ابن هندو

أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن هندو (335-423هـ/946-1031م) من أكبر فلاسفة شرقي الدولة العربية الإسلامية في القرنين الرابع والخامس الهجريين، وهو أديب وشاعر أيضاً. عاصر البيروني وابن سينا وابن العميد.

ولد ابن هندو في مدينة قم الإيرانية، ونشأ بالري، ومات في أَستراباد، ويرجح معظم المؤرخين أنه كان من أصل عربي، وقد نشأ ابن هندو في أسرة كريمة ذات مكانة اجتماعية عالية في الرَّي وقم. تلقى علومه الأولى في اللغة، والآداب، والتاريخ، والفقه والعقيدة الإمامية في مدينة الري، وفي سن السابعة عشرة تقريباً غادرها إلى مدينة أرجان حيث عمل في خدمة عضد الدولة البويهي كاتباً للإنشاء في ديوان الدولة الذي كان يترأسه عمه أبو محمد بن هندو، وقد ظهر ابن هندو إبان زيارة المتنبي لعضد الدولة عام 354هـ.

كان هدف ابن هندو الطموح أن يصل يوماً لمنصب الوزارة، ولهذا فقد سخَّر كل قدراته العقلية وأدبه وشعره في خدمة هذا الهدف، وتنقل من أجل هذا بين الملوك والأمراء ونواب السلطان سعياً وراء هذا المنصب.

ومن المرجح أن يكون أبو الفرج بن هندو قد ترك أرجان إلى الري سنة 369هـ. بإيعاز من عضد الدولة، أو أنه رغب في مرافقة الصاحب بن عباد إلى الري عقب زيارته لعضد الدولة. وفي الري تتلمذ ابن هندو في الأدب والشعر والكتابة على الصاحب بن عباد الذي اكتشف مواهبه، فقربه إليه ورفع من مكانته، وأغدق عليه النعم.

توجه ابن هندو نحو عام 372/373هـ إلى نيسابور حيث أمضى نحو عامين في دراسة الفلسفة والمنطق على أكبر فلاسفة العالم الإسلامي في ذلك الوقت الفيلسوف أبي الحسن محمد ابن يوسف العامري (ت 381هـ)، ثم توجه عام 375هـ إلى بغداد حيث درس الطب على يد واحد من أبرز الأطباء في ذلك العصر وهو ابن الخمار أبو الخير الحسن بن سوّار (ت 407هـ)، وأتم دراسته في بغداد نحو عام 380هـ فغادرها عائداً إلى نيسابور والتحق بخدمة شمس المعالي قابوس بن وشمكير.

كان ابن هندو في هذه الفترة واحداً من الشعراء والأدباء والفلاسفة والأطباء الذين ازدان بهم بلاط الأمير شمس المعالي قابوس (366-403هـ) راعي الأدباء والفلاسفة حاكم طبرستان وجرجان، وكان هذا الأمير شاعراً وكاتباً بليغاً ترك رسائل كثيرة، ورعى ابن سينا، وأبا الريحان البيروني، وقد التقى ابن هندو في هذه البلاط البيروني.

كان ابن هندو شاعراً فذاً بلغ ديوانه ثلاثين ألف بيت. ومن أشعاره قوله:

أطال بين البـلاد تجـوالي     قصور ما لي وطول آمالي
إن رحت عن بلدةٍ غدوت إلى أخرى، فما تستقر أحمالي
كأنني فكـرة المـوسوس لا تبقى مدى لحظة على حالي


كان ابن هندو في آخر حياته كثير الترحال بين البلاد باحثاً عن وظيفة تليق به يسد منها حاجته إلى المال فعمل في خدمة والدة مجد الدولة في قزوين والري، وأخيراً استقر في أستراباد وتوفي فيها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مؤلفاته

في الطب

مفتاح الطب

في الطب، أشهر مؤلفاته كتاب «مفتاح الطب» الذي حققه الدكتور مهدي محقق وطبع في إيران عام 1989. يتضمن هذا الكتاب مادة فلسفية ومنطقية كبيرة وقيمة، وهو يتألف من عشرة أبواب؛ خصص ابن هندو الباب الأول للحديث عن الحث على تعلم الصناعات عموما وتعلم صناعة الطب خصوصا، وفيه اعتبر الطب أهم الصناعات عندما عبر عن ذلك بقوله: "والطب من جلائل الأمور والصناعات، فأخلق بالإنسان أن يرغب فيه، ويهش لاقتنائه والله المعين".

أما الباب الثاني ففيه إثبات صناعة الطب وقد انتقد قول من قال ببطلان هذه صناعة بحجة أن كثيرا من المرضى يقضون بسبب أخطاء الأطباء، أو لأن الطب صعب تحصيله، يقول في ذلك: "وأما الذين أنكروا وجود الطب استصعابا لمرامه واستبعادا أن يتوصل الإنسان إلى معرفته، مع دقته وغموضه" فهم رعاع لم يقفوا على قدر ما وهب الله تعالى للإنسان من قوة العقل المسيطرة على كل قوة المتغلغلة إلى كل خافية فهلا قالوا مثل ذلك في الصناعات التي هي أغمض من الطب والتي هي عين السحر وعدل الإعجاز كالتنجيم الذي يتضمن معرفة أبعاد الكواكب ومقادير أجرامها وأفلاكها وكيفية أفعالها وحركاتها".

ثم تعرض ابن هندو في الأبواب الثلاثة التالية بالحديث عن تعريف الطب وشرفه وأقسامه، ويشير هنا إلى أنه يعتبر الطب أفضل الصناعات، وعبر عن ذلك بقوله: "إن الطب أفضل الصناعات كلها، وبيان ذلك على وجهين: أحدهما مقدار هذه الصناعة، والآخر نبلها في غرضها الذي تقصد إليه. وذلك أن الصحة أمر لا يمكن دونه فعل شيء من الأفعال الجميلة ولا الوصول إلى شيء من الأشياء اللذيذة، وليس للناس شيء آخر ثالث يطلبونه ويحتاجون إليه، بل جميع ما يتقلب فيه الناس لتدبير أمر دنياهم ومعاشهم داخل هذين الجنسين. فإذن هي أفضل الصناعات إذا كانت حافظة للصحة التي بها يتوصل إلى الغرض الأقصى".

وقد خصص الباب السابع للحديث عن الطرق التي بها استنبطت صناعة الطب، وفيه استعرض ابن هندو مختلف الآراء التي تحدثت عن كيفية وجود صناعة الطب، وهو من أنصار الذين يقولون إن الطب استنبطه العقل بأن اتخذ أولا أصولا من الأشياء الواقعة بالاتفاق ثم تدرج منها إلى تحريك الفكر وتسليط القياس. يقول في ذلك: "إن الطب استنبطه العقل بأن اتخذ أولا أصولا من الأشياء الواقعة بالاتفاق والممتحنة بالقصد أو المستفادة من المنامات أو المشاهدة من إلهام الحيوانات، ثم تدرج منها إلى تحريك الفكر وتسليط القياس فقوى تلك الأصول وفرع عليها الفروع".

ثم تحدث في الباب الثامن عما يجب على الطبيب معرفته من العلوم وفيه أكد أنه ليس من الضروري لكل طبيب أن يكون محيطا بكل علوم الفلسفة، بل يقتصر على ما هو مرتبط بصناعة الطب.

في الفصل التاسع تحدث ابن هندو عن كيفية تدريج المتعلم للطب وذكر الترتيبات الثلاثة المستعملة، وتحدث عن مراتب الكتب التي على من يريد تعلم صناعة الطب أن يقرأها. ويشير هنا إلى ضرورة أن يتعلم من يريد أن يكون طبيبا علم الأخلاق. يقول ابن هندو: "ثم ينبغي أن يطالع شيئا من علم الأخلاق، إما على سبيل التقليد، وإما على سبيل البيان القريب، ليطهر نفسه من أوضار الرذائل، ويهيئها لقبول الفضائل، ثم يأخذ في صناعة الطب حتى يستوعبها ويفرغ منها". في الباب العاشر والأخير من كتاب مفتاح الطب، تحدث ابن هندو عن العبارات والحدود الطبية والأقرباذين، وهو جزء هام جدا من هذا الكتاب، وقسمه إلى اثنا عشر فصلا استعرض من خلال هذه الفصول كل التعاريف التي يشملها أو يرتبط بها علم الطب بما فيه الأوزان والمكاييل والأدوية المفردة والمركبة.

ولابن هندو في الطب أيضا مقالة في الفرق، وقد أشار ابن هندو إلى هذه المقالة في كتابه مفتاح الطب، وقال إنه عرض في هذه المقالة المدارس الطبية الثلاث؛ أصحاب التجربة وأصحاب القياس وأصحاب الحيل، ونقد آراء المدرستين الأولى والثانية. وله كتاب الشافي، وهو كتاب مفصل في الطب أشار إليه داود الأنطاكي في كتابه التذكرة.

ولمعرفة أثر ابن هندو ومكانته العلمية، نشير إلى أن أثر ابن هندو في الطب ما قد أشار إليه ابن أبي أصيبعة (579-616هـ/1183-1219م) في كتابه عيون الأنباء، صفحة 429، حين قال عنه: "هو الأستاذ السيد الفاضل أبو الفرج علي بن الحسين ابن هندو من الأكابر المتميزين في العلوم الحكمية والأمور الطبية والتصانيف المشهورة". ومن خلال كتاب ابن هندو الطبي "مفتاح الطب" وخاصة ما ورد فيه في قسم الأقرباذين، فإنه من الملاحظ وبمقارنة النصوص أن كلا من القلانسي (ت. 590هـ/1194م) وداود الأنطاكي (ت. 1008هـ/1600م) قد اقتبسوا من ابن هندو.

وله كتاب «الشافي» وهو مفصل في الطب.

في الفلسفة

مكانة ابن هندو في الفلسفة فقد كانت واضحة في بعض كتابات مِسْكَويَه (00421هـ/00-1030م). حيث اقتبس كتابه "الفوز الأصغر" من مقالة ابن هندو المسماة "مقالة في وصف المعاد الفلسفي". كما يلاحظ وجود تطابق بعض النصوص التي وردت في كتاب "مختار الحكم ومحاسن الكلم" للمبشر بن فاتك مع ما ورد في كتاب ابن هندو "الكلم الروحانية من الحكم اليونانية". وبالرغم من أن ابن هندو كان في الإلهيات والطبيعيات والأخلاق استمرارا لمدرسة أبي الحسن العامري، إلا أن حيوية آراءه تتبدى في اختلافها مع ما ذهب إليه ابن سينا في موضوع النفس الإنسانية وماهيتها.

أما مؤلفاته الفلسفية فهي كثيرة أهمها كتاب «أنموذج الحكمة» الذي يقول في مقدمته: «إن العاقل لا يكلف نفسه مالا تطيق، ولا يسعى فيما لا يدرك، ولا ينظر فيما لا يعنيه، ولا ينفق إلا بقدر ما يستفيد، ولا يلتمس الجزاء إلا بقدر ما عند صاحبه من الاستطاعة».

وله «الرسالة المشرقية» وكتاب «النفس والكلم الروحانية من الحكم اليونانية» وقد طبع هذا الكتاب في دمشق عام 1900، وهو يحتوي مقتطفات من أقوال الفلاسفة القدماء، وتوجد منه نسخة خطية في باريس، ونسخة في مكتبة الفاتح بإصطنبول.

في الأدب

أما عن مكانة ابن هندو الأدبية، فقد تميز شعر ابن هندو برقة الألفاظ وجمال الصور المبتدعة. وقد تناول في شعره موضوعات جدية وهزلية، بعضها في الغزل وبعضها الآخر في الوصف أو الهجاء أو المديح. وقد وصف الثعالبي في تتمة اليتيمة، الجزء الأول صفحة 135، ابن هندو بقوله بأنه: "الأستاذ 00فرد الدهر في الشعر، وأوحد أهل الفضل في صيد المعاني الشوارد00 مع تهذيب الألفاظ البليغة، وتقريب الأغراض البعيدة". وقد وصفه الباخرزي أيضا في دمية القصر بأنه أمير النظم والنثر.

المصادر

  • محمد أحمد. "ابن هِنْدُو (علي بن الحسين ـ)". الموسوعة العربية.

للاستزادة