الاستشراق الروسي (كتاب)

الاستشراق الروسي.jpg

كتاب «الاستشراق الروسي: مدخل الى تاريخ الدراسات العربية والاسلامية في روسيا» للباحث المغربي عبد الرحيم العطاوي ،الصادر أخيرا عن المركز الثقافي العربي بالدارالبيضاء وبدعم من وزارة الثقافة المغربية، يلقي بعضا من الضوء على الاستشراق الروسي من خلال معالجة عدد من القضايا المرتبطة بتاريخ الاستشراق في مجال الدراسات الروسية حول الدين الاسلامي واللغة والأدب العربيين وحضارة العرب وتاريخهم، ويبرز خصوصيات الاستعراب الروسي ومميزاته ويعرف بأهم أعلامه منذ أقدم العصور الى منتصف القرن العشرين. وهو في الأصل أطروحة نال بها المغربي عبد العطاوي دكتوراه الدولة في الأدب عام .1993 يقع الكتاب في 425 صفحة من الحجم المتوسط ، ويتضمن مقدمة وخمسة فصول هي «الروسيون القدامى والاسلام» و«بداية الاستشراق في روسيا»، و«الاستشراق الروسي الأكاديمي»، و«كراتشكوفسكي شيخ الاستعراب الروسي خلال النصف الأول من القرن العشرين»، و«الدراسات الاستشراقية الروسية حول الدين الاسلامي» و«المكتبات الاستشراقية والمخطوطات العربية في روسيا».[1]

في الفصل الأول «الروسيون القدامى والاسلام، بداية الاستشراق في روسيا» يتطرق الكاتب لعلاقة الروسيين القدامى بالاسلام ويذكر أن الدين الاسلامي والمسلمين كان لهم دور بالغ في تاريخ روسيا وذلك منذ نشأتها مرورا بالامارات السلافية الأولى ثم بالامبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي، ثم المؤثرات الحضارية العربية الاسلامية الأولى على حياة الروس وبداية الاستشراق الروسي في عهد بطرس الأول وعهد كاترينا الثانية الذي عرف بداية الاهتمام الفعلي بالثقافة العربية، حين ظهرت العديد من المجلات الثقافية الروسية متضمنة لأخبار العلوم والفلسفة والحكم والطرائف العربية وقواميس لغوية أدرجت اللغة العربية كاحدى اللغات الرئيسية الى جانب الفرنسية والانجليزية والألمانية.

وفي الفصل الثاني «الاستشراق الروسي الأكاديمي» تحدث الكاتب عن المدرسة الاستعرابية الروسية التي انطلقت بفعل حدث هام عرفته الجامعات الروسية، ويتمثل في احداث شعبة خاصة باللغات الشرقية في الجامعات الروسية بناء على المرسوم المنظم لها والصادر عام 1804، حيث تأسست أول شعبة للاستشراق بروسيا في جامعة خاركوف عام 1805، لتتبعها بعد ذلك جامعة قازان وموسكو وفيلنيوس ثم جامعة سان بيترسبورغ، التي على الرغم من تأخر تدريس اللغة العربية بها، فإنها قد كانت من أهم المراكز الاستشراقية في العالم، لأنها قد استقطبت العديد من الباحثين المسلمين للتدريس بها وعلى رأسهم الشيخ محمد عياد الطنطاوي، وكذلك الدور الفعال لقسم تعليم اللغات الأجنبية بوزارة الخارجية في تطور الدراسات الاستعرابية، ودور الصحافة والترجمة في التعريف بالشرق العربي. ثم انتقل الى استعراض انجازات المدرسة الاستعرابية الروسية التي عرفت تطورا كبيرا على مستوى الدراسات والأبحاث النظرية والتطبيقية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وذكر ببعض أعلامها المهمين أمثال: كيركس وروزين مؤسسي المدرسة الاستشراقية الجديدة، وكريمسكي أنموذج المستشرق الأديب، وبارتولد أنموذج المستشرق المؤرخ. أما

الفصل الثالث فقد خصصه الكاتب لشيخ المستشرقين كراتشكوفسكي ( 1883 - 1951) الذي اقترن اسمه بالاستشراق الروسي طوال النصف الأول من القرن العشرين، حيث اعتبر بحق شيخ المدرسة الاستعرابية الروسية خلال هذه الفترة وذلك للمجهودات التي بذلها في ميداني التعليم والبحث العلمي. ومن أهم الانجازات التي قدمها هذا المستعرب في الأدب العربي القديم ،نذكر أبحاثه حول الشاعر عبد الله ابن المعتز والمتنبي وأبو العلاء المعري وأبو الفرج الوأواء الدمشقي وتاريخ الأدب الجغرافي العربي والأندلسي، وغيرها من الدراسات التي شملت جميع فروع اللغة العربية وآدابها. كما أنه من الرواد القلائل الذين انتبهوا الى ظاهرة الأدب العربي الحديث، حيث قدم فيه دراسات عامة تبحث في تاريخ الأدب العربي الحديث ونشأته وظواهره، ودراسات حول الأدب العربي الحديث في بعض الأقطار العربية وغير العربية كأمريكا ومصر، ودراسات حول عدد من الكتاب العرب كطه حسين، محمود تيمور، توفيق الحكيم، ميخائيل نعيمة والشاعر محمد مهدي الجواهري. وقد أصدرت له أكاديمية العلوم السوفياتية ما بين 1956 و1960 ست مجلدات تضم مجموع ما كتبه المستعرب كراتشكوفسكي في مختلف المجالات الأدبية والفكرية.

وفي الفصلين الرابع والخامس تطرق الكاتب للدراسات الاستشراقية الروسية حول الدين الاسلامي وللمكتبات الاستشراقية والمخطوطات العربية في روسيا، وخلص الى مجموعة من الاستنتاجات منها أن المدرسة الاستشراقية الروسية تشكل نتاجا للمدرسة الاستشراقية الألمانية، لأن أكبر روادها من جنسية ألمانية ومن أبرزهم العالمان فرين ودورن، وأنه إذا كانت الأبحاث الأدبية عند المستشرقين قبل الثورة السوفياتية وبعدها تتسم بالكثير من الموضوعية، فإن الوضع كان يختلف كلما تعلق الأمر بالدراسات حول الدين الاسلامي التي غالبا ما كانت تأخذ طابعا معاديا للاسلام. «وقد تزعم هذه الحملات على الخصوص بعض أساتذة وخريجي أكاديمية الأورثوذوكس في مدينة قازان، يمكن القول إنه لا يوجد بين الاستشراق الروسي والاستشراق السوفياتي في هذا المجال إلا اختلاف في الشكل، أما المضمون فإن كان لا يتغير». وكان هؤلاء «العلماء» يسعون دائما الى انتاج مؤلفات «علمية» تخدم مصالح الادارة الاستعمارية الروسية في الفترة الأولى، ثم مصالح الدولة السوفيياية والحزب الشيوعي في الفترة الثانية. غير أنه يجب الاعتراف أن كبار علماء روسيا لم يشاركوا أبدا في الحملات المعادية للاسلام ولم يسخروا أقلامهم لشتم الشعوب الاسلامية ومقدساتها، بل كانت أصواتهم ترتفع من حين لآخر لشجب كتابات المستشرقين المبشرين والموظفين». وأضاف عبد الرحيم العطاوي في خاتمة كتابه الى أن من مميزات الاستشراق الروسي حول الدين الاسلامي أنه كان في غالب الأحيان ينطلق من دراسة المجتمعات الاسلامية في روسيا نفسها وفي مستعمراتها التي لا تفصلها عنها أية حدود، لأن الشرق الاسلامي كان وما زال موجودا بداخل الدولة الروسية. وهذا شيء لم يكن متوفرا عند المستشرقين في أوروبا الغربية وأمريكا الذين كان عليهم قطع المسافات الطوال للوصول الى الشرق الاسلامي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش

  1. ^ سعيدة شريف (2003-01-12). "صفحات غير معروفة من الاستشراق الروسي - من مميزات المستشرقين الروس دراسة المجتمعات الإسلامية في روسيا نفسها وفي مستعمراتها". جريدة الشرق الأوسط. Retrieved 2010-10-18.


مصادر