الأعياد الأثينية

شرفة كرياتية في إرخثيون، أثينا، 421–407 ق.م.

إن لم يكن في مقدور الدين اليوناني أن يقضي على الحروب، فإنه قد أفلح في تخفيف متاعب الحياة الاقتصادية الرتيبة بما كان يقيمه من الأعياد الكثيرة قال فيها أرستوفانيس: "ألا ما أكثر ما يقدم إلى الآلهة من ضحايا؛ وما أكثر ما يقام لها من هياكل وتماثيل... ومواكب مقدسة! إنا لنشهد في كل ساعة من ساعات العام أعياداً دينية وضحايا عليها أكاليل من الزهر تقرب للآلهة". وكانت نفقات هذه الأعياد يقوم بها الأغنياء، أما الدولة فكانت تقدم الأموال المقدسة Theorika، ومنها تؤدي للشعب رسوم الدخول لمشاهدة الألعاب أو المسرحيات التي كانت تمتاز بها هذه الأيام المقدسة.

وكان التقويم الأثيني تقويماً دينياً في جوهره، وكانت شهور كثيرة تسمى بأسماء ما يقام فيها من أعياد دينية،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأعياد حسب أشهر التقويم الأثيني

في الشهر الأول شهر هكتمبيون Hecatombaion (يوليه- أغسطس) يقام عيد الكرونيا (المقابل لعيد الساتورناليا الروماني)، وفيه يجتمع السادة والعبيد في وليمة بهجة طربة. وكان يقام في هذا الشهر نفسه كل أربعة أعوام عيد الجامعة الأثينية، وتعقد فيه مباريات، وتقوم فيه ألعاب مختلفة الأنواع، تدوم أربعة أيام، يسير الأهلون جميعاً بعدها في موكب عام وقور، يحملون إلى كاهنة أثينة الثوب الفخم الموشى الذي كان يوضع فوق تمثال إلهة المدينة؛ والعالم كله يعرف أن هذا هو الموضوع الذي اختاره فدياس ليزين به طنف البارثنون.

وفي الشهر الثاني، شهر متاجيتنيون Metageitnion، كان يقام المتاجيتنيا وهو عيد صغير يقام تكريماً لأبولو.

وفي الشهر الثالث، شهر بؤدرميون Boedromion، كان سكان أثينة يخرجون إلى إلوسيس لإقامة الطقوس الكبرى الخفية.

وفي الشهر الرابع، شهر البيانبسيون Pyanepsion، كان يحتفل بأعياد البيانبسيا والأسكوفوريا Oscophoria والثسموفوريا Thesmophoria وكانت نساء أثينة في هذا الشهر يعظمن دمتر ثسموروس (المشرعة) بإقامة طقوس أرضية عجيبة يعرضن فيها رموزاً لقضيب الرجل ويتبادلن فاحش القول، ويمثلن الذهاب إلى الجحيم والعودة منها، ويبدو أن هذه الحفلات كانت رمزاً للإخصاب في الأرض وفي الآدميين.

وكان شهر ميمكترون Maimakterion هو الشهر الوحيد الخالي من الأعياد.

وفي شهر بوسيديون Poseideon كانت أثينة تقيم عيد الإتالوا عيد بواكير الفاكهة،

وفي شهر گامليون Gamelion تحتفل بعيد اللينيا Lenaea تكريماً لديونيسس.

وفي الشهر الثامن، شهر أنثسترن Anthesterion، كانت تقام ثلاثة احتفالات هامة، الطقوس الخفية الصغرى أو التمهيدية، والديازيا أو التضحية لزيوس ملكيوس، والأنثستريا أو عيد الزهور، وهم أهم الأعياد الثلاثة. وفي هذا العيد الربيعي الذي يقام تكريماً لديونيسس ويدوم ثلاثة أيام كاملة كانت الخمر تجري كالأنهار، ولم تكن ترى إلا سكارى على درجات متفاوتة من السكر؛ وكان الناس يتنافسون أيهم يفوق غيره في كثرة الشراب، والشوارع تعج بالحياة والمرح. وكانت زوجة كبير الأركونيين تركب عربة بجوار تمثال ديونيسس وتتزوج به في الهيكل رمزاً إلى اتحاد الإله بأثينا. وكان يسري في هذه الطقوس المرحة قليل من الرهبة والعمل على استرضاء الموتى وكف أذاهم؛ وكان الأحياء يتناولون في وقار وهدوء وجبة من الطعام إحياء لذكرى آبائهم، ويتركون لهم آنية ملآى بالطعام والشراب، فإذا انقضى العيد أخذ الناس يطردون أرواح الموتى من الدور بصيغة يتلونها ويقولون فيها: "أخرجي من الباب أيتها الأرواح! لقد انتهى عيد أنثستريا"- وقد اصبحت هذه الألفاظ مثلاً يقال عندما يراد التخلص من المتسولين الكثيري الإلحاح .

وفي الشهر التاسع، شهر إلافيبوليون Elaphebolion، يقع عيد ديونيزيا الكبير الذي أوجده بيستراتس في عام 34. وفي ذلك العام جعل ثسبيس المسرحية في أثينة جزءاً من هذا الاحتفال. وكان ذلك في أواخر شهر مايو والربيع مقبل والبحر هادئ صالح للملاحة، فأقبل التجار والزائرون حتى ازدحمت بهم المدينة وتضاعف عدد من يشاهدون الحفلات والمسرحيات. وأوقفت جميع الأعمال، وأغلقت دور القضاء، وأطلق سراح المسجونين ليستطيعوا الاشتراك في الحفلات. وخرج الأثينيون على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم في أزهى الملابس ليشتركوا في الركب الذي جاء بتمثال ديونيسس من إليوثيزا لوضعه في مقره. فركب الأغنياء العربات، وسار الفقراء راجلين، ومن ورائهم قافلة طويلة من الحيوانات لتهدي إلى الآلهة واشتركت في هذا الموكب فرق من المغنين أقبلت من مدن أتيكا تتبارى في الغناء والرقص.

وفي الشهر العاشر، شهر منيكيون Munychion، كانت أثينة تحتفل بعيد المنيكيا، وكانت تحتفل كل خمسة سنين بعيد البرورونيا Brauronia تكريماً لأرتميس.

وفي شهر ثراجليون يقع الثراجليا أي عيد حصاد الحب.

وفي الشهر الثاني عشر، شهر سكروفريون Skirophorion، كان يحتفل بأعياد اسكروفوريا، وأرتوفوريا Arretophoria، ودبوليا Dipolia وبوفنيا Bouphonia ولم تكن هذه الأعياد كلها أعياداً سنوية، ولكنها، حتى ما لم يكن يحتفل به منها إلا كل أربع سنين، كانت تخفف كثيراً من كدح الحياة اليومية.


الأعياد غير الأثينية

وكان لغير أثينة أيام مقدسة شبيهة بهذه الأيام؛ وكان كل موسم من مواسم الزرع أو الحصاد في الريف يستقبل بمظاهرة البهجة والمرح. وكان أعظم من هذه الأعياد كلها أعياد الجامعة الهلينية، والحفلات العامة الجامعة Panegyreis، ومن هذه الأعياد عيد الرابطة الأيونية Panionia في ميكالي Mycale وعيد أپولو ديلوس؛ والعيد البيثي Phthian في دلفي، وعيد البرزح Isthmiu في كورنثة، والعيد النميئي Nemean في أرگوس، والعيد الأولمبي في إليس. وكانت تقام في هذه الأعياد مباريات رياضية بين الدول المختلفة، ولكنها كانت في أساسها أياماً مقدسة. فقد كان من حسن حظ بلاد اليونان أن كان دينها من العناصر البشرية- وأن كان فيها في آخر أيامها من العناصر الإنسانية الرحيمة- ما يكفي لاقترانه بالفن، والشعر، والموسيقى، والألعاب، واقترانه آخر الأمر بالأخلاق اقتراناً جعله مصدر السرور والإبداع.


الهامش

المصادر

ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

الكلمات الدالة: