أحمد المنشاوي باشا

أحمد المنشاوي باشا، عين أعيان مديرية الغربية.

أحمد المنشاوي باشا (أبو الإسكندرية،والمحسن الكبير) منحت السلطات في مصر ابتداءً من عهد الخديو إسماعيل العديد من الأجانب تصريحاً بإنشاء شركات لإدخال المياه وتوصيل الكهرباء والغاز في القاهرة والإسكندرية ومدن أخرى، الأمر الذي در على هؤلاء الأشخاص مبالغ ضخمة وأرباحاً طائلة انتعشت بها ثرواتهم. غير أن قوائم الأغنياء في مطلع القرن العشرين شهدت أسماء مصرية مثل أحمد المنشاوي باشا، وهو من أعيان الغربية، والذي قُدِرَت ثروته بنحو مليوني جنيه، وخُصِصَ جزءٌ منها لأعمال الخير. ويعد المنشاوي باشا والأمير عمر طوسون من أكثر المصريين في العصر الحديث إنفاقاً في المشروعات الخيرية. وحسبنا أن نعلم أن المنشاوي باشا أوقف نحو ألف فدان على أعمال الخير والإصلاح، ولا تزال آثار يديه شاهدة على ذلك.

كان المنشاوي باشا من أشهر كبار الملاك الذين اهتموا بإنشاء التكايا والوقف عليها في مطلع القرن العشرين الماضي، ومن ذلك تكيته بمدينة طنطا، التي جعلها -كما ورد في نص حجة وقفه- "للعواجز واليتامى؛ لتكون منازل ومساكن لهم وللسيارة والمارة، وأبناء السبيل من المسلمين، سيما الذين يحضرون إلى مدينة طنطا من بلاد الترك والمغرب وغيرها وهم في طريقهم لأداء فريضة الحج"، وقد بلغ نصيب هذه التكية من ريع الوقف 1500 جنيه مصري قبيل تسليم أطيان الوقف عام 1962 لهيئة الإصلاح الزراعي.

وكان النَفَس الوطني واضحاً في أعمال الخير لديه. من ذلك مثلاً أن المنشاوي باشا، نص في وقفيته المحررة في عام 1903 على أنه "لا حق لأحد من الموقوف عليهم في الوقف، لا بنظر ولا استحقاق.. إذا تزوجت إحدى بناتهم بأحد من أهل الحمايات الأجنبية خلاف الدولة العلية" (العثمانية).

ولا بد أن نشير هنا إلى إسهام الأوقاف في شراء أراضي الدولة التي بيعت أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وفاء لبعض أقساط الديون الأجنبية، ذلك أن الحكومة اضطرت لبيع مساحات شاسعة من أراضي الأملاك الأميرية الحرة لمواجهة تلك الديون. وكان المتنافسون الرئيسيون على شراء تلك الأراضي هم الأجانب من ناحية، وكبار الملاك المصريين من ناحية، وديوان عموم الأوقاف من ناحية ثالثة. وهكذا اشترى أحمد باشا المنشاوي في سنتي 1898 و 1900 نحو 4000 فدان، ووقفها كلها سنة 1903 وعلي باشا عبد الله مهنا اشترى في 1898 مساحة 689 فداناً ووقفها سنة ،1900 وأحمد مظلوم باشا اشترى في سنة 1904 مساحة 3130 فداناً ووقفها في سنة 1908 (إبراهيم البيومي غانم، الأوقاف والسياسة في مصر، دار الشروق، القاهرة، 1998)

وفي مجلة "المنار" كتب محمد رشيد رضا تحت عنوان "المحسن العظيم منشاوي باشا..أبو الوطن لا الإسكندرية وحدها" وذلك بمناسبة زيارة المنشاوي مدارس العروة الوثقى الخيرية في الإسكندرية وعدد من المدارس الأخرى، قائلاً: "وقد هزته الأريحية لما شاهده من حال هذه المدارس والمكاتب وحال التلامذة والتلميذات الذين كانوا يتدفقون بزيارته بِشراً وشكراً، فأمر بأن تكون كسوة تلامذة المكاتب على نفقته ، ووعد بأنه سيوقف أطيانًا يخص ريعها بتجهيز بنات الفقراء المتعلمات في هذه المدارس عند زواجهن. وذكرت مدرسة جمعية الحمَّالين في الكمرك فوعد بمساعدتها. ثم أمر بصرف راتب شهر لكل واحد من معلمي هذه المدارس" (مجلة المنار، الأعداد الكاملة، ج 6، ص 698) ثم يضيف الكاتب قائلاً: "وإننا لنفتخر بهذا المحسن العظيم الذي طوق الإسكندرية بفضله وإحسانه حتى قال بعض الأدباء: يجب أن نكنيه بأبي الإسكندرية، ونحن نتوقع أن يطوق بفضله القطر كله بمساعدة الجمعية الخيرية الإسلامية العامة كما طوق الإسكندرية بمساعدة جمعية العروة الوثقى الخاصة فيكون أبا الوطن كله لا أبا الإسكندرية وحدها أدام الله توفيقه . وألهم سائر أغنيائنا أن يسلكوا طريقه"

واشتهرت القرشية - إحدى قرى مركز السنطة محافظة الغربية - بوجود حديقة المنشاوي باشا والتي اشتهرت بأنها تضم أشجار المانجو التي تم جلبها من أنحاء العالم، وكان يأتي ذكرها في الكلمات المتقاطعة بالصحف والمجلات حتى وقتٍ قريب.

وبمبادرة فردية، أعلن المنشاوي باشا في أواخر أيامه، عن رغبته فى إنشاء جامعة في جهة باسوس وأبي غيط، على نفقته الخاصة، وبحث مع أفاضل العلماء فيما تستلزمه هذه الجامعة من النفقات الأولية، والنفقات السنوية، وفي كيفية استحضار المعلمين والأدوات، وكانت هذه الفكرة شغله الشاغل في سنته الأخيرة وموضوع حديثه في الليل والنهار مع الشيخ محمد عبده، إلا أن المنية قد سبقته

غير أن المنشاوي كان بطل حادثة غريبة

ففي عام 1902 شب حريق ضخم في مدينة غمر، دفع شاعر النيل حافظ إبراهيم إلى نظم قصيدة يصف فيها الحادث المأساوي ويدعو شخصاً مسجوناً إلى التبرع لضحايا الحريق. ولم يكن السجين الذي دعاه حافظ إبراهيم إلى التبرع سوى المنشاوي باشا. وسبب سجنه أن لصوصاً سرقوا مواشي من مزرعة يملكها الخديو عباس حلمي الثاني شخصياً، فتطوع المنشاوي باشا بالبحث عن اللصوص والقبض عليهم ,وتم ارسلهم إلى مامور القسم وهناك حاولوا ان ينكروا السرقة وقالوا ان الاعتراف تم تحت التعذيب حتى يعترفوا وانتهز الحكمدار الانجليزي هذه الفرصة لمعاقبت المنشاوي باشا على تـايده للثورة عرابي وقرر اللورد كرومر معاقبته وعمل على محاكمتة وادخاله السجن انتقام منه .

ومن أثرياء مطلع القرن العشرين، فخري بك عبد النور الذي استغل موقع مدينة جرجا التجاري فنّمى ثروته، وعمر سلطان الذي ورث عن أبيه محمد سلطان باشا مساحاتٍ شاسعة من الأراضي والأموال، إلى جانب إدريس بك راغب الذي تخلى له الخديو محمد توفيق باشا عن رئاسة المحفل الأكبر الوطني المصري (الماسوني) في جلسة عُقِدَت في يناير عام 1891. وبالمناسبة، فإن إدريس بك راغب شارك في الجلسة التأسيسية للنادي الأهلي المصري في 24 إبريل نيسان 1907 وكان عضو أول مجلس إدارة للنادي

وبالرغم من محاولة الخديو عباس حلمي الثاني ( 14 يوليو 1874- 19 ديسمبر 1944) حاكم مصر من عام 1892 إلى عام 1914 تنمية ثروته الشخصية، فإن اسمه لم يتردد باعتباره أغنى رجل في مصر، على غرار ما وُصِفَ جده الخديو إسماعيل وجد جده محمد علي باشا

ويضاف إلى من تقدم، البارون البلجيكي إدوارد لويس جوزيف إمبان (1852-1929) الذي وصل إلى مصر في يناير كانون ثانٍ 1904 بغرض إنقاذ أحد مشروعات شركته وهو إنشاء خط سكة حديدية يربط بين المنصورة والمطرية (مدينة على بحيرة المنزلة - بورسعيد). وعلى الرغم من خسارته حق إنجاز المشروع الذي أُسنِدَ إلى البريطانيين بدلاً من شركته، فإنه ظل في مصر ولم يرحل عنها.

وفي عام 1906 أسس هذا المهندس والصناعي شركته Heliopolis Oasis Company واشترت مساحة كبيرة من الصحراء من الحكومة الاستعمارية البريطانية في ذلك الوقت - في منطقة مصر الجديدة الحالية- مساحتها 25 كيلومتراً مربعاً شمال غرب القاهرة. وبدأ بين عامي 1906 و1907 في بناء ضاحية مصر الجديدة التي أرادها أن تكون قاهرة جديدة راقية، واشتملت على جميع مرافق البنية التحتية اللازمة من كهرباء ومياه وصرف صحي وفنادق، بالإضافة إلى ملاعب الجولف ومضامير سباق الخيول والمنتجعات الراقية. وضمت مصر الجديدة مساكن راقية للإيجار مصممة على تصاميم معمارية مبتكرة في ذلك الوقت، تشكل حتى الآن تراثاً معمارياً فريداً. ولعل أشهر آثار البارون أمبان في مصر هو قصر البارون (1911) الذي استلهمه من معبد أنكور وات في كمبوديا ومعابد أوريسا الهندية.

أفرزت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) عدداً من الأغنياء الجدد الذين وصف عزيز بك الخانكي ثرواتهم بقوله: "لا يمكن للعقل أن يدرك حجم الأرباح التي ربحها التجار..تجار الأقمشة والمنسوجات أصبح الواحد منهم يستنكف أن يقال عنه إنه صاحب 100 ألف جنيه أو 200 ألف جنيه ويؤكد أن ربحه ناهز المليون..أعرف واحداً منهم اشترى ألف فدان من الأطيان..ودفع ثمنها عداً ونقداً، وتجار الأخشاب مثلهم أصبح الواحد منهم يعتبر نفسه قارون زمانه. اشترى واحدٌ منهم البنك المصري بحذافيره، وتاجران من تجار التصدير ربحا في سنةٍ واحدة 1600000 جنيه جلباها من عرق الفلاح المسكين" (أحمد كمالي، قصة الثروة في مصر خلال 200 عام، "أيام مصرية"، العدد 14، 15 سبتمبر 2000، ص 6)

كانت الحرب العالمية الأولى فرصة لظهور رأس المال المصري بشكل مغاير، حيث كان كثيرون يفضلون العمل الزراعي فقط تاركين قطاع البنوك وأعمال المرابين للأجانب واليهود ولا يرحبون بالعمل في مجال التصنيع. غير أن توقف عملية الاستيراد والتصدير أثناء الحرب دفعتهم إلى إخراج أموالهم ومدخراتهم والتعامل بها، حتى شهدت مصر نهضةً صناعية مصغرة، وصار هناك استعدادٌ جِدي لإنشاء بنك برأسمال مصري تتجمع فيه الأموال المصرية

وهذا يفتح سيرة البنوك المصرية

ففي عام 1907 ونتيجة لرفض البنوك الأجنبية العاملة في مصر منح قروض للفلاحين المصريين، تعالت أصوات المفكرين والسياسيين المصريين تنادي بأهمية إنشاء بنوك وطنية لتحل محل البنوك الأجنبية في تقديم قروض للفلاحين. ونتيجة لذلك، عقدت سلسلة من اللقاءات العلمية لبحث هذا الموضوع من الناحية الشرعية، وكان من أهمها الملتقى العلمي الذي عقد في عام 1913، حيث التقت آراء معظم المحاضرين على رفض المشروع من الوجهة الدينية، غير أن فريقاً آخر أيد الفكرة معتمداً على نصٍ قرآني في دعوى أن الربا المحظور في الإسلام بالنص والإجماع إنما هو الربا الذي يصل إلى مثل رأس المال أو يزيد عليه ["يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، آل عمران:130] وأن كل ربح ينقص عن مقدار رأس المال فهو محلُ بحثٍ واختلاف في نظرهم

وبعد مرور سنوات قليلة بدأت البنوك الوطنية في الظهور في مصر. وكان أول بنك وطني مصري يتم إنشاؤه على غرار البنوك الأجنبية هو بنك مصر والذي أسسه محمد طلعت حرب عام 1920. وقد اختار طلعت حرب رئيس الطائفة اليهودية يوسف قطاوي ليكون نائباً لرئيس بنك مصر عام 1920

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قائمة أغنياء مصر 1920

ولعل أول قائمةٍ مرتبةٍ للأغنياء المصريين هي ما ظهرت عام 1920 في العام نفسه الذي شهد تأسيس بنك مصر، وبعد عامٍ من ثورة 1919 وكان ترتيب القائمة كالتالي:

1- الأمير عمر طوسون
2- الأمير أحمد سيف الدين
3- الأمير يوسف كمال
4- الشواربي باشا
5- البدراوي باشا
6- علي شعراوي باشا
7- علي فهمي المهندس
8- سرسق
9- السكاكيني
10- ميرزا
11- محمود سليمان باشا
12- محمود خليل باشا

ولكل واحدٍ من هؤلاء الأغنياء حكاية، تستحق أن تُروى!