الصوفية والجهاد

يعتبر مفهوم الجهاد، أو الموقف من السلطة في العموم، أحد أهم الانتقادات التي توجه للصوفية، لكن العجيب في الأمر أن هذه الانتقادات لم توجَّه لهم في بداياتهم، فخلال القرون الهجرية الأولى التي شهدت النشأة الأولى للصوفيين الأوائل، كان الجهاد بمفهومه الشرعي أحد أهمّ أركان الطريق الروحيّ إلى الله. مع مرور الزمان أصبح لدى بعض المتصوفة آراء أخرى (أو مواقف) تعلَّقت بالتصالح مع الأعداء والسلطة الظالمة في بعض الفترات، كانت هذه المواقف هي التي أبرزت هذه الانتقادات الحادَّة. لكنّ الباحث المنصف في تاريخ الصوفية سيجد نماذج كثيرة للجهاد ومقاومة المستعمر (وكذا مقاومة السلطة الظالمة)، في هذا التقرير عرضٌ لبعض هذه النماذج.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مفهوم الجهادين: الأكبر والأصغر

رسمة متخيلة لابن عربي.

لظروف تتعلَّق برؤية المتصوِّفة للنفس والإنسان والإله، برز مفهوما الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر. يعتمد المتصوفة على حديثٍ للرسول اختلف في تخريجه وفي درجته من الصحة إلى الضعف، أنّ النبيّ محمدًا قال في عودته من إحدى غزواته: «رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر. قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ فقال: جهاد النَّفس».

يرى الصوفيون أنّ جهاد الإنسان هواهُ هو الجهاد الحقيقي والكبير، ترك الناس فيما هم فيه والاعتناء بالنفس وتهذيبها يعتبر ركنًا أسياسيًّا في الطريق الروحيّ لدى الصوفية، مما جعل علماء الشريعة، الذين تصارعوا مع المتصوفة ردحًا من الزمان، ينتقدونهم في هذه المنطقة. لكنّ نصوصًا أخرى لكبار رجال المتصوفة تضرب بهذه الانتقادات عرضًا. وجهاد الكثير من المتصوفة الكبار التي سنذكر بعضًا منهم خلال التقرير كذلك قد تعطي الصورة كاملةً.

من هذه الكتابات، كتابات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي، الذي عاصر الحروب الصليبية مع المسلمين، حين يقول في كتابه الوصايا:

وعليك بالجهاد الأكبر، وهو جهادُ هواك، فإنك إذا جاهدتَ نفسك هذا الجهاد خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء الذي إن قُتِلتَ فيه كنت من الشهداء الأحياء الذين عند ربهم يرزقون. واجهد أن ترمي بسهمٍ في سبيل الله واحذر إن لم تغزُ أن لا تحدِّث نفسك بالغزو.

وعلى هذا ليس هناك اختلافُ بين الجهادين عند كبار المتصوفة، بل إنّ هذا لا يفترقُ عن ذاك عندهم. غير أنّ البحث المتعمِّق لا يستطيع أن يغفل أيضًا أنّ بعض الطقوس التي يقوم بها المتصوفة كانت سببًا منطقيًّا للهجوم عليهم وانتقادهم انتقاداتٍ لاذعة.


الإمام شامل الداغستاني وعهد الشريعة

«يجب أن يرى هؤلاء القوم، سفاكو الدماء، الذين لم يبقوا على أثير ولم يبقوا على حياةِ أحدٍ والذين دمَّروا بيت الله أنّ النهاية لم تحن بعد! -الشيخ شامل متحدثًا عن الروس»

في منطقة القوقاز التي دخلها الإسلام عبر التُّجار المسلمين والطُّرق الصوفية، كانت قصَّة الشيخ شامل الذي انتمى للطريقة النقشبنديَّة. كانت شمال القوقاز منطقة متنازع عليها عبر التاريخ ما بين إيران والعثمانيين وروسيا، وقد وقعت في قبضة الروس في النهاية. خلال بدايات القرن التاسع عشر بدأت حرب القوقاز بين المسلمين شمال القوقاز وبين الإمبراطورية الروسية التي هزمت نابليون عام 1816 وكانت في أوج قوتها.

في تلك المنطقة اختلطت الطُّقوس الدينية الإسلامية بالطقوس الوثنية التي مثَّلت تاريخًا لمنطقة القوقاز وشعوبها. خلال هذه الفترة برز اسم المجاهد الكبير «الإمام منصور» الذي استطاع أن يحشد عددًا هائلًا من القبائل الشيشانية والداغستانية لمحاربة الروس. كان جنوده من مريدي الطريقة النقشبنديَّة، استطاع الإمام منصور تحقيق عدَّة انتصارات على الروس، إلا أنّ الأسر كان نصيبه في النهاية، وبعد تسع سنوات من الجهاد المتواصل قتل الشيخ منصور «أشورما» كما سمَّاه الروس في سجنه بعد أن قتل الجنديّ المسؤول عن حراسته، في أبريل عام 1794.

في هذه الأثناء كان ميلاد الإمام محمد غازي مولا، عام 1792، وبعده بخمس سنوات كان ميلاد القائد الأشهر الشيخ شامل. كان غازي مولا وشامل صديقان، وكان شامل يعتبر تلميذًا لغازي، الذي كان مريدًا في الطريقة النقشبنديَّة. درس شامل مع غازي مولا الفقة والحديث والفلسفة، وبدأَ الإمام شامل دعوته الجديدة التي قامت على جنوده «المريدين».

ممَّا يحكى أن الإمام غازي مولا بدأ في حرب الروس لأنّ النبي محمد جاءهُ في رؤيا ثلاث مرات وأمره بقتال الروس. بدأَ القاضي والقائد غازي مولا في حربه المقدَّسة ضد الروس، حارب أولًا بعض المظاهر الوثنية لشعوب داغستان التي امتزجت بالإسلام، ثمّ أعلن الجهاد على الروس. استطاع هو وتلميذه المقرَّب الشيخ شامل أن يقودا الداغستانيين إلى انتصاراتٍ مبهرة، لكنّ حصار قريته «غمري» من قبل الروس حصارًا محكمًا أوقع غازي مولا هو وعددًا هائلًا من جنوده، نجا اثنان فقط من هذا الحصار المريع، كان شامل أحدهما. متأثرًا بجراحه تخفَّى عن الروس وظنّ المريدون أنَّه قتل، إلا أنه عاد بعد ثلاثة أشهر ليختاره المريدون إمامًا لهم بعد وفاة الإمام حمزة بك الذي نال الإمامة بعد مقتل غازي مولا، وقتل غيلة أثناء الصلاة.

يُعرف الإمام شامل بـ «أسد القوقاز» و «صقر الجبال»، لما كانت له من خبرة وانتصارات هائلة على الإمبراطورية الروسية. تربَّع الشيخ شامل كإمام عام 1834 وظلّ في مقاومته الروس حتَّى وقوعهِ في الأسر عام 1859، أي أنه حكم وجاهد لمدة 25 عامًا. عُرف عهد الإمام شامل بـ «عهد الشريعة» فقد أزال تمامًا آثار الوثنية في شمال القوقاز، وبدأَ في تأسيس بيت المال وجبي الزكاة وغيرها من الأمور الإسلامية التي أمَّنت له دولة مؤسسة بحقّ.

استسلام الإمام شامل للقوات الروسية

استسلام الإمام شامل لقوات الروسية.

استطاع الإمام شامل تأسيس دولته بشكلٍ أقوى ممن قبله، وقاد الجهاد في المنطقة مكتشفًا آفاقًا جديدة في جيش المريدين، ومستخدمًا المدافع التي استطاع أن يصنعها لديه بعد تردُّدٍ كبير، تصنيعه للمدافع قلب المعادلة بقوَّة، لكنّ يدُ القدر أقوى دومًا، جردت الإمبراطورية الروسية – بعد تسويتها مشاكلها مع الدولة العثمانيَّة – حملة قوامها 60 ألف جندي بقيادة الجنرال أليكساندر بارياتنسكي، درس بارياتنسكي استراتيجيَّة الإمام شامل في الحرب، فرأى أنه انتصر في المعارك التي وقعت في الجبال والغابات، لا المعارك المكشوفة، فقرَّرَ أن يحاربه في الغابات بالفعل ولكن بعد استراتيجية محكمة، استدرج الشيخ الستّينيّ حينها، من خلالها إلى الغابات ثم قام بتقليم الغابة تمامًا فأصبحت مكشوفة وهنا استطاع هزيمة الإمام وأسره!

انتهت ثلاثون عامًا من الجهاد بعد أن طوَّقت قوة روسية بتعداد 40 ألف جندي الإمام في خمسمائة من أصحابه ومريديه فقط، بعد أن استطاع الروس تأليب بعض أمراء داغستان عليه، وانفضاض بعض القبائل التي أتعبها أمد الحرب عنه. ظلّ في روسيا تسع سنوات ثم قدَّم طلبًا للإمبراطور بالحج، فقام برحلة حج عام 1869 وبقي في المدينة جوار الرسول سنتين وتوفي ودفن في قبَّة العباس، عام 1871. هذا كان فصلًا من جهاد أئمة ومريدي الطريقة النقشبندية في شمال القوقاز.

من صفحات التاريخ: دولة المرابطين ومعركة الزلَّاقة

«وكان رحمهُ الله زاهدًا في زينة الدنيا وزهرتها، ورعًا، متقشِّفًا لباسه الصوف، لم يلبس قطّ غيره، ومأكله الشعير. -من ترجمة يوسف بن تاشفين في كتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى.»

في الصحراءالمغاربية هذه المرَّة وليس في جبال القوقاز، كانت الصحراء المغاربية تعجُّ بالمخالفات للشريعة الإسلامية أيضًا، وقد تنبأ بعض أمرائها وأعلن النبوة وغيَّر في تشاريع الإسلام، مما جعل فقهاء المالكية يعتبرونه كافرًا. بدأ يحيى بن عمر في محاولة بعث حركة إحياء للإسلام واستعان بالفقهاء، فكان الفقيه الزاهد عبدالله بن ياسين شيخُ هذه الحركة وأستاذها. بدأَ في تعليم الناس في الصحراء أمور دينهم واجتمع له عددٌ ليس بقليل لكنهم اختلفوا فيما بينهم وهاجموا بيت ابن ياسين، وخرج من بينهم متسترًا على نفسه قاصدًا العودة من حيث أتى، لكنّ يحيى بن عمر وأخيه أبو بكر بن عمر اللمتوني، أقنعاه بالبقاء.

كانوا سبعةً غير شيخهم ابنُ ياسين، الذي قام بتعليمهم أصول الدين، وبدأت دعوته تنتشر بسرعةٍ أكبر إلى أن انضمت إليه القبائل في الصحراء المغاربيَّة، فشرعَ في تحركاتٍ عسكرية كسر بها شوكة القبائل الوثنية واشتبك مع بعض الإمارات، وكان يحيى بن عمر أميرًا لتلك الدولة الناشئة، التي نشأت من سبعة مرابطين وشيخهم الزاهد عبدُ الله بن ياسين.

استطاعت دولة المرابطين أن توحِّد الأندلس كاملةً بعد ذلك، مع تولي قائدها الفذ يوسف بن تاشفين إماراتها، كان يوسف ابن عمّ يحيى بن عمر، وتولى الإمارة بعد تولي أخيه أبو بكر بن عمر الإمارة وتخليهِ عنها ليوسف بن تاشفين لانشغال أبو بكر بن عمر بجهاد القبائل والدعوة لتوحيد كلمتهم ولبعث حركة الإحياء الديني في المغرب. لكنّ الدولة بدأت خطواتها تتسع عن ذي قبل مع إرسال المعتمد بن عباد ملك إشبيلية في بلاد الأندلس استغاثة ليوسف بن تاشفين يطالبهُ فيها بعبور البحر لمحاربة ألفونسو السادس ملك قشتالة وليون.

كانت الأندلس في تلك الفترة تحت حكم ملوك الطوائف، لا يجمعهم خليفة واحد، وبدأَ ألفونسو السادس في محاربة ممالك الأندلس، بعدما أرسل المعتمد بن عباد لابن تاشفين يطلب منه العون عبر يُوسف بجيشه إلى الأندلس لمحاربة ألفونسو، كان حينها ابن تاشفين في التاسعة والسبعين من عمره. تحرَّك المرابطون للأندلس واستطاعوا هزيمة ألفونسو هزيمة قوية في معركة الزلاقة (479 هـ/ 1086م). عادَ ابن تاشفين إلى المغرب بعد الانتصار الساحق، وتعتبر معركة الزلاقة أحد أكبر المعارك الفاصلة في تاريخ دول الإسلام.

كانت معركة الزلاقة عام 479 هـ/1086م، بعدها بعامين تصالح المعتمد بن عباد من جديد مع ألفونسو على أن يدفع له الجزية! فقرر ابن تاشفين أن يعود للأندلس، هذه المرَّة لكي يقتلع ملوك الطوائف ويوحد الأندلس، واستطاع أن يفتح كل ممالك الأندلس وأصبحت الأندلس تحت إمرته تمامًا، ودولته من بعده بعد وفاته عن قرابة المائة عام سنة 500 هـ /1106م.


الصوفية في إفريقيا: مركز الجهاد الأول

قبر ابن تاشفين في مراكش بالمغرب.

لظروف انتشار الإسلام في إفريقيا، أصبح للطرق الصوفية شعبيةً وتواجدًا كبيرين للغاية، أكبر من غيرها. انتشر الإسلام في أغلب ممالك إفريقيا عبر الطرق الصوفيَّة، ثمّ وفي مرحلةٍ متقدمة نسبيًّا، مع تأسيس المسلمين لممالك في العمق الإفريقي، أو تحويل ممالك وثنية لدينها لتعتنق الإسلام (كمملكة آل فوديو ومملكة غانا) فأصبح انتشار الإسلام أحيانًا بالسيف عبر الغزو وجهاد الممالك الوثنيَّة الأخرى. لكنّ تركيزنا هنا في هذا التقرير على حالات الجهاد التي انتفضت في وجه المستعمر الفرنسيّ والبريطانيّ تحديدًا، والإيطاليّ أحيانًا.

المعروف أن عمر المختار هو القائد الأبرز للقوات الليبية المقاومة للاستعمار الإيطاليّ، ربما ليس مشهورًا كفايةً أنّ عُمر المختار كان يجاهد تحت لواء أحمد الشريف السنوسيّ. في السادسة عشر من عمره التحق المختار بزاوية الجغبوب (التابعة للطريقة الخضيرية الشاذلية) وعمره ستَّة عشر عامًا، وهناك بدأ طريقَهُ الرُّوحيّ، فكان لا ينام سوى ثلاث ساعات في الليل ويختم القرآن كلّ سبعة أيَّام، وعندما بدأ الجهاد ضد المستعمر كان عمر المختار يواجه دبابات الإيطاليين بفرسانه الذين لا يمتلكون سوى البنادق، واستطاع أن يصمد أمام القوات الإيطالية عشرين عامًا كاملة. الزاوية الكبرى في جغبوب كانت مركزًا ومقرا لعمليات المختار وقواته. تمّ القبض على المختار في نهاية المطاف وتمت محاكمته محاكمةً صورية في إيطاليا أعدم على أثرها.

عمر المختار بين المجاهدين، الثالث من اليمين.

مُحمَّد بن عبد الله حسن «قائد جيش الدراويش»: بدأَ الاحتلال البريطاني في الصومال بالتبشير بالمسيحيَّة في البلاد، لكنّ الاحتلال لم يكن بريطانيًّا فقط، فقد كان إيطاليًا أيضًا، وفي بعض المناطق إثيوبيًّا. وفي هذه الأجواء كانت الطريقة الصالحيَّة الشاذلية تقوم بدورها التوعويّ في المنطقة، وبرز منها قائدٌ قويٌّ استطاع أن يحارب الاستعمار ويقف له قرابة عشرين عامًا، كان الاستعمار البريطاني يلقبه بـ «الملا المجنون» وكان جيشه معروف باسم «جيش الدروايش» وكذلك دولته: «دولة الدراويش». أسَّس الشيخ حركته عام 1897م وأعلن الجهاد ضد المستعمر عام 1899، وبدأت أولى معاركه مع القوات البريطانية وهزمها عدَّة هزائم، مما جعل بريطانيا تجنح للسلم معه فعقدوا معه اتفاقية لوقف إطلاق النار عام 1905 استمرت سنتين، بعدما لم تفز بريطانيا بأية معركة منذ 1901 وحتى 1905.

أعيا محمد بن عبدالله حسن بريطانيا، فقد عرضت عليه ملك الصومال فرفض ذلك، وحاولت معهُ بشتى الوسائل فلم ينفع معه وكان رده قاسيًا في كل مرة، في النهاية عقد مجلس الوزراء البريطاني اجتماعًا في أكتوبر 1919 قرر فيه شن هجوم واسع للقضاء على حركة الدروايش وقائدهم واستخدمت الطيران الحربيّ لأول مرة في مستعمرة بريطانية استطاعوا خلال هذه المعركة أن ينالوا من الشيخ الذي أصيب ثم توفي متأثرًا بجراحه بعد أن قُتلَ عدد كبير من أتباعه ومريديه. وبعد أن قَتَلَ عددًا كبيرًا من الجنود البريطانيين والإيطاليين ونال من القائد البريطاني الجنرال ريتشارد كورنفيلد في معركة دلمادوب التي قتل في بدايتها.

بالنسبة لإفريقيا لم تكن فقط حركتي عمر المختار ومحمد بن عبد الله حسن هما الحركتان الوحيدتان، فقد كان هناك الأمير عبد القادر الجزائريّ الذي قاوم الاستعمار الفرنسي في الجزائر طيلة 17 عامًا، والأمير عبد الكريم الخطابي أمير دولة الريف بالمغرب الذي قاوم الاستعمار الفرنسي والإسباني أيضًا. وهناك الأمير عثمان بن فوديو أيضًا والشيخ ماء العينين الذي قاوم الاستعمار في موريتانيا، وغيرهم كثير، وكلّ هؤلاء سلكوا الطريق الصوفيّ وأصبحوا مجاهدين، جهادًا أصغر وجهادًا أكبر على النحو الذي حرَّرناه في بداية هذا التقرير، بالاعتماد على النقل من كتاب الوصايا لشيخ الصوفية الأكبر محيي الدين بن عربي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نماذج من مجاهدي الصوفية في التاريخ الإسلامي

1- الحسن البصري (ت 110 هـ) الذي يعده الصوفية في هرم سلسلة شيوخهم وناشر علومهم. قال أبو طالب المكي: "كان الحسن رضي الله عنه أول من أنهج سبيل هذا العلم، وفتق الألسنة به، ونطق بمعانيه، وأظهر أنواره، وكشف قناعه.". وذكر الحفاظ: "لازم الحسن العلم والعمل، وكان أحد الشجعان الموصوفين في الحرب". وعن ابن سعد أن رجلاً سأل الحسن: يا أبا سعيد هل غزوت؟! قال: نعم، وقال أيضاً: "غزونا إلى خراسان ومعنا ثلاثمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. واشتهر عن الحسن قوله: أدركت سبعين بدرياً ماكان لباسهم إلا الصوف. من مأثوراته: "ماعمل عملٌ بعد الجهاد في سبيل الله، أفضل من ناشئة الليل".

2- محمد بن واسع : من أعظم من لحق بالحسن بالبصري، رافق والي خراسان قتيبة بن مسلم في فتح ماوراء النهر، وكانت عليه مدرعة صوف خشنة. وقد جعل قتيبة مرة يكثر السؤال عنه فأخبر أنه في ناحية من الجيش متكئاً على قوسه، رافعاً أصبعه إلى السماء، فقال قتيبة: لأصبعه تلك أحب إليَّ من مئة ألف سيف شهير. كان ابن واسع كثير الصمت، ومن كلامه: مارأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه.

3- مالك بن دينار فهو يعد من كبار رجال الطريقة، وقد هجر الدنيا وانزوى عن أهلها. يروي صاحب كنوز الأولياء عنه: أنه كان في طلب الغزو سنين، فركب بعسكر الإسلام للغزو، فلما شرعوا، أخذته الحمى، حتى غدا لا يقدر القعود على الفرس، فضلاً عن أن يقاتل، فحملوه إلى الخيمة، وجعل يبكي ويقول: لو أن في بدني خيراً لمايبتلى اليوم بالحمى.

4- أبو الصهباء صلة بن الأشيم من كبار التابعين العباد، وقد تزوج من العابدة معاذة، التي روت أن زوجها كان يصلي حتى يأتي فراشه زحفاً. وقال ابن حبّان في سياق كلامه عن صلة: كان يرجع إليه الجهد الجهيد، والورع الشديد، مع المواظبة على الجهاد براً وبحراً، دخل سجستان غازياً، وقتل بكابل في ولاية الحجاج بن يوسف.

5- عتبة الغلام (ت 160هـ) أحد الزهاد المشهورين البكائين. جاء في الحلية عن عتبة أنه قال: "اشتروا لي فرساً يغيظ المشركين إذا رأوه. ونقل عن ابن مخلد الصوفي قال: جاءنا عتبة الغلام، فقلنا له: ماجاء بك؟، قال: جئتُ أغزو، فقلتُ: مثلك يغزو! فقال: إني رأيتُ في المنامُ أني آتي (المصيصة)، فأغزو فأستشهد، قال: فمضى مع الناس فلقوا الروم، فكان أول رجل استشهد. من مأثوراته، لا عقل كمخالفة الهوى، ولا فقر كفقر القلب، ولا فضيلة كالجهاد.

6- عبد الواحد بن زيد (ت 177هـ) يقول: قرأ أحد أصحابنا الآية الكريمة: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" فتهيأنا إلى الغزو...."، ويعد عبد الواحد من الشيوخ الكبار الذين تكلموا في مواجيد الصوفية وأذواقهم، وهو من طليعة من استفاضوا في الحديث عن مقام الرضا، والحب المتبادل بين الله عز وجل وأوليائه. وقد أسند عن الحسن البصري قوله: "لكل طريقٍ مختصر، ومختصر طريق الجنة الجهاد".

7- رباح القيسي (ت 177هـ) الولي الشهير وقد ارتبطت حياته بتلامذة الحسن البصري، ونال شرف الشهادة وهو يخوض بفرسه غمار إحدى المعارك ضد أعداء الدولة الإسلامية. من كلامه: من المستحيل أن تنظر قلوب محبي الدنيا إلى نور الحكمة.

8- إبراهيم بن أدهم (ت 161هـ) الذي يعد إمام المتصوفين الروحانيين، كان أبوه ملكاً، لكن الابن تزهد اختياراً، وساح في البلاد، وجعل الثغور الإسلامية له مقاماً، يذكره ابن عساكر أنه كان فارساً شجاعاً، ومقاتلاً باسلاً، رابط في الثغور، وخاض المعارك على البيزنطيين، وقال ابن حبان: إبراهيم بن أدهم مولده ببلخ، ثم خرج إلى الشام طلباً للحلال المحض، فأقام بها غازياً ومرابطاً إلى أن مات، واختلف في وفاته، والأصح ماذكره ابن كثير وياقوت أنه مات وهو قابض على قوسه يريد الرمي به إلى العدو".

9- ومنهم علي بن بكّار (ت199هـ)، سكن ثغر المصيصة مرابطاً إلى أن مات بها. وصفه صاحب الحلية بـ "المرابط الصبّار، والمجاهد الكرّار، كان يصلي الغداة بوضوء العتمة". قال ابن الجوزي: بلغنا عن علي بن بكار أنه طعن في بعض مغازيه، فخرجت أمعاؤه، فردها إلى بطنه، وشدها بالعمامة، إلى أن قتل ثلاثة عشر علجاً".

10- أبو سعيد الشهيد ووصف بأنه صاحب بأس شديد، وقد حمل في إحدى الغزوات، وقتل نفراً من الأعداء قبل أن يستشهد. وقدأنشد قبل موته: أحسن بمولاك سعيد ظنّا *** هذا الذي كنت تمنَّى
تنحِ ياحور الجنان عنّا *** مالك قاتلنا ولا قتلنا
لكن إلى سيدكن اشتقنا *** قد علم السر وما أعلنا

11- أبو اسحاق الفزاري (ت 183هـ)، وقد أطلق عليه ابن كثير: "إمام أهل الشام في المغازي"، وترجم له صاحب الحلية: "تارك القصور والجواري، ونازل الثغور والبراري". قيل عنه: إنه كان إذا قرأ القرآن بكى وأبكى. ومنهم أبو العباس السمّاك وكان يرتاد الثغور مع أقرانه، وله مواقف في الدفاع عن أرض الإسلام، وفي وعظ الخليفة هارون الرشيد. ومن وعظه له: اتق الله، فإنك رجل مسؤول عن هذه الأمة، فاعدل في الرعية، وانفر في السرية. ويفرد لنا [ابن] الجوزي فصلاً خاصاً في كتابه (صفة الصفوة) للزهاد والصوفية الأوائل الذين رابطوا في العواصم والثغور في القرن الثاني، نذكر منهم الشهيد ابن أبي اسحق السبيعي، وحارس ثغر المصيصة محمد بن يوسف الأصبهاني، وحارس ثغر طرسوس أبا معاوية الأسود، والغازي أبا يوسف الغسولي، والفتى المرابط يوسف ابن اسباط . (ت 199هـ) رحمهم الله جميعاً.

12- عسكر بن حصين أبو تراب النخشبي (ت 245هـ) من كبار مشايخ القوم المذكورين بالعلم والفتوة والتوكل، وعن جهاده يخبرنا ابن عساكر أن موطن أبي تراب الأصلي خراسان، إلا أنه خرج منها يريد عبدان والثغر. من كلامه: العارف لا يكدره شيء ويصفو به كل شيء. *

13- السري السقطي (ت 253 هـ) الذي ينتمي إليه أكثر مشايخ الصوفية، حكى عنه المؤرخون بعض المجاهدات مارسها أثناء نزوله في أرض الروم ، ويتجلى رأيه في الجهاد حين فسر لأهل الثغر الآية الكريمة: "اصبروا وصابروا ورابطوا" فقال: صابروا عند القتال بالثبات والاستقامة. قال الحسن البزار: سألت أحمد بن حنبل عن السري بعد قدومه من الثغر فأثنى عليه. من كلامه من صفات الصوفي أن لا يتكلم بباطن علم، ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنة.

14- أبو سليمان الداراني (ت 205هـ) العارف المشهور، وهو ممن كان يرتاد الثغور. وتلميذه أحمد بن أبي الحواري، ريحانة الشام كما كان يسميه الجنيد. وقد شوهد مرابطاً في ثغر انطرسوس يجاهد في سبيل الله. وتقدم قوله: في الغزو والرباط نعم المستراح. ومنهم أبو يزيد البسطامي (ت 261 هـ) الملقب سلطان العارفين. كان خلال وجوده في الثغر يحرس طوال الليل ويذكر الله، ومن أقواله: لم أزل منذ أربعين سنة، ما استندت إلى حائط، إلاحائط مسجد أو رباط، ويقول أيضاً: أقامني الحق مع المجاهدين، أضرب بالسيف في وجه أعدائه.

15- محمد أبو حمزة الصوفي (ت 269هـ) جالس أحمد بن حنبل وبشر بن الحارث، وكان له مهر قد رباه، وكان يحب الغزو عليه. قال الجنيد: حبب إلي أبو حمزة الغزو، وكان يأتي بلاد الروم، والناس بالسلاح وعليه جبة صوف. ويقال إنه أول من أظهر الكلام في المحبة والشوق وجمع الهمة وصفاء الفكر.

16- اسماعيل أبو إبراهيم الصوفي قال عنه الخطيب في تاريخه: ".... كان مذكوراً بالخير والفضل وكثرة الغزو والحج".

17- أحمد عاصم الأنطاكي، وهو من أقران الحارث المحاسبي المتوفى سنة (243هـ) وهو من متقدمي مشايخ الثغور.

18- أستاذ القوم أبو القاسم الجنيد البغدادي (ت 298هـ) وقد أجمع العلماء قاطبة على فضله وإمامته حتى عده ابن الأثير :"عالم الدنيا في زمانه" وقال ابن تيمية فيه: "الجنيد رضي الله عنه سيد الطائفة، إمام هدى"، إلى أن قال: " ومن خالفه فمن أهل الضلال. وعن جهاده في سبيل الله يقول الجنيد: "وخرجت يوماً في بعض الغزوات،وكان قد أرسل إلي أمير الجيش شيئاً من النفقة، فكرهت ذلك، ففرقته على محاويج الغزاة". من مأثوراته التي قطع فيها الطريق على المنحرفين والمتشبهين بهذه الطائفة قوله: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة.اهـ

19- ويفرد ابن الجوزي فصلاً خاصاً في كتابه (صفوة الصفوة) للزهَّاد والصوفية الأوائل الذين رابطوا في العواصم والثغور في القرن الثاني للهجرة منهم: أحمد بن عاصم الأنطاكي وكان يقال له (جاسوس القلوب) لحدة فراسته ويصفه بأنه من متقدمي مشائخ الثغور ومنهم أبو يوسف الغسولي الذي كان يغزو مع الناس بلاد الروم وهناك كثيرون أمثال أبي إسحق الفزاري وعيسى بن أبي إسحق السبيعي ويوسف بن إسباط وأبي معاوية الأسود (ت 199) هـ[2].

20- عبد الله بن المبارك (ت 181هـ) قال عنه الخطيب البغدادي "وكان من الربانيين في العلم ومن المذكورين بالزهد.. خرج من بغداد يريد المصيصة – ثغر من ثغور الروم - فصحبه الصوفية...". كان ابن المبارك "كثير الانقطاع محباً للخلوة". وكان لا يخرج إلا إلى حج أو جهاد وقيل له ألا تستوحش فقال: "كيف أستوحش وأنا مع النبي r وأصحابه". وقد صُدرت تراجم الصوفية باسمه، وفي حلية الأولياء سُئل ابن المبارك: من الناس؟ فقال العلماء. وقيل له: مَن الملوك؟ قال الزُّهَّاد. وهو أول من صنَّف في الجهاد وله كتاب الزهد والرقائق.

21- إبراهيم بن أدهم إمام المتصوفين الروحانيين يذكره ابن عساكر بأنه كان فارساً شجاعاً ومقاتلاً باسلاً رابط في الثغور وخاض المعارك على البيزنطيين العدو الرئيسي للدولة الإسلامية الناشئة. وقد أثنى على ورعه وزهده الإمام أحمد بن حنبل والأوزاعي وسفيان الثوري وغيرهم واختلف في وفاته والأصح ما ذكره ابن كثير أنه توفي وهو مرابط في جزيرة من جزائر بحر الروم سنة (162هـ)

22- شقيق البلخي: صحب إبراهيم وأخذ عنه الطريق . جاء في سير أعلام النبلاء وفي فوات الوفيات "قال حاتم الأصم: "كنا مع شقيق في مصاف نحارب الترك في يوم لا تُرى إلا رؤوس "تطير ورماح تقصف وسيوف تقطع فقال لي: كيف ترى نفسك يا حاتم في هذا اليوم؟ تُراه مثل ما كنت في الليلة التي زُفَّت إليك امرأتك؟ قال: لا والله قال: لكني والله أرى نفسي في هذا اليوم مثل ما كنت تلك الليلة ومات في غزوة كوملان (ما وراء النهر) (عام 194هـ) وحكاية أخرى عن شقيق البلخي نرويها هنا للفائدة، قال: خرجنا في غزاة لنا في ليلة مخوفة، فإذا رجل نائم، فأيقظناه، فقلنا: تنام في مثل هذا المكان؟! فرفع رأسه وقال: إني لأستحي من ذي العرش أن يعلم أني أخاف شيئاً دونه.

23- حاتم الأصم : ويصفه صاحب "شذرات الذهب" بـ "القدوة الرباني كان يقال له لقمان هذه الأمة توفي وهو مرابط على رأس سروَد على جبل فوق واشجرد" عام 237هـ

24- ويروي ابن العديم أنه في القرن الثالث الهجري تجمع الصوفية من كل صوب في ثغور الشام إذ وفدوا إلى هذه الثغور جهاداً في سبيل الله للوقوف في وجه البيزنطيين وأشهرهم أبو القاسم القحطبي الصوفي وأبو القاسم الأبّار وأبو القاسم الملطي الصوفي الذي صحب الجنيد البغدادي.

25- ونقرأ في تاريخ ابن عساكر عن إبراهيم بن علي الحسين العتابي الصوري (ت 471هـ) واصفاً إياه "شيخ الصوفية بالثغر) كان ذا سمت حسن وطريقة مستقيمة".

26- وإذا كان أئمة من العارفين ترددوا إلى الثغور لنيل نصيب من شرف الجهاد، فإن هناك جماعات منهم استوطنت المدن الثغرية "وكان لها دور هام في حياتها المدنية والجهادية، وعرفوا بالشيوخ المسجدية، كانوا يصلون نافلة نهارهم أجمع، لا يشغلهم عن ذلك إلا النداء بالنفير، أو الغزو، أوتشييع جنازة من يموت من الصالحين، أو عيادة مريض من المجاهدين.

منهم أبو عبد الله النباجي (ت 225 هـ تقريباً) كان إمامهم في الصلاة في ثغرطرسوس، سئل مرة: لماذا لم تخفف الصلاة وقد أعلن النفير؟! قال: ماحسبت أن أحداً يكون في الصلاة فيقع في سمعه غير ما يخاطب الله عز وجل.

27- أبو العباس الطبري، وفي قصة موته: أنه كان يعظ المجاهدين في طرسوس، فأدركته مما كان يصف من جلال الله وملكوته وجبروته، فخر مغشياً عليه من الموت.

28- زهير المروزي (ت 258هـ) وقد رابط أواخر عمره في ثغر طرسوس إلى أن مات، يروي عن البغوي قوله المشهور: مارأيت بعد أحمد بن حنبل أزهد من زهير، سمعته يقول: أشتهي لحماً ولا آكله حتى أدخل الروم، فآكله من مغانم الروم.

29- ويبدو أن بعض الصوفية ركب البحر غازياً، ويكفي أن نذكر منهم: علي الرازي المذبوح وهو أستاذ أبي تراب النخشبي

30- وهناك فريق من العارفين المجاهدين لم يذكر لنا المؤرخون أسماءهم، وإنما نقلوا إلينا طرفاً من أخبارهم في الزهد والجهاد.

مثل على ذلك ماروى ابن عساكر عن أبي القاسم الجوعي (ت 248 هـ) قال : رأيتُ في الطواف رجلاً لا يزيد في دعائه: إلهي قضيتُ حوائج الكل ولم تقضِ حاجتي فقلت ماحاجتك؟! قال : أحدثك: اعلم أنا كنا سبعة أنفس، خرجنا إلى الغزاة، فأسرنا الروم، ومضوا بنا لنقتل، فرأيت سبعة أبواب فتحت في السماء، وعلى كل باب جارية حسناء من الحور العين، فضربت أعناق ستة منا، فاستوهبني بعض رجالهم، فقالت الجارية: أي شيء فاتك يامحروم، وأغلق الباب، فأنا يا أخي متحسر على مافاتني.

وروى أبو القاسم القشيري (ت 465هـ) أن فارساً صوفياً استطاع في بعض الغزاة قتل أحد شجعان عسكر الروم، بعدما قتل هذا الرومي ثلاثة من الفرسان المسلمين[3].

نماذج من جهاد الصوفية في العصر الحديث

وفي العصر الحديث: يندر أن نجد من المجاهدين من عملوا على إنقاذ الوطن من براثن الاستعمار لم يسلك الطريق الصوفي. لقد وجدوا أن من واجبهم محاربة العدوان والشر المادي كما يحاربون المآثم والشهوات لأنها كلها من فصيلة واحدة تدمر الروح الإنساني، إن الوميض المتجدد لجهاد الصوفية الحربي عاد ليظهر واضحاً من خلال الهجمة الأوربية الاستعمارية على بلدان العالم الإسلامي فسطروا بذلك أروع آيات الكفاح ويخلدهم التاريخ بين صفحاته. والبرهان هو التاريخ والحقائق والوقائع التي لا يرقى إليها الشك ولا يخالطها ريبة فهي وحدها البيان والترجمان:

  1. السيد محمد ماضي أبو العزائم (1286هـ/1869م - 1356هـ/1937م) عالم مصري صوفي من علماء الأزهر، قاوم الإستعمار الإنجليزي في السودان حتى صدر قرار نفيه إلى جزيرة مالطة، ولكن تم التراجع عن هذا القرار بشفاعة تلاميذ الإمام من الباشوات والوزراء بالقاهرة، فصدر قرار إعادته إلى القاهرة، فكان هو المحرك لثورة 1919 م وأستاذاً للسياسي المعروف سعد زغلول باشا.
  2. محمد بن علي السنوسي: في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين قاد نضال الاحتلال في ليبيا الطريقة الصوفية السنوسية ومؤسسها محمد بن علي السنوسي (ت1859م) تلميذ أحمد بن إدريس الفاسي (ت1853م) رئيس الطريقة الخضيرية الشاذلية عمل السنوسي على بناء قوة عربية إسلامية في صحراء ليبيا تقوم دعاتها على أساس الزوايا والرباطات التي لم تكن للعبادة فقط وإنما كانت مراكز نشاط وحيوية وإصلاح فكان شيخ الزاوية يربي أتباعه على ضرورة تعلم الرماية وفنون الحرب والاستعداد للجهاد في أي لحظة. وكانت منظمة تنظيماً دقيقاً ولم تجرؤ الحكومات الاستعمارية في شمال أفريقية على مسها.
  3. عمر المختار: وقد تحولت هذه الزوايا جميعها عند الغزو الإيطالي لليبيا في مطلع هذا القرن إلى معاقل حقيقية للدفاع عن السيادة والكرامة تحمّل عبء النضال من خلالها السنوسيون بقيادة البطل المجاهد عمر المختار (1858-1931م) الذي جعل من زاويته الكبرى في واحة الجغبوب مقراً ومركزاً للعمليات العسكرية حتى استشهاده. وكان قد التحق بزاوية الجغبوب وعمره ستة عشر عاماً مارس داخلها العبادة ورياضاته الروحية فقد كان لا ينام من الليل إلا ساعتين أو ثلاثاً ويختم المصحف كل سبعة أيام وقد كانت فترته هناك عاملاً هاماً في تكوين شخصيته السياسية والاجتماعية وتركت آثاراً باقية في سلوكه وتفكيره وصفاته فيما بعد.
  4. محمد عبد الله حسن: وفي الصومال قاد السيد: "محمد عبد الله حسن" (ت1920م) أبرز خلفاء شيخ الطريقة الصالحية (وهي فرع من الشاذلية) بلاده من نصر إلى نصر أكثر من عشرين عاماً حارب فيها قوات أكبر ثلاث دول في القرن التاسع عشر وهي بريطانيا وإيطاليا والحبشة. ولبسالة الأعمال الحربية التي قام بها سماه بعض أنصاره بالمهدي بينما هو نفى عن نفسه أن يكون المهدي المنتظر ووصف نفسه بأنه من الدراويش. وقد استطاع السيد أن يجعل من رابطة الطريقة أقوى من رابطة العصبية القبلية.
  5. ماء العينين: وتزعم حركة المقاومة في موريتانية في وجه الفرنسيين وتصدى لمطامعهم الزعيم الروحي ماء العينين (ت 1910م) الذي اعتنق الطريقة الفاضلة التي أسسها والده (وهي فرع من القادرية). وفي أفريقية بوجه عام اعتنق زعماء الجهاد تعاليم الطرق الصوفية التي لا يستطيع أحد أن ينكر دورها في نشر الدين والثقافة الإسلامية وفي مقاومة كل مظاهر السيطرة والوجود الأجنبي. وهم جميعاً رفضوا الاستسلام رغم كل العروض المادية والمعنوية وبالرغم مما أصاب زعماء هذه الحركات من خسائر فقد فضلوا الاستشهاد في سبيل الله. وإذا كان زعماء بعض هذه الطرق قد عقدوا معاهدات صلح مع بعض القوى الأجنبية فذلك حتى تسترد الأنفاس وتنظم القوات وتبدأ مرحلة جديدة من النضال والكفاح.
  6. عثمان بن فودي: ومازالت شعوب غرب أفريقية الإسلامية تدين للمجاهدين من أصحاب الطرق الصوفية من أمثال الشيخ "عثمان بن فودي" (القادري) أوائل القرن التاسع عشر
  7. الشهيد عمر التكروتي: (ت 1864م) الذي حمل معه الطريقة التيجانية إلى غرب أفريقية.
  8. الأمير عبد الكريم الخطابي : ولا ننسى الدور الفعال الذي قامت به الدرقاوية إبان الاستعمار الفرنسي للمغرب. وفي الحقيقة من أبرز شخصيات المغرب البطولية شخصية البطل المراكشي الأمير عبد الكريم الخطابي (1881-1962م) الذي كان على اتصال بالسيد أحمد ماضي أبو العزائم بمصر[4] وكان على درجة كبيرة من الشجاعة والزهد معاً وقد اعتكف عدة سنوات أخذ نفسه بالرياضة الروحية الخالصة حتى يصقل نفسه ويصفيها من شوائب الدنيا وأعراضها. وقد كان لهذا الاعتكاف أثره على الأمير ليبدأ بعدها مرحلة طويلة من الكفاح ضد الإسبان ولم يهزم إلا بعد أن تكاتفت عليه الجيوش الإسبانية والفرنسية وبعد أن خلّف عدداً كبيراً من المريدين حملوا بعده راية الكفاح حتى تم قطف ثمار جهادهم.
  9. عبد القادر الجزائري : وفي الجزائر لاحظ الخبراء الفرنسيون أن زعماء حركة الجهاد التي تؤلف محاربتهم انطلقت من الطرق الصوفية وخاصة المرتكزة منها حول الزوايا التي كانت منذ قرون تعتني بالجهاد عند الخطر وتعتني بالعلم والتصوف عند السلم، ومن أبرز تلك الطرق في القرن الماضي القادرية والرحمانية، وقد أنجبت الأولى الأمير عبد القادر الجزائري (1807-1885م) الذي يعتبر (بلا منازع) شيخ المجاهدين في العصر الحديث فضلاً عن كونه من كبار صوفية عصره، وقد ترجم عبد الرزاق البيطار للأمير ترجمة عارف بفضله ونبله فقال: "هو الهمام الكامل العارف والإمام المتحلي بأعلى العوارف الراسخ القدم في العلم الإلهي والكاشف عن أسرار الحقائق حتى شهدها كما هي...". نشأ الأمير عبد القادر في بيت علم ودين وزار في مطلع شبابه الشام مع والده آخذاً عن علمائها طريق النقشبندية ثم سار إلى بغداد ونال ممن اجتمع بهم الطريقة القادرية ثم قصد بلاد الحجاز لأداء مناسك الحج. وأخيراً عاد إلى بلاده ليجد الجحافل الجرارة من المستعمرين الفرنسيين وقد بدأت تداهم الجزائر فاجتمع الأشراف والعلماء وأعيان القبائل عند شجرة عظيمة. وهناك بايعه الجميع فذهبت البشائر في أقطار الأرض. حارب الأمير الفرنسيين بلا هوادة مدة سبعة وعشرين عاماً اضطر بعدها مكرهاً إلى مغادرة الجزائر وتسليم راية الجهاد طاهرة مطهرة إلى الشعب لمواصلة الجهاد في ميدان آخر له رجاله وأبطاله أيضاً واهتزت لقدومه دمشق التي اختارها لتكون مقراً له واستقبل فيها استقبال الفاتحين وقرأ على علمائها أشهر كتب التصوف كما ألّف فيها عدداً من الكتب أشهرها كتاب المواقف في الوعظ والتصوف والإرشاد. وكانت وفاته فاجعة في قلوب الجميع الذين ألفوه وأحبوه ثم تم نقل رفاته إلى الجزائر بعد استقلالها1962.
  10. منذ وطئت أقدام الإستعمار أرض الجزائر اشتعلت الأرض تحت أقدام الإستعمار الصليبي ؛ وكان الفضل للطرق الصوفية في مقاومة الإحتلال. ربما الإسم الأبرز - أو ربما هو الوحيد - الذي عرفه العرب هو اسم " عبد القادر الجزائري" ؛ لكن مقاومة الشيخ الأمير عبد القادر الجزائري لم تكن إلا حلقة في سلسلة طويلة من الثورات الصوفية ضد الإحتلال الفرنسي ( أو فلنقل كانت بداية العِقد ) فمن نماذج الثورات الصوفية على الإحتلال الفرنسي في الجزائر : ثورة الأمير عبد القادر في الغرب الوهراني 1832 – 1847م
  11. ثورة الشريف بوبغلة في جرجرة، والبابور، والبيبان وحوض الصومان 1851-1855م.
  12. ثورة بن ناصر بن شهرة بالصحراء 1851-1872م
  13. ثورة الحاج عمر الرحماني ولالا فاطمة نسومر بجرجرة 1843-1857
  14. ثورة سكان واحة الزعاطشة جنوب بسكرة 1849م
  15. ثورة الشيخ الصادق الرحماني بالخنقة ولسكرة 1858-1859م
  16. ثورة أولاد الشيخ الشراقة في الصحراء 1869-1874م
  17. ثورة الباشاغا المقراني والشيخ الحداد الرحماني 1871-1872م
  18. ثورة الشيخ بوعمامة بالغرب الوهراني 1881-1908م . كل هذه الحركات المقاومة للإستعمار الفرنسي في الجزائر كانت صوفية ؛ وكانت تتبع الطريقة الرحمانية ؛ هذا بالإضافة إلى بعض حركات المقاومة الأخرى تتبع الطريقة القادرية لم نأت على ذكرها.
  19. محمد أحمد المهدي : الذي دوخ الإستعمار الإنجليزي في السودان، محمد أحمد المهدي (1843-1885) . حفظ القرآن منذ صغره بهرته دون أترابه في الدرس أنوار التصوف فأقبل عليها، وانقطع في جزيرة "عبه" في النيل الأبيض خمسة عشر عاماً وهناك بدأ ممارسة رياضاته السلوكية ليقهر جماح النفس على الصعب ليبدأ مرحلة رفع عمد الإسلام والحرب في سبيل الله ولاسيما والسودان كله يتطلع إلى الخلاص من كابوس الاحتلال الإنكليزي بقول صاحب كتاب حلية البشر "وفي سنة سبع وتسعين ظهر رجل بالسودان يسمى محمد أحمد ولم يدّع أنه المهدي... وكان قبل ظهوره مشهوراً بالصلاح ومن مشايخ الطرائق وكثر أتباعه ومريدوه فلما دخل الإنجليز حاربهم وحصل له وقائع كثيرة والغلبة في تلك الوقائع كلها له عليهم وقتل منهم خلقاً كثيراً... فتملك جميع السودان وكان أمره معهم عجيباً يأتون إليه بالعساكر الكثيرة والمدافع والآلات الشهيرة فيقابلهم بجيوشه السودانيين وليس معهم إلا السيف والرمح والسكاكين"، وقد تمكن الثوار بقيادة المهدي من محاصرة الخرطوم 1885م وقتل حاكم السودان الإنكليزي (غوردن).
  20. أحمد عرابي : في هذه الآونة ظهر في مصر الزعيم أحمد عرابي (1841-1911م) الذي نشأ في بيئة صوفية. وفي ذلك يذكر عرابي عن أبيه أنه كان شيخاً جليلاً عالماً ورعاً وأن جده تزوج شقيقة السيد الرفاعي الصيادي. وكان لهذه النشأة أثر بعيد في تكوين خلقه وشخصيته وقد جاء في بعض الكتابات (أحمد عرابي الحسيني مسلم صوفي جاور في الأزهر عامين اتصاله وثيق مع العلماء قد التف حوله جند مؤمنون يقضون الليل في الاستماع إلى القرآن وفي حلقات الذكر). وكان عرابي يعيش عيشة الزاهد المتقشف متأسياً بذلك السلف الصالح وهو القائل: "لا نجاح لأمة نبذت أحكام دينها ظهرياً، ولا فلاح لقوم استعبدوا شهواتهم".
  21. سليمان الحلبي : وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً إلى حملة نابليون بونابرت على مصر عام(1798م) نرى البطش والإرهاب أول ما طال علماء التصوف في الأزهر الذين كانوا من طراز خاص ويستطيعون مخاطبة الجماهير وتحريكهم. وقد قتل نابليون عدداً منهم. ومن المعروف أن الذي اغتال القائد الفرنسي كليبر هو سليمان الحلبي الطالب الأزهري السوري وقبل أن يقدم على هذا العمل الكبير أخذ نفسه ببرنامج شديد بالصوم والعبادة وعندما آنس من نفسه القوة الروحية خرج من معتكفه ولم يفش سره إلا إلى ثلاثة من عائلة الغزي (الفلسطينية المشهورة بالتصوف) وقد أعدم البطل الحلبي كما أعدم معه الثلاثة المذكورون.
  22. فرحان السعدي : وأول من أطلق صيحة الجهاد مدوية في فلسطين على الاستعمار الإنجليزي الشيخ فرحان السعدي (المولود عام 1858م) الذي ينتمي إلى عائلة السعدية الجيباوية الصوفية ولكن سرعان ما ألقي القبض عليه مع مريديه فأعدمه الإنجليز وهو صائم.
  23. عز الدين القسام : يعد رائد الكفاح في فلسطين في العصر الحديث الشهيد الشيخ عز الدين القسام (1882-1935م) وقد ترجم له صاحب الأعلام الشرقية بقوله: "شيخ الزاوية الشاذلية في جبلة الأدهمية" والده الشيخ عبد القادر القسام من المشتغلين بالتصوف أرسل ابنه لمتابعة تعليمه العالي في الأزهر ثم عاد الابن للتدريس والوعظ في زاوية والده وقد امتاز منذ صغره بالميل إلى الانفراد والعزلة الأمر الذي سيؤثر في مستقبله وسيجعله أكثر قدرة على فهم ما يدور حوله من أحداث. وخلال الحرب العالمية الأولى كان القسام وقد وثق صلاته بمشايخ الجبل وأبرزهم المجاهد إبراهيم العلي ولما احتل الفرنسيون ساحل سورية نادى في تلامذته ومريديه بأن الجهاد أصبح واجباً وفي عام (1920م) توجه الشيخ القسام نحو فلسطين وأخذ يحث على الجهاد في جوامعها وينبه للخطر الصهيوني وقد وجد مع الشيخ بعد استشهاده دعاء كان يضعه في عمامته. ترك القسام للأمة عشرات من الرجال المخلصين قاموا بالدور الرئيسي في الثورة الكبرى في فلسطين عام (1936م).
  24. محمد بدر الدين الحسني :وينتهي بنا المطاف في سورية التي وقف علماء التصوف فيها صفاً واحداً في وجه الاستعمار الفرنسي. وإذا كان محمد عبده هو الأب الروحي للثورة العرابية في مصر فإن محدث الديار الشامية وأستاذ علماء الشام محمد بدر الدين الحسني (1851-1935م) يعتبر المفجر الحقيقي للثورة السورية الكبرى ( 1925-1927م) وأصله من المغرب من ذرية الشيخ الجزولي صاحب دلائل الخيرات ولد في دمشق من أب قادري الطريقة كان فقيهاً زاهداً عارفاً بالله يغوص على مكنونات علم التصوف بدقة وعليه قرأ شيوخ المتصوفة في دمشق. وصفه صاحب الأعلام أن كان "ورعاً صواماً بعيداً عن الدنيا ولما قامت الثورة على الاحتلال الفرنسي في سوريا كان الشيخ يطوف المدن السورية متنقلاً من بلدة إلى أخرى حاثاً على الجهاد وحاضاً عليه يقابل الثائرين وينصح لهم الخطط الحكيمة فكان أباً روحياً للثورة والثائرين المجاهدين" وكان الشيخ محمد الأشمر والمجاهد حسن الخراط يقابلانه فجر كل يوم ويأخذان منه تعليمات الثورة.
  25. محمد سعيد البرهاني شيخ الطريقة الشاذلية بدمشق (ت 1967م) الذي حارب مع الثوار في معركة ميسلون
  26. الطبيب الشيخ أبو اليسر عابدين (النقشبندي) (ت1981م) الذي كان يحمل المال والسلاح والدواء للمجاهدين ليلاً
  27. الشيخ أحمد الحارون (ت1962م)
  28. والشيخ علي الدقر (ت1943م)
  29. والشيخ الشهيد عز الدين الجزائري حفيد الأمير عبد القادر الجزائري
  30. علامة حماة في الفقه والتصوف الشيخ محمد الحامد (ت1969م) الذي كان أول من دعا إلى تطهير البلاد من المستعمرين الفرنسيين وله مجموعة خطب مكتوبة تحث على الثورة وغيره كثير لا يتسع المجال لذكرهم هنا سجلوا بحروف من نور أمجاداً وبطولات لابد للأجيال أن تعيها.
  31. الشيخ منصور أشرمةالنقشبندي الشيشاني : أول قائد عسكري صوفي، بمنطقة الشيشان وداغستان وقاد هجمات ناجحة على قوات القيصرية الروسية، واستطاع أن يفني سَرية روسية كاملة على نهر سونجا عام 1785م، وقد أسره الروس في إحدى المعارك عام 1791م، وحكم عليه بالمؤبد، ومات في حصن شكوبليرغ ولم تتوقف مسيرة الجهاد.
  32. الشيخ خاس محمد أفندي الباراغلاري النقشبندي  : قائد حركة الجهاد في الشيشان بعد استشهاد الشيخ منصور اشرمة
  33. القاضي ملا محمد الكمراوي النقشبندي  : يقود المجاهدين في انتصارات متوالية على القوات الروسية حتى أطلق عليه اسم الغازي محمد، حيث ظل يحقق انتصارات متوالية بين عامي 1832م إلى 1834م، ويستشهد الرجل في الميدان
  34. ويحمل الراية تلميذه الأمير حمزة الخنزاجي : ويلحق التلميد بأستاذه شهيدًا
  35. ويتحمل مسئولية القيادة الإمام محمد شامل الداغستاني تلميذ القاضي محمد وشيخ النقشبندية. استطاع الإمام شامل تحقيق انتصارات رائعة ببطولة وعبقرية نادرة، ويسترد الإمام شامل كثيرًا من القلاع والحصون التي استولى عليها الروس، واستطاع أن يقيم دولة مجاهدة، تقيم العدل، وتقوم برسالة الإسلام من دعوة، وتربية وجهاد خلال خمس وعشرين سنة، وأقام الشيخ محاكم شرعية في كافة الجهات التي تقع تحت سلطانه، وأرسل مندوبين عنه لمتابعة الأعمال.
  36. فضل عمر مجددي النقشبندي عميد الجهاد والمجاهدين في أفغانستان، قاد ثورة جهادية أذلت البريطانيين عام 1921 وهو العام نفسه الذي خرجوا فيه مغرورين بانتصارهم في الحرب العالمية الأولى، كما كان اتباع هذه الطريقة في طليعة المقاتلين ضد الاحتلال السوفيتي.
  37. رجال التيجانية والنقشبندية في أفغانستان وكان همهم اصلاح الداخل وتوحيد الصفوف بسبب اعمال القاعدة الارهابية.
  38. جيش رجال الطريقة النقشبندية في العراق : قامت الحركة لرد العدوان الأمريكي وهي تقوم علي مقاومة المحتل وعدم قتل اي مدني ولا يراق دماء الابرياء مثلما يفعل رجال القاعدة وغيرهم، فتراهم ينسحبون لو وجد مدنيون (وفي تصوير لقناص بغداد وهو مقطع موجود علي الانترنت باسم (قناص بغداد) القناص انسحب لوجود مدنيين).
  39. الشيخ الصوفي عبدالله الجنابي (قائد معركة الفلوجة) : صوفي برهاني وهو رئيس مجلس شورى المجاهدين في الفلوجة وقائد أهل الجهاد في أرض الرافدين واطلق عليه الكثير من الالقاب، ويكفيك ان تكتب اسمه في جوجل لتري سيرته وأياديه البيضاء كرجل صوفي مجاهد دافع عن بلاده حتى آخر لحظة.

إن الفضل الأول في تكوين هذه الفئات يعود إلى المدرسة الروحية الخالدة التي أنجبت القواد العظماء وقد تبين لنا من سرد ما تقدم كيف عَمد بعض الدعاة إلى تشويه ناحية مهمة في ميدان التصوف فيما يعسر فهم ذلك على غير المطلع المتضلع في دراسة هذا العلم والإحاطة به. إن فهم التصوف اليوم يتطلب الرجوع إلى المصادر الأساسية بعيداً عن المؤلفات التي طالعنا بها العصر الحديث فجاء أغلبها استشراقاً بعيداً عن الواقع والحقيقة. إذ ليس التصوف خمولاً ولا انهزاماً كما ادّعوا وليس التصوف تواكلاً وهواناً كما زعموا إن التصوف قوة وبأس ونضال ونفس ملهمة عاملة إنه تصعيد بالحياة إلى أعلى وارتفاع بالقيم الإنسانية إلى ما هو أرفع وأسمى.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أدبيات التراث الصوفي حول الجهاد

النصوص والأخبار والآثار التي في بطون أمهات الكتب تؤكد أن الجهاد بفرعيه: الأكبر والأصغر، أي جهاد النفس وجهاد الأعداء دارت عليه رحى التصوف.

وأن هذين الجهادين ركنان أساسيان في الحياة الروحية الإسلامية، يشير الشيخ ابن عربي إلى ذلك في وصاياه قائلاً: "... وعليك بالجهاد الأكبر، وهو جهاد هواك، فإنك إذا جاهدت نفسك هذا الجهاد، خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء الذي أن قتلت فيه كنت من الشهداء الذين عند ربهم يرزقون...".

الصوفية هم أهل التربية العملية، ولذلك هم أكثر الناس عملاً بالآيات الكثيرة والأحاديث الشهيرة التي تبين فضل الرباط والجهاد، وهم خواص أهل السنة، كما يقرر الإمام القشيري في رسالته، وإن خلت مصنفاتهم من الإشارة إلى موضوع الجهاد الحربي إلا ماندر، كقول أبي طالب المكي (ت 386 هـ): ".... ولذلك صار الجهاد أفضل لأنه حقيقة الزهد في الدنيا".

وقريب من ذلك ماجاء في كتاب الإحياء للإمام الغزالي: "... إن المنافقين كرهوا القتال، خوفاً من الموت، أما الزاهدون المحبون لله تعالى، فقاتلوا في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص" وفي موطن آخر يقول حجة الإسلام : "ولقد عظم الخوف من أمر الخاتمة فأسلم الأحوال عن هذا الخطر خاتمة الشهادة".

أما ابن عربي وهو شيخ الصوفية الأكبر فيقول في الفتوحات، متحدثاً عن أصناف الأولياء: "... ومنهم السائحون، وهم المجاهدون في سبيل الله، لأن المفاوز المهلكة البعيدة عن العمران، لا يكون فيها ذاكر الله من البشر، لزم بعض العارفين السياحة صدقةً منهم على البيداء التي لا يطرقها إلا أمثالهم، والجهاد في أرض الكفر التي لا يوحّد الله تعالى فيها، فكان السياحة بالجهاد، أفضل من السياحة بغير الجهاد...". والملاحظ أنه عندما ظهر التصوف رافقته مجموعة من الفضائل المستمدة من الفتوة، وفي مقدمتها: الشجاعة والتضحية.

يقول العارف سهل التستري (ت 273هـ): "أصل هذا الأمر الصدق والسخاء والشجاعة".

ويذكر غيره: "الأساس الأول للصوفي هو تقوية الصلة بالله، والشجاعة بالقتال للجهاد.

وقد جاء رجل إلى رويم البغدادي أحد كبار العارفين (ت 303 هـ)، وقال له: "أوصني، فقال: أقل مافي هذا الأمر بذل الروح، وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية.

وعلق على ذلك الشيخ الهجويري (ت 465 هـ) في كشف المحجوب شارحاً: "أعني كل شيء غير هذا هو ترهات، وقد قال تعالى:" ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء....".

وزبدة القول: إن العباد والزهاد ومن بعدهم الصوفية، استنوا لأنفسهم سنة "المرابطة".

فشدوا الرحال إلى ميادين القتال، لوعظ المجاهدين، وتقوية عزائمهم، والمجاهدة معهم. يقول يحيى بن معاذ الرازي (ت 258هـ) مشيراً إلى أن من شروط الصوفية السياحة للجهاد:

ومن الدلائل أن تراه مسافراً *** نحو الجهاد وكل فعلٍ فاضل.

المصادر

  1. ^ "«الجهاد» والصوفية: ما لا تعرفه عن أهل التصوُّف". ساسة پوست. 2016-01-26. Retrieved 2016-01-31.
  2. ^ صفة الصفوة، ابن الجوزي. ت محمود فاخوري. بيروت 1985، دار المعارف ط(3) ج(4)، ص255 وتوابعها.
  3. ^ "الإطار الدّفاعي عِندَ الصُّوفيَّة" و "صور من جهاد الصوفية في القرنين الثاني والثالث الهجريين" كلاهما للباحث السوري أسعد الخطيب عضو اتحاد المؤرخين العرب
  4. ^ سراى آل العزائم في عهد خلافته المبارك من لقاءات ومؤتمرات إسلامية حضرها الكثير من القادة والساسة الإسلاميين .. ومنهم مفتى فلسطين الأسبق الشيخ أمين الحسينى، والمجاهد المغربى عبد الكريم الخطابى، والمجاهد الأفغانى الشيخ صادق المجددى. "صدّيق الدعوة العزمية" ص 3 للسيد محمد علاء أبو العزائم ط. دار الكتاب الصوفي.

وصلات خارجية