فضيحة سندات التونة

سفن صيد التونة، مركونة بلا استخدام لسنوات في ميناء ماپوتو.

فضيحة سندات التونة، هي فضيحة فساد حكومي في موزمبيق، كُشف عنها في يناير 2019. تخص الفضيحة تورط مسئولين موزمبيقيين، في جرائم احتيال وغسيل أموال، وعمليات تهريب أسلحة إلى موزمبيق. تورط في القضية مسئولين موزمبيقيين وأنگوليين، بالإضافة إلى تورط الرئيس الموزمبيقي الحالي فيليپي نيوسي، الذي كان وزيراً للدفاع في ذلك الوقت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصفقة

إسكندر صفا بعد توقيعه اتفاقيتين مع الحكومة الأنگولية لبيع السفن العسكرية ضمن مشروعاته الكبرى في أنگولا.

في عام 2012 كان رجل الأعمال الفرنسي-اللبناني إسكندر صفا قد أمن موافقة سهلة لحكومة موزمبيق على صفقة للحصول على عدد من سفن الصيد وسفن الدوريات الساحلية وحوض لصيانة السفن في البلاد، وكانت المهمة[1] الحقيقية تتمثل في الحصول على مانحين دوليين راغبين في تمويل الصفقة مقابل سندات آجلة مرتفعة الفائدة تصدرها موزمبيق وتضمنها بريفنفيست. ونجح صفا بالفعل في إقناع ثلاثة بنوك هي كريدي سويس السويسري وڤي بي تي الروسي وبي إن بي باريبا الفرنسي باستثمار مبلغ ملياري دولار لتمويل الصفقة، مقسمة بين قرض بقيمة 622 مليون دولار لشراء معدات عسكرية، و850 مليون دولار في صورة سندات لمشتريات قوارب للصيد، و535 مليون دولار لبناء حوض سفن لخدمة الأساطيل العسكرية وأساطيل الصيد.

كانت الصفقة مريبة بما يكفي[2] لجذب انتباه العديد من الجهات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي الذي قام بتوظيف شركة تحقيقات خاصة تدعى "كرول" من أجل مراجعة الصفقة. فمن ناحية، لم يكن الوضع المالي للحكومة في موزمبيق يسمح لها بإصدار سندات ديون بهذه القيمة التي تسببت في ارتفاع الدين العام في البلاد بنسبة 35% خلال عام واحد فقط، ومن ناحية أخرى فإن نسبة كبيرة من هذه الأموال تم تحويلها مباشرة إلى صفا وشركاته وليس إلى الحكومة في موزمبيق كما يقتضي الأمر، وصولا إلى كون تحقيقات "كرول" توصلت إلى أن أسعار المعدات التي ستقدمها شركة بريفنفيست تجاوزت قيمتها الحقيقية بنحو 700 مليون دولار على الأقل.

بالإضافة إلى ذلك، تم تمثيل[3] الحكومة الموزمبيقية في تلك الصفقة من قبل ثلاث شركات هي "إماتوم" و"بروينديكوس" و"صندوق إدارة الأصول" والتي تبين في ما بعد أنها مملوكة بالكامل لجهاز الاستخبارات في البلاد المقرب من الحزب الحاكم، وأن الصفقة تم تمريرها دون موافقة برلمانية، ومع تورط بنوك أوربية كبرى في عملية التمويل لم يكن من المستغرب أن تستجلب الصفقة تحقيق جهات دولية مرموقة في مقدمتها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.


الكشف عن الفضيحة

أدى القبض على وزير مالية سابق بالإضافة إلى إدانة العديد من المسؤولين الحكوميين الآخرين إلى الكشف عن مستوى الفساد الحكومي في موزمبيق وإلى حد ما، أظهر بعض المخاوف في أنگولا حيث توجد بعض الشركات المشار إليها في فضيحة فساد موزمبيق.

في موزمبيق، يمثل تطور الأحداث اختباراً قاسياً لطموحات الحزب الحاكم، جبهة تحرير موزمبيق، في الانتخابات العامة 2019.

تم القبض على الوزير السابق مانوِل تشانگ وتسبب المتواطئون المزعمون في تلويث سمعة موزمبيق وجلها مركز لغسيل الأموال والكسب غير المشروع.

تشانگ الذي كان وزيراً من عام 2005 حتى 2015، اتقل في جنوب أفريقيا بتهم تتعلق بالاحتيال وغسيل الأموال لتورطه المزعوم في فضيحة بـ2 مليار دولار أمريكي أثناء أزمة الديون الموزمبيقية.

في 2016 كان هناك إفصاحات عن ديون مخفية تزيد عن مليار دولار، مما دفع صندوق النقد الدولي والمانحين الأجانب لقطع المساعدات. وقيل إن حوالي 200 مليون دولار أنفقت على الرشاوى وعمولات في قروض لشركات مملوكة للدولة في موزمبيق.

وفقاً للائحة الاتهام الأمريكية، تم تأمين القروض من بنك كريدي سويس، بنك الاستثمار وشركات الخدمات المالية السويسرية متعددة الجنسيات، وبنك ڤي تي بي الروسي. وفي تطور متصل، وقعت مجموعة پريڤينڤست، التي تتخذ من الشرق الأوسط مقراً لها، عقوداً لتوريد السفن إلى موزمبيق لكنها لم يتم توريدها.

مانوِل تشانگ في محكمة في جنوب أفريقيا، ديسمبر 2018.

بجانب القبض على تشانگ في جنوب أفريقيا نهاية 2018، قبض على ثلاث موظفين سابقين في كريدي سويس في جمهورية الدومنيكان وتم تسليمهم للولايات المتحدة، التي تسعى أيضاً لتسليم تشانگ. [4]الموظفون السابقون في كريدي سويس هم أندرو پيرس، سورجان سينغ ودتلينا سوبڤا.

جرى القبض على مشتبه آخر في الولايات المتحدة، جان بستاني. وهو مواطن أمريكي يعمل في شركات مقاولات موزمبيقية مقرها أبوظبي. البليونير اللبناني-الفرنسي، إسكندر صفا، هو مؤسس الشركة المتعاقدة وأشارت أصابع الإتهام إليه في طلبية عام 2013 تخص قوارب الصيد التي يعتقد أنها استخدمت لإخفاء صفقة أسلحة سرية لموزمبيق. وجود رئيس الفرنسي في ذلك الوقت، فرانسوا اولاند ونظيره الموزمبيقي أرماندو گبوزا، يشير إلى اهتمام فرنسا بوصول القوارب آمنة للمياه الموزمبيقية.

كما تورط في الفضيحة 18 مسئول موزمبيقي آخر على الأقل لم يذكر اسمهم. يمكن القول أن تشانگ هو المسؤول الأبرز عن التحقيق في الفساد منذ استقلال موزمبيق عن الپرتغال عام 1975. قال پيتر فابريسيوس، من معهد الدراسات الأمنية الاستشارية: "إن احتمال ظهور تشانگ في محكمة أمريكية لإسقاط بقية المسئولين المتورطين في الحكومة الموزمبيقية، الذين تلقوا رشاوى أكبر على ما يبدو، يرعب بوضوح جبهة تحرير موزمبيق".

كما كان للمعلق الاقتصادي-الاجتماعي الموزمبيقي، ألميرو مارسلينو نفس الرأي. "كان من المقرر أن يفتح ملف الفساد الذي يتغلغل في سياسات البلاد". وأضاف: "تداول دائماً تقارير تفيد بتفشي الفساد في موزمبيق، ولكن هذا كان في الغالب على الورق". وقال مارسلينو إن "الآثار المترتبة على اعتقال تشانگ وغيره ممن لم يكشف عنهم هي شهادة على عمق الكسب غير المشروع في مجتمعنا. أصبحت موزمبيق أكثر فساداً بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وفقاً لمؤشر انطباعات الفساد الذي نشرته المنظمة غير الحكومية الرائدة في مكافحة الفساد، منظمة الشفافية الدولية".

في مؤشر مركز النزاهة العامة تراجع ترتيب موزمبيق من 31 في 2015 إلى 27 في 2016، إلى 25 في 2017. ويعطي المؤشر البلدان درجة تتراوح بين صفر (فساد كامل) إلى 100 (نزاهة مطلقة). ومن حيث الترتيب تحتل موزمبيق الترتيب 153 على قائمة من 180 بلد.

حسب مؤشر مركز النزاهة فإن الفساد هو السبب الأساسي وراء تخلف البلاد، وقد قُدِّر مؤخراً أنه كلف البلاد ما يقرب من 5 مليار دولار أمريكي بين عامي 2002 و2014.

حسب بوابة مكافحة الفساد في قطاع الأعمال فإن أشكال الفساد تتراوح بين الرشاوى الصغيرة وأنظمة المحسوبية الراسخة، وقد أظهرت الدول المانحة عدم رضاهم عن جهود مكافحة الفساد في البلاد.

وتقول المحللة السياسية إلينا تشاڤانگو أن صمت حكومة الرئيس فيليپي نيوسي عن القبض على تشانگ كان واضحاً. كان ذلك قبل أن تطلب موزمبيق أيضًا تسليم تشانگ قبل مثوله للمحكمة في 5 فبراير. في 18 يناير، التقى نيوسي، ونظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوسا في البرلمان الموزمبيقي لكن لم يصرح ممثلي الجانبين لوسائل الإعلام بمعلومات عن الاجتماع، والذي استمر لساعات. كان الاجتماع لمناقشة القبض على الجنوب أفريقي أندري هانكوم، بتهمة تورطه في الأعمال الإرهابية التي تنفذها الجماعات الإسلامية في شمال كابو دلگدو في موزمبيق. حضر الإجتماع، الرئيس الأنگولي جواو لورنسو، الذي تترأس بلاده مجتمع تنمية أفريقيا الجنوبية، منظمة دولية هدفها زيادة التعاون الاقتصادي والأمني للدول الأعضاء.

لا زال تشانگ مشرعاً لحزب الحاكم، جبهة تحرير موزمبيق. كان نيوسي وزيراً للدفاع عندما تم الموافقة على القروض ووقع عقوداً هامة تخص الصفقات. إلا أن الرئيس الموزمبيقي الأسبق، جواكيم شيسانو، ووزير المالية السابق، توماز سالوماو، دعوا لتطبيق العدالة.

تأتي الفضيحة في غير مناسب للحزب الحاكم في الانتخابات العامة التي ستجرى في أكتوبر. وقال مرسليون: "إن الأزمة المثيرة للجدل حول كريدي سويس تضع الحزب الحاكم في وضع سيء قبل الانتخابات، وكذلك مع المقاومة الوطنية الموزمبيقية المعارضة (رينامو) التي تتمتع بفترة حياة جديدة".

مؤخراً، انتخبت رينامو أوسوفو مومادى رئيساً للحزب ومرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية. جاء انتخاب أوسوفو خلفاً لأفونسو دالاكاما، الذي توفي بأزمة قلبية في مايو 2018.

وقد شهدت فضيحة الرشوة في موزمبيق تحول الأضواء أيضا إلى أنگولا، وهي مستعمرة پرتغالية سابقة أيضاً. في 2016، أعلنت شركة پريڤينڤست عن بدء برنامج رئيسي لبناء السفن والاقتصاد البحري مع أنگولا. سيشهد برنامج پريڤينڤست في البداية توفير مجموعة من السفن للبحرية الأنگولية. تعمل شركة پريڤينڤست على تطوير وتشغيل حوض بناء السفن في أنگولا. كما وقعت پريڤينڤست مذكرة تفاهم مع الحكومة لتطوير الطاقة الهيدروكينية في البلاد، لتوفير الكهرباء إلى 14 مليون أنگولي بحلول 2025. منذ الإعلان لم ترد أخبار عن حدوث أي تقدم.

حذر المحللون من حقيقة أن أنگولا وقعت صفقات مع پريڤينڤست عندما يكون الرئيس الحالي، جواو لورنسو، وزيراً للدفاع، وبالتالي قد يثير قلق المستثمرين أيضاً، خاصة وأن الحكومة لم تؤكد أبداً هذه الاستثمارات.

علاوة على ذلك، في مايو 2018، أعلن كريدي سويس عن قرض لأنگولا قيمته 700 مليون دولار. وقال المحلل ميگويل سانز: "إذا كان لورنسو جاداً في القضاء على الفساد، فعليه أن يتوخى الحذر بشأن من يتعامل معه وكيف يمكن أن ينظر إلى الخارج".[5]

انظر أيضاً

الهامش

  1. ^ "FBI Investigates European Banks for Allegedly Aiding Corruption in Mozambique". وال ستريت جورنال. 2017-11-06. Retrieved 2019-01-27.
  2. ^ "Behind Credit Suisse's Soured Mozambique Deals". وال ستريت جورنال. 2016-08-11. Retrieved 2019-01-27.
  3. ^ "Former French navy officers gun for more business". africaintelligence.com. 2017-01-27. Retrieved 2019-01-27.
  4. ^ Joseph Cotterill (2019-01-14). "Mozambique's ruling party closes ranks over 'tuna bond' scandal". فاينانشل تايمز.
  5. ^ Arimando Domingos (2019-01-22). "The arrest of a former finance minister has raised some concern in Angola where some firms indicted in Mozambique are present". AfricaNews.