ابن وهب الكاتب

ابن وهب الكاتب (ت. 335 هـ/947م)، هو أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم بن وهب الكاتب، نحوي ناقد ومؤلف عربي، وصاحب البرهان في وجوه البيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

محاولاته المبكرة في إعادة صياغة التراث البياني العربي

البرهان في وجوه البيان، تأليف ابن وهب الكاتب. لقراءة الكتاب، اضغط على الصورة.

اعتبر ابن وهب الكاتب في الدراسات الأدبية المعاصرة نموذجا متميزا في درس البيان العربي ينضاف إلى البلاغي المشهور أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المؤسس الأول للبيان العربي في الطرح الأدبي والرائد الأول لهذا الدرس، كلاهما حاولا التنظير للبيان العربي و لأنواع الدلالات البيانية، لكن كلا على طريقته و حسب متطلبات عصره.[1]


مرجعيات البيان في مشروع ابن وهب الكاتب

أثًرت مكتسبات ابن وهب الثقافية والعلمية في إعادة صياغة البيان العربي، إذ هو الفقيه الشيعي الإمامي الذي "جمع إلى علمه بالأدب وروايته، علمه بالتأويل وبالفقه وأصول التشريع والمنطق والفلسفة اليونانية"، ورغم زخمه المعرفي وإطلاعه الواسع على المنطق لم يتمتع بشهرة كالتي تمتع بها معاصراه، "قدامة بن جعفر" و"عبد الله بن المعتز"، حيث سكتت المراجع عن التعريف به وبكتابه قديما وحديثا، ولم يتسن للدارسين الكشف عن علمه إلا في عهد قريب، ووقتها اعتبر بثقافته الواسعة، ثاني اثنين يمثل علامة دالة على دخول "الغارة الهيلينية" على البيان العربي في القديم، وفي القرن الرابع بصفة خاصة.

إن ابن وهب عاش في عصر عُرف بالنهضة في الإسلام، وفي زمن نبع فيه ثلة من العلماء فهو:

1- عصر الصدام بين النحاة والمناطقة، مثله النحوي الكبير أبي سعيد السيرافي (ت 368) والمنطقي الشهير متى بن يونس (ت 328)، أجريت بينهما مناظرة مشهورة قال في ختامها الوزير ابن الفرات لأبي سعيد يهنئه "عين الله عليك، لقد نديت أكبادا وأقررت عيونا وبيضت وجوها وحكت طرازا لا يبليه الزمان".

انعكس بعض هذا الصدام في مشروع ابن وهب، وهو صدام آت من نظامين مختلفين حددهما "محمد عابد الجابري" في النظام المعرفي البياني الذي ينطوي تحته النحاة، والنظام المعرفي البرهاني المتضمن لأهل المنطق؛ أدى تمكنُ ابن وهب إلى الجمع بين النظامين مستعينا بالأول في مضمون البيان ومادته، وبالثاني في المنهج والتبويب والتفصيل والتقسيم ويظهر مسلكه جليا في مقدمة كتابه "البرهان في وجوه البيان" من خلال قوله "وقد ذكرت في كتابي هذا جملا من أقسام البيان، وفقرا من آداب حكماء أهل هذا اللسان، لم نسبق المتقدمين إليها، ولكن شرحت في بعض قولي ما أجملوه، واختصرت في بعض ذلك ما أطالوه، وأوضحت في كثير منه ما أوعروه، وجمعت في مواضع منه ما فرقوه، ليخفّ بالاختصار حفظه، ويقرب بالجمع والإيضاح فهمه" ولشدة حرص ابن وهب على متطلبات المرحلة المنهجية ختم كتابه قائلا " وقد انتهينا إلى الغرض فيما أردنا أن نتكلم فيه من أقسام البيان، وتوهمنا أن قد سلكنا من الإطالة له بعض ما لعله يُظن بنا مخالفة لما وعدنا به في أول كتابنا من الإيجاز، ولم آت في كل فصل إلا بأقل ما يمكن أن يؤتى به. وإذا نظرت في كل باب منه و جدتنا قد اختصرناه، وإنما طال الكتاب لكثرة فنون القول وأقسامه، واختلاف معاني البيان وأحكامه، لأنا لم نحب أن نحل بشيء منه حتى ندل عليه، ونشير إليه"20.

2- عصر ثبَتتْ فيه الثقافةُ اليونانية و علومُها أقدامها و ذلك باستيعاب "العقول العربية ما تناقلته الأجيال من ذلك التراث الأجنبي و خاصة منه الأرسطي" وتظهر بوادر هذا الاستيعاب في:

أ- ترجمة متى بن يونس لكتابي "الخطابة" و"الشعر" لأرسطو.

ب- ترجمة يحي بن عدي (ت364) ترجمة جديدة للمنطق الأرسطي.

ج- تقريب الفارابي المنطق من الذهنية العربية.

د- استعانة قدامة بن جعفر بالثقافة اليونانية في تأليف "نقد الشعر".

سهل هذا الاستيعاب وجود ترجمات أسهمت في نشر الثقافة اليونانية و خاصة منها الأرسطية إلى جانب الثقافة الأصولية التي تمتع بها ابن وهب وأحال عليها كثيرا في مؤلفه البرهان، مما يدل على استنارة عقله بالمعرفة التي واكبتها عناية المنطق في التحليل.

3- عصر، اشتغل فيه المتكلمون و في مقدمتهم "المعتزلة" بقضية "الإعجاز القرآني" أدى هذا الاشتغال إلى نضج التفكير النظري و خاصة منه العقدي و ذلك باحتداد الحجاج العقلي ودخول الثقافة الإسلامية في "حوار مباشر مع بعض الثقافات الأجنبية وإن ظل هذا الحوار مقتصرا على فئة قليلة جدا". فقد صرف هذا النضج الفكري فئة المتكلمين والبلاغيين إلى تحليل مظاهر الإعجاز في القرآن الكريم و"التحقوا بسبب ذلك بزملائهم اللغويين والفقهاء والأصوليين الذين انشغلوا منذ البداية، بوضع قوانين لتفسير الخطاب البياني، وبكيفية خاصة الخطاب القرآني الذي يمثل أعلى مراتب البيان". عاد هذا الانشغال بالفضل الكبير على ابن وهب الذي استطاع بحذقه و فطنته إتباع منهج في التحليل وطريقة في التفكير تحفظ التراث البياني و تعيد صياغة البيان الصياغة العلمية.

أثر مرجعيات ابن وهب الكاتب في مشروع البيان

1- الشمول المعرفي:

انطلقت نظرة ابن وهب للبيان من منزعين اثنين المنزع الأصولي، من جهة استفادة ابن وهب من تعريف الإمام الشافعي للبيان "والبيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول متشعبة الفروع" الذي قفز به في الفكر العربي الإسلامي –آنذاك- قفزة نقلته من مستوى المواضعة اللغوية الجارية إلى مستوى المصطلح العلمي".

استغل ابن وهب هذا المفهوم المجرد للبيان، موظفا إياه في منهجه العلمي المنطقي وهو يعيد صياغة البيان العربي للانتقال به في بيداغوجية التأليف عند العرب من الطرح الموسوعي إلى الطرح العلمي الدقيق الذي تطلبته المرحلة.

نتج عن هذه الصياغة إشراك جميع وجوه البيان التي تفطن لها علماء الأصول وتبنى بعضها الجاحظ في كتابه البلاغي المشهور "البيان والتبيين " لكنه سرعان ما تخل عنها، واقتصر على وجه واحد تمثل في دلالة اللفظ، وهذا ما سعى ابن وهب في استدراكه بعد درسه للبيان و التبيين.

إن التراجع الذي أحدثه الجاحظ في مفهوم البيان ترك ابن وهب يستدرك الناقص فيه، مستفيدا من طروحات البيانيين السابقين له وفي مقدمتهم الجاحظ الذي اشتهر فيه برؤيته البيانية اللغوية التي تهتم باللفظ اهتماما بيانيا متفاوتا أي بلاغيا فأفرط في الاهتمام بالسامع بإقحامه وإفحامه، وهذا ما لم يكن من اهتمامات الأصوليين الذين حُصر درسهم في فهم النص القرآني واستنباط أحكامه الشرعية بناء على قاعدة الأصل والفرع بعيدا كل البعد عن السامع ومتطلباته.

هكذا تصور ابن وهب مشروعه البياني، مستغلا المنزعين المذكورين في مسألتي "الفهم والإفهام" أو "الظهور والإظهار" أو "البيان والتبيين" فاستدرك ما ضُيَق بعد اتساع وأعاد للبيان تنوعه الوظيفي الذي انعكس بوضوح في مفهوم البلاغة ومجالاتها.

يعود فضل ازدهار درس البيان إلى الأطروحات التي مزجت بين الحقول المعرفية التي برزت آنذاك: الأصولية والمنطقية والطائفية، شكلت كما يرى الجابري في جملتها مرجعيات ابن وهب العلمية والثقافية، جمعها ذهنه وصاغ على إثرها بيانا نتلمس فيه شرح الشافعي له "عالم من الأفكار تتضمنه أصول، تتشعب عنه فروع، وتعبر عنه لغة معينة ذات أساليب تعبير خاصة".

إن غوص ابن وهب في هذه المرجعيات واستغلاله إيَاها استغلالا متداخلا متكاملا، فتح له باب الإبداع في طرح موضوع البيان بإعادة صياغته وفق متطلبات المرحلة، فصاغ البيان العربي صياغة علمية جمعت بين الفهم "الأصولي" المستنبط (لقوانين تفسير الخطاب) والإفهام "البلاغي" المنتج للخطاب وفق شروط التبليغ فكان من نتاج هذه النزعة العلمية الاهتمام بمفهوم البيان اهتماما يحرص على شروط المعرفة، والأسباب الموصلة إليها، ووسائل التبليغ والتواصل، التي تعنى بكيفية استنباط المعرفة واستثمارها في الواقع الملموس وهذا ما تحدث عنه كل من الباحثيْن المعاصريْن: "محمد عابد الجابري" و"محمد العمري" عند ما طرحا أبعاد مشروع البيان عند ابن وهب لخصها "محمد العمري" في:

1- استنباط المعرفة عن طريق بياني "الاعتبار" و"الاعتقاد":

تقوم وظيفة هذين البيانين "الاعتبار " والاعتقاد" على وظيفة أساس هي "التفكير والتأمل " تليها وظيفة لا تقل أهمية عن الوظيفة السابقة، حصرها الباحث في" وظيفة الاختزان " التي تفيد الوصول للعلم النافع، يأتي فعلها عن طريق العقل الذي يعني عند ابن وهب "حجة الله على خلقه والدليل إلى معرفته". اهتم ابن وهب بمهام العقل وعدَها من جوهر كلامه و ذلك بتقسيم العقل إلى موهوب "الأصل" ومكسوب " الفرع" وجعل الفرع وسيلة لإبقاء الأصل و تطويره وذلك باستغلال العقل للدليل الخارجي و توظيفه بالوجه اللائق فيرفع الإنسان إلى درجات العلم والمعرفة، بينما معكوسه يُنزل الإنسان منزلة عدم التمييز بينه وبين بقية الكائنات الأخرى، فتزول الوظيفة التي خلق الله لأجلها الإنسان لأنه غير قادر على استنباط المعرفة.

2- تداول المعرفة واستثمارها عن طريق بياني"العبارة" و"الكتاب":

يكون تداول المعرفة بالتعبير والنقل معا، ينطوي التعبير تحت " بيان العبارة "، والنقل تحت " بيان الكتاب " يمثل البيانان في هندسة البيان العربي عند ابن وهب الجزء الثاني من مجالات كسب المعرفة و استنباطها.

عدً ابن وهب "التعبير" و" النقل" من وسائل كسب المعرفة في الجزء الثاني من وجوه البيان، إذ علومهما تعد مرجعيات أساسية يأتي ترتيبها بعد القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف و يشكلان المصدر الهام في فهم نصوص القرآن واستنباط أحكامها، تمثلها علوم اللسان العربي التي تحفظ المنطوق والمكتوب من الكلام، فحفظ اللسان هو حفظ العقل و القلب معا و"الجهل بالعربية جهل بالمعتقد، وللسان خصوصية لا بد من معرفتها حتى يدرك ذلك المراد".

سعي ابن وهب وراء المعرفة جعله يجتهد في تفصيل وسائل هذين البيانين "العبارة" و"الكتاب" فوقف على خصوصيات القول والكتابة في اللسان العربي قائلا " وللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم وجوه وأقسام ومعان وأحكام متى لم يقف عليها من يريد تفهم معانيها واستنباط ما يدل عليها لفظها لم يبلغ مراده ولم يصل إلى بغية، و منها ما هو عام للسان العرب و غيره ومنها ما هو خاص له دون غيره".

عملا بالنزعة العلمية استطاع ابن وهب ولوج درس البيان بتقديم المعارف اللازمة في بعض وجوه البيان بالاستدلال و الإقناع بالوسائل المنطقية و الخطابية كما ارتبط عنده وجه من الوجوه البيانية بتجويد قناة التواصل مثل الكتابة، وبهذا الشكل لم تخرج المرجعيات الأساسية التي اعتمدها ابن وهب عن دائرة المورث العربي الإسلامي الأصيل استغلهاكاتب البرهان منطلقا من كتاب ثمين، عرف الصدارة في البيان العربي إنه " البيان والتبيين " للجاحظ.

كما لم يمنع هذا التشبع المعرفي ابن وهب من وصل الإحالات الأصيلة بإحالات أجنبية يعود إليها ابن وهب كلما سنحت الفرصة خاصة ما تعلق منها بالثقافة الأرسطية، ويبقى موقع هذه الإحالة و غيرها من إحالات أرسطية أخرى أتى بها ابن وهب لتعزيز ثقافة العرب والمسلمين و بيان مكانتها في مختلف سياقاتها، ونكتفي بصياغته القائلة "وقد ذكر أرسطاطاليس الشعر في كتاب الجدل، فجعله حجة مقنعة....." لينهي قوله " .... و قول رسول الله صلى الله عليه و سلم أحق بالتقدمة و أولى بالإتباع ، وقد قال: " إن من الشعر لحكما ".

التأصيل المعرفي

تمثل التأصيل المعرفي عند ابن وهب في المادة البيانية التي تعامل بها أو معها، سواء المادة البيانية التي فكر بها ، أو المادة البيانية المستشهد بها.

إن المتمعن في المادة المعرفية التي تعامل بها ومعها ابن وهب استنباطا و تداولا لا تخرج عن دائرة المعرفة العربية الإسلامية التي استغلها ابن وهب استغلالا علميا من" قرآن ، حديث، أقوال الصحابي علي بن أبي طالب، أقوال الإمام الشيعي أبي جعفر الصادق، فقه، نحو,أدب بنوعيه "المنظوم والمنثور" وكلام حكماء العرب".

التصميم المنطقي المنظم

استعان ابن وهب بما واكب معرفته من منطق داخلي فقدم في البيان دراسة منظمة تعتمد على بناء الموضوع على أصول و فروع و بطريقة تقريرية ، طريقة الأصوليين من فقهاء ومتكلمين ، و ليس بالطريقة التي اعتمدها الجاحظ في بيداغوجيته البيانية بسبب اهتمامه المفرط بالسامع.

إن التصميم الذي اتبعه ابن وهب كان نتيجة متطلبات المرحلة التي سعى على إثرها ابن وهب لتحويل بيداغوجية الكتابة و التأليف من التنويع في الموضوعات " موسوعة الطرح " و " الترويح على السامع" ، إلى اعتماد عرض الفكرة و تقريرها بخطاب استدلالي.

نتلمس في إتباع ابن وهب هذه البيداغوجية، جانبا من تأثره بالنزوع البرهاني، و لعل عنوان كتابه ' البرهان في وجوه البيان" لأوضح دليل على نزوعه هذا المنزع في رأينا؛ كما ترتب عن هذا النزوع هندسة المادة البيانية و عرضها في شكل وجوه أربعة (الاعتبار ، الاعتقاد ، العبارة و الكتاب ) تقوم على الاستدلال والإقناع، بطريقة تسير من الكل إلى الجزء ، و من المشترك إلى الخاص، يمكن تلخيص محاورها بتشجير46 يبرز كل الجزئيات و التفاصيل الصغيرة في موقعها الطبيعي47 .

و بهذا يكون ابن وهب بوعيه العميق و إطلاعه الواسع قد أفادنا إفادة كبرى في إحصاء رؤوس المسائل البيانية ، و تقسيمها إلى أنواع "ففلسف الأدب بطريقته و أحيا أقسامه و حدد كل قسم منها تحديدا منطقيا على وجه سليم من الناحية المنطقية ، و من حيث التبويب و استيفاء الأقسام مما لا نكاد نرى له نظيرا في كتاب الجاحظ "48 دون أن يلحق بمصنفه " البرهان في وجوه البيان " عند التأليف أي نوع من الجفاف في الأسلوب لأن ابن وهب انحدر من قوم تتأصل فيهم صناعة الكتابة.

مشروع البيان في ظل المرجعيات

حاول "ابن وهب" أن يوظف حصيلته الثقافية في قراءة "البيان العربي بطريقة" لا يقحمها و لا يشرع لها ، و لا يطبقها ، و إنما يسـتأنس بها في الفهم و التفهيم " و يظهر ذلك عندما قام بإجراء منهجي إزاء البيان عند الجاحظ و ذلك بإعادة النظر في البيداغوجية البيانية الجاحظية ، و هو الفعل نفسه قام به معاصر له "قدامة بن جعفر " إزاء البلاغيين في قضية الشعر عندما ألف "نقد الشعر" و يعد فعل كل من ابن وهب و قدامة بن جعفر مطلبا من متطلبات القرن الرابع للهجرة في المستوى المنهجي أملته المرحلة آنذاك.

إن ثقافة ابن وهب و فعله ، أديتا ببعض المحدثين من أمثال "بدوي طبانة ،أحمد مطلوب، محمد العمري ، محمد عابد الجابري ، عباس أرحيلة و غيرهم " إلى إنصاف هذا الرجل الذي درس البيان دراسة مستوعبة عميقة ممعنة اهتدى بها إلى ما حوى كتاب البيان والتبيين من دقائق البحث في أصول البيان بعامة و الأدب بخاصة فجاء مصنفه البرهان في وجوه البيان " يحمل أصداء الثقافة المعاصرة له ، و يشكل خطوة في دراسة البيان العربي دراسة علمية ، و يذكر بعض أراء أرسطو خاصة و يفتح صدره لاستقبال الثقافات الأجنبية عامة " دون أن تهيمن عليه الغارة الهيلينية التي أدعى "طه حسين" تأثيرها في البيان العربي القديم ، و بالضبط في القرن الرابع للهجرة، و ذلك يوم أن حقق طه حسين كتاب البرهان في وجوه البيان مع عبد الحميد العبادي معتقدا كل منهما أنه "نقد النثر" العائد لقدامة بن جعفر ، و لم يكتف طه حسين بهذا فحسب بل ختم التحقيق بحكم خطير ألصق بمصنف " البرهان في وجوه البيان" باعتبار المرجعية في البيان العربي سلطتها أجنبية يكون فيها " أرسطو المعلم الأول ليس فقط في الفلسفة و إنما أيضا المعلم الأول في علم البيان"، ترك هذا الفعل ، أثرا سلبيا بالغا في الدرس البياني عند المحدثين ، من أثره تأنيب شوقي ضيف لابن وهب و التطاول عليه بقوله " و كأنه يريد أن يقول أن البحث في البيان ليس من شأن المتكلمين من أمثال الجاحظ و إنما هو من شأن المتفلسفة الذين استوعبوا استيعابا دقيقا كتابات أرسطو في المنطق و الجدل و الشعر ".

لكن استمرار البحث باجتهاد الدارسين و الباحثين المعاصرين رد اعتبار جهود الرجل الذي جمع بين الأدب, العلم و الثقافة الأجنبية " و لم يعرب لحظة عن انبهاره بالتراث الهيليني ، و لا فكر أن يكون مشروعه استجابة له ، أو استلهاما له ، أو إعجابا به "؛ و منها مكانة البيان العربي الأصيل.

حقيقة استفاد ابن وهب من جملة الحقول المعرفية بما فيها الثقافة الأجنبية التي طعمها بالروح العربية الإسلامية الأصيلة، و منح بهذا الفعل منها منح الريادة في مشروع البيان ،بحسبه متم هذا المشروع الذي بنى صرحه كل من الإمام الشافعي و الجاحظ، شكلا الاثنان أصول المشروع البياني العربي ليكمل ابن وهب مشوارهما في مرحلة النضج المعرفي الذي واكبته ثقافة منطقية ." و إذا كان ابن وهب ارتبط صراحة بالجاحظ و بالتالي بالبلاغيين و المتكلمين فان حضور النحاة و الأصوليين الفقهاء في مشروعه ، حضور قوي مضمونا و شكلا. أما المنطق ، منطق أرسطو فهو حاضر فعلا و لكن لا " كمؤسس " و لا "كموجه" بل فقط كـ "آخر" يساعد حضوره على الوعي بـ "الأنا" إنه " الضد " الذي يتميز به البيان.

المصادر