18 برومير

انقلاب برومير 18
Coup d'état of 18 Brumaire
Bouchot - Le general Bonaparte au Conseil des Cinq-Cents.jpg
الجنرال بوناپارت أثناء انقلاب برومير 18 في سانت كلود - رسم فرانسوا بوشو، 1840.
التاريخ1799
الموقعفرنسا
المشاركونناپليون بوناپرت؛ الديركتوار؛ مجلس الشيوخ؛ مجلس الخمسمائة
النتائجفرنسا القنصلية؛ اعتماد دستور تولى بموجبه بوناپارت منصب القنصل الأول، أعلى منصب في الحكومة الفرنسية.

انقلاب برومير 18 coup of 18 Brumaire، هو انقلاب قام به الجنرال ناپليون بوناپرت على الديركتوار، لتحل محله فرنسا القنصلية. حدث الانقلاب في 19 نوفمبر 1799، الموافق 18 برومير، العام الثامن حسب التقويم الجمهوري الفرنسي.

كان الاسم شائعاً بالفعل، وازداد شيوعاً بعد إصدار كارل ماركس لكتابه برومير 18 للوي ناپليون (Der 18te Brumaire des Louis Napoleon، 1852)، ويروي فيه قصة انقلاب 2 ديسمبر 1851 الذي قام به ابن شقيق ناپليون، والذي بدأ بالمأثورة "تعليقات هيگل، في مكان ما، بأن كل حقائق وشخصيات العالم العظيمة تظهر، بشكل ما، مرتين. نسي أن يكتب: المرة الأولى كمأساة والمرة الثانية كمهزلة".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السياق

في Exit liberté à la François (1799)، جيمس گيل‌راي يرسم كاريكاتير عن طرد ناپليون وجنوده لمجلس الخمسمئة من الاورانجري.

ووافق سييز، لكنه عندما درس زملاءه في حكومة الإدارة رأى أنه لا أحد منهم (ولا حتى بارا البارع) يشاركه الفكر والرؤية اللازمتين لفرنسا موحدة سوية وكان الرجل متشربا بفكرة الدستور لكن يحتاج إلى جنرال ليكون عوناً على إصدار الدستور وليكون ذراعاً له (أي لسييز). وفكر في جوبير لكن جوبير كان قد مات، فأرسل في طلب مورو وراح يحثه أن يكون "فارس الحلبة لكنهما عندما علما بعودة بوناپارت من مصر، قال مورو: "جاء رجلك إنه يستطيع أن يقوم بالانقلاب الذي تفكر فيه أفضل مما أستطيع أنا" وتفكر سييز ملياً، فنابليون يمكن أن يكون هو الرجل المطلوب، لكن أيقبل أن يوجهه سييز والدستور الجديد؟

وفي 31 أكتوبر أحاطت حكومة الإدارة المجلسين علما بأن بونابرت قد رسا بالقرب من فريجو فهب النواب وقوفاً وهللوا. وظل أهل باريس طوال ثلاثة أيام يحتفلون ليلا ونهارا بهذه الأخبار بالشرب في الحانات والغناء في الطرقات. وفي كل مدينة تقع على الطريق من الساحل إلى العاصمة باريس هبت الجموع شعبا وقادة لتحية الرجل الذي بدا لهم رمزا للنصر وتأكيدا له. حتى إنهم لم يسمعوا بالنكبة التي حدثت للفرنسيين في مصر، ففي المراكز والتجمعات المختلفة ذكر المراقبون أن "الجموع المتجمعة كثيرة جدا مما عطل حركة المرور فلا يستطيع أحد أن يتقدم إلا بصعوبة" وفي ليون جرى عرض مسرحية تكريما له، ووجه الخطيب الحديث إليه قائلاً: "اذهب وحارب العدو واهزمه وسننصبك ملكا" لكن الجنرال الصغير ناپليون كان صامتا مكتئبا، لقد كان يفكر في كيفية التصرف مع جوزفين.

وعندما وصل باريس في 16 أكتوبر اتجه مباشرة إلى المنزل الذي كان قد اشتراه في الشارع الذي كان اسمه قد تغير تكريماً له ليصبح اسمه شارع النصر. لقد كان يأمل أن يجد زوجته المنحرفة هناك ليطردها من حياته، لكنها لم تكن هناك لسببين، أولهما أنه في 21 من أبريل سنة 1799، بينما كان يحاصر عكا، اشترت هي 300 فدان على نهر السين على نحو عشرة أميال من باريس وشيدت في هذه المساحة بيتاً (بيت الضرار أو بيت السوء) قدم لها بارا 50.000 فرنك كدفعة أولى من تكلفته البالغة 000.003 فرنك، وكان الكابتن إيپوليت شارل هو أول ضيوفها في هذا القصر الرحب. والسبب الثاني أنها هي وابنتها كانتا قد غادرتا باريس قبل أربعة أيام لتتجها إلى ليون على أمل مقابلة بوناپرت في الطريق، وعندما اكتشفت جوزفين وهورتينز أن نابليون كان قد اختار طريقا مغايرا عادا وقد اعتراهما التعب وشملهما المرض حقا بسبب الرحلة وقطعا مائتي ميل إلى العاصمة، وفي هذه الفترة أتاه والد زوجها الراحل، الرجل الهرم الماركيز ده بوهارنيه وراح يبرر له ويحثه على مسامحتها:

"مهما تكن أخطاؤها فلتنسها، لا تلوث لحيتي التي اشتعلت شيبا ولا تلوث الأسرة التي منحتك التشريف".

أما إخوة بونابرت فقد حثوه على طلاقها وقد كانت أسرته مستاءة من سلطانها عليه، لكن بارا حذره من أن الفضيحة العامة تضر بمركزه السياسي.

وعندما وصلت الأم المنهكة، جوزفين، وابنتها إلى 3 شارع النصر في 18 أكتوبر قابلهما يوجين عند نزولهما من العربة وحذرهما من عاصفة متوقعة، فتركت جوزفين، يوجين يحتفي بأخته، وأسرعت بصعود السلم قفزا وطرقت باب غرفة نابليون الذي أجابها بأنه قرر ألا يراها ثانية، فخرت على السلم وراحت تنشج بالبكاء حتى أتى أوجين وهورتنس فساعداها على النهوض، وعادا معها ليتوسلا إلى نابليون معا، وفي وقت لاحق قال نابليون:

" لقد تأثرت بشدة فلم أكن أستطيع أن أتحمل بكاء ابنها وبنتها، وسألت نفسي: أيجب أن يكونا ضحية سقوط أمهما؟ فبسطت يدي وأمسكت بذراع أوجين وأردفته خلفي. عندئذ أتت هورتينس ومعها أمها... ماذا يمكن أن يقال؟! إن المرء لا يكون إنسانا دون أن يرث الضعف البشري".

في هذه الأيام التي نزع فيها إلى السكون والتأمل تجنب فيها أن يظهر أمام العامة، فقد كان يعرف أن الرجل العام (موضع اهتمام العامة) لا يجب أن يكون عاما جدا. وفي البيت وعندما يخرج، كان لباسه مدنيا حتى يحبط الشائعات القائلة بأن الجيش كان يخطط للاستيلاء على الحكم. وقام بزيارتين: زيارة ليقدم احترامه لمدام هلڤتيوس البالغة من العمر ثلاثة وثمانين عاما، وذلك في أوتيل، والزيارة الثانية للمعهد العلمي حيث تحدث عن الحملة الفرنسية على مصر باعتبارها في جانب كبير منها ذات أبعاد علمية وقد أيده في هذا برتولي ومونج وراح لاپلاس ولاگرانج وكابانيه وكثيرون غيرهم يستمعون إليه كعالم وفيلسوف. وفي هذا الاجتماع قابل سييس وكسبه إلى جانبه بملاحظة واحدة:

"ليس لدينا حكومة لأنه ليس لدينا دستور أو على الأقل ليس لدينا الدستور الذي نحتاج لا بد أن تقدم لنا بعبقريتك هذا الدستور المطلوب".
قاعة مجلس الخمسمائة في سان كلود.

وسرعان ما أصبح بيته مركزا لمفاوضات سرية. لقد استقبل زوارا من "اليسار" ومن "اليمين" (يساريين ويمينيين)، ووعد اليعاقبة بالمحافظة على الجمهورية ودافع عن مصالح الجمهور، لكنه أعلن أخيرا وبصراحة أنه "قابل ممثلي البوربون" وعلى أية حال فقد جعل نفسه بعيدا عن أي فريق، خاصة الجيش. ونصحه الجنرال بيرنادوت الذي كان يأمل أن يتولى الحكومة بنفسه ألا يقحم نفسه في السياسة ويكتفي بمنصب قيادي عسكري. واستمع نابليون بمزيد من الرضا لمدنيين مثل سييز الذي نصحه بتولي أمر الحكومة وتدشين دستور جديد. وكان هذا يتطلب تعديل أو خرق قانون أو قانونين، ولكن مجلس الشيوخ خوفاً من إحياء حركة اليعاقبة قد يتغاضى عن شيء من التجاوز للقانون (يتغاضى عن خروج قليل عن القانون)، أما مجلس الخمسمائة فرغم أن به أقلية يعقوبية قوية، فإنه قد انتخب مؤخراً لوسيان بوناپرت رئيساً له. ومن بين أعضاء حكومة الإدارة الخمسة كان سييز ودوكو إلى جانب نابليون، وكان تاليران يحث بارا على الانسحاب بما حققه من مجد ومكاسب أما جوهييه رئيس حكومة الإدارة فكان على علاقة نصف غرامية بجوزفين ويمكـن شل حـركته بابتسامـة منها. وقد يكون بعض المصرفيين قد أرسلوا فرنكات لتأكيد صداقتهم.


أحداث 18 برومير، السنة الثامنة

وفي الأسبوع الأول من شهر نوفمبر سرت إشاعة في باريس مؤداها أن اليعاقبة كانوا يجهزون لقيام الجماهير بتمرد، واعتبرت مدام دى ستيل هذه الأخبار صحيحة فجهزت نفسها للخروج السريع من باريس إذا انفجرت الاضطرابات. وفي 9 نوفمبر (اليوم الثامن عشر من شهر برومير (شهر الضباب) الذي سيصبح يوماً شهيراً من الآن فصاعداً) أمر مجلس الشيوخ مستخدما حقوقا كفلها له الدستور بنقل اجتماعاته وكذلك اجتماعات مجلس الخمسمائة إلى القصر الملكي في ضاحية سان كلود اعتبارا من اليوم التالي، وتوسع في استخدام حقه الدستوري فقام بتعيين بونابرت قائداً لحامية باريس وأمره بالقدوم فورا إلى مقر مجلس الشيوخ في التوليري لأداء القسم، فأتى نابليون يرافقه ستون ضابطا والتزم بشروط فضفاضة بما فيه الكفاية ليسمح لنفسه بشيء من حرية العمل والاختيار فيما بعد، واستخدم عبارات عامة تتيح له تفسيرها فيما بعد:

"إننا نريد جمهورية قائمة على الحرية والمساواة والمبادىء المقدسة لتمثيل الأمة، وسنصل إلى هذه الجمهورية، إنني أقسم".

وعندما خرج من القاعة قال للجنود المتجمعين: "الجيش متحد معي ثانية، وأنا أتحدث ثانية مع المجلسين". وفي هذه الأثناء أحضر بوتو سكرتير بارا إلى نابليون رسالة من بارا عضو حكومة الإدارة الذي كان قويا ونافذا في وقت من الأوقات، يطلب فيها ضمانا بالخروج الآمن من باريس لأنه ينوي الخروج منها. فهب نابليون صارخاً في بوتو - البائس الذي لا ذنب له إلا أنه حامل رسالة - وراح يقول له بصوت عال يريد أن يسمعه الجند والمدنيون، كلمات كانت كحكم بالإعدام على حكومة الإدارة، لقد قال له بطريقة إياك أعني واسمعي يا جارة:

"ماذا فعلتم بفرنسا التي تركتها لكم مزدهرة؟ لقد تركتكم تنعمون بالسلام، فوجدتكم - عندما عدت - في حرب، لقد تركت لكم انتصارات فوجدتها هزائم ! لقد تركت لكم الملايين من إيطاليا فوجدت السلب والبؤس. ماذا فعلتم بمئات الآلاف من الفرنسيين الذين أعرف أنهم زملائي وشركائي في النصر والعظمة ؟ لقد ماتوا."

ولم يكن المستعمون إليه يعلمون أنه استعار بعضا من هذه السطور من گرينوبل اليعقوبي فأحسوا بقوتهم إذ كان قد جرى اختزانهم في الذاكرة فترة طويلة كمبرر للانقلاب الذي سيحدث. ومخافة أن تثير كلماته هذه سخط بارا فقد انتحى جانبا ببوتو وأكد له أن مشاعره الشخصية عن عضو حكومة الإدارة بارا لم تتغير. ثم ركب حصانه واستعرض جنوده وعاد إلى جوزفين سعيدا بنجاحه كخطيب.

أحداث 19 برومير

وفي 10 نوفمبر قاد الجنرال لفڤر خمسمائة من حامية باريس إلى سان كلود وعسكر بالقرب من القصر الملكي، وتبعهم نابليون وعدد من ضباطه المقربين، ثم لحق بهم سييز، ودوكو، وتاليران ، وبوريين. وراحوا يراقبون اجتماع مجلس الشيوخ في بهو مارس واجتماع مجلس الخمسمائة في حديقة البرتقال المجاورة للبهو (الأورانجري) وحالما دعا لوسين بونابرت الخمسمائة للجلوس والنظام حتى تعالت الاحتجاجات على وجود العساكر حول القصر. لقد تعالت الصيحات: "لا للدكتاتورية.. فليسقط كل دكتاتور! إننا أحرار ولن تخيفنا الحراب" وكان هناك اقتراح مؤداه أن على كل نائب أن يتقدم إلى المنصة وأن يجدد بصوت مسموع قسمه بحماية الدستور، وجرى تنفيذ ذلك بهدوء حتى الساعة الرابعة بعد الظهر.

وتباطأ مجلس الشيوخ أيضا على أساس أنه من الضروري انتظار ما يتقدم به الخمسمائة من اقتراحات، وكان نابليون في غرفة جانبية مغيظا محنقا مخافة أن يضيع هدفه إذا لم يتم اتخاذ عمل حاسم حالا. وشق نابليون طريقة بين بيرتييه وبورين واتجه إلى منصة مجلس الشيوخ وحاول أن يثير هؤلاء الرجال كبار السن ليتحركوا للقيام بعمل ما، لكنه رغم ما كان معروفا عنه من بلاغة في بياناته وحسم في مناقشاته كان في هذه المرة يكظم غيظة ويكتم أفكاره مما جعله غير قادر على ارتجال خطبة منسقة أمام هذا المجلس التشريعي. لقد تحدث بحدة وعنف وطريقة مشوشة:

" إنكم فوق بركان !.... اسمحوا لي أن أتحدث بحرية كجندي (كمقاتل).. لقد كنت أعيش في سلام في باريس عندما استدعيتموني لتنفيذ أوامركم.... إنني أجمع رفاق السلاح... لقد هببنا لنجدتكم.... بينما الناس يغمرونني بافتراءاتهم.. لقد قالوا إنني مثل قيصر، كرومويل وتحدثوا عن حكومة عسكرية... إن الوقت يمضي بسرعة. إنه من الضروري أن تتخذوا إجراءات حاسمة فورية.... إن الجمهورية بلا حكومة، فلم يبق إلا مجلس الشيوخ، فليتخذ المجلس إجراءات، فلينطق، وسأكون أداة التنفيذ. دعونا ننقذ الحرية ! دعونا ننقذ المساواة!".

وقاطعة أحد الأعضاء:" وننقذ الدستور أيضا !"

فأجاب نابليون بانفعال غاضب: " دستور!؟ إنكم أنفسكم قد دمرتموه. أنتم انتهكتموه في 18 فروكتيدور! أنتم انتهكتموه في 22 فلوريل. أنتم انتهكتموه في 31 بريريال. إنه لم يعد جديرا باحترام من أي إنسان". وعندما طالبوه بأن يسمى الذي وقفوا وراء مؤامرة اليعاقبة، ذكر اسم بارا ومولا، فلما طلبوا منه دليلا تلعثم ولم يجد ما هو أكثر إقناعا من توجيه حديثه للجنود الواقفين عند المدخل:

"أنتم ، يا رفاقي الشجعان الذي تصحبونني، يا رماة القنابل الشجعان.. إذا تجاسر أي خطيب من هؤلاء، مدفوعا من أحد الأجانب وأعلن إباحة دمى (أنني لست تحت حماية القانون)، فدعوا بريق الحرب يمحقه فورا"

وغمرت الأسئلة والاعتراضات المتحدث (نابليون) فأصبحت كلماته أكثر اضطرابا وتشوشا، فهــب مساعدوه لإنقاذه مـن هذه الورطة ورافقوه إلى خارج الغرفة. لقد بدا أنه دمر مشروعه.

بوناپرت أثناء الانقلاب.

لكنه قرر أن يحاول مرة أخرى، لكنه في هذه المرة سيواجه عدوه مباشرة، أولئك الخمسمائة الذين تلونوا بلون اليعاقبة، فاتخذ سبيله إلى حديقة البرتقال المجاورة (الأورانجيرى) يرافقه أربعة من رماة البنادق. وكان النواب مستائين من العرض العسكري فضجت القاعة بالصياح": يسقط الدكتاتور.. يسقط الطغيان ! دمه حلال... إنه ليس تحت حماية القانون". لقد كانت هذه العبارة الأخيرة هي التي تسببت فيما سبق في إسقاط روبيسبير وموته. لقد طرحت فكرة "إهدار دم نابليون" بالفعل فرفض لوسيان بونابرت رئيس المجلس طرح الفكرة للتصويت وترك مقعد الرياسة ليعتلي المنصة ويدافع عن نابليون (أخيه). وأحاط النواب المستقرون (بضم الميم) بنابليون: "إنه من أجل هذا حققت انتصاراتك؟!" هكذا سأل أحدهم، وتكالب آخرون عليه وتزاحموا حوله حتى كاد يغمى عليه، فأفسح له العسكريون المصاحبون له الطريق وخرجوا به خارج القاعة، فأنعشه الهواء الطلق، فركب حصانه ولجأ الجنود الذين وقفوا مندهشين لرؤية ثيابه ممزقة وشعره مهوشاً، فخاطبهم: "أيها الجنود. أيمكنني أن أعتمد عليكم؟" فرد كثيرون منهم بنعم وتردد آخرون. لقد كان نابليون مرة أخرى في الغاية من التشوش، فخطته الكبرى تبدو قد تعثرت.

لقد أنقذه أخوه الذي أسرع خارج القاعة الكائنة في حديقة البرتقال (الأورانجيري) وامتطى أقرب حصان وجعل حصانه إلى جانب حصان نابليون وخاطب الحرس غير المنظم بحسم وبلاغة ولوى الحقائق بشدة:

"إنني كرئيس لمجلس الخمسمائة أعلن لكم أن الغالبية العظمى في المجلس في هذه اللحظة قد اعتراهم الرعب بسبب الخناجر التي يحملها بعض النواب والذين حاصروا المنصة وهددوا زملاءهم بالموت... إنني أعلن أن هؤلاء المجرمين الوقحين لا شك قد تلقوا أموالا من إنجلترا وأنهم ضد إرادة مجلس الشيوخ وأنهم تجرأوا على اقتراح إهدار دم الجنرال الذي أخذ على عاتقه تنفيذ قرار مجلس الشيوخ.. إنني أعهد إلى المقاتلين بمسئولية تحرير الأغلبية من ممثليهم. أيها الجنرالات والجنود والمواطنون أنتم يجب ألا تعترفوا بمشرعين لفرنسا إلا بالنسبة لهؤلاء الذين يتبعونني أما الذين سيظلون في قاعة حديقة البرتقال (ألاورانجيري) فليتم طردهم بالقوة."

وأشهر لوسيان سيفه ووجهه لصدر نابليون وأقسم أنه إذا تصدى أخوه (نابليون) لحرية الشعب الفرنسي فسيقتله بسيفه هذا.

وعندئذ أمر نابليون بقرع الطبول وأمر الجنود باجتياح الأورانجرى (قاعة اجتماع مجلس الخمسمائة في حديقة البرتقال) وتفريق النواب غير الممتثلين للأوامر، فشق مورا وليفيڤر ليكونا في المقدمة وتبعهما رماة القنابل وهم يصيحون:

"برافو (حسناً) يسقط اليعاقبة! يسقط من كان لهم من دور في سنة 1793... هذا هو القرار الحاسم... إننا الآن نعبر الروبيكون".

وعندمــا رأى النواب الحراب مشرعة هرب معظمهم وقفز بعضهم من النوافذ وتجمعت أقلية حول لوسيان. وتقـدم هذا المنتصر الذي حبك هذه الأفاعيل إلى مجلس الشيوخ وشرح لأعضائه أن مجلس الخمسمائة قد تخلص من أعضائه غير المرغوب فيهم، عندئذ وافق مجلس الشيوخ الذي سعد أعضاؤه بعدم إبعادهم على مرسوم يقضي بأن يحل ثلاثة قناصل بشكل مؤقت محل حكومة الإدارة، وهؤلاء القناصل الثلاثة هم: بونابرت وسييز ودوكو. وتم تنظيم نحو مائة من بين الخمسمائة في مجلس ثان (بدلا من مجلس الخمسمائة)، وتم إرجاء اجتماعات المجلسين حتى 20 فبراير سنة 1800 وتفرد القناصل الثلاثة لكتابة الدستور الجديد وحكم فرنسا. وقال نابليون لبوريان: "غداً سننام في قصر لوكسمبورگ (مقر البرلمان)".

انظر أيضاً

المصادر

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
استشهاد