شريف بسيوني

محمود شريف بسيوني.

محمود شريف بسيوني (و. 1937 - 25 سبتمبر 2017)، هو أستاذ مصري باحث بارز في القانون الفخري في جامعة ده پول كلية القانون، جامعة شيكاگو منذ 1964 والرئيس الفخري للجامعة الدولية لحقوق الإنسان معهد القانون 1990 - 2006، وهو خبير الأمم المتحدة بجرائم الحرب، وكان هو أيضا رئيس المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية، والرئيس الفخري للجمعية الدولية لقانون العقوبات، وحصل على جائزة لاهاي للقانون الدولي لمساهمته المتميزة في مجال القانون الدولي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

النشأة والتعليم

وُلد في القاهرة، وكان والده سفيراً في السلك الدبلوماسي المصري، جده لأبيه هو مصطفى بسيوني باشا، رئيس مجلس الشيوخ المصري في عام 1937، والنائب عن أسيوط، الذي يحمل أحد شوارع وسط البلد اسمه، وكان رئيساً لأول مجلس للشيوخ، وشارك في تحرير دستور 1923، وكان قائداً لثورة 1919 في منطقة الصعيد، وحوكم أمام محكمة عسكرية، وحكم عليه بالإعدام لدوره في هذه الثورة. كان جده لا يتماشى مع الإنگليز، كما كان صعب المراس مع السرايا، وكان يتطلع مبكراً لنظام جمهورى، ورغم أنه لم يكن ملكياً لكنه أصبح رئيساً لمجلس الشيوخ حتى توفى سنة 1948.

أما جده من ناحية الأم، أحمد خطاب، فكان محامي القصر الملكي، ولما حدثت المواجهة بين الخديو وعرابي كان جده يتحرك سراً لجمع التمويل والمساعدات لدعم عرابي، وشارك معه في معركة التل الكبير. ونشأ شريف بسيوني على هذه الروح الثورية الوطنية، ولأن والده كان دائم السفر بسبب العمل الدبلوماسي أُلحق بالقسم الداخلي بمدرسة الجزويت،

العمل الفدائي

حصل على البكالوريا بالفرنسية، ومنحته الحكومة الفرنسية بعثة لدراسة الحقوق، فسافر إلى فرنسا عام 1955، وفور اندلاع حرب 1956، سارع بالعودة وانخرط في صفوف الفدائيين ضمن الحرس الوطني، وكان ضمن خريجي أول فرقة التي سميت بعد ذلك الصاعقة.[1]

وكان ضمن وحدة الحرس الوطني التى تمركزت في الكيلو 12 خارج بورسعيد. كان قوام الفرقة 70 فرداً استشهد منهم حوالي 56 في المواجهة مع العدو، وأصيب في الحرب وحصل على نوط الجدارة العسكرية، وأسند له اللواء أحمد فؤاد تدريب الفرقة الجزائرية، التي جاءت للمشاركة في الحرب لإجادته الفرنسية. وبعد انتهاء المعركة عاد إلى فرنسا لاستكمال الدراسة، لكن سرعان ما تم إلقاء القبض عله لنشاطه وسط الطلاب الجزائريين.

في هذه الأثناء كان والده سفيراً في الهند، واتصل بنهرو لحل المشكلة، وكانت علاقته به حسنة، واتصل نهرو بأمين عام الأمم المتحدة حينذاك، داج همرشولد، الذي اتصل بدوره بوزير خارجية فرنسا، فأفرج عنى بعد أربعة أيام، وطرد شريف بسيوني إلى سويسرا ثم عدت إلى مصر.

العمل في حقوق الإنسان

علم عقب عودته إلى مصر عام 1957 أنه مرشح للعمل في رئاسة الجمهورية، ولكي يختبروا قدرته على العمل في الرئاسة أخضعوه لاختبار غريب وقاس، إذ عرضوا عليه صورة فوتوغرافية لأحد المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين، طوقت جمجمته بطوق حديد أدى إلى انفجار الجمجمة. بعد هذه الواقعة بأيام دعيت لاجتماع برئاسة كمال الدين حسين، نائب رئيس الجمهورية آنذاك، الذي كان قائداً لمنطقة السويس وقت الحرب،

وحدثه قبل بداية الاجتماع - عن الصورة التى عرضوها عليه، وقال له إنه يعتقد أن الرئيس عبد الناصر لا يعرف بهذا ولا يوافق عليه، وفوجئ بتدخل الضابط أحمد أنور، وكان أحد ضباط الحرس، الذى قال له بصوت غاضب «اخرس»، فانفجر فيه بسيوني، وقُبض عليه ووُضع في غرفة حتى يتقرر مصيره.

وحددت إقامته في شقته بجاردن سيتي، سمروا النوافذ وقطعوا التليفون والراديو، وعرف مبكراً معنى تقييد الحرية، كان عمره وقتها 21 عام. مارسوا معه كل أنواع التهديد، أول أسبوع كانت يتجول في الشقة، وفي الأسبوع الثالث بقى في السرير، ومكث على هذه الحالة 7 شهور، صادروا خلالها أملاكه وأملاك والده ووالدته. وعندما أنهوا تحديد إقامته كان بلا عمل وبلا جواز سفر وخاضعاً للمراقبة، ورغم ذلك التحق بكلية حقوق، جامعة القاهرة وتخرج فيها وعمل في القطاع الخاص وبقى في مصر حتى عام 1962، ثم لحقت بوالدته، التي كانت سافرت إلى أمريكا للعلاج من السرطان، وبقى إلى جوارها حتى توفيت. وفي عام 1977 عُين هناك ضمن لجنة خبراء لوضع مشروع اتفاقية دولية لمنع التعذيب، وكان أحد نواب رئيس اللجنة وحرر نصوص الاتفاقية.

إلى جانب تلك التجربة عرف أيضاً الحرب مبكراً عام 1956 وكان سنه وقتها 19 سنة، وعايش حروباً كثيرة بعد ذلك وعرف الأحاسيس التى يشعر بها من قدر عليهم المرور بتجربة الحرب.

عمله في الجنائية الدولية

في عام 1922 كان أستاذاً في الجامعة، وكان يعمل مع الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، وعينه مجلس الأمن رئيساً للجنة تقصى الحقائق في جرائم الحرب التي جرت في يوغسلافيا السابقة، ولمدة عامين قام بجمع الأدلة التى دفعت مجلس الأمن إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بجرائم الحرب اليوغسلافية، وكان أول من حقق عبر التاريخ في جرائم الاغتصاب أثناء الحرب، وكشف عن أكثر من 4200 حالة اغتصاب. قامت اللجنة بجمع أدلة هائلة واكتشاف 151 مقبرة جماعية و200 ألف قتيل وأثبتت سياسة التطهير العرقى هناك. لم تكن إنجلترا وفرنسا متحمستين للجنة تقصى الحقائق ولا للمحكمة الدولية، لأنهما كانتا تتفاوضان بشكل منفرد مع صربيا وكرواتيا على السلام، ربما لأن الدولتين لا تريدان تعريض قواتهما في قوات حفظ السلام هناك للخطر (30 ألف جندى من إنجلترا وفرنسا) والضحايا كانوا من البوسنة والهرسك. والتقرير الذى كتبته بخصوص تلك الانتهاكات هناك كان أكبر تقرير في تاريخ مجلس الأمن، 3500 صفحة ومرفق به 72 ألف وثيقة و3 آلاف صورة و300 ساعة فيديو، وكان هو الأساس الذى قامت عليه المحكمة.

وعلى غرار النظام الأساسى لمحكمة يوغسلافيا كوّن مجلس الأمن محكمة خاصة لجرائم الحرب في رواندا عام 1994، بعد ذلك اتجهت الجمعية العام للأمم المتحدة لإنشاء محكمة جنائية دولية، ورشحته مصر للجنة التحضيرية لإنشاء المحكمة، وانتخب رئيساً لهذه اللجنة، وتوقفت اللجنة بعد سنتين، وتكونت لجنة أخرى مثلت مصر فيها وانتخب نائباً لرئاستها، وعندما انعقد المؤتمر الدبلوماسى لوضع النظام الأساسى انتخب بالإجماع رئيساً للجنة الصياغة للاتفاقية الدولية للمحكمة.

ولم تنضم مصر لهذه اللجنة لأن كان هناك اعتراض من وزارة الداخلية خوفاً من كشف عمليات التعذيب، ومن جهة سيادية أخرى خوفاً من القيود التى كانت موجودة في تعريف جرائم الحرب، وبعد الانتهاء من تحرير الاتفاقية تكونت لجنة في مصر عام 1998 بعضوية مندوبين من الوزارات المختلفة، وكان للوزارات السيادية بعض الاعتراضات،

وحاول بسيوني إقناع الرئيس السابق مبارك، وبعض المسؤولين في الوزارات المختلفة، لكن الأمريكان ضغطوا على مصر حتى لا تنضم للاتفاقية وقبل مبارك هذا الضغط، ثم ضغط الأمريكان لتوقيع اتفاقات ثنائية بعدم تسليم مجرمى الحرب للمحكمة الجنائية الدولية، ووقع حسنى مبارك على اتفاقية سرية بين مصر وأمريكا في هذا الشأن.

شريف بسيوني لدى وصوله مطار البحرين الدولي 1 يوليو 2011.

وكان بسيوني الخبير المستقل للجنة حقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان في أفغانستان في الفترة من 2004 - 2006، والخبير المستقل للجنة حقوق الإنسان للحق في التعويض، والرد على إعادة التأهيل لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية من 1998 - 2000، كما تقلد رئاسة لجنة الصياغة للمؤتمر الدبلوماسي المعني بإنشاء محكمة جنائية دولية في عام 1998، وكان نائبا لرئيس الجمعية العامة المخصصة واللجان التحضيرية المعنية بإنشاء محكمة جنائية دولية في عام 1995، وكذلك رئيس لجنة مجلس الأمن المعنية بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي في يوغوسلافيا السابقة (1993) ومستشار الأمم المتحدة إلى المؤتمرين السادس والسابع لمنع الجريمة 1980 - 1985 وأيضا مستشار لدى لجنة الجنوب الأفريقي لحقوق الإنسان في الفترة من 1980 - 1981، كما عمل بسيوني أيضا مستشار وزارة الخارجية والعدل في مشاريع تتعلق الاتجار الدولي في المخدرات (1973) ومكافحة الإرهاب الدولي (1975 و1978 - 1979). وعمل كذلك مستشارا لوزارة الخارجية بشأن الرهائن الأمريكيين في إيران 1979 - 1980. [2]

وفي يوليو 2011 كان على رأس اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق التي شكلها حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين وضمت نخبة من الحقوقيين المعروفين وهم القاضي الكندي الدولي فيليب كيرش الذي كان عضوا في المحكمة الجنائية الدولية والبريطاني السير نايجل رودلي العضو في لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وماهنوش ارسنجاني وبدرية العوضي. والكويتية بدرية العوضي.

آراؤه

ثورة 25 يناير

في رأيه أن ثورة 25 يناير، حركة عفوية بلا قيادة، وتحرك سلمي ذكرنا بالحركة السلمية التى قادها غاندي في الهند، وحركة حقوق الإنسان التى قادها مارتن لوثر كنج في الولايات المتحدة الأمريكية، والحركة ضد العنصرية التى قادها نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا. عظمة هذه الثورة تكمن في كون المجتمع المدني كله تواجد في ميدان التحرير، المرأة مع الرجل، العامل مع رئيس العمل، الشباب مع الشيوخ، المحجبة مع غير المحجبة، لكن حلت حالة من القلق السياسي والاقتصادي العام بعد حالة الارتياح التي عمت الشارع المصري بعد رحيل مبارك. يرجع هذا القلق في رأيه لعدم وجود توازن قوي في المشهد السياسي الحالي، الأمر الذى يعطل أحلام وأهداف القوى الثورية بعد إزاحة نظام مبارك، وهو ما يوحي بأن الثورة تم اختطافها.

هناك ثلاث قوى سياسية في مصر، على رأسها المجلس العسكري الأكثر قوة، لأن العسكرية المصرية تتمتع بالثقة الشعبية كما أشادت بذلك منظمات أمريكية ووصفت المجلس العسكرى بالوطنية وعدم الفساد. القوة الثانية هى الإسلاميون، رغم تباين التيارات الإسلامية مثل «الإخوان، والسلفيين، والصوفيين» في القدرات التنظيمية والخطاب الدينى الذي يلقي صدى لدى المجتمع المصرى المحافظ بطبعه. أما الفريق الثالث الذى يعد صاحب الفضل الرئيسى في قيام الثورة، فهو تيار الجماعات الليبرالية واليسارية، الذى يعتمد بالأساس على فئة الشباب من الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة المتعلمة، لكنه يعانى من الانقسام والتشتت إلى عشرات الأحزاب والائتلافات.

وعن أسباب اختلال توازن القوى في المشهد السياسي المصري بعد ثورة 25 يناير، ومساهمة المجلس العسكري في الأمر، يرى أن الغموض فيما يتعلق بالعملية السياسية ثم التشتت والانقسام بين فريقى الليبراليين واليساريين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى منذ إجراء الاستفتاء مروراً بقضية الانتخابات أولا أم الدستور أولا، ثم الجدل حول المبادئ فوق الدستورية وغموض موقف المجلس العسكرى من هذه التطورات حول حالة الوحدة والتضامن التى كانت سائدة في الأيام الأولى للثورة إلى حالة من التشكك وانعدام الثقة والتخوين المتبادل بين الفريقين، بما أوحى للبعض بأن المجلس العسكري كان الفائز الوحيد من هذه الحالة، وأنه اتبع سياسة فرق تسد لضمان أن أحداً من القوى السياسية الناشطة حالياً على الساحة لن يكون قادراً على تحدى سيطرته السياسية.

وأن استمرار المحاكمات العسكرية، ورفض انتقاد المجلس إعلاميا، واستمرار الغموض بشأن المرحلة الانتقالية، والكثير من الخطوات التى اتخذها المجلس العسكرى، لاسيما اتهامه لحركة ٦ أبريل بإفساد العلاقة بين الجيش والشعب كلها أمور وترت العلاقة مع الشباب، ورغم أن المجلس العسكرى التزم بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة لكنه على الأرجح لن يترك السلطة التنفيذية التى هيمن عليها لستة عقود أن تنسل من يده أو يتم تغيير النظام القائم منذ ثورة يوليو ٥٢ وهو ما يزيد من إحباط الشباب، وفى تقديرى فإن المجلس العسكرى يعتبر نفسه الضامن الرئيسى للاستقرار في مصر وفى الأغلب لا يملك الثقة في قدرة العملية الديمقراطية على إفراز قيادة سياسية موثوق فيها وقادرة على حفظ النظام في مصر، ولهذا فهو حريص على ألا تقوى شوكة أى قوة سياسية على الساحة لتهديد هيمنته السياسية على الأوضاع، ولهذا يستهدف القوى الأكثر تهديداً أو اعتراضاً على استمرار هيمنته على الحكومة، وخصوصا أنه إذا انتوى ترشيح أحد أعضاء المؤسسة العسكرية للرئاسة، فيجب أن يضمن ألا تقف في طريقه جماعات مثل ٦ أبريل.

الحكم في المرحلة الانتقالية

في تقديره أنه لا توجد جهة في مصر عندها نظرة مستقبلية، فمصر حاليا «معصوبة العينين»، الكل غارق في تكتيكات، ربما لقلة الخبرة السياسية أو لتحقيق أغراض معينة. نحن بلد عدد سكانه وصل إلى 84 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلى أكثر من 120 مليوناً في الـ20 عاماً المقبلة، ونصف السكان تحت سن الـ30 وبينهم 60% يعانون من البطالة- أى أنه لدينا أكثر من 20 مليوناً على حافة الجوع- ومهددون بعد الثورة بالنزول إلى القاع.

أريد أن يقول لى أحد كيف يتم التفكير على الأقل في الـ6 أشهر المقبلة. لا أحد ينظر إلى الحالة الاقتصادية، رغم أن احتياطى العملة الصعبة هبط من 39 ملياراً إلى 27 ملياراً، وقيمة الجنيه في هبوط والتضخم في ارتفاع. ماذا نفعل؟ كلنا معترفون بأن هناك انفلاتاً أمنياً، إلى متى نستطيع الاحتمال وشبح نزول 2 مليون يعيشون تحت خط الفقر إلى الشوارع ليكسروا ويدمروا يلوح في الأفق. إلى متى ننتظر ثورة جياع. نحن نحتاج إلى حزمة مشاريع تعيد البنية الأساسية للبلد وتهيئه للانطلاق، ونحتاج لأن تكون لدينا خطة اقتصادية نوفر عبرها فرصاً لتشغيل 10 ملايين شخص.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حقوق الإنسان في مصر بعد الثورة

مصر لن تستطيع الوقوف على قدميها إلا إذا عرفت الاهتمام بكرامة المواطن. إسرائيل فقدت في حرب 73 إحدى غواصاتها قرب شواطئ الإسكندرية وظلت تبحث طوال 30 سنة عن رفات 3 من بحارة تلك الغواصة. عندما تكون للفرد قيمة تكون للدولة أيضاً قيمة. كلنا نعرف أن جهاز أمن الدولة طوال الـ30 عاماً الماضية كان يمارس التعذيب، لذلك يجب أن يتم التحقيق وتقصى ذلك عبر لجنة تحقيق مصرية، مجرد محاكمة بعض المسؤولين لن يعطى صورة كاملة عما كان يحدث، يجب أن يجرى تحقيق شامل يتقصى ما جرى طوال السنوات الماضية.

وقد فاتحت الكثير من المسؤولين الذين التقيتهم في الأمر، ولم أتلق رد فعل واضحاً. هناك ترابط وتشابك مصالح اعتمدت على وسائل الدولة وأجهزتها، في المجلس التشريعى وفى الجهاز التنفيذى، وحتى القضاء كان يتم التلاعب به. حالة التعذيب الوحيدة التى تم التحقيق فيها كانت عندما كان المستشار عبدالعزيز الجندى نائباً عاماً، حيث أحال 35 ضابطاً للتحقيق لتورطهم في قضايا تعذيب، ولم يحدث شىء ذو شأن بعد ذلك.

وعن رأيه في لجنة تقصي الحقائق التي تشكلت بعد ثورة 25 يناير يقول: اللجنة عملت لفترة قصيرة وكان هدفها مؤقتاً، ولا يمكن للجنة كهذه مع قصر مدة عملها وضعف الإمكانيات المتاحة لها أن تخرج بنتائج، أى أن دور اللجنة كان مجرد دور سياسى لا أكثر.

وعن تطور حقوق الإنسان بعد نظام مبارك يرى أن المعايير القانونية واحدة، لكن ولأننا نعيش في عالم تحكمه المصالح تتضارب السياسات وفق تضارب وتعارض المصالح القومية. هناك صراع حول ضرورة تطبيق حقوق الإنسان وفق معيار واحد، ويحول دون ذلك المعايير المزدوجة التى تفرضها مصالح الدول الكبرى، ما حدث مثلاً في دارفور «٢٠٠ ألف قتيل» أدى إلى إدانة الرئيس السودانى البشير، في الوقت نفسه قتل في غزة ١٣٠٠ شخص في ٣ أسابيع، وسقط أكثر من ٦ آلاف جريح وتهدم ٢٠ ألف منزل، ولم يتحرك المجتمع الدولى بالشكل المناسب، حتى تقرير جولدستن تم التراجع عنه، وقد طلب منى الفلسطينيون كتابة رد على التقرير، ولم يحدث شىء. لقد صدر لى كتاب في أمريكا العام الماضى أدنت فيه السياسة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان في عهد بوش الابن، وتعرضت في الكتاب لما حدث في جواتيمالا وفى سجن أبوغريب وأفغانستان، وكانت الأمم المتحدة قد عينتنى عام ٢٠٠٤ كمحقق وحيد للتحقيق في الجرائم التى ارتكبت في أفغانستان، ووضعت تقريرين، واحداً قدم للجمعية العامة للأمم المتحدة وآخر قدم للجنة حقوق الإنسان. ما أريد أن أقوله إن هناك مدا وجزرا في مسألة الدفاع عن حقوق الإنسان، وهناك تقدم في هذا المجال على المستوى الدولى، لكن تعوقه في أغلب الأحيان المعايير المزدوجة.

الانتخابات بعد ثورة 25 يناير

علينا أن نتوقف عن الجدال حول الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية، وخلق حوار حقيقى، ما تم حتى الآن مجرد حوار مصالح بين قوى سياسية تتطلع للوصول إلى الحكم، فمثلاً نتكلم عن لجنة لوضع الدستور كل الكلام حول كيفية اختيار أعضاء اللجنة، ولا أحد يتكلم عن صميم الموضوع، وهو نوع النظام، هل هو رئاسى، أم برلمانى. وهذا ينطبق على كل الموضوعات لا أحد يتحدث عن الموضوعات المهمة في البلد.

المبادئ الحاكمة للدستور

لا أعتقد أن هذه المبادئ التى يجرى الكلام عنها كافية وحدها، كما أن الخبرة المصرية في الديمقراطية غير كافية، نحن نحتاج إلى ممارسة. في معظم الدول الديمقراطية في أمريكا وأوروبا الذى يجرى العملية الانتخابية موظف، ونحن نحتاج إلى قاض وضابط، لأننا لا نضمن أن يجرى الموظف العملية بشكل سليم، وهذا معناه أننا بحاجة إلى وقت للوصول إلى الصيغة المناسبة وهذا يحتاج إلى وقت. أمريكا مثلا بعد 250 سنة ديمقراطية «لسه ماعندهاش ديمقراطية»، ونحن نحتاج إلى فترة طويلة لنصل إلى ممارسة ديمقراطية سليمة.

محاكمة مبارك

وعن تقديم مبارك للمحكمة الجنائية الدولية يقول بسيوني: نعم، ولا. المحكمة الجنائية الدولية تعمل وفق اتفاقية فيها دول أطراف، ومصر ليست دولة طرف، ولكى تكون دولة طرفاً لابد من أن تنضم للاتفاقية. لكن ممكن لمصر أن تقدم مبارك للمحكمة الجنائية الدولية كدولة غير طرف بأن تنضم لفترة محددة، في هذه الحالة لابد أن تكون الجرائم المنسوبة للأشخاص جرائم داخلة في اختصاص المحكمة، ومن ضمنها الجرائم ضد الإنسانية، ومنها جرائم التعذيب، شرط أن تكون الجرائم وقعت بدءاً من عام ٢٠٠٠ عام سريان الاتفاقية.

ويرى بسيوني فيما يخص إجراءات محاكمة النظام السابق في مصر، أنه كان هناك ضغط شعبى أدى إلى التسرع في التحقيق، ولم تأخذ التحقيقات زمنها الكافى للتحقق من الأدلة، لذلك سوف تنتهى أغلب هذه المحاكمات لصالح المتهمين، ويمكن أن تنتهى بالبراءة، أيضاً هذا الخلط في المحاكمات بين جرائم الفساد والقتل خطأ. ولكننا تعودنا في مصر على البحث عن المؤامرة في كل شىء، لذا نتشكك دائماً في أى إجراء، والمواطن المصرى لا يطمئن إلى أى تدابير أو إجراءات لأنه تعود أن أجهزة الدولة كان يتم استخدامها لمصالح شخصية وضد المصلحة الوطنية. والإجراءات غير السليمة والضغط الشعبى سيدفعان القضاة،

إما إلى تسييس الأحكام لإرضاء الرأى العام بالمخالفة للإجراءات القانونية، وهذا خطر كبير لأنه يهدد استقلال القضاء مستقبلا، ويمكن استخدامه مرة ثانية بنفس المنطق في المستقبل، أو إصدار الحكم بالبراءة نتيجة التعجل في التحقيق، وهو أيضا يهدد بخطر كبير ورفض من الرأى العام.

استرداد الأموال المهربة

كانت سياسة ممدوح مرعي، وزير العدل السابق، قصيرة النظر وبعيدة تماماً عن تطوير رجال القضاء والعدالة الجنائية، مما ترتب عليها قلة الكفاءات- سواء في وزارة العدل أو مكتب النائب العام- اللازمة للعمل في مجال التعاون القضائي الدولي الذى يتطلب توافر خبرات في فهم الاتفاقيات الدولية أو الثنائية. وكان هناك مشروع لوضع قانون خاص في التعاون الجنائي الدولي، كانت تعده لجنة برئاسة المستشار عبد العزيز الجندي، وزير العدل السابق، لتعديل قانون الإجراءات الجنائية، ولم يتم إقرار مشروع القانون في مجلس الشعب، وبالتالي لا يوجد قانون وطني مصري ينظم التعاون الجنائي الدولي، كذلك أنه ليست هناك اتفاقات ثنائية إلا مع عدد محدود من الدول.

وهناك اتفاقيات دولية، أهمها تلك الخاصة بمنع الفساد، وهي تسمح بتتبع الأموال في الخارج، ومصر بحاجة إلى فريق يحسن التعامل مع هذا النوع من الاتفاقيات، ويجب توافر معلومات عن الدول المطلوب التعاون معها في هذا الخصوص، وأن يكون الفريق على دراية بقوانين هذه الدول. كما أن الاتفاقيات متعددة الأطراف، مثل اتفاقية الفساد، تتطلب بعض الشروط الخاصة في النظام القضائى الداخلى لطالب التعاون، منها أن تكون هناك أحكام جنائية نهائية، وأن تتحقق فيها شروط العدالة. وفى مرحلة التحقيق يمكن التساهل في التحفظ على الأموال وليس عودتها، وهذا يتطلب كفاءة معينة لدى قاضى التحقيق والنيابة العامة.

ويمكن استرداد الأموال إذا تم تدريب سريع لعدد من القضاة. ويدير بسيوني معهدا دوليا في إيطاليا منذ 39 سنة، وهو أكبر معهد لتدريب القضاة ووكلاء النيابة والشرطة في العالم. وحتى الآن قام المعهد بتدريب أكثر من 39 ألف قاض ووكيل نيابة وضابط شرطة من 140 دولة في العالم من بينها مصر. وعلى مدار 15 سنة درب المعهد 1900 فرد من مصر، وأقام العديد من الندوات تطرق فيها إلى موضوع التعاون الدولى في الموضوعات الجنائية بما في ذلك تسليم المجرمين واسترداد الأموال وغير ذلك، ولكن في الفترة التى تولى فيها ممدوح مرعي وزارة العدل انقطعت العلاقة بين مصر والمعهد، وسوف ترجع مجدداً. والوزير السابق عبد العزيز الجندي كان ضمن أعضاء هيئة التدريس بالمعهد هو وعبد المجيد محمود- النائب العام السابق.

أغلب المكاتب الوسيط لرد الأموال هي مكاتب للنصب والاحتيال. كان يمكن للنائب العام أو وزير العدل أن يطلب منى ومن المعهد الذى أديره تدريب بعض الكوادر. لدينا في النيابة والقضاء كوادر يمكن خلال 3 أشهر رفع كفاءتها. وأخشى أن يؤدى التباطؤ إلى اللجوء لمكاتب الوساطة التى سوف تحصل في الغالب على 40% من المبالغ المهربة، وهذه مأساة.

اللجان التى تم تشكيلها لتجوب عددا من الدول لاسترداد الأموال في تقديره لن تصل إلى شىء. ويرى أنها تشكلت لتهدئة الرأى العام. والجدية تقتضى أن تشكل هذه اللجان بفريق من أعضاء النيابة والقضاء الذين يجيدون اللغات الأجنبية، ويستطيعون النظر في القوانين الأجنبية ودراستها، وهذه الكفاءات موجودة. لكن- دون شك- طول المدة والتباطؤ في اتخاذ القرار سوف يصعبان الأمر.

فعلى سبيل المثال، هناك حوالي 35 دولة لديها نظام قانونى داخلى يسمح بأن تكون الأسهم لحامليها ما يصعب الوصول إليها لأنها تنتقل من حملة هذه الأسهم إلى آخرين. في إنجلترا على سبيل المثال، هناك نظام يسمى «التراست الأعمى»، لا يمكن الكشف عنه ما يؤدى إلى «توهان» الأموال عندما تنتقل من تراست إلى آخر، لكن خلال السنوات العشر الأخيرة تحقق إنجاز كبير في مكافحة وتمويل الإرهاب، عن طريق لجنة خاصة بمجلس الأمن تتولى متابعة تمويل الإرهاب عالمياً. وهناك وسائل لتتبع الأموال، ومن الجائز عدم معرفة صاحب المال أو الشركة، لكن يمكن تتبع انتقال الأموال من بنك إلى آخر، ومعرفة أين تختبئ الأرصدة في النهاية. ويمكن اقتناص هذه الخبرة والوصول إلى مكان الأموال بشرط توافر البيانات اللازمة.

التحكيم الدولي في تصدير الغاز إلى إسرائيل

يرى بسيوني أن فرص مصر ستكون كبيرة اذا لجأنا للتحكيم الدولى في هذا الملف. خصوصا أن حسين سالم معروف بأنه نصاب، لكنه كان محمياً من مؤسسة الرئاسة المصرية. ولا يوجد مبرر للتفاوت بين السعر الذى تم التعاقد به مع إسرائيل والأسعار العالمية وقت التعاقد، لذا، كما قلت، فإن فرصنا كبيرة في هذا الملف.


التحكيم الدولية وأزمة المياه النيل

فيما يخص ملف المياه، نحن نأخذ 55% بناء على اتفاقية توزيع المياه الموقعة عام 1959، هذه الحصة سوف تقل لأن جنوب السودان باعتباره دولة جديدة سيطالب بحصة تناسب احتياجاته وسوف يتعلل بأنه لم يكن طرفاً في اتفاقية 1959، وإثيوبيا أعلنت أنها سوف تبنى سدودا جديدة لتوليد الكهرباء وهذا سيؤثر بلا شك علينا، سيرتفع عدد سكان مصر، وبالتالى تزيد بذلك احتياجاتنا. وبالنسبة للتحكيم الدولى فهناك العديد من السوابق في مسألة توزيع المياه يمكن القياس عليها: التحكيم الذى تم في شأن تقسيم المياه بين الهند وباكستان، وبين تركيا وسوريا وإسرائيل والأردن- هنا ينظر إلى العدالة وليس إلى الحقوق التاريخية، وهذا لن يميز مصر ولن يمكنها الاستناد إلى الحقوق التاريخية، لأننا أخذنا امتيازات في فترة استعمار. نقطة أخرى لم يتم الالتفات إليها وهى أن عدداً كبيراً من الدول اتجه إلى شراء مساحات واسعة في السودان للزراعة، مثل الصين التى تزرع الأرز الآن هناك لسد احتياجاتها، والسعودية عندها أكثر من 200 ألف فدان مؤجرة من السودان، وهذا سوف يرفع احتياجات السودان من المياه.

عموما، الأمر يحتاج إلى منهجية مختلفة في التفكير. علينا تحليل المشكلة ووضع تصورات لتحقيق الأهداف، نحن، للأسف، لا نملك تلك المنهجية، لا توجد جهة في مصر تدرس ما سوف يحدث مثلاً بعد ٢٠ سنة من الآن. نظام مبارك أنهى كل القوى المفكرة. والقوى العسكرية غير مؤهلة للقيام بتخطيط اجتماعى واقتصادى على المدى البعيد. الكفاءات المصرية في الخارج تكفى لسد احتياجاتنا إذا أحسنا التعامل معها.

حسين سالم

عن بداية رجل الأعمال المصري حسين سالم يقول أنه مسيرته بدأت منذ نحو 32 سنة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا عقب توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، تحت إشراف الرئيس الأمريكى الأسبق جيمي كارتر، فقد تضمنت المعاهدة اتفاقات جانبية أخرى بين مصر والولايات المتحدة من ناحية وبين إسرائيل والولايات المتحدة من ناحية أخرى، تمنح بمقتضاها الولايات المتحدة كلا البلدين معونة عسكرية وأخرى اقتصادية كل عام، وبينما نالت مصر معونة عسكرية بقيمة 1.3 مليار دولار واقتصادية بقيمة 800 مليون دولار بإجمالى 2.1 مليار دولار سنويًا، فاقت المعونة الإسرائيلية نظيرتها المصرية بمبلغ مليار دولار فضلاً عن معونات أخرى لإسرائيل بعضها كان في صورة مقنعة.[3]

وفى الوقت الذى خفضت فيه الولايات المتحدة القيود المفروضة على بيع المعدات العسكرية لمصر، قرر وزير الخارجية المصرى آنذاك كمال حسن علي والسفير المصرى في واشنطن أشرف غربال والمشير عبد الحليم أبو غزالة- الملحق العسكرى لمصر في واشنطن في ذلك الوقت- إقامة شركة تجارية مسجلة في الولايات المتحدة تتولى شحن المعونة العسكرية الأمريكية إلى مصر، على أن تستخدم أرباحها في تمويل لوبي مصري في أمريكا إضافة إلى تغطية بعض المصروفات السرية لتحقيق مصالح مصرية في مجالى الإعلام والعمل السياسى.

وخلال تلك الفترة كانت هناك علاقة قوية تجمع عبدالحليم أبو غزالة وحسين سالم- الذى كان يعمل في البعثة التجارية المصرية بالولايات المتحدة آنذاك- ومنير ثابت شقيق سوزان مبارك، مدير المشتريات العسكرية في نفس الفترة، فتقرر وقتها أن يتولى حسين سالم- الذى كان في السابق يعمل بأحد الأجهزة الأمنية- إنشاء ورئاسة هذه الشركة.

كيفية وأسباب اختيار حسين سالم على وجه التحديد لذلك الدور ليست معروفة، وما زال الغموض يكتنفها، ولهذا الغرض طلب حسين سالم من شخصية أمريكية ذات علاقات مهمة مشاركته في إنشاء تلك الشركة لكنها رفضت، ووجد سالم ضالته في مسؤول سابق بالمخابرات الأمريكية يدعى توماس كلاينز، كان قد تقاعد من وكالة المخابرات الأمريكية في أكتوبر 1978.

وبحلول أغسطس 1979، عندما كانت مبيعات المعدات العسكرية الأمريكية لمصر آخذة في النمو، أنشأ حسين سالم وتوماس كلاينز الشركة المصرية الأمريكية لخدمات النقل Egyptian American Transport and Services Corporation، في ولاية ديلاوير ولكن مقرها الرسمى كان في مدينة فولز تشيرش بولاية فرجينيا كما تأسس مكتب لها في مصر. وكان حسين سالم يمتلك 51٪ من أسهم تلك الشركة، بينما كان الباقى من نصيب توماس كلاينز علمًا بأنه كان هناك اتفاق سرى بينهما يسمح لحسين سالم بشراء أسهم كلاينز في أى وقت، وتبين فيما بعد أن عددًا كبيرًا من المساهمين في تلك الشركة من كبار الشخصيات اليهودية بالولايات المتحدة فضلاً عن عدد من الشخصيات الإسرائيلية، وربما ضمت الشركة كذلك بعض الشخصيات المصرية.

وبعد وقت قصير من تأسيس الشركة منحتها الحكومة المصرية عقدًا حصريًا لتتولى شحن جميع المعدات العسكرية التى تم تقديمها من الولايات المتحدة، باستثناء الطائرات الحربية التى كان ينقلها سلاح الطيران الأمريكى إلى مصر جوًا، فضلاً عن بعض المعدات الحساسة التى كانت الحكومة الأمريكية تتولى نقلها بمعرفتها وكانت تكلفة شحنها وتغليفها تخصم من قيمة المعونة الممنوحة لمصر، ونظرًا لافتقاره إلى الخبرة الإدارية اللازمة، عين حسين سالم في منصب نائب رئيس الشركة أحد موظفى المخابرات المركزية الأمريكية السابقين يدعى إدوين ويلسون، الذى كان قد ترك الخدمة بالمخابرات الأمريكية بسبب شبهات حول تعاملاته السرية مع الحكومة الليبية وتصدير أسلحة ومتفجرات بصورة غير شرعية إليها، ما أسفر عن محاكمته وصدور حكم بسجنه عام 1983 لمدة طويلة. وبعد فترة شعر سالم أنه لم يعد في حاجة إلى خدمات توماس كلاينز فاشترى في مارس عام 1982 حصة الأخير المتمثلة في حوالى ٤٩٪ من أسهم الشركة ليخرجه منها بموجب اتفاقهما السابق، ولم تكن قيمة الشراء معروفة.

لم يُستخدم أى جزء من أرباح الشركة في عمل سياسى لصالح مصر، بل تم صرفها حسب ما نشر في الصحافة الأمريكية في ذلك الوقت على نفقات شخصية لبعض كبار المسؤولين المصريين أثناء زياراتهم للولايات المتحدة. وكانت تلك الشركة تؤدى عملا روتينيا، لأنها كانت في حقيقة الأمر تتعاقد من الباطن مع شركات أخرى متخصصة في شحن وتغليف المعونة العسكرية الأمريكية إلى مصر، ما يعنى أن عمل الشركة التى ترأسها حسين سالم كان مقصوراً على دور الوسيط الإدارى والمالى بين وزارتى الدفاع الأمريكية والمصرية.

بموجب المعونة العسكرية الأمريكية، كانت الولايات المتحدة تدفع ثمن مشتريات السلاح لمصر على أن تخصم قيمتها من المعونة، وكانت شروط المعونة تتيح استخدام هذه الأموال لسداد تكاليف الشحن لشركة حسين سالم من خلال الفواتير التى كان يقدمها سالم إلى وزارة الدفاع الأمريكية. وبعد عامين تقريبًا أيقن حسين سالم أن الحكومة الأمريكية لم تكن تعير اهتمامًا كبيرًا للفواتير التى كان يرسلها إليها، لأنها كانت تخصم من قيمة المعونة الأمريكية لمصر، فأخذ يبالغ في مطالباته المالية بخصوص عقود الشحن والتغليف، إلى أن بلغت مطالباته مستوى يفوق بكثير ما كانت تسمح به إدارة المبيعات بوزارة الدفاع الأمريكية، الأمر الذى دعا الأخيرة إلى فتح تحقيق في الأمر أسفر عن إحالة القضية إلى المدعى العام الفيدرالى الأمريكى الذى اعتبر بدوره أن عمل تلك الشركة يشكل استيلاء على أموال الدولة «نصب»، بما يعد مخالفة للقانون الجنائى الفيدرالى. وأعقب ذلك إصدار المحكمة الفيدرالية بواشنطن قرار اتهام بحق حسين سالم، وأمرت بالقبض عليه، مقدرة قيمة الأموال المستولى عليها بنحو 8 ملايين دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة لتلك الفترة، وصرح مسؤولون بوزارة العدل الأمريكية في ذلك الوقت بأن شركة حسين سالم قدمت بالفعل ٣٤ فاتورة مزورة بتكاليف مبالغ فيها إلى الحكومة الأمريكية.

في فترة زمنية وجيزة نجح سالم في الحصول على موافقة وزارة الاستثمار في مصر على بناء فندق في منتجع شرم الشيخ، وخُصص لذلك المشروع موقع متميز على خليج نعمة دفع سالم في مقابله ثمنًا زهيدًا للغاية، واستخدم جزءًا من الأموال التى استولى عليها من أمريكا في بناء ذلك الفندق الذى أعطى إدارته للشركة السويسرية الشهيرة موفنبيك. ويقال إن سالم أعطى 19٪ من أسهم تلك الشركة لعلاء مبارك، خصوصا أن سالم دأب في مشروعاته المختلفة على اختيار شركاء له من الشخصيات النافذة في الدولة المعنية للتمتع بأكبر قدر ممكن من الحماية فيها، ومنذ ذلك الحين بدأ الرئيس السابق حسنى مبارك في استخدام ذلك الفندق لعقد جميع اللقاءات والمؤتمرات الدولية بشرم الشيخ، ويمكن لأى سائح الآن أن يرى على الأجنحة المختلفة للفندق لافتات بأسماء رؤساء الدول والشخصيات الكبرى التى استضافها، وهو الأمر الذى زاد من أرباح الفندق وشهرته الدولية وكذلك من أرباح علاء مبارك.

حاولت الولايات المتحدة عام 1983 الضغط على مصر لتسليم حسين سالم لمحاكمته عن جريمة الاستيلاء على المال العام الأمريكى لكن السلطات المصرية تذرعت بأنها لم تكن تعلم عنه شيئًا في الوقت الذى كان يتردد فيه حسين سالم بكثرة على مصر قادمًا من إسبانيا، وضغطت شخصية مسؤولة في الحكومة المصرية آنذاك لإقناع الولايات المتحدة بإسقاط الاتهام الموجه لسالم بناءً على دفع من محامى حسين سالم في أمريكا بأن الاستيلاء على الأموال لم يمس المال العام الأمريكى وإنما المال العام المصرى، باعتبار أن الأموال محل الجريمة كانت مخصصة لمصر. وعلى افتراض صحة هذا الدفع يكون حسين سالم في حقيقة الأمر ارتكب جريمتين هما الاستيلاء على المال العام المصرى والنصب على وزارة الدفاع الأمريكية، والثانية تعد جريمة فيدرالية وفقًا للقانون الأمريكى. ونتيجة لهذه الضغوط المصرية، وافق المدعى العام الأمريكى ثيودور جرينبرج على مساومة محامى حسين سالم على الاتهام الموجه للأخير- وفقًا لنظام معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية يسمح بالمساومة مع المتهم على الاتهام الموجه إليه مقابل اعترافه بالجريمة ويعرف باسم Plea Bargaining- بحيث يعترف سالم بارتكاب جريمة النصب على وزارة الدفاع. وبالفعل أصدرت محكمة فيدرالية في مدينة الإسكندرية بولاية فرجينيا حكمًا على حسين سالم في 23 يوليو 1983 وألزمته بدفع غرامة رمزية وتعويض مدنى بقيمة 3 ملايين و40 ألف دولار، بينما دفعت الشركة ذاتها غرامة تقدر بـ20 ألف دولار. واعتبر ذلك الاتفاق سريًا نتيجة للضغوط المصرية في هذا الشأن، ويشهد بصحة تلك الواقعة صدور حكم جنائى ضد حسين سالم في أمريكا ووجود تلك السابقة الجنائية في سجلاته لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي، ومُنع سالم على إثر ذلك من العودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى.

وانتقدت الصحف الأمريكية فيما بعد تلك الصفقة والمدعى العام الذى أبرمها ثيودور جرينبرج متهمة إياه بالفشل في تحقيق العدالة، وألمحت إلى أنه كان أداة بيد المخابرات المركزية الأمريكية والبنتاجون. وعلى الرغم من أن الجهات المعنية في مصر آنذاك كانت على دراية بتلك المعلومات فإنها كانت تدرك في نفس الوقت أن حسين سالم المدان أمام القضاء الأمريكى يتمتع بحماية مؤسسة الرئاسة في مصر، الأمر الذى أدى إلى غل يد تلك الجهات عن المساس برجل الأعمال المدلل.

توسع حسين سالم في أعماله التجارية واستثماراته في مصر إلى أن اختاره حسنى مبارك الرئيس السابق ليتولى تأسيس شركة لبيع الغاز المصرى لإسرائيل، غاز شرق المتوسط، وكان دعم الرئيس السابق لحسين سالم وراء تبسيط كل الإجراءات الأمنية والإدارية اللازمة لتسهيل أنشطته. وضمت تلك الشركة شركاء مصريين وإسرائيليين وأمريكيين، وأحيطت صفقة بيع الغاز المصرى بالكثير من التعتيم، خاصة بشأن السعر الحقيقى لبيع الغاز لإسرائيل. ومن غير المعلوم ما إذا كانت إسرائيل تدفع القيمة الحقيقية للغاز المصرى من عدمه، خاصة في ظل السعر المعلن والذى كان طوال مدة التعاقد أقل بكثير من الأسعار العالمية، فإذا كانت إسرائيل تدفع ذلك السعر المعلن بالفعل فلا يفهم معنى هذه المعونة المصرية لإسرائيل، إلا إذا كانت مصر تحصل على مقابل سياسى لا يعلمه أحد يحقق لها مصلحة تفوق الدخل المفقود، أما لو صح الاحتمال الآخر فمؤداه أنه كان هناك مبلغ خارج النطاق التعاقدى الذى كانت تدفعه إسرائيل لحسين سالم يتم توزيعه على أطراف سياسية عليا.

ومن المحتمل أن يكون الاتفاق الخاص بتحديد سعر بيع الغاز، تم في إطار اتفاق سرى بين مصر وإسرائيل لضمان تدفق الغاز المصرى، ولو أن ذلك الفرض صحيح فربما أُبرم ذلك الاتفاق بين الرئيس الراحل أنور السادات وإسرائيل قبل 1981 أو بين الرئيس السابق حسنى مبارك وإسرائيل بعد وفاة السادات عام 1981. فلا يستبعد أن يكون تصدير الغاز المصرى قد تم الاتفاق عليه ضمن أحد الاتفاقات الثنائية التى أبرمت وقت معاهدة السلام عام 1979 والتى ربما لم يعلن عنها لأسباب سياسية لا تستدعى الشرح. وحتى لو كان هناك مثل ذلك الاتفاق السرى فمن غير الممكن أن يشمل تحديدًا لسعر بيع الغاز لأنه لا يتصور أن يكون الالتزام المصرى بتوريد الغاز لإسرائيل يعتمد على معيار آخر غير الأسعار العالمية. ومع هذا فيبقى احتمال آخر هو أن سعر الغاز لم يكن نتيجة لأى أسباب سياسية وإنما نتاج لامبالاة المعنيين بالأمر بمن فيهم حسين سالم نفسه طالما كان ربحه متحققًا في جميع الأحوال.

ورغم أن عقد الامتياز المبرم بين الحكومة المصرية وشركة حسين سالم- والذى حصلت بمقتضاه الأخيرة على حق تصدير الغاز إلى إسرائيل- ينص على تطبيق القانون المصرى حال وقوع أى نزاع قانونى بين الطرفين وأن تكون هيئة التحكيم المختصة بنظر النزاع في القاهرة، إلا أن حسين سالم منذ عام 1981 يقيم بصفة رسمية في إسبانيا وتحصن بالجنسية الإسبانية ضمانًا لعدم تسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو مصر في أى مطالبة مرتبطة باتهام أو حكم جنائى، إذ إن إسبانيا من بين الدول التى لا تسمح بتسليم مواطنيها.

بعض الأفعال التى ارتكبها حسين سالم تعتبر مخالفة للاتفاقية الدولية المعنية بمكافحة الفساد، كما أن تعاملاته المالية في إسبانيا تعد غسلاً للأموال وهى بالتالى تعد جريمة دولية تجوز محاكمة مرتكبها في مصر أو في إسبانيا. وفى هذه الحالة تستطيع مصر أن تطالب السلطات الإسبانية بتسليم حسين سالم ليس فقط لارتكابه جريمة وفقًا للقانون المصرى مثل الاستيلاء على المال العام أو إهداره وإنما لارتكابه جرائم دولية أخرى مثل غسل الأموال وربما الرشوة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مصر تستطيع محاكمة حسين سالم وفقًا لما ورد باتفاقية مكافحة الفساد التى صدقت عليها كل من مصر وإسبانيا والتى تتضمن نصًا يجب بمقتضاه تسليم المطلوبين للمحاكمة أو لتنفيذ أحكام جنائية في الدول الأطراف. وبالنظر إلى حساسية القضية، لم تتح الظروف بعد للنيابة العامة الكشف عن تفاصيل طلب تسليم حسين سالم والسند القانونى الذى يتضمنه ذلك الطلب وطبيعة الخطوات المتخذة لتجميد أرصدته وأموال شركاته في إسبانيا وسويسرا وأى بلد آخر قد تظهر فيه تلك الأموال.

وجدير بالذكر أنه بالإضافة إلى ملاحقة حسين سالم جنائيًا تستطيع الحكومة المصرية إقامة دعوى مدنية ضده لمطالبته بدفع الفارق بين الأسعار العالمية لبيع الغاز والسعر الفعلى الذى حصلت عليه الحكومة المصرية، ويمكن للحكومة المصرية أيضا فسخ عقد الامتياز لمخالفته شرط حسن النية المنصوص عليه في ذات العقد.

وعن خبر تناول خطابات منسوبة إلى اللواء عمر سليمان الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة المصرية قدمها وزير البترول السابق سامح فهمى إلى النيابة العامة المصرية أثناء التحقيقات ومفادها أن الجهات الأمنية المعنية منحت كل الموافقات اللازمة لتصدير الغاز المصرى لإسرائيل، يقول: لا أتصور أن يقوم اللواء عمر سليمان بإعطاء هذه الموافقات من تلقاء نفسه، فكل من يعرف عمر سليمان عن قرب يوقن أن سمعته تمتاز بالنزاهة والإخلاص الوطنى. وربما كان المفهوم العسكرى الذى نشأ في ظله عمر سليمان فرض عليه إطاعة أوامر رئيس الجمهورية في هذا الخصوص، ولمعرفتى به طوال سنوات عديدة فإننى أؤمن بنزاهة ووطنية عمر سليمان ولا أتصور أن تكون له أى مصلحة شخصية في تلك الصفقة. وربما هذا ما يفسر أن الخطابات المنسوب صدورها إليه كتبها بخط يده إما خشية أو خجلاً من أن يتم تسجيلها رسميًا في سجلات الجهاز وذلك من باب الحرص على الرئيس السابق وليس تغطية على أى مصلحة شخصية لعمر سليمان نفسه، كما أعتقد أن ولاءه للرئيس السابق وشعوره بالواجب الوطنى والتزامه العسكرى لن يسمح له بالبوح بالتعليمات التى أعطاها له الرئيس السابق، رغم أنه من المصلحة القومية أن يكون هذا الأمر معروفًا للجميع، لأن أى مكاسب مادية تحصل عليها الرئيس السابق أو أفراد عائلته نتيجة صفقة الغاز لابد أن تكون معروفة للنيابة العامة لارتباطها بالتحقيق في الذمة المالية للرئيس السابق وأسرته وأى شخص آخر انتفع من هذه الصفقة المهدرة لأموال الدولة.

إن العدوان على المال العام بغية تحقيق مصالح خاصة، أمر لا تستطيع مصر أن تتغاضى عنه بأى شكل من الأشكال، ويتعين أن تكون متابعة الشارع لهذه القضايا وفقًا للمعايير التى ينص عليها القانون المطبق على الجميع بمساواة كاملة ودون ضغوط سياسية من الرأى العام، لأن تحقيق العدالة من أسمى وأهم الأهداف التى تتطلع إليها مصر خلال المرحلة الراهنة. ولابد أن يكون الإعلام المصرى مسؤولاً في تصويره لتطورات هذه القضايا أمام النيابة والقضاء إنصافًا لحقوق جميع الأطراف بما في ذلك حق المتهم لأنه حق مضمون في القانون والدستور والاتفاقيات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية الداخلية، وكثير من الشكاوى والقضايا التى يجرى التحقيق فيها وأحيلت إلى القضاء قد تبدو جلية في نظر الرأى العام من ناحية استحقاق المتهمين فيها للعقاب، لكن هذه القناعة العامة لا تكفى لإدانة أى متهم أمام القضاء، فلابد لبلوغ الإدانة أن تتوافر لكل متهم الفرصة الكافية للدفاع عن نفسه. وأخيرًا، فإن ما تمر به العدالة الجنائية المصرية في هذه الفترة الحرجة هو ما سيسطر تاريخ الثورة المصرية الحديثة وسيشهد بمدى تحول مصر إلى دولة ديمقراطية يسود فيها القانون وتحترم فيها حقوق كل إنسان بصرف النظر عن مكانته أو مدى استياء الرأى العام منه، وبقدر ما سيظهر القضاء المصرى من عدالة خلال هذه المرحلة الانتقالية بقدر ما سيرسم ذلك ملامح العدالة الجنائية في المستقبل.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اعادة الكفاءات لمصر

يروي بسيوني واقعة طريفة بهذا الشأن، فيقول: أذكر أنه في سنة 1974 اتفقت مع السادات على برنامج لإعادة الكفاءات إلى أرض الوطن، وأعددنا برنامجا لذلك سميناه «مصر عام 2000»، وأول مؤتمر في هذا الاتجاه عقدناه عام 1975 جاء إليه 350 أستاذا مصريا من جميع أنحاء العالم، وكانوا جميعاً لديهم الاستعداد للتعاون، أحدهم- كان أستاذا في ميكانيكا الذرة ويعمل في إحدى الجامعات الأمريكية، وله كتاب مشهور في تصنيع المفاعلات ويدرس في كل الجامعات الأمريكية، وتستعين به الشركات العاملة في هذا المجال ومنها جنرال إلكتريك- أقنعته بالعودة، ولما عاد ذهب إلى جامعته التى كان يعمل بها قبل الهجرة، وهى جامعة الإسكندرية، ولأنه كان قبل السفر سنة 1963 على درجة مدرس، قالوا إنهم سوف يلحقونه مرة ثانية بالجامعة على الدرجة نفسها، وعليه أن يتقدم بطلب ترقية، قال لهم: «سلامو عليكم» وعاد إلى أمريكا.[4]

والأمثلة كثيرة: أحمد زويل جاء إلى بلده ومعه مشروع للمستقبل عرقلته البيروقراطية، لأن القيادات عندنا لا تنظر للمستقبل، بل تنظر يوماً بيوم، فمن أيام السادات حتى اليوم لم توجد حكومة وضعت خطة مستقبلية. في عهد عبدالناصر كانت هناك خطط خمسية وفشلت، ثم توقف التخطيط بعد ذلك، لذا، المهم أن تكون هناك خطط وهناك استفادة قصوى من خبرائنا بالخارج.

الولايات المتحدة والديمقراطية في مصر

عن رأيه في قبول الولايات المتحددة بالديمقراطية في مصر، حتى وإن جاءت بالتيار الإسلامي للحكم يقول: المشكلة ليست في تيار إسلامى أو غير إسلامى، المهم برنامج هذا التيار، أى تيار لابد أن يكون منطلقه تحقيق المصلحة القومية، عندما نعرف مصلحتنا ساعتها يمكن أن نفتح حوارا مع أى طرف: مع إيران مع إسرائيل، مع العفريت.

وعن إثارة ملفات سعد الدين إبراهيم وأيمن نور في الدوائر الأمريكية، كوسائل ضغط من قبل الأمريكان على النظام في ذلك الحين يقول: أعرف سعدالدين إبراهيم جيداً، وتقديرى أن المشكلة معه كانت شخصية. مبارك كان شخصية صلبة الرأى، لكن عندما تدخلت أمريكا في الملف وضغطت عليه، أوقف الحملة على سعدالدين، أما أيمن نور فإن التهمة التى سجن بسببها كانت ملفقة من قبل مباحث أمن الدولة، صحيح كانت هناك توكيلات مزورة، ربما كان أيمن لا يعرف بها، لكنهم كانوا يعلمون بها، ما يثير الشك في أنهم اخترقوا الحزب ودسوا من عمل هذه التوكيلات للإيقاع بأيمن نور. في الفترة السابقة كان لأجهزة وزارة الداخلية دور سيئ، كانوا حراسا للنظام ولم يكونوا في خدمة مصالح الوطن.

دوره في اتفاقية كامپ ديڤد

كان بسيويني مستشاراً قانونياً للرئيس السادات في اتفاقية كامپ ديڤد بصفته محامي مصري أمريكي، وكان يعرض عليه بعض المشاكل القانونية، وكتب المسودة الأولى للاتفاقية، وأخذوا بثلثى ما كتب. وضع بسيوني المسودة بخلفيته القانونية، لكن السياسيين يميلون عادة إلى الصياغات المرنة، كانت الأطراف الثلاثة المشاركة في المباحثات تميل إلى صياغات قابلة للتفسير المرن، وعرفات نفسه كان يتخوف- عندما تنشأ دولة فلسطينية- من عودة عدد كبير من الفلسطينيين إليها ويخشى مشاكل استيعابهم، كذلك مشاكل قطاع غزة، لذا كان المطلوب نوعية من اللغة تناسب الجانبين؛ الاعتراف بمبدأ حق العودة دون أن تكون هناك نصوص صريحة، في كامپ ديڤد كانت المشكلة الرئيسية هى أن بيجن كان مطلوبا منه أن يتعهد بعدم بناء مستوطنات جديدة، والجانبان المصرى والأمريكى اطمأنا لوعود بيجين الشخصية، لذا لم يدرج هذا التعهد في نصوص الاتفاقية، وعلى ما أعتقد كانت هناك خطابات متبادلة بين مصر وأمريكا بهذا الشأن.. بيجن أرسل رسالة لكارتر تعهد فيها بأنه لا نية لديهم لإقامة مستوطنات جديدة، وكارتر بدوره أبلغ ذلك للسادات، في نفس الليلة التى غادروا فيها كامب ديفيد نفى بيجن للصحفيين الإسرائيليين أنه تعهد بعدم إقامة مستوطنات جديدة، ووضع الجميع في حرج، وغضب كارتر لكن السادات حاول أن يخفف غضب كارتر، وقال إنه يفهم بيجن، ويجب إعطاؤه فرصة، والنتيجة أنه في عام ٢٠٠٠ كانت هناك مفاوضات جديدة بين عرفات وباراك برعاية كلينتون، واتصل بى الفلسطينيون وأخبرونى بأن المشكلة مع الإسرائيليين أنهم لا يريدون الاعتراف بحق العودة. السادات كان يتعامل بحسن نية، كان يتصور أن بيجن يحتاج فرصة لتفادى ثورة الرأى العام الإسرائيلى، لكن بيجن عندما لم يجد أى رد فعل، تمسك بما صرح به.

ويرى بسيوني أن كامپ ديڤد حققت غرضها وهو توقيع اتفاق السلام، والمشكلة في كامب ديفيد كانت فلسطينية، إذ بدأت المشاكل مبكراً عندما لم يحضر عرفات، كما كان متفقا عليه في مباحثات ميناهاوس، والمشكلة في اتفاقية السلام بالنسبة لمصر هى القيود التى وضعت على تحرك القوات المصرية في سيناء، لكن المشكلة الأهم هى حل القضية الفلسطينية، الذى تعثر لأسباب سياسية داخلية، والفلسطينيون أيضاً لم يعطونا الفرصة، وأبوعمار لم يكن واضحاً معنا بسبب لعبة التوازنات مع الفصائل الفلسطينية، وكذلك الموقف العربى العام.

ويقول بسيوني أن السادات لم يفرط في القضية الفلسطينية. الدول العربية لم تؤازره بالشكل الكافى، وأبوعمار أيضاً لأنه كان حريصاً على وحدة الفصائل الفلسطينية.

وحول التعامل مع الخروقات الإسرائيلية لمعاهدة السلام يقول: في كل اتفاقية يمكن أن تحدث خروقات، خصوصاً عندما تكون بين دول حدودها مشتركة، إسرائيل تدعى أن هناك 1300 نفق في سيناء يتم عبرها التهريب إلى غزة، وإذا استمرت مصر في عدم القيام بدورها في مقاومة هذه الأنفاق، فسوف تقوم إسرائيل باستخدام حقها الدولى، يجب علينا القيام بمسؤولياتنا أيضاً حتى لا نعطيها فرصة، علينا أن نغلق الأنفاق ونفتح الحدود مع غزة لمرور المساعدات الإنسانية.

وعن اللجوء إلى التحكيم الدولي واتهام إسرائيل بخرق الاتفاقية والاعتداء على السيادة المصرية باعتدائها على الجنود المصريين على الحدود، يقول لا أعتقد أننا سوف نكسب. في العديد من القضايا المماثلة عندما مارست بعض الدول الاعتداء استندت إلى حق الدفاع عن النفس، ودائماً هناك جدل حول هذا الحق، وجدل حول ما إذا كانت الوسائل مناسبة أم لا، الموضوع مفتوح. لا بد أن تكون لنا نظرة جديدة حول علاقتنا بإسرائيل، وأن تكون هذه النظرة مبنية على مصلحتنا القومية، وأن تكون سياستنا معها واضحة، على سبيل المثال أنا لا أجد أى مبرر أن تقبل مصر إغلاق الحدود بينها وبين غزة. ولا أرى أى داع لإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، يمكن أن نجمد التطبيع، ويمكن أيضاً أن نتشدد في مطالبنا السياسية لمواجهة الخروقات، لكننى لا أميل لإلغاء المعاهدة.

الاحتجاجات البحرينية 2011

اختاره ملك البحرين للتحقيق في الأحداث التى شهدتها بلاده، وعن ذلك يقول: عندما بدأت الحوادث في البحرين كان عدد المشاركين في الأحداث حوالى 2000، ووصل في بعض الأحيان إلى 80 ألفا في مواجهة قوات أمن قوامها لا يزيد على 2000 جندى، في البداية كانت المطالب تدور في إطار إصلاح النظام وتصاعدت إلى المطالبة بإسقاط النظام، ما يعنى انتهاء الملكية، والبديل في هذه الحالة قيام جمهورية إسلامية، وهذا ما أخاف السُنْة. جزء كبير من الشيعة هناك مرجعيتهم في إيران وجزء آخر في العراق، مما يعنى أن الطابع الطائفى كان واضحاً فيما جرى في البحرين. من هنا جاءت المواجهة واستخدم العنف، وقد حققت هناك ووجدت أكثر من 300 حالة تعذيب، واستعنت في ذلك بأطباء شرعيين من مصر وأمريكا، ورغم أن عدد القتلى في الأحداث في البحرين 35 فقط من مجموع سكان يبلغ 700 ألف، فإن الأمر كان مسموعا، في حين أن يوغسلافيا السابقة كان القتلى فيها أكثر من 200 ألف، وفى ليبيا من 10 إلى 15 ألف شخص، ولكن في المقابل أبدت البحرين شجاعة في هذا الشأن، إذ طلب ملك البحرين من هيئة الأمم ألا تعين لجنة، على أن يتولى هو ذلك، واختارني بموافقة الأمم المتحدة رئيساً لهذه اللجنة، واشترطت أن أعمل مستقلاً.

ومع المبررات التي قدمتها الحكومة البحرينية يقول أنه لا يمكن إطلاقاً تبرير التعذيب على أى وجه من الوجوه، وبرغم قلة عدد الحالات، فمن الواضح أنه كانت هناك سياسة منهجية.

زيارته الجامعات الإسرائيلية 2015

زار شريف بسيوني الجامعة العبرية في القدس وجامعة تل أبيب في شهر أيار/ مايو 2015.[5]

وفاته

رسالة الوداع من شريف بسيوني، أرسلتها سكرتيرته لدى وفاته.

جوائز وتكريمات

وفي عام 1999، تم ترشيح شريف بسيوني لجائزة نوبل للسلام لعمله في ميدان العدالة الجنائية الدولية وعلى مساهمته في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية. وفي منظمة أطباء بلا حدود حصل على هذه الجائزة في عام 1999.

ويحمل بسيوني أيضا عددا من الدرجات الفخرية مثل دكتوراه في الآداب الإنسانية.

وقد حصل على الكثير من الميداليات، أبرزها:

  • ميدالية الصليب الكبير من رتبة «قائد» الاستحقاق من ألمانيا 2003،
  • وسام الاستحقاق من إيطاليا 1976،
  • وسام جوقة الشرف ديڤوار في فرنسا 2003،
  • رتبة لنكن من ولاية إلينوي، الولايات المتحدة الأميركية (2001)،
  • رتبة الصليب الأكبر للاستحقاق لجمهورية النمسا 1990،
  • وسام الاستحقاق العلمي (الفئة الأولى) من مصر 1984،
  • وسام الاستحقاق من إيطاليا 1977، ووسام التقدير العسكري (الفئة الأولى)، من مصر 1956،
  • وسام الاستحقاق من إيطاليا، وجمهورية (كڤاليير دي گران كروس) (2006)، قصر النظام العام، من فرنسا 2006،

وقد حصل أيضا على العديد من الجوائز الأكاديمية والمدنية منها الجائزة الخاصة لمجلس أوروبا 1990،

نشرة مصر بعد ثورة 2011


المصادر

  1. ^ "د.شريف بسيونى:يتحدث لـ«المصري اليوم» الضغط الشعبى أدى لتسرع التحقيقات.. وأغلب المحاكمات ستنتهى لصالح المتهمين". جريدة المصري اليوم. 2011-10-18. Retrieved 2013-08-20.
  2. ^ "خبير المناطق الساخنة يسعى لانتزاع فتيل احتقان البحرينيين". جريدة الشرق الأوسط. 2011-07-01. Retrieved 2011-07-06.
  3. ^ "د.شريف بسيونى يتحدث لـ«المصري اليوم» : انحراف حسين سالم بدأ منذ ٣٢ سنة في أمريكا.. وتضخم بفضل «مبارك» (٢-٣)". جريدة المصري اليوم. 2011-10-20. Retrieved 2013-08-20.
  4. ^ "د. شريف بسيونى يتحدث لـ«المصري اليوم»: «مبارك» قضى على كل العقول المفكرة والقوى العسكرية غير مؤهلة للتخطيط الاجتماعى والاقتصادى(٣-٣)". جريدة المصري اليوم. 2011-11-01. Retrieved 2013-08-20.
  5. ^ نمر سلطاني (2015-06-03). "التطبيع والتواصل والكوسموبوليتانية". عرب 48.