المدرسة الأيونية

خريطة أيونيا القديمة، على الجانب الشرقي من بحر إيجة.

تعد إيونية Ionie، وهي مستعمرة يونانية سابقاً تقع في وسط الساحل الغربي لآسيا الصغرى (تركية اليوم)، المهد الأول للفلسفة. وقد استوطن الإيونيون هذا الساحل منذ القرن العاشر ق.م، وانتشروا فيما بعد في جزر بحر إيجة المجاورة. وهناك ذاعت شهرة هوميروس Homère، الشاعر الذي تنسب إليه ملحمتا «الإلياذة والأوديسة»، منذ القرن التاسع ق.م.

وقد نبغ في مدينة ملطية Milet، على هذا الساحل، منذ القرن السادس قبل الميلاد ثلاثة فلاسفة ألفوا ما يطلق عليه اسم مدرسة ملطية، وذلك ضمن الإطار الواسع للمدرسة الإيونية. وهم طاليس Thales وتلميذه أنكسيمندر Anaximandre، وتلميذه الأخير أنكسيمانس Anaximène. وتشمل المدرسة الإيونية بالإضافة إلى الفلاسفة الثلاثة السابقين عدداً آخر من الفلاسفة مثل زنوفانس Xénophane، وهراقليطس Heraclite من مدينة إفسس Ephèse.

تميزت الفلسفة في هذه الحقبة المبكرة بالابتعاد عن الخرافة والأسطورة والاقتراب من العلم. وكانت الفلسفة ما تزال نشاطاً ذهنياً منظماً قائماً على الالتصاق بالطبيعة Phusis والتجربة العلمية. ومن المعروف أن طاليس الذي سافر إلى مصر واقتبس من علمائها، كما استفاد من علم الفلك البابلي، عاد إلى بلاده وتنبأ بالكسوف الشمسي الذي حصل سنة 585 ق.م. كما اشتهر بكونه مهندساً بارعاً في كثير من شؤون بلاده.

أرست المدرسة الإيونية دعائم البحث الميتافيزيقي، فكان لمشكلة أصل الوجود الاهتمام الأكبر والوحيد. فاعتمدت المدرسة على «مبدأ واحد» للوجود يمكن تفسير الكون بالرجوع إليه دون سواه. فقد عدَّ طاليس «الماء» مبدأ لوجود المادة والكون، يرتد إليه كل شيء وتنطلق منه الحياة بأشكالها كافة. كذلك عدَّ أنكسيمندرس تلميذُه، «اللامحدود» مبدأ كلياً يضفي عبره على العالم معقولية جديدة، في حين ركز أنكسيمانس على مبدأ «الهواء»، وانتهى الأمر إلى هيراقليطس الذي رفع «النار» إلى مصاف العنصر الأعظم. ويشار هنا إلى أن هذه العناصر الثلاثة: الماء والنار والهواء هي التي مهدت فيما بعد لنظرية العناصر الأربعة التي أطلقها لاحقاً إمپدوقليس Empédocle بعد أن أضاف «التراب» إليها. وقد غدت نظرية العناصر الأربعة هذه جزءاً من طبيعيات أرسطو ومن الطبيعيات في الفلسفة العربية ـ الإسلامية.

وقد نشأت في أحضان المدرسة الإيونية مفهومات فلسفية جديدة غزت الفلسفات اللاحقة ولم تفارقها مثل مفهوم اللوغوس Logos أو العقل، وقد استخدمه هيراقليطس ليشير به إلى القانون الكلي الذي يدبر حوادث العالم. وانتقد فيلسوف التغير والصيرورة هيراقليطس معاصريه لأنهم قصروا عن إدراك عمل اللوگوس ومعناه. كما تعزى إلى المدرسة الإيونية، وخاصة إلى أنكسيمانس منها، فكرة التناظر بين العالم الأكبر Macrocosme أو الكون من جهة وبين العالم الأصغر Microcosme أو الإنسان من جهة أخرى. وهي فكرة أساسية سوف يعتنقها إخوان الصفا في رسائلهم، ويتبناها من بعدهم ابن عربي في مذهبه. كما أن الفكرة نفسها قد نفذت إلى الفلسفة الغربية الوسيطة.

ويمكن عد ديموقريطس Démocrite الذي ولد في أبديرا من أعمال تراقيا متأثراً من بعيد بالفكر الإيوني. ولكنه لا يُصَنَّفُ في المدرسة الإيونية.

كان لهذه المدرسة مكانة ريادية وإبداعية في تاريخ الفلسفة اليونانية وذلك بمحاولتها التخلص من الفكر الأسطوري، كما أسهمت مبكراً في تطوير العلوم في المستعمرات اليونانية. إلا أن أهم ما قدمته المدرسة الإيونية للفلسفة هو طرحها لفكرة المبدأ الواحد للوجود، الذي يكوّن مرجعية شمولية تقوم عليها نظرة واحدية للكون.[1]


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش

  1. ^ بكري علاء الدين. "الإيونية (المدرسة ـ)". الموسوعة العربية. Retrieved 2009-04-26.


طالع أيضاً

وصلات خارجية


مراجع للاستزادة

  • يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية (القاهرة 1936).