الضروري في السياسة (كتاب)

ابراهيم العريس
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال
الضروري في السياسة
غلاف كتاب الضروري في السياسة.png
المؤلفمحمد عابد الجابري
البلدFlag of Lebanon.svg لبنان
اللغةالعربية
الناشرمركز دراسات الوحدة العربية
الإصدارط1 1998، ط2 2015

الضروري في السياسة، هو كتاب من تأليف محمد عابد الجابري، ضمن سلسلة التراث الفلسفي العربي: مؤلفات ابن رشد، التي تصدر عن مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

كتاب الضروري في السياسة. لقراءة الكتاب، اضغط على الصورة..

إن هذا الكتاب الذي ضاع أصله العربي، وضاع معه اسمه الحقيقي وبقيت منه ترجمة عبرية، يعيد نقله إلى العربية ضمن هذا المشروع د. أحمد شحلان. وقد عمد الجابري إلى استخراج اسمه الأصلي من متون مقالاته، وإلى ربطه بالصنف الذي ينتمي إليه من بين سائر مؤلفات ابن رشد.

وطبقاً لمقدمة الجابري، فإن هذا الكتاب يتضمن اكتشافاً لوجه جديد من وجوه عقلانية ابن رشد وأفقه الإصلاحي، فهو لا يقف فيه عند حدود استخلاص "الأقاويل العلمية الضرورية" في محاورة أفلاطون، بل يضيف إليه ما أطر به تلك الأقاويل من أمور نظرية ومنهجية، وما انفصل به عن أفلاطون وعوضه بآراء وتحليلات تخص التجربة الحضارية العربية بصورة عامة، والواقع الأندلسي في عصره بصفة خاصة ليقرر أن المدينة الفاضلة ممكنة على هذه الأرض، وعلى وجوه أخرى، وأن الطريقة التي اقترحها أفلاطون ليست الطريقة الوحيدة الممكنة. وبهذا يتسم هذا الكتاب بأنه " يشبه المختصر من جهة حذف التطويل، والمخترع من جهة التتميم والتكميل".[1]

يتضمن الكتاب بالإضافة إلى المدخل والمقدمة التحليلية نص الكتاب وهو يقع في ثلاث مقالات طوال مقسمة على أبواب، بالإضافة إلى خاتمة وتذييل المترجم العبري ونبذة عن المؤلفات الرشدية في التراث العبري وملحق بنصوص أفلاطون التي اختصرها ابن رشد.


فكرة الكتاب

في عام 1998 صدرت الطبعة الأولى من كتاب الضروري في السياسة عن مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ضمن المشروع الذي أنجزه المفكر العربي المغربي الراحل محمد عابد الجابري متضمناً إصدار وإعادة إصدار مؤلفات ابن رشد إضافة الى كتب عدة صدرت عنه. ومن الواضح أن مناسبة صدور الكتاب - كما مناسبة اشتغال الجابري على مشروعه الشامل، كانت الاحتفال بمرور ثمانية قرون على رحيل المؤلف، الفيلسوف القرطبي ابن رشد. ولئن كان في امكان بعضهم ان يرى نوعاً من الإفراط في القول إن ابن رشد هو مؤلف هذا الكتاب المزدوج الترجمة، بالنظر الى ان الكتاب ليس في الأصل سوى اختصار وترجمة لكتاب أفلاطون الشهير الجمهورية، الذي يعتبر من أهم أعمال الفيلسوف الإغريقي الكبير، فإن في ثنايا الكتاب وتفاصيله وظروف تأليفه، وما نتج منها، ما يؤكد اننا حقاً امام ما يبدو أقرب الى التأليف. وهذا على الأقل ما يقوله الباحث الراحل الدكتور محمد عابد الجابري، في تقديمه وتعليقه على الضروري في السياسة الذي كان هو من أشرف على إصداره، في ترجمة الدكتور أحمد شحلان مباشرة عن العبرية، حيث ان ابن رشد، في معرض تلخيصه واستعراضه لكتاب الجمهورية»(الذي عرف ايضاً بالسياسي)، عرف كيف يؤقلم الأفكار الأفلاطونية، الى حدّ كبير، مع البيئة الإندلسية التي تم العمل ضمن اطارها، بل البيئة السياسية الإسلامية العربية ككل. بل اكثر من هذا، اذ لا بد من ان نشير هنا، الى ان الجابري نفسه، وفي كتاب أصدره قبل ثلاث سنوات من الضروري في السياسة، وهو «المثقفون في الحضارة العربية»، كان قد «وجّه أصابع الاتهام» الى اشتغال ابن رشد على كتاب «الجمهورية» وتدخلاته فيه، باعتباره - اي هذا الاشتغال - مسؤولاً عن النكبة التي حلّت بفيلسوف قرطبة وبالفلسفة هناك في شكل عام، انطلاقاً ليس فقط مما يقوله الكتاب عن الدولة الاستبدادية واضمحلال الممالك، بل بخاصة عن فرضية تقول ان «الشخص» المجهول الذي يهدي اليه ابن رشد هذه الترجمة - غير البريئة - انما كان أبو يحيى شقيق الخليفة المنصور الذي يبدو انه كان يتآمر ضد هذا الأخير، فشكّك الخليفة في أن ابن رشد كان واحداً من أشياعه. والحقيقة ان هذه الفرضية، التي جاء بها الجابري قبل وجود ترجمة تلخيص «الجمهورية» في العربية، تبدو منطقية وتفسر لغزاً كبيراً ظل يحيط بحياة ابن رشد ونكبته منذ مئات السنين. ومع هذا، ليس هذا ما يهمنا هنا. ما يهمنا طبعاً هو الكتاب ذاته الذي عُدّ منذ صدوره في العربية - وإن بترجمتين متناقضتين بعض الشيء -، اضافة جديدة الى التراث الرشدي. بل اضافة ذات اهمية مزدوجة وفائقة. فمن ناحية كان الكتاب مفقوداً لا وجود له في العربية بحيث كان من المنطقي ترجمته عن ترجمة عبرية، او انكليزية او ما شابه. ومن ناحية ثانية كان لانزياح ابن رشد نحو الفكر السياسي الأفلاطوني في هذا الكتاب، إشارة الى تنويع في اهتماماته الأرسطية المعهودة. بل اكثر من هذا، إذ نجد في ذلك ربطاً لبعض افكاره في السياسة بأفكار سلفه الكبير الفارابي، الذي طويلاً ما كان اشتغل على الجمع بين رأيي ارسطو وأفلاطون.

الكتاب هو استخلاص جوهر ما تتناوله الجمهورية حول الحكم والسياسة والمدن الفاضلة، بعد ان ازاح ابن رشد جانباً، فصولاً في كتاب أفلاطون تتناول غير هذه الأمور، ولا سيما الفصل، او الكتاب، العاشر، ما جعل الكتاب، رشدياً خالصاً، إذ حصر صاحب «تهافت التهافت» اهتمامه بالقضايا التي يبدو انها كانت جلّ ما يهمه في ذلك الحين، خارج اطار الميتافيزيقا، بل حتى بعيداً من الإمعان في قضايا الشعر والأدب والخرافات والصفحات غير العلمية التي يمكن العثور عليها في «الجمهورية» بنصّه الإغريقي. في كلمات أخرى: استحوذ ابن رشد أفكار أفلاطون في أنظمة الحكم (التي راح يعددها وقد سماها «أنواع السياسات»: سياسة الكرامة، وسياسة الخسة، والسياسة الجماعية، او مدينة الحرية) ومن الواضح أن ابن رشد لم يلجأ هنا الى الاستعراض البريء لهذه السياسات، بل حدد موقفه منها. فهو اذ يتحدث عن السياسة الفاضلة يقول لنا مثلاً كيف ان سياسة التسلط تتناقض مع السياسة الفاضلة. ثم يروي لنا كيف تتحول المدينة الفاضلة الى «المدينة الكرامية»، ثم تتحول هذه الى مدينة حكم القلة، وكيف يتحول الملك الكرامي (الذي تقوم سياسته على الإقدام والشجاعة) الى جامع للمال ما يخلق مدينة القلة (الأوليگاركية) التي تتحول من مدينة الأغنياء الى المدينة الجماعية التي سرعان ما تتحول بدورها الى وحدانية التسلط، ليخلص الى ان «لا أسعد من الملك الفاضل... ولا أشرّ من وجدان التسلط».[2]

ولكن من هو الملك؟ في المقالة الثانية يفيدنا أفلاطون، بلسان ابن رشــــد هنا، بأن رئيس المدينة الفاضلة يجب ان يكون فيلسوفاً، وبالتالي يجب ان يتمتع بـ «خصال لا بد منها...» لافتاً الى انه، مع هذا، «يندر اجتماعها في شخص». وهذه الخصال هي: ان يكون بالفطرة مســــتعداً لتحصيل العلوم النظرية - ان يكون قوي الحافظة لا ينسى - ان يكون محباً للتعلم مؤثراً له - محباً للصدق كارهاً للكذب - مُعْرضاً عن اللذات الحسية - غير محبّ للمال لأن المال شهوة - ان يكون كبير النفس - شجاعاً - مســتعداً دائماً تُحرّكه نفسه لكل ما يراه خيّراً وجميلاً - وأن يكون اضافة الى هذا خطيباً فصيحاً يترجم عنه لسانه ما يمر بخاطره اذا تأمل ... ولافت هنا ان ابن رشد يختم هذه الفقرة قائلاً «من الذي اجتمعت فيه هذه الشروط من صغره، واتفق له مع ذلك ان نشأ على نحو تلك النشأة (...) فهو الذي ينبغي ان يحكم هذه المدينة. ولهذا كله يندر وجود مثل هؤلاء القوم، ولهذا يصعب وجود هذه المدينة».

غير ان ابن رشد لا يفوته بعد ذلك ان يقول، وهذا ما يظهر كَلُبّ القصيد في خطابه كله: «فإن قال قائل: اذا كان وجود هذه المدينة انما يكون ممكناً بوجود مثل هؤلاء القوم - اي الفلاسفة الذين يمكنهم تولي رئاسة المدينة الفاضلة -، وبتلك الصفات التي نشأوا عليها في هذه المدينة، فلا سبيل اذن الى وجود هذه المدينة، وصار ما كنا نعتقده مما اقترضناه في قولنا ممتنع الوجود؟ والجواب هو انه يمكن ان نربي اناساً بهذه الصفات الطبيعية التي وصفناهم بها، ومع ذلك ينشأون وقد اختاروا الناموس العام المشترك الذي لا مناص لأمة من هذه الأمم من اختياره، وتكون مع ذلك شريعتهم الخاصة بهم غير مخالفة للشرائع الإنسانية، وتكون الفلسفة قد بلغت في عهدهم غايتها. وذلك كما هو عليه الحال في زماننا هذا وفي ملتنا هذه، فإذا ما اتفق لمثل هؤلاء ان يكونوا اصحاب حكومته، وذلك في زمن لا ينقطع، صار ممكناً ان توجد هذه المدينة».

وعلى مثل هذا النحو، اذاً، يتجول ابن رشد في «جمهورية» أفلاطون، ذلك التجوال الذي مكنه من ان يضع اسساً نظرية للحكم الفاضل، كان يرى انها لا تتناقض مع ملته، لكنها، من طرف خفي، تتناقض مع الأهواء البشرية وصغائرها، ما كلفه غالياً كما يبدو.

المصادر

  1. ^ الضروري في السياسة، مركز دراسات الوحدة العربية
  2. ^ "«الضروري في السياسة» لابن رشد: أفلاطون في السياسة الإسلامية". جريدة الحياة. 2015-11-15. Retrieved 2015-11-16.