رابطة البلقان

خريطة تبين حدود دول البلقان قبل وبعد حربي البلقان.

رابطة البلقان (بالبلغارية: Балкански съюз, باليونانية: Βαλκανική Συμμαχία, بالصربية: Балкански савез؛ إنگليزية: Balkan League) كانت تحالفاً شكلته سلسلة من المعاهدات الثنائية أبرمت في 1912 بين دول البلقان المسيحية ووُجـِّهت ضد الدولة العثمانية[1]، التي كانت آنئذ مسيطرة على معظم شبه جزيرة البلقان. وكان البلقان تمور منذ مطلع عقد 1900، بسنوات من حرب العصابات في مقدونيا تبعتها ثورة تركيا الفتاة والأزمة البوسنية الممتدة ردحاً. اندلاع الحرب الإيطالية التركية في 1911 زاد في إضعاف العثمانيين وشجع دول البلقان. وبتأثير روسي، سوت صربيا وبلغاريا خلافاتهما وأبرما تحالفاً، كان في الأصل موجهاً ضد النمسا-المجر في 13 مارس 1912[2]، ولكن باضافة فصل سري إليها تغير اتجاه التحالف بشكل رئيسي ليصبح ضد الدولة العثمانية[3]. وكانت صربيا قد وقعت تحالفاً متبادلاً مع الجبل الأسود، بينما فعلت بلغاريا الشيء نفسه مع اليونان. وقد انتصرت الرابطة في حرب البلقان الأولى التي اندلعت في 1912، حيث نجحت في انتزاع السيطرة على تقريباً جميع الأراضي العثمانية. إلا أنه بعد ذلك النصر، برزت إلى السطح خلافات السابقة بين أولئك الحلفاء على تقاسم الغنائم، وخصوصاً مقدونيا، مما أدى إلى انفراط عقد الرابطة، وتلا ذلك مباشرة في 16 يونيو 1913، هجوم بلغاريا على حلفائها السابقين، لتبدأ حرب البلقان الثانية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

الأزمة البوسنية عام 1908 غيرت موازين القوى في البلقان ونتج عنها أحداث أدت إلى تشكيل رابطة البلقان. غلاف الدورية الفرنسية Le Petit Journal.

بعد حرب القرم (1853–1856)، أيقنت روسيا أن القوى العظمى الأخرى لن تألو جهداً لمنعها من الحصول على منفذ على البحر المتوسط. ونتيجة لذلك فقد بدأت في هندسة خطة طموحة للتوسع غير المباشر عبر خلق دول صديقة ذات تحالف وثيق معها تحت الرعاية الروسية في شبه جزيرة البلقان. Instrumental to this policy was the emerging Panslavic movement, which henceforth formed the basis of Russian foreign policy up until the end of the Tsarist regime in 1917[4]. Working in this direction, following the victorious الحرب الروسية التركية في 1877–1878، نجحت روسيا في تأسيس الدولة البلغارية ذاتية الحكم. وبالمثل، بعد انقاذ صربيا من ابادة محققة على يد العثمانيين في 1876، أجبرت روسيا العثمانيين على قبول صربيا كدولة كاملة الاستقلال وموسعة بعد عامين[5]. إلا أنه بالرغم من اعتراف الدولتين بالرعاية والحماية الروسية، إلا أن تطلعاتهما الوطنية المتناقضة سرعان ما أدت إلى سلسلة من الأعمال العدائية قبل وبعد الحرب القصيرة بينهما. With the antagonism of the European powers mounting, and smarting from her humiliation by the Austrians at the الأزمة البوسنية, Russia sought to gain the upper hand by creating a "الكتلة السلاڤية" المحبة لروسيا في البلقان، وجهت كليهما ضد النمسا-المجر والعثمانيين. Consequently, Russian diplomacy began pressuring the two countries to reach a compromise and form an alliance.

Apart from the Russian pressure upon Bulgaria and Serbia, another issue that triggered the formation of the League was the الانتفاضة الألبانية of 1911. The timetable of the negotiations between Serbia and Bulgaria indicates that progress paralleled the success of the Albanian revolt. وفي مايو 1912 نجح الألبان في الاستيلاء على سكوپيا وواصلوا التقدم باتجاه موناستير، مجبرين العثمانيين على الاعتراف بالاستقلال الذاتي لألبانيا في يونيو 1912. بالنسبة لصربيا، فقد كان ذلك بمثابة كارثة؛ بعد انهيار طموحاتها للتوسع شمالاً بسبب ضم النمسا البوسنة والهرسك في اكتوبر 1908، لم يبق أما صربيا من اتجاه للتوسع سوى الجنوب، الذي انسد في وجهها بسبب ألبانيا الكبرى. The Serbs now had to struggle against time to avoid the establishment of the Albanian state. On the other hand, Bulgaria used this Serbian anxiety in order to force Serbia to agree to significant concessions in regard to Vardar Macedonia. Thus the final agreement between the two countries stipulated that, in the event of a victorious war against the Ottomans, Bulgaria would receive all of Macedonia south of the Kriva Palanka-Ohrid line. Serbia's expansion was to be to the north of this line, including Kosovo, and west إلى الساحل الأدرياتي، a territory including the northern half of modern Albania, giving Serbia access to the sea. In essence, Serbia was forced to exchange Macedonia for Albania, an issue that would play a key role in the eventual dissolution of the League in the spring of 1913, when the Great Powers insisted upon the creation of the Albanian state and denied Serbia her territorial gains in that direction.

البلقان قبيل تشكيل رابطة البلقان، قبل حروب البلقان.

بلغاريا، من جانبها، had held a long-term policy regarding the Ottomans since restoring her independence during the الحرب الروسية التركية. بعد الانقلاب الناجح لضم رومليا الشرقية، she had orchestrated a methodical scenario of indirect expansion through the creation, in the multi-ethnic Ottoman-held Macedonia (for many centuries an administrative rather than a nationistic name), of a united, liberating and revolutionary organization, the IMRO, allegedly without national color. IMRO's rhetoric claimed to be speaking generally for liberation on behalf of the “Macedonian People”, declaring its anti-chauvinism. In fact, it was a Bulgarian-backed organization created with the secret agenda of facilitating the incorporation of تراقيا (Eastern and Western) and Macedonia (Aegean and the Vardar) into a new autonomous state (where the Bulgarian people were not a majority), as an intermediate step before unification with Bulgaria could take place in the same way as with Eastern Rumelia. After initial success, Serbia and especially Greece realized the true purpose of IMRO and consequently a vicious guerrilla war, the so-called الصراع المقدوني broke out between Bulgarian and Greek backed armed groups within Ottoman Macedonia. The conflict ended only when the تركيا الفتاة movement came to power, promising reforms and equality of all Ottoman subjects regardless of religion or nationality. Bulgaria then turned to the more direct method of expansion through winning a war, building a large army for that purpose and started to see itself as the "پروسيا البلقان"[6]. But even so, it was clear that Bulgaria could not win a war against the Ottomans alone, and an alliance was necessary. وبتوقيع الملحق العسكري للاتفاقية الأصلية، هدفت بلغاريا إلى استخدام الجيش الصربي للاستيلاء على معظم مقدونيا، بينما تركز جهود جيشها للعمليات ضد تراقيا ومدنها الرئيسية أدريانوپل واسطنبول.

في اليونان، ثار ضباط الجيش في أغسطس 1909 وأمّنوا تعيين حكومة تقدمية بقيادة إلفثريوس ڤنيزلوس، الذي عقدوا عليه الآمال في حل قضية كريت لصالح اليونان وفي قلب هزيمة 1897 على يد العثمانيين. In the discussions that led Greece to join the League, Bulgaria refused to commit to any agreement on the distribution of territorial gains, unlike the deal with Serbia over Vardar Macedonia. The reason was Bulgaria's diplomatic policy of pushing Serbia into an agreement limiting her access to Macedonia, while at the same time refusing any such agreement with Greece. Having a low regard for the Greek Army's military effectiveness, the Bulgarian leadership estimated that, according to the military plans, their limited forces that had been deployed to the Macedonian theatre would be able to occupy the larger part of the region and the important port city of سالونيك before the Greeks. The entry of Greece in the League however was essential for the allies, since Greece, alone among the Balkan states in possessing a major fleet, could preclude the mass transfer of Ottoman reinforcements from Asia directly into Europe by sea. As the Greek ambassador to صوفيا had put it during the negotiations that led to Greece's entry in the League: "Greece can provide 600,000 men for the war effort. 200,000 men in the field, and the fleet will be able to stop 400,000 men being landed by Turkey between Salonika and گالي‌پولي."

Montenegro, a relatively small country but a close ally of Serbia was considered a second class participant. It took the invitation to the insistence of Serbia more as a favour, having limited local aspirations over مدينة شكودرا الألبانية.

Another fact that helped the formation of the League was the evident inefficiency of the Ottoman army. The Ottomans were at الحرب with Italy for a year (29 September 1911 to 18 October 1912) over ليبيا after Italy had launched an invasion of Tripolitania. Although the Italians made little progress and Ottoman resistance, aided by the Libyans, proved stiffer than expected, the war exhausted the Ottoman state. In addition, the Italian occupation of the Greek-inhabited Dodecanese Islands served as a warning for Greece of the consequences of staying out from a future war against the Ottomans.


ردود أفعال القوى العظمى

من منظور تفكك الدولة العثمانية

كانت الرابطة البلقانية التي إستهدفت العمل على طرد العثمانيين من أوروبا قد تكونت بإيعاز من روسيا في البداية, ذلك أنه بعد قيام النمسا بضم البوسنة والهرسك وضعف روسيا في أولويات سياساتها منطقة البقلان مرة أخرى. وعلى هذا وفي هذا وفي أكتوبر 1909 عقدت مع إيطاليا إتفاقية في راكونيجي Raconigi تتعاون الدولتان بمقتضاها في شؤون البلقان. وفي 1911 إحتلت إيطاليا طرابلس الغرب وهي إحدى ولايات الدولة العثمانية ولقد شجعت هزيمة الدولة العثمانية في تلك الحرب أمام إيطاليا وكذا إستمرار القلاقل والإضطرابات في أنحاء دول البلقان في أن ياملوا أن تشهد مقدونيا تقسيماً خلال فترة وجيزة.

وكانت بلغاريا والصرب من أوائل دول البلقان التي شرعت في الدخول في مفاوضات للتنسيق فيما بينها, خلال السنوات من 1904-1907 دخلتا في روابط ثقافية وإقتصادية بل وسياسية أيضاً. وفي الجدل الذي دار بعد أزمة البوسنة كانت لكل منهما أغراضنا تختلف عن الأخرى, فقد كانت بلغاريا ترغب في عقد إتفاق يوجه أساساً وبصفة مباشرة ضد الدولةالعثمانية ويستهدف بصفة رئيسية إقامة حكومة ذاتية في مقدنيا قد تصبح جزءً من بلغاريا فيما بعد طوعاً أو كرهاً. أما الصرب فكانت على العكس ترفض فكرة الحكومة الذاتية في مقدونيا وتطلب عقد إتفاق بتقسيم مقدونيا بينهما. ولما كانت الصرب تعتبر نفسها مهددة بأطماع النمسا فقد سعت لعقد ميثاق يشمل حماية أقاليمها في حالة تعرضها لهجوم من الشمال. وأخيراً تم توقيع تحالف دفاع مشترك بين الدولتين (بلغاريا والصرب) في 13 مارس 1912 يقضي بأن يتخذ إجراء مشتركاً ضد أي دولة تهدد بالإستيلاء على الأراضي العثمانية.

على أن أهم ما في إتفاقية التحالف إن لم يكن جوهره الملحق السري الذي وضع ترتيبات محددة لتقسيم مقدونيا نصت على أن تكون الأراضي إلى الشمال من جبال صار Sar من نصيب الصرب, وتكون من الأراضي شرق نهر ستروما وجبال رودوب من نصيب بلغاريا. وقد ترك هذا التفاهم غالبية أراضي مقدونيا دون تخصيص معين. ولا شك أن الصرب وافقت ضمناً فيما يتعلق بالأراضي غيرالمخصصة, كانت أقصى إدعاءاتها في مقدونيا تمتد بطول خط من كريفا بلانكا Kriva Palanka بالقرب من حدود بلجيكا شمال شرقي مقدونيا ثم إلى الجنوب الغربي لمدينة فيليه Veles ينتهي شمال أوهريد. وحيث أنه تعذر على الحليفتين (الصرب وبلغاريا) الإتفاق بشأن وضعية تلك المنطقة غير المخصصة والواقعة بين جبال صار إلى الشمال وبين خط كريفا بالانكا-فيليه-أوهريد إلى الجنوب فقد إتفقا على أن يقبلا قرار قيصر روسيا في هذا الشأن. وبكلمات أخرى فإن أقصى مطالب الصرب في هذه المنطقة الحصول على حوالي ثلث أراضي مقدونيا التي يسكنها سلاف, وما يتبقى يقسم بين بلغاريا واليونان. وينبغي الإشارة إلى أن مسألة السيطرة على تلك المنطقة تحديداً سوف تمثل خلافاً محورياً بين الصرب وبلغاريا إنتهى إلى قيام حرب البلقان الثانية. ولقد تبع هذا الإتفاق عقد حلف عسكري إتفق بمقتضاه أن تقدم بلغاريا مائتي ألف من قواتها العسكرية وأن تقدم الصرب مائة وخمسون ألفاً أرسل منها مائة ألف إلى فاردار أي إلى جبهة مقدونيا.

أما التفاهم التالي بين دول البلقان ما حدث بين بلغاريا واليونان وكانت العلاقات بينهما لقد تحسنت تدريجياً في السنوات السابقة. وفي 1911-1912 كان هناك تعاون ملحوظ بين إكسارخية بلغاريا والبطريركية اليونانية, وهدأت عمليات الإرهاب والترويع المتبادلة في مقدونيا. وتم تبادل طلابي بين البلدين, وأصبحت الإمبراطورية العثمانية عدوهما المشترك ويلاحظ أن الإتفاقية التي عقدت بين البلدين كانت مجرد حلف دفاعي عكس الإتفاقية بين بلغاريا والصرب التي سبقت الإشارة إليها, ذلك أن بلغاريا لم تتمكن من الحصول على موافقة اليونان بشأن إقامة حكومة ذاتية في مقدونيا, كما كان كل منهما يريد الحصول على تسالوينك. ولهذا ونظراً للتنافس بينهما في الإدعاءات فقد إتفقا على توقيع وثيقة لا تحتوي على كلمة مقدونيا بطريقة أو بأخرى.

أما الإتفاق الأخير بين دول البلقان فكان بين الصرب وبلغاريا من جهة وبين الجبل الأسود من جهة أخرى وكان يهدف إلى إعداد المسرح بدفع الجبلالأسود تلك الدويلة الصغيرة لإختلاق شجار مع الدولةالعثمانية وعلى أثره تقوم دول البلقان الأخرى بهجوم مشترك مرة واحدة على الأقاليم العثمانية في المنطقة.

ومن الملاحظ أن المفاوضات بين الأطراف المعنية بشأ، تلك الإتفاقيات والترتيبات إمتدت على مدى عام, لكن سرعان ما بدا لروسيا أن مصلحتها من قيام الرابطة البلقانية لقطع الطريق على النمسا أصبح هدفاً ثانوياً بالنسبة لدول البلقان فضلاً عن أن المواد المتعلقة بوضعية الأراضي الخاصة بمطلب بلغاريا في أدريانوبل المدينة القريبة من استانبول والمضايق إحتلت إهتماماً حقيقياً لدى حكومة روسيا. وآنذاك لم تكن روسيا في وضع يسمح لها بمواجهة أزمة تفتح الباب لتدخل القوى العظمى منه لتحديد مصير المنطقة. وعلى هذا بدأت روسيا في العمل على تهدئة شعوب البلقان عن طريق إقتراح برنامج إصلاحي جديد بالتعاون مع دولة أوروبية أخرى يفرض على الدوةلالعثمانية. ففي الثامن من أكتوبر 1912 وجهت روسيا والنمسا رغم تناقض مصالحهما تحذيراً لدول البلقان نيابة عن القوى العظمى بأنهما لن تعترفا بأية تعديلات منشأنها تغيير مبدأ المحافظة على تكامل أراضي الدولةالعثمانية. غير أن هذا التحذير جا متأخراً جداً, ففي نفس ذلك اليوم كانت الجبل الأسود قد بدأت في مهماجمة المراكز العثمانية وسرعان ما لحق بها حلفاؤها وفقاً للترتيبات السابقة. وتقدمت العمليات العسكرية بكل سهولة حيث نجح الأسطول اليوناني في منع وصول إمدادات عسكرية للجيش العثماني وهجمت قوات البلقان المتحالفة والمكونة من سبعمائة ألف مقاتل على قوات الدفاع العثمانية المكونة من ثلاثمائة وعشرين ألف مقاتل. وإندفعت قوات بلغاريا مباشرة بإتجاه استانبول حيث وصلت إلى أطرافها وتمكنت بمساعدة قوات صربية من ضرب الحصار على مدينة أدريانوبل, كما وصلت تسالونيك فوجدوا أن القوات اليونانية كانت قد إحتلت تلك الجوهرة في اليوم السابق (أي 8 نوفمبر). وفي تلك الأثناء تقدمت قوات الصرب إلى أبعد من المنطقة التي تم تخصيصها لها في مقدونيا حسب الإتفاق الذي سبقت الإشارة إليه وإستولت على كل من بريلب Prilep, وبيتولا Bitola, وأوهريد, وهي المدن الواقعة جنوب خط كريفا بالانكا-فيليه-أوهريد.

ولم تقتصر الأعمال العدائية على أراضي مقدونيا ذلك أن الصرب من واقع خبرتهما السابقة في حرب الخنازير قررت الإستيلاء على مكان يعطي لها مخرجاً للبحر. وكان ميناء دوريس Durres (دورازو Durazzo) شمال ألبانيا أفضل ميناء يوفر هذا المخرج ورغم أنه يقع في ألبانيا جغرافياً, إلا أن الصرب بررت مطلبها على أسس إستارتيجية وإقتصادية. ولم يقتصر الأمر على هذا الحد بل لقد كانت بقية أراضي البانيا مطمعاً لبقية دول البلقان المتحالفة فقامت قوات الصرب والجبل الأسود بحصار مدينة شكوردر (سكوتاري Scutari) وهاجمت قوات اليونان مدينة يانينا الأمر الذي جعل مصير سكان البانيا محل إنتباه القوى العظمى.

لقد كان معنى نجاح العمليات العسكرية لدول البلقان أن الإمبراطورية العثمانية أوروبا مع مطاع عام 1913 قد تقلصت إلى أربعة مدن واقعة تحت الحصار وهي: استانبول وأرديانوبل في الشرق, وشكودر ويانيا في الغرب. وعند هذا المنعطف تدخت الدول العظمى لإيقاف العمليات العدائية وفرضت معاهدة لندن في مايو 1913 التي قضت بأن يكون خط إينوس-ميديا Enos-Media حد للإمبراطورية العثمانية داخل أوروبا, وإستبعاد أدريانوبل, وتقليص مساحة استانبول بإبقاء ظهير صغير لها, وتخصيص كريت لليونان. وبقيت المشكلة الكبرى في وضعية مقدونيا والبانيا وجزر بحر إيجه. لكن أصبح واضحاً أن القوى العظمى وليس الحلفاء البلقانيين سوف يقررون مصير تلك المناطق بشكل نهائي.

على أن قضية مقدونيا كانت ترتبط بشكل مباشر مع قضية البانيا ولما كانت النمسا وإيطاليا قد قررتا إبعاد الصرب من البحر الإدرياتي فإن إقامة دولة ألبانية مستقلة يخدم هذا الغرض. يضاف إلى هذا أن إيطاليا بدأت تدخل في منافسة مع النمسا وروسيا للحصول على نصيب من مناطق النفوذ في البلقان شأن جاراتها, ومن ثم أصبح من الممكن إنشاء دولة ألبانية بفضل دعم إيطاليا القوي وضمان النمسا. غير أن هذا القرار كان من شأنه التأثير سلباً على التسوية التي سبق أن أقرتها دول البلقان في السابق. وهكذا أدركت الصرب في الشمال واليونان بإدعاءاتها في جنوبي البانيا إحباط خططهما في ضم أراضي البانية وبالتالي طالبت كل منهما بالحصول على تعويض في مكان آخر.

ولما أنكرت القوى العظى على الصرب حقها في مخرج على الإدرياتي بإستيلائها على ميناء دوريس فلم يكن أمامها من بديل إلا الأراضي التي تم تخصصيها لبلغاريا. وبما أن قواتها قد تحملت العبء الأكبر في القتال في مقدونيا نراها تطالب بأن يمتد نصيبها في أراضي مقدونيا وراء خط كريفا بالانكا-فيليه-أوهريد. ولم تكن حجة الصرب في هذا المطلب أن سكان المنطقة التي تطالب بها صربيون أم بلغار خاصة وأن بعض العلماء الصربيين يشيرون إلى هؤلاء السكان بإعتبارهم مقدونيون-سلاف, لكن المسألة تتعلق أكثر بتوازن القوى بين دول البلقان ذلك أن إمتداد نفوذ بلغاريا حتى شواطئ بحر إيجه بالإضافة إلى الأرض المخصصة لها في مقدونيا قد يجعلها القوة المسيطرة الرئيسية أو القوة صاحبة السيادة في البلقان. ومن ناحية أخرى وجدنا أن اليونان التي لم تكن تطيق وجود القوات البلغارية على مسافة أميال قليلة شمال سالونيك تشارك الصرب في تحليلها للموقف. وعلى هذا رفضت الصرب ترك الأراضي التي إحتلتها في مقدونيا بما فيها الأراضي التي تخرج عن نطاق ما تطالب به هناك على حين أن بلغاريا كانت ترى تطبيق شروط معاهدة التحالف الأصلية.

وفي هاذ الإطار وكما سبقت الإشارة كان سهلاً على حكومتي الصرب واليونان أن يتوصلا إلى إتفاق بشأن الموقف أكثر من إمكانية التوصل إلى تفاهم بين أي منهما وبين بلغاريا فمثلاً كان يمكن وببساطة تقسيم مقدونيا بينهما بحيث تأخذ اليونان جنوبي مقدونيا وتأخذ الصرب الجزء الشمالي. غير أن إمتداد المصالح البلغارية عبر المنطقة إلى ألبانيا أدى إلى تقطيع أوصال المناطق التي تطالب بها الصرب واليونان. ونظراً لحدوث توتر في العلاقات بين الأطراف المختلفة بين دول البلقان حول شروط الصلح كان من الطبيعي أن تتعاون الصرب واليونان معاً بإعتبارهما أصحاب مصلحة مشتركة ومن ثم عقدا إتفاقية سرية لوضع حدود مشتركة مع مقدونيا إلى الغرب من نهر الفاردار تركت بمقتضاه جزءً شرقياً لبلغاريا, كما تواعدا على أن يساعد كل منهما الآخر في حالة وقوع حرب, وكان بإمكانهما الحصول على تأييد الجبل الأسود وحتى رومانيا التي كانت لها أفكار بشأن وجود دوبروديا في أيدي بلغاريا كما توصلت المناقشات والمباحثات مع الدولة العثمانية.

في تلك الأثناء وصلت القيادات المدنية والعسكرية البلغارية إلى إقتناع مؤداه أن التوصل إلى حل عن طريق القوة قد يكون أمراً ضرورياً. ومن ناحية أخرى كان المشهد الدبلوماسي الدولي غاية في التعقيد. فروسيا تقترح أن يقوم قيصرها بدور الوساطة للتغلب على الخلافات بين دول البلقان المعنية وبادر بدعوة رؤساء حكومات بلغاريا والصرب واليونان إلى الإجتماع به في سانت بطرسبرج (عاصمة روسيا). ووافقت بلغاريا على الإشتراك بشرط التوصل إلى قرار تحكمي خلا أسبوع واحد كخطوة ضرورية لتهدئة الجيش الذي كان يطالب بالعمل العسكري. وقد فهمت روسيا هذا الشرط على أنه إنذار ومن ثم رفضته، ووقفت إلى جانب الصرب, كما عملت النمسا بالتنسيق مع اليونان ورومانيا على عرقلة نشاط رابطة البلقان. وقد إنتهت تلك المباحثات بعزل بلغاريا وحدها دون حليف من دول البلقان ودون دعم من الدول العظمى على حين توصل خصومها فيما بينهم لإتفاقيات دفاعية مشتركة قوية. وهكذا أصبح من الواضح أن بلغاريا أخفقت في إدراك حقيقة الورطة التي وجدت نفسها فيها.

وعلى هذا وفي ليلة 29-30 يونية 1913 شنت القوات البلغارية هجوماً على الصرب وعلى اليونان ثقة في تفوقها العسكري ومن هنا بدأت حرب البلقان الثانية. وسرعان ما دخلت الدولة العثمانية والجبل الأسود ورومانيا الحرب ضد بلغاريا التي لم يكن أمامها فرصة لمواجهة التحالف ضدها فبادرت بتوقيع هدنة مسلحة في 31 يوليو.

وفي 10 أغسطس 1913 تم توقيع معاهدة بوخارست لتسوية النزاع حول تقسيم أراضي البانيا ومقدونيا أدت إلى تدمير بلغاريا تدميراً تاماً, إذ تم إعادة أدريانوبل ومعظم شرق تراقيا إلى الدولة العثمانية, وأخذت رومانيا جنوبي دوبروديا, ومدت اليونان حدودها حوالي خمسين ميلاً إلى الشمال من تسالونيك وإلى ما وراء قوله جهة الشرق. وفي الغرب ضمت اليونان إيبروس بما فيها يانينا, وضاعفت الصرب حجمها بالإستيلاء على جزء عظيم من مقدونيا السلافية إشتمل على أراضي لم تكن ضمن دائرة مطالبها سابقاً. وتم تقسيم سنجق فوني بازار بين الصرب والجبل الأسود فأصبحت حدودهما مشتركة. وكوفئت بلغاريا بجزء صغير من شرقي مقدونيا في وادي نهر ستروما لكنها ضمت إلى أراضيها مساحة ثامنين ميلاً بطول ساحل بحر إيجه ضمنها ميناء ديدياجتش Dedeagatvh, كما نصت المعاهدة أيضاً على إيجاد دولة ألبانية مستقلة.

لقد كانت معاهدة بوخارست ذات مغزى عظيم بالنسبة لدول البلقان ذلك أن الحدود التي رسمتها ظلت ثابتة مع بعض التعديلات الطفيفة فضلاً عن أنها كانت تمثل بداية طرد العثمانيين من أوروبا بإستثناء استانبول وجزء صغير من تراقيا. وهكذا إنتهت حروب البلقان بتحقيق الهدف النهائي الذي رسمه معظم زعماء البلقان خلال القرن التاسع عشر, ألا وهو سعي كل حكومة بلقانية لضم أراض تعيش فيها عناصر قومية خاصة بها, وهي أهداف أصبحت ثانوية خلال عامي 1912-1913 أمام إعتبارات أكبر ألا وهي المحافظة على توازن القوى في شبه جزيرة البلقان, والرغبة في ضم أراض أكثر لأسباب إستراتيجية وإقتصادية. ولم تتردد أي منها في المطالبة علناً بضم أراض يسكنها ألبان. وأظهرت كل دولة أن أولوياتها تمكن في تطوير مصالحها الخاصة أكثر من العمل على حماية المبادئ القومةي ككل. وأخيراً إنتهت تلك الفترة من الحروب بظهور ألبانيا آخر دولة بلقانية في الخريطة.


الهامش

  1. ^ "Wars of the World; First Balkan War 1912-1913". OnWar.com. December 16, 2000. Retrieved 2009-08-14.
  2. ^ Crampton (1987) Crampton, Richard (1987). A short history of modern Bulgaria. Cambridge University Press. p. 62. ISBN 978-0521273237.
  3. ^ "Balkan Crises". cnparm.home.texas.net/Wars/BalkanCrises. August 14, 2009. Retrieved 2009-08-14.
  4. ^ Tuminez, Astrid S. (2000). Russian nationalism since 1856: ideology and the making of foreign policy. Rowman & Littlefield Publishers, Inc. p. 89. ISBN 978-0847688845.
  5. ^ Frucht, Richard C. (2005). Eastern Europe: An Introduction to the People, Lands, and Culture. ABC-CLIO. pp. 538–9. ISBN 978-1576078013.
  6. ^ Emile Joseph Dillon, "The Inside Story of the Peace Conference", Ch. XV

وصلات خارجية