دييگو ڤـِلازكويز

(تم التحويل من دييگو ڤيلازكويز)
دييگو ڤـِلازكويز
Diego Velázquez
Diegovelazquezselfportrait.jpg
پورتريه ذاتي لدييگو ڤـِلازكويز, رسمه حوالي 1643. معرض اوفيزي, فلورنسا, إيطاليا
وُلِدَ
Diego Rodríguez de Silva y Velázquez

(1599-06-06)يونيو 6, 1599
توفيأغسطس 6, 1660(1660-08-06) (aged 61)
الجنسيةاسباني
العمل البارز
لاس منيناس (1656),
La Venus del espejo (Rokeby Venus) (1644-1648)
La Rendición de Breda، (استسلام برِدا) (1634-1635)

دييگو رودريگز ده سيلڤا إي ڤـِلازكويز Diego Rodríguez de Silva y Velázquez (6 يونيو, 1599 - 6 أغسطس, 1660) كان مصوراً اسبانياً وكان الفنان الرئيسي في بلاط الملك فيليپ الرابع. كان فناناً انفرادياً معاصراً لفترة الباروك، ولمع كرسام بورتريه. وبالاضافة إلى رسم العديد من مناظر ذات أهمية تاريخية وثقافية، فقد رسم العديد من البورتريهات للعائلة المالكة الاسبانية، وشخصيات اوروبية بارزة أخرى، وعوام، ليصل إلى انتاج رائعته لاس منيناس (1656).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة

كان جده لأبيه نبيلاً برتغالياً رحل عن اوپورتو إلى إشبيلية بعد أن فقد كل ثروته. وولد الفنان لخوان دي سيلفا والدونا خيرونيما فيلاسكويز، في السنة التي ولد فيها فان ديك، وبعد موت ثورباران وبرنيني بعام، وقبل مولد موريللو بثمانية عشر عاماً. وسمي دييجو رودريجيز دي سيلفا أي فيلاسكويز، وقد ألف أن يسمي نفسه بأسم أمه، وهي عادة شائعة في جنوبي أسبانيا، وحظي بتعليم جيد، وتعلم شيئا من اللاتينية والفلسفة، وجرب دراسة العلوم حيناً. ثم أتجه إلى التصوير، فدرس فترة وجيزة على يد خوان دي هيريرا وفترة أطول على يد باتشيكو. يقول باتشيكو "زوّجْته لابنتي بعد أن أغراني شبابه ونزاهته وخصاله الحميدة وما يرجى لنبوغه الطبيعي العظيم من مستقبل مرموق(17)".

واقام فيلاسكويز مرسمه الخاص، وسرعان ما لفت النظر بايثاره للمواضيع الدنيوية. وقد اختلط بالدهماء، وكان يغتبط بنقل أفكارهم وترجمة حياتهم إلى وجوههم. ورسم وهو بعد فتى في العشرين لوحة رائعة سماها "سقاء إشبيلية"(18). هنا، في ثوب رث وفي صبر جميل، صورة للفقر مع الأمانة.


إلى مدريد (المرحلة المبكرة)

Vieja friendo huevos (1618، بالعربية: عجوز تقلي البيض). المعرض الوطني، إدنبرة.

وفي عامه الثالث والعشرين صور الشاعر جونجورا (بوسطن) ببصيرة اكتمل نضجها- فالعينان والأنف نافذة إلى صميم الحياة. وأكبر الظن أن هذا العمل قام به فيلاسكويز خلال زيارته الأولى لمدريد (1622). لقد كانت إشبيلية وكهانها أضيق من أن يتسعا لبوغه، وساقته فورة من الطموح إلى العاصمة فانطلق إليها يتأبط "سقاءه". هناك حاول التقرب من البلاط ولكنه لم يفلح. ذلك أن فليب الرابع وأوليفارس كانا مشغولين بالسياسة والزيجات والحروب، وكان هناك أكثر من عشرة فنانين يتسلقون نفس السلم. وقفل دييجو إلى إشبيلية. وانقضى عام، ثم وفد الأمير تشارلز ستيوارت على مدريد، وتردد إلى إحدى بنات الملك، وأبدى تذوقاً للفن، فارسل أوليفارس في طلب فيلاسكويز. وركب الفتى الأسود العينين والشعر إلى العاصمة مرة أخرى، فعين مصوراً للبلاط، واستهوى الملك إذ صوره خيالاً باسلاً يمتطي فرساً يطفر، ولم يقنع فليب بالجلوس أمام فيلاسكويز ليصوره مراراً وتكراراً، ولكنه شجع الأسرة المالكة (الأخوة والأخوات والأطفال) ورجال البلاط (الوزراء والقواد والشعراء والمضحكين والأقزام) أن يجلس كل بدوره أمام هذه الريشة المخلدة. وأعطى دييجو مرسماً في القصر الملكي، وفيه، أو على مقربة منه، أنفق أكثر السنين السبعة والثلاثين الباقية من عمره. لقد كانت فرصة رائعة، وكانت سجناً مضيقاً للأفق. على أن مؤثرين كبيرين وسعا من أفقه. ذلك روبنز، أشهر الفنانين في العالم يومئذ، زار مدريد مرة اخرى عام 1628- وكان أمام الضوء والظل، والمصور المستهتر للأرباب الوثنية والأجساد العارية الشهوانية. وتأثر فيلاسكويز بفن روبنز، ونصحه هذا بأن يذهب إلى إيطاليا، وإلى البندقية خاصة، ويدرس أعمال نوابغ التلوين. والتمس دييجو الاذن من فليب، فمنحه إجازة وأربعمائة دوكاتيه ثمينة لنفقات الرحلة. وقد نحيط بمثال من سرعة الانتقال بالبحر في ذلك العصر إذا عرفنا أن فيلاسكويز غادر برشلونة في 10 أغسطس 1629 ، ووصل جنوة في 20 أغسطس. ثم عبر إيطاليا إلى البندقية وجلس أياماً يتأمل اللوحات القماشية العظيمة التي رسمها تنتوريتو وفيرونيزي، وصور الأشخاص والأساطير التي رسمها نتسيانو. ثم انتقل إلى فيرارا وروما، ونسخ صور التماثيل الرخامية القديمة في ساحة روما العامة، وحسد ميكل أنجيلو على رسمه الصور الجصية على سقف كنيسة السيستين الصغيرة. وقد أعانت هذه الصور الفخمة فيلاسكويز على الانتقال من ظلال كارفادجو القائمة إلى تصوير أكثر حدة للأشكال في الضوء الواضح. ثم رحل إلى نابلي ليزور ريبيرا، ومنها قفل راجعاً إلى أسبانيا (يناير 1631).

لوس بوراكوس (1629، بالعربية: عيد باخوس)
پورتريه فيليپ الرابع، 1632
ماريا تريسا من إسپانيا، ابنة فيليپ الرابع.

ترى أهو الغرور- ذلك الظل المساند لكل نفس- الذي دفع فليب ليجلس المرة بعد المرة إلى فنان أوتي مثل هذه النظرة الثاقبة والصدق المدقق، أم كان الدافع له أن يهدي صورته لمن يطلبونها من اصحابه؟ ولكنه تحول مؤسف ذلك الذي نلحظه على هيئته، فصورة الشاب الفارع الطول الرشيق القوام الذي يبدو في اللوحات الأولى تستحيل في النهاية إلى صور رجل غاض اللون من وجهه وصبغ به شعره، وأوتقراطية قاتمة تتشبث بالبقاء- على الرغم من الزمن والهزائم- في العيون الزرقاء الباردة والذقن الهابسبورجي الملتف. وإذا كانت السطحية عيب هذه الصور الملكية، فلعل السبب انه لم يكن هناك شئ تحت السطح الظاهر. فإذا كان هناك شئ ما، كما في صور جونجورا وأوليفارس، فإنه ينبعث على القماش.

وتخللت صور الملك صور للملكة ايزابيللا، ثم للملكة ماريانا، ثم للملكة ماريا المجرية أخت فليب، وكلهن جلسن إلى المصور دون أن تحقق صورهن نتائج باهرة. واتخذ أخو فيلب الأصغر، الكردينال الأمير فرديناند، يرى الصياد يرافقه كلب كله عضلات وأعصاب ووفاء يقظ. أما أوليفارس فقد امتطى فرساً أدهم ليصور صورته المحفوظة بالبر دو، وجواداً أبيض بنفس الوضع بصورته المحفوظة بمتحف المتروبوليتان للفن في نيويورك. غير تارك مجالاً للشك في هوية من يملك الزمام في أسبانيا. والطف صور الحاشية هذه صور الدون بلتازار كارلوس الصغير، الذي كان مناط آمال الأسرة المالكة. وقد رسم فيلاسكويز هذا الطفل الجميل المرة بعد المرة في اغتباط واضح، مرة في 1631 ومعه قزم تابع(19)، ومرة في 1632 بعد أن أصبح فتنة البلاط، ومرة في 1634 وهو يلوح بعصا المرشالية، ممتطياً في كبرياء جواداً ضخماً (وهو بعد في الخامسة)، ثم صياداً يمسك بندقيته بعناية، ولكن واضح أنه أرق من أن يقتل أو يحكم؛ وفي هذا الوجه البرىء خير رد على أولئك الذين رأوا أن فيلاسكويز لم يرسم غير السطوح. وهكذا جاءت صور السلسلة تترى، من سنة كارلوس الثانية إلى سنته السادسة عشرة، حين أصابت الحمى الأمير المحبوب وقضت عليه.

La rendición de Breda (1634-1635، بالعربية: استسلام برِدا) ألهمته زيارته الأولى إلى إيطاليا، التي اصطحب فيها أمبروگيو سپينولا، الذي فتح مدينة برِدا الهولندية قبل بضع سنين. وتصور تلك التحفة انتقال مفتاح المدينة من الهولنديين إلى الجيش الاسباني أثناء حصار برِدا. وتعتبر واحدة من أفضل لوحات ڤلاسكويز.

أمل القزم الذي يرى في إحدى هذه الصور فكان من عدة أقزام أعطوا الفاشلين في بلاط فليب شعوراً معزياً بالتفوق والعظمة. كانت عادة منحدرة من روما الإمبراطورية ومن الشرق الأقدم منها. وحتى البلاط البابوي كان فيه أقزام، وقد جمع الكردينال فيتيللي منهم أربعة وأربعين ليخدموا ضيوفه. وأهدى دوق بكنجهام الملكة هنريتا ماريا فطيرة احتوت قزما طوله ثماني عشرة بوصة(21). وكان أقزام فليب الرابع يلبسون الثياب الفاخرة التي تتألق بالجواهر والذهب وإرضاءً لهم وتسلية للناس. أما فيلاسكويز فقد صورهم بروح العطف والمرح، فواحد منهم، اسمه انطونيو الانجليزي، يبدي في كبرياء طوله عن كلبه وإن كان دونه جمالاً؛ وآخر اسمه سباستيان دي مورا يعبس في لحيته الضخمة ويزم قبضتيه سخطاً على قدره. كذلك كان في البلاط مهرجون، ورسم فيلاسكويز منهم خمسة، واحداً منهم، صورته تسمى "الجغرافي(22)" لأنه يشير إلى الكرة الأرضية، يبدو أكثر تفكيراً من أوليفارس، وثانياً يسمى بارياروسا يستل سيفاً رهيباً، وثالثاً إرتدى زي دون جوان النمسوي، ورابعاً يحاول حمل كتاب ضخم، وخامساً تسمى صورته "الأبله" يبدو عليه جنون لا يؤذي، بل يكاد يكون لطيفاً.

وجد فيلاسكويز تفريحاً من البروتوكول- برغم كونه دائماً رجل بلاط وجنتلماناً لا تخطئه العين- في دراسة حياة العامة الإجلاء الذين لا يزالون زينة المشهد الأسباني. ففي بواكير إشتغاله بالتصوير (1629) أقنع شابين جميلين وستة من الفلاحين بأن يجلسوا إلى صورة "السكارى". وفيها ياخوس عار تقريبا، جالس فوق برميل، يتوج بالكروم شخصاً راكعاً، بينما تجمع حولهما عشاق للكرمة أجلاف، أضنى بعضهم الكد، وأشاب بعضهم الزمن؛ ولعل هذه هي الخمرية الخالدة الوحيدة في الفن الأسباني خلال القرن الذهبي. وأعجب حتى من هؤلاء السكارى لوحتان سمي فيلاسكويز الأولى "ايزوب"، وهي صورة مؤلف حزين عجوز، مملق نصف أعمى، يحمل قصصه الخرافية عبر السنين، والثانية "منيبوس" وهي صورة فيلسوف كلبي من فلاسفة القرن الثالث ق.م.، هذان وجهان يعلقان بالذاكرة. ولا يقل عن هذا كله ما تركه لنا فيلاسكويز من صور الحيوان؛ جياد تبدو لنا اليوم ثقيلة الحركة لضخامتها، ولكن يعوض عن عيبها رؤوس تختال وعيون تلمع، ورأس غزال عليه سيماء الفلسفة، وقد استسلم لوحشية البشر، وكلاب متحفزة للجري والوثب، أو يقظانة نائمة.

تلك كانت الأعمال الجانبية التي تسلت بها ريشة فيلاسكويز، ربما تخففاً من مخاطر تصويره لكبار الحاشية دون أن ينال منهم المدح والثناء، وقد يزيد تقديرنا لأسبان القرن السابع عشر حين نرى هؤلاء النبلاء يرتدون الأثواب المتواضعة، ومع ذلك يواجهون بإيمان فخور عالماً بدا فيه وطنهم الحبيب عاجزاً مشلول الحركة لما أصابه من انحلال. فالدون دييجو ديل كورال أي أريللانو، والكردينال جاسبار دي يورخا أي فيلاسكويز(23)، والنحات القوي البدن مونتانيس، وفارس سنتياجو الشامخ(24)، وفرانسسكو دستي الثاني، الحلو الحي، والدون خوان فرنسسكو بيمنتال الفخم المهيب- تلك صور تنفذ إلى صميم النفس. وإذا كانت "صورة رجل" المحفوظة في قاعة كابيتوليتي بروما هي حقيقة صورة فيلاسكويز نفسه، كان مستحيلاً على الناظر إلا أن يحبه- بشعره المجعد في إهمال، وثوبه المتواضع، وعينيه الرقيقتين المفكرتين.

ويعجب المرء كيف زحم رجال الحاشية في صور فيلاسكويز الكنيسة والموضوعات الدينية المقدسة ليحلوا محلها. لم يكن في استطاعته أن ينافس الجريكو أو ثورباران في رسم الشيوخ الرسل والقديسين بتجاعيدهم الكثيرة، ولم تنبعث قدراته كلها إلا في صورة "تتويج العذراء" دون سائر صوره الدينية. فلقد كان اغتباط أعظم بالمناظر الدنيوية وفي صورته "لاس لانثاس"، والمشهورة باسم "استسلام بريدا" بسط نفسه على اللوحة بسخاء، فجعلها من أوسع اللوحات في تاريخ الفن (120 بوصة ×144)، ولكنها أيضاً من أغناها تفاصيل. وبيان ذلك أن أمبروزيو دي سبينولا كان قد استرد لأسبانيا خلال الحرب الطويلة التي خاضتها ضد ثوار الأراضي المنخفضة مدينة بريد الاستراتيجية في برابانت الشمالية. والتقى فيلاسكويز بسبينولا عام 1629 أثناء رحلته عائداً من إيطاليا، ووقع من نفسه موقعاً جميلاً ذلك النبيل الفروسي الذي اتسم به القائد الكبير، فسجل هذا كله في رائعة بدا فيها الرماحون الأسبان المنتصرون يرفعون حرابهم عالياً، والمدينة تحترق، والقائد المهزوم المستسلم جوستين الناساوي يقدم مفاتيح المدينة إلا سبينولا، والفاتح الشهم يهنئ الرجل المغلوب على بسالة دفاعه. ولقد حقق فيلاسكويز في مفارقات اللون العجيبة وفي تمييز كل فرد من الأتباع، نصراً أسعد فليب الرابع أن يعرضه في قصر بوين ريتيرو.

وفي عام 1649 دفع فليب نفقات زيارة فيلاسكويز الثانية لإيطاليا مكافأة له على جهد ستة وعشرين عاما، وكلف الفنان بالحصول على مصبوبات من التماثيل الكلاسيكية وبشراء لوحات بريشة أئمة الفن الايطاليين. ووجد فيلاسكويز أن الأسعار قد شطت، وكاد يستحيل شراء أي أثر كبير للفنانين البنادقة العظام بأي ثمن، واضطر أن يدفع 12.000 كراون (150.000 دولار؟) ثمنا لخمس صور. فهل كان اصحاب الملايين وغيرهم قد أخذوا يستغلون الفن وقاء من التضخم المالي؟

أما خير صورة رسمت في إيطاليا في ذلك العام (1650) صورة فيلاسكويز لإنوسنت العاشر. وحين ارتضى البابا أن يجلس إلى الفنان ليصوره، وشعر هاذ بقصور في التمرين، نشط يده وعينيه برسم صورة لعبده الخلاسي، خوان دي باريخا (26)ولقيت الصورة الاستحسان العام من فناني روما، الذين بادروا بانتخاب فيلاسكويز عضواً في أكاديمية للقديس لوقا. ولم يتح له البابا غير بضع جلسات، وقام فيلاسكويز بدراسات مبدئية للرأس، وتكاد واحدة منها- محفوظة بالقاعة الأهلية بواشنطون- لا تفرق العين بينهما وبين اللوحة النهائية التي توارثتها أسرة دوريا التي انتمى إليها البابا؛ وقد احتفظ بها في قصر دوريا بامفيلي، حيث حكم رينولزجين رآها بأنها "أبدع صورة في روما"(28). وحين يتطلع المرء إليها اليوم يشعر بأن فيها قوة، سواء في الشخصية أو في الفن، تضعها مع لوحة "يوليوس الثالث" لتتسيانو، في مصاف أروع الصور في جميع العصور. وكان إنوسنت العاشر في السادسة والسبعين حين جلس إلى صورته تلك، وقد مات بعدها بخمس سنين. وقد يخطئه الناظر فيحسبه أحد كبار قطاع الطرق الذين كدروا صفو كثير من البابوات، لولا ثوب البابوية وخاتمها، ولكنا حين ندرس تلك الملامح القاسية الحازمة ندرك أن إنوسنت كان ما يجب أن يكون - حاكماً يحكم دولة من الإيطاليين المتمردين، وحبر يقود كنيسة من المسيحيين غير المتحذلقين بخلق المسيحية، المنتشرين من روما إلى الفلبين، ومن روما إلى براجواي، ولقد كان عليه أن يضع حديداً في دمه، وفولاذاً في عينيه، وجبروتاً في طلعته، وقد رآها كلها فيلاسكويز ثم سجلها على لوحته. وحين رأى البابا الصورة علق عليها تعليقاً ساخراً واحداً: "إنها صادقة جداً!" واعترف فنانو روما بتكوينها المتماسك، والانسجام العجيب بين ألوانها الحمراء والبيضاء والذهبية، والنظرة الشكاكة الفاحصة الجانبية تنبعث من عينين رماديتين زرقاوين، وحتى اليدين المنبئتين بقوة الشخصية. وحين رحل فيلاسكويز عن إيطاليا (يونيو 1651)، لم يعد طالباً يلتمس أئمة الفن القدامىـ، بل إمام فن العصر غير منازع. ذلك ان روبنز كان قد طواه الموت، وما كان لأحد أن يحلم بأن هولندياً مغموراً، أثقلت كاهله الديون وازمع على الاعتكاف بعد قليل في مغارة بامستردام، سيبعث من قبره بعد قرون لينازعه تلك السيادة.

العودة إلى مدريد

فلما عاد فيلاسكويز إلى مدريد اقترف أفدح خطأ في حياته، ذلك أنه التمس ونال وظيفة "مدير للقصر الملكي"، ولعله سئم التصوير، أو لعله أحس أنه بلغ غاية إمكاناته في ذلك الميدان. ولم تكن الوظيفة تشريفاً، فقد تطلبت منه الإشراف الشخصي على القصر، على أثاثه وزينته، وعلى تدفئته وصيانته الصحية. يضاف إلى هذا ترتيب ما يقام في القصر من مسرحيات ومراقص ومباريات، وتوفير الاقامة للحاشية خلال أسفار الملك. وكان عليه أن يرافق الملك في جميع رحلاته الكبيرة، سواء للهو أو السياسة أو الحرب. أهناك شئ أسخف من هذا لرجل صور إنوسنت العاشر؟ أن زهو المنصب عند فيلاسكويز طغى على شعوره بالعبقرية.

ولم يهب التصوير في السنوات التسع الباقية له من الأجل غير الوقت الذي اقتطعه من مهامه الرسمية الثقيلة. فأستأنف تصوير الأسرة المالكة، وكبار رجال البلاط، والملك نفسه. ورسم ثلاث صور جميلة للأميرة مارجاريتا، وصورها مرة أخرى مركزاً لاحدى روائعه المسماة "وصيفات الشرف"، فالخادمات والقزم والكلب من حول الأميرة، ومن خلفهم فيلاسكويز ذاته برسمهم على لوحته. ثم صورها مرة أخرى في تنورتها الزرقاء الواسعة التي جعلت ساقيها بعد ذلك سراً مقدساً يكتنفه الغموض(30)، وقبيل موته رسمها معجزة من البراءة في ثوب مخرم ، وفي عام 1657 زاغ من البلاط ليرسم "نساجي القماش المرسوم"- وجوهاً رائعة اقتنصها بين ضجيج العمل ووقاره. وفي السنة ذاتها تحدى محكمة التفتيش، وصدم احتشام أسبانيا، وأبهجها برسمه ظهر "فينوس روكي" وأردافها الجميلة، وقد أطلق اسم روكي على الصورة لطول ما مكثت في بيت أسرة إنجليزية اشترتها بمبلغ 500 جنيه ثم باعتها لقاعة الفن الأهلية بلندن بمبلغ 45.000 جنيه. وقد شقت احدى المطالبات بمنح المرأة حق الاقتراع ذلك الظهر الوردي بالسلاح في ستة مواضع حين أحفظها هذا الفضح لأسرار المهنة، ولكنه أصلح ثانية إصلاحاً بديعاً.

پورتريه پابلو ده بلد الوليد، 1635، مهرج بلاط فيليپ الرابع.

في لوحة "وصيفات الشرف" نرى فيلاسكويز كما رأى نفسه في سنيه الأخيرة- شعراً غزيراً، وشارباً فخوراً وعينين فيهما أثر من الإكتئاب، أما الفم فيبدو شهوانياً، ومع ذلك لا نسمع في سجله شيئاً من تلك الانحرافات الجنسية والصراعات الشخصية التي تفني الكثير في كثير من الفنانين، كان يحظى بمقام رفيع في القصر بفضل آدابه العالية، وروحه المرحة، وحياته الأسرية المهذبة. وقد خلف لنا صوراً لزوجته خوانا وابنته فرانسسكا، ولعل النموذج الذي نقل عنه لوحته "السيدة ذات المروحة" هو أيضاً فرانسسكا. وقد رسم زوجها خوان باوتستا ديل ماتو لوحة سماها "أسرة الفنان" يبدو فيها فيلاسكويز وفي خلفيته مرسم، ومعه خمسة أطفال أعانوا على وحدة الأسرة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

في المعاصرة

أهمية فن ڤلاسكويز، حتى اليوم، يتضح في مدى الاحترام الذي تناله أعماله من رسامي القرن العشرين.

وكان موته نتيجة لوظيفته. ففي ربيع عام 1660 رتب المراسم والاحتفالات المعقدة التي تقرر أن تصاحب توقيع معاهدة البرانس على جزيرة في نهر بداسوا الواقع على الحدود، وخطبة الأميرة ماريا تريزا للويس الرابع عشر. وكان على فيلاسكويز أن يدبر نقل الحاشية إلى منتصف الطريق عبر أسبانيا إلى سان سباستيان، ويجهز أربعة آلاف من بغال النقل لحمل الإناث والصور وقطع النسيج المرسوم وغير ذلك من زينات، وعاد المصور، الذي تاه الآن في الموظف، إلى العاصمة "وقد أضناه سفر الليل وكد النهار" كما ذكر لصديق. وفي 31 يوليو لزم الفراش مصاباً بحمى ثلثية، وفي 6 أغسطس ، أو بعبارة أول مترجم لحياته "في عيد تجلي المسيح... أسلم روحه الله، الذي خلقها لتكون أعجوبة من أعاجيب الدنيا(34)". وما مضت ثمانية أيام حتى ووريت زوجته الثرى إلى جواره.

والذين لا علم لهم منا بتقنية التصوير لا يستطيعون إلا الاستمتاع بآثار فيلاسكويز- لا حاكمين على جودتها، بل تاركينها لترينا عصراً، وبلاطاً، وملكاً خاملاً، وزوجاً جمعت بين الكبرياء والرقة. وحتى نحن في هذا الوضع قد نتذوق ما في هذه الصور من صفاء وبساطة ووقار وصدق كلاسيكي، ونستطيع أن نحزر ما وراء انتصاراتها من جهد ومهارة، وما اقتضته من محاولات اجتهادية، وتوزيع تجريبي للأشكال، وتراكب وعمق وشفافية في الألوان، وحركة مشكلة للأضواء والظلال. أما النقاد الذين تعبوا من المديح المتكرر فقد أشاروا إلى عيوب الفنان الأسباني الكبيرة: أخطاء صغيرة كالأغطية البلهاء التي ألبسها رؤوس أميراته الصغار، وبطون جياده الغليظة، والوجه عديم التناسب، المعكوس في المرآة، في صورة "فينوس روكي"، ثم عيوب كبيرة، كافتقاره إلى العاطفة، والخيال، والمثالية ورقة الاحساس، وفنائه في الشخصيات لا في الأفكار فناء يكاد يكون نسائياً، وعماه الواضح عن كل شئ لا تراه عيناه. وحتى في أيام فيلاسكويز، اتهمه أحد منافسيه المدعو فنتسنزو كاردوتشي بطبيعية قصيرة النظر تحسب أن التشخيص المدقق للواقع الخارجي هو أسمى وظائف التصوير.

فمن يجيب عن فيلاسكويز (الذي ما كان ليجيب قط) بأنه غير مسئول عن أغطية الرؤوس ولا عن بطون الخيل تلك، وبأن العاطفة المضبوطة أوقع في النفس من العاطفة المعلنة، وبأن صور بالتازار كارلوس والأميرات، وصور وصيفات الشرف، وصورة استسلام بريدا- كلها تبدي احساساً رقيقاً مرهفاً، وان "أيسوبس" و "منيبوس" دراستان في الفلسفة، وان صور جونجورا، وأوليفاريس، وإنوسنت العاشر، ليست محاكاة للظاهر بل إنبعاثاً للروح؟ وليس في فن فيلاسكويز سعي سافر وراء الجمال، بل بحث عن النوع الكاشف منه، اناث قليلات يرقق الحسن منهن، ولكن رجال كثيرون خطتهم الحياة وميزتهم.

لاس منيناس

لاس منيناس (1656، بالعربية: صديقات العروس)

السنوات الأخيرة

لو لم يكن ذلك المنصب الملكي، الذي مكـَّن ڤلاسكويز من الإفلات من رقابة محاكم التفتيش، لما كان في استطاعته إشهار لوحته ڤينوس إسپـِخو (ح. 1644-1648، بالعربية: ڤينوس أمام مرآتها) والمعروفة أيضاً بإسم The Rokeby Venus. وهي الصورة الوحيدة العارية التي وصلت من رسم ڤلاسكويز.

تفصيلة من لاس منيناس (پورتريه ذاتي لڤلاسكويز)

ومع أن فيلاسكويز كان على الدوام موضع الاجلال في أسبانيا بوصفه مصورها الأعظم، فان شهرته لم تكد تعبر البرانس، ربما لأن الكثير جداً من فنه كان في البرادو- حتى قدمه رفائل منجز لألمانيا عام 1761، وكشفت عنه حروب نابليون الأسبانية لإنجلترا وفرنسا، ونادى به مانيه والتأثريون رائداً لهم في دراسة الضوء والجو والتعبير عنهما، ووضع فيلاسكويز طوال نصف قرن في مصاف أعظم المصورين، وسماه وسلر "مصور المصورين" لأنه استاذهم جميعا، وصرح رسكن بقوة الرجل الحجة بأن "كل ما يفعله فيلاسكويز يمكن اعتباره صحيحاً على الاطلاق". ثم ذهب مايير- جريفي إلى اسبانيا ملتمساً فيلاسكويز في البرادو، ولكنه عثر على الجريكو في طليطلة"، و "أنه ظل دائما في حجرة انتظار الفن". وفجأة اعتقد نصف العالم أن فيلاسكويز من مصوري المرتبة الثانية. والشهرة زي من الأزياء المتقلبة، فنحن نمل تحميل أقلامنا عبارات الإعجاب القديمة، ونجد البهجة والانتعاش في أن ننبذ الأصنام البالية من خيالنا، وأن ننزل الجبابرة الذين ماتوا عن عروشهم، ونرفع آيات الحمد والثناء للآلهة جديدة نفخت فيها أصالتنا أو بعثها من رقادها صيت جديد. ولا ندري أي مكان من العظمة سيحظى به فيلاسكوزي حين يدور الزمن دورته ويغير الذوق اتجاهه من جديد.


أعمال مختارة

الهامش

  1. ^ أ ب Serrano, Hanna, Tanya J. Tiffany and Ronald E. McNair. Mother Jeronima de la Fuente: Founder of First Convent of Nuns in the Philippines, A Woman Religious and Reflection of Christ, University of Wisconsin, Milwaukee, retrieved on: June 17, 2007
  2. ^ أ ب Zirpolo, Lillian. Madre Jeronima de la Fuente and Lady With A Fan Two Portraits by Velasquez Reexamined, Woman's Art Journal, Vol. 15, No. 1 (Spring - Summer, 1994), pp. 16-21, JStor.org, retrieved on: June 24, 2007
  3. ^ Great Masters Gallery, Diego Rodriguez de Silva Velazquez Art Reproductions, Jeronima de la Asuncion, c.1620, 79 x 51 cm, The Wallace Collection, London, UK, 2007, retrieved on: June 24, 2007
  4. ^ Great Masters Gallery, Diego Rodriguez de Silva Velazquez Art Reproductions, The Lady with a Fan, c.1630/50, The Wallace Collection, London, UK, 2007, retrieved on: June 24, 2007
  5. ^ "Signs of identity in Lady with a Fan by Diego Velazquez: costume and likeness reconsidered". The Art Bulletin. March, 2004. Retrieved 2007-12-08. {{cite web}}: Check date values in: |date= (help); Unknown parameter |fisrst= ignored (help)

البيبليوگرافيا

  1. Brown, Dale (1969). The World of Velázquez: 1599–1660. New York: Time-Life Books. ISBN 0809402521.
  2. Brown, Johnathan (1986) Velázquez: Painter and Courtier Yale University Press, New Haven, ISBN 0300034660 ;
  3. Brown, Jonathan (1978) Images and Ideas in Seventeenth-Century Spanish Painting Princeton University Press, Princeton, NJ, ISBN 0691039410;
  4. Brown, Johnathan (2008) Collected writings on Velázquez, CEEH & Yale University Press, New Haven, ISBN 9780300144932.
  5. Calvo Serraller, Francisco (1999). Velázquez:. Madrid: Electa. ISBN 8481562033.
  6. Davies, David and Enriqueta Harris (1996) Velázquez in Seville National Gallery of Scotland, Edinburgh, ISBN 0300069499;
  7. "Diego Velázquez" (1911). Encyclopædia Britannica, 11th ed. London: Cambridge University Press.
  8. "Enriqueta Harris resalta la 'pasión británica' por Velázquez en un simposio en Sevilla" (PDF). El Pais Digital. {{cite web}}: Unknown parameter |accessmonthday= ignored (help); Unknown parameter |accessyear= ignored (|access-date= suggested) (help)
  9. Erenkrantz, Justin R. "The Variations on Past Masters". The Mask and the Mirror. Accessed on April 10, 2005.
  10. Goldberg, Edward L. "Velázquez in Italy: Painters, Spies and Low Spaniards". The Art Bulletin, Vol. 74, No. 3 (Sep., 1992), pp. 453-456.
  11. Prater, Andreas (2007)Venus ante el espejo, CEEH, ISBN 9788493606008.
  12. "Velázquez, Diego" (1995). Enciclopedia Hispánica. Barcelona: Encyclopædia Britannica Publishers. ISBN 1564090078.
  13. Wolf, Norbert (1998) Diego Velázquez, 1599-1660 : the face of Spain Taschen, Köln, ISBN 3822865117;


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وصلات خارجية