال : الماء قريب " اليوم تموهون ولكن ماءها (هماج) ولا تمْدي ـ أي (الصفاة) ما هي بعيدة ـ يا حيف لو ما حفروا بهذا المكان " فقط قال هذا الكلام وانصرف وكان الوقت منتصف النهار تقريبا ..

واصل العمال الحفر وقبل غروب الشمس وصلوا إلى الماء فوجدوه (هماج) ولا يمكن تعميقه أكثر لصلابة الأرض ، وهنا تذكروا كلام البدوي وقصوا القصة على أصحاب الشأن فتقصوا الأمر وعرفوا أن الشخص هو (دغيمان الهمزاني) وعرف الأمير بذلك قال لبعض الخيالة : الآن تنطلقون في إثر (الهمزاني) وتقولون الأمير طالبك وفعلا لحقوا بـ(دغيمان) وجماعته قرب جبل (إركان) وعاد معهم ، وطلب منه الأمير أن يحدد لهم موقعا أفضل من هذا الموقع.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض المحيطين بالأمير قالوا له بأن (دغيمان الهمزاني) ساحر وإلا ما كان له أن يعرف ما في باطن الأرض ، وعندما قدم (دغيمان) ونزل من راحلته بحضور الأمير (محمد) عثرت قدمه بعود شجرة (جرم) وبدأ الدم ينزف منها التفت الأمير على من حوله وهو يبتسم وقال: لو كان ساحرا لما عثر بهذا (الجرم) ولكنها الفراسة التي يهبها الله لبعض الناس دون الآخرين .. علما بأن هنالك قصص عجيبة وغريبة في هذا الصدد لعدد من أبناء (آل همزان) المشهورين في هذا المجال ومن أشهرهم (فياض الدوخي) رحمة الله رحمة واسعة وكيف أنه تحدث عن وجود المياه الجوفية العميقة التي لم تكتشف إلا حديثا بفضل التقدم التقني ، والشهود كثيرون على معرفته بنوعية وكمية المياه حتى في رمال النفود . والله أعلم .

وفي الصباح وقف (دغيمان) عند البئر المذكورة ثم انطلق منها تجاه الغرب مسافة ليست بالبعيدة كما أسلفت ثم وقف ورسم دائرة قطرها حوالي (3 متر) قال: احفروا هنا .. لم يقتنع البعض ممن يدعون المعرفة محتجين بأن البئرين على خط واحد على أساس أن الماء الجوفي يأتي من جهة الجبل وأنهما يقعان في مجرى واحد وكذلك فهما قريبان من بعضهما. قرر ( دغيمان ) أن هذه البئر تتميز عن الأولى في كل شيء وأنها سوف تكون بئر مشهورة (منيهة) أمر الأمير بحفرها فكانت بئر (سماح) المشهور بكمية مياهها وبعذوبتها ونقاوتها وجودة تركيبها المعدني ، فأصبحت هي مصدر الماء الرئيسي بالنسبة لمدينة حائل حتى عهد قريب ، وأكبر دليل على ذلك أن البلد تمركزت حولها حتى أصبحت حديقة سماح حول هذه البئر هي قلب المدينة حالياً.

أما البئر الأخرى فإسمها (سمـيِّح) تصغير (سماح) والبئرين موجودتين حاليا وتقع كل واحدة منهما وسط حديقة تسمى باسمها.

وبالمناسبة : فإنه مثلما يشتهر (آل مرة) بموهبة علم القيافة وهي معرفة الأثر أو الجرة وتتبعها ومعرفة صاحبها ، فإن عشيرة آل همزان يتمتعون بموهبة فطرية كنوع من الفراسة وهي موهبة (علم الريافة) أي التفرس في معرفة ما في باطن الأرض من المياه من حيث كميتها ودرجة عذوبتها ، ونقاوتها ، وبعدها في باطن الأرض ..الخ ، ففي كل جيل تبرز هذه الموهبة لدى عدد من أبناء العشيرة ؛ بحيث يتميزون عن غيرهم من أبناء عشيرتهم في هذا المجال ، وكان الناس ولا يزالون في مختلف مناطق الجزيرة العربية يستعينون بأفراد من هذه العشيرة لتحديد المواقع المناسبة لحفر آبار مميزة ؛ سواء بوفرة الماء أو بالعذوبة ونحو ذلك ، أما الآن وبعد استخدام التقنية الحديثة واكتشاف المياه الجوفية على أعماق بعيدة فقد ضعفت أهمية هذه الموهبة من الناحية العملية ، خاصة خارج نطاق ما يسمى بـالدرع العربي أما في مناطق (الدرع) فلا تزال قائمة ، أما من الناحية العلمية فأرى أن أهميتها لا تزال قائمة ، وفي بحثها وتوثيقها دعما للمنظور (الجيو هيدرو فيزيقي) فهي عبارة عن منظور تحليلي يبحث في خلاصة التكامل والتداخل المتبادل بين عناصر رئيسية ثلاثة (الجيولوجيا ، الهيدرولوجيا ، الفيزيا ) وهذا المركب عندما يستوعبه الشخص بشكل علمي فإنه يفك سر الفرق الواضح بين البئرين المذكورين رغم عدم وجود علامات ظاهرية ملموسة بالنسبة للأشخاص العاديين .


الهامش