دواوين الأثنين


دواوين الأثنين، هي تجمعات حدثت في الكويت منذ نهاية عام 1989 وحتى بداية عام 1990 للمطالبة بعودة الحياة النيابية والعودة بالعمل بالدستور الكويتي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسباب الأحداث

كان مجلس الأمة الكويتي 1985 أقوى من مجلس الأمة الكويتي 1981 الذي وصل بعد تغيير الدوائر الإنتخابية من 10 دوائر إلى 25 دائرة، فكانت انتخابات مجلس الأمة الكويتي 1985 عودة لأبرز الرموز السياسية التي لم يحالفها الحظ في انتخابات مجلس الأمة الكويتي 1981 مثل أحمد الخطيب وجاسم القطامي وسامي المنيس وفيصل الصانع ويوسف المخلد إضافة إلى عدد من النواب الجدد مثل حمد الجوعان وأحمد الربعي ومبارك الدويلة وعبد الله النفيسي مما منح مجلس الأمة روحا جديدة، وكان مجلس الأمة يريد أن يمارس دوره الرقابي والتشريعي من جديد وكان المجلس عازم على التصدي لأزمة المناخ التي هزت الاقتصاد الكويتي مطلع الثمانينات [1].

قدم في 30 ابريل 1985 استجواب إلى وزير العدل الشيخ سلمان الدعيج الصباح من قبل نواب يمثلون تيارات عدة مثل أحمد الربعي ومبارك الدويلة وحمد الجوعان بعد أن أثيرت شبهات حول صرف سندات من صندوق صغار المستثمرين لنجل الوزير القاصر دعيج إضافة إلى انحراف الوزير عن دوره الأصلي من خلال مشاركته في إعداد حلول لأزمة المناخ تهدف إلى استفادة شخصية، وقد أتى هذا الإستجواب بعد شهرين من انتخاب المجلس الجديد، وتم تقديم طلب طرح الثقة بالوزير وقع عليه أغلبية النواب مما أدى إلى تقديم الوزير لإستقالته من الحكومة قبل جلسة التصويت على طلب طرح الثقة [1].

وقد أصر المجلس على فتح ملف أزمة المناخ والتحقيق فيها، وقد ندب المجلس النائب حمد الجوعان لعضوية لجنة التحقيق في الأزمة، والذي طلب من وزير المالية آن ذاك جاسم الخرافي صورة من محاضر إجتماعات مجلس إدارة البنك المركزي وصورة من التقارير الخاصة بالنقد، إلا أن الوزير رفض الإستجابة لحجة أن هذه البيانات تتضمن إفشاء معلومات تتعلق بعملاء البنك المركزي والبنوك الخاضعة لرقابته، وقد أصر المجلس على موقفه هذا، فتقدمت الحكومة بطلب إلى المحكمة الدستورية لتفسير المادة 114 من الدستور الخاصة بصلاحية المجلس في التحقيق في الأمور الداخلة بإختصاصه، وقد قدمت الحكومة وقدم المجلس مذكرات تدعم وجهتي نظريهما إلى المحكمة الدستورية، أصدرت المحكمة الدستورية بتاريخ 14 يونيو 1986 قرارها المؤيد لرأي مجلس الأمة بأحقيته بالإطلاع على الوثائق والبيانات التي طلبها، وتم تحديد يوم السبت 5 يوليو 1986 لتوجه حمد الجوعان إلى البنك المركزي للإطلاع على الوثائق [1]، وفي جلسة يوم الأربعاء 2 يوليو 1986 مدد مجلس الأمة ندب النائب حمد الجوعان حتى نهاية عام 1986 للتحقيق في كشوفات البنك المركزي [2].

وفي يوم 21 يونيو 1986 قدم محمد المرشد وفيصل الصانع وأحمد باقر استجوابا إلى وزير المواصلات عيسى المزيدي حول قضية المشتركين في الخدمة الهاتفية والمستحقات المترتبة عليهم، وأدرج الإستجواب على جدول أعمال جلسة 24 يونيو التي كان متوقعا أن يطلب فيها الوزير تأجيل الإستجواب لمدة أسبوعين، وبعد التفجيرات التي حدثت في 22 يونيو في بعض المرافق النفطية في الكويت، استنكر المجلس تلك التفجيرات مطالبا بإستقالة وزير النفط الشيخ علي الخليفة العذبي الصباح ووزير الداخلية الشيخ نواف الأحمد الصباح، وقد تقدم عدد من النواب بطلب إصدار بيان يدين الحكومة لتقصيرها الأمني مما أدى إلى تهديد الحكومة بالإنسحاب من الجلسة إذا ما تم التصويت عليه، و لإحتواء الموقف شكل المجلس لجنة لإعادة صياغة البيان بشكل لا يحمل إدانة للحكومة بل يناشدها بذل المزيد من الحيطة والحذر الأمني، وقد امتنع تسعة نواب من التوصيت على البيان المعدل معلنين تمسكهم بالبيان الأصلي الذي يدين الحكومة وهم ناصر صرخوه وأحمد باقر وحمد الجوعان ومشاري العنجري وفيصل الصانع وأحمد الربعي وأحمد الخطيب وسامي المنيس و جاسم القطامي [2].

وفي نفس اليوم تقدم النواب ناصر البناي وخميس عقاب وسامي المنيس باستجواب إلى وزير المالية والاقتصاد جاسم الخرافي حول المخالفات الواردة في تقريرين لديوان المحاسبة عن صندوق صغار المستثمرين، ليضاف هذا الإستجواب إلى استجواب وزير المواصلات، وسرت الأخبار بأن هناك استجواب سيقدم من مشاري العنجري وعبد الله النفيسي وجاسم القطامي لوزير النفط والصناعة الشيخ علي الخليفة العذبي الصباح في اليوم التالي على خلفية الإنفجارات للمواقع النفطية ومدى الحماية التي يعمل الوزير على توفيرها للمنشآت النفطية، وفي يوم 24 يونيو تقدم النواب مبارك الدويلة وراشد الحجيلان و أحمد الشريعان بإستجواب لوزير التربية حسن الإبراهيم، و أرجأ المجلس استجوابات الوزراء لمدة أسبوعين [2].

وفي يوم 2 يوليو 1986 اجتمع نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد الصباح مع الوزراء ونتج عن ذلك الإجتماع تقديم الوزراء استقالتهم إلى رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله الصباح، ويترتب على الإستقالة سقوط جميع الإستجوابات التي قدمت [2].

حل مجلس الأمة الكويتي 1985 بأمر أميري من قبل الشيخ جابر الأحمد الصباح في 3 يوليو 1986 حل غير دستوري مع تعليق بعض مواد الدستور الخاصة بالحريات وصلاحيات مجلس الأمة، ولم يكن هذا الحل غير الدستوري الأول في تاريخ الكويت، فقد تم حله في صيف عام 1976 وانتهى بعودة المجلس في عام 1981 ولكن برغبة حكومية بتنقيح الدستور من خلال تغيير الدوائر الإنتخابية من 10 دوائر إلى 25 دائرة إنتخابية، وقد استطاعت الحكومة توصيل أغلبية ساحقة من النواب ممن يؤديون الحكومة وسقط المرشحون الذين سيعارضون تنقيح الدستور، ولكن الحكومة سحبت مشروعها بعد أن لقيت معارضة شعبية [1].

وكان الخطاب الأميري الذي أعلن فيه حل مجلس الأمة حلا غير دستوري بين فيه الشيخ جابر الأحمد الصباح بأن الحكومة لن تتخلى عن المسيرة النيابية ولكن خلافا لحل المجلس في عام 1976 لم تبين المدة المقررة لعودة الحياة النيابية [2].

«بسم الله الرحمن الرحيم

فقد شاءت إرادة العلي القدير أن نحمل المسؤولية عن هذا الوطن العزيز، عاهدنا الله وعاهدنا المواطنين أن نعمل على حفظ الكويت من كل سوء.

لقد تعرضت البلاد لمحن متعددة وظروف قاسية لم يسبق أن مرت بمثلها مجتمعة من قبل، فتعرض أمنها إلى مؤامرات خارجية شرسة هددت الأرواح وكادت أن تدمر ثروات هذا الوطن ومصدر رزقه، وكادت نيران الحرب المستعرة بين جارتيها المسلمتين أن تصل إلى حدودها، وواجهت أزمة اقتصادية شديدة، وبدلاً من أن تتضافر الجهود وتتعاون كل الأطراف لاحتواء هذه الأزمة تفرقت الكلمة وانقسم الرأي وظهرت تكتلات وأحزاب أدت إلى تمزيق الوحدة الوطنية وتعطيل الأعمال حتى تعذر على مجلس الوزراء الاستمرار في مهمته.

ولما كانت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد لن ينقذها منها إلا عمل حاسم وجاد، ولما كانت المؤامرات الإجرامية التي يتعرض لها الوطن لن يوقفها إلا اليقظة التامة والاستعداد الكامل والوحدة الوطنية الشاملة.

ولما كانت ظروف المنطقة تتميز بالحرج وتحيطها ملابسات دقيقة وخطرة، ولما كان استمرار الوضع على ما هو عليه سيعرض الكويت إلى ما خشيناه ونخشاه من نتائج غير محمودة. ولما كانت الحرية والشورى نبتا أصيلا نما وازدهر منذ نشأت الكويت، وكانت الكويت هي الأصل وهي الهدف وهي الباقية، أما ما عداها فهو زائل ومتغير وفقاً لحاجاتها ومصالحها، فإن استمرار الحياة النيابية بهذه الروح وفي هذه الظروف يعرض الوحدة الوطنية لانقسام محقق ويلحق بمصالح البلاد العليا خطرا داهما، لذلك رأينا حرصا على سلامة واستقرار الكويت أن نوقف أعمال مجلس الأمة «وأصدرنا بذلك الأمر الآتي نصه:

مادة أولى: يحل مجلس الأمة، ويوقف العمل بأحكام المواد 56 فقرة (3) و107 و174 و181 من الدستور الصادر في 11 من نوفمبر 1962م .

مادة ثانية: يتولى الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة لمجلس الأمة بموجب الدستور.

مادة ثالثة: تصدر القوانين بمراسيم أميرية ويجوز عند الضرورة إصدارها بأوامر أميرية.

مادة رابعة: على رئيس مجلس الوزراء والوزراء - كل فيما يخصه - تنفيذ هذا الأمر ويعمل به من تاريخ صدوره وينشر في الجريدة الرسمية.

أمير الكويت

جابر الأحمد»

المواد التي تم تعطيلها من الدستور [2].

  • المادة 56 فقرة 3: لا يزيد عدد الوزراء جميعا عن ثلث أعضاء مجلس الأمة.
  • المادة 107: للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى. وإذا حل المجلس وجب إجراء انتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز الشهرين من تاريخ الحل. فإن لم تجر الإنتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا وكأن الحل لم يكن ويستمر في أعماله حتى ينتخب المجلس الجديد.
  • المادة 174: للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة حق إقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه أو إضافة أحكام جديدة إليه. فإذا وافق الأمير وأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة على مبدأ التنقيح وموضوعه، ناقش المجلس المشروع المقترح مادة مادة، وتشترط لإقراره موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا يكون التنقيح نافذا بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره، وذلك بالاستثناء من حكم المادتين 65 و66 من هذا الدستور. وإذا رفض اقتراح التنقيح من حيث المبدأ أو من حيث موضوع التنقيح فلا يجوز عرضه من جديد قبل مضي سنة على هذا الرفض. ولا يجوز اقتراح تعديل هذا الدستور قبل مضي خمس سنوات على العمل به.
  • المادة 181: لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا اثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون. ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الأمة في تلك الأثناء أو المساس بحصانة أعضائه.

وشددت الإجراءات على حرية الصحافة إذ فرضت على الصحافة رقابة مسبقة [1]، وقد منعت بعض المفردات من النشر في الصحف مثل ديمقراطية وبرلمان ونائب ومجلس الأمة، وتم منع تصريحات نواب المجلس المنحل وحتى صور زياراتهم الإجتماعية ومنعت الأخبار الإقليمية والدولية المتعلقة بالديمقراطية، وفي يوم الجمعة 4 يوليو 1986 تم إرسال رقيب مسبق من قبل وزارة الإعلام لكل صحيفة حتى تتم مراقبة الصحف بشكل كامل [3].

«بعد الاطلاع على قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 1961 المعدل بالأمر الأميري بالقانون رقم 73 لسنة 1968، وبناء على ما تقتضيه المصلحة العامة، قرر:

مادة (1)

تخضع جميع المطبوعات الدورية للرقابة المسبقة على النشر

مادة (2)

على جميع أجهزة الوزارة تنفيذ هذا القرار ويعمل به اعتباراً من اليوم

مادة (3)

ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية.

وزير الإعلام

ناصر المحمد الصباح

الكويت في 27 شوال 1406هـ الموافق 3 يوليو 1986م»

وبعد عشرة أيام من الحل قدم رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله الصباح حكومته الجديدة الذي ترأس إجتماعهم الأول بعد أداء اليمين الدستورية، وكانت هذه الحكومة من أكثر الحكومات عددا، حيث ضمت 21 وزيرا منهم 14 وزير سابق وسبعة وزراء جدد، وتم استحداث خمسة وزارات جديدة، وأتاح تعطيل المادة 56 من الدستور التي تنص على أنه يجب أن لا تجاوز عدد الوزراء ثلث أعضاء مجلس الأمة أي 16 وزيرا هذا العدد الكبير من الوزراء، وشارك في هذه الحكومة أربعة أعضاء من المجلس المنحل وهم خالد الجميعان وعبد الرحمن الغنيم وناصر الروضان وجاسم الخرافي [3]..

أعضاء الحكومة ما بعد حل المجلس


ردود الفعل بعد حل المجلس

وفي يوم 15 يوليو 1986 أصدر 32 نائبا في المجلس المنحل بيانا إلى الشعب الكويتي بينوا أنهم سيواصلون لقاءاتهم المعتادة في دواوينهم واستمرارهم المطالبة بعود العمل بالدستور، وبعد أن مر شهرين على حل المجلس ودون الدعوة إلى انتخابات جديدة للمجلس الجديد حسب نصوص الدستور أرسل 26 من النواب برقية إلى الأمير يستنكرون الحل غير الدستوري وطالبوا بإعادة مجلس الأمة وإجراء انتخابات جديدة حسب المادة 107 من الدستور التي توجب إجراء إنتخابات جديدة بعد مرور 60 يوم على حل المجلس، وكان النواب يعقدون اجتماعاتهم الأسبوعية ظهر كل يوم اثنين في ديوانية أحدهم ليتباحثوا في عملهم، وفي يوم 21 ديسمبر 1986 كلف النواب النائب أحمد الخطيب بإرسال مذكرة إلى الديوان الأميري ولكنه فوجئ بعد 24 ساعة بإعادتها وذلك لأنها لم تسلك الطريق السليم لإرسالها [4].

وساد جو من الهدوء الفترة ما بين عام 1986 وحتى عام 1989 تخللته بعض المواقف من جمعيات النفع العام بعض المؤسسات، ففي 22 فبراير 1988 وجه النواب عريضة بمناسبة العيد الوطني يجددون فيها مطالبهم بإلغاء إجراءات 1986، واتفق النواب على تكليف النائب حمود الرومي لتسليم العريضة إلى الديوان الأميري، وسلمها إلى عبد الرزاق المشاري في الديوان الأميري بيده، الذي فتحها وقرأها ووعد بأن يوصلها إلى الأمير بعد 24 ساعة لأن الأمير مشغول بزيارة الملك حسين بن طلال، وفي اليوم التالي تم الإتصال بالنائب حمود الرومي وطلب إليه الحضور إلى الديوان الأميري ورد عبد الرزاق المشاري العريضة إليه وقال له: لقد عوتبت لقبولي الرسالة منك وهي حول هذا الموضوع وكنت قد توقعت أنها شكوى على إحدى الوزارات [4].

وفي ظل الرفض المتكرر لإستقبال العرائض برزت في مارس 1988 فكرة العريضة الشعبية التي كانت بداية الحراك الشعبي الحقيقي للمطالبة بإعادة الحياة الدستورية، وصاغ النواب العريضة الشعبية على الشكل التالي [4]:

«حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

نحن الموقعون أدناه نناشد سموكم اعادة الحياة النيابية وفق أحكام الدستور لما فيه خير وتقدم بلدنا الغالي في ظل قيادتكم الرشيدة»

وتمت دعوة المواطنين إلى التوقيع على العريضة، وتحول جمع التوقيعات إلى وسيلة جيدة لإطلاق حراك شعبي وحشد التأييد لعودة العمل بالدستور واستمر جمع التواقيع لمدة خمسة عشر شهر من مارس 1988 حتى يونيو 1989 وقع خلالها ما يزيد عن عشرين ألف شخص [4].

وخلال تلك الفترة تحولت إجتماعات النواب من ظهر الاثنين كل أسبوع إلى ظهر يوم الثلاثاء كل أسبوعين، وقد بحث النواب النواب كيفية الرد على التساؤلات المتزايدة من قبل المواطنين عما يقومون به، فقرروا القيام بزيارة جمعيات النفع العام لشرح تحركاتهم والإجابة عن الأسئلة التي قد تطرح، وفي بداية عام 1989 قاموا بزيارة بعد الدواوين في المناطق الخارجية مثل ديوانية مبارك الدويلة وأحمد الشريعان ثم ديوانية راشد الحجيلان ودعيج الجري [4].

وظهر تحرك آخر قاده مجموعة من التجار المهتمين بالسياسة، ففي يوم 4 يوليو 1989 ألتقى عبد العزيز حمد الصقر وحمود يوسف النصف وعبد الرحمن البدر بالشيخ جابر الأحمد الصباح في منزله في قصر دسمان، وجلس الأمير وحده معهم للإستماع لما لديهم فأبلغوه بأنه كان من المفترض بأن يكون معهم عبد اللطيف محمد الغانم رئيس المجلس التأسيسي ليسلمه الرسالة التي جاؤوا لتسليمها، ولكن ظروف تأجيل اللقاء لمدة سنوات أدت إلى أن ينعقد هذا اللقاء بعد وفاته في أغسطس 1988، وقاموا بتسليم الأمير وثيقة تضمنت المطالبة العودة بالعمل بالدستور [4].

تم تشكيل لجنة عرفت بإسم لجنة ال45 التي سميت بذلك نسبة إلى عدد أعضائها، وكانت اللجنة تمثل كافة قوى الكويت السياسة من قبائل وطوائف ومستقلين ومهمتهم إيصال العرائض الشعبية إلى الأمير، وبعد الإنتهاء من جمع التواقيع للعريضة الشعبية، اجتمعت لجنة ال45 للمرة الأولى في يوليو 1989 وقررت إيصال العريضة إلى الأمير، وتم تشكيل لجنة فرعية اللقاء مؤلفة من حمد عبد العزيز الصقر ومشاري العصيمي وصلاح المرزوق وناصر القنور، وقام مشاري العصيمي بالإتصال بوكيل الديوان الأميري الذي حدد موعد للجنة لمقابلته لتحديد موعد للقاء الأمير، ثم عاد وكيل الديوان الأميري وقال: هذا الموضوع ليس ضمن اختصاصاتي وأعتذر عن الموعد اللي بيني وبينكم. وبعدها بأيام قررت اللجنة أن يقوم ناصر القنور بالاتصال لتحديد موعد وإيصال العريضة، فأخبره وكيل الديوان الأميري أن هذه القضية تتعلق بالسياسة العامة لذلك فهي مرتبطة بالشيخ خالد الأحمد الجابر الصباح وزير شؤون الديوان الأميري، وفي اليوم التالي اتصل ناصر القنور بالشيخ خالد الأحمد الصباح، ولكنه رفض استلام العريضة، وفي اليوم التالي اتصل صلاح المرزوق بالشيخ خالد الأحمد الصباح وكرر له الطلب مرة أخرى، وقال له الشيخ خالد الأحمد الصباح: إذا كان غرضكم تقديم عريضة ما في موعد... وبعدين إذا كنت تريد هذا الموضوع اتصل بالأخ سعد. فرد عليه صلاح المرزوق: منو الأخ سعد؟ هل تقصد الشيخ سعد؟. فرد عليه: إي نعم أقصد الشيخ سعد. وانتهت المكالمة عند ذلك، وبعد ثلاثة أيام اتصل خالد الأحمد الصباح بصلاح المرزوق وقال أن الديوان ليس لديه مانع من استقبال اللجنة شريطة أن يمثل لجنة ال45 ثلاثة أشخاص فقط، ولكن صلاح المرزوق رفض ذلك لأن اللجنة الفرعية غير مخولة بمثل هذا القرار وأصر على أن تقابل لجنة ال45 الأمير، وفوافق خالد الأحمد الصباح على هذا الأمر شريطة عدم تقديم عريضة شعبية، وتم رفض هذا الأمر من اللجنة فلم يتم اللقاء، وتحولت بعد ذلك لجنة ال45 إلى كيان داعم لتكتل النواب وأصبحت تصدر البيانات المطالبة بالعودة إلى الحياة الدستورية، وتم تشكيل لجنة لتنسيق عمل لجنة ال45 مكونة من خالد الوسمي وناصر القنور ومسلم البراك وإبراهيم الصالح وعبد المحسن الخرافي وعبد الله البكر وجمال الشهاب [4].

أعضاء لجنة ال45

  • د. عبد المحسن مدعج المدعج (منسق مجموعة ال45)
  • عبد الله عبد السلام البكر
  • د. ناصر محمد القنور
  • بدر ناصر العبيد
  • حمد عبد العزيز الصقر
  • مشعل سالم المقبول
  • ناصر ثلاب الهاجري
  • د. يوسف حمد الابراهيم
  • جمال أحمد الشهاب
  • محمد عبد الله العازمي
  • فهاد محمد العريمان
  • إبراهيم أحمد الصالح
  • مشاري محمد العصيمي
  • سعد مطلق الراجحي
  • محمد علي القلاف
  • عبد العزيز سلطان العيسى
  • مسلم محمد البراك
  • أحمد يوسف النفيسي
  • عبد العزيز فايز الدوسري
  • عبد المحسن عبدالله
  • محمد خالد الرومي
  • محمد عبد المحسن المخيزيم
  • خليفة عبد الله المحيطيب
  • خليفة عبد الله الوقيان
  • سليمان حمد الموسى
  • يوسف عبد العزيز البدر
  • علي محمد ثنيان الغانم
  • د. خالد ناصر الوسمي
  • حسن يوسف العيسى
  • بدر سعود السميط
  • مطلق ماهر البغيلي
  • وليد عبد اللطيف النصف
  • يحيى محمد الربيعان
  • عبد الله عبد الرحمن الطويل
  • عبد المحسن محمد الجار الله
  • د. محمد صالح المهيني
  • ثابت عبد الرحمن البالول
  • خالد ناصر الصانع
  • مصطفى عبد الله الصراف
  • راشد صالح التوحيد
  • ناصر مضحي العنزي
  • صلاح فهد المرزوق
  • عبد الرزاق عبد الله معرفي
  • د. عبيد سرور العتيبي
  • د. سعد بن طفلة العجمي

بداية دواوين الأثنين

في ظل رفض الحكومة استقبال العرائض الشعبية وفي ظل التعتيم على الرأي العام من خلال الرقابة المسبقة على الصحف، بحث النواب عدة أفكار منها عمل عريضة شعبية جديدة ولكن بأسلوب حاد لإرسالها إلى الحكومة، وقد اقترح أحدهم بأن يقوموا بحشد الناس والسير في مسيرات، ولكن هذه الفكرة رآها البعض تصعيدا غير مبرر، ولذا اقترح أحد النواب بأن تعقد إجتماعات عامة مع الناس في إحدى دواوين النواب في مساء كل يوم اثنين لكي يناقشوا عدة أسئلة كان يطرحها الناس مثل: ماذا فعلتم في الفترة السابقة؟ وماذا نستطيع كمواطنين أن نقدم؟ ولذا تم الإتفاق على عقد مثل هذه الإجتماعات في إحدى الدواوين التي تحدد مسبقا وذلك لعدم تطبيق قانون التجمعات على الدواوين [5].

وقام تكتل النواب ومجموعة ال45 بالدعوة لحضور أول لقاء الذي تقرر بأن يكون في يوم 4 ديسمبر 1989 في ديوانية جاسم القطامي في منطقة الشامية بعد صلاة العشاء [5].

الإجتماع الأول: ديوانية جاسم القطامي

عندما أصبحت الساعة السادسة والنصف مساء من يوم 4 ديسمبر 1989 بدأ النواب بالقدوم إلى ديوانية جاسم القطامي وبدأ الناس يتوافدون معهم، حتى امتلئت قاعة الديوانية بهم وجلس البقية في ساحتها الخارجية، وقد اختار عدد منهم بأن يجلسوا في سياراتهم بعد أن علموا بأن الندوة ستنقل عبر المذياع على جهاز بث ذو مدى قصير، وقد قدر عدد الحضور بحوالي 700 شخص، وهي بداية رآها النواب بأنها مشجعة لهم [5].

بدأ النواب ندوتهم بإعلانهم بأن التجمع القادم سيكون في ديوانية النائب مشاري العنجري في منطقة النزهة وقد كان المتحدث في البداية النائب جاسم القطامي صاحب الديوانية وقال بأن النواب سيقومون بإجتماعاتهم الأسبوعية في ديوانية أحد النواب بداية من هذا الأسبوع، وأشار إلى ضرورة إلتزام الأسلوب العقلاني الهادئ وعدم اللجوء إلى العنف قائلا: نحن مضطرون أن نسلك سلوكا دستوريا ترضى فيه كل تعليمات وزارة الداخلية وحريصون أن تكون دواويننا كما هي. وتحدث بعده أحمد السعدون الذي أكد على أن هذا الحضور يدل على مدى تمسك الشعب الكويتي بنظامه الدستوري وعلى تمسكه أيضا بحقة في المشاركة الشعبية، مبينا بأن فكرة التواصل مع المواطنين عبر الدواوين قد بدأت منذ بداية العام في بعض دواوين النواب ثم توقفت في فترة الصيف، مضيفا بأن النواب قد بدأوا بالإتصال بجمعيات النفع العام، مشيدا بالعريضة الشعبية التي تم التوقيع عليها، مبينا أن الفكرة كانت أن يجلب كل نائب 50 توقيعا، ولكن الإقبال الشعبي كان كبيرا وكان تصريح وزير الإعلام الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح الذي حذر فيه من التوقيع في العريضة زاد من نسبة الإقبال الشعبي عليها [5].

وبعد ذلك تم فتح باب الحوار وقام بعض الحضور بتوجيه أسئلة إلى النواب عن طبيعة التحرك القادم وما قام به النواب خلال الفترة الماضية، وتحدث الدكتور خالد الوسمي بصفته أمين سر لجنة التنسيق مجموعة ال45 مؤكدا مطالبة الشعب بعودة الحياة الدستورية وطرح إقتراحا بتشكيل لجنة للمدافعة عن الدستور، وقد شرح ما قامت به اللجنة لإيصال العريضة وآلية عمل لجنة ال45، وتحدث النائب محمد الرشيد متسائلا عن الضرر من بقاء الديمقراطية والشفافية في العمل قائلا: وجود الديموقراطية يعطي سمعة جيدة للدولة ما في بالمنطقة مثلها، وقد أشار إلى حديث الشيخ سعد العبد الله الصباح عند أجتماعه مع مجالس المحافظات عندما قال: أتركوا الحاقدين. وعلق محمد الرشيد قائلا: من هم الحاقدين؟ هل القصد الذين لا يقبلون بالتعيين؟ الذين لا يتعاونون معك ولا يتعاونون في الباطل؟ [5]

وقال أحد الحضور لأحمد الربعي إن الحكومة تطالب بأن تحل قضية لبنان على الطريقة الشرعية ومن خلال البرلمان والدستور اللبناني سائلا: ليش نصير مثل عين عذاري؟ فرد أحمد الربعي: هناك مشكلة لدينا كدولة، ولا يجب أن نغالط أنفسنا ونعتقد بأننا دولة عظمى وبإستطاعتنا حل مشكلات العالم بينما قضيتنا معلقة، وأعتقد بأن علماء السياسة لو دروسوا الوضع في الكويت سيستغربون من أن المعارضة مسؤولة والطرف الآخر غير مسؤول بينما العادة العكس، فعادة الناس الذين يعارضون هم الذين يتم إتهامهم بروح اللا مسؤولية وهم من يستخدمون عادة كلمات نابية ويكسرون القانون، بينما في الكويت انقلبت الموازنات، فالمعارضة في الشارع هي من يريد الدستور ويحترمه، وصاحب القرار والسلطة السياسية هي التي تكسر الدستور ويستخدم لغة أخرى، لغة الحاقدين وهذه نترفع عنها [5].

ورد حمد الجوعان على أحد الأسئلة لأحد الحاضرين عما إذا كان التجمع في الديوانية مخالفا للقوانين أم لا، خصوصا في ظل وجود قوانين مقيدة، فرد حمد الجوعان: أنا لا أريد أن أتطفل على الكثيرين من القانونيين اللي حاضرين اليوم، فحسب ما أشوف هناك جمهرة من المحامين وأنا آخرهم ولست بأولهم، ولا أعتقد أن هذه الجمهرة موجودة في هذا الاجتماع وهي تعلم أنها تخالف القانون. الأمر الآخر هو أن القانون مثل أي نص كل واحد يقرأه على كيفه، ضعاف النفوس تقرأ بعض النصوص وتنشر من خلال قراءته السوس، وقراءتنا لنصوص الدستور أقوى من قراءة أي نص قانوني، فالدستور أبو القوانين وهو لم يحظر هذه الاجتماعات، لا أريد أن أتكلم كإنسان قانوني. أنت سلبتني من حقي الأساسي، أنا أتحدث كمواطن إنسان تعرضت للاعتداء ومن حقي أن ألتقي بإخواني المواطنين لندفع معاً هذا الاعتداء وكون هذا الاجتماع قانوني أم لا أنا أسألك سؤال أول، هل هناك اعتداء على حقوقي أم لا. إذا كانت الإجابة نعم فاجتماعنا قانوني [5].

الإجتماع الثاني: ديوانية مشاري العنجري

بدأت التحضيرات للإجتماع الثاني فور إنتهاء الإجتماع الأول، وكان الإجتماع الثاني في يوم 11 ديسمبر 1989، وقد استشعر النواب ضرورة إنشاء لجنة إعلامية ضمن الحركة الدستورية تتولى مهمة نقل المعلومات إلى المواطنين لكي تصل الرسالة لأكبر عدد من المواطنين، وقد ترأس اللجنة الإعلامية الدكتور غانم النجار وكان في عضويتها فيصل الصانع وسامي المنيس وجاسم السعدون ومحمد القديري ونصار الخالدي، وقد كانت اللجنة الإعلامية تعقد إجتماعاتها بمنزل فيصل الصانع وساهمت بكسر التعتيم الإعلامي وذلك بالتواصل مع مراسلي وسائل الإعلام العالمية واللجان الدولية، وتمكنت من إنتاج شريطي فيديو اسمهما حد1 وحد2 تم خلالهما شرح أهداف ومنطلقات الحركة الدستورية [6].

في صباح يوم 11 ديسمبر 1989 قام مختار منطقة النزهة إبراهيم القطان بالإتصال مشاري العنجري|بمشاري العنجري طالبا لقاءه في ديوانه، فأتى إبراهيم القطان إلى ديوان مشار العنجري وقد علم من هذا اللقاء بأن الحكومة قد ضاقت بتجمع الأسبوع الماضي وقد طلب منه المختار بأن يقوم بإلغاء التجمع بناء على أوامر وزارة الداخلية وقال له: أوامري هي بمنع اللقاء واذا لم يتم منعه فسيتحمل والدك المريض كامل المسؤولية لان التجمع سيكون في بيته، ونقل العنجري رسالة المختار إلى النواب الذين اجتمعوا بديوانية حمود الرومي في منطقة الفيحاء فقدر النواب المسؤولية الملقاة على عاتقهم وقرروا تقدير الموقف مع حلول الموعد وتوجهوا جميعا إلى الساحة المقابلة للديوانية، وعند وصول النواب إلى الديوانية فوجئوا بحضور كثيف لدوريات الشرطة، وعندما ترجل النواب من سياراتهم اكتشفوا بأن الأمر تعدى ذلك فكان هناك تواجد كثيف لرجال الأمن في أماكن ظاهرة وبعيدة عن الأنظار بالإضافة إلى تواجد القوات الخاصة مع الكلاب البوليسية، وتم تطويق الديوانية والساحة المقابلة لها والمنطقة المحيطة، وقد وضعت لافتة على باب الديوانية وكتب عليها بخط اليد: الديوانية مغلقة بناء على أمر وزارة الداخلية هذا اليوم. ولم يكن النواب وحدهم هم الحاضرون مبكرا ولكن كان هناك عدد من المواطنين الذين أتوا مع أذان العشاء ليفاجؤوا بالمنظر [6].

وعندما انتهى الأذان اصطف بعض النواب والحضور أمام باب الديوانية المغلقة لأداء صلاة العشاء وسط هدوء عم المتواجدين فيما لوحظت أعداد غفيرة من المواطنين تنزح نحو الديوانية بعد أن أوقفوا سياراتهم في أماكن بعيدة، وبعد نهاية الصلاة، قام أحمد السعدون بإعتلاء سلم الديوانية محاطا ببعض النواب وتحدث للحضور عن طريق مكبر للصوت، وقام بشكر المواطنين على حضورهم واستنكر إغلاق الديوانية رغم أن التجمع سلمي، وقام بعض قوات الأمن بالتقدم نحوه لإيقاف حديثة وأمروا المتجمهرين بالتفرق خلال دقائق، إلا أن أحمد السعدون واصل كلمته حتى نهايتها، وأعلن بأن تجمع الأسبوع القادم سيكون لأداء صلاة العشاء في مسجد فاطمة في ضاحية عبد الله السالم، وبعد نهاية كلمته انفض الناس الذين قدر عددهم بحوالي 2000 شخص [6].

بعد هذا التجمع أرسل النواب ومجموعة ال45 وبعض جمعيات النفع العام برقيات استنكار إلى ولي العهد، الأمر الذي أشعر الحكومة بأنها أخطأت، وفي يوم السبت 18 ديسمبر 1989 استدعى نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد الصباح كل من النواب مشاري العنجري وصالح الفضالة وحمود الرومي وأحمد باقر ومبارك الدويلة إلى مكتبه في وزارة الخارجية، وقد أعرب لهم عن أسفه لما جرى وقد قدم إعتذارا بإسم الحكومة لمشاري العنجري قائلا: أن ما تم من منع قد جرى بشكل خاطيء فالديوانية في الكويت لها قدسيتها. وأخبرهم بأن الحكومة على علم بالتجمع القادم في ضاحية عبد الله السالم وأنها لن تمنعه [6].


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الإجتماع الثالث: مسجد فاطمة

في يوم 18 ديسمبر 1989 اكتظت شوارع ضاحية عبد الله السالم بالسيارات الآتية من جميع مناطق الكويت لأداء صلاة العشاء في ذلك اليوم الذي تقرر بأن يكون لقاءا شعبيا من دون إلقاء خطب بهدف الإحتجاج صمتا على أحداث الأثنين الماضي، وقد بلغ عدد الحضور حوالي 3500 شخص وسط حضور نسائي ملحوظ عند مصلى النساء، وقاموا جميعا بأداء الصلاة وسط هدوء المنطقة المحيطة بالمسجد التي اكتظت بالناس الذين لم يسعهم مسجد فاطمة ذو البناء الدائري، وبعد الصلاة خرجت الجموع من المسجد والتف الناس في حلقات حول بعض النواب مدة قاربت الساعة، سرت خلالها أبناء بأن اللقاء القادم سيكون في ديوانية محمد المرشد في منطقة الخالدية بعد صلاة العشاء، وبعد ذلك تفرق الناس بهدوء [6].

الإجتماع الرابع: ديوانية محمد المرشد

في يوم 25 ديسمبر 1989 أقيم التجمع الرابع في ديوانية النائب محمد المرشد في منطقة الخالدية، وكانت الحركة الدستورية لمست تزايدا ملحوظا في الحضور، فقامت بوضع السماعات خارج الديوانية وكان عدد الحضور في ذلك اليوم ما يقارب ال5000 شخص وكان هذا التجمع هو الأكبر منذ بداية دواوين الأثنين، وقد جلس أغلب الحضور في الساحة الترابية المقابلة للديوانية للإستماع عبر السماعات التي وضعت، بينما فضل البعض سماع الندوة عن طريق المذياع، وقد بدأ الندوة محمد المرشد الذي رحب بالحضور وأضاف: كما أرحب باسمكم وباسمي بالإخوة موفدي السلطة الذين حضروا بيننا وحوالينا للقيام بما كلفوا به. فقاطعه تصفيق حاد من الجمهور، وأكمل: فإنهم واجدون صدراً رحباً وملقىً عذباً، ولا يظن أحد منهم أننا نضيق بهم أو نتخوف منهم، لأننا أولاً نشعر بأنهم إخوة لنا ومواطنون مثلنا وثانياً ليس لدينا شيء نخاف منه، فكل ما لدينا حديث وحوار حول موضوع يتعلق بالمصلحة العامة للكويت وأهلها فنحن ضد التهور والتجاوز والغضب. وأعتذر محمد المرشد عن مواصلة الحديث تاركا لصالح الفضالة إدارة الجلسة، وقد قام النواب المتحدثين بتوزيع الأدوار فيما بينهم، فتحدث أحمد السعدون ليشرح التحركات التي تمت خلال الفترة الماضية منذ حل المجلس وتعليق الدستور، وتحدث النائب أحمد باقر عما خسرته الكويت بفقدان مجلس الأمة، وتحدث أحمد الخطيب عن الفرق بين التعيين والإنتخابات، وقام النائب مبارك الدويلة بإلقاء خطاب حماسي للجمهور والإجابة عن بعض التساؤلات التي تطرح [7].

قام النائب صالح الفضالة بشكر الجمهور على الحضور وشرح بعض التحركات التي قام بها النواب منذ حل المجلس، وتكلم بعده أحمد السعدون عن أحداث الأسبوعين الماضيين، وأوضح بأن الحكومة تبرأت من منعها للتجمعات بعد أن أعتذرت بشكل رسمي للعنجري، وقام أحمد السعدون بمقارنة حل مجلس الأمة في عام 1986 وحل عام 1976، والأسباب التي ساقتها الحكومة للحل، وتحدث أحمد السعدون بأنه في المذكرة التفسيرية للدستور يفترض إعادة النظر في الدستور بعد خمسة سنوات من إصداره من أجل المزيد من الحريات ولذلك أتى المرشحين لمجلس عام 1967 ممن كانوا في المجلس التشريعي ومجلس الأمة الأول ببعض الإقتراحات لإعادة النظر في بعض المواد وذلك لتحقيق الأهداف التي كانت مطروحة في المجلس التأسيسي وهو ما أدى إلى لجوء الحكومة لتزوير الإنتخابات، وقال بأن أحد الأسباب التي أدت إلى حل مجلس الأمة 1986 هو ضعف تأثير السلطة في المجلس ولم تكن الحكومة تحظى بالأغلبية في هذا المجلس لتواجه الإستجوابات، وقال أحمد السعدون بأن هناك أقاويل تدور عند الحكومة لإيجاد بديل لمجلس الأمة، وبعدها تكلم أحمد باقر وقدم إستعراضا قانونيا لحل مجلس الأمة، وبعده قام النائب أحمد الخطيب بالتحدث، وبدأ حديثه قائلا: مساكم الله بالخير يا جماعة... الظاهر سهرتنا الليلة بتكون طويلة. وبدأ بالتكلم عن فترة عضويته في المجلس التأسيسي وقال بأن الدستور وضع في وقت معين ووعي شعبي معين وكان العمل السياسي غائبا منذ عام 1959 وقال: وقد راعينا هذا الأمر في ذلك الوقت، فالبلد لم كن يعيش النضج السياسي بعد. وأوضح: ما كنا راضين إطلاقاً على الدستور، قلنا في ذلك الوقت أنه دستور مؤقت ما يطوّل أكثر من خمس سنين، وسيكون هناك دستور ثاني يعطي الشعب حقوقه ليكون فعلاً مصدر السلطات ولا سلطة أخرى فوقه، فديموقراطية وسط أو زينة هذي خرابيط ما نبيها، نريد ديموقراطية حقيقية تعطي للشعب كرامته. وقال أحمد الخطيب بأن هناك عدد من الشيوخ الذي لم يؤمنوا وطالبوا الشيخ عبد الله السالم الصباح بإلغاء الدستور بعد إنضمام الكويت إلى الأمم المتحدة، وبين الخطيب أن نظرية حكم الفرد أو الحزب الواحد أثبتت فشلها، لأن هذا الحكم يعتمد على أجهزة القمع الأمنية بدلاً من الحماية الشعبية، وكان مبارك الدويلة آخر المتحدثين في الندوة وقام بالإجابة عن بعض أسئلة الحضور. وأختتم صالح الفضالة الندوة معلنا بأن الأسبوع القادم لن تكون هناك ندوة في الأسبوع القادم بسبب أعياد رأس السنة واللقاء التالي سيكون في 8 يناير 1990 عند ديوانية أحمد الشريعان في منطقة الجهراء في الساعة السابعة مساء [7].

الإجتماع الخامس: ديوانية أحمد الشريعان

في يوم 8 يناير 1990 كان مقررا الإجتماع في ديوانية أحمد الشريعان في منطقة الجهراء، وكانت الديوانية تطل على نادي الجهراء، وتحول الطريق المؤدي إلى الديوانية إلى ما يشبه الثكنة العسكرية وذلك بوجود عدد كبير من سيارات الشرطة والقوات الخاصة والحرس الوطني، وتم تطويق القطعة كاملة لمنع الناس من حضور الندوة في الساعة السابعة مساء وتم إغلاق كل الطرق المؤدية إلى الديوانية، وتم وضع نقاط تفتيش في الجهراء لمنع أي شخص لا يقطن في الجهراء من الدخول إليها، وعندما حل الظلام تم تطويق ديوانية أحمد الشريعان وتم إحتجازه في الديوانية ومن معه وتم منعهم من الخروج [8].

وقد وقف الحضور الذي قدر بسبعة آلاف شخص حول الديوانية، وكان من ضمن الحضور النواب الذين دخلوا إلى المنطقة عن طريق بعض الطرق الداخلية وبين البيوت، وقد وضعت القوات الخاصة طوقا بشريا يحيط بالديوانية على مسافة 100 متر، وقام المتواجدون بأداء صلاة العشاء ثم بعد أن انتهوا منها قاموا بالتوجه إلى القوات الخاصة للتحدث معهم وطلبوا منهم بالسماح لهم بالتوجه إلى الديوانية، وفي هذا الوقت سمح لأحمد الشريعان بالخروج من الديوانية والتوجه إلى الحشد، وتعالت الأصوات المطالبة بالدخول إلى الديوانية، وفي تلك الأثناء بدأت القوات الخاصة بضرب المتواجدين بالهراوات والعصي وذلك لتفريق جمع المتواجدين، وبعدها سمع صوت عالي لما قد يكون قنبلة صوتية، وتفرق المتواجدون ولجأ بعضهم إلى بعض البيوت المجاورة وأختبئ بعضهم خلف الأشجار في الشارع المقابل ولم يتبعهم رجال القوات الخاصة [8].

ومن الذين تم ضربهم في ذلك اليوم النائب محمد الرشيد وقد كان في السبعين من عمره، ونائب مدير جامعة الكويت الدكتور أحمد بشارة، وعبد المحسن الكليب وجمال النيباري وناصر الغانم ووائل عبد الله العمر ورباح الرباح وعبد الهادي العجمي ومحمد القديري وغيرهم [8].

وقد رأى المحللون بأن سبب إقدام الحكومة على هذا التصعيد هو لما تملكه منطقة الجهراء من مكانه لدى الحكومة إذا كانت تعتبرها منطقة موالية ولأن المعارضة تحركت فيها فيجب إيقاف مثل هذه التحركات [8].

وبعد فترة توجه أحمد السعدون وعدد من النواب إلى العميد يوسف المشاري قائد القوات الموجودة، وقد حث أحمد السعدون الشرطة على التهدئة، وكان يوسف المشاري حريصا على ألا تتأزم الأمور، فسمح لأحمد السعدون بالتحدث إلى الجماهير بواسطة مكبر الصوت في سيارة الشرطة، قرب نادي الجهراء وحوالي 500 متر من الديوانية، وقام السعدون بشكر الحضور على تواجدهم، واستنكر الأعمال التي قامت بها الشرطة، وطلب من المواطنين الإنصراف، وأعلن أن تجمع الأسبوع القادم سيكون في ديوانية النائب فيصل الصانع في منطقة كيفان [8].

وقد أدت الطريقة التي تعاملت فيها الحكومة مع هذا التجمع إلى إستياء عدد من المواطنين وقاموا ببعث عدد من البرقيات التي توضح إستياءهم من هذا التصرف، فقد قامت ابنة النائب محمد الرشيد لولوة الرشيد ببعث برقية إلى الشيخ جابر الأحمد الصباح، وقد بعث النواب برقية إلى الشيخ سعد العبد الله الصباح، كما بعث مواطن اسمه محمد المرزوق ببرقية إلى وزير الداخلية الشيخ سالم صباح السالم الصباح ذيلها باسمه الكامل وعنوان منزله [9].

برقية لولوة الرشيد

«سمو الشيخ جابر الأحمد أمير دولة الكويت

قصر بيان

الكويت

أنا إحدى بنات الديرة الذي انتخيت بهم يوم الاعتداء الغاشم عليك فهبوا لنجدتك واستنكروا ذلك الاعتداء وأحاطوك بحبهم ورعايتهم وتأييدهم الصادق ومشاعرهم الصادقة النابعة من القلب التي لا تعرف الزيف ولا النفاق. ومثلما اعتدي عليك من أيد حاقدة غريبة اعتدي على أبي وغيره من الشرفاء اليوم، ولكن للأسف على يد أحد أبناء الديرة الذي نفذ الأوامر التي صدرت له. أستمد كلمتي هذه من خطابك يوم افتتاح مؤتمر المحامين العرب الذي عقد على أرض الكويت العربية، وهو أن على المحامي أن يقول كلمة الحق وأن يدافع عن حقه، ومن لم يستطع الدفاع عن حقه فإنه عاجز عن الدفاع عن حق الآخرين. كلمتي هذه نابعة من القلب راجية أن تصل إلى القلب. إنها صادرة من ابنة الديرة المخلصة التي لا تخشى في الحق لومة لائم همها الأول والأخير سلامة هذا البلد الطيب الآمن بأرضه وحكامه وشعبه، ومثلما اجتمع أبناء الديرة في السابق وبنوا السور الذي أحاط بالديرة ليحميها، وكان أهل الديرة وحكامها قبل السور وبعده يداً واحدة مجتمعين على الخير والشر، الصراحة طبعهم والشهامة والنخوة والتآزر والمساعدة لا نجد فرقاً بين حاكم ومحكوم. الحاكم ينتخي بأبناء شعبه عند أي خطر يهدد البلاد وأبناء الشعب يلجأون إلى الحاكم ينشدون نصرته عند تعرضهم للظلم، فمن لابن الشعب من بعد الله سبحانه وتعالى غير حاكمه ليرفع عنه الظلم إذا ظلم؟ وبعد هدم السور، ويا ليته لم يهدم، رفع مكانه سور آخر عال، هذا السور لم يبن لحماية الكويت كما السابق، ولكن بني للفت في عضد الكويت وتخريبها وإشاعة الفرقة بين أبنائها حكاماً ومحكومين. هذا السور وضع للحيلولة بين الحاكم وأبناء شعبه المخلصين. وابتدأت اليد الآثمة التي يحركها الحقد والكراهية تحرض الحاكم على شعبه وتحرض الشعب على حكامه. وابتدأت الفجوة تكبر والسور يعلى والبلد الآمنة آخذة بالتقهقر إلى الخلف في جميع المجالات. فلنمسك المعاول ونبدأ في هدم هذا السور لنرتاح جميعاً.

واليوم الابنة تنتخي بأبيها ليرفع الظلم عن إخوانها وأهل ديرتها الحبيبة.

بيدك وحدك وبكلمة منك تستطيع إعادة البسمة إلى الشفاه وحقن الدماء وعدم إشاعة الفرقة بين أبناء الديرة مدنيين وعسكريين، فالكويت هي الوحيدة التي لم تلطخ يد حكامها بدماء أبنائه الزكية فلا نريد لها في هذا الزمن أن تلطخ. والكويت عرفت بدبلوماسيتها العريقة والتي أخذت لها مكانة عالية في العالم أجمع. أين هذه الدبلوماسية داخل الديرة؟ أم أن دبلوماسية الكويت تقتصر على الخارج؟ إن مطلب الشعب بسيط وواضح وصريح وحق من حقوقه كفله الدستور، فبالديمقراطية ينعم الجميع ويرتاح فالحرية مطلوبة في كل أوان ومكان وخير مثل على ذلك ما يجري مؤخراً في أوروبا الشرقية. لقد وفرت لهم الدولة جميع سبل الراحة ولكنها سلبتهم الحرية، فهبوا مطالبين بالحرية.

أما بالنسبة للاعتداء على أبي يوم الاثنين الأسود 8/1/90، أسود لأنه أول يوم يصطدم به أبناء الديرة ببعضهم مدنيين وعسكريين، وحكمة المدنيين جنبت الديرة ويلات كثيرة. فالضرب الذي تعرض له والدي وغيره يعتبر وساماً شريفاً من أعلى المستويات، فالوسام طبع على ظهره ويده. اعتدي عليه لأنه ابن مخلص لهذا الوطن ورمز من رموز العمل الوطني.

بيدك وحدك يا أبي يا ابن الديرة البار حقن الدماء وإعادة الديمقراطية إلى البلاد من خلال العمل بالدستور وسيادة القانون وكفالة حرية المواطن وحقوق الإنسان. مطلبنا عادل وبسيط وهو سيادة القانون.

ابنتك

بنت الديرة البارة

لولوة محمد الرشيد»

برقية النواب

«إلى سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر

قصر بيان- محافظة حولي

بعد التحية،

نستنكر نحن الموقعين أدناه وبشدة ما اتخذته السلطات المسؤولة من اجراءات غير مسؤولة ليلة الثامن من يناير 1990 في منطقة الجهراء ضد المواطنين العزل الا من إيمانهم بالله واخلاصهم لوطنهم وتمسكهم بدستورهم من إغلاق لديوانية الأخ الكريم احمد نصار الشريعان، وإغلاق جميع المنافذ المؤدية إليها وإلى المناطق المجاورة واستخدام القوة ضد بعض المواطنين، ومن بينهم رمز من رموز العمل الوطني وهو العم الفاضل محمد أحمد الرشيد. اننا اذ نشجب استخدام القوة ضد المواطنين فإننا نود أن نؤكد لسموكم أنه لولا عناية الله ومن ثم حكمة المواطنين وسعة صدورهم وحرصهم الشديد في المحافظة على أمن البلاد واستقرارها لحدث ما لا يحمد عقباه.

لذلك فإننا نعلن لكم استمرارنا بالالتقاء بالمواطنين في مختلف دواوين الكويت وفي مختلف مناطقها، مؤكدين على أننا لن نكون الساعين إلى الصدام مع أجهزة الأمن ونحمل الحكومة مسؤولية ما ينتج عن استخدام القوة في المستقبل بعد أن نسفت اجراءاتكم في الجهراء كل ما أكدته الحكومة على حرمة الديوانية الكويتية ورغبتها في استخدام الحوار اسلوباً لمعالجة أوضاع البلاد.

حفظ الله شعب الكويت أميناً على دستوره وحرياته.

8-1-1990

تواقيع النواب: أحمد السعدون- صالح الفضالة- خالد العجران- د. أحمد الربعي- د. ناصر صرخوه- سامي المنيس- حمود الرومي- مشاري العنجري- خميس عقاب- عبدالله الرومي- سالم الحماد- عبدالعزيز المطوع- راشد الحجيلان- فيصل الصانع- جاسر الجاسر- ناصر البناي- مبارك الدويلة- حمد الجوعان- احمد باقر- عباس مناور- د. يعقوب حياتي- جاسم القطامي- محمد المرشد- سعد طامي- أحمد الشريعان- د. أحمد الخطيب- د. عبدالله النفيسي- جاسم العون.»

برقية محمد المرزوق

«السيد/ وزير الداخلية،

إنه من المؤسف حقاً أن يحدث ما تم مساء الأمس الاثنين 8/1/1990م في منطقة الجهراء، من تجاوز وتطاول من قبل أفراد القوات الخاصة المدججة بالسلاح من رشاشات وهراوات وعصي كهربائية على أفراد عزل من المواطنين لا يحملون أي سلاح سوى سلاح الإيمان بقضيتهم، علماً بأن من بين الذين تم الاعتداء عليهم بالضرب النائب الفاضل/ محمد الرشيد، حيث لم يستحِ أفراد القوات الخاصة من الاعتداء ضرباً على رجل في مثل سن ومكانة هذا الرجل القدير، بالإضافة إلى الأستاذ أحمد بشارة نائب مدير الجامعة الذي لم يقدروا مكانته العلمية أيضاً دون خجل أو وجل، علاوة على ما تم من إهانة للنائب الشريعان برد ضيوفه بالقوة وضربهم وتطويق ديوانيته والطرق المؤدية اليها وإحراجه وهو الرجل القبلي المتمسك بعاداته وتقاليده، والذي لم يقم سوى بدعوة بعض زملائه النواب، ومن حرص من المواطنين بالالتقاء بهم لتدارس الآراء والخطوات اللازمة للمطالبة، وبالطرق السلمية باستعادة الشعب حقه بعودة الحياة النيابية في البلاد (والذي هو حق متفق عليه مسبقاً بين الحاكم والمحكوم، وليس لأحد نقضه حيث نقض جزئية منع يعتبر نقضاً وخرقاً للاتفاق بأكمله). لذا فإنني وبصفتي مواطناً من أبناء هذا البلد حريصاً على المصلحة العامة، وحقوق مواطنيه كوني فرداً منهم، فإني أستنكر وبشدة ما تم من تصرفات استفزازية وتصعيد للمواقف ومحاولة للصدام من أفراد مسلحين بأفراد عزل وضربهم دون وجه حق، كما يجب ألا يمر هذا الموقف دون تحديد للمسؤوليات ومحاسبة للمتجاوزين لحدودهم والمتحدين لإرادة الشعب المطالب بأبسط حقوقه وهو حق التعبير عن الرأي، لذا يجب اتخاذ اللازم بحق هؤلاء وإعلانه رسمياً على الجميع رداً لكرامة واعتبار من تم الاعتداء عليهم، علماً بأنه من غير المعتقد أن يتنازل الشعب عن حقه في ما وقع من تعد على أفراده من إهانة وضرب، كما لن يقبل بسياسة تكميم الأفواه وإغلاقها كإغلاق الديوانيات، كما أنه من الصعب تحدي إرادة الشعوب، والأمثلة كثيرة سواء من الماضي البعيد أو القريب والقريب جداً، ومن لم يتأكد من صدق ذلك فليراجع نفسه مراراً، فنزع الفتيل يكمن في أول اعتقال أو إسالة أول قطرة دم في سبيل الحق، وعلى الله نتوكل وحسبنا الله ونعم الوكيل.

محمد مرزوق محمد المرزوق

9/1/1990م»

وقد أصدرت وزارة الداخلية بيانا صحفيا أكدت فيه بأن تجمع الجهراء كان مخالفا للقانون، وقال وزير الإعلام آن ذاك الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح لوكالة رويترز بأن المجلس القديم لن يعود، فلا يمكننا العودة إلى شيء فشل، وأوضح بأن مجلس الأمة السابق خلق حزازيات بين الجماعات العرقية في الكويت وعزز المشاعر القبلية وأثار مشاكل مع الدول المجاورة وكان يجري إستغلاله لخدمة أغراض شخصية، وقال جابر المبارك الصباح: ربما يكون بوسعنا التوصل إلى شيء أكثر ملاءمة لطبيعة بلادنا، وإذا كان هناك مفهوم جديد فليس لدينا مانع. وأكد أيضا بأن القوات الأمنية قامت بإطلاق قنبلتين صوتيتين [9].

وفي يوم الأربعاء 10 يناير 1990 تم إستدعاء أحمد الشريعان إلى مخفر الفيحاء، وقام أحمد الشريعان بالإتصال بأحمد السعدون لإبلاغه بالأمر، وقال له السعدون بأن يجب أن لا يتكلم حتى يأتونه المحامين، وقام أحمد السعدون بالإتصال بحمد الجوعان، واتصل أيضا بمشاري العصيمي رئيس جمعية المحامين للتوجه إلى المخفر [9].

وقد دخل مشاري العصيمي وأحمد الشريعان إلى غرفة المحقق معا، ووصل بعدهما حمد الجوعان وأحمد الربعي ومبارك الدويلة الذين كانوا مجتمعين للتحضير لتجمع الأسبوع القادم، ووصل بعدهم بقليل أحمد السعدون، وفي غرفة التحقيق طلب من أحمد الشريعان الإجابة عن بعض الأسئلة التقليدية مثل الأسم والعمر والمهنة، وعندما سأل عن المهنة تدخل مشاري العصيمي وقال عضو مجلس أمة وهو الذي كرره الشريعان فيما بعد، وبعدها قام المحقق بطرد المحامي، ودخل بعد طرد العصيمي المحامي عبد الله الرومي الذي طلب منه الخروج بعد خمسة دقائق من دخوله وليتوالى دخول 14 محاميا وقد رفض أحمد الشريعان الإجابة عن أي سؤال بحجة أنه نائب في مجلس الأمة الكويتي ولا يصح إستجوابه إلا بعد رفع الحصانه عنه [10].

وخارج المخفر تجمهر عدد من المواطنين وبعد ذلك حضر مدير إدارة التحقيقات يعقوب يوسف المهيني الذي تولى التحقيق بنفسه، وتوقف التحقيق لفترة أتاحت للنواب التحدث مع أحمد الشريعان الذي أكد لهم بأنه لم يجاوب عن أي سؤال وقد هدده المحقق بأنه سيحجز لمدة 21 يوم على ذمة التحقيق فقال الشريعان: فدوه للي ساندوني [10].

وقد كان التحقيق يتركز على الدعوة إلى تجمع الجهراء ورد المحامين بأن الدعوة لم تكن من أحمد الشريعان بل كانت من مجموعة ال45 ومجموعة النواب وبينوا بأنه إذا تم إحتجاز الشريعان فإن كامل المجموعة ستبقى معه في المخفر، وقد تم إخلاء سبيله بعد أن جرت مشاورات بين المحامين ومدير إدارة التحقيقات الذي أقر خروجه بكفالة قدرها 500 دينار، ولكن أحمد الشريعان رفض دفع الكفالة الذي أصر على عدم دفع الكفالة والخروج بلا شروط كونه نائب في مجلس الأمة، وقد عرض على الشريعان دفع كفالة بلغت 200 دينار ولكنه رفض أيضا، وفي الساعة التاسعة والنصف مساء تم إغلاق التحقيق وأفرج عنه بلا كفالة [10].

وقد رجع إلى الجهراء بمسيرة كبيرة ولحقه عدد من المواطنين حتى ديوانيته التي تم منعهم من دخولها قبل يومين، وقد تجمع النواب في الديوانية مرة أخرى، وقد رددت الجماهير صيحات للنواب في هذه المناسبة، فقيلت الصيحات بحق أحمد الشريعان وأحمد السعدون وعباس حبيب مناور، وقد قام أحمد السعدون وألقى كلمة وقال: قبل 48 ساعة فقط منعنا وبقوة السلاح من دخول هذه الديوانية، وقد ووجهنا بآلاف من قوات الأمن على الرغم من أننا لم نتجاوز الألف شخص نصفهم من المارة حسب تصريح وزير الاعلام، ولكن تشاء إرادة الله وإرادة الناس أن يلتقي هذا الجمع الآن ويتحدث عن عودة الديمقراطية والدستور والمجلس في نفس المكان الذي منعنا منه [10].

الصيحات التي رددها الجمهور باسم النواب

هذا انتصار ما صار تسلم يا أحمد نصار
وحدة وحدة وطنية مجلس أمة وحرية
لا شرطة ولا حراس يطقون عيال الناس
أعضاء المجلس يحكون تسلم يا أحمد سعدون
هذا الكويتي يدافع مجلس الأمة راجع
لا ظلم لا جور عاش عاش الدستور
عدو المجلس يا ويله تسلم يا مبارك الدويلة
الكل للمجلس ولهان تسلم يا حمد جوعان
المجلس ياي يا ربعي تسلم يا أحمد الربعي
المجلس خير من يشهد تسلم يا محمد المرشد
مطلبنا مطلب سامي تسلم يا بن قطامي
أحمد أحمد يا خطيب مجلسنا هو الطبيب
مجلسنا راجع باكر تسلم يا أحمد باقر
المجلس راجع يا قومي عاشوا عيال الرومي
مجلس رابح مو خسران يسلم خالد العجران
مجلس رابح مو خسران تسلم يا ابن حجيلان
شعبنا ثابت ما يناور تسلم يا عباس مناور
ناصر ناصر يا صرخوه مجلسنا وين ودوه
البرقية تأتي تأتي عاش دكتور حياتي
مطلبنا نافع نافع تسلم يا فيصل صانع
لجنتنا ما ننساها وكل الشعب وراها
بوشريعان يا بوشريعان انت عزيز لا ما تنهان


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التجمع السادس: ديوانية فيصل الصانع

استدعى في صباح يوم الاثنين مدير أمن محافظة العاصمة أحمد الرجيب فيصل الصانع وطلب منه إلغاء الندوة التي لديه الليلة، ورفض فيصل الصانع هذا الأمر وقال بأنه لديه ديوانية مفتوحة للناس، وفقال أحمد الرجيب بأن سبب طلبه إلغاء الندوة بأن لا يريد بأن يقول الناس بأن السلطات الأمنية تمنع إقامة الندوات، وانتهى اللقاء عن هذا الأمر، وفي الظهيرة وجدت قوات الأمن محيطة بالديوانية وفرضت سياجا حديديا من الأسلاك حول الديوانية لتمنع الدخول إليها، وبفرض الحاجز احتجز فيصل الصانع داخل الديوانية وخالد الوسمي عضو مجموعة ال45 وأربعين شخص غيرهم في الديوانية ممن تواجدوا باكرا في الديوانية، وانتشرت قوات الأمن في الشوارع المحيطة في تكرار لما حدث في تجمع الجهراء مما أرسى مخاوف لدى بعض الموجودين من صدام جديد مع قوات الأمن، ومع مغيب الشمس واقتراب موعد التجمع أغلقت قوات الأمن جميع مداخل ومخارج منطقة كيفان لمنع دخول غير قاطني كيفان، ولكن الناس استطاعوا اختراق الحاجز الأمني ودخلوا المنطقة وبدأوا بالوصول إلى الديوانية ولكنهم فوجئوا بالأسلاك حول الديوانية، فتوجه صالح الفضالة ومبارك الدويلة وأحمد الربعي وأحمد باقر ويعقوب حياتي إلى أحد ضباط القوات الخاصة طالبين منه السماح للمواطنين بالوصول إلى الديوانية ولكنه رد عليهم بالقول: لدي تعليمات بمنع الناس من الوصول إلى الديوانية، ورفض تلبية طلبهم [11].

وعندما بدأ الليل بالحلول، تم وضع أغنية وسط القلوب يا كويتنا لعوض دوخي في سماعات فوق سطح الديوانية وبدأ الناس بالتدفق إلى الديوانية وقد قدر العدد ب9000 شخص وكان منهم 150 امرأة، وهو أكبر وجود نسائي في أي من تجمعات الأثنين، وقد اتفق النواب على تجميع الناس بالشارع الموازي للديوانية ونقل التجمع من الديوانية إلى الساحة، واصطف الناس في المساحة الترابية الصغيرة إلى أن أغلقوا الشارع بسبب كثافتهم، وبعدها بدأ أحمد السعدون بالتحدث إلى الجماهير بواسطة مكبر صوت يدوي، وطلب من الجماهير الجلوس على الأرض، وقد استهل كلمته بالأسف على منع الناس من الدخول إلى الديوانية وهي المرة الثالثة التي تحدث بعد ديوانية العنجري وديوانية الشريعان، وأكد بأن ما يدفع الناس للحضور إلى هذه التجمعات هو حب الكويت، وقال بأن حب الكويت لا يمكن أن يكون مجرد شعار يرفع أو كلمة تردد وإنما حب الكويت يكون بحب دستورها والتعلق به وحب نظام حكمها، مؤكدا بأن شكل الدولة في الكويت وراثي في ذرية مبارك الصباح، فصفق الجمهور له، وأكمل أحمد السعدون: وأؤكد أيضا أنه لا يمكن القبول ولا التجاوز ولا بأي شكل من الأشكال على المادة السادسة من الدستور التي تقول بأن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا، وفصفق الجمهور له ثانية، وأضاف أحمد السعدون: هذا الكلام لا نقوله خشية أو مجاملة أو نفاق وإنما نقوله إلتزاما بعهد ووعد ونقوله إلتزاما بميثاق، وقد كشف أحمد السعدون عن الإجتماع الذي تم من قبل كتلة النواب قبل يوم من هذا الإجتماع، حيث قال أحد النواب بأن وزير الداخلية قد استدعاه لينقل له ما يقال في التجمع، وقد أبلغنا زميلنا بأننا نود بأن ينقل إلى وزير الداخلية دعوة صادقة من أخوانه وزملاؤه لحضور جميع اجتماعاتنا، فصفق الناس، وأكمل أحمد السعدون: وإن لم تكن هذه الدعوة قد وصلت إليه فنحن نريد لكل من يسمعها أن يوصلها إلى وزير الداخلية وهي والله دعوة صادقة له، ولعل أقرب لقاء لنا ندعوه إليه هو يوم غد على الغداء بإذن الله في في الديوان عندي [11].

وكانت أجواء التجمع مشحونة وتحمل روح الإنتصار لدى الموجودين بعد أحداث يوم الأربعاء وإطلاق سراح أحمد الشريعان، وقد حرص أحمد السعدون على تهدئة الأجواء وطلب من الحضور الإذعان للإجراءات الأمنية وقال: بينما نرى هذه المظاهرة غير المستحبة وأقصد بها الأسلاك الشائكة وورائها أخوة أفاضل لنا يلبسون الزي العسكري ويؤلمنا ذلك لأنهم أخوة أفاضل، إلا أن ما يسعدنا هو إلتزامكم وإلتزامنا جميعا بالرغم من قناعتنا بأن هذا الأمر غير مستحب، إلى أن المهم جدا أن نلتزم بألا يتجاوز أي واحد منا ما منعنا عنه، لأننا إذا كنا نطالب بالدستور فإننا نحترم أيضا بعض الإجراءات حتى وإن كانت هذه الإجراءات غير مستحبة وحتى وإن كانت هذه الإجراءات نعتبرها غير قانونية. وفي نهاية حديثه، حرص أحمد السعدون على إعلام الجماهير بأن اللقاء في الأثنين القادم سيكون عند عباس حبيب المسيلم في منطقة الفروانية [11]

وبعده تحدث عبد الله النفيسي الذي أشار إلى الخيارات التي تواجهها البلاد فقال: فالخيار الأول هو خيار السلطة غير المقيدة حيث يتركز القرار بيد أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة، يمنحون ويمنعون، ينهون ويأمرون، ويوزعون النفوذ والثروة على من يشاؤون دون رقيب ولا حسيب. فقام الجمهور بالتصفيق. وأكمل: أيها الإخوة، في ظل السلطة غير المقيدة ينتهك المال العام، ويتمهد الطريق للتفاوت الكبير بين فئات الناس في الدخول والممتلكات والامتيازات، ويأخذ من لا يستحقون مالاً ويحرم من يستحق، وفي ظل السلطة غير المقيدة تنمو طبقة من الطحالب والمنافقين والسحرة الذين يزينون كل قبيح ويقبحون كل جميل، في ظل السلطة غير المقيدة تنتهك حقوق الإنسان وحرياته، وفي ظل السلطة غير المقيدة تتعطل استقلالية القضاء وتجرح حرمته وحياديته، ويتوقف تنفيذ الأحكام إن كانت تنصف الضعيف من القوي، في ظل السلطة غير المقيدة تتحول الصحافة من وسيلة إعلام للناس إلى وسيلة دعاية للنظام، وفي ظل السلطة غير المقيدة تتحول عملية التشريع من سن للقوانين التي تحمي المصالح العامة إلى سن للقوانين التي تحمي المصالح الخاصة. أما الخيار الثاني وهو الخيار المضيء المنير الذي يبشر به هذا التحرك الشعبي السلمي العلني، فهو خيار السلطة المقيدة بدستور 1962 الذي وضعه المجلس التأسيسي المنتخب مباشرة من الشعب الكويتي صبيحة 30/12/1961 وذلك في عهد المرحوم عبدالله السالم الصباح. وأكمل عبد الله النفيسي أن أي عبث بالدستور هو عبث بإستقرار الكويت وقال بأن الأزمة الحالية لا تحل إلى بالدعوة إلى إنتخابات جديدة يقرر فيها الشعب مصيرة بيده دون العبث بقانون الإنتخابات أو بالدوائر الإنتخابية [11].

وعاد أحمد السعدون ليتسلم مكبر الصوت اليدوي، ووجه الشكر إلى الإخوة العسكريين الذين اضطروا وبكل أسف أن يتواجدوا قبلنا بساعات ولكن ليس هذا منا، فلعلهم سمعوا ما قلنا... والله لو كنا داخل الديوان لأرحناهم أو لأراحوا من كلفهم، فما كان سيقال ليس أكثر مما قيل في هذا المكان، وشكرا أيضا فيصل الصانع الذي لا يستطيع أن يقف معنا لأنه محاصر داخل الديوان، وشكر أيضا الحضور النسائي وقال: لنسائنا من أخوات وزوجات وأمهات فاضلات. فصفقت الجماهير طويلا للحضور النسائي [11].

صيحات الجماهير في تجمع كيفان

وحدة وحدة وطنية مجلس أمة وحرية
الكرامة والأفكار ما تنشرى بالدينار
لا تعديل لا تنقيح إن طاح الدستور نطيح
ما نلف ما ندور ما نبي غير الدستور
قالو عنا قوم مكاري يابوا قوات الطواري
لازم يرجع لنا الحين دستور اثنين وستين
شعبنا ويا نوابه مجلس بانت أبوابه
تطالبونا بالقانون وانتو عطلتوا الدستور
ديمقراطية الكويت تراها مطلب كل بيت
لا شرطة ولا حراس يطقون عيال الناس

فتح باب الحوار

في يوم 20 يناير 1990 أعلن تلفزيون دولة الكويت بأنه سيقوم بإعلان الخطاب الأميري في المساء، وقد ترقب الناس ما الذي سيقوله الأمير، وقد بدأ الخطاب الأميري بإستعراض الدور الذي لعبته الكويت على صعيد السياسة الخارجية في إرساء الحوار والتفاهم بين الدول، وقد استمر الخطاب لمدة ربع ساعة، وأطلق فيها الشيخ جابر الأحمد الصباح مرحلة الحوار وقد انتقد التحرك الشعبي للعودة إلى العمل بالدستور، وقال: الأسلوب الذي يجري الآن لطرح الآراء لن يوصلنا إلى الهدف الذي ننشده جميعاً [12].

وبعد أن استمعت مجموعة النواب إلى الخطاب الأميري، اجتمع النواب ورأوا ضرورة الإستجابة إلى الدعوة الأميرية، فكلفوا أحمد السعدون بالإتصال بالديوان الأميري لأخذ موعد للقاء النواب بالأمير، وقد اتصل في صباح اليوم التالي أحمد السعدون بالديوان الأميري ليبلغهم برغبة النواب بلقاء الأمير وأنهم بإنتظار تحديد موعد للقاءهم معه، فقام وكيل الديوان الأميري بإبلاغهم بأنه سيتم تحديد موعد لهم مع الأمير وسيتم الإتصال بهم لاحقا، وأخبر أحمد السعدون النواب بما حصل، وتم الإتفاق على إصدار بيان صحفي ليعلنوا فيها إستجابتهم لدعوة الأمير بالإضافة إلى قرارهم تعليق تجمعات دواوين الأثنين لإتاحة الفرصة للحوار في ظل أجواء هادئة ولكنهم أوضحوا في نهاية البيان بأن التجمع في ديوانية عباس حبيب المسيلم لن يتم تأجيله نظرا إلى أنه كان مقررا سلفا وقد تم إبلاغ الناس بشأنه، وقرر الناس إستغلال اللقاء لإعلان موقفهم الإيجابي من دعوة الأمير، وقد أرسل النواب بيانهم إلى الصحف، وفي صباح يوم الأثنين فوجئ النواب بعد نشر بيانهم في الصحف المحلية بعد أن منعت السلطة نشره بواسطة رقابتها المسبقة على الصحف [12].

خطاب الأمير

«بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخواني،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

من حق الكويت علينا أن نعالج قضاياها من مدخلين يتبادلان التأثير ولا يغني أحدهما عن الآخر أولهما عالمي والثاني داخلي. ذلك لأن العالم من حولنا سريع التغير فيه الآن تكتلات جديدة تتكون وأخرى تتفكك، وتحولات في العلاقات ما بين الشمال ومع دول الجنوب وما بينها.

ولا تستطيع سفينة في بحر السياسة العالمية أن تعزل نفسها عن عصف الريح وهدير الموج، ولا يستطيع بعض أهلها أن يستقلوا بإرادتهم عن قيادتها ومصيرها، أو يفقدوا التعاون بينهم وهي تشق طريقها لتبلغ مأمنها.

وإن من أبرز هذه المتغيرات المعاصرة أن يقوى الحوار بين الدولتين الكبريين، وأن يتم بينهما الاتفاق على قضايا خطيرة كمستويات نزع السلاح النووي، مع أن أسلحة أدنى من هذا بكثير وصلت إلى دول صغيرة وضعيفة فكانت أموالها للسلاح ثمناً وأبناؤها له ضحايا.

لقد حدث الاتفاق بين القوتين الكبريين رغم ما بينهما من تناقضات مذهبية واختلاف في المبادئ والممارسات، ولكن أمكن حقن الدماء وتوجيه الإنفاق إلى ما هو أجدى.

هذا الأسلوب من الحوار الحضاري تتبعه دول تغلب فيها الحكمة، واستطاعت به أن تطور حياتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية، وهذا هو الأسلوب الذي ارتضيناه للكويت سبيلاً.

ومن هنا جاءت عنايتنا بتأكيد الوجود الكويتي على الصعيد العالمي، وذلك في علاقتنا بهيئة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، وفي إقامة جسور الصداقة مع الدول الكبرى والصديقة، كما جاء دورنا في منظمة المؤتمر الإسلامي التي تتشرف الكويت في هذه الأعوام بأن تحمل مسؤولية رئاسة دورتها الخامسة، وجاءت عنايتنا بالصلات العربية والخليجية على مستوى المنظمات والعلاقات الثنائية.

في هذه المستويات جميعاً حاولنا أن نكون كلمة الحق ويد الإخاء والمصافحة والعون، وساهمنا في معالجة ما استطعنا من قضاياها، ومن أقربها إلينا العلاقات العراقية- الإيرانية، التي نود أن يتم لها تنفيذ جميع بنود قرار مجلس الأمن 598. وإن في مبادرة الأخ الرئيس صدام حسين ما يعين على سرعة تحقيق ذلك، ونرجو أن تلقى هذه المبادرة استجابة من الحكومة الإيرانية. كذلك جاءت مساهمتنا في دعم الانتفاضة الفلسطينية الباسلة، وفي الجهود المبذولة لإعادة الإخاء إلى الحياة اللبنانية في إطار وحدتها الوطنية، وإننا لنشيد بما تقوم به اللجنة الثلاثية من جهود إيجابية في هذا السبيل، بالإضافة إلى مساهمتنا في حل مشكلات الأقلية التركية المسلمة في بلغاريا.

إخواني،

ولم تكن هذه المسؤوليات لتصرفنا عن أوضاعنا الداخلية، بل إن ثمارها تصب عملياً في مجرى واحد، هو تأكيد الشخصية الكويتية دون فصل بين الداخل والخارج.

داخليا... كانت هناك متغيرات كثيرة، وقابل وطننا محاولات اختراق ومؤامرات وتهديدات وإثارة العصبيات والطائفيات، وامتد العدوان إلى المنشآت والطائرات وأرض الوطن وأبنائه هنا وفي الخارج. لكن هذه الأمور لم تشغلنا عن التخطيط الطويل لبناء الإنسان الكويتي وتوفير مقومات نموه تحقيقاً للنقلة النوعية الشاملة في التسعينات، وهي نقلة تمس كل مرافق حياتنا ولها ثوابتها التي يحسن بنا أن نتذاكرها حتى نستبين سبيلنا.

وأولها أننا مجتمع قام على الإيمان بالله تعالى الذي علمنا في كتابه فقال «إنما المؤمنون إخوة» ويجمعنا الرباط التاريخي والعقلي والقلبي فوق هذه الأرض الطيبة التي أكرمنا الله بها وجعلها لنا وطناً، فنحن مسؤولون عن حمايته وتنميته.

والثاني أننا مجتمع قام من أول أمره وفي مساره على الحوار والتشاور بين أبناء الجيل الواحد، وبين الأجيال المتتابعة وبين القيادات والقواعد في احترام وتعاطف متبادلين، فالشورى والحوار في حياتنا عقيدة وسلوك. والثالث أن تماسكنا كان العامل الأول في قدرتنا على اجتياز العقبات التي واجهتنا وتواجهنا والالتفاف حول الصخور التي تعترض مسارنا.

والرابع، التكيف والقدرة على التصرف الحكيم وهو الثمرة الطيبة للحوار، ولن نستطيع أن نتابع المسيرة دون حوار ودون مرونة وشجاعة في مراجعة الذات.

هذه بعض الثوابت التي ترقى فوق الشك والجدل، إنها قراءة تاريخنا ونبض حاضرنا ونور مستقبلنا. لقد سبق أن قلت، وأحب أن أؤكد، أنني مع قاعدة الشورى والحياة النيابية والمشاركة الشعبية. ولكن لا بد لنا جميعاً أن نعترف أن تجربتنا النيابية تعرضت لعثرات وعلينا أن ندرك أسبابها، ويعلم الله أننا جميعاً حكومة وشعباً مشغولون بأمرها، وأن موقفنا الثابت والمبدئي في شأنها يقوم على ركنين أساسيين:

الأول: أننا نؤمن إيماناً راسخاً بقيمة الحرية، وهو إيمان يعكسه السلوك الكويتي وتؤكده الممارسة اليومية في علاقات الناس بعضهم ببعض، وعلاقاتهم مع من يحملون مسؤولية الحكم بينهم.

والثاني: أننا نؤمن إيماناً لا شك فيه بأن المشاركة الشعبية خير يجب أن نتمسك به ونحرص عليه وندافع عنه، باعتباره مبدأ أقره الدين الحنيف وجبل عليه مجتمعنا الكويتي ومارسه منذ نشأته.

وإذا كانت العثرات التي تكررت في ممارسة بعض جوانب الحياة النيابية قد اقتضت أن نتوقف فترة للتأمل وإعادة النظر، فإن الشورى لم تتوقف أبداً، ولم تتوقف كذلك المشاركة الشعبية بصورة أو بأخرى وظل صوت أهل الكويت وآراؤهم وتطلعاتهم تجد طريقها في سهولة ويسر إلى الذين يحملون مسؤولية الحكم حيث تلقى الاعتبار والتقدير.

ولكن الأسلوب الذي يجري الآن لطرح الآراء لن يوصلنا إلى الهدف الذي ننشده جميعاً.

إن حمل المسؤولية أمانة، والله تعالى وصف كتابه العزيز، وهو أعظم أمانات الوجود، بقوله: «إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً»، أي قولاً تستقر به الحياة ويستقيم مسارها.

إخواني،

نحن جميعاً شركاء في بناء الكويت، وإن آية حب الكويت أن نحافظ على وحدتها وأن نعمل على تقدمها. ولنذكر أننا أهل ديرة واحدة صغيرة، لا تحتمل الانقسام والخلاف، ومن اليسير فيها الالتقاء على كلمة سواء، تعيننا فيها النوايا الطيبة وسلامة الصدور.

نحن في أيام تحتاج إلى الحكمة أكثر من حاجتها إلى الاندفاع، وإلى التعاون أكثر من حاجتها إلى المواجهة، وإلى المصافحة أكثر من حاجتها إلى التحدي.

إننا في مرحلة تاريخية سريعة الخطى، نقترب فيها من مطلق قرن جديد، وإن مسؤوليات المستقبل هي أشد من مسؤوليات الماضي والحاضر، وعلى قدر سعة الآمال تأتي ضخامة الأعمال.

إن السباحة في الألفاظ غير السباحة في الأمواج، وإن سفينة الكويت ليست على الشاطئ وإنما وسط الموج تحدوها أضواء المستقبل.

إخواني،

لقد كسبت الكويت -والحمد لله- مكانة دولية ترجع إلى مساهمتها الإيجابية داخلياً وعالمياً، كما ترجع إلى صمودها في وجه الضغوط التي حاولت أن تنال من إرادتها وأمنها وكرامتها الوطنية. وكان الشعب الكويتي –كالعهد به- ثابت القدم، عالي الجبهة، عزيز الجانب.

إن الكويتي الذي أنبتته هذه الأرض الطيبة إنسان عف اللسان، أواب إلى الحق، يحيا في إطار دينه وأعرافه الطيبة. وإذا دفعه الغضب بعيداً، عاد به الإخاء. وإذا أماله الهوى، أقامه الوفاء.

إخواني،

لقد اتقينا الله تعالى في حب الكويت وأهلها، على هذا عاهدنا الله، وعلى هذا بعونه نسير، إنه تعالى يعلم السر وأخفى.

إن باب الحوار مفتوح، وقنوات الاتصال ترحب بالآراء.

وطننا واحد، ومصيرنا واحد، فلنذكر دائماً حق الكويت علينا وإنه لكبير.

وفقنا الله جميعاً ليكون غد الكويت أكثر ازدهاراً وجمع الله القلوب والعقول على الخير دائماً. إنه نعم المولى ونعم النصير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.»

بيان النواب الصحفي

«إن وقفة الشعب الكويتي دفاعاً عن الشرعية الدستورية وعن مطالب الشعب العادلة كانت محل اعجاب وإكبار القاصي والداني، فلقد تحملتم بروح المسؤولية كافة الصعاب التي واجهتكم، ولكن ارادتكم الصلبة وعزمكم الذي لا يلين من أجل الكويت وطننا الذي نحبه جميعاً ومن أجل دستورنا الذي نعمل متماسكين على عدم المساس به، إن هذه الارادة قد أوصلت عملنا إلى مرحلة متقدمة أصبحت فيها مسألة الديمقراطية وحرية الشعب القضية الأولى في المناقشات والمنتديات، ولذلك فإننا نشعر بالفخر والاعتزاز لوقفتكم ودفاعكم عن قضاياكم العادلة التي لولاها لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه.

إن تطور عملنا يفرض علينا أن نعمل بوعي وإدراك كبير وتحمل للمسؤولية الوطنية من أجل حماية وطننا وحرية شعبنا، ولقد ألقى سمو أمير البلاد، حفظه الله، خطابه في 20 يناير 1990 والذي دار حول ضرورة الحوار بين أبناء الوطن الواحد، والذي أكد فيه سموه على الإيمان بقضية الحرية والمشاركة الشعبية والحياة النيابية، واستجابة لما طرحه سمو الأمير من رغبة في فتح باب الحوار وانطلاقاً من أن شعار الحوار كان هو شعارنا طيلة عملنا منذ 3-7-1986 وحتى الآن فإننا واستجابة مع هذه الرغبة الأميرية قمنا بالاتصال بالديوان الأميري بطلب مقابلة سمو الأمير لفتح حوار مع سموه لما فيه مصلحة وطننا.

إننا في الوقت الذي نؤكد فيه ما سبق فإننا نؤكد لكم أن قناعاتنا الأساسية هي قناعات ثابتة، وأهمها ضرورة العمل بدستور 1962 كاملاً غير منقوص، وضرورة عودة الشرعية الدستورية وإعادة الحياة النيابية من أجل أن يتطور مجتمعنا بصورة ديمقراطية سليمة.

إننا نؤكد لكم أنكم أصحاب القضية الأساسية وأنه لولا توفيق الله ثم وقفتكم والتفافكم لما استطعنا التقدم، إننا أصحاب قضية عادلة ونحن دعاة للحوار ونبذ الخلاف مهما كان مصدره، وإننا نمد يدنا بكل اخلاص إلى كل يد مخلصة تريد التقدم والتطور لهذا الوطن، ونعدكم أننا سنوافيكم أولاً بأول بكل التطورات وأن دواويننا ودواوينكم مفتوحة بشكل دائم للحوار في قضية الديمقراطية.

ولما كانت ديوانية الأخ الفاضل عباس مناور مقررة مسبقاً، فلقد رأينا أنها فرصة يمكن من خلالها توصيل هذا الرأي إلى أكبر قدر ممكن من المواطنين، وتأجيل اللقاءات القادمة في الديوانيات لإعطاء المجال للحوار في أن يأخذ مداه.

وفقنا الله جميعاً لما فيه خير وطننا في ظل حضرة صاحب السمور أمير البلاد المفدى وسمو ولي العهد.

النواب الموقعون:

أحمد السعدون - صالح الفضالة - د. أحمد الربعي - د. أحمد الخطيب - أحمد الشريعان - أحمد باقر - جاسر الجاسر - جاسم القطامي - جاسم العون - حمد الجوعان - حمد الرومي - خالد العجران - خميس عقاب - دعيج الجري - راشد الحجيلان - سالم الحماد - سامي المنيس - سعد طامي - عباس مناور - عبدالعزيز المطوع - د. عبدالله النفيسي - عبدالله الرومي - علي الخلف - فيصل الصانع - مبارك الدويلة - محمد المرشد - مشاري العنجري - د. ناصر صرخوه - ناصر البناي - هاضل الجلاوي - د. يعقوب حياتي - يوسف المخلد.»

التجمع السابع: ديوانية عباس حبيب المسيلم

كان التجمع سيقام في ديوانية سعد طامي في منطقة الرقة لكن الأحداث التي سبقته بأسابيع تطلبت أن يكون التجمع في ديوانية عباس حبيب المسيلم، حيث كان عباس حبيب المسيلم تربطه علاقة قديمة مع الشيخ سعد العبد الله الصباح، وفي أحد الأيام كان يزوره في ديوانه بعد عودته من رحلة إلى القاهرة ليسلم عليه، فقال له الشيخ سعد العبد الله الصباح: حتى إنت يا عباس يا ولد أم عباس... يقولون قاعد تهوّس. في إشارة إلى تلويح عباس مناور المسيلم ببشته في ديوانية أحمد الشريعان، فرد عليه: أنا إذا هوّست فهو لصالح هذه البلد وليس ضدها أو ضد شعبها. وخرج من ديوان ولي العهد [13].

طوقت القوات الأمنية المنطقة لمنع دخول المواطنين إليها، وقد كانت أصوات طائرات الهيلوكوبتر مسموع في المنطقة كلها، وقد تم تطويق ديوانية عباس حبيب المسيلم بالأسلاك الشائكة لمنع الجماهير من الوصول إليها، واحتجز من في الديوانية ومنع من الخروج، وعبر الطريق الفاصل بين خيطان والفروانية عبر المئات من المواطنين في محاولة منهم للوصول إلى الديوانية، وأتى آخرون من العمرية والمناطق المجاورة، وكانت قوات الأمن قد حضرت منذ الساعة الثامنة صباح ذلك اليوم، ووضعت أرتالها في مواقف السيارات قرب ديوانية عباس حبيب المسيلم، وأغلقت مداخل ومخارج المنطقة بكاملها، وفي الظهيرة قررت قوات الأمن تطويق منزل عباس حبيب المسيلم والمنازل المجاورة بأسلاك شائكة ضخمة لمنع دخول أي شخص للديوانية كما منع خروج أي شخص، وقبل إغلاق الديوانية دخل اللواء المسؤول وهو مساعد الغوينم ليتحدث مع عباس حبيب المسيلم فقال له: عمي مطلوب مني منع الناس من الوصول للديوانية أو الخروج منها، فالرجاء الالتزام. فرد عليه عباس حبيب المسيلم: أقدر حتى أروح أصلي؟ المسجد قريب. فرد الضابط: عمي أنتو مجموعة قاعدين بالديوانية، تقدرون تصلون جماعة بالديوانية. أعذرني ممنوع أحد يخرج. فامتثل الموجودين بالديوانية بهذا الأمر. وكانت التجمع خارج الديوانية كبير، زاده الخارجون من أداء صلاة العشاء من مسجد علي الدويلة بينما كانت عدد القوات الأمنية بالمئات وبدت آلياتهم من حافلات وناقلات جنود [14].

وبعد أن تجمع عدد كبير من الناس حول الديوانية، سمع دوي إنفجار قنبلة صوتية وفرق المتجمهرين، بينما سمع هدير حافلات أمنية تتحرك في إتجاه الجمهور لنفث رغوة مياه ساخنة تحمل رائحة كريهة عليهم وبعض القنابل الدخانية والمسيلة للدموع، وأخذ الناس بالركض في كل الإتجاهات، ودخل نحو 300 شخص مسجد علي الدويلة محاولين الإحتماء في جدرانه، وراح الناس يكبرون في مسجد علي الدويلة، وتم قذف قنبلة دخانية عليهم من فتحة في أعلى الجدار وحاول بعضهم إطفائها دون جدوى، وقد وجهت القوات الأمنية خراطيم الماء في صوب هذه الفتحة، وخارج المسجد كان الوضع مربكا، وقد سرت الأخبار بأن التجمع انتقل إلى مسجد الخرينج [14].

وفي الديوانية قام عباس حبيب المسيلم بإرسال ابنه عبد اللطيف في مهمة محددة إلى مسجد الخرينج ونقل خطاب كان أعده والده أثناء وجوده في الديوانية وأمره بتسليمه إلى أحمد السعدون، وتجمع في مسجد الخرينج 3000 شخص ومعهم بعض النواب، وقد أوضح أحمد السعدون بأن معه رسالة من عباس حبيب المسيلم، وتحدث أحمد السعدون ورحب بالحضور وقال: أيها الإخوة الرجاء الهدوء... الهدوء أيها الإخوة... لقد حافظتم على هدوئكم باستمرار فحافظوا على هدوئكم في هذه اللحظة، فلقد سرتم في هذه المسيرة سلمياً ونرجو أيضاً أن تستمروا في ذلك ولا نريد أبداً من أي منكم أن يرد على أي كان، فهؤلاء الإخوة الذين جاؤوا من الإخوة العسكريين سيظلون إخوانكم، ونريد أن نساعدهم في تحقيق مهامهم فلا نريد أن يصدر من أي منا ما يسيء لهذا الجمع ولا ما يسيء إلى بلدنا ولا ما يسيء إلى استقرار بلدنا ولا ما يسيء إلى أمننا، وبعد ذلك أطلع النواب على قرار النواب بإيقاف تجمع دواوين الأثنين حتى إشعار آخر وقبول الحوار [14].

وبعد نهاية الأحداث، اتجه المواطنين والنواب إلى ديوانية أحمد السعدون وتبادلوا تفاصيل ما حدث لهم في الفروانية [14].

خطاب عباس حبيب المسيلم

«بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني وأخواتي، أيها الحشد الكريم، أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أود أن أعلمكم عن بالغ سروري وعظيم امتناني بما أشاهده من جمعكم الكريم، والذي إن دل على شيء فإنما يدل على مدى وعيكم ووطنيتكم تجاه وطنكم ومواطنيكم، ويؤسفني في الوقت نفسه ألا أشارككم الحضور الشخصي في هذا التجمع الكريم بسبب عدم السماح لي بمغادرة منزلي، لا لذنب اقترفته بل لمناداتي وإياكم بإعادة الحياة النيابية وفق دستور سنة 1962. وإن كان هذا لا يمنع من مشاركتكم الوجدانية من خلال مشاهدتي وإحساسي بأنني والله معكم بإحساسي وأحاسيسي.

إخواني وأخواتي الأعزاء...

إن لحضوركم الشخصي وتأييدكم الذي لم ينقطع خلال ما حدث لي قبل أيام وبرقياتكم لأثراً عظيماً في نفسي يعكس حبكم وإخلاصكم للكويت وصونكم لكرامتها، والتي هي كرامتي وجزء لا يتجزأ منها، وأود في هذا المكان أن أسجل شكري وتقديري لجميع الإخوة المواطنين بشكل عام، لما أبدوه من استعداد لعمل المستحيل لكسر الطوق الأمني لتمكيني من مشاركتكم شخصياً مهما كلفهم ذلك من تضحيات، وذلك لإظهار الحق وإظهار ما هم عليه من تكاتف وترابط في الأزمات، إلا أنني طلبت منهم الالتزام بالهدوء والتعقل، وإنني أشكركم على هذا الشعور النبيل وأناشدكم بالله أن تجعلوا مصلحة الكويت أمام أعينكم قبل كل شيء، وأن تمتثلوا لأوامر إخوانكم رجال الأمن وهم والله أبناؤكم وإخوانكم وأقاربكم، جاءوا لتنفيذ الأوامر التي أُمروا بها والحفاظ على الأمن بجميع صوره ومظاهره.

وبناءً على ما تقدم فنحن دعاة للخير أتينا إلى هذا الترابط مطالبين بعودة الحياة النيابية وفق دستور 1962، وبارك الله فيكم وبارك لكم مساعيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.»

وبعد أن هدأت الأمور في الفروانية في الساعة الحادية عشر ليلا، بدأ رجال الأمن بالرحيل عن المنطقة، ولاحظ الأشخاص المحجتزين داخل الديوانية بأن قوات الأمن بدأت بالتحرك وإزالة الأسلاك الشائكة المحيطة بالديوانية، ودعا بعض الموجود عباس حبيب المسيلم إلى عقد الإجتماع الآن، ولكنه تردد ثم قبل ذلك، وأجريت بعض الإتصالات فوصل الخبر إلى الموجودين في بعض الديوانيات والموجودين في ديوانية أحمد السعدون، ليتم التجمع في الساعة الحادية عشر والنصف، ولم يكن عدد الحضور يقدر بالآلاف أو لم يكن بالحجم الأقل الذي تجمع في مسجد الخرينج، ولكن الحضور ملأ الديوانية مما أعطى شعوا بنشوة الإنتصار إلى الجمهور، وبدأ سعد طامي الحديث وقال: ان ما جاء في هذه الليلة العظيمة من قطرات ماء على أي شخص نعتبره وسام شرف على صدره، وبين بأن النواب والمواطنين لا ينافقون لمصالح أشخاص معينين بل يعملون من منطلق الصدق والوفاء، وأكمل: الجميع رأى ما تفعله السلطة في أهل المناطق الخارجية ويطلقون عنهم أنهم فداوية وكلامهم مرفوض فالناس ولدتهم أمهاتهم أحرار... يقولون إن نحن على طول نعمل على طاعتهم العمياء ثم يأتي واحد ويضربون أخوه أو ولده وهذا ما يصير، فأولادنا تعلموا ووصلوا أعلى شهادات العلم ولازم نعطى حقنا مثل غيرنا ولازم الحكومة تحسب لنا حساب، وتعرف أننا صادقين ومخلصين معها لكن باحترامنا واحترام شعبنا. ثم قام عباس حبيب المسيلم بقراءة الرسالة التي بعثها إلى أحمد السعدون في مسجد الخرينج، وبعد ذلك قام مبارك الدويلة بقراءة البيان الصحفي الذي أصدره النواب في يوم الأحد والذي لم ينشر في الصحف، وبعد إنتهاءه، طالب الجمهور أحمد السعدون بالحديث، فتحدث عن شعوره بالألم لأن تصل البلاد إلى ما وصلت إليه واستذكر تدخل السلطة في التجمعات منذ تجمع مشاري العنجري وإصرارها الدائم على أنها لم تمنع الديوانيات وقال: الغريب أنهم يقولون إنهم لا يمنعون الدواوين ولكن يعملون ما هو أشنع وأفظع من ذلك، فيأتون ويحوّطون البيوت بقوات عسكرية مثل ما حصل عند الأخ أحمد الشريعان، ويمنعون المدعوين من الدخول وحجتهم بذلك أن هذه التجمعات مخالفة للقانون وينسون أن الدستور بأكمله منتهك، لكن أن يمنع الناس من الوصول وبقوة السلاح فهذا هو الأمر المخالف للقانون أساساً أو فليقولوا لنا مستندين على أيش؟ على أي نص بالقانون يمنع دخول الناس إلى الديوان أو إلى أي بيت؟. مشيرا إلى أن التجمع في ديوانية عباس حبيب المسيلم كان له بعد آخر لا نعرفه لأنهم قاموا بمحاصرة المنطقة كلها واستنكر إحتجاز عباس حبيب المسيلم ومن معه في الديوانية. وبعدها تحدث عن الحوار وقال: كل ما سيقال سوف تعلمونه، ومالنا حق نتحاور إلا حول أمر واحد وهو المطالبة بعودة الشرعية الدستورية وعودة العمل بالدستور وأي كلام آخر يصلكم حول أي أمر آخر تم التحاور عليه قولوا ان هذه مجرد إشاعة. وشكرا الجمهور على حضوره [13].

وبعد ذلك تحدث جاسم القطامي وقال: هذا أول الطريق اللي احنا من زمان نحلم فيه لأني أنا شايب وصار لي 40 سنة بالعمل الوطني، وكنت أتطلع لهذا اليوم اللي أجد فيه هذا الشعور وهذا الوعي الشعبي وهذه الجبهة الواحدة، إخواني وسلف وقومي وتقدمي فكلنا اليوم جبهة واحدة ويد واحدة وصف واحد. وبين بأن السلطة أثبتت اليوم أن ما تقوله حول الإيمان بالدستور في بياناتها هو مجرد كلام إذا لم يتم إثباته، فالمهم ليس البيانات ولا الشعارات بل التصرف، وقال: شلون يمشون يدوسون المسجد ويضربون فيه قنابل، فالمسجد له حرمته والتجأ له الإخوان فسلطوا عليهم خراطيم المياه وضربوا أربعة قنابل داخل المسجد... احنا تربينا ونعرف أن المسجد له قدسية وله حرمة وما نرضى ندوسه بأرجلنا وآباؤنا ربونا على هذا، مو نضربه بالغاز القنابل، هل هذا صحيح يحصل في الكويت؟ وهي البلد اللي تقود العالم الإسلامي. في إشارة إلى ترؤس الكويت لمنظمة المؤتمر الإسلامي [13].

وتحدث عبد الله النفيسي وقال: نحن معسكر الحق وهم معسكر الباطل، ولن نسمح أن يكون الحوار على حساب الحق، فنحن دعاة حق يا إخوان فلا تخافوا ولا تهابوا وامضوا حيث ترون الحق. وقال أحمد الربعي: يبدوا أن البعض يخلط بين أن نتصرف بحكمة وبين أن نتصرف بخوف، فيعتقدون أن استخدام القوة مقابل المواطنين العزل والاعتداء عليهم يمكن أن يوقف حركة المقاومة الشعبية، وأنا أعتقد أنهم مخطئون لأنهم لم يقرأوا التاريخ، ومخطئون لأن فكرتهم عن الشعب الكويتي خطأ. وبين بأن الموجودين في ديوانية أحمد السعدون لم يكونوا يتوقعون حدوث هذه الأمور وأضاف: وفعلاً لا يتوقع أحد أن يصدر هذا من حكومة عاقلة أو حكومة مسؤولة أن تتصرف بهذه الطريقة أمام مواطنين عزل. كل هذه الأسلحة، كل القوات، بدلا من أن تقف على الحدود لمنع تهريب المخدرات وحماية شعبنا من السرقات والجرائم، تحشد كل هذه القوات ضد شعبنا اللي جاء لقضية واحدة هي الدفاع عن الدستور. ووضح بأن من يعتقد بأن الدفاع عن الدستور هو الدفاع عن مجلس الأمة فهو مخطئ: فالدفاع عن الدستور هو دفاع عن النظام السياسي ولا يجوز أن نأخذ شيئا ونترك شيئا، إما أن نأخذ الدستور كاملاً أو نتركه كاملاً... وأنا لا أريد بهذا الجو المتحمس أن يأخذني الحماس لأن أقول شيئا قد يكون الوقت مبكراً عليه، لكن إذا استمرت السلطة في تصرفاتها فأعتقد أن لغة الناس تتغير وتتطور... تنخفض وترتفع بقدر ارتفاع ما يحدث بالشارع، فالناس قد تتراجع لكنها لا تتراجع لأنها تخاف خصوصاً إذا كانت المسألة مسألة تحدٍ، وأقول هذا الكلام بشكل صريح فلا أحد منا خائف، ولكن لا أحد منا يريد التحدي، بل نريد أن نكون عقلانيين وهذه العقلانية تتطلب عقلانية من الطرف الآخر، وروح المسؤولية عندنا تتطلب روح مسؤولية من الطرف الآخر، وإلا فهم يهددون البلد بالخراب [13].

وبعد ذلك تحدث محمد المرشد وحمود الرومي الذين أشادا بحكمة الجماهير ودعوا إلى العودة بالعمل بالدستور، وقد بين حمود الرومي بأن السلطة اعتقلت عدة أشخاص من بينهم مراسل رويترز باتريك وير وتم التحقيق معه ونقله إلى مكان آخر إلى أن أفرج عنه بعد أخذ كل أوراقه وحاجياته. وقبل أن ينفض التجمع قام أحد المواطنين ليعلن بأن وزارة الداخلية قد قامت بإصدار بيان بينت فيه أنه سبق أن حذرت المواطنين من تجمع اليوم وأمرتهم بالتفرق لكنهم لم يتفرقوا فقامت الوزارة بمعالجة الموقف، أشار البيان إلى أنهم أعتقلوا خمسة أشخاص أحدهم كان يحمل آله حادة وهي سكين، وأنه حاول الإعتداء على رجال الأمن [13].

بيان مجموعة ال45

«إلى سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الموقر

قصر بيان - محافظة حولي

التاريخ 23-1-1990

بسم الله الرحمن الرحيم

في مساء يوم الاثنين 22 يناير 1990 هجم أرتال من العسكر المدججين بالسلاح والمزودين بمختلف الوسائل القمعية على جموع المصلين في بيت من بيوت الله في منطقة الفروانية، وأطلقوا عليهم القنابل الصوتية وتلك المسيلة للدموع والمياه الرغوية الكيماوية، وانتهكوا في ذلك حرمة بيت الله، في الوقت الذي تتشرف فيه الكويت برئاسة المؤتمر الإسلامي الخامس.

وقد قامت قوات الأمن باعتقال مواطنين أبرياء،÷ كما أدخل العديد من المواطنين المستشفى لعلاجهم من إصاباتهم باختناقات حادة سببتها قنابل الغاز المسيل للدموع ولفقت لهم تهم باطلة.

ولم يكن هذا التعدي على المواطنين العزل هو الأول من نوعه، فقد حدث قبل ذلك في منطقة الجهراء كما استخدمت الأسلاك الشائكة في منطقة كيفان. جرى ذلك كله ضد مواطنين عزل ما اجتمعوا إلا طلباً لعودة الشرعية الدستورية والحياة النيابية وفق دستور عام 1962 الذي أقسم جميع المسؤولين في الدولة على احترامه، لذا فإننا اذ نستنكر بشدة هذه الاعتداءات والأفعال اللامسؤولة ضد بيت من بيوت الله وضد المواطنين، فإننا نناشدكم التدخل الفوري لإطلاق سراح المتعقلين واتخاذ الإجراءات الحاسمة لمنع مثل هذه التعديات حفاظاً على الوحدة الوطنية ومفهوم الأسرة الواحدة وحرية وأمن الوطن والمواطنين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الموقعون: جمال الشهاب - مسلم البراك - حمد الصقر - سعد العجمي - عبدالعزيز الدوسري - عبدالمحسن الجارالله - محمد المهيتي - مشاري العصيمي - وليد النصف - يوسف البدر - عبدالله البكر - ناصر العنزي - خالد الوسمي - ناصر القنور - خالد الصانع - صلاح المرزوق - عبدالله الطويل - علي الغانم - محمد العازمي - مشعل المقبول - يحيى الربيعان - أحمد النفيسي - ناصر الهاجري - ثابت البالول - عبدالمحسن الخرافي - حسن العيسى - خليفة الوقيان - عبدالعزيز العيسى - عبدالمحسن المدعج - محمد الرومي - محمد القلاف - مصطفى الصراف - يوسف الإبراهيم - عبدالرزاق معرفي - بدر السميط.»

بداية الحوار

بدأ الحوار في أواخر شهر يناير، حيث بدأ الشيخ سعد العبد الله الصباح بتنظيم لقاءات مع قطاعات واسعة من المجتمع، فإلتقى في اليوم التالي لتجمع الفروانية 37 شخصية من أعضاء سابقية في مجلس الأمة وفعاليات إقتصادية للإستماع إلى آراؤهم في موضوع الديمقراطية وإعادة الحياة البرلمانية، ولكن ما بدا لافتا هو أن اللقاءات كانت تتم مع المقربين من السلطة ولم تضم أي من قادة التحرك الدستوري الداعين إلى عودة العمل بدستور 1962، والذين تم تحديد موعد لقاءهم في 7 فبراير 1990 [15].

وفي يوم الأثنين 29 يناير 1990 عقد ولي العهد الشيخ سعد العبد الله الصباح لقاء مع رؤساء تحرير الصحف المحلية تطرق خلاله إلى تجمعات الأثنين ووصفها بأنها بدأت تأخذ منحى تصعيدي يتسم بالتحدي والإستفزاز والتحريض وبين أنه قد اتضح أن البعض يهدف إلى غايات تتجاوز في حقيقتها موضوع الحياة النيابية وتعرض للخطر أمن البلاد واستقرارها وتماسك مجتمعنا ووحدتنا الوطنية، وشدد على أن الحكومة لن تتساهل بالمس بأمن البلاد واستقرارها في أي حال من الأحوال [15].

وبعد هذا اللقاء بيوم، ألتقى الشيخ سعد العبد الله الصباح بما عرف بالوفد الإسلامي في يوم الثلاثاء 30 يناير 1990 في قصر الشعب، وضم الوفد الإسلامي ممثلين عن جمعيات النفع الإسلامي وهو: يوسف الحجي عن جمعية عبد الله النوري الخيرية وأحمد الجاسر وأحمد بزيع الياسين عن جمعية النجاة الخيرية وعبد الله العتيقي عن جمعية الإصلاحي الإجتماعي وخالد سلطان بن عيسى وراشد المسبحي عن جمعية إحياء التراث الإسلامي وعمر الغرير عن جمعية المعلمين الكويتية وإضافة إلى مجموعة من الشخصيات الإسلامية العامة وهم: حمد المشاري وعبد العزيز عبد الرزاق المطوع وحمد يوسف الرومي وعبد الوهاب الفارس وعبد الله أحمد الشرهان. وإلتقى أيضا وفد من منطقة الصليبيخات برئاسة خلف دميثير ضم 80 مواطن يمثلون المنطقة المعروفة عنها تأييدها لوجهة نظر الحكومة [15].

وقد حرص الوفد الإسلامي على إصدار بيان يوضح فيه ما دار في اللقاء الذي أتى امتدادا لحوار بدأه الوفد مع الأمير في الأسبوع الذي سبقه، وطرح الوفد في لقاءه ثلاثة أمور رئيسية هي ضرورة دعوة أفراد التكتل النيابي للحوار ومحاولة الوصول معهم إلى نتيجة وقرار واضح كطرف شعبي يحظى بتأييد الجماهير الكويتية. والسعي الحثيث لعودة الحياة النيابية في أسرع وقت وفق الإجراءات التي ينص عليها دستور 1962، وشدد على ضرورة عدم المساس بقانون الانتخابات الذي قد يؤثر في مسيرة الحياة النيابية وتحقيق مبدأ المشاركة الشعبية. وقد قال الوفد بأنه تم طرح إحتمالية تعديل الدستور، ولكنهم فضلوا بأن يعدل الدستور في المجلس القادم بطريقة دستورية [15].

قبل لقاء تكتل النواب مع ولي العهد في 7 فبراير حرصوا على الإجتماع للتنسيق فيما بينهم، فاجتمعوا في التاسعة صباح ذلك اليوم واتفقوا على ثلاثة ثوابت هي: عودة العمل بدستور 1962، وعودة الحياة النيابية كما نص عليها الدستور، وعدم المساس بقانون الانتخابات حتى لا يتم التلاعب بنتائجها لمصلحة السلطة. وتم الإتفاق على أن يكون أحمد السعدون هو المتحدث الرسمي للأعضاء [15].

ألتقى 28 نائب من أصل 32 نائب ولي العهد، في حين تغيب أربعة نواب بسبب سفرهم خارج البلاد، وجلس الشيخ سعد العبد الله الصباح وحيدا مع النواب وبدأ الحديث قائلا: احنا أبناء اليوم ولا ننظر إلى الوراء، وكنا نتمنى أن يكون هذا اللقاء قبل شهرين، لكن لن نتحدث عن ذلك اليوم. مشيرا إلى ضرورة المحافظة على تماسك الجبهة الداخلية والعمل على توحيدها وترسيخ الوحدة الوطنية، وأن ذلك يكون من خلال الحوار، كما تساءل عن مصير تجمعات الاثنين، متطرقاً إلى التجمع الأخير في الفروانية قائلاً: «ما يصير حوار وفي تجمعات شعبية» ثم تحدث عن وجود مآخذ على التجربة النيابية، وأن هذا هو ما أدى إلى حل المجلس، والمطلوب الآن صيغة متفق عليها [16].

وبين أحمد السعدون أن تماسك الجبهة الداخلية هو حرص مشترك، مشيراً إلى أنه لا يكون بالقول فقط، وأنه لن يتحقق ما لم يحس المواطن بأنه جزء من هذا الوطن وأن له حق في المشاركة الشعبية. وأكد على ثوابت النواب الثلاثة، وهي: عودة العمل بالدستور، وإعادة الحياة النيابية، وعدم المساس بقانون الانتخاب، مشيراً أثناء حديثه بما حصل سنة 1980 حين أقدمت الحكومة على تعديل الدوائر الانتخابية وكأنها أرادت أن تأتي بتركيبة معينة. مبيناً أن النواب يرغبون في التوصل إلى صيغة بحسب نصوص الدستور لتحقيق التعاون بين السلطتين، موضحاً أنه إذا كان لدى الحكومة مآخذ على التجربة أو بعض الممارسات البرلمانية فلدى النواب كذلك مآخذ على التجربة الحكومية ولا يجوز تحميل سلطة وزر أخرى. وعن تجمعات الاثنين، قال النواب إن هذه التجمعات كانت لأجل هدف محدد، مشيرين إلى أن السعي إلى الحوار كان مطلباً للنواب منذ حل مجلس الأمة عام 1986، فكان الناس يتجمعون من أجل هدف، فإذا كان الحوار يؤدي هذا الهدف فلا مشكلة من إيقاف التجمعات [16].

ولم يتطرق الشيخ سعد العبد الله الصباح إلى موقفه من دستور 1962 إذ كان حريصا على عدم التعمق في الأمور حيث قال بأن هذا اللقاء هو الأول وسيعقبه عدة لقاءات، وكانت أجواء اللقاء ودية وتوقف اللقاء لتناول الغداء وانتهى في الساعة الرابعة عصرا، وتم الإتفاق على أن يكون اللقاء القادم على العشاء [16].

خرج النواب من الإجتماع بإنطباعات إيجابية وسيطر الحذر على بعضهم وانعكس ذلك في إجتماعهم الذي تلا اللقاء مباشرة واستمر لمدة ساعتين، واتفقوا على أن أجواء اللقاء كانت إيجابية ولكنها لم تكن كافية إذ لم يتم الإتفاق على شيء سوى أن هناك مزيد من اللقاءات المستقبلية، ولاحظ بعضهم بأنه لم يتم الإتفاق على الثوابت الثلاثة التي حددها النواب والتي تعتبر أساسا ينطلق عليه الحوار [16].

وفي عصر يوم 28 فبراير 1990 تلقى أحمد السعدون اتصالا من عبد اللطيف البحر من ديوان ولي العهد ليحدد موعد للقاء النواب في يوم السبت 3 مارس 1990 في تمام الساعة السابعة مساءا، فقام أحمد السعدون بإبلاغ النواب بموعد الإجتماع [16]، اتفق النواب قبل دخول الإجتماع إلى أن يستمعوا إلى وجهة نظر الحكومة خصوصا في ما يتعلق بالسلبيات التي لديها بشأن التجربة النيابية حتى يكون هناك حوار إذ أن النواب قد قالوا ما لديهم في الإجتماع السابق. وفي بداية الإجتماع طلب الشيخ سعد العبد الله الصباح من النواب أن يتكلموا، فتحدث أحمد السعدون وأعاد وجهة نظر النواب التي أوصلوها في الإجتماع الأول، وبعده تحدث صالح الفضالة مكررا الأمر ذاته وأوضح بأن النواب أتوا ليستمعوا وجهة نظر الحكومة في السلبيات التي تراها في التجربة النيابية، وهنا رد الشيخ سعد العبد الله الصباح وقال: أنا جاي أستمع ماني جاي أحاور، وسأنقل ما تقولونه لسمو الأمير، أنا مهمتي أن أتصل في الناس واتصلت في ناس كثيرين وصاحب السمو لديه خيارات سيقرر على إثرها ما هي الخطوة التالية [17].

وتخلل نقاش النواب مع ولي العهد عشاء، وقال النواب ما لديهم من ملاحظات واستشفوا أن هناك أمورا إيجابية وأخرى سلبية، فكان الإيجابي هو تلميح ولي العهد إلى أن هنالك مجلسا قادما، مؤكداً أنه سيكون مجلساً منتخباً لا معيناً وله صلاحيات الرقابة والمحاسبة، فتأكد للنواب عدم صحة ما يُتداول لدى بعض الأوساط عن وجود مخطط لإنشاء مجلس للشورى. أما المؤشرات السلبية فكانت في تأكيد ولي العهد أن المجلس الجديد «يجب أن تكون له ضوابط وحدود معينة حتى لا يتكرر ما حصل مرة أخرى»، من دون أن يوضح ما هي الضوابط. كما طرح موضوع العودة إلى العمل بدستور 1962 ثلاث مرات من قبل النواب في الاجتماع الذي استمر حتى الساعة الحادية عشرة مساءً، إلا أن ولي العهد أكد لهم «رجاءً لا ينقل عني أني وافقت على عودة المجلس حسب دستور 1962»، مما أشاع مخاوفَ لدى النواب بأن الثوابت التي طرحوها غير متفق عليها [17].

وبعد إنتهاء اللقاء في الساعة الحادية عشر، انتقل النواب إلى ديوانية أحمد السعدون ليتداولوا إنطباعاتهم حول الإجتماع فتم الإتفاق على إستكمال الإجتماع في اليوم التالي على أن يتم تكليف لجنة لصياغة بيان صحفي باسم أحمد السعدون بدلا من أن يصرح كل نائب على حدة. وفي اليوم التالي واصلوا إجتماعهم التقييمي وتم الإتفاق على ذكر حقيقة ما دار في الإجتماع في بيانهم الصحفي، لكن البيان لم ينته إلا في ساعة متأخرة من مساء ذلك اليوم بعد إغلاق الصحف فكلف النائب سامي المنيس بالإتصال بالصحف صباح اليوم التالي وإيصال البيان على أن يؤكد بأن إذا الصحافة حذفت جزء منه فالرجاء عدم نشره [17].

وفي يوم الأثنين تلقى خمسة نواب إتصالا مفاجئا من ديوان ولي العهد في الساعة العاشرة صباحا يدعوهم إلى لقاءه في تمام الساعة الثانية عشر ظهرا والنواب الخمسة هم: حمود الرومي وصالح الفضالة وجاسم العون وفيصل الصانع وأحمد الخطيب، واتصل النواب ببعضهم البعض واتفقوا على الإجتماع في ديوانية أحمد السعدون محاولين معرفة سبب الدعوة المفاجئة وتداول الإحتمالات فتم الإتفاق على أن لا يقول النواب شيئا إلا بعد الرجوع إلى زملائهم الآخرين [17].

وذهب النواب إلى مكتب الشيخ سعد العبد الله الصباح وقال لهم: اخترت أسماءكم وناديتكم، ورجاء لا تعتقدون أنكم لجنة تمثل النواب لكني اخترتكم لأني أريد طرح موضوع كنت سأطرحه في الاجتماع الموسع مع النواب أول أمس لكني ارتأيت أن أطرحه على مجموعة صغيرة. وأكمل قائلا: ما أريد أن أقوله لا تعتبرونه إنذار أو تهديد، بل هو نصيحة مني لكم ولبقية النواب، وهو يتعلق بموضوع دواوينكم... دواوينكم الشخصية بعضها فيها تسجيل لأشرطة كاسيت وأشرطة فيديو وهذا لا يجوز أن يتم في فترة الحوار. فقاطعه أحمد الخطيب وقال: بو فهد ليش تطالعهم، هذا الكلام موجه لي. في إشارة إلى أن أحمد الخطيب يقوم بتسجيل لقاءاته الأسبوعية في ديوانيته ويوزعها على الناس، فرد عليه الشيخ سعد العبد الله الصباح: لا دكتور، هذا الكلام ليس لشخص معين بل للكل، وهذا لا يجوز ومع أنه ضد قانون المطبوعات فأنا أقوله لكم كنصيحة وأفضل أن يتوقف. وتحدث النواب وقال: إحنا 32 نائب، من لديه ديوانية ويسجل ما يدور فيها قليلين، استدعي هؤلاء وأبلغهم بوجهة نظرك. ورد عليهم وقال: أنا استدعيتكم وأنتوا وصلوا لهم الكلام. وأدرك أحمد الخطيب بأنه من أكثر المعنيين بهذا الكلام فقال: أنا ديوانيتي من أكثر من عشر سنوات وهي تقام كل يوم ثلاثاء وما فيها شيء جديد، الجديد الآن هو أن الناس كثرت بسبب الأوضاع الحالية، فأصبح بعضهم يجلس في البيت المجاور وبعضهم في الحوش الخارجي وبالتالي لازم يعرفون ويشاركون في الحوار، لأن موضوع الديموقراطية في غاية الأهمية وأمر مصيري بالنسبة لي فهي ما يحقق الوحدة الوطنية، فإذا كان هناك خلافات وصراعات تطرح بطريقة حضارية داخل مجلس الأمة وذلك لحماية الكويت، ولو كان المجلس موجود لما حدث ما حدث... أما الأمر الآخر فأنا ملتزم أمام ناخبيني، فقد أخطئ في عملي والناس يصلحوني، ولا أقدر أقطع صلتي بالناس فأنا أحس بمسؤوليتي أمامهم [17].

وقال فيصل الصانع: نحن الآن نناقش عوارض المرض في موضوع الكاسيت والتسجيل، لماذا لا نشخص المرض نفسه ونناقش موضوع الديموقراطية. وهو ما أيده النواب الأربعة الباقين, واستمر النقاش لمدة ساعتين وتحول من موضوع التسجيلات الصوتية والفيديو إلى أكثر من ذلك فأثار موضوع القصائد التي تنشر وأثار أيضا موضوع الإتصال بجمعيات النفع العام مبينا بأن هذه الأمور يجب أن تتوقف[17].

وفي نهاية اللقاء مع الشيخ سعد العبد الله الصباح وقبل خروج النواب من مكتبه قال أحمد الخطيب له: بو فهد الكويتيين نص مليون، هل معقول أنك راح تقعد معاهم كلهم وتسمع رأي كل واحد فيهم؟. وأكمل: أنا عندي لك حل، سوْ انتخابات، يطلعون لك خمسين نائب... تقدر تشوفهم بيوم واحد وتسمع رأي الشعب الكويتي وتخلص القصة. فرد عليه الشيخ سعد العبد الله الصباح: إنت تبي يصير كلاش (أي تصادم) بين الناس اللي مع المجلس واللي ضده [17].

مراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج الديوانيات تحتضن التحرك لاستعادة الدستور ومواجهة الانفراد بالسلطة تحالف شعبي موسع قاده 30 نائباً (1) دخل في 16 ابريل 2009
  2. ^ أ ب ت ث ج ح المجلس يقدم ثلاثة استجوابات في ثلاثة أيام... والحكومة تستقيل... والأمير يحل المجلس ويعلق مواد الدستور (2) دخل في 16 ابريل 2009
  3. ^ أ ب الحكومة تطبّق الرقابة على الصحف وتطلق بروباغاندا لتسويق إجراءاتها وزارة الإعلام منعت نشر كلمات «ديموقراطية - دستور - برلمان - نائب - مجلس أمـة» في الصحف المحلية (3) دخل في 16 ابريل 2009
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ العريضة الشـعبية ولجنة الــ 45 تمهدان الطريق لديوانيات الاثنين (4) دخل في 17 ابريل 2009
  5. ^ أ ب ت ث ج ح خ ديوانيات الاثنين تنطلق بهدوء عند جاسم القطامي في الشامية (5) دخل في 1 مايو 2009
  6. ^ أ ب ت ث ج ديوانية العنجري تشهد أول اعتراض من السلطة على التحرك الشعبي المواطنون والنواب يعبرون عن احتجاجهم بأداء صلاة عشاء في مسجد فاطمة حضرها الآلاف (6) دخل في 1 مايو 2009
  7. ^ أ ب تجمع ديوانية المرشد: تزايد الحديث عن بدائل لمجلس الأمة ولا بديل عن دستور 1962 (7) دخل في 8 مايو 2009
  8. ^ أ ب ت ث ج موقعة الجهراء : السلطة تعتدي على المواطنين شكلت علامة فارقة في التحرك الشعبي وامتداداته الاجتماعية (8) دخل في 9 مايو 2009
  9. ^ أ ب ت ضرب المواطنين في الجهراء يشعل ردود أفعال غاضبة الحركة الدستورية تعد العدة لتجمع كيفــان فتفاجأ في ظهيرة الأربعاء باعتقال أحمد الشريعان (9) دخل في 9 مايو 2009
  10. ^ أ ب ت ث الشعب يحرر أحمد الشريعان في مسيرة شعبية انطلقت من الفيحاء إلى الجهراء (10) دخل في 9 مايو 2009
  11. ^ أ ب ت ث ج قوات الأمن تعود مجدداً من دون صدام في ليلة باردة بتجمع الصانع في كيفان (11) دخل في 9 يونيو 2009
  12. ^ أ ب الأمير يعلن فتح باب الحوار... وأجواء تفاؤلية حذرة تسود التحرك الشعبي (12) دخل في 9 يونيو 2009
  13. ^ أ ب ت ث ج تجمع الفروانية ينعقد بعد رحيل قوات الأمن (14) دخل في 10 يونيو 2009
  14. ^ أ ب ت ث السلطة تقابل الحوار بخراطيم المياه والقنابل ذروة الصدام بين المواطنين وقوات الأمن في تجمع الفروانية (13) دخل في 9 يونيو 2009
  15. ^ أ ب ت ث ج ولي العهد بادئاً الحوار: مَن وراء تجمعات الاثنين يهدف إلى غايات تتجاوز عودة الحياة النيابية (15) دخل في 10 يونيو 2009
  16. ^ أ ب ت ث ج أجواء إيجابية في اجتماع النواب مع ولي العهد (16) دخل في 10 يونيو 2009
  17. ^ أ ب ت ث ج ح خ الحوار ينقلب إلى جلسات استماع... وولي العهد للنواب: حتى قواعدكم ليست معكم (17) دخل في 10 يونيو 2009
Vote.svg هذه بذرة مقالة عن مواضيع أو أحداث أو شخصيات أو مصطلحات سياسية تحتاج للنمو والتحسين، فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها.
Flag-map of Kuwait.svg هذه بذرة مقالة عن الكويت تحتاج للنمو والتحسين، فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها.