ثورة الزنج

ثورة الزنج (255 ـ 270هـ/ 869 ـ 883م) هي ثورة شعبية قام بها عبيد أفارقة يدعون بالزنوج، حيث ثاروا بشكل كبير في البصرة وجنوب العراق، والتي أثارها عليُّ بن مُحَمَّد العلويّ والذي ادعى أنه من نسل علي بن أبي طالب زوج فاطمة بنت النبي، ولذلك يُعرف أنه فارسي الأصل.

استمرت الثورة 12 سنة بشكل لا هوادة، حيث تسببت في ضعف الخلافة العباسية بعد أن أضعفها الأتراك الذين تحكموا في الخلافة طلبا لأموالهم واهتمامهم بأنفسهم، حتى استطاع إنهائها الأمير العباسي المُوفق بالله ودخل الجيش العباسي بغداد يوم النصر والأهالي بالقرب منهم توزع الأرز والورد فرحا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طبيعة الحركة وأهدافها

قامت حركة الزنج في عام 255 هـ، وأنهكت دولة الخلافة العباسية قبل أن تقضي عليها، وكان عماد هذه الحركة في باديء الأمر بعض العرب المغامرين من المهالبة والهمدانيين وغيرهم، أما الفئات التي شاركت فيها فهي متنوعة: الزنج، أهل القرى، العرب الضعفاء، عشائر عربية ثائرة على السلطة.. أما فيما يتعلق بالشخصية التي قادت هذا الجمع، فهو علي بن محمد الفارسي الأصل، وهو شخصية محيرة فعلاً حيث يلاقي الباحث صعوبات جمة في معرفة نسبه، وذلك بفعل تقلباته السريعة، تبعًا للظروف التي كان يمر بها، واتصف بأنه رجل طموح وموهوب.[1]

ويبدو أن حياته كانت غير طبيعية فقد بدأها كشاعر في بلاط الخليفة بسامراء، ثم حاول القيام بحركة ضد النظام في البحرين للوصول إلى الحكم، إلا أنه أخفق في تحقيق مبتغاه، فسلك نهجًا جديدًا، وظهر كقائد ديني ومتنبيء، فادعى نسبًا علويًا محاولاً أن يستثمر ما للشيعة من عطف وتأييد بين الناس، وقد أحلَّه أتباعه من أنفسهم محل النبي حتى جُبِي له الخراج..

ويبدو أن جماعة كثيرة العدد في البحرين قد تنكرت له، مما دفعه إلى مغادرتها إلى البادية ليستقطب الأعراب، وادعى فيها النسب الشيعي على أنه يحيى بن عمر أبو الحسين، فالتف حوله بعض الأعراب استغلهم بإعادة السيطرة على البحرين، إلا أنه هزم وفر إلى البصرة..

ووقف أثناء إقامته القصيرة فيها على أوضاعها الداخلية السياسية والاجتماعية حيث كان المجتمع البصري منقسمًا على نفسه، فحاول أن يستغل هذه الخلافات لصالحه إلا أنه فشل، وفي الوقت نفسه رأى في حياة العبيد فيها الذين يعملون في المستنقعات المجاورة فرصة لتحقيق طموحاته لكنه طُرِدَ منها فذهب إلى بغداد، وفي بغداد استنبط نسبًا علويًا جديدًا فانتسب إلى أحمد بن عيسى بن زيد، ثم حاول الوثوب إلى السلطة مستغلاً الأوضاع المضطربة في حاضرة الخلافة، ولكنه لم يتمكن من ذلك بفعل إحكام الأتراك قبضتهم على الوضع، فعاد إلى البصرة في عام 255هـ ليتزعم حركة ثورية مدعيًا أن الله أرسله لتحرير العبيد وإنقاذهم مما كانوا يعانونه من بؤس كما ادعى العلم بالغيب، وانتحل النبوة..

والواقع أن فكرة المهدي المنتظر رافقت علي بن محمد في جميع مراحل حياته السياسية؛ فاستغلها بذكاء، وهو بادعائه المهدية، كان يضرب على وتر حساس في نفوذ جماعة العلويين الذين برح بهم الشقاء، فكانوا يأملون في ظهور مهدي منقذ يزيل عنهم الغمة، ويفرج عن أيامهم كربتها، وركز كثيرًا على عراقة أصله وكتبها على نقوده وسمي نفسه "المهدي علي بن محمد" المنقذ..

وجهر علي بن محمد في إحدى مراحل حياته بمذهب الخوارج الذين يلائم مبدأهم ميل أصحابه الشورية، فحارب من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة، وكتب شعاراته على الرايات باللونين الأخضر والأحمر وهما لون العلويين ولون الخوارج..

لقد تعارضت أفكار علي بن محمد عن الخلافة مع مفهوم الشيعة لها التي تؤكد على الوراثة، وتبنى رأي الخوارج القائم على الشورى، مما نفَّر منه الأعراب البسطاء، وعرب البصرة والأهواز وواسط والمناطق المحيطة بها، كما رفض قرمط أن يرتبط معه بعوامل دينية، أما شدته وقسوته تجاه أعدائه فقد جعلته خارجيًا متطرفً، يُضَاف إلى ذلك أنه عامل أسرى الحرب معاملة الرقيق، ووعد أتباعه بأنه سيملكهم المنازل والعبيد، وهذا يعني تحويل حياة الزنج من أرقاء إلى ملاك للعبيد. والواضح أن هذا التناقض في عقيدة الحركة يفرغها من أي صبغة عقائدية، ويجعلها حركة مسلحة ضد النظام استغلت التناقضات الإجتماعية، كما يجعل من قائدها رجلاً مغامرًا طموحًا إلى السلطة.


الثورة

تفصيل ذلك أن عددا ُ كبيراً من الزنوج كانوا يعملون في كسح السباخ بالقرب من البصرة، فأخذ علي هذا يذكر لهم سوء ما يلقون من المعاملة، ويحرضهم على أن يثوروا معه على ساداتهم، ويعدهم بالتحرر من الرق وبالثروة-وأن يكونوا هم مالكين للعبيد. وأثرت فيهم دعوته، فاستجابوا لها واستولوا على الزاد والعتاد، وهزموا الجيوش التي سيرت لقتالهم، وأنشأ لهم قرى مستقلة فيها قصور لزعمائهم، وسجون لأسرهم، ومساجد لصلواتهم (869). وعرض أصحاب العمل أن يؤدوا لعلي خمسة دنانير عن كل شخص من الثوار يعود إلى عمله إذا أقنعهم بهذه العودة، فأبى. وحاولت البلاد المحيطة بهم أن تخضعهم بمنع الطعام عنهم، ولكنهم حين نفدت مؤنهم هاجموا بلدة الأبلّة، وحرروا من فيها من الأرقاء وضموهم إلى صفوفهم ثم نهبوها وأشعلوا فيها النار (870). وتشجع علي بهذا النصر فهاجم عدة بلاد أخرى واستولى على الكثير منها، وسيطر على جنوبي إيران والعراق حتى دق أبواب بغداد نفسها. وتعطلت التجارة، وقل الطعام في العاصمة. وفي عام 871 استولى المهلبي قائد الزنوج على البصرة فدمرها عن آخرها ، وذبح ثلاثمائة ألف من أهلها وسبى الجنود الزنوج آلافاً من النساء واسترقوا آلافاً من الأطفال فقد قيل إن لكل عبد زنجي أصبحت لديه عشر نساء كانت تباع في الأسواق بدرهمين أو ثلاثة - إذا صدقنا أقوال المؤرخين.[2] وبعد أن انتهوا من البصرة هجموا على الكوفة ودمّروها، أصبح يقال وقتها في تذكر ثورة الزنج "هجموا على البصرة ودمروا الكوفة" وقد أرسل الخليفة العباسي المعتز بالله جيشاً كبيراً بقيادة جمد التركيّ على رأس خمسة عشر ألف مقاتل لقتال الزنج فدارت بينهم موقعة شديدة انهزم فيها العباسيين وقتل قائد المعركة جمد التركيّ وقد مثّلوا بجثته ورموها في القرات بعد أن ذروها في الرماد.


وظلت نار الثورة مشتعلة ثلاثة عشر عاماً، سيرت في خلالها عدة جيوش لتقليم أظافرها وعرض على من يفرون من صفوف الثوار المال والعفو، فخرج على علي كثيرون من رجاله، وانضموا إلى جيوش الحكومة. ثم حوصر من بقي منهم، وضُيقَ عليهم الخناق، وسُلط عليهم الرصاص المصهور و "النار اليونانية" وهي مشاعل من النفط الملتهب، وانتهى الأمر بأن دخل جيش يقوده الوزير أخو الخليفة المعتمد أبو أحمد الموفق طلحة إلى مدينة الثوار، وتغلب على ما لقيه من المقاومة، وقُتل علياً وحُمل رأسه إلى الوزير المنتصر. وسجد الموفق وضباطه شكراً لله على رحمته (883). ودامت هذه الثورة ثلاثة عشر عاماً كانت خلالها العراق مليئة بالإضطرابات والثورات التي قامت على الخلفاء العباسيين وكانت ثورة الزنج أحد الثورات المؤلمة في تاريخ العراق والمسلمين وكان أن استغل أحمد بن طولون والي مصر هذا الاضطراب فاستقل بأغنى ولايات الخلافة الإسلامية.


دوافع الاستجابة لهذه الحركة

تعددت دوافع الاستجابة لهذه الحركة ما بين سياسية، واقتصادية واجتماعية:

الدوافع السياسية

بسبب تردي أوضاع الخلافة، نتيجة تصاعد نفوذ الأتراك إلى جانب صراع خفي بين المترفين والعبيد وجد متنفسًا له في دعوة علي بن محمد.

الدوافع الاقتصادية

نتيجة الأوضاع المالية المتدهورة وظاهرة التكوين الطبقي داخل المجتمع الإسلامي من طبقة ثرية إلى طبقة تجار فالطبقة العامة العاملة..

واتسعت الهوة مع مرور الزمن بين هؤلاء وبين الطبقة الإقطاعية، وبلغ التناقض الاجتماعي مداه، مما كان دافعًا للاستجابة لنداء الثورة الذي أطلقه علي بن محمد..

الدوافع الاجتماعية

بفعل نمط حياة فئات العبيد التي كانت تعيش في ظروف قاسية وسيئة من خلال عملها في تجفيف المستنقعات وإزالة السباخ عن الأراضي، ثم نقل الملح إلى حيث يعرض ويباع، لقاء وجبة طعام، فأرادت هذه الفئات التخلص من هذا العمل الشاق ومن ضنك العيش..

حركة الزنج في الميزان

لقد انطلقت حركة الزنج من واقع الألم والاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي بين مستنقعات البصرة وسهولها، وكانت بدايتها ناجحة انسجمت فيها أهدافها مع أفعالها لكن النزعة الفوضوية التي طبعتها وهي في قمة مواجهتها أدت إلى تقلص أبعادها الاجتماعية، وقد زاد من تلك النزعة افتقارها إلى برنامج ثوري يصوغ تطلعات وأهداف القائمين بها، ويوضح العلاقة بين القيادة والأتباع، كما يلاحظ أن رجالها استهدفوا الانتقام لا الإصلاح، والانقلاب الاجتماعي لا التقويم، وأن قائدها لم يستطع أن يحرر ذاته من مسألة فكرة الزعامة القرشية، بالإضافة إلى أن أطرها الثورية كانت محلية ومحدودة ولم تكن لديها تطلعات شاملة، وندرك من هنا عدم نجاح علي بن محمد في اكتساب قطاعات كبيرة من المجتمع العراقي كالفلاحين وكبار الملاك والتجار والحرفيين، وحتى القرامطة، فأصبح العبيد بمفردهم ضعفاء رغم عددهم الكبير.

ومن جهة ثانية فإن سرعة الأحداث، وتصميم العباسيين على القضاء عليها، لم يعطيا قائدها مهلة لتنظيم صفوف قواته، وتمكنه من بناء مجتمع مستقر ذي أنظمة خاصة لذلك كان من الطبيعي أن تفقد هذه الحركة طابعها الإنساني والثوري مما دفعها إلى نهايتها المحتومة، لكن قاعدتها الثورية التي تشتت استطاعت أن تكون إحدى الدعائم الأساسية التي دفعت الحركة القرمطية إلى الظهور فيما بعد.

المصادر

  1. ^ "ثورة الزنج". ويكيبيديا العربية.
  2. ^ ول ديورانت. "مجلد 4 كتاب 2 باب 11: أحوال البلاد الإسلامية (638-1058)". [[قصة الحضارة]]. معرفة المصادر. {{cite book}}: URL–wikilink conflict (help)

ثورة الزنج