كوينتليان

تمثال كوينتليان في كلاهورا، لا ريوخا، اسبانيا

ماركوس فابيوس كوينتليانس Marcus Fabius Quintilianus (ح. 35 - ح. 100) كان مجادلاً رومانياً من هسپانيا، كانت مدارس الجدل في العصور الوسطى وعصر النهضة ترجع لأعماله بتواتر عالي. وفي الترجمات الإنجليزية يسمى كوينتليان.

لما انشأ ڤسبازيان كرسياُ رسمياً للبلاغة في رومة عين في هذا المنصب رجلاً من أصل أسباني، وكان كثير من المؤلفين في العصر الفضي من أبناء تلك البلاد. وقد ولد ماركس فابيوس كونتليانس Marcus Fabius Quintilianus في كلاجوريس Calagurris (عام 53؟م) ثم رحل إلى رومة ليدرس فن الخطابة وافتتح مدرسة لتدريس البلاغة كان من بين طلابها تاكتس وبلني الأصغر. ويصفه جوڤنال بأنه كان في أيام شبابه وسيماً، نبيلاً، حكيما، حسن التربية، ذا صوت رخيم، ولقاء جميل، وهابه كمهابة أعضاء مجلس الشيوخ. وآثر العزلة في الشيخوخة ليكتب كتاباً يرشد فيه ولده إلى الطرقة المثلى لمعالجة فن الخطابة، واسم هذا الكتاب Institutio Oratoria(96) "ظننت أن هذا الكتاب سوف يكون أثمن ما يرثه ولدي، وقد أظهر م الكفاية النادرة العجيبة ما أوجب على أبيه أن يحرص الحرص كله على تثقيفهِ...وقد واصل الليل بالنهار سعياً وراء هذه الغاية، وعجلت بإتمامها خشية أن ينصرم أجلي فيحول الموت بيني وبين إتمام هذا الواجب. ثم حلت بي الكارثة فجأة فأضحى نجاحي في عملي لا يهم إنساناً آخر أقل مما يهمني أنا نفسي...ذلك أني فقد من كان معقد آمالي ومن كنت أرجو أن يكون سلوة لي في شيخوختي(117)".

وكانت زوجته قد توفيت في سن التاسعة عشرة، وخلفت ولدين، توفي أحدهما في سن الخامسة "وكأنني قد فقدت بفقده إحدى عيني"، ولآن يختطف الموت ولده الثاني ويترك المعلم الشيخ "يعاني ألم فراق أقرب الناس إليه وأعزهم عليه".

وهو يعرف البلاغة بأنها العلم الذي يؤدي إلى أحسن الكلام، ويقول إن تدريب الخطيب يجب يبدأ قبل مولده، إذ يحسن أن يولد لأبوين متعلمين، حتى يتنفس الكلام الصحيح والأخلاق الطيبة من الهواء الذي يستنشقه، ذلك أنه من المستحيل أن يصبح الإنسان متعلماً ومهذباً معاً في جيل واحد. ويجب على من يريد أن يكون خطيباً أن يدرس الموسيقى، حتى يستطيع تمييز الأصوات المتناسقة المتناغمة؛ كما يجب عليه أن يتعلم للرقص ليكسب الرشاقة والاتزان، والتمثيل لكي يبعث الحياة في خطبه بما يبثه فيها من حركات اليدين والجسم؛ والألعاب الرياضية لكي يستطيع الاحتفاظ بصحته وقوته؛ والأدب ليصلح به أسلوبه ويدرب به ذاكرته، ويمده بكنز من الآراء العظيمة؛ والعلوم لكي يدرك بها أسرار الطبيعة؛ والفلسفة لكي يصوغ نفسه حسبما يمليه عليه العقل ونصائح الحكماء. ذلك لأن كل إعداد سيذهب أدراج الرياح إذا خلا من استقامة الخلق وسمو الروح وهما اللذان لا غنى عنهما لوجود الإخلاص في الحديث،وهو قوة لا يمكن قط أن تقاوم. وعلى الطالب بعد ذلك أن يكتب أكثر ما يستطيع وأن يبذل في كتابته أقصى ما في وسعه من العناية. ويقول كونتليان: إن هذا تدريب شاق "ويقيني أن أحداً من قرائي لن يفكر قط في احتساب قيمته المالية".

وللخطابة في رأيه خمسة اوجه: التفكير، والتنظيم، والأسلوب، والذاكرة، والإلقاء. فإذا ما أختار الخطيب موضوعه، وحدد غرضه بوضوح، وجب عليه بعدئذ أن يجمع مادته بالمشاهدة والبحث، ومن الكتب، فإذا تم له ذلك وجب عليه أن ينظمه تنظيماً منطقياً ونفسياً حتىيكون كل جزء منه في موضعه الصحيح مؤدياً إلى ما بعده أداءً طبيعياً كأنه جزء من برهان نظرية هندسية(119). وكل خطبة حسنة التنظيم تتألف من مقدمة (Exordium)، وقضية، وبرهان، ودحض، وختام. ويجب أن لا تُكتب الخطبة كلها إلا إذا أريد حفظها بأجمعها عن ظهر قلب، أما حفظ بعض الأجزاء المكتوبة دون البعض الآخر فإنه يُفسد الأسلوب الارتجالي ويعوقه، وإذا كتبت الخطبة فلتكتب بعناية "فإذا أسرعت في الكتابة، فإنك لن تحسنها أبداً،وإذا أحسنت الكتابة فإنك لن تلبث أن تكتب بسرعة"؛ تجنب "ترف الإملاء الذي أخذ ينتش بين الكتاب في هذه الأيام"(120)، والذي يدل على التهاون والكسل، "والوضوح ألزم الأشياء للخطب، ثم يليه الإيجاز والجمال والقوة.وعليك أن تصحح أخطائك المرة بعد المرة ولا تبال بما يصيبك في هذا من عنت.

"وليس المحو بأقل أهمية من الكتابة، امح كل ما لا ضرورة له، واسم بكل ما هو عادي ورتب ما تراه مضطرباً، واجعل العبارات متزنة إذا ما وجدتها خشنة غير رقيقة، وخففها إذا وجتها دسمة اكثر مما يجب...وخير طريقة للإصلاح أن يغفل الإنسان ما كتبه بعض الوقت، حتى إذا عاد إليه بعدئذ بدا عليه مظهر الجدة، كأنه من عمل لإنسان آخر؛ وبهذه الطريقة لا يكلف الإنسان بكتابته كلفه بطفله الحديث الولادة(121).

ويجب يضرب الإلقاء والكتابة على أوتار العواطف والقلوب، ولكن عليك أن لا تسرف في الحركات والإشارات، لأننا "لا نكون بلغاء إلا بالوجدان وقوة الخيال". أما إذا "صرخت، وخُرت، ورفعت يدك، ولهثت، وهززت رأسك، بيديك، وضربت فخذك وصدرك وجبهتك، فإنك ستهوي من فورق إلى قلوب احط من يستمعون إليك(122)".

ويضيف كونتليان في كتابه الثاني عشر إلى هذه النصائح القيمة خير نقد أدبي بقي لدينا من أيام الأقدمين، فهو يدلي بدلوه، وهو أشد ما يكون حماسة، في ذلك الصراع القديم والحديث بين القدامى والمحدثين، ويجد الحقيقة تتأرجح في الوسط بين هؤلاء وهؤلاء؛ وهو لا يرغب كما يرغب فرنتو Franto في أن يعود إلى البساطة والخشونة اللتين ينادي بهما كاتو وإنيوس؛ ولكنه أقل من ذلك رغبة في أن يجرفه أسلوب سنكا الأصغر "الفخم المتكلف"، ويرى أن يكون المثل الذي يجب على طالب البلاغة أن يحتذيه هو أسلوب شيشرون في خطبه القوية المهذبة، ويقول: إن شيشرون هو الكاتب الروماني الوحيد الذي فاق اليونان في مجال الخطابة(123). أما أسلوب كونتليان نفسه فهو في كثير م المواضيع أسلوب المدرس، تخنقه التعاريف، والتصاريف، وتحديد الفروق، ولا يرقى إلى مستوى عالٍ من البلاغة إلا حين يطعن على سنكا. ولكنه مع ذلك أسلوب قوي يخفف من جلاله حيناً بعد حين قليلاً من الفكاهة ومن العطف على الإنسانية، ويحس الإنسان على الدوام أن وراء معنى الألفاظ الجميل طيبة الرجل الهادئة، وإن قراءته لحافز قوي إلى الخلق الطيب الكريم. ولعل الرومان الذين أسعدهم الحظ بالاستماع له قد أخذوا عنه بعض ذلك التجديد الذي سما بعصر بلني الأصغر وتاستس أكثر مما سما به الأدب الرفيع.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش


للاستزادة

  • Bonner, Stanley F. Education in Ancient Rome: From the elder Cato to the younger Pliny. London: Methuen & Company, Ltd., 1977.
  • Clarke, M.L. Rhetoric at Rome: A Historical Survey. New York: Routledge, 1996.
  • Dominik, William J. “The style is the man: Seneca, Tacitus, and Quintilian’s canon.” Roman Eloquence: Rhetoric in Society and Literature. Ed. William J. Dominik. New York: Routledge, 1997.
  • Gwynn, Aubrey S.J. Roman Education from Cicero to Quintilian. New York: Teachers College Press, 1926.
  • Kennedy, George. Quintilian. New York: Twayne Publishers, 1969.
  • Leitch, Vincent B., Ed. The Norton Anthology of Theory and Criticism. New York: W.W. Norton & Company, Inc., 2001.
  • Murphy, James J.,ed. Quintilian on the Teaching of Speaking and Writing: Translations from Books One, Two, and Ten of the Institutio Oratoria. Edwardville: Southern Illinois University Press, 1987.
  • Murray, Oswyn, John Boardman, and Jasper Griffin, Eds. The Oxford History of the Roman World. New York: Oxford University Press, 1991.
  • Quintilianus, Marcus Fabius. Institutio Oratoria. Trans. H.E. Butler. Loeb Classical Library. Cambridge: Harvard University press, 1920.
  • Gernot Krapinger (ed.), [Quintilian] Der Gladiator (Groessere Deklamationen, 9). Collana Scientifica, 18. Cassino: Universita\ degli Studi di Cassino, 2007.

وصلات خارجية

Wikiquote-logo.svg اقرأ اقتباسات ذات علاقة بكوينتليان، في معرفة الاقتباس.


مصادر رئيسية

  1. Institutio OratoriaEnglish translation, with indices, search engine, bibliography, and history of the text at Iowa State
  2. Institutio OratoriaLatin text and English translation at LacusCurtius
  3. Institutio Oratoria and the disputed Declamationes Majores Latin texts at the Latin Library
  4. Institutio OratoriaLatin text at the Bibliotheca Augustana

مواد أخرى

  1. Detailed Outline of Institutio Oratoria: Outline
  2. Short biography of Quintilian: About
  3. Article on Quintilian from NNBD: Quintilian
  4. A timeline history of Institutio Oratoria and its influence: MSU