الأدب الإسپاني

(تم التحويل من الأدب الأسباني)

الأدب الأسباني واحد من أغنى الآداب الأوروبية وأكثرها تنوعًا، فقد مزج الكتاب الأسبان بين الفردية القوية والانفتاح نحو تراث أوروبا الغربية والآداب الشرقية من خلال شمالي إفريقيا، ونتيجة لذلك أنتجوا أدبًا تميّزه الأصالة والواقعية.

كانت هناك فترتان تاريخيتان لهما تأثير خاص في الأدب الأسباني. فقد احتل الرومان شبه الجزيرة الأسبانية لفترة امتدت نحو 600 سنة بدءًا من القرن الثالث قبل الميلاد. وكان أهم ماورثته أسبانيا من ذلك الاحتلال اللغة اللاتينية الدارجة التي يتحدث بها عامة الناس. وقد ولدت اللغة الدارجة اللغات الرومانسية التي أصبحت ثلاث منها أكثر شيوعًا وهي اللهجة القشتالية والجاليسية ـ البرتغالية، والقطلونية. ومنذ سنة 700 حتي سنة 1400م تأثر الأدب الأسباني تأثرًا كبيرًا بالأدب العربي في الشعر والنثر.

بدأت أعظم فترات الأدب الأسباني في منتصف القرن السادس عشر الميلادي تقريبًا ودامت حتى أواخر القرن السابع عشر. وتمخضت تلك الحقبة، المعروفة بالعصر الذهبي، عن ازدهار القصة والشعر والمسرحية. وعاش ميغل دي سرفانتس، أشهر كاتب أسباني ومؤلف دون كيشوت في تلك الفترة.[1]

مخطط زمني لأشهر الأدباء الأسبان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

العصور الوسطى

الخميادو


أدب العصر الوسيط المبكر

ساد الاعتقاد أن أول الأدب الرومانسي الأيبيري بدأ بالملحمة الشعرية مجهولة المصدر، قصيدة السيد Poema del Cid، المكتوبة حوالي 1140 م. إلا أنه في عام 1948، نشر باحث العبريات صمويل م. سترن 24 خرجة jarchas، وهي "قصائد غنائية قصيرة مكتوبة بلغة اسبانية موغلة في القدم،" عثر عليها في كنيس في القاهرة. ولاحقاً عثر سترن والباحث الاسباني إميليو گارسيا گوميث على المزيد من الخرجات، ومنذ 1948 تعدى مجموع ما عثروا عليه الخمسين. والخرجة عادة ما تكون رثاء امرأة من طبقة اجتماعية منخفضة لغياب عزيز لديها. وهي المقطع الشعري Stanza الآخير والمكنون من ثلاثة أو أربعة أسطر من موشح، الذي هو أحد صيغ القصائد التي استخدمها شعراء العربية ومنهم إلى شعراء العبرية من القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر. وقد كـُتبت الخرجة بالمضاربية، وهي لغة رومانسية تكلم بها غالبية السكان في شبه جزيرة أيبريا أثناء تلك الفترة[2]. وبسبب افتقار اللغتين العربية والعبرية للحركات، فقد واجه الباحثون مصاعب في نطق الخرجات. كما أعاق ضعف المعرفة الحالية باللغة المضاربية تفسير الخرجات[3]. إلا أنها الآن معترف بها على نطاق واسع، أن المضاربية كانت لغة رومانسية منفصلة تطورت مباشرة من اللاتينية السوقية، وليس من الاسبانية القشتالية، بالطبع بالإضافة إلى العربية. [3][4]

اندثر الشعر الملحمي الأسباني القديم في معظمه، والقصيدة الوحيدة التي بقيت كاملة تقريبًا هي ملحمة السِّيْد وتحكي مغامرات بطل قشتالي، هو دريجوت ديث دي بيبار. وهذه الملحمة أكثر واقعية من الملاحم المنظومة في أقطار أخرى في العصور الوسطى. كُتبَت السِّيد في نحو عام 1140م أو ربما في أوائل القرن الثالث عشر.

وكان الشعراء المعروفون باسم خوجلار ينشدون القصائد الملحمية ويمثلون المشاهد الساخرة، التي عرفت باسم الألعاب الهزلية ، في ضواحي المدن. والمسرحية الأسبانية لم تكن معروفة جيدًا في بداية العصر الوسيط. وبقى منها فقط جزء من مسرحية دينية من أواخر القرن الثاني عشر هو مسرحية الرجال الحكماء الثلاثة . تأثر الشعر الغنائي الأسباني بشعراء التروبادور بجنوبي فرنسا. وإلى هذه الفترة ينتمي جونزالو دي بيرسو أول شاعر أسباني معروف كتب معجزات العذراء وهي مجموعة من القصائد في معجزات السيدة العذراء.

أسهم ألفونسو العاشر الملقب بالحكيم في تشجيع النثر الأسباني المبكِّر. ففي أواخر القرن الثالث عشر بدأت تحت إشرافه صياغة عملين تاريخيين مطولين: تاريخ أسبانيا العام و التاريخ العام ، ويختص بتاريخ العالم. ودعم الملك أيضًا الاهتمامات العلمية والفلسفية لمدرسة مترجمي طليطلة، كما أنه نظم الأناشيد الجيليقية وهي ابتهالات للسيدة العذراء. ويشتمل أقدم أدب نثري أسباني على مجموعة من الحكايات الأخلاقية صيغت باللغة اللاتينية، نشرها بدرو ألفونسو عام 1100 م تقريبًا تحت عنوان تعاليم كهنوتية . وفي القرن الثالث عشر الميلادي، ترجم من اللغة العربية ولغات أخرى العديد من كتب الحكايات إلى اللغة الأسبانية، منها؛ كليلة ودمنة (1251م) وسندباد (1253م).

في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي، بدأ النثر الأسباني يتخذ صبغة أشد تميّزًا بكتابات دون خوان مانول، ابن أخ ألفونسو الحكيم، ومن أشهر أعماله الكونت لو كانور ، وهي مجموعة من قصص الوعظ.

خلال القرن الرابع عشر الميلادي، بدأ شعر العلماء في الانحطاط. لكن خوان رويث، كبير كهنة مدينة إيتا القشتالية، حافظ بشكل ما على نسق شعر الأكليروس المطول في عمله الوحيد كتاب الحب الطيب (1330م) المزيد عام 1343م. وعرض الكتاب صورًا حية لعديد من دقائق الحياة في أسبانيا في القرن الرابع عشر الميلادي، مثل: الطعام والآلات الموسيقية والأغاني وشؤون العشق والعادات في الأديرة والحانات وابتكر رويث شخصية العجوز الشهيرة التي كانت تقوم بدور الوسيط بين العشاق في الأديرة.


عصر النهضة - القرن الخامس عشر

استمرت روح العصور الوسطى في العديد من القصص الخيالية ـ رومانثيرو ـ المجهولة المؤلف، مثل غراميات ابن عمار (1431). ويرى بعض الباحثين أن تلك الأغاني كانت أجزاء من أناشيد ملحمية ألفت لتُغَنىَّ وحفظها التراث الشفهي من الاندثار في أسبانيا وأمريكا الأسبانية، والمغرب وبين اليهود الأسبان.

ومن أبرز شعراء القرن الخامس عشر الميلادي إنييجو لوبث دي منْدوثا المعروف بماركيز سانتيّانا، الذي نظم قصائد السوناتة على النهج الإيطالي والأشعار الرعوية المهذبة، وخوان دي منا الذي نظم متاهة القدر (1444) متأثرًا بدانته وعدد من الكتاب القدماء، وخورخه مانريكه، الذي كتب كوبلاس (1476) وهي مرثية شجية راقية في موت أبيه.

وقعت في نهاية القرن الخامس عشر عدة أحداث لها أهمية أدبية. ففي عام 1473، دخلت الطباعة أسبانيا، في مدينة سرقسطة أولاً في غالب الظن. وفي عام 1492، نشر أنطونيو دي نبريخا النحو القشتالي، أول كتاب يوضع في قواعد لغة أوروبية حديثة. وخطا المسرح أولى خطواته نحو المأساة غير الدينية قبل عام 1500، فكتب خوان دل إنثينا ولوكاس فرناندث مسرحيات عن أعياد المسيحيين مثل الميلاد والفصح جنبًا إلى جنب مع المأساة الشعبية والرعوية.

كما ظهرت اتجاهات أخرى جديدة في النثر الأسباني ككتاب سجن العشق (1492) لدييگو ده سان پدرو، ورواية الفرسان تيران لوبلان بدأت كتابتها في 1460 ونشرت في 1490، وقد ألفها، باللغة القطلونية، جوانوت مرتورل ومرتي جوان دي جلبا، ومن المرجح أن رواية الفرسان الطويلة أماديس الغالي، المعروفة منذ القرن الرابع عشر، طبعت لأول مرة عام 1508 وكان گرثي ردريگث دي مونتالڤو قد كتب أحد أجزائها. وفي أواخر القرن الخامس عشر، ظـهرت الرائعة الأدبية المعروفة باسم لا ثلستينا، ونشرت أولى طبعاتها المعروفة عام 1499، في شكل رواية حوارية مجهولة المؤلف. وظهرت فصولها الستة عشر تحت عنوان كوميديا كاليستر وملبييا. وبعد ذلك بسنوات ثلاث زيدت إلى 21 فصلاً. مؤلف العمل كله هو فرناندو دي روخس. وتجمع لاثـِلْـِستينا بين منظور القرون الوسطى اللاهوتي ومفهوم الحياة والحب في عصر النهضة.

العصر الذهبي

القرن السادس عشر

شاعت روح عصر النهضة الإيطالية في الأدب الأسباني في القرن السادس عشر. كان التعبير الأدبي خلال تلك الفترة في صراع دائم مع محاكم التفتيش وهي محاكم أقامتها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، لمعاقبة من يخالف تعاليمها. في حين تأثر العديد من الأسبان ـ مثل خُوان لويس بيْبي والأخوان ألفونسو وخوان دي بالدسْ، بالمفكر ورجل الدين الهولندي دزيدريوس إرازموس الذي عمل من أجل إصلاح الكنيسة.

الشِّعْر

في أوائل القرن السادس عشر، أدخل كل من خوان بوسكان وگرثيلاسو دى لابگا عروضَ وأشكالَ وموضوعات شَعِرْ عصر النهضة الإيطالية، التي أثرت بسرعة في الشعر الأسباني، لكن كريستوبال دى كستييخو وگرگريو سيلڤستر، كانا من بين الذين حافظوا على التقليد القشتالي في نظم الأبيات القصيرة. في النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، كانت هناك مدرستان شعريتان أسبانيتان: مدرسة سلمنقة القشتالية، ومدرسة اشبيلية الأندلسية. كتب شعراء كلتا المدرستين على نهج الشاعر الإيطالي پترارك. ومع هذا تميزت مدرسة سلمنقة وشعراؤها ـ وأهمهم الراهب لويس دى ليون ـ بشيء من الوداعة والكثير من الرزانة في استخدام الاستعارة، أما شعراء مدرسة أشبيلية ـ ومن أهمهم فرناندو دى إريرا ـ فإنهم، من خلال الصور النابضة بالحياة، اهتموا بالإمكانات الشكلية للغة، وهو ما أدَّى إلى أسلوب الباروك، في القرن السابع عشر الميلادي. ومظهر آخر مهم من مظاهر الشعر الأسباني في القرن السادس عشر الميلادي هو الشعر الغنائي التأملي الروحاني. ومن أبرز رواده: سان خُوان دى لاكروث والراهب لويس دى ليون والراهب لويس دى گرانادا. كما أسهمت الكاتبة ذات النزعة التأملية الروحانية سانت تريزا دى أبيلا بالعديد من المؤلفات النثرية.

خوان دى أرگويخو 1567-1622 صاحب ديوان الرابعة والعشرين من أشبيلية التى تعتبر أحد الخلفاء الشرعيين لشعر إريرا «Herrera» ومن أوائل الأشعار التى فتحت أبواب عصر الباروك الاسباني]. فعلاقاته الضيقة بمثقفين أشبيلية سمحت له بالدخول للتقليد الأدبى التى أصبحت من أهم ما يمثله. حيث تصنف كأعلى إنتاج شعرى لعصر النهضة الإسباني والمدرس الفعلى لفن السوناتا. فإسم أرجيخو لم يكن مهملاً أبداً بين نخبة الشعراء أو بالنسبة للشعراء العصر الذهبي. فعمله محظوظ لأنه وضع بذور نشاطه وطوره في طور التكوين والنضج والتطهير وتحقيق الإمكانيات الداخلية للغة الإسبانية كلغة للشعر. وذاك أصبح إسهام عظيم من الشاعر أرجيخو في الأدب حيث أخذت سونيتاته الكمال الشكلي.

ربة الشعر الأيبيرية

كانت هذه فترة مفعمة بالنشاط والحيوية في أدب البرتغال. ذلك أن حافز الاكتشاف المثير، والثروة المنتشرة بفضل التوسع في التجارة، والتأثير الإيطالي، والأدباء الإنسانيين في كويمبرا ولشبونة، والرعاية التي بسطها بلاط مثقف-كل هذا تضافر لإحداث ازدهار سيبلغ ذروته في "لوزيادات Os Lusíadas" كاموينز Luís de Camões ‏(1572). ونشبت معركة مرحة بين "المدرسة القديمة"-مدرسة جل ڤيسنتي الذي تعلق بالموضوعات والقوالب القومية، ومدرسة أبناء القرن الخامس عشر (ويقابله عندنا السادس عشر) الذين اتبعوا صادي مراندا في تحمسه للنماذج والأساليب الإيطالية والكلاسيكية. قد ظل ڤيسنتي-وهو "شكسبير البرتغالي"- طوال أربعة وثلاثين عاماً مهيمناً على المسرح بفصوله التمثيلية البسيطة... ورضى البلاط عنه، وتوقع منه إحياء كل حدث ملكي بمسرحية، وحين دب الشقاق بين الملك والبابا، سمح لجل بأن يهجو البابوية في غير تحرج حتى قال الياندر بعد أن شاهد إحدى هذه التمثيليات في بروكسل "ظنتني في قلب سكسونيا استمع إلى لوثر"(51). وكان هذا الكاتب المسرحي الخصب يكتب تارة بالإسبانية، وتارة بالبرتغالية، وتارة بكلتيهما، متخللاً كتاباته بنتف من الإيطالية والفرنسية واللاتينية الكنسية والعامية الريفية. وكثيراً ما كان يقطع حركة المسرحية- كشكسبير- بأشعار غنائية تتسلل إلى قلوب الشعب. وكان ڤيسنتي كشكسبير ممثلاً كما كان كاتب تمثيليات ومديراً للمسرح ومشرفاً على تنظيم مكان وزمان المشاهد المسرحية، وكان إلى ذلك من خيرة صاغة الذهب في جيله.

وفي 1524 عاد فرانشسكو صادي مراندا من إيطاليا بعد أن قضى فيها ست سنوات وجلب معه الحمى الكلاسيكية التي أتت بها النهضة. وكما فعل رونسار وجماعة البلياد في فرنسا، وسپنسر وسدني في إنجلترا، رأى مراندا أن يضفي الكرامة والوقار على الأدب القومي بصوغ موضوعاته وبحوره وأسلوبه على غرار القوالب الكلاسيكية. وقد سلك پترارك في عداد الكلاسيكيين- شأنه في ذلك شأن يواكيم دبلليه- وقدم السونيت لمواطنيه. وكما فعل جوديل، كتب مراندا أول مأساة كلاسيكية بلغته القومية (1550)، وكان من قبل (1527) قد ألف أول ملهاة نثرية برتغالية ذات شكل كلاسيكي. أما صديقه برنارديم ربيرو فنظم شعراً ريفياً بأسلوب فرجيل، وعاش مأساة على طريقة تاسو، فقد أثار بغرامه بإحدى نساء البلاط ضجيجاً عالياً انتهى بنفيه من وطنه، ثم عفا عنه ورضى عنه مليكه، وأخيراً مات مجنوناً (1552).

وقد سجلت مدرسة من المؤرخين تنبض كتبهم بالحياة الانتصارات التي أحرزها المستكشفون. ومن هؤلاء المؤرخين كاسپار كوريا الذي ارتحل إلى الهند وارتقى في السلم الوظيفي حتى أصبح أحد سكرتيري ألبوكيرك، وندد بفساد الموظفين الحكوميين، ثم قتل في ملقا في 1565. وقد ألف إبان هذه الحياة النشيطة، في خمسة مجلدات، كتاباً سماه "خلاصة موجزة" للفتح البرتغالي للهند، مفعماً بالأوصاف البهية التي اتسم بها عصر التوسع هذا. أما فرناو لوپيش دي كاستانيدا Fernão Lopes فقد قضى نصف حياته في الشرق، وأنفق جهداً امتد عشرين عاماً في كتابة "تاريخ لكشف البرتغال وفتحها للهند". أما جواو دي باروس فقد شغل عدة وظائف إدارية في "بيت الهند" بلشبونة على مدى أربعين عاماً، وأخجل سلفه بزهده في جمع المال. وكانت المحفوظات والسجلات جميعها في متناوله، فألف بينها في تاريخ اكتفى بتسميته "آسيا" ولكن الكتاب اكتسب اسماً آخر هو "العقود" لأن ثلاثة من مجلداته الأربعة الضخمة تناول كل منها فترة عشر سنوات تقريباً، والكتاب في ترتيبه ودقته ووضوحه بثبت للمقارنة بأي مؤلف تاريخي معاصر له باستثناء أعمال مكيافللي وجويتشارديني. ولو أخذ رأي أمته الفخورة لأنكرت هذين الاستثنائيين، فقد خلعت على باروس لقب "ليفي البرتغالي".

كانت اللغة القشتالية قد أصبحت اللغة الأدبية لأسبانيا. وعاشت اللهجات الجليقية والبلنسية والكتلونية والأندلسية في الحديث الدارج، وأصبحت اللهجة الجليقية اللغة البرتغالية، ولكن استخدام القشتالية لغة للدولة والكنيسة أيام فرديناند وإيزابلا وكسيمينيس ارتفع بهذه اللهجة إلى مقام لا يضارع، ومنذ ذلك العهد إلى يومنا هذا كان رنينها القوى الأداة المعبرة عن أدب أسبانيا. وقد أبدى بعض كتاب هذا العصر ولعاً باللغة. فضرب أنطونيو دي جيفارا المثل في البحوث اللغوية والمحسنات البلاغية. وقد أعانت ترجمة اللورد بيرنرز لكتاب جيفارا "مزولة الأمراء" (1529) على صياغة ذلك التأنق اللفظي الذي يتسم به كتاب جون لابلي Euphues واللعب السخيف بالألفاظ الذي نلحظه في كوميديات شكسبير الأولى.

وتغنى الأدب الأسباني بالدين والحب والحرب. وبلغ الولع بروايات الفروسية مبلغاً حمل مجلس النواب الأسباني في 1555 على أن يوصي بحظرها قانوناً، وقد صدر هذا المرسوم فعلاً في أمريكا الإسبانية، ولو أنه نفذ في أسبانيا لكان من الجائز أن نحرم من دون كخوته". ومن بين الروايات التي أبقى عليها الكاهن أثناء تنقيته لمكتبة "الفارس" رواية ألفها جورجي دي مونتيمايور تدعى Diana enamorata (1542)، وهي تقليد لرواية "أركاديا" التي كتبها الشاعر الأسباني الإيطالي ساناتزارو (1504)، وقد قلدها هي الأخرى السير فليب سيدني في قصة أركاديا (1590). ورواية موننيمايور النثرية الشعرية مثال من مئات الأمثلة على تغلغل النفوذ الإيطالي في الأدب الأسباني، وهنا أيضاً نرى المغلوب وقد غلب غالبيه. وترجم خوان بوسكان "Cortigiano" لكاستليوني نثراً لا يقل روعة عن الأصل، ووافق على اقتراح الشاعر البندقي نافاجيرو بتعميم شكل السونيت في أسبانيا.

وللتو تقريباً التقى صديقه جاركيلازو دي لافيجا بالسونيت إلى مرتبة الكمال في اللغة القشتالية. وكان ككثيرين من كتاب هذه الفترة الأسبان سليل أسرة عريقة، إذ أن أباه كان سفيراً لفرديناند وإيزابللا في روما. وقد ولد جاركيلازو بطليطلة عام 1503، ونذر للجندية مثل صباه. وفي 1532 أبلى أحسن البلاء في رد الترك عن فينا، وفي 1535 جرح مرتين جراحاً خطيرة في حصار تونس، وبعد ذلك بشهور شارك في حملة شارل الخامس الفاشلة على بروفانس. وفي فريجي تطوع بأن يقود هجوماً على قلعة تعرقل تقدم الجيش، وكان أول المتسلقين لسور القلعة، فتلقى ضربة على رأسه قضت عليه بعد أيام وهو في الثالثة والثلاثين. وفي إحدى قصائده السبعة والثلاثين التي تركها لصديقه بوسكان تسمع نغمة تتردد في كل الحروب: يقول "والآن أصابت اللعنة أشد ما أصابت جيلنا هذا، وكل ما مضى يتغير من سيئ إلى أسوأ، وأحس كل منا وطأة الحرب-حرب تتلوها حرب، ونفي وأخطار ورعب-وكلنا سئم في صميم نفسه من رؤية دمه مراقاً على رمح وهو حي لأن الرمح لم يصب هدفه. وقد فقد بعض القوم بضاعتهم وكل متاعهم، وذهب كل شيء، حتى اسم المنزل والأسرة والزوجة والذكرى. وما جدوى هذا كله؟ أبعض الشهرة؟ أم شكران الأمة؟ أم مكان في التاريخ؟ سيكتبون يوماً كتاباً، وعندها سنرى"(52).

ولم يعش ليره، ولكن مئات الكتب خلدت ذكراه في إعزاز كبير. وسجل المؤرخون موته باعتباره أحد أحداث عصره الكبرى. وطبعت أشعاره في مجلدات سهلة التداول حملها الجنود الأسبان في جيوبهم إلى عديد من الأقطار. ولحن الموسيقيون الأسبان شعره قصائد غنائية، وأحال كتاب المسرحيات حوار قصائده الرعوية تمثيليات.

أما المسرحية الأسبانية فتوقفت عن الحركة، ولم تدر أنها عما قليل ستكون قريعاً للمسرحية الإليزابيثية. وكانت الملهاة ذات الفصل الواحد، والهزليات الناقدة، والفصول المأخوذة من الروايات الشعبية، يمثلها الممثلون الجوالون في الميادين العامة أو في أفنية الفنادق الصغيرة، وأحياناً في مقر أمير أو بلاط ملك. وقد حقق لوبي دي رويدا، الذي خلف جل فيتشنتي باعتباره أهم مورد للفصول التمثيلية لهذه الفرق، لنفسه الشهرة، وأعطانا لفظاً جديداً، بمهرجيه (البوبو).

وكثر عدد المؤرخون. وعين كارل الخامس جونزالو فرنانديز دي أوفيدو مؤخراً رسمياً للدنيا الجديدة، وأنجز عملاً متوسط الجودة هو تأليف كتاب ضخم سيئ الترتيب سماه "التاريخ العام والطبيعي لجزر الهند الغربية" (1535)، وقد أثرى خلال الأعوام الأربعين التي قضاها في أمريكا اللاتينية بفضل التنقيب عن الذهب، وساءه كتاب "قصة خراب جزر الهند" (1539 وما بعدها) الذي فضح فيه بارتلمي دى لاس كازاس الاستغلال القاسي للعمال الوطنيين المستعبدين في المناجم الأمريكية. وكان لاس كازاس قد أبحر مع كولمبوس في 1502، وأصبح أسقفاً لكيابا بالمكسيك، وكرس حياته كلها تقريباً للدفاع عن قضية الهنود الحمر. وقد وصف في "مذكراته" التي وجهها للحكومة الإسبانية السرعة التي يموت بها الوطنيون في ظروف العمل الشاقة التي فرضها عليهم المستعمرون. فقال إن الهنود لم يألفوا غير العمل الخفيف بسبب حرارة مناخهم وبساطة طعامهم، ولم يستخرجوا الذهب من مناجمهم بل قنعوا بأخذه من سطح الأرض أو من قيعان الجداول الضحلة، ولم يستعملوه إلا حيلة. وقد قدر لاس كازاس أن السكان الوطنيين لجزر الهند تناقصوا من 12.000.000 (وهو رقم مغالي فيه ولا ريب) إلى 14.000 في ثمانية وثلاثين عاماً(53). وانضم المرسلون الدومنيكان والجزويت إلى لاس كازاس في الاحتجاج على هذا الرق الهندي(54)، وكانت إيزابللا لا تفتأ تندد به(55). ووضع فريداند وكسيمينيس شروطاً رحيمة بعض الشيء لتجنيد العمال الهنود(56)، ولكن تعليمات هؤلاء السادة بشأن معاملة الوطنيين كانت تلقي الإهمال في أغلب الأحيان أثناء استغراقهم الشديد في شئون السياسة الأوربية.

وقام جدل صغير حول فتح المكسيك. ذلك أن فرانشسكو لوييز دجومارا كتب يروي قصة هذا السطو الظالم في انحياز شديد لكورتيز. واحتج برنال دياز ديل كاستيللو على الرواية بأن ألف في 1568 "التاريخ الحقيقي لفتح إسبانيا الجديدة" وفيه دان كورتيز على اختصاصه نفسه بكل مفاخر الفتح ومكاسبه دون أن يترك إلا أقل القليل للجنود البواسل من أمثال برنال، هذا مع ثنائه على كورتيز مما يستحقه. والكتاب يستهوي القارئ لأنه يزخر بشهوة الحركة وبهجة الانتصار والدهشة البريئة مما كانت ترفل فيه مكسيك الأزاتكة من ثراء وترف. يقول "حين شاهدت ما أحاط بي من مناظر قلت لنفسي هذه جنة الدنيا" ثم يضيف "وهذا كله دمر"(57).

وقد نسبت أنضج المؤلفات في تاريخ إسبانيا، وأشهر رواية إسبانية كتبت في هذه الفترة، إلى كاتب واحد، اسمه دييجو أورتادو دي مندوزا ولد بغرناطة بعد أن فتحها فرديناند بنحو أحد عشر عاماً. وكان أبوه قد ظفر بالمجد لحسن بلائه في حصارها، فعين حاكماً للمدينة بعد سقوطها. وتلقى الفتى علومه في سلمنقة، وبولونيا، وبادوا، فحصل ثقافة عريضة في اللاتينية واليونانية والعربية، وفي الفلسفة والقانون، وراح يجمع النصوص الكلاسيكية بحماسة أمير من أمراء النهضة، وحين أراده سليمان القانوني أن يحدد المكافأة التي يختارها جزاء خدمات معينة أداها للباب العالي، لم يطلب سوى بعض المخطوطات اليونانية. وقد حظي بمكانة مرموقة خلال خدمته الدبلوماسية لشارل الخامس في البندقية وروما ومجمع ترنت، ولما وبخه البابا بولس الثالث على حملة رسالة جافة من شارل إلى البابا، أجاب بكل كبرياء النبيل الأسباني: "إنني فارس، وكان أبي فارساً قبلي، وبهذا الوصف أرى أن واجبي يقتضيني أن أصدع بأوامر سيدي الملك، دون أن يساورني أي خوف من قداستكم، ما دمت أراعي واجب التبجيل لنائب المسيح. إنني خادم لملك أسبانيا.. وما دمت ممثلاً له فأنا في مأمن حتى من سخط قداستكم"(58).

وتتشكك الأبحاث الحديثة في صحة نسبة أول رواية بطلها متشرد (Picaresque) في الأدب الأوربي لمندوزا، واسم الرواية "حياة ومغامرات لازاريللو دي تورميس". ومع أنها لم تطيع إلا عام 1553 فالراجح أنها كتبت قبل ذلك بأعوام كثيرة. ومما يثير الغرابة أن سليلاً لأسرة لا تفوقها في النبالة إلا الأسرة المالكة يختار لصاً ليكون بطلاً للقصة، وأشد غرابة أن رجلاً ربي في صباه ليكون قسيساً يهجو رجال الدين هجواً لاذعاً خمل محكمة التفتيش على حظر أي طبعات جديدة من الكتاب قبل تنقيته من جميع الشوائب المؤذية(59). ولازاريللو هذا صبي متشرد يتعلم حيل السرقات الصغيرة أثناء اشتغاله قائداً لمتسول مكفوف، ثم يرتقي إلى جرائم أكبر حين يعمل خادماً لكاهن، ثم لراهب، ثم لقسيس كنيسة خاصة، ثم لناظر زراعة، ثم لبائع متجول لصكوك الغفران. ولكن حتى هذا اللص الشاب، المتمرس بشئون هذه الدنيا، تروعه بعض الغرائب التي لجأ إليها بائع صكوك الغفران المتجول ترويجاً لبضاعته. يقول "يجب أن أعترف أنني-ككثيرين غيري-كنت مخدوعاً وقتها فحسبت سيدي آية في القداسة"(60). وقد أدخلت هذه الرواية المرحة "أسلوب المتشرد" gusto picaresco في القصص، وابتعثت عدداً لا يحصى من الروايات المقلدة لها، والتي بلغت الذروة في أشهر قصص التشرد، وهي جيل بلا (1715-35) لمؤلفها ألان لساج Lesage.

واعتكف مندوزا في غرناطة بعد أن نفي من بلاط فيليب الثاني لأنه جرد سيفه في جدل بينه وبين غريم، وهناك نظم أشعاراً خفيفة فيها من التحرر ما حال دون طبعها وهو حي، ثم روى قصة ثورة المغاربة في 1568-70 في "تاريخ حرب غرناطة" في نزاهة وإنصاف للمغاربة حبسا هذا الكتاب أيضاً عن النشر، فلم يتيسر طبعه إلا في 1610، ولم يطبع منه وقتها غير جزء واحد، واتخذ مندوزا من صالوست مثلاً يحتذيه ولكنه تفوق عليه، وسرق من تاكيتوس موضوعاً أو اثنين، ولكن يمكن القول على الجملة أن كتابه كان أول مؤلف أسباني تجاوز مجرد السرد الإخباري أو الدعاية إلى التاريخ الواقعي المفسر بإدراك فلسفي، والمعروض بمهارة أدبية. ومات مندوزا عام 1575 وهو في الثانية والسبعين، وكان من أكثر الشخصيات تكاملاً في عصر حفل بالرجال المتكاملين.

في هذه الصفحات العجلى يدخل الضمير دائماً في سباق مع الزمن، وينبه القلم المستعجل إلى أنه، كالمسافر المسرع، إنما يمس السطح فقط. فكم من ناشرين ومعلمين وعلماء وأدباء ورعاة للعلم وشعراء وروائيين وثوار متهورين جاهدوا نصف قرن لينتجوا هذا الأدب الذي ضغطناه في هذه الصفحات. كم من روائع أغفلنا اسمها، وأمم ضربنا صفحاً عن ذكرها، وأشخاص كانوا يوماً في عداد العباقرة الخالدين أهملناهم إلا من كلمات معدودات! ولكن لا حيلة لنا في هذا. فالمداد ينضب، ويجب قبل نضوبه أن نقنع بما يسفر عنه رشاشة وخطوطه من صورة غائمة لرجال ونساء يتخففون برهة من عناء اللاهوت والحرب، ويحبون أشكال الجمال كما يحبون سراب الحقيقة والقوة، يبنون الألفاظ وينحتونها ويصورونها-إلى أن يجد الفكر فناً يكسوه، وتمتزج الحكمة بالموسيقى، وينهض الأدب ليتيح لأمة أن تتكلم، ولعصر أن يصب روحه في قالب شكل في شغف كبير ليصونه الزمن نفسه وينقله خلال مئات الكوارث تراثاً للبشرية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النثر

شاعت الرواية الرعوية خلال عصر النهضة. وما زالت روايتا ديانا (1559) لخورخى مونتمايو، وديانا العاشقة (1564) لگاسپار خيل پولو من أشهر الروايات الرعوية الأسبانية، إضافة إلى گالاتيا (1585) أول عمل طويل لسرڤانتس، وأركاديا (1598)، التي كتبها لوپى دى بيگا.

غير أن روايات الصعاليك هي ـ إلى حد بعيد ـ أشهر ما أضافه عصر النهضة الاسباني إلى الأدب العالمي. ويرى هذا النوع من الروايات المجتمع بعين الصعلوك وعادة ماتنطوي على سخرية لاذعة أو موعظة أخلاقية، وأولى روايات الصعاليك في رأي النقاد، لثريو دي تورمس (1554) وهي رواية مجهولة المؤلف صيغت في شكل سيرة ذاتية موجزة ويطرح هذا العمل تفسيرًا أخلاقيًا لمراحل حياة (لثريو)، ويتسم بالحدة في هجائه للكنيسة على نحو خاص. غدت شخصية لثريو شخصية أدبية شهيرة كان لها تأثيرات لاحقة في أسبانيا وفي دول أوروبية أخرى.

المسرحية

أحرز المسرح الأسباني تقدمًا بطيئًا على مدى القرن السادس عشر الميلادي. نشر برتولومى توتس نارو، في عام 1517 مجموعة مسرحيات ومقدمة حول النظرية المسرحية، كما استحدث لوبه دي رودا نوعًا من المسرحيات الهزلية القصيرة أطلق عليها اسم باسو. وكان خوان دي لا كوبيا أول كاتب أسباني يستلهم موضوعات مسرحياته من تاريخ اسبانيا ومن الأغاني الشعبية.

الباروك - القرن السابع عشر

Cervantes's Don Quixote is considered the most emblematic work in the canon of Spanish literature and a founding classic of Western literature

كتب ماتيو ألمان رواية قزمان دي الفرتشيه (الجزء الأول عام 1599م، والجزء الثاني 1604م) أعظم روايات الصعاليك بعد لثريو وهي أكثر تفصيلاً منها وتعرض لرؤية أشد مرارة وتشاؤمًا، إذ ترى أنه لاتبديل للطبيعة البشرية ولا لظروف الحياة؛ كما كتب الشاعر والهجَّاء فرنشيسكو دي كبيدو رواية لاذعة متشككة، حياة المحتال (1626م) وذاع صيته بعمله الهجائي الأحلام (1627م).

وتقابل مثالية رائعة سيرفانتس الأدبية دون كيشوت (الجزء الأول عام 1605م؛ والجزء الثاني عام 1615م) واقعية الرواية الصعلوكية. ودون كيشوت ، قصة ذلك النبيل الريفي الذي يعد نفسه فارسًا، مفعمة بالدعابة والشفقة. وتقابل الرواية بين المفهومين المثالي والعملي للحياة، كما أنها تحلل التباينات بين الظاهر والواقع. بيد أن سرفانتس تَخَطَّى عصره حين وهب شخوصه وموضوعاته صفات عالمية تنطبق على البشرية جمعاء. ولم يشتهر سرفانتس ككاتب مسرحي رغم أن مسرحياته الهزلية ذات الفصل الواحد إنترمس من أفضل أعماله.

وأشهر كتاب المسرح في العصر الذهبي هو لوبي دي فيجا الذي برز كأديب تفرد بالموهبة وغزارة الإنتاج، كتب أعمالاً شعبية تمزج بين عنصري الهزل والمأساة. وموضوعات مسرحيات لوبي ذات أصول متنوعة فهو كمبدع وطني، تناول أحداثًا تاريخية ومجد الأبطال القوميين وأضفى على الحكام صفات مثالية واختصهم بالعدل. وبعض مسرحيات لوبي من نوع العباءة والسيف تتأسس على الحب والشرف كمنبعين للصراع المسرحي. ومن خير مسرحياته فوينت أوبخونا (1619م) والعقاب بلا انتقام (1634م). ومن أشهر كتاب المسرح في هذه الفترة أيضًا تيرسو دي مولينا، الذي كتب محتال إشبيلية (1630م) ،وغيين دي كاسترو الذي ألف مسرحية شباب السيد (1618م؟) الشهيرة.

في أوائل القرن السابع عشر اتجه الفنانون إلى الإغراق في الزخرف وثقل الصنعة، ونتج عن ذلك أسلوب أطلق عليه الباروك . وفي أسبانيا، كان ثمة نموذجان لهذا الاتجاه وهما الكونثبتيسمو والكولترانيسمو وتميز النموذج الأول باستخدام بارع ومبهم للصورة والخطاب. وصاغ الكتاب استعارات معقدة، سميت أفكارًا لإبداع رؤى مركبة وأصيلة للحكاية. ويمثل هذا الاتجاه كل من كبيدو وبلتسار غرثيان بينما قاد لويس دي جونجورا حركة الكولترانيسمو لذا عرفت الحركة أيضًا باسم الجونجوريسمو. أبدع جونجورا شعرًا غنائيًا مفعمًا بالحياة والخيال والمؤثرات اللغوية الموسيقية وأضحت أشعاره الطويلة والمركبة، مثل بوليفمو وجالاتيا (1613م) وأغانيه ومنظوماته القصيرة نماذج لما استجد على الأدب من تطور.

وتأثرت المسرحية أيضًا بالأسلوب الباروكي. تربع بدرو كالديرون دولا باركا على عرش المسرح الأسباني خلفًا للوبي دي فيجا، ويعد أحيانًا أشد إتقانًا من لوبي في بناء حبكة مسرحه المعقدة. قام كالديرون بمسرحة أحلام الحياة وواقعها في عمله المتألق الحياة حلم (1635م). وطرق كالديرون في أغلب أعماله، موضوع الشرف والصراع بين الحب والغَيْرة وتؤكد مسرحياته التاريخية والدينية براعته الأدبية. استخدم كالديرون الرمز في مسرحياته اللاهوتية ليعبر، في شعر مهيب، عن تأملاته الفلسفية للحياة والموت والخطيئة الأصلية وحرية الإرادة. ومن أشهر مسرحياته اللاهوتية عشاء الملك بلتزار (1634م) و مسرح الدنيا العظيم (1649م).


الكلاسيكية المحدثة والرومانسية والواقعية

التنوير - القرن الثامن عشر

أفل نجم أسبانيا، سياسيًا واقتصاديًا وفنيًّا، مع نهاية القرن السابع عشر. وفي عام 1700 توِّج فيليب الخامس الفرنسي ملكًا لأسبانيا ليدشن بداية حكم أسرة البوربون. وكان من المحتم على الأدب الأسباني أن يطرق مجالات جديدة بوجود حكام فرنسيين في البلاد وبداية عصر العقل في بقية بلدان أوروبا.

كانت حركة إحياء العلوم والآداب والفنون القديمة (الإغريقية والرومانية) هي التي تأثرت بالآداب الإغريقية والرومانية تأثرًا شديدًا، وهي أهم اتجاه أدبي في القرن الثامن عشر الميلادي. وحاول العديد من الكتاب الأسبان أن يهذبوا الأدب الأسباني طبقًا لمقاييس الكلاسيكية الفرنسية بتنقية الكثير من الأدب الباروكي والتكلف والصنعة اللفظية.

في ذلك الوقت اتجه عدد قليل من الكتاب إلى كتابة الرواية. والرواية الوحيدة الجديرة بالذكر هي قصة الواعظ الشهير، الراهب خرونديو دي كمباثس (الجزء الأول 1758 والجزء الثاني 1768) لليسوعي خوزيه فرنشيسكو دي لا إسلا.

الرومانسية - القرن التاسع عشر

ساد أسبانيا مناخ ليبرالي جديد إثر وفاة الملك المحافظ فرناندو السابع، عام 1833 وعاد الكتاب الرومانسيون من منفاهم في بلدان أوروبا يحملون مؤثرات جديدة. وأكد أنخل ساڤدرا، دوق رييس نجاح المسرح الرومانسي بمأساته العاطفية دون ألبرو أو حتمية المصير (1835). وأصبحت مسرحية خوسيه ثوريا دون خوان تينوريو (1844) من أنجح الأعمال المسرحية الأسبانية. ويعد مريانو خوزيه دي لارا من أبرز كتاب النثر الرومانسي الأسباني؛ فقد نشر مقالاته الثاقبة في الصحف اليومية لتنتقد العديد من مشكلات أسبانيا السياسية والاجتماعية والأدبية. ومن أهم شعراء أسبانيا في القرن التاسع عشر الميلادي: خوسيه دى إسپرونسيدا الذي كتب قصيدة طالب سلمنقة (1836-1839) وگوستابو أدولفو بكير الذي عدَّ دائمًا أرهف شعراء القرن الماضي حسًا والذي يمثل انتقال أسبانيا إلى الشعر الحديث.

في منتصف القرن التاسع عشر، ذاعت في أسبانيا مقطوعات نثرية قصيرة عن العادات والتقاليد الإقليمية. من أشهر كتَّاب هذه المقالات: ماريانو خوزيه دي لارا، ورامون مسونيرو رومانوس، وسرافين إستبانث كالديرون. وهذا النوع من المقالات الذي أخذ اسم الكوسْتمْبرسمو هو نواة الرواية الواقعية المكتوبة في أواسط القرن التاسع عشر. نقلت شيشليا بو دي فابر، واسمها المستعار ڤرنا ن كابالييرو، وصف العادات إلى الرواية في النورس (1849). وكتب خوان بالرا، أحد أوسع كتاب القرن الماضي ثقافة، روايته النفسية المركبة پپيتا خيمنث (1874).

الواقعية

وكتب الناقد الأدبي ليوپولدو آلاس، واسمه المستعار (كلارين) رواية امرأة القاضي (1884-1885)، وهي من أهم روايات القرن التاسع عشر. بيد أن أكبر روائي أسباني في القرن الماضي وأفضل قصاص منذ سرفانتس هو بنيتو پيريث گالدوس وكتب 80 رواية و25 مسرحية. وتقوم معظم أعماله على أفكار تتعلق بالدين وبنية المجتمع. أبدع جالدوس شخوصًا عميقة وخاصة شخصياته النسائية كما نرى في رائعته فورتناتا وخاثنتا (1886-1887). وتنم أعماله عن بصيرة نافذة في تناول مظاهر الحياة في مدريد.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

القرن العشرون

جيل 1898

مجموعة من الكتاب ظهروا على الساحة الأدبية إبان فترة الحرب الأسبانية ـ الأمريكية، واضطلعوا بدورهم في تاريخ الأدب الأسباني. فبنهاية الحرب، عام 1898 فقدت أسبانيا آخر مستعمرات إمبراطوريتها الكبيرة فيما مضى، ودفع فساد الطبقة الحاكمة في أسبانيا وفقدان مستعمراتها فيما وراء البحار العديد من الأسبان إلى مراجعة ثقافة وحضارة الأمة.

وتمثلت المشكلة في: هل يستطيع التراث الثقافي الأسباني أن يتأقلم مع تقدم أوروبا الحديثة؟ وهل هو أصيل ومثمر إلى حد يكفل له البقاء؟ انبثقت عن تلك الدراسة للشخصية الأسبانية وللماضي، صحوة فلسفية وتاريخية وفنية تمخَّضت عن تعبير فني خصب.

وأهم شخصيات هذا الجيل: ميگل دى أونامونو الذي عبر عن أساه العاطفي والفلسفي في المعنى المأسوي للحياة (1913) وفي شعره ورواياته، مثل: رواية الضَّبَاب (1914) وعُدَّ أونامونو دائمًا سابقًا على الحركة الفلسفية المعروفة باسم الوجودية. وكتب خوسيه مرتينث رويث وصفًا رقيقًا وشجيًا لطبيعة أسبانيا وتاريخها. وكان پيو باروخا في مقدمة روائيي أسبانيا في أوائل القرن العشرين. من بين أعماله تلكائين المغامر (1909) و شجرة المعرفة (1911). ورسم شعر أنطونيو ماچادو بوضوح روح الريف في قشتالة. ولاح نثر رامون ماريا دل بالى-إنكلان الجميل والأصيل في روايته سوناتا الخريف (1902) كما استحدث نوعًا من المسرحيات يقوم على أساس العبث والمبالغة أطلق عليه إسپربنتو من أشهرها مسرحية أضواء بوهيميا (1924) التي رأى فيها أسبانيا مسخًا بشعًا للواقع. ومن رواد هذا الجيل فيلسوف ومؤرخ وناقد أدبي ذو شهرة عالمية هو خوسيه أورتيگا ي گاسيت، كما يجب ألا نغفل أسماء روائييْن ناجحيْن هما گابرييل ميرو ورامون پيريز دي أيالا.

الحداثة

بينما كان جيل 1898 يحاول الكشف عن الروح الأسبانية، ظهر التجديد في الشعر الغنائي، عبر مدرسة أدبية تسمى الحداثة تأسست على يد الشاعر النيكاراجوي روبن داريو، والرمزيين الفرنسيين. وتجمع الحداثة بين ثراء الشكل والموسيقى والتعبير في اللغة الأسبانية بمفاهيم شعرية جديدة تحقق الخصوبة للشعر الغنائي؛ من بين من يمثلون هذه المدرسة: مانول متثادو وگرگوريو مرتينث سييرا وخوان رامون خيمنث.


المسرحية

سادت أعمال خاثنتو بنابنته المسرح الأسباني في أوائل القرن العشرين ومن أهم أعماله: عبيد المصلحة (1907) و زهرة العاطفة (1913) ومن أشهر كتاب المسرح في تلك الفترة الأخوان سرافين و خواكين كنتيرو اللذان كتبا مسرحيات مسلية عن الحياة الأندلسية، وكارلوس آرنتش وبدرو مونيوث سكا.


جيل 1927

خلال عقدي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين اتجه العديد من الشعراء إلى شعر التراث الشعبي أو إلى الگونگوريسمو، لينهلوا منه. وعرف هؤلاء الشعراء، الذين احتفلوا بمرور 300 عام على وفاة لويس دي جونجورا عام 1627 بجيل 1927. وضم پدرو ساليناس وخورخه گيين وليون فليبه وفيدريكو گارسيا لوركا ودمسو ألونسو ولويس ثرنودا ورفائيل ألبرتي وبيثينته أليكسندره، وفيدريكو جارسيا هو أيضًا أبرز كتاب المسرح في تلك الفترة. فقد كتب ثلاثة أعمال مأساوية غنائية مؤثرة عن حياة الريف عُرس الدم (1933) ويرما (1934) وبيت برنارد ألبا (1936).


الأدب الأسباني اليوم

أحدثت الحرب الأهلية الأسبانية (1936-1939م) قطيعة في مسيرة الأدب الأسباني، فقتل بعض الكتاب في الحرب وأهمهم لوركا، ونفي بعضهم الآخر. واستلزم عالم الأدب بعضًا من الوقت ليضمد جراحه. واصل كثير من الكتاب من بينهم الروائيان فرنثيسكو أيا لا ورامون سندر والكاتب المسرحي الخاندرو كاسونا كتاباتهم في المنفى. بعد الحرب نشرت رواية كميلو خوزيه ثلا عائلة بسكوال دوارته (1942م) ثم رواية كارمن لافورت لاشيء (1944م) ثم رواية ثلا الخلية (1951م).

في منتصف القرن العشرين ظهر العديد من الأدباء الشبان، الذين اتسمت أعمالهم في بادئ الأمر بالواقعية بيد أنهم اتجهوا فيما بعد صوب مساحات أشد جرأة وتجريبية. من بين أفضل الروايات بعد منتصف الخمسينيات من القرن العشرين نهر الخراما (1956م) لرفائيل سانشث فرلسيو، وزمن الصمت (1962) للويس مرتين سانتوس وخمس ساعات مع ماريو (1966م) لميجل دليبس وانتقام الكونت بليان (1970م) لخوان جويتيسولو وإن قالوا لك إني سقطت (1973م) لخوان مرسيه والحقيقة في قضية سفولتا (1975م) لإدواردو مندوثا والحجرة الخلفية (1978م) لكارمن مرتين جيته.

يمثل مسرح هذه الفترة مؤلفون شديدو التباين في أساليبهم. فكتب ميجل ميورا أعمالاً هزلية مرحة ودشن أنطونيو بويرو باييخو الاهتمام الجديد بالمسرح الجاد، في مسرحيته قصة سلم (1949م) وكتب ألفونسو ساستره مسرحيات فلسفية وسياسية. وذاعت شهرة ألفونسو باسو بما أنتجه من ملهاة اجتماعية. وحظيت مسرحيات فرناندو أربال التجريبية المثيرة للجدل باهتمام عالمي. وكتب خوزيه مرتين ركوردا أعمالا جادة حول القيم في المجتمع الأسباني.

اتجه شعراء مابعد عام 1939م نحو أشكال أبسط في التعبير من تلك التي كان يفضلها شعراء جيل 1927م. فقد كتب خوسيه لويس كانو وديونيسيو رودريخو شعرًا رصينًا معبّرًا وعكس جبرييل ثلاثا وبلاس دي أثيرو وآخرون همومًا اجتماعية في شعرهم. وهناك آخرون أقل التفاتا إلى الواقعية الاجتماعية، من بينهم كلاوديو ردريجث وكارلوس بوسونيو. أما شعراء الجيل الجديد، والمعروفون باسم نوفيسيموس فطرحوا جانبًا الهموم الاجتماعية واهتموا بقضايا ذاتية وشخصية وفكرية. من شعراء هذا الجيل: جيلير كارينرو ولويس أنطونيو دي بيينا.

اسكتش

المصادر

  1. ^ "الأسباني، الأدب". الموسوعة العربية الشاملة. Retrieved 2009-04-13.
  2. ^ Linda Fish Compton: Review of Andalusian Lyrical Poetry and Old Spanish Love Songs: The "Muwashshah" and Its "Kharja." by S. G. Armistead", Hispanic Review, Vol. 46, No. 1. (Winter, 1978), pp. 92-95 [1]: "The use of Mozarabic should not be limited to "Christians and Jews living under Muslim rulers", since it is clear that most Hispano-Moslems also spoke [it]"
  3. ^ أ ب LIPSKI, John M.: "Review of El Mozarabe de Valencia by Leopoldo Penarroja Torrejon", International Journal of Middle East Studies.Vol. 24, No. 3 (Aug., 1992), pp. 519-521[2]
  4. ^ CASTRO, Américo: "Mozarabic Poetry and Castile", Comparative Literature. Vol. 4, No. 2 (Spring, 1952), pp. 188-189.[3]: "[...] The new-found Mozarabic poetry is not written in Castilian, and that therefore its existence cannot be used to prove that there was a lyric poetry in Castile"

انظر أيضاً

وصلات خارجية