صاموِل تيلر كولردج

صمويل تايلور كولردج
Samuel Taylor Coleridge
كولردج عام 1795.
كولردج عام 1795.
وُلِد21 أكتوبر 1772
أوتري سانت ماري، دڤون، إنگلترة
توفي25 يوليو 1834
هاي‌گيتس، إنگلترة
الوظيفةشاعر، ناقد، فيلسوف
الحركة الأدبيةرومانسية
أبرز الأعمالصقيع البحار القديم، قبلاي خان
الزوجسارة فريكر
الأطفالسارة كولدرج، بركلي كولدرج، دروانت كولدرج، هارتلي كولدرج

التوقيع

صمويل تايلور كولردج Samuel Taylor Cooleridge (و. 21 أكتوبر 1772 - ت. 25 يوليو 1834)، شاعر إنجليزي رومانسي، من شعراء منطقة البحيرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته المبكرة

ولد صمويل تايلور كولردج في 21 أكتوبر سنة 1772 وكان هو الابن العاشر والأخير لجون كولردج ناظر المدرسة والذي كان عند مولده قسا في أوتري سانت ماري في ديڤونشير وكان جون دارسا للرياضيات المتطورة وعالما باللغتين اليونانية واللاتينية واللغات الشرقية، وهو مؤلف كتاب عن نحو اللغة اللاتينية أما الابن الذي أصبح بعد ذلك يشير إلى اسمه بالأحرف الأولى (S. T. C ) فقد وقع في إسار هذا التراث الذي تعلمه إذ كادت كل فقرة من فقراته تتضمن اقتباسا يونانياً أو لاتينياً. وقد روى - فيما بعد - ما كان عليه حاله من الثالثة إلى السابعة:

«لقد أصبحتُ نكداً شكِساَ رعديدا نمَّاما واشيا، وكان رفاقي في المدرسة يبعدونني عن اللعب معهم وكانوا دائما يؤذونني لذا فلم أسعد بألعاب الصبية ومن ثم عكفت على القراءة باستمرار. لقد قرأت في السادسة من عمري بيليزاريوس وروبنزون كروزو وألف ليله وليلة، فتملكتني الأشباح وأصبحت حالما وأصبحت أعاني انحرافا في صحتي إثر أي نشاط جسماني، وكنت جباناً رعديدا عاطفيا انفعاليا بشكل مبالغ فيه، وكنت كسولا مكروها من الصبية لأنني كنت أستطيع القراءة والهجاء، وكانت لدي ذاكرة قوية وقدرة على الفهم تكادان تنمان عن نضج غير طبيعي، وكنت موضع إطراء وإعجاب من النسوة كبيرات السن، ولذا فقد أصبحت مختالا فخورا، وأصبحت قبل أن أبلغ الثامنة من عمري شخصية (المقصود شخصا ذا سمات خاصة) من حيث الأحاسيس والخيال والزهو والكسل، ومشاعر الاحتقار العميق والمرير لكل من يمر على تفكيري حتى لو كان من المبرزين المشاهير.»


اليوتوپيا وزواجه

پورتريه لصمويل تايلور كولريدج
صورة لصمويل تايلور كولريدج في كنيسة أوتري سانت ماري.

وكان موت أبيه عام 1779 الذي كان الشاعر يحبه بعمق صدمة عنيفة له. وبعد موت أبيه بعامين أُرسل إلى مدرسة خيرية في لندن تابعة لمستشفى يسوع لمواصلة تعليمه. وكانت الوجبات التي تقدمها هذه المدرسة هزيلة وكان النظام فيها صارما، وقد تحدث في أواخر حياته عن العقاب الشائن الذي أنزلوه مضاعفا وبقسوة على صبي شعر أن أسرته قد نسيته. لقد أرادوا له أن يكون قسّا بينما كان هو يرنو أن يكون صانع أحذية. وفي سنة 1830 (في هذا التاريخ كانت ذاكرته - على نحو خاص لا يُعوّل عليها) جُلد، وهو يروي لنا قصة جلده ولم تكن هي المرة الوحيدة، فيقول[1]:

«عندما كنت في الثالثة عشرة من العمر ذهبت إلى صانع أحذية وتوسلت إليه أن أعمل عنده ليعلمني المهنة. وكان رجلا أمينا لذا فإنه سرعان ما دبّر لي لقاء مع بوير رئيس جماعة صانعي الأحذية، فثار غاضبا وركلني، وسألني لماذا أبرهن هكذا على غبائي؟ فأجبته إنني شديد الرغبة في أن أكون صانع أحذية وأكره أن أكون رجل دين، فسألني لماذا؟ فقلت له: الحق أقول لك يا سيدي، إنني كافر وبمجرد أن قلت ذلك لم يسمح بوير بمزيد من الكلام، وجلدني.»

من الواضح أنه اقتطف بعض الفاكهة المحرمة، وربما كان ذلك من كتب إحدى محلات بيع الكتب بشارع الملك (كنج ستريت) ففي هذه المكتبات - كما زعم بعد ذلك - بطريقته التذكارية:

«لقد قرأت في كل الكتب الواردة في الفهرس (المقصود كتالوج المكتبة) وفي كل الكتب الضخام (من القطع الأعظم) سواء كنت أفهم ما أقرأه أم لا، وكنت أغامر بكل شيء للحصول على المجلدين اللذين فرضت على نفسي الحصول عليهما يوميا. لقد كنت مدركا لما يجب أن أكون عليه وأنا في الرابعة عشرة من عمري. لقد كنت محموما دائما (المقصود أنه كان شديد التوق للقراءة). لقد كان كياني كله موجها نحو الانسحاب إلى ركن مشمس لأقرأ وأقرأ وأقرأ، مغمضا عيني عن أي هدف آخر.»

وبطبيعة الحال فإننا نلمح زهواً مبالغا فيه هنا. وعلى أية حال فقد أنجز إنجازا طيبا في مدرسة مستشفى يسوع حتى إن أسرته رتبت أمر إدراجه بين الطلبة المساعَدين (بفتح العين) الذين يعملون ويدرسون في آن واحد في كلية يسوع بكمبردج عام 1971 وهناك حاول دراسة الرياضيات المتقدمة واللغة اليونانية المغرقة في قدمها لقد قرأت پندار ورحت أؤلف الشعر باللغة اليونانية وكأنني كلب مجنون أو بتعبير آخر ككلب مصاب بالسعار، وفي أي وقت فراغ يتاح لي كنت أترجم Anacreon. وتعلمت العزف على الڤيولين.

وعندما نقرأ عن كولردج لابد أن نسمح لأنفسنا بتقبل ما هو عليه من غلو وإفراط. لقد أهمل صحته، وأصيب في سنة 1793 بالحمى الروماتزمية، ولجأ إلى الأفيون لتسكين آلامه، وكان الأفيون في ذلك الوقت شائعا كعقار مسكن لكن كولردج أدمنه، وأبطأت خطاه في المجال الدراسي، وسمح لنفسه بمزيد من الأهتمام بالأمور العامة. وعلى أية حال فقد تجاوز ما سمحت له به أسرته ووقع في الديون وطارده دائنوه وفي جهد يائس للهرب منهم غادر كمبردج فجأة، وفي ديسمبر سنة 1793 تطوع في جيش كان يعد لحرب فرنسا. واشترى أخوه جورج إطلاق سراحه مقابل أربعين جنيها إنجليزيا وحثه على العودة إلى كمبردج. ودبر أمر تخرجه من الجامعة في سنة 1794 دون الحصول على الدرجة العلمية، ولم يزعجه هذا كثيرا لأنه في هذه الأثناء كان قد اكتشف اليوطوبيا (المدينة المثالية).

وكان يعد نفسه لهذا الاكتشاف بتخليه عن عقيدته الدينية، وعقد آماله على السعادة واليوطوبيا (المدينة المثالية) وقد حركت الثورة الفرنسية مشاعره كما كادت تحرك مشاعر كل المتعلمين وغير الماليين في إنجلترا. والآن، في ربيع سنة 1794 وصلته رسالة من صديقه روبرت ألن في أكسفورد مفادها أن طلبة مختلفي المشارب راغبون جدا في إصلاح الأساليب والمؤسسات البريطانية، وذكر ألن أن أحد الطلبة يتميز بالألمعية ويكتب شعرا يحتفى فيه بالثورة الاجتماعية. أيستطيع كولردج أن يذهب إلى أكسفورد للقاء هؤلاء الشباب؟. لقد فعلها كولردج في يونيو سنة 1794.

كان كولردج ممزقا بين أعصاب حية وجَلَد وصَبْر من ناحية، وإرادة مترددة من ناحية أخرى. لقد أحب ماري إيفانز ابنة لندن لكنه جفل من مهمة الإبقاء عليها في ظل أسلوبها المعتاد، أما هي فقد أحبت روحه الثرية المتحمسة لكنها لم تكن واثقة في قدرته على الكسب فابتعدت عنه، فوجد نفسه مستسلما لسارة فريكر فهي رغم بساطتها وإفلاسها يمكن أن تحافظ له على بيته وتنجب أطفالا وإن كانت غير قادرة على إلهامه أشعاره.


صمويل تايلور كولريدج وابنته سارة فريكر-كولريدج - 1830. پورتريه رسم ريتشارد جيمس لان.

وليموّل زواجه المأمول وأحلامه الباقية راح يلقي المزيد من المحاضرات في بريستول محصلا شلنا كرسم دخول (لقاعة الاستماع) (واستمر هذا في الفترة من يناير إلى يونيو 1795)، وكان نشاط هذه الجماعة راديكاليا بشكل طائش: لقد شجبوا الكنيسة القائمة كخادمة للأثرياء، وأنها لاتعرف ربا سوى المالك الإقطاعي وأدوانوا الحرب ضد فرنسا لقمع الثورة وإحداث ردة تاريخية. والتمسوا الأعذار للإرهاب باعتباره رد فعل لحرب بت وأدانوا مراسيم تقييد حرية الرأي كجهود حكومية لكبت إرادة الجماهير. لقد كان ما حصلوه من الأموال قليلا لكنه كان كافيا ليعقد كولردج قرانه على سارة فريكر في مذبح الكنيسة في 4 أكتوبر 1795.

وفي هذا الخريف نفسه التقى لأول مرة بالشاعر وليام وردزورث، ولم يكن وليم ليكبر صمويل بأكثر من عامين لكنه كان قد خَبَر الثورة الفرنسية، لقد كان قد عاين اليوطوبيا معاينة حية معاينة من رأى لا من سمع. وقد شارك الرجل الأصغر منه بعامين الخشية من استعادة البوربون عرش فرنسا، لكنه لم يكن قادرا على العيش في پنسلڤانيا فقد كانت أوربا هي مسرح الصراع الفكري، أما بالنسبة إلى بهاء منطقة سوسكويهانا وجمالها، فلم لا يكتفي قانعا بعظمة البحيرات الإنجليزية وبهائها؟ ولم يكن كولردج مقتنعا تمام الاقتناع لكنه كتب في مذكراته (مجموعة أوراقه) أن يتابع تطور وليم وربما ليتعلم منه كيف يتخطى صعوبات الحياة (يجتاز عواصفها ومنحدراتها) لقد ملأ كثيرا من الأوراق بمعلومات وأفكار كثيرة جمعها من الكتب وممن قابلهم. لقد كان يقرأ قراءات واسعة في مجالات شتى وبشغف في اثني عشر مجالا، لقد قرأ في التراجم وعن الحيوانات والنباتات والعلوم والأديان والفلسفة والأمم والأدب والفكر والفنون. وكان واحداً من أكثر من عرفنا شغفا بالقراءة واستيعابا لما يقرأ وقدرة على التذكر. لقد أصبحت ذاكرته مخزنا يسحب من رصيده حتى نهاية حياته يسحب منه الأفكار والأخيلة والعبارات والأدلة، بل وحتى فقرات كاملة. وكثيرا ما كان يهمل ذكر مصدر معلوماته وربما كان ينسى المصدر سعيدا بهذا النسيان، وكان يخلط دون اهتمام أفكاره بالأفكار التي استقاها من مصادر أخرى. وفي خاتمة المطاف ضاق عقله بهذا المخزون الكبير من المعرفة المتباينة خاصة وأن عقله كان نزاعا للحرية نافراً من الانضباط، لقد كاد المخزن ينهار على المخزون.

وربما رغبة منه في تحرير ذاكرته أو رغبة منه في إطعام زوجته وجدناه يركز على فكرة طبع مجلة وبيعها، وكاد هو أن يكون كاتبها الوحيد، وأجبر معارفه والمستمعين لمحاضراته على الاشتراك في هذه المجلة ووزع عددا محدودا من هذه النشرة التمهيدية حتى يعلم الجميع الحقيقة فقد تجعلنا الحقيقة أحرارا. وفي يوم الجمعة، الخامس من فبراير سنة 1796 تم نشر العدد الأول (بسعر أربعة بنسات) على أن تصدر كل ثمانية أيام بعنوان (المراقب) بقلم س. ت. كولردج مؤلف نداءت إلى الشعب. وهنا - كما هوالحال في محاضراته - كان يتحدث كراديكالي أحرق خلفه كل الجسور، لقد راح يهاجم الحرب والعبودية (الرق) وتعويق حرية الصحافة والنشر، وكان يهاجم بشكل خاص الضرائب على المبيعات لوطأتها الثقيلة على عامة الشعب. لكنه لم يوص بحق الانتخاب العام للبالغين من الذكور أو الإناث. يجب أن تكون لدينا الجرأة بالاعتراف بالحقيقة السياسية فقط لأولئك الذين هم قادرون على استخدام عقولهم والإقناع بما هو منطقي، ولا نعترف بها أو نقرها للغالبية الجاهلة المحتاجة التي تحركها بالضرورة عواطفها المهتاجة. ووجد كولردج أنه من غير المحتمل أن يكتب اثنتين وثلاثين صفحة كل ثمانية أيام إذ راحت هذه الصفحات - بشكل متزايد - تمتلئ بكتابات غرباء لم يكونوا دائما معروفين. واحتج بعض القراء المتابعين للمجلة وقل التوزيع وارتفعت الديون وبعد العدد العاشر توقفت هذه المجلة (مجلة المراقب).

وفي أول سبتمبر سنة 1796 وُلد لكولردج أول مولود، فأسماه ديفد هارتلي على اسم رائد علم النفس الارتباطي (سيكلوجية الترابط أو التداعي). لقد كان المولود صبوح الوجه باعثاً للمسرة، لكنه كان فماً جديدا يطالب بالطعام. وفي هذه الأثناء كان كولردج نفسه يعاني متاعب في القلب والرئتين، وراح يزيد من جرعات الأفيون لتسكين آلامه، وكادت موارده تنفد عندما قدم له صديق متساهل ودود هو توماس بول منزلا صغيرا بالقرب من منزله (منزل بول) في نثر ستوي بالقرب من بردجووتر - بإيجار رمزي مقداره سبعة جنيهات سنويا. وفي 13 ديسمبر سنة 1796 انتقل كولردج وسارة وابنهما (ديفد) إلى هذا المنزل. وجعلت سارة المنزل نظيفا مريحا، وعمل كولردج في حديقة مجاورة وساعد في رعاية خنازير بول Poole ودواجنه، وكتب شعرا جديراً بأن يخلد. وفي نحو هذا الوقت - على وفق ذاكرته الثرية العامرة دائما - ظهرت له فكرة قبلاي خان في حلم رائع وقد كتب غالبها مستوحيا هذا الحلم:

«في صيف سنة 1797 عكف المؤلف - وكان معتلا صحيا - في منزل ريفي منعزل بين پورلوك ولينتون، ونتيجة توعك صحته وتناولة العقارات المسكنة (الأفيون) غلبه النوم وهو جالس على مقعده بينما كان يقرأ في كتاب رحلة پورشاز. وفي الحلم أمر قبلاي خان ببناء قصر بداخله حديقة، وتم تسوير هذه الأميال العشرة من الأرض الخصبة بسور. ولقد استمر المؤلف في نوم عميق نحو ثلاث ساعات - على الأقل كانت حواسه الخارجية هي النائمة - وخلال هذه الساعات كان واثقاً ثقة تامة أنه لا يستطيع أن يكتب أقل من مائتي سطر أو ثلاثمائة سطر دون أن ينتابه الإرهاق والتعب. وعندما استيقظ ظهر أنه يتذكر تفاصيل الحلم فأمسك بقلمه وأدنى منه الحبر والورق، وراح يكتب بشكل مستمر وبشغف السطور التي بقيت لنا.»

هذه المقدمة الشهيرة فسرها النقاد بأنها خرافة خدع بها كولردج نفسه أو آخرين لقبول فكرة الحَبَل بلا دنس وديمومة قبلاي خان. وعلى أية حال فمن غير المعلوم أن المؤلف بعد صياغة جُمله خلال النهار، واصل عمله في أثناء الحلم أم لا، لكن تكاد هذه الدرّر دوما تغوص في اللاشعور وكأنها يقظة نائم وربما كان للأفيون أثره ليس في الحلم (الرؤيا) فقط وإنما في الإيهام بأن التأليف كان جزءا من الحلم. وعلى أية حال فإن كولردج بمهارته المميزة في السجع والجناس قد حول نثر بورشاز إلى واحد من أكثر النصوص - التي لم يكتمل إنجازها - تشويقاً في اللغة الإنجليزية.

وربما كان الحدث الأدبي الأكثر أهمية من قوبلاي بالنسبة لكولردج في عام 1797 هو دعوة ودزورث له لزيارته في ريسدون، فاستأذن من زوجته ساره وابنه ديڤد وانطلق ليسير كل المسافة تقريبا. وتراءى له هدفه في 6 يونيو فجرى - وقد أخذت الإثارة منه مأخذها - إلى باب أخيه الشاعر. وعندما فتح له وليم ودوروثي الباب وفتحا له مع الباب قلبيهما، بدأت حقبة جديدة في حياة ثلاثتهم، وكان تعاونهم واحداً من أعظم ما حققه التعاون بين الأدباء إثماراً في تاريخ الأدب.

الثلاثي 1797 - 1798

كان كولردج آنئذ في ذروة تألقه. كان بدنه - رغم آلامه وسمومه غير الظاهرة - مستجيباً لاهتمامات عقله الحيوية. وكان وجهه الوسيم - بفمه الشهواني وأنفه دقيق التكوين وعينيه الرماديتين تتألقان شغفا وحب استطلاع، ورقبته وأذنيه، وشعره الأسود المهوّش المتدلي على رقبته وأذنيه - قد جعله جذابا خاصة في عيني دوروثي.

لم يطل الأمر أحبته بطريقتها الخجولة، وإن ظل إعجابها بوليم في المحل الأول. لقد أخذ كولردج برقتها وجذبته إليها بعاطفتها الهادئة، لقد كانت صديقة جارتْه في كل آثامه وتجاوزت عن كسله لتستمتع بمشاعره الدافئة وخيالاته العميقة الغريبة وإيمانه المهتز، وضاعت آلام الشاعر المبرحة بين الحيل والصراع. وعلى أية حال، فقد كاد يرى في هذه الفتاة شبحاً رعديدا سحقها أخوها (سيطر عليها تماما).

وهنا تحقق كولردج أن هذا الرجل وردزورث بوجهه الهادئ الحزين وجبهته المرتفعة وعينيه المتأملتين شاعر حقيقي وحيوي حساس لكل خلجة ونبضة من خلجات الأشياء والأشخاص ونبضاتهم، وينأى بنفسه عن أي اضطراب اقتصادي جاعلاً من خلجات الطبيعة والناس ونبضهما وسيلة للبحث عن الكلمات المعبرة بعمق وعاطفة عن بصيرته وأحلامه. وكان كولردج - الذي كانت (أغاني البحار القديم) تعتمل بالفعل في نفسه - هو أعظم الشاعرين - لكنه أحسّ بتكريس هذا الشاعر (وردزورث) نفسه للشعر وحسده لتكريس نفسه تماما للشعر، وربما كان قد تعجب ما إذا كانت الأخت ليست أفضل من الزوجة. لقد كتب حالما وصل: لقد شعرت بضآلتي بجواره، ومع هذا لم أعتبر نفسي أقل مما كنت أظن نفسي سابقا إن وليم (وردزورث) رجل عظيم جدا. إنه الرجل الوحيد الذي أحسست أنني أقل منه في كل الأوقات وفي كل حالات تفوقي.

وبدأ ثلاثتهم ثلاثة أسابيع يحث بعضهم بعضاً، لقد راح كل واحد منهم يقرأ قصائده على الآخرين. وكان وردزورث يقرأ أكثر، بينما كان كولردج يتحدث أكثر. كتبت دوروثي: إن مناقشاته وحواراته تتزاحم في الروح والنفس والعقل. وهو خيّر جدا حسن الطباع جذاب. وهو يتحدث بعينه التي تعبر عن كل عواطفه.

وعادة ما يبرد الحب بين هذا الثلاثي بعد ثلاثة أسابيع فرجا كولردج كلاً من وليم ودوروثي أن يصحباه إلى نذر ستوى ليكرمهما كما أكرماه، فانطلقا معه متوقعين أن يعودا سريعا إلى ريسدون لكن الصديق بول علم أن الفترة التي يقضيانها مع كولردج ستنتهي ولا مجال لتمديدها فدبر لهما منزلا جميلا مؤثثا في ألفوكسدن مقابل 32 جنيهاً استرلينياً سنويا، وألوفكسدن هذه على بعد أربعة أميال من مقر كولردج، وهناك أقام وليم وردزورث ودوروثي في راحة، وراحا يستلهمان الشعر طوال خمسة عشر شهرا.

وفي هذه الفترة السعيدة راحوا يسيرون وهم ينشدون الشعر أو يتناقشون فيه: أحيانا كان الرجلان يسيران معا، وأحيانا كولردج ودوروثي، وأحيانا ثلاثتهم معا. لقد راحوا يتبادلون المشاعر والأفكار والملاحظات: وردزورث شجع كولردج على ترك الخيال كمرشد له، وزاد كولردج من معارف وردزوث عن الفلاسفة وتحداه ليكتب ملحمة شعرية. وفي أعوام لاحقة تذكر وردزورث في (المقدمة) صديقه الذي كان يجول معه (كولردج) ذاكرا أنه صديق الأرواح المرحة حيث كنا نخصص جانبا من أيامنا لأول مرة لننغمس معا في الشعر الجامح وكانت دوروثي هي رباطهما محفزتهما (مشجعتهما). لقد كانت تبهجهما بمديحها، وباستماعها باهتمام وشغف متحدية إياهما بحماسها وعمق إدراكها ونفاذ بصيرتها، موحدة إياهما كعروس روحية لكليهما. لقد كانوا - كما قال كولردج ثلاثة أشخاص في روح واحدة.

ولابد أن وردزورث وكولردج قد طالعا اليوميات التي بدأت دوروثي كتابتها في أفوكسدن في 20 يناير سنة 1797. ولا بد أنهما توقفا عند سطر في الصفحة الثانية طنين الحشرات، تلك الضوضاء الصامتة (غير المزعجة) التي تملأ أجواء الصيف أما سارة كولردج فلا بد أنها كانت أكثر تأثرا بما ورد عن الفترة من 3 إلى 21 فبراير:

  • 3 فبراير: سرت مع كولردج فوق التلال
  • 4 فبراير: سرت مسافة طويلة في الطريق إلى ستوي مع كولردج
  • 5 فبراير: سرت إلى ستوي مع كولردج
  • 11 فبراير: سرت إلى قرب ستوي مع كولردج
  • 21 فبراير: سرت وحدي إلى ستوي، وعدت مساء مع كولردج

ولم تكن ساره سعيدة بحكاية المشي هذه، لقد بدا الأمر لها بريئاً غير مرتبط بعلاقة جنسية، لكن أين تنتهي هذه الحكاية؟

كولردج فيلسوفاً

كولريدج في سن الثانية والأربعين، رسم صمويل كوزينز، من پورتريه لواشنطن ألستون.

ربما نكون قد بالغنا في انهيار كولردج، فلابد أن نلاحظ أنه بين عامي 1808 - 1815 ألقى محاضرات في بريستول وفي المعهد الملكي في لندن - ظهر فيها أنه يعاني تشوشاً في الفكر والتعبير لكنه أثر في مستمعين مثل تشارلز لامب ولورد بايرون وصمويل روجرز، وتوماس مور ولاي هنت، وكأنما دفعهتم وغيرهم من الكتّاب للتضامن مع زميلهم الذي أصابه ما أصابه. وقد وصف هنري كراب الذي يعتبر واحدا من أصدقائه البارزين إنجليزاً وألماناً، المحاضرة الثالثة التي ألقاها في لندن بأنها محاضرة ممتازة وألمانية جدا وذكر أنه بالنسبة إلى لمحاضرة الرابعة فقد كانت ذات صبغة ألمانية جدا وكانت طريقة التناول فيها تتسم بالتجريد الشديد بما لا يطيقه المستمعون الذين كان عددهم قليلا. لقد كان تجميع كولردج للحقائق والأفكار والفروض المسبقة تجميعا مزدحما وهائلا حتى إنه لم يستطع السيطرة على موضوعه. لقد كان يطوف بعناصر موضوعه بجموح لكنه كان مُلهما. لقد لخّص شارلز لامب، كولردج في عبارة مشهورة إنه كملاك - بفتح الميم واللام - من الطبقة العليا، لحقه بعض الدمار وانتهى إلى أنه يكفينا أن نكون في نطاق رياح عبقريته ونسماتها حتى لا نمتلك مشاعرنا أو بتعبير آخر حتى لاتصبح أرواحنا مستقرة.

وفي الفترة من 1815 إلى 1817 عندما كان كولردج مرة أخرى على وشك الانهيار دفع بخلاصة فكره إلى المطبعة. ففي كتابه نظرية الحياة (1815) أظهر لنا معلومات مثيرة في العلم - خاصة الكيمياء التي تعلمها عن طريق صداقته لهمفري ديفي لكنه رفض كل المحاولات ليشرح العقل من خلال مصطلحات فيزيو كيميائية. لقد سمى فكرة إرازموس داروين السخيفة، بأنها فكرة رجل انطلق من حالة انبثاق برتقالية - وفي مطبوع Statesman's manual ‏(1816) قدم الكتاب المقدس باعتباره أفضل مرشد للفكر السياسي، والتبصر بالعواقب، نجده يقول:

«يجد المؤرخ أن الأحداث الكبرى - وحتى التغيرات الأكثر أهمية في العلاقات التجارية العالمية. أنا لانجد جذورها لدى مجموعة رجال الدولة ولا في الرؤي العملية لرجال الأعمال وإنما نجد جذورها لدى المنظرين الذين لاتتسم كتاباتهم بالتشويق، وفي رؤى العباقرة المنعزلين (المتفردين). كل الثورات الدينية التي أعادت صياغة فترات زمنية في العالم المسيحي، والثورات الدينية التي أعادت معها صياغة العادات المدنية والاجتماعية والمحلية تزامنت مع قيام نظم (نظريات) ميتافيز يقية أوسقوطها.»

(ربما كان يفكر في نتائج الفكر الذي أتى به يسوع، وكورنيكوس وگوتنبرگ ونيوتن وڤولتير وروسو وبعد موجز واضح للعوامل التي أدت إلى الثورة الفرنسية انتهى كولردج إلى أن صوت الشعب ليس هو صوت الله لأن الناس (الشعب) يفكرون في مجردات عاطفية أو مطلقات عاطفية ولا يمكن الوثوق بهم عند تولي السلطة، وأن أفضل طريق للإصلاح لايكون إلا من خلال وعي الأقلية المتعلمة ذوات الممتلكات، وأفعالها. وبشكل عام فإن أفضل مرشد للعمل الصحيح في السياسة وفي كل مجال هو الكتاب المقدس لأنه يحتوي على كل الحقائق المهمة في التاريخ والفلسفة فأنتم يا من تتحركون في الطبقات العليا من المجتمع يجب أن تعلموا أيضا التاريخ والفلسفة واللاهوت، فأنتم أهل لها وليس أفراد الطبقات العاملة فتعلمهم التاريخ والفلسفة واللاهوت غير مطلوب إلى حد كبير بل وربما كان غير مرغوب فيه عموما. إن ترياق زيف رجال الدولة هو التاريخ ذلك أن جمع الحاضر مع الماضي في سياق واحد، وتأصيل عادة مقارنة أحداث عصرنا - بعمق - بأحداث عصور خلت مسألة مطلوبة ويواصل في كتابه (A Lay Sermon) الصادر في سنة 1817 دعواه للطبقات العليا والوسطى باعتبارها أفضل أداة للإصلاح الصحيح وباعتبار أفرادها حراسا ضد الغوغائية والسفسطائية وضد المدرسة الثورية المضرمة للنيران لكن الكتاب يعترف ببعض الشرور الجارية (الموجودة في زمنه): تضخم الدين الوطني بشكل غير محسوب، فقر الفلاحين فقرا شديدا، وعمل الأطفال في المصانع، ولاحظ كولردج الحماقات والوقاحات والتبذير والتطرف الذي أعقب الرخاء الذي حل بنا والذي لم يسبق لنا أن شهدناه، كما لاحظ الممارسات العمياء والولع الأعمى بالمضاربات على مستوى التجارة العالمية بما في ذلك من مخاطر غير واضحة ومفاسد لقد تفجَّع بسبب احتمال تعرض الاقتصاد الجديد لهزات دورية تؤدي إلى انهيار عام ومعاناة يشرب الجميع كأسها.

وأوصى ببعض الإصلاحات الأساسية ضرورة خضوع أصحاب المصانع للقوانين العامة خاصة فيما يتعلق بتشغيل الأطفال، ولابد أن تعترف الدولة أن أهدافها الإيجابية، هي:

  1. أن تجعل مصادر الرزق ووسائل الإعاشة أكثر يسرا لكل فرد.
  2. أن تؤمن لكل المواطنين آمالهم في تحسين أحوالهم وأحوال أبنائهم.
  3. تطوير القيم الضرورية لإنسانية المواطن - كمخلوق عاقل ودعا إلى إنشاء منظمات (نقابات) تضم رؤساء كل العاملين في كل الحرف لدراسة المشاكل الاجتماعية من منظور فلسفي ولتقديم توصيات للجماعة، ولابد أن تمول الدولة هذه الطوائف الوطنية.


وأنهى كولردج كتابه (عظات غير دينية Lay Sermon) بأن رضخ للاهوتيين معترفاً بأنه ليست هناك عظة أو حكمة علمانية خالصة أو بتعبير آخر ليست هناك حكمة خالية من البعد الديني يمكنها أن تحل مشاكل البشرية فلا يستطيع إلا الدين الغيبي (الفوق طبيعي) والنظام الأخلاقي الذي قدمه الله للبشر أن يواجه الشر الموروث في نفوس البشر، فالشر من شيم النفوس لدرجة أن الذكاء البشري وحده لايعتبر كافيا لجعل الإرادة البشرية مبرأة من العيوب. لقد دعا إلى العودة بتواضع إلى الدين وإلى الاعتقاد الكامل في يسوع كرب مات لتخليص البشرية وفي 1815 ألف (أو أملى) فقرات عن حياتي الأدبية وآرائي Sktches of my Literary Life &opinions لتكون أساساً لكتابة سيرته الذاتية. ولم يكمل هذا المجلد (سيرته الذاتية) ونشر (فقرات عن حياتي الأدبية وآرائي) في سنة 1817 بعنوان (ترجمة أدبية Biographia Literaria) التي تعد الآن أكثر مصادرنا أهمية عن فكر كولردج في مجالي الأدب والفلسفة. إنه كتاب متماسك وواضح بشكل ملحوظ رغم أنه كتب غالبه خلال فترة قنوط وجزع بسبب إدمانه الأفيون وتراكم ديونه، وعدم قدرته على تقديم المال اللازم لتعليم أبنائه. لقد بدأ بالتبرؤ من علم النفس الترابطي الذي كان مفتوناً به في وقت من الأوقات. لقد رفض فكرة أن الفكر كله ما هو إلا نتيجة آلية (أوتومايتكية) للحواس (للإحساس)، فالإحساس - كما أصبح يعتقد - يعطينا مجرد مواد خامة تقوم النفس - التذكر، والمقارنة، والفردية المستمرة - بإعادة تكييفها لتصبح خيالا خلاقا وفكرا موجها ذا هدف، وفعلا واعيا. فكل تجاربنا - واعية أوغير واعية - مسجلة في الذاكرة التي هي مخزن يستقي منه العقل - بوعي أوبغير وعي - المادة اللازمة لتفسير التجربة (الخبرة) الحالية، ولتنوير الخيارات الحالية (أي التي تعين الفرد على الاختيار من بين متعددات كثيرة) وهنا - بطبيعة الحال - نجد كولردج يتبع خطى كانط. إن الشهور العشرة التي قضاها في ألمانيا لم تحوله فقط من شاعر إلى فيلسوف وإنما من جبري كإسبينوزا إلى نصير لحرية الإرادة مثل كانط وهنا اعترف اعترافا كاملا بدينه (المقصود اعترف لمن هو مدين له بفكره الجديد) كتابات الحكيم المشهور حكيم كونيجسبرج أكثر من أي كتابات أخرى، تلك الكتابات التي كانت في وقت من الأوقات قد أنعشت تفكيري ونظمته. ومن أفكار كانط تقدم كولردج إلى فكرة فيشته عن النفس وإعلاء مقامها باعتبارها الحقيقة الوحيدة المعروفة بشكل مباشر، ومن ثم جاس خلال أفكار هيگل (الديالكتيك الهيجلي) بين الفكرة ونقيضها، والوحدة بين الطبيعة والنفس، إلى أفكار شلنگ عن خضوع الطبيعة للنفس أوتبعيتها لها، باعتبارهما - أي الطبيعة والنفس - وجهان لحقيقة واحدة إلا أن الطبيعة - على أية حال - تعمل بلا وعي، بينما يعمـل العقـل بشـكل واع ويصـل إلـى أسـمى درجات التعبير من خلال الخلق العبقري الواعي. لقد اقتبس كولردج بانطلاق كامل من شلنج إلا أنه غالباً ما كان يهمل ذكر مصادره. لكنه اعترف بشكل عام بمن هو مدين لهم بأفكاره وأضاف قائلا : بالنسبة إلي يكفيني سعادة وشرفا إن نجحت في نقل فكر شلنج بشكل واضح إلى أهل بلدي.

والأحد عشر فصلا الأخيرة من كتابه الآنف ذكره (ترجمه أدبية Biographia) تقدم مناقشة فلسفية للأدب باعتباره إفرازا للخيال، وقد ميز بين الوهم والخيال، فالوهم فانتازيا (أو خيال جامح) كما في حالة حورية الماء (المخلوق البحري الذي له جسد امرأة ورأس سمكة) بينما الخيال (كتب كولردج الكلمة بحروف كبيرة) فهو توحيد واع بين أجزاء لتشكل كلا جديدا كما في حالة حبكة الرواية، وتصنيف كتاب، وخلق عمل فني أو صياغة نتائج العلوم في نسق (نظام) فلسفي. هذا التصور (أو الإدراك) يصبح أداة لفهم - ونقد - أي قصيدة أو كتاب أو رسم أوسيمفونية أو تمثال أو عمارة؛ إلى أي مدى استطاع الشاعر أو الفنان أن يجعل مكونات عمله متناسقة أو بعبارة أخرى إلى أي مدى استطاع أن يصل بين الأجزاء بالأجزاء الأخرى المرتبطة بها أو ذات الصلة بها، لتحقيق معنى العمل ككل ولتجعله متماسكاً في كل واحد؟ إلى أي مدى نجح المنشئ في هذا وإلى أي مدى فشل؟ وفي هذه الصفحات قدم لنا كولردج الأساس الفلسفي للحركة الرومانسية في الأدب والفن.

وقد أنهى كتابه الآنف ذكره بنقد حاد لفلسفة وردزورث، وطريقته الشعرية. هل حقيقة أن أسمى فلسفة في الحياة يمكن أن يجدها المرء في طرائق التفكير عند أبسط الناس؟ أحقا أن لغة هؤلاء البسطاء هي أفضل وسيلة شعرية؟ أليس هناك فارق جوهري بين الشعر والنثر؟ في كل هذه النقاط وجه كولردج نقده لوردزورث بشكل دمث لكنه حاد ومؤثر. وانتهى أخيرا بما يفيد ولاءه وتقديره لحكيم جراسمير كأعظم شاعر منذ ميلتون.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حكيم الهايجيت 1816 - 1834

في أبريل سنة 1816 كان كولردج قريبا من الأنهيار الجسدي والنفسي وهو في الثالثة والأربعين، وفي هذه الأثناء استقبله د. جيمس جيلمان كمريض في هايجيت بلندن، وكان كولردج في هذه الأثناء يتناول ما وزنه باينت من اللودانيوم (مستحضر أفيوني) يوميتً وقد وصفته سوثي في نحو هذه الفترة بأنه كان كزوج هائلا كمنزل. لقد أصبح متحنياً غير متماسك، وأصبح وجهه شاحبا منتفخا مترهلا وأصبح ينهج (قصير النَّفَس)، وأصبحت يداه واهنتين مرتعشتين لا يستطيع إلا بالكاد أن يرفع كوباً إلى شفتيه. وكان له بعض الأصدقاء المحبين له مثل لامب ودي كوانسي وكراب روبنسون لكنه قلما كان يرى زوجته وأولاده. وربما كان الطبيب الشاب قد سمع أن بايرون ووالتر سكوت قد اعتبرا هذا الإنجليزي المكسور أعظم رجال الأدب الإنجليز. وعلى أية حال فقد كان من رأي هذا الطبيب أنه يمكن إنقاذ كولردج - فقط - بالمداومة على العناية الطبية به والإشراف عليه، فأخذه إلى بيته (أي بيت الطبيب) بموافقه زوجته (زوجة كولردج) وأطعمه واعتنى به وعالجه، وظل تحت إشرافه إلى أن مات.

لقد استعاد كولردج نشاطه العقلي بشكل مدهش، ودهش الطبيب لاتساع دائرة معارف مريضه وثراء أفكاره وألمعية حواراته ومناقشاته التي فتحت أبوابه لعدد كبير من الشباب وكبار السن اعتبروا هذا الملاك المحطم ذا تأثير كبير وذا فطنة، ولحديثه مذاق خاص رغم أنه قلما يلتزم الوضوح الكامل والنظام المنطقي الصارم. ولازالت متفرقات من هذه المناقشات المدونة في (الحوارت Table Talk) تبرق تألقا: كل إنسان ولد أرسطيا أو أفلاطونيا إما أن تكون لنا أرواح خالدة، أو لاتكون. فإن لم تكن لنا فنحن دواب، دواب من الدرجة الأولى أو دواب حكيمة أو أحكم الدواب ليس هذا مهما، المهم أننا بدون أرواح خالدة نكون دواباً (بهائم) حقيقية. ولم يكن يرضيه أن يكون من بين أحكم الدواب. وكلما اقترب من الموت كان يبحث عن راحته وسلواه في أحضان الدين، كما لو كان يريد التأكيد من صفقته فقد اعتنق الدين (المسيحي) في أقصى درجات سلفيته (أورثوذ كسية) المعروفة - ممثلة في كنيسة إنجلترا باعتبارها ركيزة الاستقرار والأخلاق في إنجلترا والتي لها الدوام للأبد.

وقد قدم في مقاله عن دستور الدولة وكنيستها الدستور والكنيسة باعتبارهما ثنائيا ضروريا لوحدة الأمة يحمي كل منهما الآخر. وقد عارض هو ووردزورث التحرر السياسي للكاثوليك البريطانيين على أساس أن قوة الباباوية ستعرض الدولة للخطر بازدياد تنازع الولاء بين الوطنية والدين.

وقد أخذ الجانب المحافظ حتى كبر سنه، ففي سنة 1818 أيد روبرت أوين والسير روبرت پيل في معركتهما لفرض قيود على تشغيل الأطفال، لكنه في سنة 1831 عارض مرسوم الإصلاح الذي كان سيؤدي إلى كسر هيمنة التوريين (حزب المحافطين) على البرلمان، وعارض إلغاء الرق في الهند وجزر الهند الغربية وكان هو من درس العلوم وأيد العلم - أكثر من غيره من الفلاسفة، ومع هذا فقد رفض فكرة التطور وفضل على حد تعبيره التاريخ كما أجده في الكتاب المقدس وفي النهاية استسلم ذكاؤه الرحب ورؤيته البعيدة المدى لآلام جسده وما اعترى إرادته من اعتلال، واعتراه خوف شديد من أي تغيير في السياسة أو العقيدة الدينية.

وكان يفتقد الصبر والدأب لتأليف عمل متكامل مترابط، ففي السيرة الأدبية (1817) أخبرنا عن عزمه على كتابه اللوجوسوفيا كعمل كبير يلخص فيه العلم والفلسفة والدين ويربط بينها، لكن كل ما سمح له به بدنه وروحه هو خليط غير مترابط مشوش وغامض. لقد أصبح هذا هو حال العقل الذي وصفه (في وقت من الأوقات) دي كوينسي بأنه أرحب عقل بشري وأكثر العقول دقة وفهما.

وفاته

وفي يوليو سنة 1834 بدأ كولردج وداعه للحياة، إنني أموت، لكن دون أن أتوقع راحة سريعة هوكر رغب العيش ليُنهي كتابه الحكومة الإكليريكية - كذلك أنا أرغب أن تمهلني الحياة ويكون لدي القوة لإكمال فلسفتي، لأنني - والله يسمعني - عزمت وصممت في قلبي على السمو باسمه الجليل كما أهدف - بعبارات أخرى - للرقي بالبشرية. لكن المرء يريد والله يريد والله فعّال لما يريد، وما أراده الله كان وما لم يرده لم يكن ومات كولردج في 25 يوليو 1834 في الثانية والستين من عمره.

وصدم وردزورث لرحيل أفضل من عرفهم وقال لامب الصديق الصدوق لكليهما إن روحه العزيزة والعظيمة تلبَّستني.

قصائده

نسخة أولية لكولريدج من قوبلاي خان
تمثال للبحار القديم في مرفأ واتچت، سمرست، إنگلترة.

نقد أدبي

رسم من الصقيع والبحار القديم. الطاقم المتجمد وطيور القطرس، رسم كوستاڤ دوره


المصادر

  1. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

قراءات إضافية

  • Abrams, M. H. (1965). "Structure and Style in the Greater Romantic Lyric". In Hilles, Frederick W.; Bloom, Harold (eds.). From Sensibility to Romanticism. Oxford University Press. pp. 527–8.
  • Barth, J. Robert. Coleridge and Christian Doctrine (Cambridge: Harvard, 1969). (Invaluable introduction to Coleridge's theology.)
  • Barth, J. Robert. The Symbolic Imagination (New York: Fordham, 2001). (Essential reading for the Coleridgean symbol.)
  • Bate, Walter Jackson (1968). Coleridge. The Macmillan Company. ISBN 0-8262-0713-8.
  • Beckson, Karl E. (1963). Great Theories in Literary Criticism. Farrar, Straus.
  • Beer, John B. Coleridge the Visionary (London: Chatto and Windus, 1970). (Places Coleridge's poems in the context of his thought.)
  • Bloom, Harold (1971). The Visionary Company: A Reading of English Romantic Poetry (Revised Edition). ISBN 978-0-8014-9117-7. Close readings of all of the Conversation Poems.
  • Boulger, J.D. Twentieth Century Interpretations of The Rime of the Ancient Mariner (Englewood Cliffs NJ: Prentice Hall, 1969). (Contains classic twentieth century readings of the 'Rime', including Robert Penn Warren, Humphrey House.)
  • Cutsinger, James S. The Form of Transformed Vision (Macon GA: Mercer, 1987). (Elegantly shows how Coleridge wants to transform his reader's consciousness, to see nature as a living presence.)
  • Eliot, T.S. (1956). "The Perfect Critic". Selected Prose of T.S. Eliot. Harcourt. ISBN 0-15-180702-7.
  • Engell, James. The Creative Imagination (Cambridge: Harvard, 1981) (Surveys the various German theories of imagination in the eighteenth century.)
  • Fruman, Norman. Coleridge the Damaged Archangel (London: George Allen and Unwin). (Presents the prosecution case against Coleridge's plagiarisms. A book which divides opinion.)
  • Harper, George McLean (1928 (reprinted 1969)). "Coleridge's Conversation Poems". Spirit of Delight. Ayer Publishing. ISBN 978-0-8369-0016-3. The Poems of Friendship make yet another claim on our attention: they are among the supreme examples of a peculiar kind of poetry. Others not unlike them, though not surpassing them, are Ovid's `Cum subit illius tristissima noctis imago,' and several of the Canti of Leopardi. {{cite book}}: Check date values in: |date= (help); External link in |chapterurl= (help); Unknown parameter |chapterurl= ignored (|chapter-url= suggested) (help)
  • Holmes, Richard (1982). Coleridge. Oxford University Press. ISBN 0-19-287592-2.
  • Kenner, Hugh (1995). "Coleridge". Historical Fictions. University of Georgia Press. ISBN 0-86547-424-9.
  • Koelzer, Robert (Spring 2006). "Abrams Among the Nightingales: Revisiting the Greater Romantic Lyric". The Wordsworth Circle. 37 (2): 67–71. Detailed, recent discussion of the Conversation Poems.
  • Lowes, John Livingston. The Road to Xanadu (London: Constable, 1930). (Classic example of source hunting.)-
  • Magnuson, Paul (2002). "The 'Conversation' poems". In Newlyn, Lucy (ed.). The Cambridge Companion to Coleridge. Cambridge University Press. pp. 32–44. ISBN 0-521-65909-4.
  • Magnuson, Paul. Coleridge and Wordsworth: A Lyrical Dialogue (Princeton: Princeton UP, 1988). (A 'dialogical' reading of Coleridge and Wordsworth.)
  • McFarland, Thomas. Coleridge and the Pantheist Tradition (Oxford: OUP, 1969). (Magisterial treatment of the German background to Coleridge's thought.)
  • Modiano, Raimonda. Coleridge and the Concept of Nature (London: Macmillan, 1985). (Deals with the eighteenth century German philosophical background.)
  • Morley, Henry (1884). Table Talk of Samuel Taylor Coleridge and The Rime of the Ancient Mariner, Christobel, &c. New York: Routledge.
  • Muirhead, Johh H. Coleridge as Philosopher (London: George Allen and Unwin, 1930). (Still the best introduction to Coleridge's philosophy.)
  • Perkins, MaryAnne. Coleridge's Philosophy (Oxford: OUP, 1994). (Draws the various strands of Coleridge's theology and philosophy together under the concept of the 'Logos'.)
  • Perry, Seamus. Coleridge and the Uses of Division (Oxford: OUP, 1999). (Brings out the play of language in Coleridge's Notebooks.)
  • Prickett, Stephen. Romanticism and Religion (Cambridge: CUP, 1976). (Sets out Coleridge's influence on nineteenth century Anglicanism, and the Oxford Movement in particular.)
  • Radley, Virginia L. (1966). Samuel Taylor Coleridge. Twayne Publishers, Inc. ISBN 0-8057-1100-7.
  • Riem, Natale Antonella (2005) The One Life. Coleridge and Hinduism, Jaipur-New Delhi, Rawat.
  • Reid, N. Coleridge, Form and Symbol: Or the Ascertaining Vision (Aldershot, Ashgate, 2006). (Nineteenth Century Series). (Explains how Coleridge used Schelling in the Biographia and the Opus Maximum. Also focuses on the role of 'form' in Coleridge's thought.)
  • Richards, I.A. Coleridge on Imagination (London: Kegan Paul, 1934). (Famous, if now dated, examination of the imagination in Coleridge.)
  • Richardson, Alan. British Romanticism and the Science of the Mind (Cambridge: CUP, 2001). (Examines the sources for Coleridge's interest in psychology.)
  • Shaffer, Ellinor S. Kubla Khan and the Fall of Jerusalem (Cambridge: CUP, 1975). (A broadly structuralist reading of Coleridge's poetical sources.)
  • Stockitt, Robin, Imagination and the Playfulness of God: The Theological Implications of Samuel Taylor Coleridge’s Definition of the Human Imagination (Eugene, OR, 2011) (Distinguished Dissertations in Christian Theology).
  • Vallins, David. Coleridge and the Psychology of Romanticism: Feeling and Thought (London: Macmillan, 2000). (Examines Coleridge's psychology.)
  • Wheeler, K.M. Sources, Processes and Methods in Coleridge’s Biographia Literaria (Cambridge: Cambridge UP, 1980). (Brings out the idea of the active reader in Coleridge.)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وصلات خارجية

Wikiquote-logo.svg اقرأ اقتباسات ذات علاقة بصاموِل تيلر كولردج، في معرفة الاقتباس.
Wikisource
Wikisource has original works written by or about:

This article incorporates text from the public domain 1907 edition of The Nuttall Encyclopædia.