محمد بن نور

محمد بن نور ، والي عباسي (توفي 280 هـ) أيام الخليفة العباسي المعتضد. كان له تاريخ مع سلطنة عمان ، إذا أنه عرف بمحاولته تدمير المنابع المائية والأفلاج في عمان وخاصة عين الكسفة. ولذلك عرف فيما بعد عند العمانيين باسم محمد بن بور ، حيث أمر بإلقاء الصوف والشوك فيها ثم طمرها بالتراب ولكن بعد فترة انبثقت العين من جانب آخر وهو المكان المشاهد حالياً ويقع المكان القديم بجانب العين الحالية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة: دولة الإباضية في عُمان

دخل المذهب الإباضي إلى عمان مبكرا واستقر هناك وتكون له أتباع وأخذوا في الازدياد مع مرور الزمن إلى أن أصبح كما يقول لوريمر: " يتمتع بنفوذ واسع أو على الأقل له من النفوذ مثل ما لغيره " ، " وسرعان ما تبنى أهل عمان مبادئ المذهب الإباضي ويقال إنه بمطلع القرن 13م لم تصبح هذه المبادئ مسيطرة فقط ولكنها أصبحت لها صفة عامة تقريبا " (1) .

وهكذا انتشر المذهب الإباضي في تلك البقاع النائية من الجزيرة العربية ذات المسالك الوعرة التي ساعدتهم في استقلالهم الذي طالما كانوا ينزعون إليه في عهد الدولتين الأموية والعباسية، متأثرين بنظريتهم الخاصة تجاه الخلافة الوراثية في دمشق أو بغداد وهو ما لا يتفق وآراؤهم الاعتقادية. أما عن الكيفية التي دخل بها المذهب إلى هناك فمن المعروف أن معركة النهروان قد أتت على قسم كبير منهم ونجا منها من كتبت له النجاة، وبعدها فر من بقي منهم إلى مناطق بعيدة عن مركز الخلافة وأخذوا في نشر مبادئ الخوارج بين القبائل التي آوتهم يغمرهم الحقد الدفين على ما ناله إخوانهم من قتل على يد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأتباعه، ومن هنا يذهب لوريمر إلى القول بأن الذي أنشأ المذهب في عمان هو رجل من الخوارج الذين نجوا من تلك المعركة.

" ويقال إن مبادئ الإباضية أدخلها إلى عمان أحد الخوارج الذين نجوا من الهلاك الذي حل بجماعتهم كحزب سياسي على يد علي بن أبي طالب في معركة النهروان، وهذا يؤكد أن مذهب الإباضية يرجع في أصله إلى الخوارج" (2) . بينما يرى السالمي أن انتشار المذهب الإباضي في عمان كان على يدي عبد الله بن إباضي ويقول في ذلك: " والرواة المسلمون يذكرون بأنه قدم إلى عمان رجلان أحدهما الإمام عبد الله بن إباضي ونشر هناك مبادئ المحكمة (3) "

وسوف يكون لنا في الفصل التالي حديث عن فرقة الإباضية وعن بدء نشأتها وسبب نسبتها بعد ذلك إلى عبد الله بن إباض.

وعلى كل فقد اشتد ساعد المذهب الإباضي في عمان ومن هنا اتجهوا إلى التفكير في إقامة دولة باسمهم مستقلة بنفسها عن التبعية للخلافة العباسية، وقد بدأت محاولة تكوين تلك الدولة سنة 129هـ في آخر دولة بني أمية وأول دولة بني العباس. فلما أنس أهل عمان من أنفسهم القوة ثاروا بقصد الاستقلال عن الخلافة وكان ذلك على عهد السفاح وولاية أخيه المنصور على العراق الذي عين بدوره واليا من قبله على عمان، إلا أن العمانيين كانت نظرتهم كنظرة أسلافهم من الخوارج يرون أن توارث الخلافة أمر غير شرعي، لهذا فلم تكن الدولة العباسية بأحسن حالا من الدولة الأموية عندهم.

فقامت الثورة في عمان وانتخبوا أول إمام لهم وهو " الجلندي بن مسعود بن جيفر الأزدي " ولكنه لم يدم في الحكم إلا سنتين وشهرا واحدا؛ إذ إن نزعته إلى استقلال عمان عن الدولة العباسية أغضبتهم عليه فتقابل في معركة مع جيش الخلافة الذي يقوده خازم بن خزيمة، والتحموا في معركة أسفرت عن قتل الجلندي وأصحابه وانتهت حركة النزوع إلى الإمامة وظلت عمان جزءا من الدولة العباسية إلى سنة 177هـ.

فقام إمام آخر لهم وهو " محمد بن أبي عفان الأزدي " واجتمعوا على طاعته ولكنهم نقموا عليه أخيرا أنه تجاوز الحدود وتكبر، فخلعوه سنة 179هـ وولوا عليهم إماما آخر ويسمى " الوارث بن كعب الخروصي " فأحسن فيهم السيرة وأحبوه، واجتمعت عليه كلمتهم وحارب بهم جيش الخلافة الذي أرسل لإخضاعهم بقيادة عيسى بن جعفر عم الخليفة هارون الرشيد فانتصر الوارث وأخذ عيسى أسيرا وأودع السجن إلى أن قتل، ثم انتهت مدة الوارث ومات غريقا في أثناء محاولته إنقاذ سجناء كان السيل قد داهمهم بعد حكم دام اثني عشر عاما أي أنه تولى إلى سنة 192هـ.

فبايع الإباضية بعده " غسان بن عبد الله " وكان يوصف بحزم وبأس فأمن البلاد وقضى على الفتن وازدهرت في عهده عمان، بل وحاول أن يوسع نفوذه إلى الهند ولكنه توفي قبل تحقيق هدفه سنة 207هـ. فبايع الإباضية بعده الإمام " عبد الملك بن حميد الأزدي " فسار فيهم سيرة ارتضوها كسابقه إلى أن توفي سنة 226هـ. فاختير بعده الإمام " المهنا بن جيفر اليحمدي الخروصي "، فحمد الإباضية سيرته وانتعشت على عهده البلاد وكان رجلا مهيبا حازما لا يجرؤ أحد على التكلم في مجلسه كما يصفه علماء الإباضية (4) ، وكون له جيشا كثيفا وأسطولا قويا إلى أن توفي سنة 237هـ.

فانتخبوا بعده الإمام " الصلت بن مالك الخروصي " بالإجماع، وقد حدث في أثناء حكمه اعتداء من الحبشة فهاجموا جزيرة سقطرى واحتلوها وقتلوا عامل الصلت عليها، فكون عند ذاك الإمام الصلت جيشا وكون أسطولا يبلغ أكثر من مائة سفينة التحم من الأحباش في معركة انتصر فيها الإمام وانهزمت الأحباش تاركين سقطرة للإمام الصلت، وكانت ولايته طويلة؛ لهذا فقد طلب منه أن يتنازل نظرا للمصلحة في ذلك، فتنازل سنة 273هـ وعاش كواحد من الناس إلى أن توفي.

وبعد تنازله عين الإمام " راشد بن النظر اليحمدي الخروصي " ، و في عهده برزت العصبية القبلية بين العدنانية واليمانية واشتد ساعدها حتى كاد أن يذهب ضحية لها؛ فقد أراد خصومه الإطاحة به ولكنه قاومهم في معركة تسمى معركة الروضة انتصر فيها على معارضيه وقتل منهم كثيرا، واستمر أربع سنوات أرغم في نهايتها على التنازل سنة 280هـ.


ارسال محمد بن بور إلى عُمان

فتولى الأمر بعده الإمام " عزان بن تميم الخروصي " سنة 277هـ، واشتد ضرام العصبية القبلية واشتعلت الفتن وأصبح الأمر على غاية ما يتوقع من المكروه فأنشب بأنصاره معركة مع معارضيه فهزمهم، فذهب بعض من المنهزمين مستصرخين المعتضد الخليفة العباسي لنصرتهم على عزان ومن معه، فكانت فرصة ذهبية للعباسيين للانقضاض على عمان والاستيلاء عليها وإعادتها إلى حظيرة الخلافة، فأمر عامله محمد بن بور بفتح عمان فوجه هذا خمسة وعشرين ألفا لفتحها، فلما علم أهل عمان بهذا الجيش خافوا منه وصاروا يتسللون هربا عن الإمام عزان إلى أن بقي معه من بقي، فتقابل مع جيوش الخلافة في معركة انتهت بقتل الإمام بل وبانتهاء الإمامة من عمان لمدة أربعين عاما أي من سنة 280 إلى سنة 320هـ، حين تولى الإمام " سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب " ، وكان مطاعا في الكل موصوفا بالصلاح بينهم إلى أن قتل سنة 328هـ.

حروب محمد بن بور

لما قتل من النزارية وغيرهم بالقاع أشتد الأمر على النزارية ومن معهم ؛ وخرج محمد بن القاسم وبشير بن المنذر الساميان من بني سامة بن لوي ابن غالب وهم من عشيرة موسى بن موسى إلى البحرين , وبها محمد بن بور عاملا عليها للمعتضد من ملوك بن العباس , فشكيا إليه ما أصابهما من الفرقة اليمانية وسألاه الخروج معهما إلى عمان , وأطمعاه في أمور جليلة فأجابهما إلى ذلك وأشار عليهما أن يذهبا إلى الخليفة ببغداد ويذكروا له أمرهما , وإنهما قدما يريدان نصرته فسار محمد بن القاسم إلى بغداد وقعد بشير بن المنذر مع محمد بن بور , فلما قدم محمد ابن القاسم على المعتضد ذكر له الأمر واستخرج منه لمحمد بن بور عهدا على عمان ورجع إلى البحرين , وأخذ محمد بن بور في جمع العساكر من سائر القبائل وخاصة نزار وحصل معهم ناس من الشام من طئ ؛ فخرج يريد عمان في خمسة وعشرين ألفا ومن معه من الفرسان ثلاثة آلاف وخمسمائة فارس عليهم الدروع والجواشن وعندهم الأمتعة , وفي ذلك يقول كاتب محمد بن بور :



أمن مبلغ عنــــا عمـــــان وألهـــــا =ومقـــالا تنقــاه حكيــم مجـــــرب بصير بأسباب التصـــرف قلبــــه =يظن لك الظن الذي ليس يكــــذب يرى في وجوه القوم ما في قلوبهم =ويعرف ما قالوا وهم عنه غيـــب ألا فكلوا يـــا قوم من طيباتكــــم =ومن أعذب الماء المبرد فاشربوا واقضوا لبانات النفـــوس فــــإنني =أرى نعمـــة أسبابهـــــا تتقضــــب كأني بأهل الدين قد ندبـــــوا لكـــم =فوارس لازالت لدى الرحل تطلب فوارس من أبنـــاء عدنـــان كلهـــا =ملك فتى العباس ترضي وتغضب

1 2 3 4 5 6 7 أمــن مـبـلـغ عـنــا عـمــان iiوألـهــا ومـقــالا تـنـقـاه حـكـيــم iiمــجــرب بـصـيـر بـأسـبـاب الـتـصـرف iiقـلـبـه يظن لك الظـن الـذي ليـس iiيكـذب يرى في وجوه القوم ما في قلوبهم ويعـرف مـا قالـوا وهـم عنـه iiغـيـب ألا فكـلـوا يــا قــوم مــن طيبـاتـكـم ومـن أعـذب المـاء المبـرد iiفاشربـوا واقـضـوا لبـانـات الـنـفـوس iiفـإنـنـي أرى نـعـمــة أسـبـابـهـا iiتـتـقـضــب كأنـي بأهـل الديـن قـد ندبـوا iiلكـم فوارس لازالـت لـدى الرحـل تطلـب فــوارس مــن أبـنـاء عـدنـان كـلـهـا ملك فتى العبـاس ترضـي iiوتغضـب


ثم اتصل الخبر بأهل عمان فاضطربت عمان من كل جانب , ووقع الخلف والعصبية بين أهلها , فكانت النزارية ومن كان على رأيهم في حزب واليمانية في حزب , وتخاذل الناس عن الإمام عزان بن تميم وانقضت الأمور عليه , فخاف أهل صحار وما حولها من الباطنة فخرجوا بأموالهم وذراريهم وعيالاتهم إلى سيراف والبصرة وهرمز وغير ذلك من البلدان , وخرج سليمان بن عبدالملك بن بلال السليمي بولده وحرمه ومن خف معه من قومه فركبوا البحر في بعض السفن حتى قدموا إلى هرموز , فتحصل بها وأقام هناك إلى أن اتخذ بها دارا ومالا , وذلك حين بلغه ما وقع بعمان من جند ابن بور وأقام بهرموز واتخذها وطنا إلى أن مات ثم ابنه المهدي بن سليمان وكان أميرا عليها إلى أن مات فبقية ولده بها وبعضها انتقل إلى عمان .

وقدم محمد بن بور بجنوده وافتتح جلفا ووصل إلى توام يوم الأربعاء لست ليال خلون من شهر المحرم سنة ثمانين ومائتين بعد الحرب كانت بالرحا ؛ واستولى على السر ونواحيها , وقصد نزوى وتخاذلت الناس عن عزان بن تميم , فخرج من نزوى إلى سمد الشأن ووصل محمد بن بور إلى نزوى , وسلمت له نزوى , ثم مضى قاصدا إلى سمد الشأن فلحق عزان بن تميم فوقع بينهم الحرب والقتال , واشتد الطعن والنزال , وذلك يوم الأربعاء لخمس بقين من صفر من هذه السنة , وكانت الهزيمة على أهل عمان , وقتل عزان بن تميم , وبعث محمد بن بور رأس عزان إلى المعتضد ببغداد , ورجع محمد بن بور إلى نزوى وأقام بها .

ثم إن الأهيف بن حمحام كاتب مشايخ عمان وقبائلهم من كل مكان يدعوهم إلى محاربة محمد بن بور وإخراجه من عمان , ويحثهم على ذلك ؛ فأجابوه واقبلوا إليه فسار بعسكر ضخم وخميس جرار يريد محمد بن بور , فخرج فيهم منير بن النير بمن تبعه من أهل جعلان , وكان يومئذ ابن مائة وعشر سنين , فبلع ذلك محمد بن بور فدخل الرعب في قلبه فخرج هاربا فأتبعه الأهيف بعساكره وكان الرأي أن لا يلحقوه بل يسيروا خلفه رويدا رويدا حتى يخرج من عمان فيرجعوا عنه لكن لله إرادة ليقضي أمرا كان مفعولا , فساروا مسرعين حتى لحقوه بدما فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثر القتل والجراح في الفريقين , وقد كانت تكون الهزيمة على محمد بن بور وقد ألجأوه على سيف البحر , فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ركب من أهل قدمه وغيرهم من المضربة على كل جمل رجلان من قبل أبي عبيدة بن محمد السامي مددا لمحمد بن بور , فلما كانوا قريبا من العسكرين نزلوا عن رواحلهم وأخذوا أسلحتهم وحملوا مع محمد بن بور على الأهيف وأصحابه عند أعياء الناس بعد ما كادت تكون الهزيمة على محمد بن بور , فوقعت الهزيمة على أهل عمان , وقتل الأهيف بن حمحام وخلق كثير من عشيرته وغيرهم ولم يسلم من أهل عمان إلا من تأخر أجله .

وقتل منير بن النير وهو أحد حملة العلم وهو من بني ريام رضي الله عنه وكانت هذه الوقعة بقرب مسجد الجامع من دما من الباطنة , وذلك يوم الأربعاء لست عشرين خلت من ربيع الآخر سنة ثمانين ومائتين , وقال في ذلك محمد بن دريد :


لا يفوت الموت منحدرا =أبقاه الغاب والغيل مقرع الأكناف ذو لبد = مبرص الأوصال مجدول إن دهرا فل حدهم = حده لا بد مفلول ما بكاهم إن هم قتلوا = صبرهم للقتال تفضيل إنما أخبر الحرب بأن = قد نالهم قوم أراذيل نالهم من لا يحصله = في كرام القوم تحصيل أعبد قن تصادرهم = قوم أسود تبابيل فروا للهرب طرده = داما فيه تمهيل بشيخ ثالط ودم=أخلصت منه السراويل قيل والمقدار يحرسه= فنجا والسرج مبلول

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 لا يفوت الموت منحـدرا أبـقـاه الـغـاب iiوالـغـيـل مقـرع الأكنـاف ذو iiلبـد مبرص الأوصال iiمجدول إن دهــرا فــل حـدهـم حــده لا بـــد iiمـفـلـول ما بكاهم إن هم iiقتلـوا صبرهم للقتال iiتفضيـل إنمـا أخبـر الحـرب iiبـأن قـد نالهـم قـوم iiأراذيـل نالهـم مــن لا iiيحصـلـه في كرام القوم تحصيل أعـبـد قــن تـصـادرهـم قـــوم أســـود iiتبـابـيـل فــروا لـلـهـرب iiطـــرده دامـــا فــيــه iiتـمـهـيـل بـشــيــخ ثــالـــط iiودم أخلصت منه iiالسراويـل قيل والمقـدار iiيحرسـه فنجـا والسـرج iiمبـلـول

فلما إنهزم أهل عمان رجع محمد بن بور على نزوى وجعل أعزة أهل عمان أذلة وقطع الأيدي والأرجل والآذان , وسمل الأعين وأحل على ألها النكال والهوان ودفن الأنهار وأحرق الكتب .

وكان فلج الملكي من أزكي نهرا كبيرا يسقي حبوبا وله مائة وعشرين ساعدا فخربته النزار بعد أن ظهر محمد بن بور , فكانوا يدفنونه وهو يغلبهم , فقالت لهم راعيته عليكم بالصوف والشجر , فقال خذوا غنمها لما لم تقدروا على دفنه والله أعلم .

مقالات متعلقة