كلود هنري ده روڤروا، كومت ده سان سيمون

(تم التحويل من هنري سان سيمون)
كلود هنري ده روڤروا، كومت ده سان سيمون
Henri de Saint-simon portrait.jpg
Le comte de Saint-Simon
وُلِدَ17 اكتوبر 1760 (باريس)
توفي19 مايو 1825 (باريس)
العصرالعصر الحديث
المنطقةالفلسفة الغربية
المدرسةتنوير
الاهتمامات الرئيسية
الاقتصاد السياسي
ليبرالية سياسية
تنظيم العمل Organisation du travail
الأفكار البارزة
سان سيمونية
الصناعة L'industrie، المنظم L'organisateur، النظام الصناعي Du système industriel
سان سيمون.

كلود هنري ده روڤروا، كومت ده سان سيمون Claude Henri de Rouvroy, comte de Saint-Simon، (و. 17 اكتوبر 1760 - 19 مايو 1825 ) مفكر اشتراكي طوباوي فرنسي. وفيلسوف واقتصادي فرنسي.

كلود هنري سان سيمون ولد في باريس وتوفي فيها. كان كلود هنري سان سيمون مصلحاً اجتماعياً وأحد مؤسسي الاشتراكية المسيحية. نادى بالأخوة بين البشر وبضرورة التنظيم العلمي للصناعة والمجتمع. ولد لأسرة من النبلاء، وكان جدُّهُ «كونت» مقاطعة سان سيمون. مالبثت أسرته أن افتقرت مما أثر في نشأته وتكوين شخصيته خارجاً على التقاليد ورافضاً مجتمع النبلاء. مع انتصار الثورة الفرنسية عام 1789م تخلى سان سيمون عن لقب نبيل واختار لنفسه لقب الدرويش Bonhomme انسجاماً مع قناعته من جهة، وليتلاءم مع النظام الجديد، من جهة أخرى. عمل في التجارة مدة من الزمن مما وفَّر له ثروة غير قليلة لكنه بددها بسخاء واضطر في عام 1807م للعمل كاتباً في إحدى جمعيات التسليف ليكسب عيشه كما مدَّ له أحد خدمه السابقين يد العون. وبعد وفاة خادمه عانى سان سيمون من صعوبات كثيرة أثرت في تحديد اتجاهاته في الكتابة، وكذلك في مواقفه السياسية المتشددة. في عام 1798م في عهد حكومة المديرين عاد سان سيمون إلى مقاعد الدراسة حيث تابع بنهم شديد دروساً في الطب والبوليتكنيك، كما بدأ طموحه نحو الكتابة يستأثر بكل اهتمامه. كان يحلم بإصدار موسوعة جديدة إذ بدت له موسوعة ديدرو Diderot ودلمبير d’Alembert، الموسوعة التي كانت ذائعة الصيت آنذاك، غير كافية وتجاوزها الزمن.[1]


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة

ولد في باريس عام 1760. كان ينتمي إلى فرع شاب من أسرة دوق ده سيمون النبيلة الأصل، لم يبق من مجدها وثروتها سوى الاسم. وادعى أنه تلقى تعليمه تحت إشراف كل من دالمبير وروسو، وإن لم يوجد دليل على ذلك. ومن المحتمل أن يكون قد اختلق هذه الخلفية الفكرية. ويدخل في العام 1777 سلك الجندية كصف ضابط، ثم يلحق بجيش لافاييت المحارب الى جانب الثورة الأمريكية، ليساعد المستعمرات الثلاث عشر في الثورة الأمريكية على بريطانيا. وبين 1783 و1789 قام سان سيمون بجولات عدة في هولندا وإسبانيا، ثم عاد الى باريس مناضلاً في التحركات الاجتماعية قبل أن ينصرف الى بعض الأعمال التجارية. وفي العام 1793 سجن وكاد يعدم لولا سقوط روبسبيير، ثم أطلق سراحه لينصرف الى العمل العلمي. وفي العام 1802 نشر أول كتبه «رسائل من قاطن في جنيف الى مواطنيه». وكان الكتاب باكورة نشاط سياسي وتأليفي تواصل حتى رحيله في العام 1825، وأسفر عن عشرات الدراسات والكتب، كما عن تشكل الكثير من الجمعيات الاشتراكية التي انتشرت في أنحاء عدة من العالم ناشرة العلم والمعرفة مبشرة بالتقدم وبنوع بدائي من الاشتراكية.

وكان فيلسوفا فرنسيا يميل إلى مبدأ تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية. وكانت دعوته موجهة إلى الاهتمام بالصناعة، ونوه إلى أهمية الحياة البرلمانية في الأقتصاد، ودعى إلى أن يكون البرلمان مكونا من ثلاثة مجالس هي:

  • مجلس الأختراع.
  • مجلس الفحص.
  • مجلس التنفيذ.

وبذلك تتمثل في الحكومة هيئات من قطاعات الصناعة، والتجارة، والزراعة، والمهندسين.


المفكر

أصدر في عام 1803 أول كتبه المهمة «رسائل من ساكن في جنيف إلى معاصريه»، انتقد فيه الثورة مشيراً إلى أن النظام القديم قد تهدم ولا بد من بناء مجتمع جديد لا يقوم على المذهب الكاثوليكي أو على فلسفة كَنت Kant. كان سان سيمون يطمح إلى إقامة سلطة روحية فوق الحكومات تتمثل في العلم الذي يجب أن يتحول إلى دين يحل محل الكاثوليكية ويتمثل في دولة أممية فوق القوميات، عُدت في عام 1920م ملهمة إقامة عصبة الأمم.

غلاف كتاب «إعادة تنظيم المجتمع الأوربي»

وفي عام 1814 نشر بمشاركة تلميذه وأمين سره أوگستان تييري Augustin Thierry كتابه «إعادة تنظيم المجتمع الأوربي» دعا فيه إلى قيام نظام برلماني في كل دولة على شاكلة ما كان قائماً في بريطانية العظمى، وكذلك إلى قيام برلمان أوربي فوق كل البرلمانات الأوربية الوطنية (وهذه الفكرة تحققت أيضاً في الربع الأخير من القرن العشرين، بين كانون أول عام 1816 وأيار 1818م). كان يعالج في مقالاته المنشورة في مجلة «الصناعة» القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إذ دعا فيها إلى قيام حزب وطني يعتمد على المنتجين في مواجهة أرستقراطية النبلاء الذين كانوا يعيشون بلا أي عمل. وفي عام 1819م نشر كتاباً سمي فيما بعد «الحكمة» Parabole منحه الشهرة، وجرَّ عليه ملاحقة السلطات، كان يؤكد فيه ضرورة العاملين وأهميتهم للأمة مهما تكن أعمالهم في الحقول أم في المصانع في حين كان يرى أن لا فائدة للأمة في أولئك الذين لا ينتجون سواء كانوا نبلاء أم رجال كنيسة أم ضباطاً أم قضاة.

ومع أن سان سيمون وصف بميوله الاشتراكية، لم يكن في تعاليمه ضد الرأسمالية بصورة كاملة، إذ أعطى دوراً مهماً للمالكين المستثمرين في الصناعة والزراعة والتجارة كما شدد على دور المصرفيين في تنشيط الاقتصاد الوطني.

وبسبب شدة الإحباط الذي عانى منه حاول في 9 مارس عام 1823م الانتحار بعيار ناري في رأسه مما أدى إلى فقدانه إحدى عينيه. وبين عامي 1823 و1824م نشر في أربع مجلدات كتابه «عقيدة الصناعيين» Le Catéchisme des industriele بمشاركة أوگست كونت August Compte، على ما يبدو من المجلدات الثلاث الأولى. في هذا الكتاب طور سان سيمون أفكاره الاشتراكية فلم يعد يؤمن بالنظام البرلماني. كما أشار بوضوح إلى الدور المتنامي للطبقة العاملة في صفوف الصناعيين (كان سان سيمون يعد المالكين أصحاب المؤسسات، أياً كان مجال نشاطها من الصناعيين) مضيفاً أنه يوجد في صفوف الطبقة العاملة أشخاص قادرون على إدارة المؤسسات وتمكن مضاعفتهم بالتعليم. وهكذا بدأت نظرته نحو تنظيم المجتمع تتغير وبدأ يرى دور العمال يتصاعد في التنظيم الاجتماعي. وفي نيسان عام 1825م نشر كتابه «المسيحية الجديدة» الذي يعد انعطافاً في فكره الاجتماعي والسياسي. أكد في هذا الكتاب أن «هدف المجتمع يجب أن يكون تحسين مصير الطبقة الأكثر عدداً والأشد فقراً». بذلك يكون سان سيمون قد قفز من مناداته بالمجتمع الصناعي إلى القول بالمجتمع الاشتراكي غير أنه لم يتوافر له الوقت الكافي لتطوير فكرته عن المجتمع الاشتراكي إذ توفي بعد شهر واحد من نشر كتابه الأخير. لكن تلامذته ومريديه تابعوا مسيرته من بعده وطوروا مقولاته الاشتراكية فكان بذلك للسانسيمونية أثر بارز في تطوير الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ومن أهم أتباع سان سيمون الذين أسهموا في نشر أفكاره وتطويرها أرمان بازار Armand Bazard الذي نُشرت له بعد وفاته مجموعة دراسات كان أعدها بعنوان «عرض مذهب سان سيمون» وبروسبير إنفانتان Prosper Enfantin الملقب بالأب أنفانتان وتزعم كلاهما ما سمي بالديانة السانسيمونية.

السان سيمونيون

بورتريه لسان سيمون في الربع الأول من القرن التاسع عشر.

تضمنت السان سيمونية أفكاراً اشتراكية كثيرة حتى عدها بعضهم المقدمة الطبيعية للبيان الشيوعي. فقد كتب شڤالييه Chevalier أحد أتباع سان سيمون يقول: «مازال الإنسان حتى الآن يستغل الإنسان: الأسياد يستغلون العبيد، النبلاء يستغلون العامة، والعاطلون يستغلون المشتغلين، وكذلك السادة يستغلون الخدم. هذا هو تاريخ الإنسانية حتى يومنا هذا». وتوقع شوفالييه أيضاً دوراً كبيراً للدولة في الحياة الاقتصادية إذ يقول: «هناك اتجاه لأن تصبح الدولة موزعاً عاماً للعمل والأجور وكذلك تتجه لتؤمن معاشاً تقاعدياً لكل المواطنين». «ستكون الدولة وليس الأسرة الوريث الشرعي لكل الثروات التي تؤلف ما يسميه الاقتصاديون أرصدة الإنتاج». حتى إن تلامذة سان سيمون قالوا بضرورة إلغاء الملكية الخاصة وليس إلغاء حق الإرث فقط كما كان يقول سان سيمون نفسه.

ومن الآراء التي كان يبشر بها دعوته إلى تكافؤ الفرص لا التجانس الكامل. واشترك سان سايمون في الثورة الأمريكية مدفوعا بحماسه وأخلاصه، وأيد الثوار الفرنسيين في فرنسا. وتعرض في حياته إلى الجوع والتشرد، وتحمل الكثير من الصعاب في صراعه الطويل من أجل صياغة أفكاره ونظرياته التي كان يرمي منها قيام مجتمع عادل، ومن أشهر مؤلفاته (المسيحية الجديدة). ولقد توفي في عام 1825م. وكان من أتباع سان سايمون الفيلسوف أوگست كومت، والمهندس فرديناند دي لسبس الذي قام بحفر قناة السويس في مصر.

ولكن يلاحظ أن مذهب سان سيمون الذي حمله أتباعه (سان سيمونيون) فيما بعد كان مذهبا أشتراكيا ويدعو إلى ألغاء الميراث. وكان من رأيهم أن أنتقال الثروة يجب عدم تقييدها بالعائلة وإنما يجب أن تؤول هذه الثروة بعد وفاة صاحبها إلى الدولة.

ويدعو انصار هذا المذهب إلى أن تتولى الدولة تنظيم الأنتاج وتعهد به إلى المقتدرين لمصلحة المجموع العام. وأن تعهد إلى كل شخص من العمل ما يتناسب ودرجة كفاءته وتقيم هذه الكفاءة بالقدر المنتج من العمل. ويجب على السلطة أن تسلم إلى الصناعيين لا للعلماء، لأنهم هم الرؤساء الحقيقيون للشعب، فهم الذين يقودونه في أعماله اليومية. فالأمة هي ورشة صناعية واسعة، تزول فيها فروق المولد والنسب، وتبقى اختلافات القدرات. وقد كانت آراؤه وراء بدايات "العلم الوضعي" و الإشتراكية.

ورأى أنصار سان سيمون في دولة مصر، وحكم محمد علي فرصة لتطبيق أفكارهم، لذا فقد سافر الكثير منهم إلى مصر للمساهمة في نهضتها.

سان سيمون يدعو الى الوحدة الأوروبية: العصر

«عمدت مخيلة الشعراء دائماً، الى جعل العصر الذهبي حقبة تاريخية ماضية تتزامن مع طفولة النوع الإنساني. والحال أنه كان الأجدر بالشعراء أن يجعلوا العصر الحديدي، لا العصر الذهبي، ملازماً لذلك المهد، ذلك أن العصر الذهبي للنوع الإنساني لا يوجد خلفنا، بل أمامنا. وإنه لقائم في تحسين النظام الاجتماعي والاقتراب به خطوات حقيقية نحو الكمال. إن العصر الذهبي عصر لم يره آباؤنا، أما أبناؤنا فإنهم هم الذين سيصلون اليه يوماً. وعلينا نحن أن نشق إليه الطريق».

هذا الكلام الواضح في علاقته بمفهوم التقدم، وفي عدائه لأي حنين يجعل الماضي محط الأنظار، جاء في واحد من فصول كتاب «عن إعادة تنظيم المجمع الأوروبي» Reorganization de la société européenne للمفكر الاشتراكي الخيالي الفرنسي الكونت دي سان سيمون. وسان سيمون نشر كتابه هذا في العام 1804، في فرنسا التي كانت المساعي النابوليونية فيها قد وصلت الى مأزقها التاريخي وطريقها المسدود. وبات على المفكر، لا على السياسي أو العسكري، أن يستخلص نتائج ما حدث خلال الفترة الممتدة بين اندلاع «الثورة الفرنسية» التي كانت قد غيَّرت وجه بعض الكون وصورة العلاقات السياسية بين الطبقات، وبين إخفاق آخر محاولات نابوليون لـ «تحديث العالم وأوروبا» من طريق غزوهما. وفي هذا النص، الذي يمكن اعتباره وصية «سياسية واجتماعية» مبكرة لسان سيمون، كان من الواضح ان الاهتمام يتركز على أوروبا، ولكن ليس من طريق اعتبارها كتلة جغرافية أو سياسية معزولة، بل باعتبارها قدوة وخطوة أولى للبشرية، على طريق التقدم، تقود إلى خطوات تالية.[2]


ومن هنا، لئن كان بعض الباحثين يرى في هذا الكتاب، بداية نظرية لولادة المشروع التوحيدي الأوروبي، نلاحظ أن مفكرين آخرين، أكثر كوزموبوليتيّة -وأيضا أكثر اطلاعاً على ثنايا فكر سان سيمون وأحلامه- يرون أنه إنما قدم أوروبا هنا كنموذج في مجال إعادة بناء مجتمعات موحدة في ما بينها، ولو على صعيد البنية الفوقية للمجتمع، طالما أن فكرة وحدة الشعوب أو اتحادها، ليست المسألة الحاسمة هنا، وإن كان العنوان الثانوي للكتاب كالتالي «حول ضرورة ووسائل تجميع شعوب أوروبا في جسم سياسي واحد، مع احتفاظ كل شعب منها باستقلاله الوطني».

الحقيقة أن كتاب سان سيمون هذا يعتبر ذا أهمية فائقة، خصوصاً أن المؤلف لم ينطلق فيه من أمور نظرية خالصة، بل من مسائل ملموسة وعملية... وبالتحديد من محاولات نابوليون التوحيدية، ثم أساساً من الدور الذي كانت تلك المحاولات تنيطه بالعلماء والمفكرين. وواضح هنا أن سان سيمون كان في ذهنه وهو يتناول هذا الجانب، الشقّ العلمي والفكري من حملة بونابرت على مصر، إذ نعرف أن بونابرت اصطحب معه في حملته المصرية عشرات العلماء والمفكرين، لكي يضفي على الحملة طابعاً يبتعد بها، الى حد كبير، عن الطابع العسكري البحت. وفي هذا الإطار، واضح أن جزءاً اساسياً من أهمية كتاب سان سيمون ينبع من أن مؤلفه حاول -وللمرة الأولى- أن يحلّ عدداً من المعضلات التي كانت تجربة نابوليون تركتها من دون حل، على الصعيدين الفكري والسياسي. وفي هذا الإطار، تقول فكرة سان سيمون الأساسية، إن التعاون بين كبار «القادرين» (فكرياً، أي في شتى صنوف العلم والمعرفة) هو السبيل الوحيد لحلّ تلك المعضلات، وتحديداً معضلات إعادة بناء الأمم. وهكذا يحدث لسان سيمون، الذي لطالما اتسمت أفكاره بالسمات اليوتوبية، يحدث له فجأة أن يتبدى واقعياً ويلتفت صوب ملوك أوروبا كلهم، متمنياً عليهم أن يتعاونوا في ما بينهم، باسم التقدم والصناعة، وخصوصاً الصناعة التي هي، أصلاً بالنسبة الى سان سيمون، في أساس التقدم.

سان سيمون يقول للملوك هنا، إن لا أحد يمكنه، مهما حاول، أن يوقف مسيرة الزمن، وان عملية إعادة التنظيم التي بات لا مفر منها، قادرة على أن تنسف في طريقها كل الأحكام المسبقة والمسلّمات، وبالتالي فإن المجتمعات ستتأسس حتماً، على أسس واضحة وجليّة، يكون فيها بالضرورة ترجيحٌ للنشاطات الصناعية والتجارية. وهذا سيجعل النشاط الاقتصادي مرتبطاً، وأيضا بصورة حتمية، بالنشاطات السياسية. وهنا يذكّر سان سيمون مَن يحب أن يقرأه، بأن الساحة السياسية الأوروبية بدأت تشهد بالفعل عدداً كبيراً من الأحداث والتجديدات السياسية والاجتماعية: بدءاً بتعميم الظاهرة البرلمانية، وصولاً الى انتفاضات الشعوب وثوراتها. ولما كان الأمر كذلك، قال سان سيمون: «لا يبدو اليوم ما هو أكثر طبيعية من أن يبادر الملوك والمسؤولون الى استباق الجميع في خطواتهم وتحركاتهم، وذلك لمصلحة الخير العام والرفاه الجماعي، خصوصاً لما فيه مصلحة العمال والناس الأكثر بؤساً وتواضعاً». وهنا، لئن تبدّى النظام البرلماني البريطاني فاعلاً حقاً وصالحاً حقاً، لا يرى سان سيمون أي بأس في أن يتناقش الملوك والحكومات من حوله ومن حول جدوى اتخاذه مثلاً يحتذى، وذلك من حول طاولة تفاوض يكون الهدف منها الوصول الى فيديرالية أوروبية حقيقية. وهنا لا يفوت سان سيمون أن يؤكد أن فيديرالية من هذا النوع يمكن فيها فرنسا وإنگلترا وألمانيا معاً، أن تمسك بزمام أمور التقدم والرفاه. فلو حدث هذا، فلا شك في أن المجتمع الأوروبي سيعيش حقبة تطور حقيقي. والمطلوب هنا، إذاً، الإسراع الى تأسيس هذا السلام الحقيقي الذي هو الطموح الأساسي والكبير للإنسانية. أما مركزة المسألة كلها في بعدها الإقتصادي، فمن شأنه أن يجعلنا نتفادى الوقوع في التجريدات والتعميمات لندخل صلب الملموس. وإذ يوضح هذا كله، مركّزاً على دور الحكومات والملوك والبنى الفوقية في المجتمع، يختتم سان سيمون حديثه بالقول إنه قد آن أخيراً «للشعوب أن تتعارف في ما بينها وأن تحظى بمؤسسات وهيئات مشتركة»، وبالتالي فإن المنظومة السياسية والاجتماعية التي يدعو اليها سان سيمون مدعوة الى توحيد العقول والأذهان النيرة من أجل الوصول الى الخير العام.

تقييم

هذا الكتاب الذي يعتبر عادة واحداً من أوائل مشاريع الوحدة الأوروبية، يتمتع بأهمية تاريخية أخرى، تكمن في كونه يقدم للقارئ في ثناياه، ومن خلال التحليل، صورة حية ومسهبة للحياة الاقتصادية والسياسية في فرنسا، كما في أوروبا في ذلك العصر. وهو أحياناً يقرأ على هذا النحو، من دون إنكار فضله في التنبيه مبكراً إلى أن الوحدات الحقيقية بين شعوب متقاربة جغرافياً، لا يجب أن تنطلق من العواطف بل من الواقع الملموس: واقع الاقتصاد والحياة المشتركة.

واللافت أن هذا الكلام الواقعي الملموس في مشروع واضح الأهداف ممكن التحقيق، جاء بقلم مفكر وُسِمَ دائماً، ووُسمت أفكاره ومشاريعه بالبُعد الخيالي.


مصادر

  1. ^ مطانيوس حبيب. "سان سيمون (كلود هنري ـ)". الموسوعة العربية.
  2. ^ "سان سيمون يدعو الى الوحدة الأوروبية: العصر الذهب أمامنا". دار الحياة. الخميس ٧ يونيو ٢٠١٢. Retrieved 16/6/2012. {{cite web}}: Check date values in: |accessdate= and |date= (help); Unknown parameter |outhor= ignored (help)

انظر أيضاً


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش

وصلات خارجية

Wikisource
Wikisource has original works written by or about: