صوماليا الحبشية

الصومال الحبشية أو الأوجادين في القرن التاسع عشر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الحبشة قبل القرن التاسع عشر

يروي التاريخ الصادق أن دولة أثيوبيا هي دولة أكسوم التي بناها العرب وأقاموا عليها أول حكم عربي من قبيلة الحبشات العربية، ثم أصبحت دولة مسيحية في عام 530 بتأثير الثقافة المسيحية الواردة من الشام، وظلت المسيحية دين مملكة أكسوم لا تتعدي الهضاب الشمالية للتگراي حتي القرن التاسع عشر.

ولقد كانت هناك محاولات لإتساع مملكة أكسوم ولكنها كانت تتعرض للفشل بسبب ظهور دول أكثر منها قوة وترابطاً تحيط بها، فحالت دون أي حركة غزو أو اتساع من جانب مملكة أكسوم. فقد كانت وما زالت الحبشة إلي يومنا هذا يحيطها سور ضخم البنيان متماسك الوحدة والهدف والأماني من الشعوب الإسلامية. وحينما حاول ملوك أثيوبيا في القرن السادس عشر تحطيم السور الإسلامي والخروج الي البحر، على أساس الدعوة إلي حرب صليبية في شرق أفريقيا والاستنجاد بالأمم المسيحية في أوروبا، لم تجد هذه المحاولة التي قامت باسم الصليب أي تأييد من جانب نصاري الحبشة أنفسهم، بسبب الإختلافات المذهبية التي كانت تعيش فيها الحبشة، والتطاحن بين الرؤساء من أجل الوصول الي العرش الأثيوبي، وظهور مجتمع أرستقراطي على نطاق ضيق، ومجتمع كبير على نطاق واسع يتصف بالعبودية فلم تجد الدعوة للحروب الصليبية التي نادي بها رؤساء الحبشة أي تأييد من الشعب الحبشي، في الوقت الذي وجدت فيه مملكة الفتح الإسلامية في تجاه سنار غرباً ومصر الإسلامية شمالاً وممالك الطراز الإسلامي ( ملوك عدل وزيلع) شرقاً كل تأييد وقوة. وقد رأينا في دراستنا للصومال الإسلامية[1] مدي الانتصارات العظيمة التي حققها المسلمون الصوماليون في قلب أثيوبيا والحالات العظمي للتحول الي الإسلام في عهد الأمام البطل أحمد جراي الصومالي الذي حطم مدينة أكسوم نفسها، وأحرق كنائسها وهدم كنيسة أمهرة قاعدة الملك ونشر الإسلام في ثلثي بلاد الحبشة، وقامت وقائع وحروب عديدة بين حكام الحبشة من ناحية وبين الأحباش والصوماليين من ناحية أخري.


القرن التاسع عشر

واستمرت الحبشة مفككة الأجزاء حتي ظهرت عام 1858 على صورة أربعة أجزاء هي مملكة التيجري، مملكة جوگام، مملكة جوندار (غندرة) مملكة شوا، و هذه الممالك الأربع كانت في تنافس شديد من أجل الوصول الي العرش الأثيوبي و الحصول على لقب ملك الملوك أو منجاشا أو أمبراطور ليكون له السلطة على الممالك التابعة له.

أول إمبراطور للحبشة في القرن التاسع عشر

حوالي عام 1858 استطاع أحد ملوك جوجام أن يسيطر على جوندار، وأن يغير اسمه من كاسا الي ثيودور أي المحبوب من آلاله، مدعياً أنه سيحقق النبوءة التي ابتدعها الكهان في الحبشة في العصور القديمة، و التي تقول أن ملكاً حبشياً يدعي ثيودور سيحطم المسلمين ويعيد مجد المسيحين في الحبشة الي ما كانت عليه في عهد أكسوم في بداية التاريخ.

وخرج الملك ثيودور على رأس جيشه الي مملكة شوا فأسر مليكها المدعو منليك و وضعه في سجن منعزل بمجدلا، كماقام ثيودور بطرد الأوربيين، و رفض طلب القنصل الفرنسي بالسماح لبعثة تبشيرية كاثوليكية بالدخول الي بلاده قائلاً له.( أنني أعرف أساليب الدول الغربية إذا أرادت الإستيلاء على دولة شرقية، ترسل أولاً المبشرين، ثم القناصل لمساعدة المبشرين، ثم الفرق العسكرية لمساعدة القناصل و حمايتهم، و لست أميراً هندياً من الهندستان حتي أكون سخرية بهذه الطريقة، و أفضل محاربة الفرق العسكرية مباشرة). و لم يستمر ثيودور أو المحبوب من الآله فترة طويلة في حكمه إذ بعثت له بريطانيا بفرقة عسكرية مسلحة بقيادة الجنرال نابير الذي دخل الحبشة و هزم ثيودور في معركة أورجا ولكن ثيودور ( المحبوب من الآلة ) فضل أن يموت بيده لا بيد الإنجليز فأنتحر في 10 أبريل 1868.

هروب الملك منليك

تمكن الملك منليك أثناء القتال بين البريطانيين وقوات ثيودور من أن يهرب من مجدلا إلي شوا، وأن يعمل على تدعيم قواته العسكرية بعد انتحار ثيودور، واستمرت الحبشة بدون أمبراطور وفي تنافس وقتال وتطاحن من أجل العرش الإثيوبي حتي تولي حكم البلاد يوحنا الرابع.

الامبراطور يوحنا الرابع

وفي عام 1872 تمكن البريطانيون من مساندة الملك يوحنا الرابع في اعتلاء العرش الإثيوبي باسم ملك ملوك الحبشة.

وأراد يوحنا أن يتخلص ممن في بلاده من المسلمين، وأن يكسر الحصار الإسلامي الذي أقامته الدولة المصرية تحت شعار الكتلة الاتحادية الإسلامية لشمال شرقي أفريقيا، و لذلك قام يوحنا بإضطهاد مسلمي الصومال بهدف كسر الحلقة الإسلامية من ناحية الشرق، ولكن مصر المسلمة بعثت إليه أربع حملات عسكرية، استطاعت الحملة الثالثة بقيادة راتب باشا أن تحقق الانتصار الساحق على قوات يوحنا في معركة قرع في 9 مارس 1876، وتراجعت القوات الحبشية الي الهضاب الشمالية وطلب يوحنا الصلح و السلام، و عقدت اتفاقية السلام في 18 مارس 1876.

ولم يكن يوحنا الرابع امبرطور الحبشة يميل الي مصادقة الدول الأوربية لما لاحظه منهم من ميلهم الي رغبتهم في التدخل في الشئون الداخلية للحبشة، و لذا عمل على ألا يمنح أحدا من الأوربيين أي ميزات داخل الحبشة، فكان على الأوربيين أن يتجهوا الي منليك ملك شوا لمناصرته على الأمبراطور يوحنا من ناحية و كسب وده والحصول على امتيازات في داخل الحبشة من ناحية أخري.

وقد حدث أن أرسلت الحكومة الإيطانية بعثة علمية من قاعدتها في مصوع الي إقليم التيجري، غير أن الوطنيين تمكنوا من القبض على البعثة في المرتفعات الداخلية، فأرسلت إيطاليا بعثة أخري ومعها خمسمائة جندي في عام 1877 للبحث عن أعضاء البعثة العلمية و أعادتهم الي إيطاليا، غير أنهم وجدوا مناهضة كبيرة من جانب الأحباش الذين اعترضوا طريقهم في أكثر من عشرين ألف جندي فكانت الخسائر فادحة بالنسبة للإيطاليين.

مناصرة الأوربيين للملك منليك

اتجهت إيطاليا الي منليك ملك شوا والمناهض للامبراطور يوحنا، فعرضت عليه خمسة آلاف بندقية ومساعدته للوصول الي عرش الحبشة في مقابل مساعدتهم في الثأر للبعثة العلمية والبعثة العسكرية التي أبادها جنود الأمبراطور يوحنا.و قبل منليك العرض المقدم إليه من إيطاليا واستلم الهدية.

ولكن حدثت تغيرات في العلاقات بين الأمبراطور يوحنا و الملك منليك بعد عقد معاهدة السلام و الصداقة ومناصفة التوسعات القادمة حول أثيوبيا واتفق الطرفان على أن يكون منليك وريثا ليوحنا في تولي عرش الحبشة، و على خطبة ابنة منليك (7 سنوات ) الي ابن يوحنا ( 12 سنة ) و كان هذا الإتفاق سبباً قوياً في انهيار الاتفاق الإيطالي السابق مع الملك منليك.

و كانت فرنسا تسعي الي كسب ود منليك عن طريق تسليحه بمعدات حربية حديثة مقابل تحويل تجارته من زيلع الي جيبوتي، فاستلم منليك في دفعة واحدة عام 1885 من فرنسا نحو 30 ألف بندقية و 100 ألف خوذة حديدية و 13 ألفغدارة نارية للمشاة.

وأرادت بريطانيا أن تحد من تسليح منليك خشية أن تزداد قوته و معارضته لمطامع الأوروبيين في الحبشة في الوقت الذي قد تكون فيه الصداقة الفرنسية مع منليك سبباً في خروج البريطانيين من الصومال، و من أجل هذا عقدت معاهدة مع فرنسا في عام 1886 للحد من تسليح منليك، غير أن الحكومة الفرنسية لم تأخذ بالمعاهدة واستمرت في تسليح منليك رغبة في تحقيق المطامع الفرنسية بشأن انشاء خط حديدي بين جيبوتي و أديس أبابا تمهيداً لوصل جيبوتي على الساحل الصومالي الفرنسي شرقاً بالسودان الفرنسي غرباً غبر أراضي الحبشة.

التوسعات الحبشية

منليك واحتلال هرر

ظهرت اشاعة على سواحل الصومال تقول عقب جلاء الإدارة المصرية عن هرر (1885) بأن هناك إتفاقاً سرياً بين فرنسا و الحبشة بشأن هرر الصومالية المسلمة و تحويلها الي مستعمرة فرنسية في قلب الصومال الغربي مقابل أن تحصل الحبشة على ميناء على البحر بمساعدة الفرنسيين. و كانت إيطاليا ترغب في ضم هرر لملتلكاتها في شرق أفريقيا، و من ثم أرسلت بعثة كشفية الي هرر تمهيداً لإرسال بعثة حربية للإستيلاء عليها قبل أن يصل الفرنسيون، غير أن أخبار هذه البعثة وصلت الي الأمير عبد الله صاحب هرر فأمر بطرد الدخلاء الأجانب من البلاد، و لكن جنود الأمير لم يطردوا البعثة بل قاموا بإبادة أفرادها جميعاً و لم يتمكن أحدهم من العودة.

و قيل أن منليك ملك شوا أسرع في احتلال هرر مناصرة منه لإخوانه المسيحيين الإيطاليين الذين قتلوا على أبواب هرر. و قيل أيضا. أنه أي منليك أسرع في احتلال هرر قبل أن ترسل إيطاليا حملة تأديبية إنتقامية ثم تستولي على هرر. و يذكر الميجر هنتر المقيم السياسي البريطاني على ساحل الصومال أن دخول منليك الي هرر يرجع الي الأمير عبد الله نفسه الذي لم يعترف بزعامة منليك إلا إذا صار مسلماً. وعلى أية حال فإن الحملة الأولي التي أرسلها منليك لغزو هرر بقيادة ( والدو جبريل ) قد هزمت أمام جنود الأمير عبد الله، فأضطر منليك أن يقوم بنفسه على رأس جيش من ثلاثة آلاف مقاتل مزودين بأسلحة فرنسية و إيطالية و إنجليزية، و دخلوا مدينة هرر الخالدة بعد هزيمة الأمير عبد الله في معركة شالايكو بعد ربع ساعة من نشوب المعركة بين الطرفين، و كان ذلك في فبراير عام 1887. و يذكر أكثر المؤرخين أن نجاح الحبشة في غزو هرر يرجع الي الكونت أنتونللي الإيطالي صديق منليك و زوجته، فهو الذي وضع تخطيط عملية الغزو السريع، و الاعتماد على أسلوب المفاجأة في الغزو، و مما يدل على المؤامرة الحبشية الإيطالية في الغزو و احتلال هرر أن فترة الاشتباك لم تستمر أكثر من ربع ساعة، و هذا دليل على الكثرة العددية، و السلاح الفتاك الأوروبي، والمفاجأة في الغزو، بالإضافة الي أن قوة الأمير كانت مجردة من السلاح حسب تعليمات الحكومة البريطانية عقب جلاء الإدارة المصرية من هرر. و يؤيد ذلك قول الميجر هنتر الذي أشرف على جلاء الإدارة المصرية من هرر بقوله. ( أنني لا أستبعد وجود بعض الإيطاليين مع الأحباش في غزو هرر).

و تزعم السلطات الحبشية أن الأمير عبد الله هو الذي بدأ الهجوم على القوات الحبشية أثناء احتفالهم بعيد رأس السنة، ولكن غيرمعقول أن يحتفل منليك على رأس ثلاثة ألف جندي مسلح بعيد رأس السنة على نقطة الحدود بين الحبشة و هرر بل إن ذلك يدل على كذب هذا الإدعاء، و الأمير عبد الله الذي جرده البريطانيون من السلاح لم يكن لديه أثناء دخول الأحباش الي هرر إلا مدفعان فقط يعمل عليهما بعض الجنود المصريين الذين تزوجوا بصوماليات، و رفضوا مغادرة البلاد بعد جلاء الإدارة المصرية. و بعد أن سقطت المدينة الخالدة في يد الأحباش خرج الأمير عبد الله على ظهر جواده الي الأوجادين ملجأ الأحرار الصوماليين، و قام الأحباش بسلب ونهب المدينة، و استولوا على دار للصناعة و على خمسمائة بندقية و غيرها، مما كان داخل أسوار المدينة التي كانت عاصمة الصومال الإسلامية في العصر الإسلامي و التي خرجت منها الجيوش الإسلامية الصومالية في القرن السادس عشر فسيطرت على ثلثي الحبشة.

قام الأحباش بحصار المدينة و منع الدخول اليها أو الخارج منها بدون تصريح من السلطات الحبشية، و مصادرة كافة ما في المساجد و المساكن من سجاجيد و أثاث و مؤلفات و مخطوطات نادرة، و فرض خمسين ألف ريال غرامة على أهالي المدينة. و وضع منليك تخطيطاً عسكرياً لمنطقة هرر لتكون محور الإمتداد و التوسع في الأراضي الصومالية، و عين ابن عمه رأس مكونين حاكماً على مدينة هرر و ملحقاتها مع أربعة آلاف جندي مسلح، و ألفين من التابعين له للبقاء في هرر بصفة حامية للقاعدة و أن يتحول رأس مكونين نحو التوسع و احتلال أرض صومالية جديدة وضمها الي ملك الحبشة. و قام الأحباش في هرر فنشروا فيها الفساد و المنكرات، و حولوها الي بؤرة للمؤامرات، و مركزاً لتجمع العصابات و قطاع الطرق من الأحباش، و ملجأ للعاطلين و المنبوذين من سكان الحبشة، و أغلقت المدارس، و تهدمت المساجد، و تحولت البلاد الي حال موجبة للأسي و الألم.

أراء حول سياسة التوسع الحبشي

و يحدثنا ترننجهام في كتابه (الإسلام في أفريقيا). ( إن أهم خاصية امتازبها حكم منليك هي توسيع امبراطوريته على حساب جيرانه في الجنوب و الجنوب الغربي و الشرقي من مملكة أثيوبيا، و تعتبر هذه الفتحات التوسعية مهمة إذ نتج عنها انضمام المقاطعات الإسلامية (الصومال الغربي ) و الوثنية ( جنوب الحبشة) الي الأمبراطورية الأثيوبية).

التعليق

و يقول المؤرخ الدانمركي جونجولزر في كتابه ( أرض الوجوه الحرقة) ( مثل أسراب جائعة من جراد التهم منليك و جنوده في طريقهم خيرات البلاد، وكان معظم جنوده يصطحبون نساؤهم معهم، فكن يؤلفن مؤخرة هائلة للجيش، كما كن يحضرن نهب التموين مع الجنود، و كانوا جميعا يحملون كل ما يستطيعون حمله من منازلهن ولكنه ما كان يدوم طويلاً، و لذلك كانوا يلجئون الي النهب، و بالطبع ماكان منليك يدفع أجرالجنوده، إذ كانت معاشاتهم هي ما ينالونه من الغنائم، و لذلك لم يكن للجيش مؤخرة أثناء المعركة لأنه مالم يكن الجندي في المقدمة فقد خسر أحسن الغنائم). فالدولة الأثيوبية قامت على أساس التوسع الحربي و السلب و النهب و إغتصاب أرض لم تكن لهما قبل القرن التاسع عشر و ادماجها في دولة أثيوبيا دون أعتبار لعوامل الجنس و اللغة و العادات و التقاليد و غيرها من عوامل الربط الاجتماعي أو الاقتصادي أو الجنسي أو الحضري. و ما كان لأثيوبيا أن تحقق هذه التوسعات الحربية لولا أن بدأت المناورات الأوربية على سواحل الصومال، و لولا التنافس الأوربي في مساعدة منليك بالأسلحة الحربية الحديثة و الخبراء العسكريين لتحقيق أهداف استعمارية مما مكن لمنليك أن يقيم احتلالاً عسكرياً للمناطق التالية من أراضي الصومال. منطقة هرر في عام 1887 و الأوجادين بين عام94/1897 سدامو في عام 1893 و عروس في عام 1895 و بوران في عام 1895 و أساتير و أبيرو في عام 8/1909 و المنطقة المحجوزة فيما بين 48- 1949 بالأضافة الي أراضي أخري ضمت للحبشة هي مقاطعات ليمو 1886، فيرا 1886 جوما 1886، جوراجي 1887، كيباتا 1889 جللاولتا 1890، جبانجرو 1890، جالاتلام (أديا أبابا الحالية) 1893، دلامو 1893 أمي 1894، يورجي 1897، كونسو 1897 جمبيزا 1897، جامبو 1897 كافا 1897 هونرا 1899، بني شنقول 1899، الشعوب النيلية 1900، سلطنة جمبا 135، أرتريا 1952 (أتحاد فيدرالي ).

في عام 1962 ضمت أرتريا كجزء من الحبشة دون أعتبار لقرار هيئة الأمم المتحدة باعتبار دولة مستقلة ذات حكم ذاتي و دون اعتبار للتاريخ العام و عوامل الجنس و اللغة و نظام المجتمع. نعود مرة أخري الي الحديث عن حالة هرر فنذكر قول بوريللي الإيطالي الذي كان يعيش في هرر مدة عشر سنوات فعاصر عهد الإدارة المصرية وعهد الحبشة في هرر: ( أن اللحم قد إختفي من السوق، وأن هذه الفوضي الحبشية ستنتهي الأزمة سأترك هذه المدينة البائسة التي حولها الأمهريون الي حفر للقاذورات). و يقول الدكتور محمد صبري. (بصراحة) –( ليس في مقدورالحبشة ولا مقدور أية دولة أوربية أن تفعل ما فعلته مصر في هذه الأقطار (هرر)، ذلك لأن المدنية المصرية العربية لا تبقي على السطح بل تذهب الي الأعماق، و تعني بالبناء الصحيح لا بالطلاء أنها تجد في البيئة و اللغة والدين و القلوب أساساً ترتكز عليه، وهذه الحقيقة يعترف بها كل كاتب منزه عن الهوي).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رسالة منليك الي بريطانيا بشأن احتلال هرر

بعث منليك برسالة الي المقيم السياسي البريطاني في عدن عقب إستلائه على هرر، يعرب فيها عن زهوه بالانتصار و الانتقام من أمير هرر و ضم هرر للحبشة- فيقول بأسلوب ركيك. من منليك ملك شوا. و كل قبائل الجالا الأخيار منهم و الأشرار. كيف حالكم. بفضل الله نحن في صحة جيدة. الأمير عبد الله كان جران آخر[2]، لايتحمل مسيحي في بلده و بفضل الله حاربته وحطمته. وقد هرب على ظهر جواده. ورفعت علمي على عاصمته و جيوشي احتلت مدينته- مات جران، و عبد الله في أيامنا هذه خلفه فهذه ليست مدينة إسلامية كما يعرف الجميع. و في هذه الرسالة أعتراف من منليك بأن غزوته لهرر إنما هي انتقام لثأر قديم، وأن جران قد مات وأن الأمير عبد الله يريد أن يكون محله، إنه لا يجب أن بكون المسحيون في بلاده أي أن دولته إسلامية خالصة كما كانت منذ القرون الأولي للإسلام.

وفي الرسالة إشارة الي أنه احتل المدينة و رفع العلم الحبشي عليها، يقصد بذلك أن تعترف بريطانيا بأن هررملك للحبشة كأمر واقع و يدعي كذباً أنها مدينة هرر لم تكن دولة إسلامية كما يعرف الجميع. و بذلك قلب الحقائق التي يعرفها الجميع عن هرر كعبة الإسلام في شرق أفريقيا قبل أن تخرج المسيحية من مدينة أكسوم نفسها.

منليك يتولي عرش الحبشة

في الوقت الذي كانت فيه القوات الحبشية في هرر قد توغلت الي نحو 60 ميلاً الي الشرق من هرر حتي مدينة جججة الباسلة التي تقع علي طريق القوافل بين بربره و هرر و الأوجادين، كان الأمبراطور يوحنا يقوم بحروب مع دراويش السودان في الشمال، و كان منليك قد استلم عشرة ألف بندقية من صديقه الكونت انتونللي الإيطالي لاستخدامها في محاربة الجالا في مملكة ولاو في الجنوب. فكانت هناك ثلاثة مجالات حربية يعمل فيها الأحباش للتوسع الأستعماري، غير أن الدراويش تمكنوا من هزيمة يوحنا في معركة منجشا و استطاعوا قتله بعد أن تراجع جنوده الي داخل الأحراش و أصبح منليك على عرش الحبشة، يتقرب اليه ملوك أوروبا لتحقيق أهداف استعمارية خاصة في الحبشة أو في الصومال.

الغزو الإيطالي

معاهدة اوتشيالي 1889

بعد أن أصبح منليك على رأس الحبشة جاء اليه صديقه أنتونلي الإيطالي في يناير عام 1889 ومعه هدية من هومبرتو ملك إيطاليا وهي عبارة عن خمسة آلاف بندقية و مليون خرطوشة، و تباحث معه في شأن إقامة معاهدة بين إيطاليا والحبشة وتم الاتفاق، وأبرمت المعاهدة في 2 مايو 1889 باسم معاهدة أوتشيالي، وبمقتضاها منحت إيطاليا اعترافاً من الحبشة بسيادة الإيطاليين على أرتريا، و منح إيطاليا حق التحدث مع كافة الدول باسم الحبشة، وذلك في المجالات الخارجية و معني ذلك بسط الحماية على الحبشة كما قال الإيطاليون، وهذا نص المعاهدة:

حفظاً للسلم والأمن بين المملكة الإيطالية والمملكة الحبشية قرر جلالة الملك همبورت الأول ملك إيطاليا وجلالة منليك الثاني ملك الحبشة أن يبرما معاً معاهدة صداقة و تجارة.

وقد بعث جلالة ملك إيطاليا الكونت أنتونلي نائبا عنه و مندوبا فوق العادة الي جلالة منليك ملك الحبشة الذي تفاوض معه باسمه كملك ملوك الحبشة وقد اتفقا على المواد التالية:

مادة 1

سلام و صداقة دائمة. مادة 2 تعيين موظفي السلك الدبلوماسي والقنصلي.

مادة 3

تكوين لجنة خاصة من مندوبين إيطاليين وأحباش لتعيين الحدود بين مناطق نفوذهما يكون عملها في مجالات اعتبارية هي:

  1. – أعتبار النجاد العالية فقط الحدود بين إيطاليا و الحبشة في شرق أفريقيا.
  2. – يدخل في نفوذ الإيطاليين قرى هالاي، و سوخيتا و أسمره أعتباراً من اقليم أفرانالي.
  3. – يدخل في نفوذ الإيطاليين أدي فناس و أوي جوهان في اتجاه قبيلة جدابورسي.
  4. – خط الحدود بين إيطاليا و البشة يسير في خط مستقيم شرقاً و غرباً من أدي جوهان.
مادة 4

تبقي منطقة ديروبلانيرن وملحقاتها ضمن ممتلكات الحبشة على ألا تكون قاعدة حربية في أي صورة.

مادة 5

الرسوم الجمركية التي تؤخذ على القوافل تكون مقدار 8% من القيمة المبينة.

مادة 6

حرية التجارة في الأسلحة والذخائر عن طريق ميناء مصوع للملك منليك فقط على أن يقدم طلباً بذلك، وعليه الختم الملكي، للسلطات الإيطالية. و أن تكون حركة القوافل المحملة بالأسلحة و الذخائر تحت الحماية الإيطالية حتي دخولها الأراضي الحبشية.

مادة 7

منع رجال القوات المسلحة من عبور الحدود بقصد ازعاج المواطنين مع كفالة حرية الانتقال.

مادة 8

حرية التجارة بين المواطنين في إيطاليا والحبشة.

مادة 9

الحرية الدينية للجميع.

مادة 10

حل النازعات و القضايا التي بين إيطاليين مقيمين في الحبشة يكون من اختصاص السلطات الإيطالية في مصوع أو يرحلون الي إيطاليا، كما تحل النازعات والقضايا التي بين إيطاليين وأحباش عن طريق السلطات الإيطالية في مصوع، أو عن طريق مندوبين إيطاليين وأحباش.

مادة 11

حمل الأشياء الخاصة بالإيطاليين الذين يموتون في الحبشة وكذلك الأحباش الذين يموتون في إيطاليا.

مادة 12

الإيطاليون المتهمون بجريمة ما يحاكمون أمام السلطات الإيطالية في مصوع و الأحباش المتهمون بجريمة ما أرتكب في جهة إيطالية يحاكمون أمام السلطات الحبشية. ( ملاحظة – تغيرت هذه المادة بمادة 11 و ذلك في المعاهدة الإضافية في أكتوبر 1889 ).

مادة 13

تسليم الخارجين على القانون.

مادة 14

لا يسمح بمرور قوافل العبيد في أراضي منليك ( منع تجارة الرقيق ).

مادة 15

المعاهدة لها صفة قانونية في كافة أنحاء الأمبراطورية.

مادة 16

لا يجوز تعديل المعاهدة قبل مضي خمس سنوات، على أن يخطر بذلك الجانب الآخر في خلال عام، و لا يجوز تغيير أو تعديل الأمتيازات الخاصة بالأراضي.

مادة 17

يوافق جلالة ملك ملوك الحبشة على أن يستعين بالحكومة الإيطالية في المفاوضات التي يدخل فيها مع الحكومات أو الدول الأخري.

مادة 18

في حالة إذا ما رغب منليك منح امتيازات خاصة لرعايا دولة ثالثة كإقامة غرف تجارية أو صناعية في الحبشة يكون من الأفضل استخدام الإيطاليين في حالة ما تمت كافة الشروط الأخري .

معاهدة إضافية بين الحبشة و إيطاليا

ولم يكتف منليك بهذه المعاهدة التي ربطت الحبشة بمصالح إيطاليا الاستعمارية في شرق أفريقيا بل و في الحبشة نفسها، و أنما أرسل الرأس مكونين الي إيطاليا للمفاوضة في معاهدة أضافية حصل بمقتضاها على قرض 40 ألف جنيه بضمان جمارك هرر، و قد أضاف الملك همبورت هدية من عنده لمنليك و هي عبارة عن 38 ألف غدارة و 28 مدفع و لم يدر ملك إيطاليا أن هذه الأسلحة ستصوب ضد الأيطاليين أنفسهم في يوم من الأيام.

وكانت إيطاليا تسعي أن تكون جمارك هرر ضامنة لسد القروض التي يتحصل عليها منليك من إيطاليا حتي إذا ما عجز منليك عن سداد الديون تكون هرر من حق الإيطاليين و بذلك يتحقق حلم إيطاليا في إيجاد مستعمرة إيطالية في هرر.

اشتراك الحبشة في مؤتمر بروكسل سنة 1890

نجحت الحكومة الإيطالية في الدعاية للحبشة وفي ضمها لمؤتمر بروكسل عام 1890 و بذلك صار للحبشة حق الحصول على الأسلحة النارية بالأضافة الي الوارد إليها من الهدايا التي يتنافس في تقديمها الدول الاستعمارية على سواحل الصومال. فسمحت بريطانيا للملك منليك أن يستورد أسلحة عبر ميناء زيلع الصومالي، كما بعثت الملكة فكتوريا برسالة الي منليك تشاركه العطف في الصعوبات التي يلاقيها في محاربة أعدائه وأن الاتفاقية الإنجليزية الفرنسية بشأن منع تسليح الحبشة أصبحت لاغية، وبذلك إزدادت الواردات من الأسلحة والمعدات الحربية على الحبشة بشكل مخيف، والهدف الأساسي منها هو تدعيم الحركة التوسعية المسيحية التي يقودها منليك في شرق أفريقيا و الصومال وهذه الحركة التوسعية الصليبية فيها مكاسب لمسيحي أوروبا فوق كل اعتبار كما يقول أكثر المؤرخين الغربيين.

الخطاب الدوري الاستعماري لمنليك

وجدت إيطاليا أن منافسيها من فرنسيين وبريطانيين على الصومال قد أصبحوا أعداء صريحين لها، إذ بدأت المناورات الإنجليزية بصفة خاصة تثير الرأي العام الحبشي ضد الإيطاليين بل امتدت المناورات الي الصوماليين لتوجية موجة عدائهم من الحبشة الي إيطاليا، و قد ظهر هذا واضحاً حينما قامت بريطانيا بإرسال قوة تأديبية من خمسمائة جندي إنجليزي إلي قبائل العيسى الصوماليين الخاضعين للحماية الإيطالية مما أثار الصوماليين ضد الطليان لأنهم لا يقومون بواجبات الحماية ضد الغزو البريطاني و قدمت إيطاليا احتجاجاً ضد بريطانيا و كادت تنقطع العلاقات بين الدولتين مما دعا السفير البريطاني في روما الي أن يكتب لدولته في تهدئة السنيور كرايسبي وزير خارجية إيطاليا، وكرد فعل للمناورات البريطانية بعثت الحكومة الإيطالية بالسنيور أنتونلي صديق منليك الي الحبشة لإغراءه على إصدار خطاب دوري إلي كافة الدول الأوربية موضحاً فيه حدود الإمبراطورية الإثيوبية وذلك للحد من مطامع الفرنسييين و البريطانيين في شرق أفريقيا.

نص الخطاب الدوري لمنليك (عن النص الأمهري في أديس أبابا).

تحقيقاً للتعريف بحدود أثيوبيا فأننا نرسل هذا الخطاب الدوري الي أصدقائنا من ملوك أوروبا للعلم بحدود بلادنا. نحيطكم علماً، يا صاحب الجلالة. فتلك هي حدود إثيوبيا. اعتباراً من آرافال الواقعة على البحر عند الحدود الإيطالية يسير الخط غرباً نحو سهل جيجر في أتجاه ماهيو و هالاي و ديجزا و هورا الي أويبارد و منها الي ملتقي نهري مارين و أراند. ومن هذه النقطة يمتد الخط جنوبا حتي يلتقي بنهري عطبرة و ستيت حيث تقع مدينة تومات و حيث تشغل الحدود مديرية غضارف إلى كاركوج على النيل الأزرق و من كاركوج يمتد الخط إلى ملتقي نهر السوباط بالنيل الأبيض و من هناك يسير خط الحدود على نهر السوباط متضمنة بذلك أقاليم أريورا و جالاس حتي بحيرة سميوري.

وفي اتجاه الشرق يدخل ضمن الحدود أقاليم بوران و جالاس و عروسي إلى حدود الصومال بما في ذلك أقليم الأوجادين.

وفي اتجاه الشمال تتضمن الحدود هابراواز و الجد أبورسي و عيسى صومال حتي أميوس ثم يمر الخط بأميوس ويشمل بحيرة عسقل فمديرية الإقطاعي القديم محمد أنفاري حتي مناجم ساحل البحر ليتصل مرة أخرى بأرافال.

سأحاول أن أعيد إقامة الحدود القديمة لأثيوبيا إذا و هبني الله حياة و قوة حتي تصل الي الخرطوم و حتي بحيرة نيانزا متضمنة بذلك كل قبائل الجالا. لقد ظلت أثيوبيا خلال أربعة عشر قرنا كجزيرة مسيحية في بحر من الوثنية. وإنني على ثقة بأن عناية الله سوف تحفظ أثيوبيا من التقسيم بين الدول الأخرى. لقد كان البحر هو نهاية حدود أثيوبيا فلما أعوزتها القوة و لم تلق أي عون من الدول المسيحية سقطت حدودنا على ساحل البحر في قبضة المسلمين. وفي الوقت الحاضر لا ننوي أن نستعيد حدودنا البحرية بالقوة و لكننا واثقون بأن القوى المسيحية تحرسها عناية الله فتنقذنا، وستعيد إلينا الخط الساحلي على البحر، أو على أي حال بعض نقط فيه. حرر في أديس أبابا في 14 مارس 1883 ( 10 أبريل 1891 )


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ملاحظات على الخطاب الدوري لمنليك

  1. – رغبة منليك في ضم ممتلكات صومالية منها أراضي قبائل هبر يونس و الجدابورسي و عيسى صومال و هي قبائل صومالية تعيش في الصومال الفرنسي و الصومال البريطاني و أراضي قبائل بوران و جالاس و عروسي و الأوجادين و هود وهرر و كلها شعوب و أراضي صومالية في غرب و جنوب غرب الصومال.
    وبغض النظر عن رغبة (منليك ) في مد ممتلكات أثيوبيا حتي الخرطوم شمالاً فإنه يعترف بأن أثيوبيا خلال 14 قرن كانت كجزيرة مسيحية بل إنها ( إثيوبيا ) ظلت كذلك حتي القرن التاسع عشر.
  2. – ادعي منليك أن البحر كان نهاية حدود أثيوبيا. ويقصد بذلك البحر الأحمر والبحار الصومالية على المحيط الهندي فليس هناك حدود أخري بحرية تحد الحبشة عن قرب إلا الحدود الصومالية والإرترية، ونحن قد عرفنا مما سبق ذكره أن أثيوبيا طوال التاريخ كانت حول الهضاب الشمالية ولم تصل الي البحر اطلاقاً إلا في القرن الحالي بمساعدة الغربيين.
  3. – يدعي منليك أن الحدود البحرية سقطت من يد الحبشة حينما وقعت في يد المسلمين في الوقت الذي لم تجد فيه الحبشة أي عون من الدول المسيحية. وقد سبق أن أوضحنا أن الصوماليين من الشعوب الأصلية في منطقة الصومال و أنها عناصر حامية خالصة، على حين الحبشة من عناصر مختلفة من حامية و زنجية، و أن الصوماليين أخذوا بالإسلام في عهد الرسول عليه السلام أو على الأقل في العشرين سنة الأولي التي تلت وفاة الرسول، بعكس ما ذهب إليه منليك من أن المسلمين استولوا على النطاق البحري أثناء طلب الأحباش بمساعدات من البرتغاليين و نصاري أوروبا ضد مسلمي الصومال.
    فالصوماليين مسلمون قبل أن تمتد الحبشة إلى الخارج في طلب مساعدات في حروبها الصليبية، كما أن هذه المساعدات كانت خلال القرن السادس عشر حينما ظهر الداعي الصومالي الكبير الأمام أحمد جري الذي انتصر على الأحباش، وقد حدث في عهده حالات كثيرة في التحول الي الإسلام حتي أصبح عدد المسلمين أكثر من الأحباش منذ القرن السادس عشر حتي اليوم رغم محاولات السلطات الحبشية إنكار هذه الحقيقة.
  4. – في خطاب منليك استعطاف للدول الأوروبية المسيحية لتدعيم المسيحية في الحبشة و مساعدتها في الوصول الي منافذ بحرية. (إننا واثقون أن القوى المسيحية تحرسها عناية الله التي ستنقذنا و ستعيد إلينا الخط الساحلي على البحر أو على أي حال بعض نقط فيه).

موقف إيطاليا و بريطانيا من الخطاب الدوري

الخطاب السابق من وضع الإيطاليين، وهدفهم تقديم منليك كبش فداء لمطامعهم الاستعمارية، و من خلفه يمكن لهم أن يحققوا أطماع إيطاليا لا في أثيوبيا بل في الصومال عن طريق إخلاء الصومال من الأوربيين لتحل إيطاليا محلهم تبعاً لمعاهدة أوتشيلي. ولكن خاب ظن الإيطاليين، إذ تطاول منليك على الإيطاليين أنفسهم وطردهم من البلاد بعد هزيمتهم في معركة عدوة. كان موقف بريطانيا من الخطاب الدوري الانتظار لمعرفة تطورات الأحداث، و في الوقت نفسه بعثت ملكة بريطانيا برسالة إلزام للملك منليك بتنفيذ البروتوكول الذي حدد مناطق النفوذ بخط يبدأ من البحر في منتصف مجري نهر جوبا حتي عرض 6 شمالاً مع بقاء كسمايو و الأراضي الملحقة به في الجهة اليمني للنهر في حوزة بريطانيا، ويسير الخط موازياً من خط عرض 6 شمالاً وخط طول 35 شرقاً حتي النيل الأزرق.

المناورات البريطانية وإلغاء معاهدة وتشاله

رأي الإيطاليون أنهم بمعاهدة وتشاله قد فرضوا الحماية على كل الحبشة، واعتبروا هرر كبقية الحبشة في الوقت الذي كانت فيه فرنسا تطمع في تحويل تجارة هرر الي ميناء جيبوتي وأعلنت عدم اعترافها بمعاهدة وتشاله بين إيطاليا والحبشة، أما بريطانيا فقد وقفت ظاهرياً بجانب إيطاليا في دعواها الحماية على الحبشة، وفي الوقت نفسه كانت تعمل على ضم هرر إلي ممتلكاتها هي. وبدأت تقوم بمناورات في الحبشة كان الغرض منها اظهار حقيقة الموقف الإيطالي من الحبشة، و ظهرت هذه السياسة البريطانية واضحة في رسالة بعثت بها ملكة بريطانيا إلي المبراطور منليك. تقول فيها. أنها آسفة لعدم مكاتبته أو تلقي رسائله مباشرة إلا عن طريق جلالة ملك إيطاليا. وكان لهذه الرسالة أثر كبير في نفس منليك. إذ قال لمن حوله من المستشارين السياسيين بعد الانتهاء من قراءة رسالة الملكة. ( ما هذا؟ هل أنا خادم حتي ترد علي الملكة هكذا؟ ) وهنا أشار له مستشاره السياسي إلي محتويات معاهدة وتشاله التي منحت إيطاليا حق الحماية على الحبشة. وطلب منليك النسخة الأصلية للمعاهدة باللغة الأمهرية و قارنها بالنسخة الإيطالية فكان هناك اختلاف في عبارة ( حق استخدام إيطاليا في الحديث في العلاقات الخارجية ) عن عبارة ( يجب على إيطاليا الحديث باسم الحبشة في العلاقات الخارجية )[3]. فقدم منليك احتجاجاً على المعاهدة وأنه لا يعترف بها وبعث رسالة الي الملكة يلغي عهده السابق في المراسلات عن طريق إيطاليا، وذكر أن النسخة الأمهرية للمعاهدة جعلت حق استخدام العلاقات الخارجية بيد إيطاليا اختيارياً وليس إلزامياً، وبذلك نجحت السياسة البريطانية في قلب منليك على إيطاليا مدعية صداقة الحبشة وفي الوقت نفسه تقوم بريطانيا بالتودد الي إيطاليا واستمرار المكاتبات عن طريق ملك إيطاليا إلي منليك إمبراطور الحبشة.

الغزو الحبشي للأوجادين

خلال فترة المناورات الأوروبية تجاه الحبشة، و إمداد منليك بالسلاح الحديث كان رأس مكونين قد بعث بجماعة من الأحباش و قطاع الطرق في 30 يونية 1891 للقيام بغارات على أراضي الأوجادين، و قام الغواة بسلب متاع السكان و حيواناتهم وعللوا ذلك بأن هجرتهم الي الأوجادين سببها شدة القحط الذي أصاب مدينة هرر. و يذكر الكابتن سواين البريطاني أن أفراد قبيلة هبرأول و يونس جبريل جاءهم رسول في جججة يطلب منهم قريتين كجزية لحمايتهم من الأحباش.

وقام الغزاة الأحباش بإحتلال بيوكابوبا التي تدخل ضمن نطاق الصومالند الخاضع للحماية البريطانية و جلديسيا الواقعة بين المحمية البريطانية و المحمية الفرنسية. و يتزايد الضغط الحبشي على الأوجادين و تكثر عمليات السلب و النهب التي يقوم بها أفراد غير نظاميين من الأحباش و اتجه السكان إلى عاصمة محمية الصومال البريطاني، يطلبون من البريطانيين حمايتهم و إرسال النجدة الي أراضيهم، و وقف غارات الأحباش عليهم. ولكن بدون جدوى!

ورغم الاتفاقات البريطانية الإيطالية فإن الغزوات الحبشية استمرت في أعمال التخريب و الاحتلال في داخل الأوجادين و أخذت الحبشة توسع الممتلكات على حساب الصومال حتي وصلت فرقة حبشية إلى هرجيسة و قامت بتحطيم قلعة قد بناها اللورد لأمير للصيدالي الغرب من هرجيسة كما نادي الأحباش بأن أراضي قبيلة هبرأول من الممتلكات الحبشية و يذكر كابتن برسي البريطاني في عام 1896 أثناء تجوله في الأوجادين مع بعض الصوماليين قائلاً.( أن الأحباش كانوا يأخذون إتاوة على الحيوانات التي تتجه الي الآبار للشرب، و يسخرون العمال من رجال القبائل إذا لم يدفعوا الضرائب مقابل حيواناتهم). و تسأل.( ماذا يعمل الصومالي الشجاع بدون سلاح)؟. ( أن الأحباش أنفسهم عندهم أكثر من أدعاء اللهم إلا القوة للسيطرة على الآبار). ومما لا شك فيه أن الصوماليين كانوا مضطهدين من قبل الأحباش في الوقت الذي حرمهم فيه المستعمر سواء كان فرنسياً أو إيطالياً أو إنجليزياً من حق حمل السلاح حتي الأبيض منه. و لما وجد المستعمرون أن مصالحهم تتعارض مع بقائهم في الصومال وخاصة بريطانيا التي تجد مقاومة شديدة من جانب دراويش السودان في الوقت الذي إزداد فيه كراهية منليك أمبراطور الحبشة لإيطاليا بينما إزدادت علاقته توثقاً مع فرنسا بميثاق 1894 و 1896.

الاتفاق الإنجليزي الإيطالي ( بروتوكول 1894)

أن بريطانيا الحريصة على مصالحها الواسعة في الحبشة لم تتخذ أي خطوة عملية ضد الغزاة الأحباش و يذكر بعض الناصرين للقضية الصومالية و هو الحاكم العام في الهند في نداء له لبريطانيا. ( لابد من مراعاة المصالح البريطانية في الأوجادين و تدعيمهاخشية أن يؤدي فقدها الي ضعف مركز بريطانيا في الصومال ). و ناشد دولته العمل السريع لصالح قضية الأوجادين الصومالي.و تحركت بريطانيا بالتنبية على إيطاليا بأن ( شمال الأوجادين يعتبر نقطة هامة في طريق تجارة بربره وبلهار، وأن سلطة الحبشة عليها مؤقتة و أن تجارة الأوجادين وهرر تنتهي طبيعياً الي مواني الساحل الصومالي). و تفاوضت بريطانيا و إيطاليا بشأن مناطق النفوذ و تحديدها و انتهت المفاوضات بتوقيع بروتوكول 5 مايو 1894 و فيه حددت مناطق النفوذ بخط يبدأ من جلديسيا الي خط عرض 8 درجة شمالاً بجوار حدود إقليم جيرهي، برتري، و دير على والي اليمين يترك قرية جلديسيا و الي ججة وميل وبعد خط 8 درجة شمالاً يسيربموازاة خط تقاطع مع طول 48 درجة شرق جرينتش، ثم بعد ذلك يتجه الي تقاطع خط عرض 9 درجة شمالاً مع خط طول 49 درجة شرق جرينتش حتي البحر، كما نص البروتوكول على حرية التجارة في منطقة الأوجادين والمساواة بين بريطانيا و إيطاليا في تجارة ميناء زيلع ورعايا الدولتين ومن تحت حمايتهما.

بريطانيا تتنازل عن أراضي صومالية للحبشة

وجدت بريطانيا أن تتقرب الي منليك بأية وسيلة قبل أن يمتد نفوذ الفرنسيين بالتعاون مع منليك الي أعالي النيل، فأرسلت الحكومة البريطانية برسالة عن طريق اللورد هاملتون في يناير 1897 الي المقيم السياسي على ساحل الصومال مستفسرة عما إذا كان ساحل الصومال ضرورياً بالنسبة لبريطانيا. و جاء في الرسالة ( أن حكومة جلالة الملكة تعتبر مصالح الإمبراطورية في محمية الصومالند غير كافية في مساهمتها في الدفاع عنها أو احتلالها بصفة مستمرة إلا من جهة الانتفاع البحري فقط ، و إذا قام احتلال عسكري يجب الابتعاد عن الاصطدام بل التقهقر إلى المواني). وبذلك صرحت بريطانيا أنه في حالة تقدم الأحباش الي محمية الصومال البريطاني فإن قواتها لا تدافع عن المحمية بل تتراجع الي المواني حتي لا تتصادم مصالح بريطانيا مع إمبراطور الحبشة (أنظر الصومال البريطاني بعثة رنيل رود) و في الوقت نفسه أرسلت بعثة بريطانية برياسة رنيل رود لأجراء مفاوضات، و تنازلت عن أراضي صومالية للحبشة مقابل أمتناع منليك عن مساعدة الفرنسيين في أعالي النيل و تحقيق بعض المطامع البريطانية في الحبشة.

هزيمة إيطاليا في عدوة واستقلال الحبشة

عرفنا فيما سبق أن منليك ألغي عهده السابق بشأن معاهدة أوتشيالي مع إيطاليا في فبراير عام 1893 على أثر الخطاب الذي أرسلته ملكة بريطانيا بأنها لا تتراسل معه إلا عن طريق إيطاليا، و كانت أول المعارك الحربية في 14 فبراير 1895 حينما هزم بارتيري الإيطالي جيش الرأس منغشيا في واقعة تواتيب، و توغل الإيطاليون الي أديجيرات و ماكاللي في الأراضي الحبشية. وكان الانتصار الأول للأحباش على الإيطاليين في معركةأمباآلاجي في 7 ديسمبر 1895 إذ تقدم منليك الي الشمال لمؤازرة الرأس منغاشياً ضد الطليان و سلمت ما كاللي لمنغاشيا.

و في أواخر عام 1895 كان الأيطاليون قد قوي من مراكزهم على الحدود التيجرية فبعث منليك بأوامره لحشد قواته لتتركز في ثلاثة مواقع من الطرق المتجهة شمالاً، و كانت الجيوش الحبشية متأهبة للحرب غير أنه لم يحدث أي شيء حتي أوائل عام 1896. وفي فبراير كان القائد العام الإيطالي يري عدم الاشتباك مع منليك، غير أنه تقدم الي المعركة بأمر من رئيس وزرائه الذي وضح ذلك الأجراء بقوله.

( هذا ما هو إلا أجراء عسكري و لا يعتبر حرباً و يجب أن تكون على أستعداد للتضحية للمحافظة على شرف الجيش وهيبة الملكية). و تقدم الإيطاليون الي عدوه ولكنهم قهروا في أول مارس 1896 و خابت مناورتهم، و كانت خسارة حربية تعرضت لها إيطاليا في الحبشة، أو بمعني آخر كانت نكبة لم ير لها مثيل في تاريخ إيطاليا، إذ قتل بالنار أو بالسلاح الأبيض أربعة آلاف إيطالي، وأسر ألفان، فكانت كارثة لا في الحبشة بل في داخل إيطاليا نفسها مما سبب تغيير الوزارة الإيطالية بعد ذلك.

وكانت نتيجة الانتصار الكبير لمنليك أن ارتفع اسمه بين الدول، و خاصة تلك التي تتطاحن على الساحل الصومالي و طلب الإيطاليون الصلح، و قدم الي الحبشة الماجور نرازيني على رأس بعثة إيطالية فأبرم معاهدة صداقة و صلح وسلام في 26 أكتوبر عام 1896، و بذلك ألغيت معاهدة أوتشيالي، وأعترفت الحكومة الإيطالية باستقلال الحبشة وسيادتها، ورسمت الحدود الحبشية و أرتريا عند الخط النهري مأرببيليامونا.

التعليق
التعليق

المصادر

سالم, حمدي السيد (1965). الصومال قديماً وحديثاً. القاهرة، مصر: الدار القومية للطباعة والنشر. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameter: |coauthors= (help)

  1. ^ انظر الجزء الأول: الصومال قديماً وحديثاً للمؤلف
  2. ^ جران أي جرى والمقصود به الإمام أحمد بن إبراهيم الصومالي الملقب بأحمد جرى الذي كاد يسحق النصرانية الحبشية في القرن السادس عشر.
  3. ^ انظر المادة 17 في معاهدة وتشاله 1889