محمد عابد الجابري

محمد عابد الجابري
الجابري.jpg
وُلِدَ27 ديسمبر، 1936
توفي3 مايو، 2010
المنطقةفلسفة إسلامية
المدرسةالرشدي

محمد عابد الجابري (27 ديسمبر، 1936 - 3 مايو، 2010)، هو أستاذ الفلسفة والفكر العربي الإسلامي في كلية الآداب بالرباط. أغنى المكتبة العربية بتأليفه 30 كتاباً تدور حول قضايا الفكر المعاصر ويعد «توطين الفكر العربي» أهمها وكان قد ترجم إلى عدة لغات، حصل على جائزة بغداد للثقافة العربية من اليونسكو عام 1988 والجائزة المغربية للثقافة في تونس عام 1999، يعتبر د. الجابر من اهم المفكرين المغربيين الذين تركوا بصمة واضحة في الأدب العربي المعاصر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الحياة المبكرة

ولد الجابري عام 1936 في قرية فكيك المغربية على الحدود الجزائرية ودرس بها ثم غادرها إلى الدار البيضاء حيث انخرط في خلايا العمل الوطني في بداية الخمسينات، وفي عام 1958م انتقل إلى دمشق للحصول على الإجازة في الفلسفة. بعد أن حصل على البكالوريا كمرشح حر ولم يتم دراسته الجامعية وعاد للمغرب لينتسب إلى الجامعة المغربية الفتية. وفيها يكمل مشواره الأكاديمي، وفي 1964م يحصل على (الليسانس) في الفلسفة وفي عام 1967م نال الماجستير بعد مناقشة رسالته (منهجية الكتابات التاريخية المغربية) والتي عن طريقها اكتشف عالم الاجتماع المسلم (عبد الرحمن بن خلدون) حيث قرر أن يكون بحثه لنيل شهادة الدكتوراه عام 1971م (العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي). [1]

الأدب المغربي
قائمة الكتاب

أدب المغرب
العربية المغربية
الأمازيغية

المؤلفون المغاربة
الروائيون

كتاب المسرحيات - الشعراء
كتاب المقالات - المؤرخون
كتاب الرحلات - كتاب صوفيون
كتاب أندلسيون

الصيغ
الروايات - الشعر - المسرحيات
النقد والجوائز

النظرية الأدبية - النقاد
الجوائز الأدبية

انظر أيضاً

المجدوب - عوزل
شكري - بن جلون
زفزاف - المالح
شرايبي - مرنيسي
ليو أفريكانوس - خير الدين

بوابة المغرب
بوابة الأدب


الحياة العملية

  • مدرس ثم ناظر ثانوية 1962
  • مراقب وموجه تربوي لأساتذة الفلسفة بالتعليم الثانوي 1965-1967
  • أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي كلية الآداب،جامعة محمد الخامس الرباط 1967-2002


نهجه الفلسفي

الجابري بدأ بطرح نظرياته المتقحمة في مسألة "نقد العقل العربي"، منذ مطلع الثمانينيات، حين أصدر كتابه "نحن والتراث" (1980)، الذي أعلن فيه بصراحة أن العقل العربي قام بـ"إلغاء الزمان والتطور" عن طريق رؤية الحاضر والمستقبل، من خلال الماضي، فهو فكر لاتاريخي ذو "زمان راكد" لا يتحرك ولا يتموج. " لذلك كانت قراءته للتراث قراءة سلفية تنزه الماضي وتقدسه وتستمد منه الحلول الجاهزة لمشاكل الحاضر والمستقبل" (ط 6، ص19). وأعقبه بـ"الخطاب العربي المعاصر" (1982)، الذي يعتبر مدخلا ثانيا لـ"نقد العقل العربي"، إذ يشكك فيه بأن العرب تمكنوا من تحقيق شيء كثير من نهضتهم المأمولة. ويتساءل، في مقدمته، هل هم "يغالبون، بدون أمل، الخطى التي تنزلق بهم إلى الوراء". وهي حقيقة لاحظها هذا المفكر منذ زمن طويل. وقد تفاقمت على نحو متواصل حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من كوارث يومية متزايدة. ثم يشير إلى مختلف الميادين التي بحثها المفكرون لتشخيص الداء، ويردف قائلا "ميدان واحد لم تتجه إليه أصابع الاتهام بعد، وبشكل جدي صارم، هو تلك القوة أو الملكة أو الأداة التي بها يقرأ العربي ويرى ويحلم ويفكر ويحاكم. إنه العقل العربي ذاته" (ط4، ص7-8). ثم شرع بإصدار مشروعه الكبير في "نقد العقل العربي"، أو بالأحرى تشريح هذا العقل، الذي بدأه بـ"تكوين العقل العربي" (1982)، فـ"بنية العقل العربي" (1986)، فـ"العقل السياسي العربي" (1990)، وصولا إلى " العقل الأخلاقي العربي" (2001) .

كيف يتسنى لفيلسوف يجمع بين الاشتغال المعرفي/الفلسفي والعمل السياسي/ الحزبي أن يؤسس لمقاربات فيها قدر معقول من التجرد والموضوعية؟! إننا وإن كنا منذ البداية نعتقد أن الموضوعية الوحيدة في أي اشتغال معرفي -كما يقول بعض علماء الاجتماع- هي أن يعتقد الباحث أنه غير موضوعي؛ فإن هذا لن يمنعنا من القول بأنه ليس من العيب أن يكون المثقف (بالمعنى العام والشامل) منخرطا في قضايا سياسية وحزبية، إذا كان هذا المثقف يستطيع أن يضع بينه وبين الأحداث "مسافة" معينة تمكنه من رؤية الأمور على حقيقتها، أو على الأقل أن يرى شيئا من حقيقتها؛ إذ المطلوب من المثقف الحزبي أن تكون لديه ضمانات معرفية ومنهجية تجعله يطمئن إلى "حتمية" الوصول إلى صياغة مقاربات تقترب من ملامسة الإشكاليات والظواهر المختلفة.

إن المشكلة الأساسية تحصل عندما تكون الاختيارات السياسية/الحزبية بمنزلة المنظار الذي من خلاله ينظر المثقف إلى موضوعاته ذات الطابع المعرفي؛ فتتلون المقاربات والظواهر بلون هذه الاختيارات القبلية، ومن ثم تتحول المعرفة إلى أيديولوجيا.

ومن بين المثقفين العرب الذين اشتغلوا بالثقافة والسياسة في آن واحد الفيلسوف العربي محمد عابد الجابري؛ إذ تأرجح طوال مسيرته الفلسفية بين التعمق في قضايا التراث العربي والعقل العربي.. وبين الانخراط في العمل السياسي الحزبي. وكثيرا ما مال الجابري إلى اعتقاد؛ مفاده أن المثقف الحقيقي ينبغي أن يظل دائما "فوق" السياسي؛ أي أن يكون المثقف هو الذي يوجه السياسي، وأن تكون السياسات التي يبنيها السياسي مبنية على ما وصل إليه المثقف من تأسيسات نظرية ومن تقديرات للمواقف.

إن المثقف المحنك تماشيا مع هذه الرؤية هو الذي يحصر همه في فهم الظواهر والأحداث، أما السياسي الناجح فهو الذي يتلقف ذلك الفهم؛ فيحوله إلى خطط وبرامج من أجل التغيير؛ فرسالة المثقف هي الفهم، ورسالة السياسي هي التغيير. وعندما يكون الإنسان مثقفا وسياسيا في نفس الوقت فإن عملية الجمع بين الفهم السليم والتغيير الناجح تظل معادلة صعبة لا يقوى على حلها إلا من فهم حدود كل من الثقافي والسياسي، وأدرك ما بينهما من جدلية.

وقد أصدر الجابري مؤخرا عددا جديدا من سلسلة: "مواقف إضاءات وشهادات"؛ هذه السلسلة عبارة عن كتب، وهي أقرب إلى جنس السيرة الذاتية منها إلى الكتابات الأكاديمية. وقد ارتأينا أن يقتصر عرضنا على ما جاء في العدد 22 من هذه السلسلة؛ بسبب ما تضمنه من مقاربات لبعض الأسئلة المعرفية والثقافية التي طالما نذر الجابري نفسه وكرس حياته لخدمتها. ومجمل ما جاء في هذه المقاربات هو جزء من بعض الحوارات التي أجريت مؤخرا مع الجابري. وقد حاولنا في هذه المساهمة أن نرتب تلكم المقاربات المنثورة في ثنايا الكتاب كله تحت عناوين كبيرة تختصر الاتجاه العام للأفكار.

في بناء العلاقة بين ثلاثي: الدين والسياسة والعلم

للجابري رؤية للدين وعلاقته بالسياسة تختلف عن رؤية معظم الاتجاهات "الحداثية" على طول عالمنا العربي؛ فالدين بالنسبة للجابري ينبغي ألا يطرح كشيء يمزق الهوية. ويعتقد أن الذين يطرحون الدين كمشكلة في المغرب -مثلا- يبالغون كثيرا! فالدين في تصور الجابري قد يكون مشكلة عندما يكون هناك تعدد ديني أو مذهبي أو طائفي.

وإذا ما انتقلنا إلى الجانب المتعلق بعلاقة الدين بالسياسة يقرر الجابري أن المطلوب في المجال السياسي في أي بلد إسلامي هو الخلفية الإسلامية، وهي -كما يقول- لا تتنافى مطلقا مع أي منظور حداثي وتقدمي.

أما عن الإشكالية القديمة المتعلقة بعلاقة الدين بالعلم؛ فيرى الجابري أنه لم يكن في الإسلام صراع بين الدين والعلم، كما كان حال أوربا. ولم يحرم علماء الدين عندنا القول بدوران الكرة الأرضية، بينما حرمها رجال الكنيسة!

ولتبيان مركزية الدين في تاريخنا أشار الجابري إلى أنه عندما مورست السياسة في الدين -في تاريخنا- كانت المصطلحات السياسية غير موجودة، وأن المفاهيم الدينية هي التي كانت سائدة. ويصر الجابري على القول بأن الصراع في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية كان بين الفلسفة والسياسة.

في التعامل السليم مع قضايا التراث

الجابري بدون منازع هو من بين الباحثين العرب القلائل الذين كرسوا حياتهم الفكرية للحفر في قضايا التراث؛ هذا الحفر أوصله إلى ملاحظة مؤداها أن الفكر العربي -من حيث تعامله مع التراث- قد سلك طريقين منذ القرن التاسع عشر: الأول الدعوة إلى سحب الماضي وإلغائه وتبني الحداثة كما هي، وهناك في المقابل الدعوة إلى فعل عكس ذلك. وهذان الاتجاهان في رأي الفيلسوف المغربي وصلا إلى طريق مسدود.

يقول الجابري في هذا الصدد: إن من غير الممكن صناعة بشر آخر بتراث آخر وبمفاهيم أخرى؛ فأوربا عندما استفادت من التجربة الحضارية العربية بكل جوانبها، أعادت بناءها من داخل أوربا نفسها. ويوضح الأمر قائلا: لقد استرجعوا ابن رشد ليس كما نعرفه نحن، بل كما صنعوه هم. ونفس الشيء يقال عن ابن سينا.. إن الهوة التي تفصل الماضي والمستقبل الذي نريده لنعيش عالمنا لا يمكن أن تردم إلا بجسور نبنيها من داخلنا بأدوات جديدة، وبالتفتح على كل ما يمكن أن يساعدنا.

وعن الذين يدعون إلى طي صفحة الماضي نهائيا يقول لهم الجابري: إن "الصفحات المطوية" ستبقى في الكتاب، ويجب أن تبقى لتفتح من جديد، ولنصحح قراءتها من جديد.

وأمام هذا النوع من التعامل مع الماضي/التراث حدد الجابري واجب الفكر في هذه المرحلة في التخلي عن منطق "إما.. وإما.."؛ الأمر الذي يقتضي -في رأيه- بذل جهد فكري وعملي من أجل التغلب الجدلي على مثل هذه الوضعية.

في علاقة المثقف بالسلطة والسياسة

عندما يترك المثقف همومه الشخصية وينخرط في هموم الآخرين، حينئذ سيكون مثقفا حقيقيا؛ أي عندما يتزوج المثقف -كما يقول الفرنسيون- هموم الوطن وهموم المجموع؛ أي حملها على ظهره! فالمشكلة -في رأي الجابري- تتلخص في أن المثقفين ينطلقون كأشخاص مستقلين؛ إذ إنهم عندما يفكرون كمثقفين ويشرعون للمستقبل؛ فالغالب أنهم لا يعملون كفريق في مختبر؛ بل كل منهم يفكر ويعاني ويعبر عما يفكر ويعاني.

ومن خلال هذه التعبيرات يتكون وعي تام، قد يقوم هؤلاء المثقفون بقيادته. ولهذا السبب فإن السلطة -في نظر الجابري- تخاف دائما من المثقفين. ولتعزيز هذه الفكرة استشهد بمقولة جنرال فرنسي حين قال: "عندما أسمع كلمة مثقف أضع يدي في مسدسي"!

ولما أصر الجابري على القول بأن المثقف/العالم هو الذي يقول الحقيقة للحاكم والمستعصي على الاحتواء نبش في نصوصنا التراثية، وسرد القصة المشهورة التي جرت بين أبي جعفر المنصور وعمرو بن عبيد المعتزلي الذي شارك في الثورة العباسية إلى جانب صديقه أبي جعفر. فلما انتصر العباسيون، وتولى أبو جعفر الحكم نادى على صديقه عمر بن عبيد الذي كان معتزليا طلب منه أن يأتي إليه. فلما جاءه قال له أبو جعفر: أنا أريدك أن تعينني على هذا الأمر وإقامة العدل. فقال له عمرو بن عبيد: "يا أبا جعفر! أغلق بابك في وجه الانتهازيين.. يكون العدل في البلاد قائما بنفسه، فلا تحتاجني". فلما خرج انطلق مسرعا وأبو جعفر ينظر إليه ويقول: "كلهم يمشي رويدا، كلهم يبغي صيدا، غير ابن عبيد"؛ حيث كان الذين يقصدون القصر يتباطئون عند الخروج، ينظرون ذات اليمين وذات الشمال في انتظار "الصلة".. أما عمرو بن عبيد فقد انطلق يجري مسرعا إلى باب القصر دون التفات.

فمن خلال مقاربة الجابري لعلاقة المثقف بالسلطة يمكن الوصول إلى اختصار هذه العلاقة في "القاعدة الجابرية" التي تقول: "لم يحدث في التاريخ أن وجد حاكم مستبد أو ناجح أو فاشل بمفرده. من يدورون حوله من مثقفين وفنيين وغيرهم هم المسئولون إلى حد كبير جدا على الفشل أو على النجاح".

في "وليمة السياسة" أو السياسة في المخيال الجابري

يعد الجابري من الفلاسفة القلائل الذين جمعوا بين الاشتغال الفلسفي والعمل السياسي؛ فرغم إعلانه اعتزال العمل السياسي فإن معظم إنتاجات الجابري الرصينة والعميقة ولدت في الفترة التي سبقت اعتزاله؛ أي تلك الكتابات التي تزامنت مع ممارسته للعمل السياسي/الحزبي.

ويتهم الجابري من طرف الكثيرين بأنه من الصنف الذي يمارس السياسة ويتظاهر بالفلسفة؛ فبدلا من أن يقوم الجابري بنفي هذا "الاتهام" أعلنها بكل وضوح قائلا: أن يتكلم الإنسان السياسة والإيديولوجيا ويعي أنه يفعل ذلك أفضل ألف مرة من أن يدعي أنه لا يمارس السياسة. بل أكثر من ذلك أن الإنسان في تصوره حيوان سياسي بطبعه!

لكن ما هو المخرج الذي سيسلكه الجابري في الإجابة على إشكالية العلاقة بين الكتابة والسياسة؟! يقول الفيلسوف: إن الكتابة -خاصة في الشئون الإنسانية- هي عملية إستراتيجية، والذي يكتب بدون سياسة -أي بدون إستراتيجية- معناه أنه يكتب "إنشاء" في مستوى ما يكتبه الطفل في الفصل الرابع الابتدائي!! إنه مخرج ذكي فيه قدر كبير من المراوغة، لكنه في رأينا غير مقنع.

والجابري ربما يتحدث هنا عن نوع من السياسة، نسجه في مخياله.. وليس عن السياسة التي قال عنها: إنها صارت في المغرب كالولائم والأعراس؛ إذ إن من التقاليد المغربية أن يلتقي الناس في الولائم والأعراس رغم ما يفرق بينهم من ضغوطات سياسية فيجلسون بعضهم إلى جانب بعض.. إلى أن يقول: والآن هاهم يلتقون حول "وليمة السياسة" بنفس الروح!! نعم إنها صورة مجازية رائعة لتقريب مآل السياسة في المغرب، وفي أقطار عربية أخرى.

ولم يفت الجابري أن يشير إلى مساعي السلطة لاحتواء وتدجين المثقفين؛ حيث وقف عند بعض تجاربه الشخصية، وذكر أنه في الوقت الذي كان فيه المثقفون والشعراء العرب يتوافدون على المربد ويمدحون ويتوهون كان موقفه الاعتذار عن عدم الذهاب! بل يذكر أنه مرة كتب إليه المسئولون المنظمون لجائزة "صدام حسين" من بغداد (تمنح للأدباء والشعراء).. وأخبروه بأنهم قد رشحوه لها، وطلبوا منه التوقيع على استمارة الترشيح، إلا أنه اعتذر؛ بحجة أن قانون الجائزة لا ينص بالتحديد على الدراسات الفلسفية، وبالتالي فليس من حقه الترشيح لها. فردوا عليه بأنهم سيضيفون إلى بند الدراسات الإنسانية عبارة الدراسات الفلسفية، لكن الجابري اعتذر مع ذلك!!

وقصة رفض مثل هذه الجوائز يرجع -كما يحكي الجابري- إلى السبعينيات، عندما وصله عبر البريد كتاب ضخم من تأليف "أمير إسكندر" بعنوان" صدام حسين". وما لفت نظر الجابري أن يكون مؤلف الكتاب هو كاتبا كان يقرأ له في المجلات المصرية، خاصة مجلة الكاتب التي كانت تقدمية، وكان "أمير" يكتب كتابة تقدمية يسارية؛ فكان الجابري يقرأ له ويقدره. لكن كما يقول الجابري: عندما قرأت ما كتب في ذلك الكتاب، ثم لما علمت الثمن الذي أخذ.. حينئذ اتخذت موقفا من الشخص المعني.. ومنذ ذلك الوقت قررت نهائيا موقفي!

في خطورة تسييس القضايا الفقهية والظواهر الاجتماعية

يميل الجابري إلى الاعتقاد بأن تسييس مجموعة من القضايا يحول دون فهمها.. ومن تجليات هذا التسييس -في رأيه- التصنيف الأيديولوجي عندما يتم التعامل مع الحركة الإسلامية؛ إذ يكون هذا التصنيف في رأي الجابري عقبة أمام فهم الواقع كما هو.

ومن أخطر الأفكار التي ذكرها الجابري في هذا الصدد ما يتعلق بقضايا المرأة وما يصاحبها من معارك مجتمعية -لسنوات عديدة- ولما خرجت في المغرب إلى الوجود ما سمي بـ"مدونة الأسرة" هلل لها كل الفرقاء السياسيين والثقافيين.. وعقب الجابري قائلا: أي فقيه يعرف الفقه كان يمكن له بمفرده ومعه كتبه، وبمعزل عن أي صراع أو خلفيات أن يأتي بتلك النتائج دون أن تخرج عن المجال الديني ولا عن كلام الفقهاء. فالمشكل -كما يقول الجابري- لم يكن مشكلا اجتهاديا فقهيا؛ بل هو تسييس المشكل!!

وانطلاقا من تأملنا فيما قاله الجابري في هذا الكتاب تألمنا لسقوطه في المحذور نفسه الذي حذر منه؛ حيث تعامل مع القضية الفلسطينية من منظور أيديولوجي "سياسوي".. فمن "الغرائب" التي يذكرها الجابري في صدد حديثه عن تجربته كفيلسوف ومثقف في الميدان السياسي وُلوجُه عالمَ السياسة انطلاقا من قضية فلسطين. ففي الستينيات والسبعينيات كان حزب الاتحاد الاشتراكي -حزب الفيلسوف- ممنوعا وصحفه موقوفة.. ومن أجل الممارسة السياسية أنشأ الحزب جريدة "فلسطين".. ومن خلال هذه الجريدة يقول الجابري: مارسنا السياسة، وواصلنا النضال من أجل الديمقراطية؛ حيث كانت هذه الجريدة المختصة فقط بفلسطين، وبأخبارها ومساندة الكفاح.. مركزا للقاء وتبادل الأخبار. ويضيف مؤكدا: كنا نمارس السياسة في المغرب زمن القمع من خلال القضية الفلسطينية!! وفي رأينا بدل أن تكون هذه القضية تكتسي بعدا مبدئيا وإستراتيجيا وتحظى بمركزية في كل تفكير وعمل -خاصة لدى النخب المثقفة- فإنه تم التعامل معها كأنها مسألة وظيفية لتحقيق أغراض ومقاصد معينة. وربما كان هذا المسلك من التعاطي مع القضية الفلسطينية هو الذي يفسر عزوف الكثير من المثقفين الحزبيين عن الاهتمام الفعلي بهذه القضية والانشغال بقضايا قطرية تحددها حدود "دولة التجزئة".


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

في العلاقة بالآخر.. وضرورة "الكتلة التاريخية"

كتاب الضروري في السياسة. لقراءة الكتاب، اضغط على الصورة..

لم تقتصر مقاربة الجابري لإشكالية "العلاقة بالآخر" على الجانب المتعلق بالتأسيس النظري، بل تعداه إلى مستوى إبداع شكل "الكتلة التاريخية" كتعبير متقدم ورائد لفكرة الاعتراف بالآخر.. وفهمنا من نص الجابري أن لهذه الكتلة سندين اثنين:

سندا تاريخيا: حيث إن فكرة "الكتلة التاريخية" بينت نجاعتها من خلال الثورة الإيرانية؛ حيث قامت بها كتلة تاريخية؛ أي الشعب الإيراني كله: علماء الدين ومجاهدو خلق وأصحاب البازار الذين يمثلون الطبقة الرأسمالية.. لكن -كما يقول الجابري- بعد مرور سنوات من الثورة بدأ التخلص من فصائل شاركت فيها (رئيس الجمهورية الأول، بنو صدر، المرجعيات الدينية ذات التوجه الإصلاحي مثل آية الله شريعاتي وآية الله منتظري...).

سندا واقعيا: وهو أن المجتمع العربي والإسلامي المقسم إلى طوائف وأحزاب لا يمكن لأي فصيل من فصائله -قبيلة كانت أم حزبا سياسيا، أم حركة دينية- أن يقوم بمفرده بالإصلاح المطلوب.

ويعتقد الجابري أن الثورة في الثمانينيات كررت نفس الخطأ الذي ارتكبه القوميون العرب في الخمسينيات والستينيات، وارتكبه اليساريون العرب في الستينيات والسبعينيات.. ويتمثل هذا الخطأ في إقصاء الآخرين.

وفي رأي الجابري يعتبر الاعتراف بالاختلاف مقدمة لقبول الآخر.. ولما سئل من بعض الصحفيين الذين احتاروا في أنجع السبل للتعامل مع الحركة الإسلامية رد عليه، قائلا: "إن الحركة الإسلامية ليست بضاعة تباع وتشترى يا أخي!!".

وذكره بأن الاختلاف في الإسلام قاعدة شرعية ومؤسسة.. وأن الحاكم المستبد هو الذي يفكر بهذا المنطق وهو الذي يتساءل: كيف نتعامل مع هؤلاء الذين في رؤوسهم سخونة أو برودة؟!

ولم يقف الجابري عند هذا الحد؛ بل ذهب بعيدا حين قال بالحرف الواحد: إننا نحن من نسمى بالمعاصرين والحداثيين ننسى أننا أقلية، لا نمثل سوى 10%.. ويضيف: وأكثر من ذلك يتناقص عددنا.. الإسلاميون موجودون لأنهم هم الشعب. ثم يتساءل مستغربا: هل سنقول: هم جميعا غير صالحين، ونحن فقط الصالحون؟!!

في مساهمة الفلسفة في عملية الحوار مع الآخر

في الاتجاه نفسه يعتقد الجابري أن الفلسفة التي تضم قطاعات معرفية ضرورية، ليس فقط لفهم النصوص وفكر الآخر؛ بل أيضا لبناء ذهنية الفرد لكي يتعود على التحليل الموضوعي والمنطقي.. ويضيف معتبرا أن الفلسفة تضم قضايا إسلامية مستلهمة من علم الكلام، وهي القضايا التي تتميز بقبول الرأي الآخر، إضافة إلى اكتساب نوع من المرونة والنسبية في رؤية العالم والأشياء، والنظر إلى الشيء الواحد من زوايا متعددة.

فبنية الفلسفة -في تصور الجابري- تقود إلى قبول الآخر. وإذا لم يقتنع المرء بكون الفلسفة كذلك؛ فسيفاجئه الجابري بالقول بأن التطرف ظهر بقوة في كليات العلوم وفي الكليات التي فيها "القولبة الذهنية"!! طبعا لم يسلح الجابري رأيه هذا بالأرقام والمعطيات أو على الأقل أن يقدم تعريفا محددا لما يقصده من كلمة "التطرف". ونقول: ما رأي الجابري في تلك الزمرة من "الحداثيين" المتطرفين الذين تخرجوا في أقسام الفلسفة؟! على أي حال تبقى ملاحظة الجابري جديرة بالعناية، ووجب أخذها بعين الاعتبار.

جوائز وتكريمات

  • جائزة بغداد للثقافة العربية اليونسكو. يونيو 1988
  • الجائزة المغاربية للثقافة. تونس مايو 1999
  • جائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي، مؤسسة MBI تحت رعاية اليونسكو في 14-11-2005
  • جائزة الرواد. مؤسسة الفكر العربي بيروت في 07-12-2005
  • ميدالية ابن سينا من اليونسكو في حفل تكريم شاركت فيه الحكومة المغربية بمناسبة اليومالعالمي للفلسفة الرباط/الصخيرات : 16 نوفمبر 2006
  • جائزة ابن رشد للفكر الحر. أكتوبر 2008. برلين ألمانيا.

أعماله

له العديد من الكتب المنشورة التي أحدثت قفزة في أسلوب نقد التراث العربي:

1- العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي 1971. وهو نص أطروحتي لدكتوراه الدولة في الفلسفة والفكر الإسلامي، كلية الآداب جامعة محمد الخامس- الرباط 1970، وكانت بعنوان: "علم العمران الخلدوني: معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي"

2- أضواء على مشكل التعليم بالمغرب 1973.

3– مدخل إلى فلسفة العلوم : جزآن 1976

- الأول: تطور الفكر الرياضي والعقلانية المعاصرة.

- الثاني : المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي).

4- من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية 1977.

5- نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي 1980. (ترجم إلى الإسبانية). الطبعة العاشرة مع إضافة 2006

6- الخطاب العربي المعاصر: دراسة تحليلية نقدية 1982 (ترجم إلى التركية)

7- تكوين العقل العربي. 1984. (ترجم إلى التركية، وتحت الترجمة إلى الفرنسية).

8- بنية العقل العربي: 1986. (ترجم إلى التركية وتحت الترجمة إلى الفرنسية).

9- السياسات التعليمية في المغرب العربي 1988. *

10- إشكاليات الفكر العربي المعاصر 1988.

11- المغرب المعاصر: الخصوصية والهوية.. الحداثة والتنمية 1988. *

12- العقل السياسي العربي : 1990 (ترجم إلى التركية والفرنسية والإندونيسية).

13- حوار المغرب والمشرق : حوار مع د. حسن حنفي 1990 *

14- التراث والحداثة: دراسات ومـناقشات 1991.

15- مقدمة لنقد العقل العربي نصوص مترجمة إلى اللغة الفرنسية تحت عنوان:

Introduction à la critique de la Raison arabe*  : traduit de l’arabe et présenté par Ahmed Mahfoud et Marc Geoffroy, éd. La Découverte. Paris. 1994

(ترجم إلى الإيطالية والإنجليزية والبرتغالية، والإسبانية والترجمة إلى اليابانية والإندونيسية).

16- المسألة الثقافية 1994.

17- المثقفون في الحضارة العربية الإسلامية، محنة ابن حنبل و نكبة ابن رشد 1995.

18- مسألة الهوية : العروبة والإسلام ... والغرب 1995.

19- الدين والدولة وتطبيق الشريعة 1996. (ترجم إلى الكردية، كردستان العراق. الترجمة اإنجليزية تحت الطبع).

20- المشروع النهضوي العربي 1996.

21- الديموقراطية وحقوق الإنسان 1997.

22- قضايا في الفكر المعاصر 1997.:(العولمة، صراع الحضارات، العودة إلى الأخلاق، التسامح، الديموقراطية ونظام القيم، الفلسفة والمدينة)

23- التنمية البشرية والخصوصية السوسيوثقافية : العالم العربي نموذجا. 1997 (نشر الأمم المتحدة، الإيسكوا، ترجم إلى الإنجليزية)

24- وجهة نظر : نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر 1997.

25- حفريات في الذاكرة، من بعيد (سيرة ذاتية من الصبا إلى سن العشرين) 1997.

26- الإشراف على نشر جديد لأعمال ابن رشد الأصيلة مع مداخل ومقدمات تحليلية وشروح 1997 / 1998

- فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال.

- الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة.

- تهافت التهافت.

- كتاب الكليات في الطب.

- الضروري في السياسة: مختصر سياسة أفلاطون

27- ابن رشد: سيرة وفكر 1998.

28- العقل الأخلاقي العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية. 2001.

29- سلسلة مواقف * (سلسلة كتب في حجم كتاب الجيب: انظر الصفحة الأولى)

30 - في نقد الحاجة إلى الإصلاح سبتمبر 2005

31- مدخل إلى القرآن. سبتمبر 2006

32- فهم القرآن: التفسير الواضح حسب ترتيب النزول القسم الأول مارس 2008، القسم الثاني أكتوبر من نفس السنة.


وصلات خارجية

المصادر

إسلام أون لاين: فلسفة "الجابري" بين الثقافي والسياسي - بقلم جواد شقوري       تصريح