العملية فجر 8

العملية فجر 8
الموقع
{{{place}}}

العملية فجر 8 (وأحياناً تسمى معركة الفاو الأولى) كانت عملية عسكرية إيرانية في الحرب الإيرانية العراقية 1980-1988.

في اطار عملية "الفجر -8" عبرت القوات الإيرانية في عدة مواضع نهر شط العرب شرقي البصرة واحتلت مدينة الفاو. كان الهدف النهائي للعملية هو احتلال البصرة، إلا أن الهجوم عليها تعثر. ومع ذلك اعتبرت العملية أكبر نجاح تحققه إيران في الحرب العراقية الإيرانية، لأنها تمكنت من حرمان العراق من منفذه إلى الخليج العربي.

حشدت إيران ثلث قواتها العسكرية وشبة العسكرية (حوالي 200 ألف مقاتل)، ودفعت بهم إلى الجنوب. وشملت تلك القوات خيرة الفِرق من الجيش النظامي (بختاران، مازندران، خراسان) والحرس الثوري (كربلاء، النجف). وتمركزت في المنطقة ما بين ديزفول والأهواز وخور الحويزة. كما وزعت وسائل الاقتحام البرمائية على طول شط العرب، جنوب عبدان، من سفن صغيرة ووحدات إنشاء الكباري العائمة.

كانت إيران قد أنشأت، نتيجة لخبرة القتال السابقة، قيادة جديدة للقوات المدربة على الاقتحام المائي والقتال في المستنقعات، لتدريب وقيادة مجموعات القتال المعَدة لذلك الغرض. وقد دفعت بقوة منها إلى المنطقة جنوب عبدان، في أوائل عام 1986، واستعدت لتوجيه ضرْبتها الجديدة، "فجر 8"، عبر شط العرب.

لم تغيّر إيران هدفها الرئيسي في العمليات القتالية في الجنوب؛ إذ استهدفت دائماً فصله عن العراق، بما يحتويه من كثافة سكانية شيعية، وعتبات مقدسة. إلاّ أنها غيرت اتجاه هجومها إلى أقصى الجنوب، وهو ما يحقق لها؛ في حالة نجاح الهجوم، ميزة إستراتيجية إضافية، تعزل العراق عن الخليج العربي. فتقطع مواصلاته البحرية الوحيدة، التي تصله من طريقها وارداته من الأسلحة والمعدات الثقيلة، والتي يصعب وصولها بوسائل أخرى. كما يفصل الهجوم الإيراني الناجح، بين العراق وجارته الكويت، التي يعتمد، جزئياً، على موانئها والطرق المارة بها.

حددت إيران هدفاً رئيسياً للعملية "فجر 8"، الاستيلاء على شبه جزيرة الفاو العراقية، في الطرف الجنوبي لشط العرب. ثم تطوير الهجوم، للاستيلاء على البصرة، بالتعاون مع هجوم من شمالها. والاستيلاء على المنشآت النفطية العراقية في المنطقة، ودعم ثورة شعبية شيعية ضد النظام الحاكم (بتوقع أن يبدأ تمرد شيعي مع بداية نجاح العملية).

استكملت إيران استعداداتها، مع بداية فبراير 1986. وفى التاسع منه، بدأت المرحلة الأولى من العملية بهجومَين رئيسيَّين، ضد الفيلقَين، الثالث والسابع، على الأطراف البعيدة لهما، بغرض تشتيت الجهود العراقية، ومحاولة فصلهما. لذا، وجهت هجومها الشمالي ضد ثلاثة قطاعات.

الاتجاه الأول، كان ضد نقطة الاتصال بين الفيلقَين، على أمل أن تكون منطقة ضعيفة، أو خاليه من المواقع الدفاعية. إلا أن الواقع كان عكس ذلك؛ إذ توقع العراقيون أن تكون نقطة الاتصال تلك أحد محاور الهجـوم الإيراني؛ فالمعتاد أن تكون نقاط الاتصال نقاط ضعف في الدفاعات، وتكون هدفاً للاختراق من المهاجِم. لذا، عُززت تلك النقطة بمَواقع دفاعية حصينة، وخطة نيران قوية، استطاعت هزيمة الموجات البشـرية الإيرانية، موجة تلو الأخرى، على مدى ثلاثة أيام، قبْل أن يتوقف الهجوم الإيراني، متكبداً خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات.

أمّا الاتجاه الثاني للهجوم الشمالي، فكان جنوب القرنة، في محاولة لقطع الطرق الشمالية للبصرة. وكلفت به وحدة مدرعة، مدعمة (مجموعة قتال مختلطة من الدبابات والمشاة الآلية) لاستغلال الأراضي الجافة الصالحة لتقدم الدبابات، والتي تركها العراقيون تقترب، في الأرض المكشوفة، من المواقع العراقية، قبْل أن يتبادلوا معها الرمي من مسافات قصيرة، معتمدين على تفوّقهم العددي في الأسلحة بالمَوقع المواجِه للهجوم وخبرة رجاله، وتكبدت القوة المهاجمة خسائر فادحة، وصلت إلى 4 آلاف مقاتل.

ولم يكن الاتجاه الثالث، في اتجاه جزر مجنون بغية استردادها، بعد نجاح العراق في تحريرها، أكثر نجاحاً. فلقد تمكنت القوات العراقية من احتوائه، وكبدته، كذلك، خسائر كبيرة. وانتهت الهجمات الشمالية الثلاث، في 14 فبراير، بفشل الهجوم على جزر مجنون.

أثناء الهجمات الإيرانية الشمالية، التي يبدو أنها كانت هجمات ثانوية، ذات أهداف محدودة، استغل الإيرانيون هطول الأمطار، ليلة 10-11 فبراير، في شن هجوم برمائي على الفاو.

وقد تمكن ذلك الهجوم، الذي شنه جزء من القوات المعدَّة للعملية، بمساندة من مجموعة القتال البرمائي (ضفادع بشرية)، من الاستيلاء، أولاً، على جزيرة أم الرصاص، جنوب خورمشهر، التي كانت خالية من القوات المدافعة، وتقدم الإيرانيون في اتجاه الفاو، فواجهوا مقاومة عنيفة من العراقيين، أعقبها هجوم مضادّ بالدبابات، تحت ستر نيران كثيفة للمدفعية، لم تتمكن القوات المهاجمة من صدّه؛ إذ افتقرت إلى العنصرَين المهمَّين، الدبابات والمدفعية، في تلك المنطقة، وأجبرت على التراجع، واسترد العراق جزيرة أم الرصاص، في 12 فبراير.

وجهت إيران هجوماً ثانياً، جنوب أم الرصاص، في مواجَهة عبدان، عند منطقة السيبة، حيث لم يكن للمَواقع العراقية المواجِهة، عمق يذكر، بينما تنتشر بمواجهة كبيرة. وأمكن هذا الهجوم أن يحقق نجاحاً، استُغل في دفع عناصر من المهندسين العسكريين إلى إنشاء كوبري عائم على شط العرب، في منطقة الاختراق، عند السيبة، واستخدامه في تدفق القوات إلى رأس الشاطئ المقابل، إلى جانب النقاط الست للمعابر البرمائية (بالقوارب)، التي أمكن تشغيلها، لتتجمع فِرقة إيرانية كاملة، بسرعة، على الأرض العراقية، شمال الفاو، انتشرت، من الفور، على مواجَهة واسعة.

كانت القيادة العراقية لا تزال تحت تأثير الهجمات الشمالية، التي نجحت القيادة الإيرانية في خداع العراق وإيهامه بأنها الهجوم الرئيسي، فجمعت احتياطياتها في منطقة القرنة، شمال البصرة، استعداداً لتوجيه الضربات المضادّة. وإمعاناً في الخداع، قصفت المدفعية الإيرانية البصرة، بكثافة، أثناء الهجمات الشمالية، مما ساعد على ثبات العراقيين على اعتقادهم الخاطئ باتجاه الهجوم الرئيسي، وإبقائهم لاحتياطياتهم في

الشمال. وأتاح ذلك فرصة ذهبية للإيرانيين للتوغل في شبه جزيرة الفاو، وتطوير الهجوم الناجح، والتقدم بسرعة، ودفع المزيد من القوات، قبْل أن يدرك العراقيون أخيراً ثقل الهجوم الجنوبي وخطره. فقد فقَد العراق اتصاله مع الخليج العربي، وبقيت مواصلاته مع الكويت مهددة بوصول القوات الإيرانية إلى خور عبد الله، في مواجَهة الكويت، وهدد الإيرانيون ميناء أم القصر العراقي، الرابض خلف جزيرة وربة الكويتية، على مسافة 16 كم، غرب الفاو. كما استولت القوات الإيرانية على مركز القيادة والسيطرة والإنذار، التابع للقوات الجوية العراقية، في شمال الفاو، والذي كانت راداراته تغطي مدخل الخليج العربي، وتوجه الطائرات العراقية ضد الأهداف المعادية، جنوب الفاو.

بعد أسبوعين تقريباً من الغزو الإيراني لمنطقة الفاو العراقية، كانت الخسائر الإيرانية قد تعدت عشرة آلاف قتيل، إضافة إلى ضَعْفْ القوة الدافعة للقوات الإيرانية، واستهلاك الاحتياطيات، إذ بات من الصعب أن تدفع قوات تطوير لاحتلال مناطق جديدة. كما أنها كانت لا تزال تخشى الخروج إلى المناطق المفتوحة، حيث تتعرض للهجمات المضادّة للدبابات العراقية المتفوقة، التي تساندها القوات الجوية مساندة مؤثرة. وقد دفع ذلك الموقف القيادة الميدانية الإيرانية إلى التمسك بالمناطق التي وصلت إليها في الفاو والسيبة وما بينهما، والتحول إلى الدفاع على تلك الخطوط المكتسبة.

على الجانب العراقي، كانت الخسائر قد وصلت إلى خمسة آلاف قتيل. إلاّ أن احتياطيات القوات العراقية كانت لا تزال قوية، فدفعتها إلى الانتشار في المنطقة، لدعم العمق الدفاعي، الذي لا يزال صامداً. وتدريجياً، تمكنت من احتواء القوات الإيرانية، في شبه جزيرة الفاو، وبدأت تعد العدة لطردها بشن هجمات مضادّة قوية.

أعدت القيادة العراقية الميدانية قوات الهجوم المضادّ، وقسمتها إلى مجموعات قتالية، كل منها تضم لواء مدرعاً أو آلياً مدعماً بعناصر إسناد مختلفة. وخصصت لكل مجموعة محور عمل مستقلاً، ودفعتها إلى مهاجمة القوات الإيرانية المتوقفة على خطوط دفاعية، جهزت على عجَل، مما يجعلها هدفاً ملائماً للهجمات العراقية المضادّة. ثم رأت القيادة العراقية زيادة حجم القوات، لتصل إلى مجموعة فِرقة (أي 2 ـ 3 أضعاف القوة المخصصة من البداية)، وتركيزها في ثلاثة محاور، مركزي وشمالي وجنوبي.

تقدمت الأرتال العراقية الثلاثة على محاورها، حريصة على التحرك على الطرق فقط؛ إذ يصعب على المركبات المدرعة والدبابات والعربات، المناورة خارج الطريق، حيث الأرض رخوة، ورملية مشبعة بالأملاح. وهو ما أضعف من قوة الهجوم الضخمة، وحدّ من فاعليتها؛ فقد بات عليها الاقتصار على قوة نيران الوحدات الأمامية، مع تعرضها لنيران الأسلحة الإيرانية المضادّة للدبابات. وأدى ذلك الموقف إلى توقف الرتل الشمالي أمام المَواقع الإيرانية، جنوب أم القصر، التي بدأت تتطور بسرعة، من الدفاع العاجل إلى دفاع مجهز جيداً بمرور الوقت. وكان يستخدم طريق شط العرب/ أم القصر، كمحور أساسي لتحركه.

وتقدم الرتلان الآخران على الطريق الجديد، عبْر المنطقة الصحراوية، الذي أُنشئ في العام السابق، لتستخدمه الاحتياطيات، ليحقق لها سرعة التحرك إلى شط العرب، بعيداً عن مراقبـة ونيران القوات الإيرانية، شرق شط العرب. واضطر الرتل المركزي إلى التوقف، كذلك، أمام المَواقع الإيرانية، التي حشدت كمّاً كبيراً من المدفعية والأسلحة المضادّة للدبابات، التي أجبرت الدبابات العراقية على التوقف، وأوقعت بها خسائر كبيرة. أمّا الرتل الجنوبي، فقد استطاع التقدم على محور فرعي موازٍ لساحل خور عبدالله الشمالي. وعلى الرغم من تقدمه النسبي، إلا أنه لم يتمكن من الخروج عن الطريق، والقتال في الأرض المفتوحة، حيث تحولت الأرض الرخوة، بفعل الأمطار، آنئذٍ، إلى أوحال يصعب التحرك خلالها. وأدى التزام الرتل بالتحرك الطولي على الطريق، إلى تعرّضه لخسائر جسيمة، نتيجة لتكدس قواته على الطريق، إضافة إلى حماسة الإيرانيين للقتال، حفاظاً على مكاسبهم غير المتوقعة، وتوافر الأسلحة والذخائر لديهم.

استمرت المحاولات العراقية للاختراق من الجنوب لمدة أسبوع آخر، أحرزت، خلاله، تقدماً محدوداً جداً، بينما خسرت خمسة آلاف قتيل وجريح جدد. وتمكنت القوات الإيرانية، بمرور مزيد من الوقت، أن تزيد تجهيز قواتها وتحصينها على الخطوط الدفاعية، لتتمكن من صدّ الهجمات العراقية، التي زاد موقفها سوءاً الأحوال الجوية السيئة، التي حرمتها من مساندة قواتها الجوية، خاصة الطائرات العمودية المسلحة، والمدفعية القوية. في حين استثمرت إيران الوقت في جلب قوات أخرى، وإمدادات من الأسلحة والمعدات، من الشرق عبْر الكباري القائمة على شط العرب.

عاود العراق محاولاته لاسترداد الفاو، فغيّر قيادات المجموعات الثلاث. كما استغل تحسّن الأحوال الجوية، ومهد بقصف نيراني كثيف، بإشراك المدفعية الصاروخية. وشاركت قواته الجوية في قصف الأهداف الإيرانية، في عمق المَواقع في الفاو. قبل أن يطلق العنان لقواته المدرعة، تسبقها المشاة، في مجموعات لاقتحام المَواقع الإيرانية بنجاح، لتسقط تحت عنف القصف العراقي، وقوة الهجوم المضادّ، الذي شارك فيه أكثر من 200 دبابة، كانت تعاون المشاة العراقية على اقتحامها للمَواقع الإيرانية، بنيران مباشرة، ورماية على الأهداف البعيدة نسبياً، لعزل المَواقع المقتَحمة، واحداً تلو الآخر.

مني العراق، على الرغم من نجاحه المحدود في هجماته المضادّة، بخسائر كبيرة في المعدات والأفراد؛ إذ فقد ما يعادل كتيبتَي دبابات، خلال الهجوم المضادّ الثاني، الناجح نسبياً (23 ـ 24 فبراير). ثم عاد ليفقد، كذلك، عدة كتائب أخرى من المشاة والدبابات، في هجومه، يومَي 9 و10 مارس، الذي شنه بشكل غير منظم، عبر المسطحات المائية وحاول تعزيزه بدفع لواءَين مدرعَين، في 11 مارس (اللواء 28 واللواء 70)، اللذَين تعرّضا لخسائر جسيمة. وأسفرت هجمات الأيام الثلاثة عن كسب تقدم، لم يزِد على 7 كم.

وصل حجم القوات للطرفَين، في منتصف مارس، إلى حجم كبير. فقد كانت القوات الإيرانية نحو 20 ألف جندي، والقوات العراقية حوالي 25 ألف جندي، في مَواقع يواجه بعضها بعضاً، وعلى مسافات قصيرة، من دون أن يكون لأيهما القدرة على استئناف هجومه، حتى إن القوات العراقية وقفت ساكنة، عندما خرجت القوات الإيرانية من خنادقها، في 20 مارس، محاولة تحسين أوضاعها، الذي لم يزِد على تغييرات بسيطة، غير مؤثرة بشكل عام، قبْل أن يسود الجمود الموقف، مرة أخرى، في شبه جزيرة الفاو، ويستمر حتى بداية عام 1988.