التصديع الهيدروليكي في الجزائر

احتجاجات في الجزائر ضد استخراج الجاز الصخري، يوليو 2015.

تستخدم الجزائر تقنية التصديع الهيدروليكي لاستخراج الغاز والنفط الصخري منذ التسعينيات، من خلال مؤسسة سوناطراك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

يوجد في الجزائر بحسب معلومات معهد الموارد العالمية ثالث أكبر احتياطي في العالم من الغاز الصخري بعد كلّ من الصين والأرجنتين. تستغل الجزائر منذ مطلع السبعينيات وبشكل واسع احتياطاتها الضخمة من النفط والغاز، والتي تشكِّل اليوم ما يقدَّر بنحو ثمانية وتسعين في المائة من صادراتها. ولذلك فإنَّ انخفاض سعر النفط، الذي خلق في العديد من الدول الأخرى حالة من الحماس الاقتصادي، قد أوصل البلاد إلى شفا أزمة اقتصادية. وبالتالي فإنَّ استخراج الغاز الصخري سيفتح لهذه الدولة الريعية مصدر دخل جديدًا.


استخدام التقنية

منذ عام 2014 تشتعل النزاعات والصراعات العرقية في جنوب الجزائر بمدينة غرداية، ومنذ مطلع عام 2015 باتت تضاف إلى ذلك الاضرابات والاحتجاجات الجماهيرية ضدّ مشاريع استخراج الغاز الصخري والتصديع الهيدروليكي في مدينة عين صلاح الصحراوية.

واجه مشروع استخراج الغاز الصخري على أبعد تقدير منذ إجراء تجارب الحفر الأولى في نهاية شهر ديسمبر عام 2014 مقاومة كبيرة - إلى درجة أنَّ قيادة جبهة التحرير الوطني باتت تخشى بالفعل قيام ثورات في الجزائر. وكان المتظاهرون، ومن بينهم الكثير من النساء، يردِّدون شعارات كانت تذكِّر بالربيع العربي. بيد أنَّها كانت هذه المرة موجَّهة ضدَّ مواصلة عمليات الحفر.

وافق مجلس الوزراء الجزائري في شهر مايو 2014 على استخراج الغاز الصخري في عموم البلاد من خلال استخدام تقنية التصديع الهيدروليكي، ومن دون استشارة البرلمان وسماع رأي الخبراء أو إشراك الجماهير في اتِّخاذ هذا القرار أو على الأقل اطلاعهم وتوعيتهم بما فيه الكفاية.

تقف وراء ذلك صفقة لشركة سوناطراك الجزائرية المحتكرة للنفط والغاز مع شركات أوروبية يُمنع في بلدانها استخدام تقنية التصديع أو التصديع الهيدروليكي بسبب العواقب البيئية والصحية التي لا يمكن التنبؤ بها. ولذلك فإنَّ هناك شركات مثل شركة النفط الفرنسية "توتال"، تسعى لهذا السبب ببساطة إلى إجراء عمليات التصديع الهيدروليكي في الدول الأخرى.

في يناير 2016، كشف النائب في البرلمان الأوروبي جوزي بوڤي أن المجموعة النفطية الفرنسية توتال تستعمل التصديع الهيدروليكي في الجزائر وبريطانيا. وأوضح النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي، في حوار لجريدة ليبراسيون الفرنسية، تعليقاً على موافقة محكمة فرنسية على استغلال الغاز الصخري من طرف توتال بفرنسا، أن التقنية الوحيدة الحالية لاستخراج الغاز الصخري هي التصديع الهيدروليكي.[1]

وقال جوزي بوفي، إن كريستوف دو مارجوري رئيس مجلس الإدارة السابق لمجموعة توتال (قتل في حادث طائرة في موسكو في أكتوبر 2014) أبلغه خلال منتدى حول الغاز الصخري نظمته ليبراسيون في مدينة ليون، بعدم وجود تقنية أخرى لاستغلال الغاز الصخري حاليا باستثناء التصديع الهيدروليكي، مضيفا أن رئيس توتال اظهر له وثائق داخلية للشركة تؤكد عدم وجود تقينات أخرى لاستغلال الغاز الصخري باستثناء تقنية التصديع الهيدروليكي التي طورتها وتستخدمها شركة هاليبرتون الامريكية التي يسيرها ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي الأسبق.

الآثار البيئية

مظاهرة في مدينة عين صلاح ضد إستخراج الغاز الصحري، يوليو 2015.

تلوث المياه الجوفية

يتم في تقنية التصديع الهيدروليكي ضغط خليط مكوَّن من الماء والمواد الكيماوية بشكل أفقي بعمق يصل إلى خمسة أمتار وباستخدام الضغط العالي في طبقة الصخور المحتوية على الغاز. لقد تم تقييم مكونات هذا الخليط في مختلف تقارير الخبراء والدراسات (مثلا من قبل الهيئة الألمانية الاتِّحادية للبيئة في عامي 2012 و2014) على أنَّها مواد سامة وخطيرة على البيئة ومضرة بالصحة وكذلك مهيجة أو كاوية.

وبعد النجاح في عملية استخراج الغاز الصخري يبقى ببساطة جزء من خليط التصديع الهيدروليكي في التربة، بينما يعود جزء آخر إلى سطح الأرض. لا أحد يعرف ما الذي يحدث بعد ذلك بهذا السائل. من الممكن أن يصل إلى المياه الجوفية أو كذلك إلى المناطق المجاور ويتم تناوله هناك من قبل البشر والحيوانات.

والآن إنَّ تقنية التصديع الهيدروليكي، التي تعتبر لهذه الأسباب محظورة في الدول الأوروبية مثل فرنسا، من المقرَّر أن يتم استخدامها في جنوب الجزائر. وبناءً على ذلك فإنَّ هناك شركات - مثل شركة "توتال" الفرنسية - تستفيد من الوضع القانوني في بلدان لا تكترث كثيرًا لحقوق الإنسان. كما أنَّ هذه الشركات تستخدم هذه البلدان كحقول تجارب واختبارات.

وهذا التعامل الاقتصادي والاجتماعي مع بلدان مثل الجزائر يعتبر قديمًا وله تقليد طويل، كما أنَّه لذلك يمثِّل موضوعًا حساسًا للغاية: ففي أثناء وبعد عهد الاستعمار الفرنسي للجزائر، أقدمت فرنسا على إجراء تجارب نووية فوق التراب الجزائري، في منطقة غير بعيدة عن أرض هذا المشروع الحالي.

حيث تم في الستينيات - تحت الأرض وكذلك فوقها - تفجير أسلحة نووية تبلغ قوَّتها أربعة أضعاف قوة القنبلة النووية، التي تم إلقاؤها على مدينة هيروشيما. والجميع يعرفون أنَّ لهذه الاختبارات على المدى الطويل عواقب وآثار وخيمة على صحة الكائنات الحية والبيئة.

وفي تلك الفترة كان هناك مثقَّفون مثل الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو يتناقشون حول وضع المستعمرات بوصفها "هيتروتوبيات"، أي أماكن متنابذة، مكَّنت القوى الاستعمارية مثل فرنسا مما لم يكن ممكنًا في مجتمعها الخاص وعلى أرضها الخاصة.

هدر المياه

من أجل التصديع الهيدروليكي يتم استهلاك كميات كبيرة من المياه. ولكن من أين ستأتي كميات المياه هذه في منطقة يعدُّ فيها الماء من أكثر السلع النادرة؟ ونتيجة لذلك فلن يبقى سوى النزر القليل من المياه من أجل تلبية احتياجات الأهالي اليومية. ومن خلال تلويث مخزونات المياه العذبة بالمواد السامة سوف يكون هناك نقص في المياه خاصةً للزراعة، في منطقة تعاني أصلاً من نقص حاد في المياه.

وبسبب تركيز الجزائر على تجارة تصدير النفط والغاز لا يوجد في الاقتصاد الجزائري أي تنوُّع تقريبًا، بل يعتمد هذا الاقتصاد اعتمادًا تامًا على عائدات النفط والغاز. غير أنَّ هذا يعني أيضًا أنَّ جميع المواد الغذائية تقريبًا يتعيَّن استيرادها من الخارج، وذلك بسبب افتقار الجزائر في قطاع الزراعة إلى الخبرات والتكنولوجيات الضرورية من أجل إنتاج هذه المواد ذاتيًا. والماء في الجزائر له قيمة كبيرة، بحيث توجد وزارة خاصة بهذا "الذهب الأزرق".

زد على ذلك أنَّ التمويل الذي يتدفَّق في أعمال التصديع، يحول دون إنجاز الاستثمارات الضرورية في البنية التحتية. ففي تخوم الصحراء الجزائرية تبقى الدولة غائبة إلى أبعد حدّ، عندما يتعلق الأمر بتأمين المياه والكهرباء والرعاية الطبية والتعليم وتوفير فرص العمل.[2]

ولذلك من الممكن أن نقرأ على اليافطات والملصقات التي يحملها المحتجون عبارات مثل: "نعم للطاقة الشمسية" و"لا للتصديع". ولكن الدولة الجزائرية في الواقع لا تنفق تقريبًا أية أموال من أجل الطاقة المتجدِّدة. على العكس تمامًا من جارتها المغرب: حيث تستثمر المملكة المغربية منذ فترة طويلة في مجال الطاقة الخضراء وتعمل باعتبارها دولة مجاورة للصحراء قبل كلِّ شيء على تطوير قطاع الطاقة الشمسية الحرارية.

زيادة النشط الزلزالي

كشف الصندوق العالمي للطبيعة عن أن تقنية استخراج الغاز الصخري بواسطة التصديع الهيدروليكي من شأنها أن تتسبب بزلازل في منطقة ذات كثافة سكانية عالية وفي وقت سابق أعلن علماء أمريكيون من جامعة كورنل أنه: "لا يقل عن 20% من الزلازل التي حدثت في السنوات الأخيرة في ولاية أوكلاهوما الأمريكية قد تكون نتيجة استخراج الغاز الصخري بواسطة تقنية التصديع الهيدروليكي".[3]

وقال رئيس فرع الصندوق العالمي للطبيعة في روسيا أليكسي كنيجنيكوف: "الزلازل المرافقة لعملية استخراج النفط والغاز من الممكن أن تحدث في أي قارة بما في ذلك أوروبا، ويعتمد ذلك على البنية الجيولوجية وحجم تأثير تقنية الاستخراج على طبقات الأرض، وتقنية الاستخراج بواسطة التصديع الهيدروليكي من شأنها زيادة احتمال حدوث الزلازل، وعلى خلاف الولايات المتحدة الأمريكية تتميز أوروبا بكثافة السكان والبناء وعدد المعالم التاريخية الكبير، فزيادة احتمال الزلازل قد تتسبب في الكثير من الخسائر".

وقال مدير معهد الاقتصاد البيئي والسياسات البيئية ألكسندر سولوفيانوف إن: "قوة زلزال كهذا والذي هو من صنع الإنسان قد تتراوح بين 1.6 إلى 3.6 درجة حسب مقياس ريختر".

ومع توجه الجزائر نحو استخراج الغاز الصخري فانها تواجه نفس الأخطار وربما أكثر خطورة باعتبارها منطقة زلزالية.

رد الحكومة

في يناير 2015، أكد الرئيس المدير العام بالنيابة لسوناطراك، سعيد سحنون، في حديث إلى وكالة الأنباء الجزائرية، أن مجمع سوناطراك يتحكم في تقنية التصديع الهيدروليكي التي تستعملها هذه الشركة منذ التسعينات دون أن يكون لها تأثير على البيئة. وأوضح يقول بهذا الشأن: "لقد طبقنا هذه التقنية سنة 1992 بحاسي الرمل على طبقات جيولوجية غير سميكة استخرجنا منها النفط بفضل عمليات حفر أفقية". وأضاف في ذات الصدد أن “سوناطراك لجأت أيضا في حاسي مسعود إلى هذه التقنية للتنقيب في هذا الحقل النفطي الضخم الذي دخل حيز الإنتاج منذ سنة 1956. [4]

وقال مسؤول سوناطراك إنه منذ سنة 2006 إلى سنة 2010 قام المجمع بتصديع معدل 50 بئرا في السنة بحاسي مسعود مسجلا أن عمليات الحفر هذه على غرار الآبار التقليدية مرت بطبقات مائية دون أن يكون لها مع ذلك تأثير على البيئة.

وأضاف سحنون أنها "تقنية تتحكم فيها سوناطراك التي استوردتها من الولايات المتحدة واستعملتها بطريقة منهجية في حفر الآبار"، مؤكدا مع ذلك أنه يتفهم تخوفات سكان عين صالح بشأن البئرين النموذجيتين بهذه المنطقة. وأكد أن سوناطراك تطبق إجراءات وقائية صارمة قبل وبعد الحفر سواء تعلق الأمر بالآبار التقليدية (الحفر العمودي) أم غير التقليدية (الحفر الأفقي)، ويجب أن تكون كل عملية حفر مسبوقة بدراسة تحدد الآثار المحتملة التي قد تلحقها على المياه الجوفية.

لكن الشركة لا تتوفر حالياً على التكنولوجيا التي تمكنها من معالجة واسترجاع هذه المياه التي تضخ بعد استكمال عملية الحفر كما هي الحال بالنسبة إلى الولايات المتحدة، حسب نفس المتحدث، الذي أضاف أن المياه التي استعملت في الحفر بآحنيت تم استرجاعها وتخزينها بخندق تم حفره لهذا الغرض.

وعن سؤال عن المواد المضافة في هذه العملية أوضح نفس المسؤول أن هذه التقنية تستعمل من ستة إلى سبعة أنواع من المواد مثل الأحماض والمواد المضادة للارتجاجات والواقية من التآكل والمواد المخثرة التي تستعمل في الصناعات الغذائية. وقال إن هذه المواد المضافة نفسها تستعمل في عمليات الحفر التقليدية التي لا تستدعي اللجوء إلى التصديع الهيدروليكي، مضيفا أن مراقبة نوعية هذه المواد تخضع لترخيص للاستيراد والذي يوكل إلى مؤسسات جزائرية. وأوضح المسؤول الأول في سوناطراك أن إقامة البئرين النموذجيتين بأحنيت، على بعد 30 كلم من إن صالح، تستجيب لـ “تصور مواطني” يهدف إلى تزويد محطة توليد الكهرباء بهذه الدائرة بالغاز.

وصرح عمار سعدني، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني: "يجب علينا ألاَّ نستخف بغضب الأهالي في الجنوب وألاَّ نقلل من أهميَّته"، وفي الوقت نفسه أشار أيضًا إلى أنَّ هناك "قوى أجنبية" (المقصود بصورة خاصة فرنسا) تقف وراء الاحتجاجات وستعمد إلى التحريض على انطلاق ثورة من الصحراء. هذا الادِّعاء يبدو غير معقول، ولكن مع ذلك فإنَّ عمار سعدني يعرف أيضًا أنَّ فرنسا من الممكن أن تستفيد في الدرجة الأولى من مشاريع الغاز الصخري فوق التراب الجزائري.

انظر أيضاً


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  1. ^ "الغاز الصخري: نائب أوروبي يتهم توتال باستعمال التصديع الهيدروليكي بالجزائر". الجزائر اليوم. 2015-01-08. Retrieved 2019-01-18.
  2. ^ "احتجاج شعبي جزائري ضد استخراج الغاز الصخري بالتصديع الهيدروليكي". القنطرة. 2015-07-06. Retrieved 2019-01-18.
  3. ^ "استخراج الغاز الصخري يعرض الجزائر للزلازل". في بلادي. 2014-01-10. Retrieved 2019-01-18.
  4. ^ "سوناطراك تتحكم في تقنية التصديع الهيدروليكي". جريدة الشروق الجزائرية. 2015-01-28. Retrieved 2019-01-18.