الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم

الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم
الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.jpg
الميلاد 1286هـ/1869م
مسجد سيدي زغلول برشيد
الوفاة 1356هـ/1937م
مسجد الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم بالقاهرة حي السيدة زينب
المهنة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الخرطوم
اللقب الإمام المجدد
الأبناء السيد أحمد محمد ماضي أبو العزائم والسيد محمد الحسن والسيد عبدالله والسيد مختار
الجنسية مصري
موقع الويب https://abuelazayem.com

https://islamwattan.org

https://islamwattan.com


الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم[1]

(1286 هـ/1869 م - 1356 هـ/1937 م) مجدد العصر أهل السنة والجماعة.

(1286 هـ/1869 م - 1356 هـ/1937 م)عالم دين سني مالكي، مجددي الدين الإسلامي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نبذة عنه

ولد محمد ماضي أبو العزائم في 27 رجب سنة 1286هـ الموافق 2/11/1869م بمسجد سيدي زغلول برشيد. يرجع نسبه إلى سليل أهل البيت، حسني (أي من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب) من جهة والدته، حسيني (من ذرية الحسين بن علي) من جهة والده. عمل بالتدريس، ثم تدرج في سلك الوظائف حتى صار أستاذا للشريعة الإسلامية بجامعة الخرطوم. كان يرى أن أهم وظائف الرجل الديني الإرشاد والنصيحة للحاكمين، بل لعامة الناس، والتحذير من الوقوع في حبائل الاستعمار فأقصاه الحاكم العام الإنجليزي من وظيفته في يوم الأحد 19 رمضان سنة 1333هـ الموافق 1/8/1915م. بعد أن قررت الجمعية الوطنية بأنقرة في يوم الأحد 26 رجب 1342هـ الموافق 2/3/1924م إلغاء الخلافة الإسلامية، دعا لتأسيس جماعات للخلافة الإسلامية بجميع أنحاء العالم الإسلامي، وانتخب رئيسا لجمعية الخلافة الإسلامية بمصر في يوم الخميس 13 شعبان 1342هـ الموافق 20/3/1924م، وناب عن شعب مصر في حضور مؤتمر الخلافة الإسلامية الذي انعقد في مكة المكرمة سنة 1344هـ 1926م في أشهر الحج. أسس جماعة آل العزائم سنة 1311هـ الموافق 1893م والطريقة العزمية سنة 1353هـ الموافق 1934م ومقرهما 114 شارع مجلس الشعب بالقاهرة. مات في 27 رجب سنة 1356 هـ الموافق 3/10/1937م وروضته بمسجده بشارع مجلس الشعب بالقاهرة.[2]


نسبه

ينحدر نسبه عن أهل البيت، جدته فاطمة الزهراء وجده لأبيه الحسين سيد الشهداء وجده لأمه الحسن ابنا علي بن أبي طالب وصي النبي محمد.

من جهة أبيه

أبوه هو عبد الله المحجوب بن أحمد بن مصطفى بن إبراهيم بن صالح بن ماضي نسبة إلى عين ماضي بجوار الساقية الحمراء على الحدود بين مراكش والجزائر، بن درويش، بن محمد، بن علي، بن محمد، بن إبراهيم، بن رمضان، بن أحمد، بن عبد الحميد، بن محمد، بن علي، بن حسن، بن زيد، بن حسن، بن علي الطويل، بن محمد، بن إبراهيم، بن محمد، بن عبد الله العوكلاني، بن أبو الحسن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علي زين العابدين، بن الحسين السبط، ابن علي بن أبي طالب، ولديه اقارب في العراق هم ممن ينسبون إلى عبد الله العوكلاني وهم من الأشراف صحيحي النسب.

من جهة أمه

أمه هي آمنة المهدية، وهي ابنة أحمد العربي الفرجاني السائح، ابن القطب خادم السادة القادرية أحمد القادري، بن علي، بن سليمان، بن مصطفى، بن زين الدين، بن محمد درويش، ابن حسام الدين، ابن ولي الدين، بن زين الدين، بن شرف الدين، بن شمس الدين، بن محمد الهتاكي، بن عبد العزيز، بن عبد القادر الجيلاني بن أبي صالح موسى كنجي دست، بن عبد الله الجيلي، بن يحيى الزاهد، بن محمد، بن داود، بن موسى، بن عبد الله، بن موسى الجون، بن عبد الله المحض، بن الحسن المثنى بن الحسن السبط، بن علي بن أبي طالب عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام والتحيات.

طلبه للعلم في مطلع حياته

• استأثر أبو العزائم في طفولته بعناية أبيه (عبد الله المحجوب) دون بقية إخوته، لما يلوح عليه من مخايل النبل، ولما ألهمه الله من مكنون العلم. لاحظ أبوه شدة رغبة ولده لطلب العلم، فكلف عالمًا من علماء الأزهر يسمي الشيخ عبد الرحمن عبد الغفار بذلك:


(1) فحفظ من الفقه متن أقرب المسالك لمذهب مالك.


(2) و حفظ قسم العبادات من الموطأ.


(3) و حفظ التوحيد من متن السنوسية.


(4) و حفظ الحديث من مختصر البخاري للزبيدي.


(5) و حفظ من النحو الأجرومية والألفية.


و أثناء صباه، شغف بتلاوة سير القوم وتتبع أخبارهم والتحلي بأحوالهم. وكان له مع والده في كل يوم وقت ثابت يمضيه معه في قراءة باب من كتاب (إحياء علوم الدين) للغزالى. واستمر في تلقي تلك العلوم إلى أن بلغ أربعة عشر عامًا.


• حفظ القرآن الكريم بمكتب بلدته – محلة أبو علي مركز دسوق محافظة كفر الشيخ - ولما بلغ السادسة عشرة من عمره، توجه إلى الأزهر الشريف ، فاشتغل في تلقي العلوم، مع المحافظة على ما تألفه نفسه من دوام زيارة أهل البيت وأولياء الله،


• ولما بلغ السادسة عشر من عمره، توجه إلى القاهرة للالتحاق بالجامع الأزهر، وأقام بمنزل أخيه أحمد بحي الباطنية خلف الأزهر الشريف، ولم يرق له طريقة الدرس بالأزهر إذ لحظ البون الشاسع عند المقارنة بما كان يتلقاه من قبل.


• وكان يصرف بعض وقته في صحبة الشيخ حسنين الحصافي، وتلقي منه الطريقة الشاذلية عام 1302 هجرية.


التحق بكلية دار العلوم، وتخرج في كلية دار العلوم عام 1305هـ الموافق 1888م، وعمره تسعة عشر عامًا. وعمل بالتدريس، حتى صار أستاذا للشريعة الإِسلامية بكلية "غردون" بالخرطوم.

• توجه إلى مدينة إدفو بصعيد مصر ليباشر مهام أول وظيفة له كمدرس لمادتي الدين واللغة العربية بمدرسة إدفو الابتدائية وذلك عام 1306هـ الموافق 1889م. وتم تعيينه كمدرس بمدرسة الإبراهيمية الأولية وذلك عام 1307هـ الموافق 1891م، ثم إلى المدرسة الابتدائية بمدينة المنيا أوائل شهر أكتوبر 1894 م الموافق أواخر شهر ربيع الأول لعام 1311هـ، ودرس بها مدة عامين دراسيين، وكان عمره وقتذاك لا يتجاوز الخامسة والعشرين..

و قد أثنت عليه مديرية التربية والتعليم بمحافظة المنيا في نشرتها الدورية لعام1973م وذلك بمناسبة مرور مائة عام علي إنشاء مدرسة المنيا الابتدائية الأميرية (1896-1973م) والتي تسرد فيها أخبار المدرسة منذ إنشائها، فأشارت علي صفحة 22 تحت عنوان:ـ زوار المدرسة من العظماء ما يأتي: "ومن أبرز مدرسيها المرحوم السيد محمد ماضي أبوالعزائم شيخ الطريقة العزمية، كان مدرسًا بها سنه 1310 هـ".

  • وفاة شقيقه الأكبر بالمنيا: وكان المرض قد اشتد بشقيقه الأكبر أحمد، واستجابة لدعوة أخيه ونصيحة الأطباء رحل بأسرته إلى المنيا وأقام بمنزل أخيه محمد حيث عكف علي تمريضه ورعايته بنفسه مما أقعده عن ارتياد الأوساط الدينية لممارسة نشاط الدعوة، فكان يذهب إلى المدرسة صباحًا ويكرس وقته كله بعد ذلك في تمريضه إلى أن لقي ربه في يوم الجمعة 5 رجب 1311 هـ (24 يناير 1894م) بعد حوالي شهر من وصوله إلى المنيا.
  • انتقال والده إلى جوار ربه: انتقل والده إلى جوار ربه في 15 من ذي الحجة 1311 هـ ( ا يوليو 1894) ببلدته محلة أبو علي حيث سارع إليها ومكث بها أيامًا، ولم يأخذ من تركة والده إلا مكتبته بعد أن استأذن زوجة أبيه في ذلك فأذنت له، ثم عاد إلى المنيا ومعه إخوته ومن وافقه علي السفر معه ليقوم بشأنهم حيث بلغ عددهم خمسة عشر فردًا بين صغير وكبير[3].

اشتغاله بالدعوة والتربية والتعليم

  • بدأ أبو العزائم في سنة 1311هـ يدعو إلى الله تعالى ويهدي إلى الصراط المستقيم ويلقي دروسه بالمساجد ويملي مواجيده بين تلاميذه ومريديه الذين اجتمعوا حوله للتلقي منه، فأملي عليهم آداب الطريق إلى الله تعالى وأسس السير فيه، وأملي صيغًا فريدة من الصلاة علي رسول الله، وجعل يرشد علي السلوك الموصل إلى رضوان الله ومحبته بالذكر والعبادة وتطهير القلب وتزكية النفوس ومكارم الأخلاق والحب للناس كافة، فهيمنت علومه علي جماهير المسلمين في المنيا وما حولها، وأطلق علي جامعته التربوية الدينية اسم (جماعة آل العزائم) التي

وافق توقيت الإعلان عنها ميلاد أكبر أبنائه وهوالسيد أحمد ماضي أبو العزائم حيث ولد يوم الخميس 23 جمادي الآخرة 1312 هـ الموافق 20 ديسمبر 1894م بمدينة المنيا.


• بعد أن عُيّنَ مدرسًا، انتقل إلى مدينة المنيا في أوائل سنة 1311هـ، فكان يصرف أكثر أوقاته بين العامة وأهل العلم فيها لقراءة دروس مذهب مالك أو التكلم في الأخلاق أو التوحيد، ثم انتقل إلى الشرقية، حيث أحسن أهلها الإصغاء له والقبول. ثم إلى سواكن، وفيها قرأ البخاري لعلمائها وقسم العبادات من الموطأ وصار له أصحاب يحسنون الاقتداء والفهم في علوم الحكمة العالية[4].

جهاده ضد الإستعمار الإنجليزي في السودان

  • وجد أبو العزائم أن العالم العربي الممتد من سواحل الأطلنطي في الغرب، إلى الخليج العربي في الشرق، تعرض لغزو الاستعمار، الذي تسابقت ممالكه وجمهورياته لاغتصاب أراضى الإمبراطورية العثمانية، وفي سنة 1830 م استولت فرنسا على الجزائر، وفي سنة 1880 م نزلت جيوشها تونس تحت الحماية، وفي سنة 1882 م أناخت بريطانيا بمصر، وفي سنة 1911 م فاجأت قوات إيطاليا ساحل طرابلس.
  • سلط كتاب (تاريخ السودان الحديث) الأضواء على حال المسلمين في الوقت الذي كان الإمام يعمل به في السودان وقبلها، وكذلك نظرة المستعمر إلى الإسلام، فقال: "اهتم البريطانيون بالإسلام اهتماما خاصا نابعا من إدراكهم لخطورته في المجتمع، وكانوا مدركين لدور الدين في حياة السودانيين لا سيما وأن حكمهم في حقيقته إنما هو احتلال صليبي استعماري على أنقاض دولة وطنية مسلمة. فقد كتب اللورد ملنر (إن خضوع المسلم لحاكم مسيحي يعارض روح الإسلام نفسها)، وعبر أحد البريطانيين عن تخوفه من الحركات الدينية وإمكانية انفجارها في السودان حيث التطرف الديني كامن في عمق بسيط تحت السطح. وكان الحاكم العام البريطاني ونجت باشا أكثر وضوحا وصراحة حين قال: (لا يتعين علينا ألا نتراخى لحظة في احتياطاتنا ضد انتشار مثل هذه الحركات، والسبيل الوحيد لتحقيق ذلك بإمكانياتنا المحدودة أن نسحقها بلا رحمة في بدايتها).


بهذا الفهم تعامل البريطانيون مع كل من يمثل قيادة دينية شعبية قد تقوى الرابطة الإسلامية وتبث روح الإسلام في النفوس كدين لا يفصل بين الدين والدولة، وبين الفرد والجماعة، وبين الدنيا والآخرة.


فرق البريطانيون بين نوعين من الإسلام في السودان:


إسلام صوفي سموه الإسلام الشعبي


وإسلام سني سموه الإسلام التقليدي


وحاربوا الإسلام الشعبي الذي يمثله الصوفية لأنهم السبب الأساسي في الثورة المهدية حيث تمكن حفنة من الصوفية من تفجير ثورة قوضت النظام التركي، وعزي الإنجليز ذلك إلى قوة ونفوذ الصوفي أو الشيخ. ومما ضاعف من تخوف الحكم البريطاني من الحركات الدينية أن القيادة البريطانية في السودان كانت في يد شخصيات ذات خلفية أمنية وتدريب أمني، فالحاكم العام "رونالد ونجت" والمفتش العام "سلاطين" كانا في جهاز الاستخبارات، فكان أي تحرك ديني يوضع تحت المجهر الأمني، وكانوا يتوهمون بهاجسهم الأمني أن المهدية يمكن أن تتكرر.


تعامل البريطانيون مع العلماء السنيين ليكونوا لهم عونا في تحقيق الاستقرار، كما اتجهوا إلى الطرق الصوفية التي عارضت المهدية. لذا انشأت الإدارة البريطانية في عام 1901 م لجنة العلماء التي تكونت من علماء الإسلام الذين تلقوا دراسة أزهرية أو ما شابهها، ومن الذين لهم مكانة دينية مرموقة، وهي لجنة استشارية ترجع إليها الحكومة وحصلت منها على تأييد بعض إجراءاتها حتى تجد قبولا وسط أهل البلاد، فيقوى موقفها لحصولها على تأييد أعلى هيئة دينية.


فقام الإمام في دروسه بتوعية المسلمين من شر هؤلاء، مبينا أنهم يموهون على العامة بأنهم الدعاة إلى الله الوارثون لأحوال الأقطاب وأنهم يمكنهم النفع والضر، ويلتفتون المسلمين عن العمل الواجب عليهم شرعا وعقلا من العلم والعمل للدنيا،. كشف الإمام الغطاء عن هؤلاء الأدعياء، لذا قاموا بالوشاية والكيد لـه عند الحكام الإنجليز وأوهموهم بأنه يعمل على تحطيم نفوذ الأئمة الدينين والذين يعتمد عليهم الإنجليز في قبول حكمهم لدى الأهالي، وبلغ بهم الأمر أن اتهموه بأنه يدعي المهدية وأنه سوف يظهر كمهدي يحمل الراية السوداء، كما جندوا بعض أتباعهم للعمل كجواسيس لدى الإنجليز لينقلوا ما يدور في مجالس ودروس الإمام. كان الإمام يبث بين طلبته وتلاميذه ومريديه روح التدين، ويقوي ويعمق الرابطة الإسلامية بين الشعوب الإسلامية على أساس أن الإسلام هو النسب وهو الوطن وهو الدين، ويحذر الجميع من الوقوع في حبائل الاستعمار، ويبين مكايده وعمله على استنزاف ثروات وعقول المسلمين. بابا:

  • لما اندلعت الحرب العالمية الأولى في العام 1914م، دخلت تركيا الحرب ضد الإنجليز، وتركيا تمثل دولة الخلافة الإسلامية والتي أعلنت الجهاد المقدس ودعت كل المسلمين لمناصرتها والوقوف بجانبها. وفي الجانب الآخر، دعا الحاكم البريطاني في السودان الموظفين والأهالي الوقوف مع بريطانيا مؤكدين أن البريطانيين أصدقاء الإسلام وحماته، واستمال البريطانيون بعض العلماء وبعض زعماء الطرق الصوفية بإغداق المنح والإعانات المالية عليهم فقاموا بتأييدهم وطمأنة الأهالي وإقناعهم بالوقوف ضد دعوة السلطان العثماني.


وإزاء هذه الأحداث قام أبو العزائم بكشف الحقيقة وإبطال دعواهم، وكان أبو العزائم يبث روح الدين والرابطة الإسلامية وحب الوطن والأخذ بأسباب التقدم وتعلم الفنون، وذلك من أجل النهوض بالأمة الإسلامية، ويحارب الاستعمار لعلمه بأنه يعمل على هدم الدين في نفوس المسلمين، وليقينه بأن المسلمين لو تمسكوا بشريعتهم وأخذوا بالعلوم فسوف يكون لهم الشأن والعلو والمكانة في الدنيا والفوز في الآخرة، لذا كان أبو العزائم يربي تلاميذه ومريديه على هذا ويبين لهم مغبة الوقوع في حبائل الاستعمار وكيف أن الاستعمار يعمل على استنزاف ثروات المسلمين.

وأثناء درس من دروس أبي العزائم، أمسك بجوربه المصنوع من القطن سائلا: ممن صنع هذا الجورب؟ فقالوا من القطن، فسأل: ومن زرع هذا القطن؟ فقالوا: نحن زرعناه في بلادنا، فسأل: ومن الذي اشتراه، فقالوا: الشركات الإنجليزية، فسأل: فأين يذهب به؟ فقالوا: إلى مصانع لانكشاير حيث تصنعه جواربا وغير ذلك ثم يرجع إلينا بثمن أعلى. وبهذا يكون أبو العزائم قد وضع النقاط على الحروف، ثم أكد فقال: "هل رأيتم القطن الذي زرعناه؟ ماذا لو صنعناه؟!!!"، وقد كثر صدور مثل ذلك في دروس أبي العزائم، لذا كانت المخابرات البريطانية في السودان تسترق السمع لدروسه سواء كانت في الأماكن العامة كقاعات الدراسة والمساجد أو في داره "ببري" حيث كان مدير المخابرات بنفسه يسترق السمع لدروس وأحاديث أبي العزائم.

  • تركزت أبحاث المؤرخين الإنجليز الذين أرخوا لاستعمار بريطانيا العظمى للسودان، على أن أسباب فشل جهود طواغيت الاستعمار البريطاني في إطالة أمد استعمارهم للسودان ترجع كلها إلى مناهضة الإسلام لهم كدين تعمقت جذوره في أفئدة المؤمنين السودانيين فهبوا في انتفاضتين عارمتين جرفتا كل مخططات الاستعماريين فدمرتا كل آمالهم في دوام احتلالهم للسودان المسلم.


أما الانتفاضة الأولى: فكانت الحركة المهدية.


وأما الانتفاضة الثانية: فكانت الحركة العزمية.

ملف:Abolazaiem.jpg
أبو العزائم وسط أتباعه في أحد القرى المصرية

ولد محمد ماضي أبو العزائم في 27 رجب 1286هـ/2 نوفمبر 1869م بمدينة رشيد، ويرجع نسبه إلى أهل البيت فهو حسني من جهة الأم، حسيني من جهة الأب. اعتنى والده عبد الله المحجوب بتعليمه، فحفظ القرآن الكريم في بلدته محلة أبو علي، ثم دفعه إلى شيخ أزهري يدعى عبد الرحمن عبد الغفار لتعليمه، فدرس على يديه جوانب من الفقه المالكي والحديث والنحو. كما شغف أبو العزائم بقراءة كتاب إحياء علوم الدين في صباه، ولما بلغ السادسة عشرة من عمره، التحق بالأزهر الشريف، ثم التحق بمدرسة دار العلوم وتخرج منها سنة 1305هـ/1888م. كانت أولى مهامه الوظيفية هي العمل كمدرس لمادتي الدين واللغة العربية بمدرسة إدفو الابتدائية سنة 1306هـ/1889م، ثم نُقل إلى مدرسة الإبراهيمية الأولية سنة 1307هـ/1891م، ثم إلى المدرسة الابتدائية بالمنيا في ربيع الأول 1311هـ/أكتوبر 1894م.[5]


ولقد أسهم هؤلاء المؤرخون ، ومن بينهم "جون سبنسر تريمنجهام" في كتابه (الإسلام في السودان) [6] ومنها نُقل إلى أسوان سنة 1316هـ/1898م لمدة عام واحد، أُعيد نقله بعدها إلى سواكن لعامين آخرين، قبل نقله إلى أم درمان سنة 1320هـ/1902م الذي تزامن مع افتتاح كلية غوردون التذكارية التي انتقل للتدريس بها سنة 1323هـ/1905م.

وفي السودان، هاجم أبو العزائم بعض علماء المسلمين مثل مصطفى المراغي قاضي قضاة السودان وقتها ممن اتهمهم بالتعاون مع الإنجليز، وزعم أنهم يُخادعون العامة بأنهم دُعاة إلى الله، وأنهم وارثون لعلوم الأقطاب، وأنهم يمكنهم النفع والضر، ويُبعدون المسلمين عن واجباتهم بالتعلُّم والعمل للدنيا. ومع إندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، وقف أبو العزائم مع معسكر العثمانيين ضد معسكر الإنجليز، فطُرد من وظيفته في سنة 1333هـ/1915م، فانتقل إلى بلدة المطاهرة بالمنيا،[7] وأقام فيها عامين قبل انتقاله لمدينة القاهرة سنة 1325هـ/1917م.[8] أسس أبو العزائم طريقته العزمية سنة 1353هـ/1934م، وتوفي في 27 رجب 1356هـ/3 أكتوبر 1937م، ودُفن في مسجده بالقاهرة.

Islam in Sudan (1965), 2 nd Ed. By G.S. Trimingham. Frank Cass & Co. LTD, London

</ref> على المقارنة بين الحركتين المهدية والعزمية، وأجمعوا على أن الحركة العزمية كانت أعظم خطرا وأقوى تأثيرا لأنها قامت على أفكار زرعها داعيتها السيد محمد ماضي أبو العزائم في عقول الصفوة المثقفة الممتازة من أبناء السودان، ودأب على رعايتها وتنميتها حتى أثمرت وآتت أكلها وانتشرت بواسطة تلاميذه ومريديه بين كل أفراد الشعب السوداني وطوائفه، فتأسست على مبادئه وأيدولوجيته الجمعيات الوطنية التحررية، وقامت صحف سياسة تلهب حماس الشعب للنضال من أجل حريته والدفاع عن كرامته.


وعندما تحدث المؤرخ الإنجليزي جون سبنسر تريمنجهام عن الحركة المهدية والعزمية قال: (.. أما العزمية فإنها أخذت طبيعة مؤسسها الأستاذ الذي مهنته التعليم والتثقيف فكان يتعامل بالفكر مع عقول رواد حلقاته وبث فيهم المبادئ الإسلامية التحررية، وأحسن عرض الشريعة الإسلامية في محاضراته بأسلوب شيق ورزين، ولذلك فإن رواد حلقاته يمكن تصنيفهم على أنهم تلاميذ لا مريدون.


إن أبا العزائم قد أبهر طلابه السودانين بمحاضراته غزيرة العلم وذات الأسلوب الأدبي الشيق الجذاب فلازموه وفتح لهم بيته. لقد تركزت محاضراته على أن الإسلام ليس فقه شرائع تعبدية، بل هو أيضا سياسة شرعية، ومن أوليات هذه المبادئ الشرعية أن لا يتولى أمور المسلمين إلا خليفة يرتضونه، وحرام عليهم أن يستكينوا لمستعمر كافر. واتسعت دائرة رواد بيته حتى غدى كعبة للمثقفين السودانيين وذوي النوازع الوطنية والتحررية، ومن ثم نشأت في بيته حركة وطنية تحررية أدت إلى قيام أحزاب سياسية وصدور صحف تنادي بالاستقلال وطرد المستعمر.

  • في 10 شعبان من عام 1313هـ (6 فبراير 1895) إبان الأيام الأخيرة من حكم المهدية بالسودان، توجه أبو العزائم من مصر إلى بلاد السودان ليرفع لواء العلم. وقد بذل كل جهده في تربية النشء التربية الدينية السليمة، وهو الجيل الذي سوف يتولي القيادة، والذي سيعول عليه في بناء المجتمع السوداني المتحرر من قيود الاستعمار. وظل بالسودان حتى عام 1915م فيما عدا عام واحد قُضِي في مدينة أسوان بعد سواكن. و كما كانت مدينة المنيا هي الأفق الأول لدعوته في مصر ومنها أُذن بنشر الدعوة.. كذلك كانت سواكن بالنسبة لمدن السودان.
  • و في عام 1898م خضعت سواكن للاحتلال الإنجليزي. وكان الناس في شغل عن المدارس والتدريس، فالكل خائف من عدوهم الخارجي ومن الوشايات التي يدبرها أهل البلد فيما بينهم وذلك نتيجة لوجود الحكم العسكري فيها واستقطابه لبعض الأهإلى ، فكان وجوده بينهم مصدر وحدة وتنوير، وحببهم في العلم وفي تلقيه، فما لبثوا أن أقبلوا عليه لتلقيه بالمدارس وبالمساجد. لقد تأثر جميع سكان سواكن بوجوده بينهم، لأنه كان يصرف جميع أوقاته بعد العمل المدرسي في الدعوة إلى الله وتعليم الناس وتربيتهم وتنوير عقولهم، لذا كان أثره فيهم بالغاً.
  • وخلال فترة وجود بسواكن في السودان، ونظرا لقربها من المنطقة الجنوبية التي تنتشر بها الوثنية، فقد كان يرسل إليها بعض أتباعه في صورة تجار حاملين معهم الملح نظرا لعدم وجوده عندهم. فإذا أنسوا لهم كانوا يعرضون عليهم مبادئ الإسلام في صورة سهلة سمحة رغبت فيه الكثير، وهنا تنبه الإنجليز إلى خطره حيث أوفد أتباعه إلى تلك المنطقة التي تجوبها جيوش المبشرين، فكانت ذلك من الأسباب التي أدت إلى نقل إلى مدينة أسوان.


تسلم عمله الجديد بأسوان- وكان بصحبته عائلته- أواخر شهر جمادي الأولي 1316هـ الذي وافق 8 أكتوبر 1898م، ومكث بها عامًا واحدًا.

وعلي غير ما اعتادت عليه أسوان، وعلي غير مثال ما سبق، اكتظ الجامع الكبير بأهل البلدة لسماع دروس ، وجمع الله عليه الخلق يستمعون إليه وينصتون. وكان من بين تلاميذه الذين توثق رباطهم به: الشيخ محمود العقاد (والد الكاتب والأديب المعروف عباس محمود العقاد).


توجه أبو العزائم في سياحة طويلة من أدني صعيد مصر إلى الوجه البحري زار فيها بلادًا كثيرة. وأثناء هذه السياحة، علم أن وظيفته قد انتقلت إلى سواكن مرة أخرى، فرجع إلى سواكن واستقر بها عامين جدد فيهما دعوته إلى الله تعالى والتي كان قد بدأها من قبل.

  • انتقل إلى مدينة أم درمان في عام 1902م، والعام الذي نقل فيه إلى مصلحة المعارف السودانية، والذي افتتحت فيه كلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم حاليًا)،، إذ توجه إلى من أم درمان إلى الخرطوم مع الأساتذة العاملين بمدرسة أم درمان لحضور حفل افتتاح الكلية.
  • وفي العام 1905م -وكان عمره آنذاك 36 سنة- وعندما افتتح القسم الخاص بتخريج المعلمين المؤهلين والقضاة الشرعيين بكلية غردون، انتقل من مدينة أم درمان إلى الخرطوم أستاذًا بالكلية.
  • كان يؤلب الناس ضد الاحتلال البريطاني، وظل علي ذلك إلى أن حيل بينه وبين مزاولة عمله كأستاذ لمادة الشريعة الإسلامية بكلية غردون.
  • كان اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914م ، فوقف أبو العزائم مؤيدا لدولة الخلافة الإسلامية تركيا ضد الإنجليز وحلفائهم، فتحقق الإنجليز وأعوانهم من الخطر الداهم الذي يمثله بقاء أبي العزائم بالسودان، فاستقر الرأي على إخراجه منها بشكل أو بآخر، واتجهت نيتهم في البداية لنفيه إلى جزيرة مالطا أثناء سفره في إجازته إلى مصر، وصدر قرار النفي إلى مالطا.

ولما وصل أبو العزائم إلى الشلال عائدا من السودان كان ينتظره هناك الآلاف من تلاميذه، وعدد من محبيه ومن مريديه من خيرة رجالات مصر، وعلى رأسهم محمود سليمان باشا، ومحمود الشندويلي باشا، وأحمد باشا الشريعي، وحمد الباسل باشا، وكثيرون من أعلام الطب والمحاماة والعلماء والأعيان وقد طلب هؤلاء من الحاكم العام أن يكون نفي أبي العزائم إلى بلدة المطاهرة بالمنيا بدلا من جزيرة مالطا، فاتصل "ونجت" لاسلكيا بإنجلترا وصور لحكومته خطورة نفيه إلى مالطا فوافقوا. وبمجرد وصوله إلى بلدته وافاه خطاب وكيل حكومة السودان بعدم سفره مرة أخرى إلى السودان.

  • وقد دخل السودان طورا جديدا من حياته وتاريخه بعد توقيع اتفاقية الحكم الثنائي ارتبط فيه ببريطانيا ارتباطا وثيقا في شتى مناحي حياته. وأخذت الإدارة البريطانية تنشئ دواوينها وتنظم أعمالها وتخطط مشروعاتها الاقتصادية والثقافية وتفرض ضرائب على الناس حتى تفجرت الثورات في الجنوب والشمال قدرت بثلاث عشرة ثورة أولها عام 1902 وآخرها عام 1934، وكان أهمها جميعا ثورة 1921، 1924 م وذلك لظهور طبقة المثقفين الذين تربوا على أيدي أبي العزائم.


إن عناصر الثورات الوطنية في السودان كان أغلبها من تلاميذ أبي العزائم الذين تربوا على يديه ونهجوا نهجه في الجهاد، فكان زعيم جمعية (اللواء الأبيض) "على عبد اللطيف" تلميذا للإمام أبي العزائم منذ حداثة سنه، كما كان زملاؤه كلهم ممن تخرجوا على يديه في كلية غردون وفي مقدمتهم حسن فضل المولى وثابت عبد الرحيم وعبد الفضل ألماظ، وقد حوكموا جميعا أمام محاكم خاصة، وكانت محاكمة على عبد اللطيف وأقواله أمام الهيئة نموذجا صادقا لما تتسم به التربية الإسلامية التي تنمي الشعور بالوطنية الحقة. كما جاءت أقواله دليلا حيا لما يمكن أن تؤثر فيه شخصية الزعيم الديني في تلاميذه. ولما وجد المستعمرون أن المحاكمة تحولت إلى مظاهرة وطنية ودينية، أتهمته بالجنون وأودعته مستشفى الأمراض العقلية. وقد شهد الدكتور بهمان بأن عبد اللطيف مثلا للاستقامة والنزاهة ورجاحة العقل. وقد حرص أبو العزائم أن يزور تلميذه بالمستشفى على فترات متقاربة ويجلس إليه الساعات في جلسات روحية عالية إلى أن انتقل إلى جوار ربه. وظل أبو العزائم يستنهض عزائم طلابه ومريديه من أبناء السودان ضد الاستعمار الإنجليزي حتى أدرك الإنجليز خطورته عليهم فقرروا أن ينهوا دوره فيه.

  • حين عم الوعي الإسلامي في بلاد السودان سنة 1924 م حين ثارت فصيلة "على عبد اللطيف" وبعض إخوانه على جيش الإنجليز المدجج بالسلاح والعتاد وكادت الدوائر تدور عليه لولا خيانة أعداء الحرية من أرباب السلطة في ذلك الحين الذين اتخذهم الإنجليز مخلب القط فسلم الجيش المصري تسليما مخزيا لأعدائه الإنجليز.


إن البطل على عبد اللطيف حين سألنه القاضي الإنجليزي أبان محاكمته: من أين لك هذه الروح القوية الوطنية؟ فأجابه على الفور: من شيخ مصري يدعي محمد ماضي أبو العزائم كان يخصنا بها في دروسه بالكلية وعظاته بمسجد الخرطوم التي ألهب بها قلوبنا حين كان يقول: إن الإسلام وطن وإن ذلك الوطن يجب أن يحرر وإن كل قاعدة عن ذلك التحرير هو مشرك بالله لن ينال رضاه وإن صلي وصام وحج البيت وإن الجهاد فريضة على كل مسلم حر قادر كسائر الفرائض.

  • في عام 1915م غادر الإمام السودان عائدًا إلى مصر قبل أجازته السنوية بشهر، بعد أن ربي رجالاً كانوا هم طليعة جيل المجاهدين ضد المستعمر الإنكليزي بالسودان[9].

== جهاده ضد المستعمر الإنجليزي في مصر==

  • بدا لأبي العزائم أن العالم العربي والإِسلامي، قد تعرض من جديد لحرب صليبية تستهدف كيانه القومي وعقائده الدينية، فوقف مناديا بالجهاد تحت لواء الخلافة الإسلامية، فأقصاه الحاكم الإِنجليزي عن وظيفته في 1/8/1915 م لتحذيره المسلمين من الوقوع في حبائل الاستعمار، فاستقبل أمر الإِقصاء بصدر رحب، لأنه كان يجاهد في سبيل الله.
  • عاد أبو العزائم إلى الوطن عالما لا يضن بعلمه على من هو في حاجة إليه، فهو معلم سجيته أن يعلم، وعلمه متاح لا لمن يسعى إلى طلبه فحسب بل إنه كان يسعى هو إلى من يتوسم أنهم في حاجة إليه، فكانت ساعاته موزعة بالقسطاس بين من يفدون إليه في مقره طلبا لعلمه وبين السعي في زيارات- حتى للمواقع النائية، إلى من يرى ببصيرته أنهم في حاجة إلى هذا العلم. فصار مقره في القاهرة كعبة يقصدها طلاب العلم، كما صارت النوادي الثقافية والمنتديات العلمية في كل مدن مصر والمساجد في كل مدينة أو قرية مزارا لـه تتضوع فيها أفكاره وعلومه، ومن ثم أصبح النشاط العزمي في مصر امتدادا للنشاط العزمي في السودان.
  • أمضى الفترة ما بين عامي 1915- 1917م بالمطاهرة بمحافظة المنيا. وبمجرد وصول أبي العزائم إلى "المنيا" تحولت بلدة "المطاهرة" وما حولها إلى مدارس للإمام خرجت أعلام الوطنيين وأئمة المجاهدين الذين بدأت بهم الثورة الوطنية عام 1919م.

ومع أن إقامة أبي العزائم كانت محددة في منزله بالمطاهرة إلا أنه كان يتجول في القرى والبلاد المجاورة وذلك عن طريق وساطة محبيه، فقد توسط رئيس الوزراء - وكان محبا وتلميذا للإمام منذ فترة طويلة- في تيسير انتشار أبو العزائم في دائرة أوسع وهذا مما سيتيح فرصة أكبر للسلطة الإنجليزية بالبلاد في معرفة حركات ومخصصات ونوايا أبو العزائم!! فوجد هذا الرأي استحسانا كبيرا. وأمام هذا التسهيل كان أبو العزائم يجتمع برجال ثورة 1919م.


كان أبو العزائم من ذوي النفوس الكبار، ومن شأن كبار النفوس هؤلاء أنهم يستعذبون الآلام لتحقيق الآمال، وقليل ما هم، ولكنهم وحدهم الذين دفعوا بالإنسانية قفزات إلى الأمام في طريق التطور إلى الحياة الأفضل.

  • وكان لأبي العزائم دور كبير في ثورة 1919 م فمطابعه التي كانت تطبع مؤلفاته العلمية حولها لطبع المنشورات ضد الاحتلال الإنجليزي لجمعية اليد السوداء التي كان يتعقبها الإنجليز في كل مكان، واعتقل أبو العزائم وابنه الأكبر السيدأحمد ماضي أبو العزائم أكثر من مرة. كما وقف من جميع حكام مصر وزعمائها، موقف المعارض كلما لانت قناتهم لمفاوضة المستعمر الغاصب، فكان يوجه النصح في مجلاته وكتبه وفي الصحف لسعد زغلول ولغيره من زعماء الأحزاب، ليصرفهم عن مهادنة الإنجليز، مبينا لهم مغبة مساومة المستعمر على حقوق الأمة.
  • ومن البديهي أن يستنتج القارئ أن الاستعمار البريطاني في مصر كانت مناهضته هدفا استراتيجيا للإمام أبي العزائم كما كان الحال في السودان، أعيا الإنجليز أمره في السودان وفكروا في الخلاص منه، فكان جذوة تركها بين أبنائه الناشئين في ذلك القطر الشقيق، وجاء مصر فألهبها غيرة وحماسة في التفكير للخلاص من هذا الداء الوبيل والكابوس الثقيل حتى قامت الثورة فكان سعد زغلول علمها الظاهر وكان الإمام أبو العزائم هو المحرك لأفراد الأمة إلى هذا العمل الباهر.


ومع تضافر الجهود الوطنية في مصر ضد الاحتلال قامت ثورة 1919م، وكان أبو العزائم من أوائل الذين قبضت عليهم السلطات البريطانية وأودع السجن في محاولة منها لوأد هذه الثورة في مهدها، وكان معه ولده الأكبر السيد أحمد محمد ماضي أبو العزائم الذي كان ملازما لوالده ملازمة كاملة، ليس لـه طلب في الدنيا إلا أن يشارك أباه نضاله ويشد أزره وينظم لـه برامج تنقلاته ويرعى شئونه الشخصية وينشر دعوته ويردد عنه أفكاره ومبادئه فأصبح خليفته الأول بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى.


ومن كانت طبيعته العطاء فإن عطاءه لا يتوقف، ولذلك كان أبو العزائم في السجن كما كان خارجه كالبحر الهادر، فلم يلبث إلا أن صار مجتمع السجن كله- مساجين وحراسا وضباطا- من أتباعه والمتحمسين لدعوته ومبادئه. وانتقلت أنباء النشاط العزمي إلى مسامع طغاة الاحتلال البريطاني، فذهب أحد طواغيتهم ليتحقق من واقع الأمور بنفسه، وكان هذا الطاغوت هو "رَسِل" باشا الذي كان يشغل حكمدار القاهرة ولكن نفوذه وسلطاته الغاشمة تتعدى حدود منصبه إلى جميع أنحاء القطر المصري بسائر مدنه ودساكره وقراه.

فماذا رأي رسل باشا؟ لقد وصل إلى السجن وقت صلاة الظهر، فرأى أن جميع المسجونين ومعهم جميع جنود الحراسة بالسجن ومن بينهم ضباطهم قد اكتظ بهم الفناء الأكبر للسجن صفوفا يؤدون الصلاة خلف الإمام أبي العزائم الذي ختم الصلاة وانبرى إلى المأمومين يدعو بأن يخلص الله الوطن من الاستعمار اللعين وأعوانه، والمصلون من خلفه يؤمنون.

وكان صوت أبو العزائم يهدر بالدعاء عميقا جهوريا، وصوت المصلين بالتأمين يعلو ليصل إلى عنان السماء قويا راسخا ثابتا، مما جعل رسل باشا يرتعب وترتعد فرائصه مما أدى به إلى أن يكتشف أن هذا أبو العزائم في سجنه يشكل خطورة أكبر من خطورته خارجه، فنفاه من السجن بأن أمر بالإفراج عنه مع ابنه فورا.[10]

  • قام بإصدار مجلة الفاتح من عام 1915م حتى 1920م.
  • وأمام هذه المسئولية الجديدة للإمام، طلب الأحباب أيضا نقل أبو العزائم للإقامة في القاهرة عاصمة مصر. وفعلا تمت الإقامة الجديدة، وكان منزله تحت الرقابة الشديدة من قبل الإنجليز ورجال السلطة المصرية. وكان أبو العزائم إذا عمل احتفالا دينيا لمناسبة معينة تتطلب تجمعات بشرية، فقد كانت القوات البريطانية تقوم بالتفتيش المستمر في هذا اليوم لجميع أنحاء المنزل بحثا عن وجود أسلحة أو منشورات أو أشخاص مشتبه فيهم أو خلافه.

وكان منزله بمصر كعبة وفود الأمم الإسلامية من مختلف الأجناس، ومحط أنظار سفراء الممالك الإسلامية وعظماء مصر ممن لم يحجبهم حجاب المعاصرة والمجانسة، فكان - ولا تأخذه في الحق لومة لائم- يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أيا من كان.

  • في عام 1920 م أسس مجلة (المدينة المنورة)واستمرت لسنوات طوال -بعد انتقاله إلى جوار ربه- حاملة لواء العلم الصحيح.
  • بعد أن قررت الجمعية الوطنية بأنقرة في 2/ 3/ 1924 م إبعاد الخليفة عن تركيا، وتخليه عن الخلافة، ونظرا لتعدد أدعياء الخلافة فقد دعا أبو العزائم إلى عقد مؤتمر عام بمكة سنة 1926 م تمثل فيه جميع الشعوب الإسلامية لعودة الخلافة، الأمر الذي أغضب الملك فؤاد، فجند جنوده وأنشأ جماعة أخرى للخلافة الإسلامية، وبذلك أصبحت هناك هيئتان للخلافة الإسلامية، إحداهما حكومية يرعاها الملك فؤاد، والأخرى شعبية برئاسة أبي العزائم، وعندئذ أعلن بأن مصر دولة محتلة، وحكامها قد تربوا في أحضان الأجانب، ودانوا بفكرتهم، ومن ثم فلا يكون لهذا البلد في ظل الاستعمار، وفي ظل هذه الشرذمة من الحكام، أن يتصدر ملكها عرش الخلافة الإسلامية .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بدء دعوته

ملف:Abolazaiem.jpg
الإمام أبو العزائم وسط مريديه ومحبيه في إحدي القرى المصرية
  • بدأ السيد محمد ماضي أبو العزائم دعوته الدينية بمدينة المنيا أثناء عمله مدرسا هناك (1311-1313هـ، 1893- 1895م)، ومن المنيا انتشرت دعوته إلى قراها ونجوعها والبلاد التي حولها في وقت قصير جدا، وقد تنزلت على قلبه من سماء الفيض الإلهي صيغ مختلفة في الصلاة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيل منهمر من مواجيده الروحانية التي جذبت قلوب من سبقت لهم من الله الحسنى وكان عندهم القابل النوراني لتلقيها وتذوق ما فيها، فعم صيته مدن صعيد مصر. وقد كانت مواجيده في أقصى ما يكون ذراها كما وكيفا في بداية الدعوة وكذلك خلال فترة عمله ببلاد السودان.
  • تلقى أبو العزائم بالتلقين دعاء غوث العصر: كان من عادة أبو العزائم عندما يريد النوم أن يقرأ القرآن أو يقرأه على مسامعه أحد الإخوان أو أهل بيته، وأثناء قراءته لبعض آيات من الذكر الحكيم عقب الانتهاء من احتفال كبير بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، قهره النوم، فجاءه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقعده، وتناول كلتا يديه، ولقنه مشاهد وأذوق قرآنية وصيغا جديدة في الصلاة والسلام على ذاته الشريفة تبين مقامات النبوة والرسالة منذ نشأة الخليفة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ثم لقنه دعاء الغوث لهذا العصر وأمره بأن يلقنه للمسلمين وأن يجعل الأمة تردده قائلا: اللهم باسم العظيم الأعظم، وبجاه المصطفى صلى الله عليه وسلم وبسر أسمائك الحسنى ما علمنا منها وما لم نعلم، أن تعجل بالانتقام ممن ظلم، وأن توقع الظالمين في الظالمين والكافرين في الكافرين، وأن تخرج المسلمين من بينهم سالمين غانمين يا رب العالمين.

وبدأت الفيوضات الربانية والمنح النبوية تفاض على قلب أبو العزائم، فبدأ يملي أورادا وأحزابا واستغاثات وتفاسير قرآنية ومشاهد في أحادث نبوية غير مسبوقة بمثل ما كتب فيها أو شاهد عنها أو ذاق منها، حتى أن أبو العزائم قال حامدا وشاكرا فضل الله سبحانه وتعالى عليه: "ومنها أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغت مني مبلغا حتى كاشفني الله تعالى ببعض معانيه صلى الله عليه وسلم الباطنة والظاهرة، وألهمني سبحانه جملا في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.

  • إسلام عدد من الرهبان على يديه:

وكان أبو العزائم مسافرا لنشر الدعوة مع بعض أتباعه بالقرب من سمالوط وأدركهم وقت صلاة العشاء بالقرب من الدير الشهير هناك، فطلب من أحد مريديه أن يؤذن، وطلب من الباقين تجهيز المكان لأداء الصلاة، وكان بجوار هذا المكان بعض الرهبان، وأثناء الصلاة أحس الرهبان بدافع عجيب يدفعهم لمشاهدة هذا الشيخ المسلم وأتباعه، ولما انتهت الصلاة بدأ أبو العزائم في شرح بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن سيدنا عيسى والسيدة مريم عليها السلام

فما كان منهم إلا أن أخذوا يقتربون رويدا رويـدا حتى انضموا إلى الحلقة المحيطة بأبو العزائم، وظل هذا المجلس لساعات وهم يستمعون إليه، بعدها طلبوا استضافته في الدير، وقضي معهم الليل بالدير حتى مطلع الفجر، وقد انتهت تلك الليلة بإسلامهم جميعا وتغير أسمائهم إلى أسماء إسلامية.

اهتمامه بالدعوة على المستوى العالمي

دعوة الإمام أبى العزائم ذات أبعاد عالمية، وليست دعوة محلية، وشواهد ذلك كثيرة.. منها:


أولاً: دعوة الإمام أبى العزائم لأفكار إسلامية ذات صبغة عالمية مثل: فكرة الإسلام دين الله، وفكرة الإسلام نسب، وفكرة الإسلام وطن.


ثانيا رد الإمام على شبهات المستشرقين ، وحواراته مع المبشرين ورجال الكهنوت بردود علمية عقلية لم يُسبق فيها.


ثالثًا: كشف الإمام بطلان النظريات الفلسفية والعلمية الغربية الفاسدة مثل: كشفه مبكرا لزيف الماركسية والاشتراكية، ورده على نظرية دارون.


رابعا: تنوع تراثه العلمى وشموله لكل العلوم والفنون والآداب العالمية .. فللإمام نظريات إسلامية عالمية في الطب، والكيمياء، والأحياء، والفلسفة.. إلخ. كما كتب في المسرح، والقصة، وغير ذلك.


خامسا: اهتمام الإمام بقضايا المسلمين في العالم ودعمه لكل الثورات الإسلامية ضد المستعمرين.. وعلاقاته الوطيدة مع كافة زعماء العالم الإسلامى الذين جاهدوا الاستعمار الغربي مثل: الخطابى، السنوسى، شوكت على ومحمد على، على عبد اللطيف، إسماعيل الأزهرى، أمين الحسينى .. إلخ.


سادسا: سعى الإمام لإعادة الخلافة الإسلامية، ودوره الهام في انعقا د مؤتمر الخلافة الإسلامية في مكة المكرمة عام 1926 م حيث كان رئيسا للجنة لخلافة الإسلامية بوادى النيل.


سابعا: تنبؤاته المستقبلية بانتصار الإسلام وعودة المجد الإسلامى في كتابه (الجفر).


لذلك لم يقف به الحد عند هذه الدائرة الضيقة بالديار المصرية فحسب بل هب لتنبيه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالنذر الكتابية وبالكتب التي كان يمليها على أهل خاصته ثم يوزعها بلا مقابل في الهند وجاوه والصين واليمن والحجاز والترك وبلاد العجم، كل ذلك كان ابتغاء رضوان الله تعالى. لقد كان يبتدأ الكتاب الصغير صبيحة الجمعة ثم يفرغ منه إنشاء فجر الاثنين الذي يليه ثم يطبعه ويجهد هل بيته وخاصته في إدارة المطبعة فلا راحة للكل حتى يطبع، ويوزع لا رغبة في المال. فقد كان متوفرا لديه.[11]

صور من مواقفه في الدعوة ومقاومة الإستبداد السياسي

  • عقب إعلان الحماية البريطانية على كل من مصر والسودان في نوفمبر سنة 1914م، أقام "ونجت" باشا الحاكم العام الإنجليزي بالسودان حفلا بهذه المناسبة ودعا إليه بعض الشخصيات السودانية والموظفين المصريين ليتعرف على أثر ذلك في نفوسهم ، وأقيم الاحتفال بسراي الحاكم العام.

حضر أبو العزائم ذلك الاحتفال عن كره وبعد إلحاح تلاميذه وأصدقائه، ذهب معه أحدهم وهو الشيخ محمد واد أحمد، وجلسا في الحديقة يتجاذبان أطراف الحديث عن حالة العالم الإسلامي المحزنة.


وقدم الطعام فقال أبو العزائم لجليسه: والله لأن آكل الزقوم في هذا اليوم خير لي من أن أطعم هذا الطعام. أوصل الوشاة هذا القول إلى ونجت باشا الذي جاء إلى أبي العزائم وسأله لماذا لم تأكل؟ فأخبره أنه صائم، فتعجب وسأله عن سبب صيامه، فقال لـه على سبيل التبكيت: أشكر الله تعالى على نعمة المساواة التي حدثت للمجتمع السوداني نظير فرض الحماية البريطانية حيث أصبح المصري والسوداني والبريطاني أمام القانون سواء. سأله ونجت عما يقصده، فقال لـه أبو العزائم: يعني إذا ضربتك الآن- ووضع يده على خد ونجت- فسوف تعلق لي المشنقة لأشنق باكر، ولكن أمامي وأمامك القضاء والقصاص بين الندين عادل مهما كان، وأنا أتساوى معك في الرعوية الإنجليزية. فارتبك ونجت وقال: أنت رجل طيب كثير، أدعو لي يا شيخ ماضي. لكن غضبه اشتد عن ذي قبل.

  • كشأن الاستعمار في أي بلد يدخلها، فإنه يبدأ بزرع بذور الفتنة والشقاق للتفريق بين أهلها ليصبحوا شيعا وأحزابا، وإذا كان الدين هو المسيطر على الشعوب فإنهم يدخلون من هذا الباب للتشكيك فيه. استطاع الإنجليز تجنيد بعض أدعياء العلم بالسودان، فأذاعوا بين الناس ن طاعة الإنجليز واجبة بصفتهم أولي الأمر ويتلون قوله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ)(النساء: من الآية 59) ولا يصلون إلى بقيتها وهي (مِنْكُمْ). وشاعت تلك الأفكار الخبيثة بين المسلمين في السودان.


خطب أبو العزائم في الجامع الكبير بالخرطوم مبينا في خطبته أن الذين قالوا ذلك من علماء السلطة خائنون لدينهم كالذين قالوا: (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ)(النساء: من الآية 43) ولم يكملوها بقوله تعالى (وَأَنْتُمْ سُكَارَى) ، فالقرآن يقول (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(النساء: من الآية 59)أي: أولي الأمر منكم أيها المسلمون وليس أولي الأمر منكم أيها الإنجليز.

وتطورت سمة المواجهة بين أبي العزائم من جانب والإنجليز وأعوانهم من جانب آخر مما جعلهم يفكرون في طريقة للخلاص منه.

  • استدعى ونجت باشا (الحاكم العسكري العام بالسودان) أبا العزائم ذات يوم محاولا استمالته وكسب ولائه للإنجليز، وطلب منه أن يثني على بريطانيا ويكتب عن إصلاحاتها بالسودان مظهرا مساوئ الحكم العثماني، فسأله أبو العزائم: أتكتب ضد الإنجليز ؟ فقال كيف هذا وأنا رجل متعلم؟ فرد عليه أبو العزائم قائلا: إذن كيف تطلب مني أن أكتب ضد وطني وأنا معلم؟‍!..


وجعل يشرح لـه نسب الإسلام ونظرياته في الجنسية. وأخذ ونجت قرارا بين وبين نفسه بإقصائه عن السودان.

  • أعد ونجت حفلا كبيرا بنادي الضباط للتعارف بين البريطانيين والمصريين والسودانيين والتفاهم بينهم لتسيير دفة الأمور في حكم السودان بما يتلاءم ومصلحة إنجلترا. ولما وصلت الدعوة لحضور الحفل إلى أبي العزائم أعلن مقاطعته للحفل، وجمع أتباعه ومريديه، فأرسل إليه الحاكم العام يطلب إليه إعلان موقفه، فما كان منه إلا أن توجه إلى المسجد الكبير بالخرطوم، وبعد صلاة العصر أعلن عن مقاطعته لهذا الحفل كاشفا مؤامرات المستعمرين وسوء نواياهم مؤيدا كلامه بآيات من القرآن الكريم يرددها ويتلوها الناس خلفه حاثا إياهم على إكمال المسيرة وصون الأمانة.
  • (اللهم انصر سلطان المسلمين).. كانت تلك من الأدعية التي يدعو بها خطيب الجمعة على المنبر. وأثناء الحرب العالمية الأولى اعتبر الحلفاء أن هذا الدعاء ضدهم حيث أن تركيا تحارب ضد الحلفاء. أراد الحاكم العام للسودان تغيير صيغة ذلك الدعاء، وحاول الاستعانة بأبي العزائم لما لـه من مكانة عالية في قلوب المسلمين.


وفي مناسبة ضمت الحكام والزعماء السياسيين والدينين حضره أبو العزائم ، وقف الحاكم العام يلقي خطبة بالعربية كان قد أعدها من قبل، ووجه الخطاب إلى أبي العزائم قائلا: إن الحرب قد طالت واسأل الله أن يوقفها (فقال أبو العزائم: آمين)، إن ألمانيا دولة ظالمة نسأل الله تحطيمها (فقال أبو العزائم إن شاء الله)، وإن تركيا لا فكر لها والواجب عليها أن تكون مع الحلفاء لا مع ألمانيا، أنتم في خطبة الجمعة تقولون: (اللهم امحق الكافرين) قولوا: اللهم اهزم ألمانيا.


عند ذلك وقف أبو العزائم قائلا: (إن الدين الإسلامي مؤسس على تعاليم سماوية يستوي فيها الصعلوك والملك، ولا يمكن لأي أحد تغيير شيء فيه، أنا لا أستطيع أن أقول للمسلمين غيروا في خطبة الجمعة أية عبارة، أنت الحاكم العام للسودان، وعندك القوة، وغدا الجمعة، يمكنك أن تحضر مدفعا وتضعه على باب المسجد ثم تأمر الخطيب أن يغير لك ما تريد، فإن لم تستطع ذلك. فاستعمل مدفعك) !!.


ثم انصرف أبو العزائم محاطا بجمع كبير ومعه الضباط والجنود المصريون الحاضرون وقتها.

  • توجه مدير المخابرات البريطانية في السودان ومعه بعض الشخصيات الموالية للإنجليز لزيارة أبي العزائم في بري وقال لـه: أنت تكرهنا، فرد عليه أبو العزائم: لأي سبب؟ قال: لأننا غير مسلمين وأنت شديد التمسك بدينك ، فرد أبو العزائم بقوله: (ما جلست على هذه الأريكة التي أجلس عليها الآن إلا لأنها تريحني، فلو كنتم مريحين للمسلمين فكيف أكرهكم، ولا سيما أنكم من البشر، والإنسان أفضل من الجماد، وما دمتم تتعبون المسلمين فكيف أحبكم)؟!
  • كان الشيخ مصطفى المراغي قاضي القضاة بالخرطوم من أشد الحاقدين على أبي العزائم، وكان ينتهز فرصة سفره في إجازته السنوية إلى مصر ويجلس مكانه بمسجد الخرطوم يلقي الدروس محاولا أن يكتسب جمهورا لـه ولكنهم لم يجدوا في دروسه شيئا مما يسمعونه من أبي العزائم، فأخذوا يرددون المثل القائل (مرعى ولا كالسعدان) والمقصود أن ما يسمعونه منه كالحشائش الكثيرة التي يأكلها الحيوان ليملأ بطنه وقيمتها الغذائية منخفضة، أما ما يسمعونه من أبي العزائم فهو كالسعدان ذات القيمة الغذائية العالية.


ازداد حقد الشيخ المراغي وجاهر بالعداوة وذهب إلى ونجت وقال لـه: كيف تتركون أبا العزائم- وهو موظف عندكم- يلعن الإنجليز من على المنبر ويقول: فلعنة الله على الكافرين؟


استدعى ونجت أبا العزائم وأبلغه قول المراغي، فسأله المراغي: لو جاءك أمر ملكي أتعصاه أم تنفذه؟ فقال أنفقذه، فقال أبو العزائم: ولو جاءك الأمر ممن هو أعلى من الملك؟ فقال أكون أحرص في تنفيذه، فقال أبو العزائم: الله يقول (فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)(البقرة: من الآية 89) وأنا مدرس وأمين على الدين.

  • كان كثيراً ما يثني بالخير على أبطال الإسلام وينشر بطولاتهم، حتى أنه عندما وقع الأمير عثمان أبو بكر دقنه (وهو أمير الشرق وقائد قوات المهدية بها) في الأسر بعد فتح السودان عام 1898م بالقرب من سواكن واقتيد مكبلا بالحديد من سواكن ومنها إلى سجن حلفا، جعل الناس يضحكون عليه شماتة واستهزاء، فانبرى لهم أبو العزائم قائلا ومنبها (أتضحكون على مسلم يحارب أعداء دينه ووقع في الأسر؟!).
  • لما كان يشكله بقاء أبي العزائم من خطورة على وضع الإنجليز في السودان، فقد صدر قرار إبعاد أبي العزائم عن السودان في أغسطس عام 1915م.

ووقف القائد الإنجليزي عند مغادرة أبي العزائم للسودان يودعه بشماتة قائلا: أتى اليوم الذي يخضع فيه أبو العزائم للإنجليز، وستذهب إلى مصر ولن تجد عملا، وستعود إلينا فتقبل يدي لأعيدك لعملك، فرد عليه أبو العزائم بقوله: (بمشيئة الله سيأتي اليوم الذي يقبل فيه القائد الإنجليزي يد أبي العزائم وقدمه).


وعاد أبو العزائم إلى مصر وكأنما كان لسانه ينطق بما سطره القدر، فلقد قامت ثورة 1919م في مصر، وكان أبو العزائم في القاهرة وقتها والمظاهرات العارمة تجوب شوارعها لا ترى إنجليزيا إلا وفتكت به. وشاء القدر أن يذهب القائد الإنجليزي ليزور ناظر مدرسة الخديوية وهو إنجليزي، فوجد مظاهرة خارجة منها، فلم يجد شارعا إلا شارع سوق مشكة، فلما وصل إلى منتصفه وجد مظاهرة أخرى من ناحية مدرسة القريبة ومدرسة الخديوي إسماعيل، فلم يجد إلا حارة متفرعة من هذا الشارع وهو عطفة الفريق، فوجد سراي آل العزائم الذي يقيم فيه أبو العزائم. ولما دخل من البوابة وجد نفسه في فناء المنزل، وإذا بأبي العزائم واقف أمامه، فقبل يده وجثى على ركبتيه يقبل رجليه وقدميه، ويستعطفه ويطلب منه النجاة. وطاش عقله لما تذكر ما كان من قبل وما رآه من أن نبوءة أبي العزائم تحققت، فصار يصرخ قائلا للإمام: أنت المسيح، أنت المسيح!! ولكن الخلق المحمدي غالب على أبي العزائم ، فقد أجاره وأبلغه مأمنه، وأكرمه، وبعد انتهاء تلك المظاهرات أمره بالخروج.

  • كان يعظ ويبشر، فهدى أناسا كثيرين منحوا القابل فتلقوا هذا الفيض الذي أثمر في أرض النفوس، وكان يدرس في الخلوة علوم الصوفية لمن صحبوه فكان لهم الحظ الأوفر في تزكية نفوسهم على يديه سماعا من درره المنثورة وحكمه المضنونة وأسراره الغامضة في تلك العلوم.

وفي إحدى حلقات دروسه بالمسجد الكبير بالخرطوم تكلم بمعاني عالية راقية أدهشت السامعين، مما دعا أحدهم إلى مقاطعته قائلا: كلام من هذا يا مولانا؟ هل هو كلام سيدي عبد القادر الجيلاني؟ فأشار إليه بيده وقال: انتظر يا بني- ثم واصل الحديث وأتى ببيان أعجب مما تقدم، فلم يتمالك الرجل نفسه وقال: كلام من هذا يا مولانا؟ هل هو كلام سيدي محيي الدين بن عربي؟ فقال انتظر يا بني- ثم واصل الحديث، وعلا بالعبارة حتى أسكر الحاضرين وأخذ بمجامع القلوب، فما كان من الرجل إلا أن وقف منبهرا وقال: كلام من هذا يا مولانا؟ هل هو كلام سيدي أبو الحسن الشاذلي؟ فقال سائلا: يا بني: من الذي أعطى الشيخ عبد القادر الجيلاني؟ قال الله، فقال: ومن الذي أعطى سيدي محيي الدين بن عربي؟ قال الله، فقال: ومن الذي أعطى سيدي أبي الحسن الشاذلي، قال الله، فقال: هل عطاء الله مقطوع أم ممدود؟ قال ممدود، عندئذ قال الإمام: إن الذي أعطى الجيلاني والذي أعطى ابن عربي والذي أعطى الشاذلي هو الذي أعطاني. ففهم الحاضرون أن عطاء الله لأوليائه لا ينقطع ما دامت السموات والأرض لأن خزائنه عز وجل لا تنفذ، وإنما ينزل منها على أحبابه وأوليائه بقدر ما يناسب عصورهم وأزمانهم وحاجة تلك الأزمان والعصور[12].

طريقته المبتكرة في التعليم والتربية

  • كان للإمام طريقة خاصة في إلقاء دروسه، فكان للقصة دور كبير بحيث تبقى في الذهن ولا تنسى، وبأسلوب روائي تمثيلي أكثر منه نظري تلقيني، فقد كان يمثل الحقائق المجردة ويجسدها في أسلوب قصصي حتى ترسخ المعلومات في ذهن الطالب ويتمثلها معالم بين عينيه وتنتقش في نفسه. لذا عندما عرف أبو العزائم العلم قال: هو تصور النفس رسوم المعلوم.


وكان لكي يعلم الجمهور وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس على كرسي في صحن المسجد ويطلب طستا وإبريقا، ثم يكلف واحدا بأن يصب لـه الماء فيتوضأ أمام القوم، فيستوعب الوضوء مبينا الفرائض والسنن، ثم يطلب أحد الجالسين ليجلس مكانة ويقول لـه علمنا الوضوء كما رأيت، وقد يكون أضعف الجالسين عقلا وتفكيرا، فلا يقوم من مجلسه إلا وهو عالم بكيفية الوضوء على حال يجهلها بعض من تلقوه تلقينا.


ولقد أبهر أبو العزائم طلابه أيضا في المدارس عندما كان يدرس لهم منهج النحو، وهو مادة من أصعب المواد عند غيره من المدرسين، ولكنه ابتكر طريقة روائية حديثة في تدريسها لا يمكن أن ينساها التلاميذ، وهي أفضل من طريقة تحفيظ القاعدة عند غيره من المدرسين، ولذلك كانت ترسخ في أذهان التلاميذ.

كان أبو العزائم يمثل للطلبة حكاية طريفة على دخول كان وأخواتها على المبتدأ والخبر ودخول إن وأخواتها عليهما.. فيمثل أن زيدا وعمرا من الناس وهما المبتدأ والخبر جاءتهما عمتهما زائرة يوما وهي تحمل على رأسها أخواتها الصغار وهم كيت وكيت وكيـت، ثم تستأذن عليهما في دارهما وهما جالسان فيه، فيقوم المبتدأ مرتفعا فوق درج الباب لفتحه، ثم يهم أخوه وهو الخبر منتصبا احتراما لها وإجلالا، وهكذا يدلل على تأثير كان في المبتدأ والخبر

بطريقة روائية. ويزيد أبو العزائم تطبيقا على ذلك فيجعل أحد التلاميذ بهم مرتفعا، كما يعين خبرا يقف منتصبا حتى ترتسخ القاعدة في مخيلة الطلبة، ثم يسأل كل واحد ماذا صنعت كان وأخواتها، فيروي كل واحد هذه الحكاية التي تترك أثرا لا ينسى، ثم يطالب التلاميذ بالأمثال، فما أسرع ما تنهال عليه هذه المثل مثل غيرها في الكتاب الذي قلما أن يفتح أو يقرأ.. وهكذا دواليك عند كل قاعدة نحوية أو صرفية.


ولم يكن ليكتفي بالإلقاء والتلقين فقط، وتلك هي السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قول النبي محمد (صلوا كما رأيتموني أصلي). وقد روي أن أبا العزائم كان يذهب إلى القسم الابتدائي بالكلية ويجمع الطلاب ويتباسط معهم ويتنزل لهم قائلا: كيف تصلون؟ كيف تتوضئون؟ ويفعل ذلك عمليا أمامهم حيث يأتي بإبريق الماء ويكلف أحد الطلاب بصب الماء فيتوضأ أمامهم، مبينا الفرائض والسنن، ثم يفرش جبته على الأرض ليريهم كيف يصلون لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (صلوا كما رأيتموني أصلي). فهو يمثل حضرة الرسول محمد في علومه وحِكَمِهِ لهذا العصر.[13]

  • وكان مناط دعوته هو الإيمان بالعقيدة الإسلامية، وتعميق هذا الإيمان كان ركيزة أساسية في استراتيجيته وتكتيكاته، لأن تضحياتهم بالنفس والمال تسهل عليهم، وعطاؤهم في سبيل الله يزداد، كلما تعمقت روحه، وتزكت نفسه، وترقق وجدانه وتذوق لذة الحقيقة التي لم يكن يدركها بمجرد عقله [10]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضًا

المراجع

  1. ^ هذا المقال يعتمد على مرجع أساسي هو كتاب "خاتم الوراث المحمديين" - المؤلف : محمد علاء الدين أبو العزائم
  2. ^ ملخص عن كتاب خاتم الوراث المحمديين - محمد علاء الدين أبو العزائم
  3. ^ المرجع السابق ص 20-25
  4. ^ المرجع السابق ص 27-29
  5. ^ خاتم الوراث المحمديين، محمد علاء الدين أبو العزائم، ص 20-25
  6. ^ منذ انتقاله إلى المنيا، وبدأ أبو العزائم بإلقاء دروس طريقته في العبادة وقراءة دروس مذهب مالك أو التكلم في الأخلاق أو التوحيد. ثم انتقل لفترة إلى مديرية الشرقية، قبل أن ينتقل إلى مدينة سواكن سنة 1313هـ/1895م،<ref>خاتم الوراث المحمديين، محمد علاء الدين أبو العزائم، ص 27-29
  7. ^ خاتم الوراث المحمديين، محمد علاء الدين أبو العزائم، ص 42-65
  8. ^ خاتم الوراث المحمديين، محمد علاء الدين أبو العزائم، ص 79
  9. ^ المرجع السابق ص 42-65
  10. ^ أ ب ص 79
  11. ^ ص 86
  12. ^ المرجع السابق ص 38، 65-70
  13. ^ المرجع السابق ص 74-76

وصلات خارجية



خطأ لوا في package.lua على السطر 80: module 'Module:ضبط استنادي' not found.

كتبه

له كتب، منها:

  • (أصول الوصول إلى معية الرسول)
  • (معارج المقربين)
  • (مذكرة المرشدين والمسترشدين)
  • النور المبين [1]
  • (أساس الطرق)
  • (الإسراء).

المصادر

  1. ^ *(هامش 2) (1) جريدة الحرم: العدد 11 من السنة الاولى. وأم القرى 20 / 12 / 1349. (2) الأعلام الشرقية 2: 173 ومعجم المطبوعات 930 و الأزهرية 4: 423. لعلوم اليقين