محمد طاهر أيلا

محمد طاهر أيلا
محمد طاهر ايلا (cropped).jpg
رئيس وزراء السودان رقم 14
في المنصب
23 فبراير 2019 – 11 أبريل 2019
القائم بالأعمال: 23 فبراير 2019 – 14 مارس 2019
الرئيسعمر البشير
سبقهمعتز موسى
خلـَفهعبد الله حمدوك
تفاصيل شخصية
وُلِد1951 (العمر 72–73)
جبيت، السودان الأنگلو-مصري
(السودان حالياً)

محمد طاهر أيلا (و. 1951)، هو سياسي سوداني ورئيس وزراء السودان من فبراير حتى أبريل 2019. كان أيلا حاكماً لولاية الجزيرة بدءاً من 2015 حتى توليه رئاسة الوزراء..[1] في 11 أبريل 2019، خُلع أيلا من منصبه برفقة أعضاء الحكومة الآخرين في الانقلاب السوداني 2019.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سيرته

وُلد محمد طاهر أيلا عام 1951 في جبيت (ولاية البحر الأحمر حالياً). ينتمي محمد من جهة والده لقبيلة الأميراب (الموس حسيني)، ومن جهة الأم ينحدر من قبيلة القرعيب (اأب قاسماب) فهو هدندوي من الجهتين والهدندوة أكبر قبائل البجا. كانت أسرته ميسورة الحال فوالده طاهر كان تاجراً وكان ثرياً وعرفت عنه مساهماته الكبيرة والمتواصلة في أعمال الخير والبر ودعم المشاريع الخدمية فيما كان يعرف في ذلك الوقت بمساهمات العون الذاتي، ولمحمد طاهر أيلا أربعة أخوة ثلاثة من جهة الأب وهم إبراهيم وموسى ودرير، وشقيقه عبد الله طاهر وله أخت واحدة من جهة الأب.

درس محمد طاهر أيلا المرحلة الابتدائية بجبيت في الفترة من 1958 حتى 1962، والوسطى بسنكات في الفترة من 1962 وحتى 1966، وزامله في هذه الفترة المهمة في حياة الشاب محمد طاهر أيلا صديقه محمد طاهر بانفير مدير الخطوط السودانية (سودان لاين) ببورتسودان. ويقول بانفير عن أيلا في هذه المرحلة إنه كان هادئ الطباع منفتح في علاقاته فلم يعرف عن أيلا الانطوائية أو الإنعزالية عن الآخرين، بل كان (شخصية علاقات عامة) ويقول بانفير عن ايلا إنه كان ذو نزعة متدينة وكان لأساتذتنا في تلك المرحلة دور مقدر في توجهنا الإسلامي. وزامل أيلا في المرحلة الثانوية بمدرسة بورتسودان الحكومية في الفترة من 1966 إلى 1970 المهندس محمود نكسوب الذي قال لنا أن تلك الفترة شهدت نشاطاً وحراكاً في البيئة المدرسية، فقد كانت الثانويات في تلك الفترة تعج بالنشاط السياسي فأصبح للرجل نشاط تنظيمي واسع وسط كيان الحركة الإسلامية.

وعن تلك الفترة من حياة ايلا يحدثنا الأستاذ عبد الله كنه وزير البيئة والسياحة بالولاية ويقول: "كنت وايلا وآخرين من زملائنا بمدرسة بورتسودان الحكومية الثانوية يضمنا كياناً باسم اتحاد الطلاب البجاويين والذي كان يستوعب كل أبناء البجا بمختلف ميولهم السياسية وكان في عضوية الاتحاد طلاب اليمين واليسار والوسط وكذلك كان بين عضوية الاتحاد من الطلاب البجا الذين ليس لهم توجه حزبي وقد عرفنا أيلا خلال تلك الحقبة متزناً رغم إنها فترة الشباب، ويفرض على الآخرين احترامه بأدبه الرفيع وأخلاقه السمحة، ولم نلاحظ عليه أي علامات للتطرف أو الغلو أو تشدد أو تعصب لمذهبه او لكيانه، وكان من أكثر الطلاب الذين بدت عليهم مظاهر الثراء وكان وضعه مستقراً وكان ذا عقلية اقتصادية وتجارية منذ تلك المرحلة المبكرة من عمره، فقد كان والده من أصحاب الأموال المعروفين". تفوق وارادة ويعود الأستاذ بانفير ليحدثنا عن صديقه الذي زامله في كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم ويقول: (إن ايلا رغم إنه كان أكبر إخوته وتوفي أبوه وهو في الجامعة لم يصرفه فقد الأب واليتم والمسئوليات التي آلت إليه عن الدراسة كما يفعل الكثيرون، بل واصل تعليمه بتفوق، وقد عرف طوال سنوات دراسته بالتميز،وكان قد دخل الجامعة في الأساس بدرجات عالية. وكان أكثر ما يميز محمد الهمة والحيوية والنظرة الثاقبة، وكان ذا شخصية جادة ويدافع عن ارائه باستماتة وموضوعية وكان ينتمي في الجامعة لتيار الحركة الإسلامية وفي الديمقراطية الثالثة أوكل إلى محمد موقع رئيس المكتب السياسي للحركة الإسلامية بالبحر الأحمر أدار خلالها النشاط السياسي للتنظيم بقوة واقتدار وحنكة سياسية، وأضاف بانفير بأن اجتماعات الحركة تسيطر عليها الحرية في إبداء الآراء، ولم يكن أيلا يفرض على المكتب رأياً ولم نعرف عنه تسلطاً أو استكباراً أو انفراداً بالقرار بل كان يخدع لرأي المؤسسية والشورى ويقبل النصح، ويزيد أيضاً: "أنه وإلى الآن ما زال محافظاً على ذات الصفات، والآن تحرص القيادات التاريخية في الحركة الإسلامية على التناصح مع الأخ ايلا بعد أن أصبح والياً للولاية، ولكن وفق الشروط والضوابط الشرعية والأخلاقية لمبدأ المناصحة".

ويقول عنه صديقه ورفيق دربه بروفيسور عوض حاج علي مدير جامعة النيلين: “ إنني والأخ محمد طاهر أيلا تزاملنا في المرحلة الثانوية في العام 1967 وكان أيلا من مؤسسي الحركة الإسلامية بالمدرسة، وكانت تربطنا علائق أسرية وطيدة وراسخة، تطورت مع الأيام والزمن فعمنا أحمد باشا أطلق على أحد أبنائه اسم طاهر على اسم والد محمد، وعملنا سوياً في الحركة الإسلامية وتآخينا أخوة صادقة وكنا في العطلات والإجازات نسافر معاً لجبيت، ودخلنا جامعة الخرطوم وعملنا ضمن الاتجاه الإسلامي لجامعة الخرطوم وكان أيلا من قيادات الكوادر الاسلامية في ثورة شعبان وبعد الثورة طُردونا من الداخلية وانتقلنا إلى السكن مع عيسى عمر عيسى في جامعة أم درمان الإسلامية في سكن خاص، وبعد التخرج عمل هو في هيئة الموانئ البحرية وعملت أنا استاذاً في الجامعة وبعثت لخارج السودان (لنيوكسل) في بريطانيا وكان يزورنا كل ما اتت به ظروف البحث والدراسة لبريطانيا، وعند ما بعث هو لجامعة (كاردف) لنيل الماجستير كنت أزوره أيضاً بحكم زيارتي العلمية والعملية لبريطانيا وكانت العلائق الخاصة بيننا تتنامى يوماً بعد يوم حتى أصبح بيننا كما بين الأشقاء وتزوج ايلا على ما اذكر في عام 1980.

ويقول بروف عوض حاج علي: “إننا أيضاً كنا نتناصح وكانت المشورة قائمة بيننا وأذكر إنني نصحته بعد توقيع نيفاشا وذهاب وزارة الطرق والجسور للحركة الشعبية في قسمة السلطة، واستشارته قيادة الحركة الإسلامية والحزب في أن يذهب إلى وزارة اتحادية أخرى أو يذهب والياً للبحر الأحمر، نصحته حينها أن يختار تكليف الوالي على منصب وزير اتحادي رغم إن مغريات المناصب الاتحادية أكبر، وبالمقابل تتعدد وتتشعب مسئوليات ومهام الوالي فقبل أيلا التكليف في منصب والي البحر الأحمر وتصدى للمسئولية التاريخية بكل شجاعة وقوة . جرأة وصلابة ويمضي حاج علي في حديثه ويضيف أيضاً “ عرفته طوال فترة صداقتنا بالقوة والجرأة والصلابة، وقد كان أيلا ذا علاقات اجتماعية واسعة من كل القوميات السودانية فمن أصدقائه محمد آدم الدومة،وسليمان هاشم، وعثمان الهادي إبراهيم، وهاشم سكوته ولكن تعدد وتنوع علاقاته لم يحول بينه وبين الانحياز لأهله ولعل الأمر الذي لا يقبل أيلا التفريط فيه مطلقاً هو قضية النهوض بأهله البجا وكانت اهتماماته الكبرى وما زالت محصورة في ترقية مرافق المياه والتعليم والصحة في الشرق واشتركنا سوياً في فتح ايجاد منح لطلاب البجا في الجامعات والمعاهد في الخرطوم. ويرى بعض المقربين منه أن الرجل لديه وضعية متقدمة ورفيعة في الحركة الإسلامية، بفعل مجاهداته ونشاطه التنظيمي والتنفيذي، ويضيفون إن أيلا ذا نزعة إنسانية حتى عند ألد خصومه، فرغم أنه مقاتل شرس عن رأيه ومبادئه وينافح ويدافع عن قضاياه وقضايا أهله إلا أنه طيب القلب ولا يعرف الفجور في الخصومة. رجل رياضي ويضيف أحد المقربين منه عن جوانبه الأخرى، بأن الرجل رياضي من الطراز الأول ويهمس لنا بأن أيلا (إتحادابي ) قح رغم أنه يميل لكل الأندية البورتسودانية، داعماً ومؤازراً فقد شغل موقع أمين المال بالنادي، وكان وما زال شديد الترابط مع أسرة النادي والمجتمع الرياض بأثره ببور تسودان. ويشير همد عبد الله ( القيادي بالمؤتمر الوطني ) إلى أن المرحوم محمد عثمان حامد كرار حاكم الإقليم الشرقي إبان الديمقراطية الثالثة قال لهم إنني سأولي منصب وزير المالية بالإقليم لمحمد طاهر أيلا لما عرف عنه من قدرات أكاديمية وعفة يد ونزاهة كما إن لمحمد طاهر أيلا والحديث لهمد عبد الله موقف سياسي عظيم إبان الضربة التي تعرضت لها مدرسة (عدوبنا ) بالطائرات الإثيوبية فقد قذفت (عدوبنا ) بقنابل عنقودية وكان ذلك في عام 1987 م وكان سبب الضربة اتهامات إثيوبية بتدريب وتخريج كوادر بمدرسة (عدوبنا ) الوسطى ترفد بها جبهة التحرير الارترية، فجاء أيلا على رأس وفد من الجبهة الإسلامية القومية وزار المتضررين بالضربة في الأودية والخيران والسيول وكان لمجيء وفده الأثر الطيب في نفوس أهل المنطقة. ولا شك أن أيلا يتمتع بشخصية كاريزمية وحنكة وتجربة سياسية ثرة، ويكفي أن الرجل عندما تسلم مقاليد الحكم بولاية البحر الأحمر كان متحمساً لإنجاز كثير من المشروعات بوقت وجيز، ولكنه كان يعمل في ظل خارطة زمنية محددة باتفاقيات ودستور ويواجه كثيراً من الضغوط داخلية وخارجية يُضاف إلى كل ذلك إلتزامات الولاية تجاه تطبيق عدد من الإتفاقيات، فقاد ثورة عمرانية وتنموية بالولاية جعلتها محل نظر من الكثيرين، وفي عهده شهدت ولاية البحر الأحمر أشهر متاعبها التاريخية فلقد حدث استقرار في الإمداد الكهربائي بعد وصول كهرباء سد مروي إلى البحر الأحمر عبر مسيرة مضنية، كما أسند أمر إمدادها بمياه النيل لشركة صينية، مما يجعل النيل يشق قريباً تلال البحر الأحمر. [2]

ويذهب معظم من زار بورتسودان إلى أن أيلا تمكن في فترة قليلة أن يحدث ثورة عمرانية وحضارية هائلة، وتكمن عبقرية هذه النهضة التي اضطلع بها أيلا في أنها صنعت بقليل من المال وكثير من الخيال، ويصف البعض سر نجاحه في أنه يشرف على العمل مباشرة، فهو يقود سيارته بنفسه ويتنقل مع (تانكر المياه) الذي يسقي أحزمة شجر المدينة، (شجرة شجرة)، بمعنى أن السيد إيلا لا يتحرك من الشجرة إلاّ بعد أن يتأكد أنها قد أخذت حصتها كاملة من المياه وهذا مؤشر على أن الرجل لا يعتمد على التقارير، وهو يتحول إلى (جنايني وعامل ومقاول ومشرف)، وهذا يحدث في ولاية تشكو أصلاً من شح المياه، وكان بإمكان إيلا أن يصنع أي شيء إلاّ (الأحزمة الخضراء)، لكنه صنع أي شيء حتى الأحزمة الخضراء شيء يحسده عليه ولاة الولايات التي ترقد على النيل والأنهر، ويبدو أن أيلا يعمل وفقاً للمثل القائل (إن كان لك قرشان فاشترِ بالأول خبزاً، وبالثاني زهرة). وفي كل الأحوال يمكن القول أن ايلا في مسيرته قد عارضه من عارضه وإتفق معه من إتفق ولكنه ظل يسير وفق برنامج محدد كقطار سكة حديد لا يوقفه إلا بلوغ المحطة. إحتشد مواطنو ولاية البحر الأحمر لمتابعة نشرة العاشرة مساءً بتلفزيون السودان، فقد كانت تلك النشرة استثنائية وهي تحمل قرارات جمهورية بتعيين ولاة الولايات الشمالية في أعقاب التشكيل الحكومي الذي رافق توقيع اتفاقية السلام، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية. وعندما أذيع قرار أن محمد طاهر ايلا هو والي البحر الأحمر، بدا القرار مفاجئاً ومدهشاً لكثيرين، ولكن الرجل جعل المفاجأة والدهشة التي بدأ بها عهده هي الانطباع الأول لكل زائر لولاية البحر الأحمر.


مسيرته السياسية

حاكم ولايتي البحر الأحمر والجزيرة

عام 2005، عُين أيلا حاكماً لولاية البحر الأحمر.[3][4] جاء محمد طاهر إيلا لمنصب والي ولاية البحر الأحمر ضمن صفقة بعد مجزرة ساحة الشهداء بالقرب من حي "ديم عرب" في 29 يناير 2005 وهي مجزرة قتلت فيها حكومة المؤتمر الوطني في البحر الأحمر 25 شخصاً من مناصري مؤتمر البجا في مدينة بورتسودان. في نوفمبر 2017، عرض الرئيس عمر البشير على أيلا دعمه في الانتخابات الرئاسية 2020 إذا خاضها.[5][6] في نوفمبر، قال أيلا، مطلب أهل الجزيرة ومطالبتي أن يكون عام 2020 هو العام الذي ينتخب فيه البشير لولاية ثالثة. هذا هو مطلب كل الشعب السوداني.

هذا فضلاً عن ممارسات مشينة تتصل بهضم حقوق مواطنين سودانيين مارس إيلا ضدهم سوء استغلال لمنصبه الرئاسي من أجل تصفية حسابات قائمة على تغليب الولاء الإثني لمجموعته البجاوية "البداويت" على حساب مجموعة بجاوية أخرى، هم بنو عامر والحباب (سكان منطقة جنوب طوكر)، إذ مارس محمد طاهر إيلا إبان ولايته والياً لولاية البحر الأحمر منذ عام 2005 ممارسات ضارة بحق هذه المجموعة البجاوية، وهي ممارسات عكست في يوم من الأيام حساً وطنياً ولا ضميراً أخلاقياً، حيث عمل إيلا على إفقار منطقة جنوب طوكر وإهمالها وتركها لمصير من أسوأ مصائر المناطق محرومة في السودان.

فمنطقة جنوب طوكر التي تضم مدينة عقيق وتمتد حتى مدينة قرورة المتاخمة للحدود الإريترية، ظلت منذ أن شهدت حرباً بين المعارضة السودانية وحكومة نظام البشير في عام 1997، منطقة مهملة وتم تهجير 60 ألفاً من سكانها بسبب الحرب، كما تم زرع ألغام منتشرة في مناطق عدة منها، إلى جانب وضع المنطقة تحت قانون طوارئ يمنع دخول المواطنين إليها. وظلت هذه الحال منذ ما بعد انتهاء حرب عام 1997، ولما أصبح محمد طاهر إيلا والياً لولاية البحر الأحمر في عام 2005 ترك الأوضاع في منطقة جنوب طوكر بحال أسوأ مما كانت عليه، بل منع عن هذه المنطقة حتى وصول سيارة إسعاف واحدة.

وحتى بعد الوصول إلى اتفاقية أسمرا للسلام بين نظام البشير السابق وجبهة الشرق التي أنهت الحرب في شرق السودان في عام 2006، أصر الوالي إيلا آنذاك، على تحييد منطقة جنوب طوكر وتركها لمصيرها المظلم، فلم يقم بحملات حكومية لنزع الألغام التي ظلت تفتك بمن بقي من المواطنين الأبرياء هناك، كما لم يقم بإعادة توطين المواطنين المتضررين من الحرب من أهالي منطقة جنوب طوكر - وهم كانوا قد فروا منها أثناء الحرب في عام 1997- فيما أبقى إيلا المنطقة تحت حظر الحركة وعدم إدخال أي مواد تموينية إليها بحجة قانون الطوارئ، حتى بعد انتهاء الحرب بأكثر من 10 سنوات، بل ظلت منطقة جنوب طوكر تحت هذه الأوضاع المأساوية المزرية والقاسية حتى بعد قيام الثورة في عام 2019 الأمر الذي يكشف مدى الضرر الذي ألحقه هذا الشخص بمصير أرض سودانية عزيزة، كشفت كراهيته لأهلها عن ممارسات عنصرية بحقهم، على نحو لا يمكن أن يعبر عن شخصية وال ينبغي أن يكون عادلاً بين جميع مواطني ولايته.

لقد ظل محمد طاهر إيلا (على الرغم من الشعبية التي حفظها له عامة مواطني مدينة بورتسودان) من أهم مهندسي نظام تسييس القبائل الذي كان هو الوصفة القاتلة لضرب النسيج الاجتماعي وأصبح يتدخل في تولية بعض وكلاء القبائل ويستبدلهم بآخرين، كما استحدث بعض النظارات والعموديات، وكل ذلك في إطار إفساد النسيج الاجتماعي وضرب القبائل بعضها ببعض، وهو ما بدا واضحاً في إحكام قبضته على التحكم بالسلطة وقمع كل من يعترض طريقه، حيث كان أحياناً يقوم بتعيين معتمدين عديمي الكفاءة والتعليم والخبرة، لا يملكون سوى معرفة صناعة الفوضى والمشكلات.

رئاسة وزراء السودان

ما بعد انقلاب 2019

محمد أيلا لدى عودته إلى السودان، أكتوبر 2022.

في أعقاب سقوط نظام البشير في أبريل 2019، غادر أيلا إلى القاهرة. بعد قرابة الثلاث سنوات، عاد محمد طاهر أيلا إلى السودان، وسط تكهنات كثيرة حيال الدور المرتقب الذي يمكن أن يلعبه الرجل في ظل الأوضاع الراهنة. في تلك الفترة شهد فيها شرق السودان فتنة أهلية وموجات اقتتال قبائلي تورطت فيه اللجنة الأمنية للبحر الأحمر، وثمة اتهامات كثيرة تحوم حول دور غامض لمحمد طاهر إيلا من وراء الكواليس في تأجيج الصراع الأهلي بشرق السودان لإفشال الثورة، ضمن حراك "الثورة المضادة" هناك، وهي سياسات ولغت فيها أجندات خارجية إلى جانب دور اللجنة الأمنية، لا سيما أن الرجل ينتمي إلى مكون البجا (شرق السودان).

من المؤكد أن مجيء إيلا في هذا التوقيت تحديداً ليس صدفة، وهو لا شك أمر له علاقة بقادة الانقلاب في الخرطوم، كما له علاقة بجهة إقليمية في المنطقة. ومن المرجح جداً أن الرجل ربما يكون قد جاء ضمن تسوية محتملة يراد تمريرها لكنها لم تنضج بعد. ولتأكيد ملامح تلك التسوية، علينا أن نذكر بعض الوقائع والأحداث التي سبقت مجيئه، التي ستحدث بعد ذلك.[7]

في هذا الصدد، نرى أن هناك تسوية إقليمية محتملة تهدف لإعادة جزء من رموز حزب "المؤتمر الوطني" (الحاكم أيام البشير) عبر التحالف بين الجيش ومزيج مدني آخر، لا سيما من الذين يتمتعون بشعبية في أوساط عامة الناس، من رموز قادة حزب "المؤتمر الوطني" السابق- مثل محمد طاهر إيلا- الذي حصد شعبية كبيرة أثناء ولايته للبحر الأحمر والجزيرة قبل أن يتم تنصيبه رئيساً للوزراء قبيل سقوط البشير بشهر.

ويفسر ذلك عجز السلطة الانقلابية اليوم في الخرطوم- بعد مرور سنة على الانقلاب- عن تنصيب رئيس جديد للوزراء. وبدا واضحاً أن ذلك سببه إدراك قائد الانقلاب عبدالفتاح البرهان أن المجتمع الدولي وضع خطاً أحمر أمام أي حكومة غير مشكلة من قوى مدنية ديمقراطية.

لكن مع عدم اتحاد قوى الثورة، حتى الآن، خلف برنامج موحد لإسقاط الانقلاب وفي غياب تحالف جديد لقوى الثورة فإن عودة إيلا عبر هذه الحملة الإعلامية الضخمة تعكس مؤشرات ربما تحيل إلى تغير ما، قد يسمح ببوادر فرصة لجهات إقليمية في سعيها لتسويق تسوية يكون فيها إرضاء لأطراف عدة من ضمنها، دمج أفراد ذوي شعبية من رموز "المؤتمر الوطني" السابق في أي حكومة قادمة عبر ضوء أخضر من جهة إقليمية قد تضمن استقراراً.

وفي ظل هذا التقدير يمكننا تفسير الوقائع الأخرى مثل طلب البرهان أثناء وجوده بنيويورك، من رئاسة الاتحاد الأفريقي فك تجميد عضوية السودان في الاتحاد المجمدة على خلفية الانقلاب، وتوقفه في القاهرة خلال عودته من نيويورك إلى الخرطوم، في نهاية سبتمبر الماضي، إلى جانب محاولات تجري لإعادة انتخاب السودان بعد انقلاب 25 أكتوبر عضواً في مجلس حقوق الإنسان الدولي بجنيف في دورته المقبلة التي ستعقد في أكتوبر الحالي، إضافة إلى الملتقى المرتقب لقوى الثورة السودانية في الدوحة بعد يومين، الذي تنظمه دولة قطر عبر مركز دراسات "النزاعات والعون الإنساني" التابع لـ"مركز الدوحة للدراسات العليا".

كل هذه الوقائع تدل على أن هناك تسوية تجري في الكواليس وقد تصلح كبالون اختبار يترقب المجتمع الدولي مآلاته بحذر، الأمر الذي انتبهت له قوى الثورة السودانية وبخاصة بعد الزخم الذي شهدته عودة إيلا، ما دفع "حزب الأمة" إلى دعوة قادة أحزاب "قوى الحرية والتغيير" (المجلس المركزي) إلى اجتماع طارئ بداره حرصاً على تدبر وسائل سريعة وناجعة لقطع الطريق على "قوى الردة" التي يخطط لها "المؤتمر الوطني" عبر عودة جديدة لرموزه.

وأسفر اجتماع قادة أحزاب "قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي" في دار "حزب الأمة" عن الشروع في الترتيب والإعداد لتكوين تنظيم ثوري جديد، تحت اسم "الكتلة المدنية الديمقراطية الموحدة" بهدف التنسيق بين قوى الثورة والأحزاب الموقعة والكيانات المشاركة في صياغة مشروع الدستور الانتقالي المطروح من قبل اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، وذلك بعد الفراغ من صياغة إعلان سياسي تعكف على كتابته "قوى الحرية والتغيير"، وهو في مرحلة الصياغة النهائية ويتوقع الفراغ منه نهاية الأسبوع الحالي، وذلك تزامناً مع تدشين توقيع الميثاق الموحد للجان المقاومة من قرابة 50 تنسيقية تتبع للجان المقاومة من كل ولايات السودان، الأربعاء 5 أكتوبر الحالي.

هذا الزخم الذي سرع تحريك الساحة السياسية السودانية اليوم تعبيراً عن صراع الإرادات بين قوى الثورة والثورة المضادة، أخذ بعودة محمد طاهر إيلا طابع الإحساس بالاستفزاز الشديد لقوى الثورة، فرئيس الوزراء الأخير في عهد البشير متهم بقضايا فساد منذ عهد الإنقاذ البائد، وبلغت تجاوزاته المالية وديونه خمسة تريليونات جنيه، بحسب مفوضية مكافحة الفساد، في نظام البشير. وهو متهم بعدد من القضايا المتعلقة بالاستيلاء على أموال عامة، إبان توليه منصبه كوال في ولايتي البحر الأحمر والجزيرة.

اليوم، يأتي محمد طاهر إيلا في ظل استقطاب شديد يشهده شرق السودان وعلى خلفية احتقان كبير بين بعض قبائله نتيجة الاقتتال القبلي الذي دبرته اللجنة الأمنية فيما يتهمه البعض بأنه كان من مخططي الفتنة وصانعيها، عن بعد. وهذا الاتهام يصل عند كثيرين من أبناء مكون بني عامر والحباب إلى درجة كبيرة من التصديق، لكن الأمر الواضح اليوم هو أن عودة إيلا، في ما تعكس ملامح تسوية يجري إعدادها بالتعاون مع جهة إقليمية (من خارج الرباعية)، إلا أنها من زاوية أخرى، تعطي إشارة واضحة على فشل جهود ما سمي "المجلس الأعلى لنظارات البجا" الذي انقسم إلى قسمين، وكان واضحاً أنه جسم معطوب نظراً إلى تعاطيه السياسة من منظور قبائلي خطر نتج عن تهتك النسيج الاجتماعي بين بعض قبائل شرق السودان، وأضر بالسياسة والقبيلة في وقت واحد، لكن في الوقت ذاته، نتصور أن مشروع إيلا الجديد سيكون مصيره الفشل هذه المرة، لسببين، أولاً أن الرجل بمثابة "كرت محروق" لأنه كان آخر رئيس وزراء للبشير ولا يمكن للمناخ الثوري في السودان، أن يقبل بعودة إيلا رئيساً للوزراء مثلاً، كما ينادي البعض مثل الناظر ترك، لأن ذلك بمثابة استفزاز كبير للثورة ورموزها وشهدائها، والسبب الثاني هو أن إيلا يتحرك في وسط قبائلي لا يمكنه القيام بمتطلبات حاضنة سياسية واعية، بالنظر إلى الفشل الذي منيت به تجربة "المجلس الأعلى لنظارات البجا".

وفي الخطاب الذي ألقاه بمدينة سنكات (شرق السودان) باللغة العربية وباللغة التبداوية، تكلم إيلا بمعنيين مختلفين، ففي كلامه بلغة البداويت أسمع أتباعه اللهجة التي يريدون سماعها وهي التهديد بفصل شرق السودان وتقرير المصير، في حال رفض الانقلابيين منحه المنصب الذي يريده له هؤلاء الأتباع، فيما كان خطابه باللغة العربية خطاباً تصالحياً دعا فيه إلى الوحدة والتسامح والمصالحة بين المكونات.

بيد أن الأرجح في تقديرنا أن المسؤول السابق العائد لا يمكنه إلا أن يكون خادماً لأجندة ما، فإيلا الذي أصبح والياً للبحر الأحمر وفق تسوية جاءت به إثر مجزرة راح ضحيتها 25 من أبناء البجا، ربما يتخذ من لهجة انفصال شرق السودان مشروعاً في خدمة أجندات أخرى أبعد ما تكون عن مصلحة البجا الذين تدل كل المعطيات الموضوعية اليوم أنهم إذا ما اتخذوا قراراً أحادياً بتقرير المصير والانفصال، كما يهددون، أو حتى لو تم منحهم المركز الانفصال طوعاً، فسيكون وضعهم، وفق تلك المعطيات، من أسوأ ما تكون عليه حال أي كيان ينفصل من دون أن يكون مؤهلاً بحد أدنى من مقومات وشروط الانفصال، ولوهلة علينا أن نتخيل كيف سيكون مصير الشرق إذا ما تم منح "المجلس الأعلى لنظارات البجا" حق تقرير المصير قبل عامين، بعد الحال التي آل إليها أمره اليوم من انقسام وشقاق وتخوين وتحزب قبائلي.

وكما فشل مشروع المجلس الأعلى لنظارات البجا في تجربة العمل السياسي (وفشل من قبله حزب مؤتمر البجا الذي انقسم إلى 6 أحزاب) فإن المشروع السياسوي الكسيح لمحمد طاهر إيلا سيمنى بالفشل، لا سيما إذا ما التقطت قوى الثورة خطر رسالة عودة "الإخوان المسلمين" عبر أجندة إقليمية، وقامت بتوحيد وتجديد حراكها ونضالها النشط والموحد في هذا الشهر، شهر أكتوبر الأخضر، الذي شهد أول ثورة سودانية في المنطقة.

كان الحشد الذي نظمه وموله حزب "المؤتمر الوطني" لاستقبال إيلا بمطار مدينة بورتسودان دالاً على إرادة قوية لإخراجه بصورة مشهدية مؤثرة، لكن مما يؤسف له أن مدينة بورتسودان ومجتمعها الذي ورث نمطاً إشكالياً من العزلة ظل كامناً في طبيعة انغلاق المجموعة السكانية الأصلية حول نفسها بالسكن في حي خاص ومغلق من أحياء المدينة، انعكس على هوية وطبيعة بقية مكونات المدينة الأخرى من السودانيين، إلى جانب الطبيعة القبائلية الغالبة على علاقات المكونات القبلية هناك، وهي علاقات ضاعف نظام تسييس الإدارة الأهلية على يد "الإخوان المسلمين" لـ30 سنة من تعقيدها وتفاقمها، لذلك وفق طبيعة هذا الوعي القبائلي الحاد، يمتلك عامة البجا استعداداً مختلفاً لوعي تقليدي مفكك، لكنه لا يفك الارتباط بين فهمهم للفرد من حيث كونه منتمياً لقبيلتهم وكونه شخصاً فاسداً سياسياً، بحيث لن تؤاخذه قبيلته بجريرة فساد أفعاله السياسية ما دام هو فرداً منها، ورمز سياسي للقبيلة يتعين على نظام القرابة والعصبية فيها أن يناصره ظالماً كان أو مظلوماً.

وهذا الاستعداد هو الذي سمح بإعادة تعويم موسى محمد أحمد (رئيس حزب مؤتمر البجا، وصاحب فكرة تأسيس مجلس نظارات البجا) ليكون في منصب الأمين العام للمجلس، هو الذي كان في منصب مساعد الرئيس البشير حتى يوم سقوطه في 11 أبريل 2019. وهذا هو الذي حدث مع محمد طاهر إيلا حين عاد وتم استقباله في المطار بموكب عظيم، ويمكن القول إن هيمنة تلك العلاقات الأولية لنظام العصبية والقرابة وسطوتها هي التي جعلت من رد فعل لجان المقاومة في مدينة بورتسودان على ذلك النحو الباهت، فقد كان في وسع هذه اللجان أن تقود تظاهرات سلمية حاشدة ربما تلعب دوراً كبيراً في إرسال رسائل كثيرة ومهمة للمركز والخارج، لكن ذلك لم يحدث للأسف، فضلاً عما شهدنا من عينة لذلك الوعي القبائلي المفكك في نموذج استقبال قيادات قبائلية أهلية كان أبناء قبائلها هم المتضرر الأكبر من آثار فتنة الاقتتال الأهلي، لا سيما من القتل والتشريد والتهجير، ومع ذلك نرى لبعض تلك القبائل لافتات ترحب بشخص لا يشك أبناؤها أنه كان متورطاً، بصورة أو بأخرى، في تأجيج نيران الفتنة والاقتتال الأهلي بشرق السودان.

حياته الشخصية

هو متزوج من ابنة عمه الأخت غير الشقيقة للدكتور حامد محمد إبراهيم وله من الأبناء ثلاثة طاهر وإبراهيم وأسامة وخالد وابنة واحدة تدعى سمية وقد تزوج ابنه طاهر وابنته سمية وأنجبا.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جدل

اكتسب إيلا معظم شهرته في الفترة التي قضاها واليا لولاية البحر الأحمر الساحلية، وفي حقبته حوّل مدينة بورتسودان إلى قبلة سياحية، وهو ما حدا بالبشير لنقله واليا لولاية الجزيرة في محاولة لتكرار السيناريو نفسه وسط السودان. ولكن تحركات إيلا في البحر الأحمر وبورتسودان شابتها انتقادات "تتعلق بطريقته القابضة، ومنح عقود لشركات من دون إعمال مبدأ الشفافية، علاوة على اتهامات بتركيز جهوده على المدن الرئيسية (بورتسودان ومدني)، واختلال الصرف في عهده وتوجيهه لمشروعات الطرق والمباني عوضا عن بناء الإنسان"، حسب ناشطين.[8]


المصادر

  1. ^ "Sudan's al-Bashir appoints state governor Mohamed Tahir Ayala as prime minister". english.alarabiya.net.
  2. ^ "محمد طاهر ايلا.. السيرة الذاتية". النيلين. 2015-12-31. Retrieved 2022-12-07.
  3. ^ "Eritrean Airlines launches Port Sudan route - Sudan Tribune: Plural news and views on Sudan". www.sudantribune.com.
  4. ^ "Eritrean Airlines Begins New Flight From and to Asmara-Port Sudan - AdisZena.com". adiszena.com. Archived from the original on 2019-02-26. Retrieved 2017-11-16.
  5. ^ "Turning point in Sudan as Bashir supports new president to lead ruling party". english.alarabiya.net.
  6. ^ Editorial, Reuters. "Sudan's Bashir says would support state governor in 2020 president vote". Archived from the original on 2017-11-16. {{cite web}}: |first= has generic name (help)
  7. ^ "ما وراء عودة آخر رئيس وزراء للبشير من القاهرة إلى السودان". إندپندنت عربية. 2022-10-06. Retrieved 2022-12-06.
  8. ^ "لماذا حظي آخر رئيس وزراء للبشير باستقبال كبير ببورتسودان؟". الجزيرة نت. 2022-10-04. Retrieved 2022-12-06.
مناصب سياسية
سبقه
معتز موسى
رئيس وزراء السودان
2019
تبعه
عبد الله حمدوك