فتحي الديب

نواة جهاز المخابرات المصرية

محمد فتحي مبروك ابراهيم الديب (1923 - 2003) بمصر شارك في تأسيس جهاز المخابرات العامة المصرية وإذاعة صوت العرب ومهندس حركات التحرر ، كان فتحي الديب رجل المهام الخاصة لعبد الناصر.

فتحي الديب أحد أبرز معاوني الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر في قضايا الشئون العربية. يعد الديب من مؤسسي جهاز المخابرات العامة المصرية عام 1953، حيث كان ضمن ثمانية اختارهم عبدالناصر برئاسة عضو مجلس قيادة الثورة زكريا محيي الدين، تولوا مهمة انشاء جهاز المخابرات ومن خلال عمله كلف عبدالناصر فتحي الديب برئاسة دائرة الشئون العربية في جهاز الاستخبارات،

وأوكل اليه اعداد خطة لتحرير دول الوطن العربي من الاستعمار. وقام الديب بانجاز هذه المهمة، ومن خلالها تأسست اذاعة «صوت العرب» كأداة إعلامية لثورة يوليو 1952 في معاركها ضد الاستعمار.

بعد وفاة عبد الناصر استقال فتحي الديب من رئاسة الجمهورية ، توفي عام 2003 .


من منشئي سلاح المظلات المصري.

كان مبعوث عبد الناصر الذي وصل إلى طرابلس في 4 سبتمبر 1969 لدعم الثورة الليبية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حوار معه

حوار مع فتحي الديب - رجل جمال عبدالناصر الغامض........... القاهرة ـ سعيد الشحات هؤلاء هم نواة جهاز المخابرات • فتحي الديب : صاحب «صوت العرب» وجمال يقرأ التعليق قبل اذاعته اختار فتحي الديب البعد عن الأضواء، واكتسب لهذا لقب «رجل جمال عبدالناصر الغامض».. كان هو رجل عبدالناصر ورسوله لدى كل الثورات وحركات التحرر العربية في الخمسينيات والستينيات.. في الجزائر، واليمن، وسوريا، ولبنان، والعراق، وعمان، والأردن.. وغيرها في جعبته كل التاريخ الحافل لهذه الثورات وببساطة هو كتيبة اسرار متحركة منذ طلب منه عبدالناصر ان يضع خطة لتحرير الوطن العربي من الاستعمار حتى أصبح مهندسا فعليا لها.. يفتح الديب خزينة اسراره لـ «بيان الاربعاء»، مستعرضا في هذه الحلقة تأسيس جهاز المخابرات، والخطة التي وضعها امام عبدالناصر لتحرير الوطن العربي، ويتوقف طويلا أمام تأسيس اذاعة صوت العرب وملامح لجولاته الاستطلاعية الى أقطار الوطن العربي حتى يعرف عن قرب كيفية تحريرها يتحدث عما يمكن أن نسميه بوضع البنية الأساسية لعملية التحرير. ـ ارتبطت ثورة 23 يوليو 1952 بمحيطها العربي ارتباطا وثيقا، وقدم جمال عبدالناصر مساعدات هائلة لكل الثورات وحركات التحرر العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.. لكن يظل السؤال.. هل كان هذا الارتباط وليد الصدفة، أم أنه جاء باعداد مسبق من الثورة وقائدها؟ ـ لم يكن ارتباط ثورة يوليو في مصر بأي ثورة أو حركة تحرر عربية صدفة، فالتوجه العربي لقائدها جمال عبدالناصر كان في مقدمة أهدافه منذ قيام الثورة، ولم يكن غائبا عنه أبدا أن قوة مصر في العرب، وقوة العرب في مصر، ولهذا اختار كما هو معروف في كتابه فلسفة الثورة الدائرة العربية كأولى الدوائر التي يجب أن تتحرك فيها مصر، وبالتالي جاء تأييده ودعمه بلا تردد لأي ثورة أو حركة تحرر عربية انطلقت في أي قطر عربي. الجزائر. اليمن. سوريا. لبنان. العراق. الخليج العربي. ليبيا. السودان. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، وإنما قدم دعمه للمعارضة الايرانية ضد حكم الشاه والتي توجت بقيام الثورة ضده، أضف الى ذلك مساندته للعديد من الثورات في دول العالم الثالث. • هؤلاء هم نواة جهاز المخابرات ـ استاذ فتحي. بالتحديد متى بدأت خطوة مساندة الثورات وحركات التحرر العربية؟ ـ بدأت بتأسيس جهاز المخابرات العامة برئاسة زكريا محيي الدين. ـ اسمح لي أن أتوقف معك بعض الشئ عند عملية تأسيس جهاز المخابرات العامة.. متى وكيف تم ذلك؟ ـ في أكتوبر عام 1952 واختار عبدالناصر ثمانية كانوا نواة الجهاز والدفعة الأولى له وهم.. فتحي الديب، كمال رفعت، مصطفى المستكاوي، سعد عفرة، أحمد كفافي، محمود عبدالناصر، عبدالقادر حاتم، محيي الدين أبوالعز. ـ هل كانت هناك معايير خاصة في اختيار هذه الشخصيات؟ ـ طبعا.. تم اختيار هذه الشخصيات لكفاءتهم الخاصة الملائمة للسرية، وطبيعة عمل المخابرات، وطبقا لتمايز كل شخص في مجاله تم اسناد المهمة الخاصة به في المخابرات، ولابد من التأكيد على دور زكريا محيي الدين كأول رئيس لجهاز المخابرات، فهو له فضل الاستاذية علينا، تعلمنا ـ أنا بشكل خاص ـ العسكرية على يديه.. كان استاذي في الكلية الحربية، كما كان استاذي في كلية أركان الحرب، وقائدي في بناء المخابرات العامة.. واليه يرجع الفضل في تعليم الدفعة الأولى من المخابرات كيفية التعامل، والاصرار على تحقيق الهدف.

ـ وماذا عن الثمانية الآخرين؟ ـ كمال رفعت، كان دفعتي في الكلية الحربية، جمعتنا صداقة متينة.. وتولى في جهاز المخابرات شئون الانجليز، حيث لم يكن الاحتلال الانجليزي قد غادر منطقة قناة السويس، ولهذا تأسست شعبة في جهاز المخابرات باسم شئون الانجليز يكون هدفها الأساسي هو تحديد الوسائل التي تجبر الانجليز على الخروج من مصر.. كنا في الصباح مخابرات، وفي المساء فدائيين.. كمال رفعت كان من أوائل الضباط الأحرار، وقام بأدوار خاصة قبل الثورة لا يستطيع أحد غيره القيام بها.. كان جمال عبدالناصر يثق فيه جدا، ويعتبره واحدا من خيرة الضباط الأحرار وذلك لسماته الشخصية الخاصة، وكان من بينها ولعه الشديد بالقراءة والاطلاع في المجال السياسي خاصة تلك المتعلقة بالسياسات الحزبية والمذاهب الفكرية، كنت أرسل اليه من سويسرا بعد أن انتقلت اليها سفيرا أحداث الاصدارات من الكتب، فكان يتلقفها على الفور، ويبحث فيها عما يفيد في مجال عملنا. وبالنسبة لباقي الثمانية.. تولى مصطفى المستكاوي الدور الاعلامي في المخابرات العامة، وتولى رئاسة تحرير صحيفة المساء.. كان على خلق رفيع، ويستوعب بسهولة ما هو مطلوب منه، وتجده أمامك وقت الحاجة.. أما سعد عفرة فكان نموذجا حيا للقراءة والاطلاع والسعي لمعرفة الكثير عن كل ما يهم عمل المخابرات العامة ليقدمه لاخوانه المسئولين عن العمل النضالي ليكون في خدمتهم.. أما فريد طولان فتمرس على جمع المعلومات من جميع المصادر، والعمل داخل مصر، بصورة فنية دقيقة، وباتقان في تتبع ما يهم عمل المخابرات من دراسات مهمة في الشأن الداخلي، وفعل ذلك لخدمة العمل السري للمخابرات، وأيضا العمل العلني، وذلك بلا خلط بين الاثنين.. أما أحمد كفافي فكان ضابط سلاح الفرسان، وفارسا في مجال الاقتصاد، حيث تخصص في شئون الاقتصاد اللازمة لصالح عمل المخابرات العامة.. يجمع.. ويحلل.. ويخطط.. ويبقى من الثمانية، محمود عبدالناصر، الذي كان مع كمال رفعت في مواجهة القوات البريطانية في القناة، وتميز بالدأب الشديد على تنفيذ كل ما يطلب منه.. وعبدالقادر حاتم الذي تولى الاعلام وحمل على عاتقه مهمة توضيح أهداف الثورة داخليا وخارجيا، وأخيرا محيي الدين أبوالعز الذي تولى مهمة الرقابة على الوزارات، وكانت هذه المهمة هي النواة الحقيقية لجهاز الرقابة الادارية.

• رأفت الهجان اختراق استثنائي ـ عرفت الجماهير العربية من خلال بعض المسلسلات التليفزيونية التي تناولت قصص الجاسوسية أسماء أخرى من المخابرات المصرية، مثل محمد نسيم (نديم قلب الأسد) في مسلسل رأفت الهجان، وكذلك عبدالمحسن فائق الذي اكتشف وخطط وزرع رأفت الهجان في اسرائيل.. فماذا عنهما؟ ـ انضم محمد نسيم الى جهاز المخابرات في الدفعة الثانية، وكان بعد عامين من بدء عمل الجهاز.. كان نسيم نموذجا فذا في الأمانة والصدق، وهو من نوعية ضباط المخابرات القوي المتكامل في قدراته، وبراعة مهاراته، ونجح في تنفيذ كل ما طلب منه نتيجة امكانياته الهائلة، بالاضافة الى التزامه الكامل بما هو مطلوب منه دون أدنى غرض شخصي.. أما عبدالمحسن فائق فكان في دفعة المخابرات التي التحقت بالدفعة الأولى وكان دوره الرئيسي يتركز في النشاط الخارجي ضد اسرائيل، وطبعا كان له الدور الرئيسي في تجهيز واعداد عملية رأفت الهجان.. ولم يستطع أحد أن يكشف أمر عبدالمحسن فائق في الخارج لطاقته الهائلة وكفاءته الممتازة.

ـ عملية مثل رأفت الهجان. كيف تصنفها في العمليات المخابراتية؟ ـ نحن عملنا ما يزيد عن 30 عملية جاسوسية ضد اسرائيل.. أخذنا ناس، وأدخلنا ناس، وكشفنا جواسيس هنا في مصر، وزرعنا آخرين لمدد قصيرة.. كانت العمليات متنوعة وفيها قدرات عالية وبارعة من الجهاز.. وعملية رأفت الهجان هي أقوى اختراق.. فهو كان صاحب قدرات استثنائية في اقناع اسرائيل بأنه واحد منهم، بل أكثر احساسا منهم بأمن اسرائيل والتزامه العقائدي تجاه اسرائيل ككيان.. وكل هذه المسائل تم تدريبه عليها من المخابرات حتى أتقن الدور كاملا.. وأقنع الجالية اليهودية في الاسكندرية والقاهرة بأنه يهودي، وهو كشخص وبهذه المواصفات لا يأتي إلا مرة واحدة. ـ ألا يمكن مقارنة عملية رأفت الهجان بعملية كوهين؟ ـ كوهين.. دخل حزب البعث وفقط، لم يقم بعمليات ذات قيمة، يعني ليس له أهمية.. ولا توجد مقارنة بين عملية كوهين وعملية رأفت الهجان، فالفرق شاسع بينهما، كما أننا كشفنا عملية كوهين، في حين ظل رأفت الهجان في اسرائيل ولم يتم الكشف عن شخصيته وعن العملية كلها إلا عن طريق المخابرات المصرية. ـ ما رأيكم فيما تعلنه اسرائيل بين الحين والآخر حول شخصية رأفت الهجان؟ ـ ماذا تعلن؟ ـ قالت في البداية أنه شخصية وهمية، ومؤخرا قالت أنه كان عميل مزدوجاً؟ ـ هذا كلام فارغ.. هم لم يجدوا أمامهم سوى اختلاق مثل هذا الكلام، لأن عملية رأفت الهجان كانت نموذجا فذا لبراعة المخابرات المصرية، وفشل كبير للموساد الاسرائيلي.. وأمام براعة هذه العملية، فالمتوقع منهم أن يردوا بكلام فارغ مثل الذي قالوه. ـ ضمن الحكايات المدهشة في قصة رأفت الهجان.. أن محمد نسيم (نديم قلب الأسد) دخل اسرائيل لمقابلة الهجان.. وذلك في ذروة المواجهة بين اسرائيل والعرب وفي مقدمتهم مصر.. فما حقيقة ذلك؟ ـ وأكثر من ذلك.. محمد نسيم دخل اسرائيل مرتين، ليس لمقابلة رأفت الهجان فقط، وإنما لتنفيذ عمليات.. واعتمدنا أيضا في عملية الدخول والخروج على أجانب الى جانب عناصرنا الأصلية.. كانت العمليات متواصلة.. بمعنى زرع شخصيات لفترات قصيرة لتنفيذ مهام معينة، وبعد انتهاء العملية تخرج.. يعني ناس تدخل وتخرج في ظل مهام معينة. ـ الصورة الشخصية التي ذكرتها عن مؤسسي جهاز المخابرات.. جاءت مرتبطة بالمهام التي تولوا تنفيذها.. وفي هذا السياق، وكما هو معروف، توليت ادارة الشئون العربية في الجهاز، وكانت هذه الادارة هي المحرك فيما بعد لكل الثورات وحركات التحرر العربية..

فكيف تم اختيارك.. وكيف بدأ العمل بها؟

ـ بعد نقلي الى جهاز المخابرات، استدعاني زكريا محيي الدين ليبلغني أنه وقع الاختيار علي لإنشاء فرع الشئون العربية في الجهاز، تكون مهمته ربط الوطن العربي بكل ساحاته بالقاهرة، تمهيدا لممارسة مصر دورها الايجابي في تحرير باقي الأجزاء المحتلة من الوطن العربي.. طلب مني زكريا محيي الدين وضع خطة تحرك لذلك، وعدت الى المنزل مستغرقا في الدراسة والاطلاع، لوضع هذه الخطة، وما أن فرغت منها حتى سلمتها لزكريا محيي الدين الذي رفعها بدوره الى جمال عبدالناصر. ـ ما هي الخطوط الرئيسية التي قامت عليها هذه الخطة؟ ـ قامت على سبعة خطوط هي.. إنشاء اذاعة خاصة تكون مهمتها الأساسية تغطية ومتابعة شئون الوطن العربي، واقترحت لها اسم صوت العرب.. أما الامر الثاني وحتى لا يكون فهمنا للأمور نظريا، اقترحت ضرورة اجراء دراسات ميدانية لكافة أجزاء الوطن العربي، أي ما يمكن أن نسميه بالمسح الشامل عبر الزيارات واللقاءات، ومشاهدة كل شئ على الطبيعة، كما اقترحت ضرورة معرفة الأحزاب التقدمية والقومية في الوطن العربي، وكيفية الارتباط بها، والاستفادة من المدرسين المصريين المعارين لكافة أجزاء الوطن العربي، وكذلك الطلبة العرب الدارسين في المعاهد والجامعات المصرية وأخيرا الاستفادة من اللاجئين السياسيين في القاهرة. ناقشني عبدالناصر في هذه الخطة ما يقرب من ساعتين، وأعطى الموافقة عليها بعد تشديده على الحذر والسرية والحرص.

• صوت العرب من بنات افكاري ـ ما الذي جعلك تفكر في أمر إنشاء اذاعة مثل صوت العرب؟ ـ أي ثورة تحتاج الى اعلام وكانت الاذاعة هي الوسيلة الوحيدة والمثالية آنذاك القادرة على توصيل ما نريده الى الجماهير في أي مكان، وكما هو معروف فإن الاذاعة لعبت دورا كبيرا ورئيسيا في الحرب العالمية الثانية.. وكانت تجارب الاذاعة في الصراعات والحروب العالمية ماثلة أمامي. خاصة تلك التي كانت تستخدم كأداة للتعبئة، وتشكيل وعي الجماهير، وحين طلب مني زكريا محيي الدين اعداد خطة كما ذكرت سابقا، كان أول أمر أفكر فيه هو كيفية ايجاد وسيلة تربط بين الثورة في مصر والجماهير العربية في كل مكان، وجاءت فكرة الاذاعة، وأذكر أن جمال عبدالناصر حين ناقش معي الخطة، توقف طويلا معي في مسألة الاذاعة، يناقشني في كيفية عملها والخطوط الرئيسية التي يجب أن تتحرك فيها، وأحالني الى صلاح سالم بصفته وزيرا للارشاد القومي، والمسئول عن الاذاعة آنذاك، ودارت مناقشات طويلة فيما بيننا حول الأساليب والأهداف، وضمت المناقشات في مرحلة لاحقة بعض الفنيين من الاذاعة. ـ هل كانت سلطة العمل في ذلك لصلاح سالم أم لك؟ ـ ترك لي صلاح سالم سلطة العمل في كل شئ من أجل اتمام هذا المشروع، وأقول للتاريخ أنه لم يتدخل في أي شئ فيما يتعلق باتصالاتي من أجل اتمام الخطوة، أو اختياري من الاذاعيين والفنيين للعمل معي، أو في المادة الاذاعية التي ستبثها. ـ اقترحت تجربة اذاعة صوت العرب جماهيريا باسم أحمد سعيد.. لكن لا يعرف الكثيرون أن الشاعر صالح جودت كان مديرها الأول.. فما أصل هذه القصة؟ ـ لم يكن صالح جودت مديرا للاذاعة، بمعنى أننا لم نختر طاقم لها يقوده صالح جودت.. وإنما هي بدأت بأحمد سعيد واستمرت به.

ـ اذا.. ما هي قصة صالح جودت؟ ـ الهدف الرئيسي من إنشاء الاذاعة كان يتطلب اختيار مذيع بمواصفات معينة تتناسب مع الهدف، وبعد استعراض عدد من الأسماء، توقفت كثيرا أمام اسم أحمد سعيد، ولم أكن أعرفه من قبل، كان أحمد سعيد يعمل في قسم الأخبار، وقدم برنامجا ميدانيا ناجحا صاحب فيه الفدائيين في منطقة قناة السويس.. طلبته لمقابلتي، وعبر عدة جلسات تناقشنا خلالها في كل شئ، وجدته مقتنعا ومتحمسا، ومستعدا لتنفيذ دوره.. تميز أحمد سعيد بصلاحية الصوت، والقدرة على التعبير، وحماس اداء الرسالة.. وطلب مني الاستعانة باحدى زميلاته وهي نادية توفيق، لكفاءتها في المادة الترفيهية والموسيقية.. وللعلم فإن صوت العرب لم تبدأ كاذاعة مستقلة وإنما برنامجا مدته نصف ساعة.

انطلق البرنامج تحديدا يوم 4 يوليو 1953، وواصل نجاحه يوما بعد يوم.. حتى فوجئت بقيام مدير الاذاعة آنذاك اللواء الرحماني بتعيين الشاعر صالح جودت مديرا لبرنامج صوت العرب.. حاولت مراجعة مدير الاذعة في هذا الأمر وكان استاذا لي في الكلية الحربية لكنه صمم على موقفه، مما اضطرني الى رفع الأمر الى صلاح سالم الذي أصدر قرارا بابعاد صالح جودت فاعتبر مدير الاذاعة اللواء الرحماني أن هذا تدخلا في عمله فقدم استقالته. ـ ألم يعد هناك بالفعل تدخلا في عمل مدير الاذاعة، واعتبار ما أقدم عليه صلاح سالم ديكتاتورية في اتخاذ القرار؟ ـ الأمر لا يصح تحميله بمعانٍ ليست حقيقية.. واذا توقفنا منذ البداية أمام ما اذا كان القرار ديمقراطي أم ديكتاتوري، ما كنا فعلنا شيئا، وبالعودة الى أصل الحكاية، أقول أن المذيع المطلوب والذي بحثت عنه طبقا لمواصفات معينة كان هو أحمد سعيد. كان قادرا على مخاطبة الجماهير بصوت عاصف ثوري يحرك مشاعرهم الوطنية والقومية، ويثير فيهم الحماس ويؤهلهم لدورهم النضالي..

كان هذا يتم بنجاح من أحمد سعيد عبر التعليق السياسي الذي كان يقدمه يوميا في البرنامج.. كان لهذا التعليق فعل السحر لدى الجماهير العربية، كنت أناقشه يوميا، وكان يرتبط بما يستجد من أحداث على الساحة السياسية العربية. المهم أن الجماهير وبعد أن تجاوبت مع صوت أحمد سعيد، وجدت صوتا آخر وهو صوت الشاعر صالح جودت يتناوب معه في القاء التعليق.. وكان يلقيه بعذوبة ورقة وهدوء وكأنه يلقي شعرا، وأمام هذا التحول تلقينا احتجاجات من جهات عربية عديدة، اتهمت البرنامج بالتراجع عن ثوريته.. وتطلب هذا ضرورة التدخل قبل أن نخسر ما حققناه، وحين ناقشت اللواء الرحماني نقلت له كل الخسائر التي مني بها البرنامج لكنه ظل مصمما على موقفه.. وفي مثل هذه الحالات ومع استنفاد كل الوسائل، كان لابد من اتخاذ القرار الصائب، فاتخذناه.. أما أن يقال بعد ذلك أن هذا ديكتاتورية أو ديمقراطية، فالرد عليه.. ماذا لو انتظرنا وتركنا الأمر كما أراد اللواء الرحماني؟ هل كان سيحقق صوت العرب ما حققه فيما بعد؟.. وعلى كل الأحوال فإنه اتضح فيما بعد أن قرار الرجل كان وراءه أصابع بعض الحاقدين من الاذاعة الذين لم يعجبهم نجاح صوت العرب.


معركة مع فرنسا

ـ ذكر لي أحمد سعيد أن التعليق السياسي الذي كان يقدمه يوميا أثر بدرجة هائلة على الجماهير العربية، وانتفضت بفضله ضد حكامها والاستعمار في بلادها.. فهل توقعت ذلك وقت التفكير في إنشاء صوت العرب، والى أي مدى وصل التأثير؟ ـ ما ذكره أحمد سعيد صحيح.. وكان لصوت العرب تأثيرا هائلا ورئيسيا في كل معارك الاستقلال، وظهر أول تأثير لها في معركة خلع العاهل المغربي الملك محمد الخامس.. يومها دخلت الاذاعة وكانت هذه أول معاركها، بثقل في الهجوم على الاستعمار الفرنسي.. حققت الاذاعة في هذه المعركة نتائج أكثر مما توقعنا، وحظي صوت أحمد سعيد باهتمام شعبي واسع.. وما أذكره في قضية الملك محمد الخامس أن القائد جمال عبدالناصر طلب مني عرض التعليق السياسي عليه في الأيام الأولى ليراجعه بنفسه.. ومن معركة محمد الخامس الى حرب التحرير في الجزائر، وحلف بغداد، وطرد الجنرال جلوب من الأردن.. وغير ذلك واصلت الاذاعة تأثيرها.. لم أكن أتوقع ابدا أن صوت العرب ستكون هي من يوجع الاستعمار وأعوانه في المنطقة العربية.. ووصلت بدرجة تأثيرها الى أن الشكاوى تعددت ضد الاذاعة، وكلما زادت هذه الشكاوى، كنا نتأكد أننا نسير في الطريق الصحيح. ـ هل تذكر بعض هذه الشكاوى؟

ـ لجأت الدول الاستعمارية الى محاولة التدخل عبر سفرائها، مطالبين الرئيس جمال عبدالناصر بالتدخل لوقف الاذاعة مع استعدادهم لتقديم كافة المساعدات، وأذكر أن الرئيس كان يضاحكني حين كنت ألقاه بقوله: صوت العرب عامل لي ازعاج كبير، والكل بيشتكي منه، أنا يظهر حوقفه واللا ايه؟ وحين كنت ارد عليه: حاضر يا افندم نوقفه اليوم، فيرد ضاحكا: «لو عملت كده حتبقى خلصت على نفسك» وكانت فرنسا هي أكثر الدول احتجاجا، حيث احتج السفير الفرنسي بعد عمليات التفجيرات التي حدثت في المغرب إبان اطلاق التعليق السياسي الأول في الاذاعة بعد نفي الملك محمد الخامس.. ووصل الأمر بفرنسا الى تهديد مصر أكثر من مرة.. وكان من الطبيعي أن يضع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 الاذاعة كهدف رئيسي لتدميرها وهو ما حدث بالفعل. ـ كيف حدث هذا؟

ـ أذكر أنني كنت في مكتبي بادارة المخابرات العامة التي خصصت لنا بمبنى مجلس الوزراء، ووصلني خبر ضرب الطيران الحربي للعدوان الثلاثي لمنشآت الاذاعة المصرية في منطقة ابوزعبل، كان الخبر كالصاعقة وشمل الاعتداء اذاعة صوت العرب.. كانت الضربة انتقامية، وكان توقف صوت العرب بالنسبة لي بمثابة الصدمة، وشاءت الصدف أن أتذكر أننا اشترينا لحساب جيش التحرير الجزائري جهاز اذاعة متنقل قوي الارسال من صنع ايطاليا. اتصلت بأحمد سعيد ليحضر بأدوات الاذاعة الخاصة بالاستوديو، وتم نقل الجهاز من المخزن الى مكتبي، وكلفت المهندس المختص بتركيب الجهاز واعداده للارسال على موجة بث وارسال «صوت العرب» ووصل أحمد سعيد وطاقمه ليبدأ تجربة الارسال.. وفي الموعد المحدد بث الجهاز الارسال وأطلق أحمد سعيد صوته قائلا: «هنا صوت العرب» واستمر الارسال لمدة يومين من مكتبي بالمخابرات، حتى عاد لأبي زعبل بعد اصلاح الأجهزة هناك. ـ استاذ فتحي.. روى لي الشاعر الكبير أحمد شفيق كامل، أن جمال عبد الناصر واثناء الاحتفال بعيد الوحدة في دمشق، صعد إلى المسرح، وقبل أن يقدم عبد الحليم حافظ نشيد «وطني حبيبي» للرد على نوري السعيد الذي بث هو الآخر خطابا هجوميا على الوحدة وعبد الناصر من الإذاعة العراقية..

وجاء في كلمة عبد الناصر التي نقلتها الإذاعة مباشرة، إنه سيترك نوري السعيد لشعب العراق فهو وحده القادر على الرد عليه..وبالفعل جاءت الثورة من الشعب بعدها بأيام..وبقدر ما تحمل هذه الحكاية مدى التأثير الهائل لجمال عبد الناصر على الجماهير العربية، وتوضح مدى تأثير الإذاعة آنذاك.. فهل كانت الإذاعة كوسيط إعلامي تحتل أهمية لدى عبد الناصر؟ ـ الحكايات كثيرة فيما يخص الإذاعة ودورها وتأثيرها، وما فعلته بالنسبة لثورة يوليو وقائدها جمال عبد الناصر،وكما قلت فإنني لم أكن أتوقع أن صوت العرب سيكون له هذا الشأن، الدور القيادي في تحريك مشاعر الجماهير العربية... استطاع عبد الناصر أن يحقق إنتصارات شامخة،وساعدته الإذاعة كوسيط إعلامي هام في ذلك.. كان القائد جمال عبد الناصر يعي ذلك جيدا لأنه في معاركه الهائلة إحتاج لمن يصل بصوته وفكره إلى الجماهير. وكانت الإذاعة هي هذا الوسيط، لكن لابد من التأكيد على أن شروط تأثير القيادة يكمن أولا في المصداقية وإلا تحولت الإذاعة كوسيلة دعائية فجة،ولأن عبد الناصر كان صادقا في توجهاته، تأثرت به الجماهير العربية في كل مكان. أذكر في يوم 4 يوليو عام 1954 احتفلنا بمرور عام على بدء برنامج صوت العرب، وقررنا مع العام الجديد أن تزيد مدة البرنامج إلى ساعتين، ووافق عبد الناصر على اقتراحي بتوجيه خطاب إلى الجماهير بهذه المناسبة،وتوجهنا، أنا وأحمد سعيد إليه بجهاز التسجيل،وتم تسجيل الخطاب الذي كان الأول مباشرة من القائد إلى الجماهير العربية.. جاء الخطاب كالصاعقة على رؤوس المستعمرين. والهب حماس الجماهير العربية، بأسلوبه الخطابي الثوري السهل الذي أشتهر به.. قال كلاما يوحد الجماهير، ولا يفرقها. ويدفعها إلى النضال وليس الإحباط.. قال يومها في هذا الخطاب: نحن معكم لأننا عرب مؤمنون بعروبتنا،وأن قوتنا في وحدتنا، وأن المستقبل لنا رغم كل صور المؤامرات التي يحيكها الاستعمار لتفتيت قوتنا ووحدتنا، ورغم عوامل الكبت التي يمارسها عجائز العملاء وخدمة من الحكام العرب «.. ولو تأملنا مثل هذا الخطاب، ستجد فيه كل ما يلهب حماس الجماهير ويجمعها ولاي فرقها.

سافرت بـ 30 اسماً ـ أعود معك إلى البنود الأخرى في الخطة التي تقدمت بها إلى عبد الناصر لتحرير الوطن العربي، وما ذكرته فيها حول ضرورة قيامك بإلاستطلاع الميداني، والاعتماد على المبعوثين المصريين. والطلبة العرب الدارسين في مصر، فهذه الوسائل يبدو منها للوهله الأولى أن العزم كان يتجه إلى أنه سيكون لمصر الكلمة العليا في المنطقة؟ ـ هذا صحيح.. والكلمة العليا كانت بالفعل لا بالقول.. ـ كيف تم تنفيذ هذه البنود من الخطة؟ ـ سافرت إلى سوريا ولبنان والعراق والأردن واليمن وليبيا. ـ هل كنت تسافر بشخصيتك الحقيقية، أم متنكرا؟

ـ أنا لدى ما يزيد عن 30 جواز سفر كل جواز يحمل اسماً مختلفاً، ومهنة مختلفة، وبالنسبة للمهام الاستطلاعية في الدول العربية فكانت وظيفتي تختلف من دولة لأخرى فإلى سوريا غيرت صفتي الوظيفية إلى حامل لحقيبة دبلوماسية وأيضا إلى لبنان،وفي العراق ذهبت على أنني موفد إلى السفارة من وزارة الخارجية على أساس أنني عضو جديد بإدارة الابحاث بالوزارة ووظيفتها تولى متابعة تقارير السفارات وتقييمها،وفي ليبيا كان تحركي تحت غطاء حامل حقيبة دبلوماسية. وكانت هذا التخفي يعطيني مساحة واسعة من التحرك بحرية، أضف الى ذلك أن أنظمة هذه الدول كانت على عداء مع الثورة. ـ كيف وجدت صورة ثورة يوليو في هذه الاقطار، وهل شملت هذه الجولات الاستطلاعية اتصالات مباشرة مع السياسيين والمناضلين؟ ـ كانت جولاتي تعتمد على الاستطلاع المباشر كما قلت وليس عبر سياسيين، وكان الاعتماد الأساس على المصريين المبعوثين في هذه البلاد.. ذهبت الى ليبيا بالتنسيق مع رئيس البعثة التعليمية المصرية بها، وفي العراق، تعاملت مع استاذ جامعي مصري كان يعمل هناك، وتنقلت في بغداد لأقابل من أقابله، وأقضى السهرات دون أن يعرفني أحد من أجهزة نوري السعيد على الرغم من تسلطها.

في سوريا ذهبت إليها في شهر ديسمبر .1953. ذهبت إلى حمص معقل أسرة الأتاسي، وانتقلت منها إلى حماة معقل جماعة أكرم الحوراني وهو الرجل الذي لعب الدور الرئيسي خلف معظم الإنقلابات العسكرية التي واجهها الشعب السوري. كان اعتمادي الأساسي في التنقل والمعرفة على مدرس مصري، فهو ساعدني على التعرف مباشرة على التكوينات السكانية والاقتصادية،وانتقلت إلى حلب وبواسطة خبير معار لزراعة القطن، عرفت كل كبيرة وصغيرة عن حلب، وكان يقدمني إلى الناس على أنني ابن خالته..وجدت سيطرة حزب الشعب سياسيا على حلب، وكذلك وجود نشاط لجماعة الاخوان المسلمين، ومن حلب إلى اللاذقية انتقلت، لأنهي بعد ذلك رحلتي الاستطلاعية التي إستمرت 3 أسابيع.. أما في لبنان فتنقلت من طرابلس إلى بيروت، ولمست فيها كما كتبت في تقريري إلى جمال عبد الناصر، أن لبنان ـ وبيروت بالذات ـ تتميز عن باقي الساحة العربية بطابع لا هو عربي ولا هو بالأجنبي، فهي خليط غير متجانس من التفكير والعادات والتقاليد ونظام الحياة وأسلوبه. وفي اليمن كانت الحالة الاجتماعية في تخلفها لا يمكن تخيلها، الى درجة ان المرحاض كان معلقا في الهواء، والصورة التي كانت لدى الأنظمة الحاكمة لهذه البلاد ناحية ثورة يوليو لم تكن ايجابية بالطبع، فالبعض نظر اليها على انها انقلاب ضباط سيتحول الى ديكتاتورية، والبعض نظر اليها بعين الريبة وعدم الارتياح.

كتبه