أبو تغلب الحمداني

أبو تغلب الحمداني هو أبو تغلب فضل الله الغضنفر بن الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان التغلبي الملقّب عـُدّة الدولة، وهو ابن أخي سيف الدولة علي بن أبي الهيجاء، من أمراء الدولة الحمدانية في الموصل .(ت 369هـ/980م) حاكم الموصل والجزيرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

أسس الدولة الحمدانية في الموصل ونواحيها الحسين بن حمدان الذي خلفه ابن أخيه الحسن بن أبي الهيجاء الملقب بناصر الدولة (317-356هـ). وكان ناصر الدولة قد خلّف أبناء كثيرين ذكوراً وإناثاً لعل أبرزهم أبو تغلب الذي مارس شؤون الحكم والإدارة في حياة أبيه، وعندما كبر ناصر الدولة وساءت طباعه وتضعضعت مداركه وتغيّرت أحواله وغلبه سوء الظن والتقتير على أولاده والحاشية، وصار مخالفاً في مصالحهم ضجروا منه وصاروا يرفضون مشورته ويتمردون عليها، وكان أبو تغلب أكثرهم تمرّداً. ولكن التمرّد الحاسم والانقلاب عليه تمّ عندما مات معز الدولة البويهي وخَلَفهُ في بغداد ابنه عز الدولة بختيار، فطمع أبو تغلب ومناصروه من إخوته باحتلال حاضرة الخلافة وإطاحة البويهيين والوثوب على السلطة فيها. وكان رأي ناصر الدولة ألا يستعجل بنَوه تنفيذ مشروعهم وأن يتلبّثوا ريثما يبدد بختيار أمواله الضئيلة، حينئذٍ يستطيعون شراء مؤيديه بالمال الذي يملكون منه الكثير. غير أن أبا تغلب لم ترقه هذه النصيحة التي تحد من طموحه، فقام باعتقال أبيه ومَنَعهُ من التصّرف وحبسه في قلعة كواشي في الموصل ووكل به من يخدمه إلى أن مات مُعتَقَلاً عام 358هـ/968م.

وقام أبو تغلب بالاستيلاء على السلطة بمساندة معظم إخوته. وبدا واضحاً أن عمل أبي تغلب قد مزّق وحدة الأسرة الحمدانية وتضامنها بعدما افتقدت عميديها ناصر الدولة وسيف الدولة . وفرّق الإخوة إلى فريقين: فريق أبي تغلب ويسانده معظم إخوته وعلى رأسهم شقيقته جميلة وشقيقه أبو البركات لطف الله، وفريق أبي المظفّر حمدان والي الرّحبة وماردين والرقّة يؤازره أخوه أبو الفوارس محمد والي نصيبين. خاض أبو تغلب مجابهات عدة مع خصمه الرئيسي حمدان ومناصريه في المدة بين 356-363هـ/966-973م، تخللّتها مصالحات مؤقتة إلى أن تمكّن من طرد أخويه حمدان وإبراهيم ومن معهما من مواقعهم، فلجؤوا إلى بختيار في بغداد وحرضوه على أبي تغلب حتى وقع خلاف بينهما، انتهى إلى اتفاق صلح مُوثَّق بيمين وفق شروط سخيّة نالها الحمداني ومنها أن بختيار زوّجه ابنته، وأن الخليفة المطيع منحه لقباً سلطانياً رفيعاً هو عدّة الدولة، وأسند إليه جميع السلطات في إقليم الجزيرة، فقوي نفوذه وتوسّع سلطانه كثيراً. غير أن حمدان ظل يعمل بكل وسيلة للانتقام من أبي تغلب ويؤلّب بختيار عليه. وتبدل الموقف في عام 366هـ/976م، فقد مات ركن الدولة وخلفه ابنه عضد الدولة وسار إلى بغداد، وبدا أنه الأقوى فحالفه أبو تغلب. وتمكن عضد الدولة من الاستيلاء على السلطة في بغداد، وسمح لبختيار بالخروج إلى الشام ليملكها شريطة ألا يتعرض لأبي تغلب في الموصل بسوء، ولكن بختيار بتأثير حمدان تحوّل يريد الموصل، لولا أن أبا تغلب حال دون ذلك وأبطل تدبير أخيه وأرسل الهدايا إلى بختيار ومنّاه بمحالفته على ابن عمه عضد الدولة في مقابل تسليمه حمدان. وقد نجح في مسعاه، وقبض أبو تغلب على حمدان وحبسه ثم قتله بمساعدة أخته جميلة. وبرّ أبو تغلب بوعده واتجه مع حليفه عز الدولة بختيار نحو بغداد، فخرج إليهما عضد الدولة بجيشه، والتقى الجمعان قرب سامراء في 367هـ/977م، وهزم عضد الدولة خصومه هزيمة ساحقة، وجُرِح بختيار وأُسِر ثم قُتِل بأمر ابن عمه، وفرّ أبو تغلب إلى الموصل وما عتّم أن أخلاها وقصد ميافارقين هرباً من تعقّب جيوش عضد الدولة له تصحبه شريكته جميلة، ودخل عضد الدولة الموصل ونظّم إدارة نواحيها، ثم تابع ملاحقة أبي تغلب، فنقل هذا أهله إلى حصن بدليس، وأخذ يتجول غير آمن من موقع إلى آخر، في حين كانت قوات عضد الدولة تستولي على حصون أبي تغلب الواحد تلو الآخر. ولما أَيِس أبو تغلب من الحصول على مبتغاه عاد إلى آمد وبقي فيها شهرين ينتظر مصيره. واقترب الخطر بعد تسليم أهل ميافارقين مدينتهم إلى أبي الوفاء قائد عضد الدولة، وتوجّهت فرقة من الجيش البويهي إلى آمد. فأرسل أبو تغلب أهله وأخواته الأخريات لاجئات إلى أبي الوفاء، وفرّ مع شقيقته جميلة إلى الرّحبة. واستسلمت آمد وخضعت الجزيرة كلها للجيش البويهي، وأعيد تنظيم إدارتها لمصلحة البويهيين، واستمر أبو تغلب من جانبه يراسل من الرحبة عضد الدولة ويستعطفه دون جدوى. وساء وضعه حينما تخلى عنه أخوه ورسوله أبو عبد الله الحسين وحلفاؤه ومالوا إلى عضد الدولة، فضاعت كل آماله بالنصر أو الصلح. وبات جلياً أن عضد الدولة لن يتراجع عن عزمه على تحطيم قوة الحمدانيين في الجزيرة نهائياً، ووضع المنطقة تحت سلطانه. وأدرك أبو تغلب أن مُلْكَه في الموصل قد ضاع إلى غير رجعة، فقصد دمشق، في حين استولى عضد الدولة على الرحبة وما يتبعها من حصون وقفل راجعاً إلى بغداد. واضطر أبو تغلب إلى الإقامة في ظاهر دمشق، فقد منعه قسّام الجبليّ التلفيتي الحارثي زعيم الأحداث. المتسلط على المدينة من دخولها، فكتب أبو تغلب إلى الخليفة الفاطمي العزيز يطلب توليته دمشق، فماطله وطلب إليه الشخوص إلى مصر، فرفض ورحل إلى طبرية ومنها إلى الرملة في جمع من حلفائه بني عقيل محاولاً الاستيلاء عليها من دغفل بن المفرّج بن الجراح الطائي أمير بادية الشام المشايع للفاطميين، فأسره دغفل وقتله وأرسل رأسه إلى مصر.


المصادر