الاقتصاد الروماني

(تم التحويل من اقتصاد روماني)
صراف روماني على "بنك" (طاولة) لعد النقود

تاريخ الاقتصاد الروماني يغطي فترة كل من الجمهورية الرومانية والامبراطورية الرومانية. قادت الأبحاث مؤخراً إلى اعادة تقييم إيجابية لحجم وتطور الاقتصاد الروماني.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النظام الاقتصادي للدولة

ترى إلى أي حد حاولت الحكومة في عهد الإمبراطورية أن تسيطر على الحياة الاقتصادية؟ لقد حاولت أن تعيد ملكية الأرض إلى الفلاحين، ولكنها عجزت عن ذلك إلى حد كبير. ولقد كان الأباطرة في هذه الناحية أكثر استنارة من مجلس الشيوخ لأن هذا المجلس كان خاضعاً لسيطرة أصحاب الضياع الكبيرة. وأراد دومتيان أن يشجع زراعة الحبوب في إيطاليا ولكنه لم يفلح فيما كان يرمي إليه، ولهذا كانت إيطاليا على الدوام تخشى الهلاك جوعاً. وأرغم فسبازيان مجلس الشيوخ على أن يرضى به إمبراطوراً بسيطرته على مصر وكانت وقتئذ مصدر القمح الذي تحتاجه إيطاليا، وأراد سبتميوس أن يحذو حذوه باستيلائه على شمالي أفريقية. وكان على الدولة ان تضمن استيراد الحبوب إلى إيطاليا وتوزيعها، وقد اضطرها هذا إلى أن تشرف بنفسها على الاستيراد والتوزيع. وكانت تمنح بعض الامتيازات للتجار الذين يستوردون الحبوب إلى إيطاليا وقد ضمن لهم كلوديوس أن يعوضهم مما عساهم أن يتعرضوا له من الخسارة؛وأعفى نيرون سفنهم من ضريبة الأملاك، وكان تأخر سفن أسطول الحبوب عن الوصول في موعدها أو تحطمها هو السبب الوحيد الذي يدفع الشعب الروماني إلى شق عصا الطاعة.

وكانت السياسة الاقتصادية الرومانية تسير على مبدأ التخلي Laissez faire مع استتثناء امتلاك الدولة للمناجم ومقالع الأحجار، ومصايد السمك، ورواسب الملح، ومساحات واسعة من الأرض المنزرعة(86). وكانت الفيالق الرومانية تصنع الآجر والقرميد اللازمين لمبانيها، وكثيراً ما كانا يستعملان في المنشآت العامة وخاصة في المستعمرات، والراجح أن صناعة الأسلحة وعدد الحرب كانت وقفاً على دور الصناعة التي تمتلكها الدولة، وليس ببعيد أنه قد وجدت في القرن الأول مصانع تمتلكها الحكومة كالتي نسمع عنها في القرن الثالث(70). وكانت الأعمال العامة تعطي في العادة للمقاولين تراقبهم الحكومة مراقبة بلغت من الدقة حداً اضطرهم إلى القيام بها عادة على الوجه الأكمل، وبأقل ما يستطاع من الارتشاء والفساد(70). ثم أصبحت هذه الأعمال حوالى سنة 80 م بقوم بعدد متزايد منها المحررون من عبيد الإمبراطور، ويعمل فيها عبيد الحكومة، ويلوح أن الغرض الوحيد من إقامة هذه المشروعات في جميع الأوقات هو تخفيف حدة التعطل (71).

وكانت ترفض على التجارة ضريبة يسيرة مقدارها 1% من ثمن المبيعات، ورسوم جمركية قليلة، وعوائد في بعض الأحيان على مرور البضائع فوق الجسور واجتيازها المدن. وكان الإدليون Aediles يراقبون تجارة الأشتات وفق نظام بلغ الغاية في الجودة، ولكننا إذا جاز لنا أن نصدق ما ورد على لسان شخص حانق في بترونيوس فإنهم لم يكونوا خيراً من أمثالهم من الموضفين في غير ذلك الوقت؛ " فقد كانوا يقبلوا الرشوة من الخبازين وأمثالهم من السفلة.. . وأفواه الرأسماليين مفتوحة على الدوام " (72) وكانت الشئون المالية تتأثر بتدخل الحكومة في قيمة العملة، وبمنافسة مالية الدولة للمصاريف، ويلوح أن بيت المال كان يضطلع بأكثر الأعمال المصرفية في الإمبراطورية بأجمعها. فكان يفرض المال بالربا للزراع بضمان محصولاتهم ولسكان المدن بضمان أثاث بيوتهم(73). وكانت الحروب عوناً للتجارة لأنها كانت تفتح لهاموارد وأسواقاً جديدة وسيطرة على الطرق التجارية. من ذلك أن حملة جالس Gallus على بلاد العرب فتحت الطرق إلى بلاد الهند وتغلبت على منافسة العرب والبارثيين. وكان بلني يشكو أن الحروف تشن كي تجد السيدات الرومانيات ويجد الغنادرة من الشبان مجالاً واسعاً للحصول على القصور(74).

ويجب ألا نبالغ في تقدير ثروة رومة القديمة، ذلك أن مجموع إيرادات الدولة في أيام فسبازيان لم تزد على 1.500.000.000 سسترس (150.000.000 ريال أمريكي)...وهي أقل من خمس ميزانية بيويورك اليوم. ولم تكن الوسائل التي تمكن الناس من جمع ثروات طائلة بطريق الإنتاج الكبير معروفة في ذلك الوقت أو أنها لم تكن يُعنى بها، ولم تكن قد نشأت وقتئذ صناعة العالم الحديث وتجارته اللتان يمكن أن تفرض عليهما الضرائب العالية. ولم تكن الحكومة الرومانية تنفق على الأسطول الحربي إلا القليل من المال، ولم تكن تنفق شيئاً على خدمة الدين العام، فقد كانت تعيش على مواردها لا على ديونها. وإذ كانت معظم الصناعات منزلية فإن منتجاتها كانت تنتقل إلى المستهلك دون أن يعترضها من الوسطاء والضرائب ما يعترضها في هذه الأيام، فقد كان الناس ينتجون للبيئة التي يعيشون فيها أكثر مما ينتجون للسوق العامة، وكانوا يعملون لأنفسهم أكثر مما نعمل اليوم، ولغيرهم ممن لا يرونهم أقل مما نعمل نحن. وكانوا يستخدمون أجسامهم أكثر منا، ويعملون زمناً أطول منا، وكانوا في عملهم أقل منا حدة وانكباباً على العمل، ولم يكونوا يشعرون بأنهم محرومون من آلاف الكماليات التي لا تتراءى لهم في احلامهم، ولم يكن في مقدورهم أن يشرعوا في اقتناء الثروة التي تضارع ثروتنا نحن في السنين العجاف؛ ولكنهم كانوا يستمتعون بقدر من الرخاء لم تعرف أمم البحر الأبيض المتوسط نظيراً له من قبل ونستطيع أن نقول بوحه عام إنها لم تر ما يماثله بعد. وملاك القول أن العالم القديم وصل في تلك الأيام إلى أعلى درجات عظمته المادية.


التعدين وعلم المعادن

World production of lead, estimated from Greenland ice cores, peaked in the 1st century CE, and strongly declined thereafter.[1] World production would only surpass Roman levels in the middle of the 18th century.

وكانت الصناعات التي تستخرج موادها الغفل من باطن الأرض يقوم بها كلها تقريباً العبيد والمجرمون، وكانت مناجم الذهب والفضة في داشيا وغالة وأسبانيا، ومناجم الرصاص والقصدير في أسبانيا وبريطانيا،ومناجم النحاس في قبرص والبرتغال، ومناجم الكبريت في صقلية، والملح في إيطاليا،والحديد في إلبا، والرخام في لونا Luna وهيمتس Hymettus وباروس Paros، والحجر السماقي في مصر، كانت هذه كلها وغيرها من موارد الثروة التي تستخرج من باطن الأرض تمتلكها الدولة وتستغلها بنفسها أو تؤجرها لغيرها، وكانت مصدراً هاماً من مصادر الإيراد القومي؛ وحسبنا دليلاً على أهميتها أن فسبازيان كان يحصل من مناجم الذهب في أسبانيا وحدها على ما قيمته 44.000.000 دولار في كل عام. وكان البحث عن الثروة المعدنية من أهم أسباب الفتوح الاستعمارية، ومن أقوال تاستس في هذا المعنى أن ثروة بريطانيا المعدنية كانت "جزاء النصر" الذي ظفر به كلوديوس في حروبه. وكان الخشب والفحم النباتي أهم أنواع الوقود، وكان البترول معروفاً في كمجيني Commagene وبابل وبارثيا، وكان المدافعون عن ساموساتا Samosata يلقونه متقداً على مشاعل على جنون لوكلس، ولكننا لم نعثر على شاهد يدل على انه كان يستخدم وقوداً على نطاق تجاري . وقد عثر على الفحم الحجري في البلوبونيز وفي شمال إيطاليا، ولكن أكثر من كاوا يستخدمونه هم الحدادون. وكانت صناعة كبرتة الحديد لتحويله إلى فولإذ قد انتشرت من مصر إلى كافة أنحاء الإمبراطورية. وكان معظم صناع الحديد، والنحاس، والذهب، والفضة، يقومون بأعمالهم في مصاهر خاصة يعملون فيها بمساعدة صبي أو صبيين. وفي كابوا ومنتورني Menturnae وبتيولي Puteoli وأكويليا Aquileia وكومو Como وغيرها من البلاد انضمت عدة أفران ومصاهر وتكونت منها مصانع كبيرة. ويلوح ان مصانع كاوا كانت مشروعات رأسمالية ذات إنتاج ضخم، تعتمد على أموال تأتيها من خارجها.


The invention and widespread application of hydraulic mining, namely hushing and ground-sluicing, aided by the ability of the Romans to plan and execute mining operations on a large scale, allowed various base and precious metals to be extracted on a proto-industrial scale only rarely, if ever, matched until the Industrial Revolution.[2]

الانتاج السنوي للمعادن بالطن المتري
الناتج السنوي تعليق
الحديد 82,500 t[3] Based on "conservative estimate" of iron production at 1.5 kg per head, assuming a population size of 55m[4]
النحاس 15,000 t[5] Largest preindustrial producer[6]
الرصاص 80,000 t[7] Largest preindustrial producer[8]
الفضة 11,200 t[9] At its peak around the mid-2nd century AD, Roman stock is estimated at 10,000 t, five to ten times larger than the combined silver mass of medieval Europe and the Caliphate around 800 AD.[10]
الذهب 11,119 t[11] Production in Asturia, Callaecia, and Lusitania (all Iberian Peninsula) alone


The most common fuel by far for smelting and forging operations, as well as heating purposes, was wood and particularly charcoal, which is nearly twice as efficient.[12] In addition, coal was mined in some regions to a fairly large extent: Almost all major coalfields in Roman Britain were exploited by the late 2nd century AD, and a lively trade along the English North Sea coast developed, which extended to the continental Rhineland, where bituminous coal was already used for the smelting of iron ore.[13]


النقل والمواصلات


التجارة

Green Roman glass cup unearthed from an Eastern Han Dynasty (25-220 AD) tomb, Guangxi, China; the first Roman glassware discovered in China, dating to the early 1st century BC, was excavated from a Western Han tomb in the southern port city of Guangzhou, most likely arriving via the Indian Ocean and South China Sea.[14]

في عام 449 قبل الميلاد أصدرت حكومة روما قانون الألواح الإثنى عشر لتنظيم الحياة التجارية والاجتماعية والأسرية. بعض ما تضمّنته تلك الألواح كان منطقياً ومتسقاً مع اقتصاد يحترم العقود والتجارة، ولكن بعضه الآخر تضمّن عقوبات تعسفية قاسية، ومنح سلطات وصلاحيات غير مبررة لعدد من الفئات فى تنفيذ تلك العقوبات.

تشريعات رومانية أخرى عمدت إلى وضع حد أقصى لسعر الفائدة الدائنة عند 8% تقريباً، وكانت الحكومة الرومانية قد اعتادت كل فترة إسقاط الفوائد المستحقة فى تعاملات القطاع الخاص، بحيث تسقط قانوناً كل الفوائد المستحقة على المدينين تجاه الدائنين فى المجتمع.

كذلك لجأت روما كثيراً إلى فرض تسعيرة جبرية على القمح، وكانت تقوم بشراء المحصول خلال فترات نقص الإنتاج، وتعيد بيعه في الأسواق بسعر ثابت تحت السعر السوقي السائد. وفي عام 58 قبل الميلاد تطور هذا النظام بشكل غريب، بحيث أصبحت الحكومة تمنح محصول القمح مجاناً للجمهور! وكنتيجة مباشرة لتلك السياسة تخلّى المزارعون عن الأراضى الزراعية ونزحوا إلى العاصمة، تاركين مساحات شاسعة من تلك الأراضى المحيطة بروما مهملة، الأمر الذى عمّق من الأزمة، وتسبب فى مزيد من العجز في إنتاج محصول القمح الاستراتيجي. من ناحية أخرى كانت تكلفة إطعام العبيد (تلك الفئة الهامة اقتصادياً كأحد أبرز عوامل الإنتاج حينذاك) فى ارتفاع مستمر، فلجأ السادة إلى فك رقاب العبيد وتركوهم للحكومة كى تطعمهم مجاناً!.

وفي عام 45 قبل الميلاد يذكر الاقتصادى ريتشارد إبلينج أن يوليوس قيصر قد اكتشف أن نحو ثلث شعب روما يحصل على احتياجاته من القمح مجاناً من الدولة، مما أثقل الموازنة العامة بتكاليف لا يمكن احتمالها، فلجأت الحكومة إلى تخفيض قيمة العملة، وأعقب ذلك موجات تضخمية عنيفة فى دورات لا تنتهى. الاقتصاد الروماني عندئذ بات رهيناً للتضخم، وتثبيت أسعار المحصول الرئيس، وعجز فى إمداداته، وعجز فى الموازنة العامة للدولة، وتخفيض فى قيمة العملة مما يؤدى إلى مزيد من التضخم... وهكذا ظلت الأزمة الاقتصادية الرومانية تتعقّد باستمرار، بسبب عدم فهم حكومات روما القديمة للسلوك الاقتصادى الرشيد، ولحدود التدخل فى النشاط الاقتصادي، ومواءمة الدورين الاجتماعى والاقتصادى للدولة على نحو لا يرهقها اقتصادياً، ولا يخل بقوى العرض والطلب في الأسواق.

لكن تظل أبرز حلقات التحكم فى الأسعار في تاريخ روما القديم، هى التى تمت فى عهد الإمبراطور دقلديانوس (244م-312م) الذي تولى عرش روما عام 284 وبدأ على الفور فى زيادة الإنفاق العام على نحو غير مسبوق، من أجل تمويل مشروعات حكومية عظيمة التكاليف.[15]

وفقاً لريتشارد إبلينج ارتفع فى عهد دقلديانوس الإنفاق على تسليح الجيش والإنفاق العسكرى بصفة عامة. كذلك تم البدء فى إقامة عاصمة جديدة للإمبراطورية الرومانية في آسيا الصغرى (تركيا حالياً) فى مدينة نيكوميديا. توسّعت البيروقراطية الرومانية فى عهد دقلديانوس، وتم تسخير العمالة لإنهاء المشروعات الكبرى التي خطط لها. ومن أجل تمويل تلك الأنشطة الحكومية قام الإمبراطور برفع الضرائب على جميع فئات الشعب الرومانى، وقد نتج عن ذلك ما هو متوقع من تراجع الحافز للعمل والإنتاج والادخار والاستثمار، وما نشأ عن ذلك من تدهور حركة التجارة.

وعندما عجزت الضرائب عن تمويل احتياجات الإنفاق العام، لجأ الإمبراطور إلى تخفيض قيمة العملة وكان ذلك يتم تاريخياً عبر مزج المعدن النفيس المكون للعملة (من ذهب وفضة) بمعادن أساسية رخيصة، وتخفيض وزن المعدن النفيس فى العملة الجديدة. ثم أصدرت الحكومة القوانين التي تجبر المواطنين فى روما ومختلف الأصقاع التابعة للإمبراطورية على تقبّل العملة المصدرة حديثاً بنفس قيمة العملة القديمة، بعد سك تلك القيمة كتابة على وجهى العملة. لكن مرة أخرى عجزت الدولة عن فهم السلوك البشري، الذي جنح إلى تقبّل العملة الجديدة في التداول ولكن بقيمة مخفّضة، وسرعان ما ساد قانون طرد العملة الرديئة للعملة الجيدة، حيث لجأ المتعاملون إلى تخزين العملات ذات المكون الأعلى من الذهب والفضة، وسادت العملة الجديدة فى الأسواق، لكن كما سبقت الإشارة لم تعد تشترى نفس القدر من السلع والخدمات بذات الثمن الذي بيعت به مقابل العملات الجيدة، وهذا هو التضخم، الذى استشرى مع لجوء الإمبراطور إلى سك المزيد والمزيد من تلك العملات الرديئة لتمويل الإنفاق العام.

لم يتوقف دقلديانوس عند هذا الحد من العبث بالاقتصاد، فقد فرض ضرائب عينية عوضاً عن الضرائب النقدية، إقراراً منه بأن نقوده الرديئة لا قيمة لها. الأمر الذي تسبب فى شلل حركة الاقتصاد، وربط السكان بالأرض أو بمراكز الإنتاج المباشر للسلع التي تقبلها الدولة لسداد الضرائب! هذا فرض تغيراً هيكلياً على اقتصاد الإمبراطورية، الذى أصبح جامداً متكلساً فضلاً عن العيوب آنفة الذكر.

وفى عام 301م أقدم الإمبراطور على إصدار أسوأ مرسوم فى تاريخ البلاد والمعروف بمرسوم دقلديانوس. فقد قام الإمبراطور بتثبيت أسعار القمح واللحوم والبيض والملابس وعدد من المنتجات الأخرى. كما قام بتثبيت أجور العاملين فى إنتاج تلك السلع، وكانت العقوبة التى أقرها على مخالفة تسعيرته الجبرية هى الموت!! نتيجة لهذا المرسوم المخيف اختفى أى حافز للإنتاج والتجارة فى تلك السلع، والتى يعنى الاستمرار فى إنتاجها وتداولها إما الخسارة (بالبيع تحت القيمة العادلة) أو الموت (لمخالفة التسعيرة الجبرية الظالمة). وقد استبق المرسوم أى محاولة لاحتكار تلك السلع ومنعها من الأسواق (كنتيجة منطقية لرفض التسعيرة الجبرية) بعقوبات المصادرة للسلع والموت أيضا للمحتكر.

فى الأجزاء اليونانية من الإمبراطورية الرومانية عثر الأثريون على جداول التسعيرة الجبرية لأكثر من ألف صنف من السلع والأجور، التى أقرتها الحكومة وفرضتها على الشعوب الخاضعة لسيطرتها. وقد وجدت مخطوطة لرجل روماني يدعى لاكتانيوس كتب فيها عن دقلديانوس:

Cquote2.png ..إنه نصّب نفسه وليا على تنظيم أسعار كل ما يتم تداوله. وكان هناك الكثير من الدماء المسفوكة على جوانب مخالفات تافهة، مما جعل الناس يعزفون عن إدخال مزيد من السلع إلى الأسواق. وقد ساهم ذلك فى تعزيز ندرة تلك السلع، وفي النهاية وبعد أن مات عدد كبير من البشر بسبب تلك القوانين، تم تنحيتها جانباً. Cquote1.png

يقول المؤرخ الاقتصادي رولاند كنت ملخصاً تلك الحقبة الرومانية تحت حكم دقلديانوس: "إن الحدود السعرية التي فرضها المرسوم لم يعن بها التجار، على الرغم من عقوبة الإعدام التي فرضت على مخالفيها. وكان احتكار السلع يتم بشكل منظم تحاشياً للعقوبات وللعصابات التي شكّلت لمعاقبة التجار المخالفين، وكانت السلع المهرّبة تباع بأثمان أغلى من تلك التي فرضها القانون».

الآثار الاقتصادية لمرسوم دقلديانوس كانت مدمّرة، وبعد أربع سنوات من صدور المرسوم تنحى الإمبراطور عن السلطة بزعم تدهور حالته الصحية، ويرى المحللون أنه إن لم يكن تنحى طواعية لتم عزله بالقوة أو اغتياله كما كان سائداً في هذا الزمان. وعلى الرغم من عدم إلغاء ذلك المرسوم اللعين رسميا حتى يومنا هذا! فإنه سرعان ما صار حبراً على ورق بعد غياب دقلديانوس عن السلطة.

يقول الاقتصادي النمساوى الشهير لودڤيگ فون ميزس: بدأت الإمبراطورية الرومانية تضعف وتتحلل كونها افتقرت إلى فلسفة الحقوق الفردية والأسواق الحرة، تلك الأفكار والإيديولوجية اللازمة لبناء وحماية المجتمع. ويتابع: إن الحضارة الرومانية العظيمة لم تصمد، لأنها لم تضبط بوصلتي نظامها القانوني والأخلاقي على متطلبات اقتصاد السوق. باختصار يرى ميزس أن الدول التي تصدر تشريعات تخالف روح المنافسة والسوق الحرة، وتجرّم السلوك التنافسى عوضا عن تحفيزه وتشجيعه، وتتبنى نسقا أخلاقيا معاديا للطبيعة البشرية، لابد أن تندثر وتسقط مهما كانت حضارتها قوية، ومهما بلغت جيوشها واتسعت رقعة سيطرتها.

كذلك رأى العديد من المؤرخين والاقتصاديين أن دقلديانوس كان لا يؤمن بالقيم الفردية ويتبنى مفهوماً فوقياً للدولة على حساب مصالح الأفراد. وأن تنظيم الأسواق بالكيفية التى فرضها مرسومه يمكن أن ينجح خلال فترات محدودة جداً، وعلى نطاق ضيق للغاية، لكن استدامة هذا النوع من سيطرة الدولة أمر مستحيل، سواءً فى روما القديمة، أو في الاتحاد السوڤيتي العظيم الذى تهاوى لأسباب مماثلة، أو فى أى مكان وزمان.


العمل والمهن

Workers at a cloth-processing shop, in a painting from the fullonica of Veranius Hypsaeus in Pompeii



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الناتج المحلي الإجمالي وتوزيع الدخل

Estimates of Roman per-capita and total GDP[A]
Unit Goldsmith
1984[16]
Hopkins
1995/96[17]
Temin
2006[18]
Maddison
2007[19]
Bang
2008[20]
Scheidel/Friesen
2009[21]
Lo Cascio/Malanima
2009[22]
GDP per capita in Sestertii 380 225 166 380 229 260
Wheat equivalent (kg) 843 491 614 843 500 680
2022 dollars 1٬014 1٬103 1٬672
Population
(Approx. year)
55 million
(14 AD)
60 million
(14 AD)
55 million
(100 AD)
44 million
(14 AD)
60 million
(150 AD)
70 million
(150 AD)

(14 AD)
Total GDP in Sestertii 20.9 billion 13.5 billion - 16.7 billion 13.7 billion 17-19 billion
Wheat equivalent (Mt) 46.4 29.5 33.8 37.1 30 50
2022 dollars $45 billion $77 billion
"–" indicates unknown value.

A ^ Decimal fractions rounded to the nearest tenth. Italic numbers not directly given by the authors; they are obtained by multiplying the respective value of GDP per capita by estimated population size.

حسب المنطقة

Maddison's breakdown per region (14 AD)[23]
Region Population
(thousands)
NDI per capita
(2022 dollars)
Total NDI
(millions of 2022 dollars)
Roman Europe (including Italy) 23,100 1٬055 24٬351
Roman Europe (excluding Italy) 16,100 850 13٬678
Roman Asia 12,200 978 11٬936
Roman Africa 8,700 962 8٬379
Total Roman Empire 44,000 1٬014 44٬667


الضرائب

Personification of the River Nile and his children, from the Temple of Serapis and Isis in Rome (1st century AD)



الصناعة

لم يكن في الحياة الرومانية ـ ولعله لا يصح أن يكون فيها إذا صلحت الأحوال الاقتصادية ـ فرق جغرافي بين الزراعة والصناعة مثل ملا بينهما من فرق في هذه الأيام. ذلك ان الموطن الجغرافي القديم ـ سواء أكان كوخاً أم بيتاً صغيراً ذا حديقة أ مبيتاً كبيراً في ضيعة ـ كان مصنعاً يدوياً بالمعنى الحرفي لهذا اللفظ بعمل فيه الرجال بأيديهم في صناعات هامة متعددة لا غنى لهم عنها، بينا تملاْ النساء البيت وما يجاوره بما لا يحصى من منتجات الفنون والصناعات. فهناك تستحيل الغابات ملاجئ ويتخذ منها الوقود والأثاث، وتذبح الماشية وينتفع بجلودها ولحومها، وتطحن الحبوب وتخبز، وتعصر الزيوت والخمور، ويعد الطعام ويحفظ، وينظف الصوف والتيل وينسجان، ويحرق الطين في بعض الأحيان وتصنع منه الآنية والآجر والقرميد، وتطرق المعادن وتصنع منها الأدوات. والحياة في الريف مليئة بالعمل المهذب المثقف المختلف الأنواع الذي لا يستمتع به إلا القليلون منه في عصرنا الحاضر عصر الحركة الواسعة والتخصص الضيق. ولم يكن تعدد الصناعات في المنزل الواحد دليلاً على أن الحال الاقتصادية في الريف فقيرة وبدائية، فقد كانت أكثر البيوت ثراءً أكثرها اعتماداً على نفسها واكتفاء بمنتجاتها، وكان أهلها يفخرون بأنهم ينتجون معظم ما هم في حاجة إليه. وكانت الأسرة في تلك الأيام منظمة من وحدات اقتصادية متعاونة متحدة الجهود في الأعمال الزراعية والصناعية التي تقوم بها في منزلها. [24]

ولما أن تعهد صانع ما بالقيام بعمل لعدة أسر، وأقام لنفسه حانوتاً في موضع يسهل على هذه الأسر جميعها أن تصل إليه، لما فعل هذا أخذ اقتصاد القرية يكمل ما ينقص من اقتصاد الأسرة، ولكنه لم يحل محله. مثال ذلك أن الطحان أخذ يحمل الحبوب من عدة حقول ويطحنها لأصحابها؛ ثم أخذ بعدئذ يصنع لها الخبز، وقام آخر الأمر بتوزيعه. وقد عثر في أنقاض بمبي على أربعين مخبزاً، وكان لصناع الفطائر في رومة نقابة خاصة بهم. كذلك كان هناك متعاقدون يشترون محصول الزيتون على شجره ويجمعونه فيما بعد. على أن معظم الضياع ظلت تجمع زيتونها وتصنع خبزها بنفسها. وكانت ملابس الزراع والفلاسفة تغزل في البيوت، أما الأثرياء فكانت ثيابهم تعزل في البيوت كملابس الفقراء ولكنها كانت تمشط، وتنظف، وتبيض، وتفصل في أماكن معدة لهذه الأغراض. وكانت بعض المنسوجات الصوفية الرفيعة تنسج في مصانع خاصة، وكان الكتان الذي تصنع منها أشرعة السفن أو شباك الصيد ينسج في المصانع قماشاً رفيعاً تتخذ منه ملابس للسيدات ومناديل للرجال. وكان النسيج في بعض الأحيان يرسل بعدئذ إلى صباغ لا يقتصر عمله على تلوينه بل كان يطبع عليه رسوماً جملة كالتي نراها مطبوعة على الملابس المصورة على جدران بمبي، وتطورت دباغة الجلود فأصبحت لها مصانع خاصة بها، وان بقيت صناعة الأحذية يقوم بها الأفراد فيصنعون منها ما يطلب إليهم صنعه. وكان فيهم أخصائيون لا يصنعون إلا (شباشب) النساء.

وكانت صناعة البناء حسنة التنظيم عظيمة التخصص، فكان ":حاملو الأشجار" Dendrophoroi يقطعون الأشجار ويوردونها، و"صناع الخشب" Fabri lingaru يصنعون الأثاث، و "صانعو الأسمنت" Caementaru يخلطونه، و"المشيدون" Structures يضعون الأساس، و"القباءون" arcuaru يثبتون العقود، و"مقيموا الجدران" parieutaru يرفعون الحوائط، و "الطلاسون" يطلونها بالجص، والمبيضون albaru يطلونها بالجير، وصانعو الأدوات الصحية artifices plumbaru يصنعون من أدواتها وهي في الغالب أنابيب من الرصاص (plumbum)، وكان المبطلون marmoru يفرشون الأرض بالرخام، وفي وسعنا أن نتصور ما تؤدي إليه هذه الأعمال كلها من نزاع، وكان الآجر والقرميد يأتيان من معامل الفخار، وكان معظمها قد بلغ مرحلة المصانع الكبيرة، وكان تراجان، وهدريان، وماركس أورليوس يمتلكون عدداً منها ويجنن منها أرباحاً طائلة. وكانت قمائن أرتيوم Arretuim، وموتينا Mutina، وبيتولي وسرنتم، وبولنتيا Pollentiae تصنع أدوات الموائد العادية اللازمة لإيطاليا ولجميع الولايات الأوربية والأفريقية. ولم تكن هذه المنتجات الكثيرة ذات صبغة فنية راقية، بل كان أهم ما يعنى به أصحابها هو كثرة الإنتاج، ولذلك كانت الأدوات الخزفية التي امتلأت بها أسواق إيطاليا أقل جودة من منتجات أرتيوم السالفة الذكر. وكانت هناك أدوات متقنة ذائعة الصيت تصنع من الزجاج، وسنذكر شيئاَ عنها فيما بعد.

وليس من حقنا أن نعزو إلى إيطاليا القديمة وجود رأسمالية صناعية مستندين إلى ما نجده فيها من مصانع للزجاج، والآجر والقرميد، والفخار، والأدوات المعدنية. ذلك أن رومة نفسها لم يكن فيها إلا مصنعان كبيران أحدهما مصنع للورق والثاني مؤسسة للصباغة؛ وأكبر الظن ان المعادن والوقود لم يكن من الميسور الحصول عليها بكميات وفيرة، ون مكاسب السياسة كانت تبدو لأهل رومة أعظم شرفاً من أرباح الصناعة. أما في مصانع إيطاليا الوسطى فإن الصناع على بكرة أبيهم تقريباً وبعض المشرفين على المصانع كانوا من العبيد، وفي مصانع شمالي إيطاليا كان عدد غير قليل من الصناع أحراراً، وكان عدد العبيد لا يزال كبيراً إلى الحد الذي يحو لدون استخدام الآلات. ولم يكن من المنتظر أن يعمد المهملون المتراخون الذين لا مصلحة لهم في الإنتاج إلى الاختراع والابتكار، بل انهم كانوا يرفضون بعض الوسائل التي توفر المجهود العضلي خشية أن تنتشر البطالة بين الصناع، كما أن قدرة الشعب على الشراء كانت أضعف من أن تمول الإنتاج الكبير بالآلات ، أو تشجع عليه. ولسنا نفكر انه كان هناك بعض الآلات البسيطة بطبيعة الحال في إيطاليا ومصر والعالم اليوناني: كالمضاغط والمضخات اللولبية، والآلات الرافعة للمياه، ومطاحن الحبوب التي تجرها الحيوانات، وعجلات الغزل، والأنوال، والروافع، وعجلة الفخراني الدوارة... ولكن الحياة الإيطالية في الوقت الذي نتحدث عنه (69م) لم يكن فيها من الحركة الصناعية إلا بقدر ما كان في حياة الناس إلى ما قبل القرن التاسع عشر. ولم يكن مستطاعاً أن تزيد هذه الحياة على هذا القدر مادامت قائمة على الرقيق وعلى تركيز الثروة أشد التركيز. يضاف إلى هذا أن القانون الروماني لم يكن يشجع المنشآت الكبيرة لأنه كان يتطلب من كل شريك في أي مشروع صناعي أن يكون شريكاً مسئولاً من الوجهة القانونية، وكان يحرم قيام الشركات ذات "المسئولية المحدودة"، ولا يسمح بقيام الهيئات المساهمة الا لأداء الأعمال الحكومية. ولما كانت هذه القيود وأمثالها تحد من نشاط المصارف، فإنها قلما كانت تقدم رؤوس الأموال اللازمة لمشروعات الإنتاج الكبير، ولم يكن في وسع التطور الصناعي في رومة أو إيطاليا أن يبلغ في وقت من الأوقات ما بلغه في الإسكندرية أو في بلاد الشرق ذات الحضارة اليونانية.

عائدات الدولة

الأزمة المالية التاريخية

القرن الثالث: التدهور الاقتصادي

لقد عجلت الفوضى السياسية تدهور إمبراطورية الإقتصادي، كما عجلت التدهور الاقتصادي انحلال البلاد السياسي، فكان كلاهما سبباً للآخر ونتيجة له. وكان سبب الضعف الاقتصادي أن ساسة الرومان لم يقيموا قط في إيطاليا حياة اقتصادية سليمة، ولعل سهول شبه الجزيرة الضيقة لم تكن في يوم من الأيام أساساً قوياً تبنى عليه آمال الدولة الإيطاليّة العالية. وكان يقلل من إنتاج الحبوب منافسة الحبوب الرخيصة الواردة من صقلية، وأفريقية، ومصر، كما أن الكروم العظيمة أخذت تفقد أسواقها التي استولت عليها كروم الأقاليم. وشرع الفلاحون يشكون من أن الضرائب الفادحة تستنفذ مكاسبهم المزعزعة ولا تترك لهم من المال ما يحفظون به قنوات الري والصرف صالحة، فانطمرت القنوات، وانتشرت المستنقعات، وأنهكت الملاريا سكان كمبانيا وروما. ويضاف إلى هذا أن مساحات واسعة من الأرض الخصبة قد حولت من الزراعة إلى مساكن للأثرياء أصحاب الضياع الواسعة، وكان أصحاب هذه الضياع البعيدون عنها يستغلون العمال والأرض إلى أقصى حدود الاستغلال، ويبررون عملهم هذا بمشروعاتهم الإنسانية في المُدن. وازدهرت العمائر الفخمة والألعاب الرياضية في المدائن في الوقت الذي أقفر فيه الريف، ومن أجل ذلك هجر كثيرون من ملاك الأراضي وعمال الريف الأحرار المزارع إلى المُدن وتركوا الجزء الأكبر من الأراضي الزراعية الإيطاليّة ضياعاً واسعة يقوم بالعمل فيها أرقاء كسالى مهملون. ولكن هذه الضياع نفسها قضت عليها السلم الرومانية ونقص عدد حروب الفتح في القرنين الأول والثاني، وما نشأ عن ذلك من قلة الإنتاج، وارتفاع النفقات، وكثرة الأرقاء.

وأراد كبار الملاّك أن يغروا العمال الأحرار بالعودة إلى الأعمال الزراعية، فقسموا أملاكهم وحدات أجروها إلى "الزراع" (Coloni)، يتقاضون منهم أجوراً نقدية منخفضة أو عشر المحصول، وجزءاً من الوقت يقضونه في العمل من غير أجر في بيت الملك الريفي أو في أرضه الخاصة. وقد وجد الملاّك في كثير من الأحيان أن من مصلحتهم أن يعتقوا العبيد ويجعلوهم زراعاً من هذا النوع، وأخذ هؤلاء الملوك في القرن الثالث يزدادون رغبة في سكنى بيوتهم الريفية يدفعهم إلى هذا أخطار الغزو الأجنبي والثورات الداخلية في المُدن، وحصّنوا بيوتهم فاستحالت قلاعاً منيعة أصبحت بالتدريج قصور العصور الوسطى.

وقوى نقص الأرقاء إلى وقت ما مركز العمال الأحرار في الصناعة وفي الزراعة على السواء. ولكن فقر الفقراء لم ينقص على حين أن موارد الأغنياء التهمتها الحروب ومطالب الحكومة(22). وكانت الأجور وقتئذ تتراوح بين 6 و 11 في المائة من نظائرها في الولايات المتحدة الأمريكية أوائل القرن العشرين، وكانت الأثمان نحو ثلاثين في المائة من أثمان الولايات المتحدة في ذلك الوقت(23). وكانت حرب الطبقات آخذة في الاشتداد لأن الجيش المجند من فقراء الأقاليم كثيراً ما كان ينظم إلى مَن يهجمون أصحاب الثروة وكان يشعر بأن ما يؤديه للدولة من خدمات يبرر ما تفرضه عليهم ضرائب تبلغ حد مصادرة أموالهم لتعطي منها هبات لهم. أو أن تنهب أ موال الأغنياء نهباً سافراً(24). وتأثرت الصناعة بكساد التجارة ونقصت تجارة الصادر الإيطاليّة حين انتقلت الولايات من عميلات لإيطاليا إلى منافسات لها؛ وجعلت الغارات والقراصنة لطرق التجارة غير مأمونة كما كانت قبل عهد بمبي، وكان انخفاض قيمة العملة وتقلب الأثمان من العوامل غير المشجعة للمشروعات الطويلة الأجل. ولما أصبحت إيطاليا عاجزة عن توسيع حدود الإمبراطوريّة، لم يعد في مقدورها أن تزدهر بأن تمد بالسلع دولة آخذة في الاتساع، أو أن تستغل موارد هذه الدولة. وكانت فيما مضى من الأيام تجمع سبائك الذهب والفضة من البلاد المفتوحة، وتملأ خزائنها بما تنهبه من أموال هذه البلاد؛ أما في الوقت الذي نتحدث عنه فإن النقود كانت تهاجر الولايات الهلنستية الأكثر تصنيعاً من إيطاليا، وأخذت هي تزداد على مر الأيام فقراً، في الوقت الذي كانت فيه ثروة آسية الصغرى المطردة الزيادة تحتم أن تستبدل بروما عاصمة شرقية للإمبراطوريّة. واقتصرت المصنوعات الإيطالية على الأسواق المحلية، ووجد الأهلين أفقر من أن يبتاعوا السلع التي كان في وسعهم أن ينتجوها(25). يضاف إلى هذا أن التجارة الداخلية كان يقف في سبيلها قطاع الطرق، والضرائب المتزايدة، وتلف الطرق لقلة العبيد وأضحت بيوت الأثرياء في الريف تنتج حاجتها من السلع وتكفي نفسها بنفسها، وحلت المقايضة في التجارة محل النقود، كما حلت الحوانيت الصغيرة عاماً بعد عام محل الإنتاج الكبير وكانت تسد حاجة الإنتاج المحلي بنوع خاص.

وزاد الطين بلة كثرة الصعاب المالية، وذلك بأن المعادن الثمينة أخذت تقل شيئاً فشيئاً لأن مناجم الذهب في تراقية ومناجم الفضة في آسية تناقص إنتاجها وكانت داشيا وما فيها من الذهب توشك أن تخرج من يد أورليان. وكانت الفنون والحلي تستنفذ كثيراً من الذهب والفضة. وواجه الأباطرة من سبتيموس سفيرس ومَن جاءوا بعده هذا النقص الشديد في الوقت الذي كانت فيه الحروب لا تخبو نارها أبداً، فلجئوا أكثر من مرة إلى إنقاص نسبة ما في النقود من ذهب أو فضة لكي يستطيعوا القيام بنفقات الدولة أو حاجات الحروب. فقد كان ما في الدينار من معدن خسيس أيام نيرون عشرة في المائة، وبلغ في عهد كمودس ثلاثين، وفي عهد سبتميوس خمسين، واستبدل به كركلا الأنطوننيانس Antoninianis المحتوي على خمسين في المائة من وزنه فضة؛ وقبل أن يحل عام 260 نقصت نسبة ما فيه من فضة إلى خمسة في المائة(26).

وأصدرت دور السك الحكومية كميات لم يسبق لها مثيل من العملة الرخيصة، وكثيراً ما كانت الدولة ترغم الناس على أن يقبلوا هذه النقود بقيمتها الاسمية، بدل قيمتها الحقيقية، وكانت في الوقت نفسه تأمر بأن تؤدى الضرائب ذهباً أو عيناً(27). وأخذت الأثمان ترتفع ارتفاعاً سريعاً، فزادت في فلسطين إلى ألف في المائة من القرن الأول إلى القرن الثالث(28). وفي مصر لم يعد في مقدور الحكومة وقف تيار التضخم، حتى صار مكيال القمح الذي كان يباع بثمان درخمات في القرن الأول يباع بمائة وعشرين ألف درخمة في أواخر القرن الثالث(29). ولم تصل الحال في الولايات الأخرى مثل هذا الحد، ولكن التضخم في عدد كبير منها خرب بيوت الكثيرين من أهل الطبقة الوسطى وأضاع أموال المواثقات والمؤسسات الخيرية وزعزع قواعد جميع الأعمال المالية، فأحجم الناس عنها، وأضاع جزءاً كبيراً من رؤوس الأموال المستخدمة في التجارة والاستثمار والتي تعتمد عليها حياة الإمبراطوريّة.

ولم يكن الأباطرة الذين جاءوا بعد برتناكس ليسوءهم انعدام طبقة الأشراف وطبقة الملاّك الوسطى على هذا النحو. ذلك بأنهم كانوا يشعرون بحقد طبقة أعضاء مجلس الشيوخ وكبار التجار عليهم بسبب أصلهم الأجنبي، واستبدادهم العسكري، واغتصابهم أموالهم. ولذلك تجددت الحرب بين مجلس الشيوخ والأباطرة وكانت قد خبت نارها من عهد نيرون إلى عهد أورليوس؛ وأقام الأباطرة سلطانهم قاصدين متعمدين على ولاء الجيش، وصعاليك المُدن، والفلاحين يشترونه بالهبات والأعمال العامة وتوزيع الحبوب عليهم من غير ثمن.

وعانت الإمبراطوريّة من البلاء مثلما عانته إيطاليا وإن نقص عنه بعض الشيء. نعم إن قرطاجنة وشمالي أفريقية البعيدين عن الغزاة، قد ازدهرتا، ولكن مصر اضمحلت بسبب ما حل بها من الخراب الناشئ من تنازع الأحزاب، ومن مذابح كركلا، ومن غزو زنوبيا، ومن فدح الضرائب، ومن السخرة والتراخي في العمل، وما كانت تبتزه روما من الحبوب في كل عام. وكانت آسية الصغرى وسوريا قد قاستا الأمرّين من الغزو والنهب، ولكن صناعاتهما القديمة التي تعودت الصبر على الشدائد لم تقضِ عليها هذه الاضطرابات. وكانت بلاد اليونان، وتراقية، ومقدونية، قد خربها البرابرة، ولم تكن بيزنيطية قد أفاقت من حصار سبتميوس. ولما جاءت الحرب بالحاميات الرومانية وبالمؤن إلى حدود القبائل الألمانية، قامت مدائن جديدة على شواطئ الأنهار - وينا، وكارلزبرج، وستراسبورگ وماينز. وكانت غالة قد اضطرب فيها النظام، وفترت همة أهلها بسبب غزو الألمان لها. ذلك بأنهم نهبوا ستين مدينة من مُدنها، وأخذت الكثرة الغالبة من المُدن والبلدان الأخرى تنكمش داخل أسوارها الجديدة، وتتخلى عن طراز الشوارع العريضة المستقيمة الرومانية التخطيط والطراز، لتحل محلها الأزقة الضيقة غير المستقيمة التي يسهل الدفاع عنها والتي كانت من مميزات العهود القديمة والعصور الوسطى. وحتى في بريطانيا نفسها، كانت رقعة المُدن آخذة في النقصان وكانت بيوت الريف آخذة في الاتساع(30)؛ ذلك بأن حروب الطبقات والضرائب الفادحة بددت الثروة أو اضطرتها إلى الاختفاء في الريف. وقصارى القول أن الإمبراطوريّة بدأت بسكنى المُدن وبالتحضير، وها هي ذي تختتم حياتها بالعودة إلى الريف وبالهمجية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً

موضوعات ذات صلة
المقاطعات
اقتصادات ذات صلة

الهامش والمراجع

  1. ^ Hong, Sungmin; Candelone, Jean-Pierre; Patterson, Clair C.; Boutron, Claude F. (1994): "Greenland Ice Evidence of Hemispheric Lead Pollution Two Millennia Ago by Greek and Roman Civilizations", Science, Vol. 265, No. 5180, pp. 1841–1843
  2. ^ Wilson 2002, pp. 17–21, 25, 32
  3. ^ Craddock 2008, p. 108; Sim, Ridge 2002, p. 23; Healy 1978, p. 196
  4. ^ Sim, Ridge 2002, p. 23; Healy 1978, p. 196
  5. ^ World output, the large bulk of which is attributed to Roman mining and smelting activities (mainly in Spain, قبرص واوروبا الوسطى): Hong, Candelone, Patterson, Boutron 1996, p. 247; Callataÿ 2005, pp. 366–369; cf. also Wilson 2002, pp. 25–29
  6. ^ Hong, Candelone, Patterson, Boutron 1996, p. 247, fig. 1 & 2; 248, table 1; Callataÿ 2005, pp. 366–369
  7. ^ World output, the large bulk of which is attributed to Roman silver mining and smelting activities (in Central Europe, Britain, the Balkans, Greece, Asia Minor and, above all, Spain, with a 40% share in world production alone): Hong, Candelone, Patterson, Boutron 1994, p. 1841–1843; Callataÿ 2005, pp. 361–365; Settle, Patterson 1980, pp. 1170f.; cf. also Wilson 2002, pp. 25–29
  8. ^ Hong, Candelone, Patterson, Boutron 1994, p. 1841–1843; Settle, Patterson 1980, pp. 1170f.; Callataÿ 2005, pp. 361–365 follows the aforementioned authors, but cautions that the Greco-Roman levels may have already been surpassed by the end of the Middle Ages (p. 365).
  9. ^ Patterson 1972, p. 228, table 6; Callataÿ 2005, pp. 365f.; cf. also Wilson 2002, pp. 25–29
  10. ^ Patterson 1972, p. 216, table 2; Callataÿ 2005, pp. 365f.
  11. ^ Pliny: Naturalis Historia, 33.21.78, in: Wilson 2002, p. 27
  12. ^ Cech 2010, p. 20
  13. ^ Smith 1997, pp. 322–324
  14. ^ An, Jiayao. (2002), "When Glass Was Treasured in China," in Annette L. Juliano and Judith A. Lerner (eds), Silk Road Studies VII: Nomads, Traders, and Holy Men Along China's Silk Road, 79–94, Turnhout: Brepols Publishers, ISBN 2503521789, p. 83.
  15. ^ "مرسوم «دقلديانوس»... درس من تاريخ روما". جريدة الشروق المصرية. 2021-03-08. Retrieved 2021-03-09.
  16. ^ Goldsmith 1984, pp. 263–288
  17. ^ Hopkins 1995/96, pp. 41–75. His estimates are upward revisions from Hopkins 1980, pp. 101–125, where he lays out his basic method.
  18. ^ Temin 2006, pp. 31–54
  19. ^ Maddison 2007, pp. 43–47; 50, table 1.10; 54, table 1.12
  20. ^ Bang 2008, pp. 86–91
  21. ^ Scheidel, Friesen Nov. 2009, pp. 61–91
  22. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة Lo Cascio, Malanima 2009, 391–401
  23. ^ Maddison 2007, p. 54, table 1.12
  24. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

المصادر

  • Bang, Peter (2009). "The Ancient Economy and New Institutional Economics". The Journal of Roman Studies. Cambridge University Press. 99. doi:10.3815/007543509789744783.
  • Bang, Peter (2008). The Roman Bazaar: A Comparative Study of Trade and Markets in a Tributary Empire. Cambridge University Press. ISBN 0-521-85532-2.
  • Goldsmith, Raymond (1984). "An Estimate of the Size and Structure of the National Product of the Early Roman Empire". Review of Income and Wealth. 30 (3). ISSN 1475-4991.
  • Hopkins, Keith (1980): "Taxes and Trade in the Roman Empire (200 B.C.–A.D. 400)", The Journal of Roman Studies, Vol. 70, pp. 101–125
  • Hopkins, Keith (1995/6): "Rome, Taxes, Rents, and Trade", Kodai, Vol. 6/7, pp. 41–75
  • Lo Cascio, Elio; Malanima, Paolo (Dec. 2009): "GDP in Pre-Modern Agrarian Economies (1–1820 AD). A Revision of the Estimates", Rivista di storia economica, Vol. 25, No. 3, pp. 391–420
  • Maddison, Angus (2007): "Contours of the World Economy, 1–2030 AD. Essays in Macro-Economic History", Oxford University Press, ISBN 978-0-19-922721-1
  • Scheidel, Walter; Friesen, Steven J. (Nov. 2009): "The Size of the Economy and the Distribution of Income in the Roman Empire", The Journal of Roman Studies, Vol. 99, pp. 61–91
  • Temin, Peter (2006): "Estimating GDP in the Early Roman Empire", Lo Cascio, Elio (ed.): Innovazione tecnica e progresso economico nel mondo romano, Edipuglia, Bari, ISBN 978-88-7228-405-6, pp. 31–54
  • Temin, Peter (2006). "The Economy of the Early Roman Empire". Journal of Economic Perspectives. 20 (1). ISSN 0895-3309.
  • Scheidel, Walter (April 2006): Population and Demography, Princeton/Stanford Working Papers in Classics, Version 1.0
  • Callataÿ, François de (2005): "The Graeco-Roman Economy in the Super Long-Run: Lead, Copper, and Shipwrecks", Journal of Roman Archaeology, Vol. 18, pp. 361–372
  • Cech, Brigitte (2010): Technik in der Antike, Wissenschaftliche Buchgesellschaft, Darmstadt, ISBN 978-3-8062-2080-3
  • Craddock, Paul T. (2008): "Mining and Metallurgy", in: Oleson, John Peter (ed.): The Oxford Handbook of Engineering and Technology in the Classical World, Oxford University Press, ISBN 978-0-19-518731-1, pp. 93–120
  • Healy, John F. (1978): Mining and Metallurgy in the Greek and Roman World, Thames and Hudson, London, ISBN 0-500-40035-0
  • Hong, Sungmin; Candelone, Jean-Pierre; Patterson, Clair C.; Boutron, Claude F. (1994): "Greenland Ice Evidence of Hemispheric Lead Pollution Two Millennia Ago by Greek and Roman Civilizations", Science, Vol. 265, No. 5180, pp. 1841–1843
  • Hong, Sungmin; Candelone, Jean-Pierre; Patterson, Clair C.; Boutron, Claude F. (1996): "History of Ancient Copper Smelting Pollution During Roman and Medieval Times Recorded in Greenland Ice", Science, Vol. 272, No. 5259, pp. 246–249
  • Patterson, C. C. (1972): "Silver Stocks and Losses in Ancient and Medieval Times", The Economic History Review, Vol. 25, No. 2, pp. 205–235
  • Settle, Dorothy M.; Patterson, Clair C. (1980): "Lead in Albacore: Guide to Lead Pollution in Americans", Science, Vol. 207, No. 4436, pp. 1167–1176
  • Sim, David; Ridge, Isabel (2002): Iron for the Eagles. The Iron Industry of Roman Britain, Tempus, Stroud, Gloucestershire, ISBN 0-7524-1900-5
  • Smith, A. H. V. (1997): "Provenance of Coals from Roman Sites in England and Wales", Britannia, Vol. 28, pp. 297–324
  • Wilson, Andrew (2002): "Machines, Power and the Ancient Economy", The Journal of Roman Studies, Vol. 92, pp. 1–32
  • Parker, A. J. (1992): "Ancient Shipwrecks of the Mediterranean and the Roman Provinces", Archaeopress (British Archaeological Reports (BAR) International S.), ISBN 0-86054-736-1

للاستزادة

The Oxford Roman Economy Project http://oxrep.classics.ox.ac.uk/

  • Bowman, A. K. and Wilson, A. I. (eds) (2012), Settlement, Urbanisation and Population, Oxford Studies in the Roman Economy 2. Oxford University Press, Oxford.
  • Bowman, A. K. and Wilson, A. I. (eds) (2009), Quantifying the Roman Economy: Methods and Problems, Oxford Studies in the Roman Economy 1. Oxford University Press, Oxford .
  • Scheidel, Walter; Morris, Ian; Saller, Richard, eds. (2007): The Cambridge Economic History of the Greco-Roman World, Cambridge University Press, ISBN 978-0-521-78053-7