فرانسوا-رينيه دو شاتوبريان

(تم التحويل من François-René de Chateaubriand)
فرانسوا رينيه دو شاتوبريان

François-René de Chateaubriand
François-René de Chateaubriand.jpg
French Ambassador to the Papal States
في المنصب
4 January 1828 – 8 August 1829
عيـَّنهJean-Baptiste de Martignac
سبقهAdrien-Pierre de Montmorency-Laval
خلـَفهAuguste de La Ferronays
Minister of Foreign Affairs
في المنصب
28 December 1822 – 4 August 1824
رئيس الوزراءJean-Baptiste de Villèle
سبقهMathieu de Montmorency
خلـَفهHyacinthe Maxence de Damas
French Ambassador to the United Kingdom
في المنصب
22 December 1822 – 28 December 1822
عيـَّنهJean-Baptiste de Villèle
سبقهAntoine de Gramont
خلـَفهJules de Polignac
French Ambassador to Prussia
في المنصب
14 December 1821 – 22 December 1822
عيـَّنهJean-Baptiste de Villèle
سبقهCharles-François de Bonnay
خلـَفهMaximilien Gérard de Rayneval
French Ambassador to Sweden
في المنصب
3 April 1814 – 26 September 1815
عيـَّنهCharles-Maurice de Talleyrand
Member of the Académie française
في المنصب
1811–1848
سبقهMarie-Joseph Chénier
خلـَفهPaul de Noailles
تفاصيل شخصية
وُلِد(1764-09-04)4 سبتمبر 1764
Saint-Malo, فرنسا
توفي4 يوليو 1848(1848-07-04) (aged 83)
باريس, فرنسا
الوظيفةسياسي، دبلوماسي، كاتب
التوقيع

فرانسوا-رينيه دو شاتوبريان François-René de Chateaubriand (و.1768- 1848م). واحد من أهم الشخصيات في الأدب الفرنسي الرومانسي. تصف روايتُه أتالا (1801) قصة حب مأساوية بين هنديين من هنود أمريكا الشمالية، والرواية نموذج لاهتمام الرومانسية الأوروبية بالموضوعات البدائية وغير المألوفة.

نُشرت السيرة الذاتية لشاتوبريان ذكريات من وراء القبر بعد موته بقليل. وعادة ماتوصف سيرتُه الذاتية بأنها أحسن أعماله. ولد شاتوبريان في سان مالو في شمالي فرنسا. شغل عدة وظائف دبلوماسية، وكان وزير خارجية فرنسا عام 1823. نشرت السيرة الذاتية لشاتوبريان ذكريات من وراء القبر بعد موته بقليل. وعادة ماتوصف سيرتُه الذاتية بأنها أحسن أعماله. ولد شاتوبريان في سان مالو في شمالي فرنسا. شغل عدة وظائف دبلوماسية، وكان وزير خارجية فرنسا عام 1823.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

الأدب الفرنسي
بالتصنيف
تاريخ الأدب الفرنسي

العصور الوسطى
القرن السادس عشر - القرن السابع عشر
القرن الثامن عشر -القرن التاسع عشر
القرن العشرون - المعاصر

كتـّاب الفرنسية

قائمة زمنية
كتـّاب حسب تصنيفهم
روائيون - كتاب مسرحيات
شعراء - كتاب مقالات
كتاب القصة القصيرة

بوابة فرنسا
بوابة الأدب
 ع  ن  ت

يشغل فرانسوا شاتوبريان مكانة غامضة في خريطة الأدب الفرنسي, فهو أقل شهرة من فيكتور هيجو، وأقل عمقا وتعقيداً من لامارتين وديموسيه, لكنه مع ذلك يعد أحد أبرز رواد المدرسة الرومنطيقية في النصف الأول من القرن التاسع عشر, وقد كان رومانسيا على طريقته الخاصة, رومانسيا حمل جميع قسمات هذه الحقبة, من التعطش الى جمال الشرق وسحره, الى الحلم الجامح بالعودة الى أحضان الطبيعة والمصالحة معها.

وقد دفعه ذلك مثل روسو للبحث عن (المتوحش النبيل) فسافر لمعاينة مجتمع الهنود الحمر الامريكيين, لمشاهدة عفوية الحياة وفطريتها وسذاجتها الأخاذة, لكن حياته هو مع ذلك كانت سلسلة مغامرات واخفاقات, عاش نهاية حلم الأنوار, بقيام الثورة الفرنسية المغدورة, الثورة التي أكلت أبناءها بسادية عن بكرة أبيهم, التي خلطت كل خيرات وشرور, نجاحات وإخفاقات العصرين الكلاسيكي والعقلاني, الثورة التي فتحت النار على شاتوبريان من جميع الجهات, وسمحت له بصياغة كل تجاربه المريرة في الحياة, صياغة رسخت التقاليد الرومانسية في الأدب الفرنسي, على نحو ما نشير الى ذلك في هذا التصنيف المبسط.

ولد شاتوبريان يوم 4 سبتمبر 1768م بسان مالو، وسط عائلة لفها الحزن فقد كان أصغر اخوته الستة, إلا أن أربعة منهم ماتوا تباعا, وكان والده رينيه أوجست مثالا لأرستقراطية القرن الثامن عشر, فقد جاب البحار وسافر كالمستكشفين الى أمريكا, وحمل أنواط سلاح البحرية, وجمع ثروة كبيرة من التجارة عبر المحيطات, ومن ضمنها ــ طبعا ــ تجارة الزنوج الأفارقة, وقد أثرت توجهات هذا الوالد على ابنه شاتوبريان أبلغ تأثير, كما أثر عليه الجو المحموم العام في فرنسا النصف الثاني من القرن الثامن عشر, حين كان مخاض الثورة الفرنسية, والغليان (الثوري) يسيطران على المشهد الاجتماعي والحياتي العام.

وقد عاش طفولة منعمة ومتقلبة أيضا بين مسقط رأسه ومدن مختلفة, وبفعل انتمائه الارستقراطي بدأت اهتماماته السياسية تتنامى مع اندلاع الثورة الفرنسية يوم 14 يوليو 1789م، وقد صور سقوط سجن الباستيل حين تحدث عن الغوغائيين الذين مروا من تحت شرفته وهو يتلقفون رأس وزير المالية فولون (لنتوقف هنا مليا أيها القارىء, كان علي ان أشهد على زخات الدم الأولى التي ستتحول إلى أنهار بفعل الثورة, كانت هذه الرؤوس, ورؤوس أخرى سأصادفها فيما بعد تدفعني دفعا الى التفكير لأول مرة, بمغادرة فرنسا, بحثا عن بلاد قصية, بلاد بدأت الان ترتسم في مخيلتي), وقبل تنفيذ هذه الرغبة نشر أول نصوصه (حب الريف) وقد جاء نصا كلاسيكيا, وتعمد نشره باسم مستعار هو (شفالييه), وإن لم تكن هذه المحاولة هي أول ما كتب في الحقيقة, فقد أفاد في مقدمة مجموعة شعرية 1829م أنه يكتب الشعر منذ أيام المدرسة الإعدادية.

ووقع اختيار شاتوبريان على أمريكا لتنفيذ هجرته الاختيارية, وأعلن انه يسعى من وراء هذه الرحلة لتحقيق غايتين علمية وشعرية, اما العلمية فهي البحث عن استكشاف طريق ممكن بين المحيطين الأطلسي والهادىء من جهة الشمال الشرقي, وأما الشعرية فهي الوقوف عن كثب على حياة الانسان الطبيعي ممثلا في الهنود الحمر, الانسان البعيد عن صخب وانحطاط وظلامية الحضارة, المتصالح مع الطبيعة, البسيط الشاعري الشفاف, بكلمة واحدة الانسان الملهم الذي أيقظ نيام اوروبا من سباتهم العميق, فانطلقوا ينادون بالحرية والتنوير والمحبة بعدما عاينوا مجتمع الهنود الحمر الفطري المتصالح مع ذاته البعيد كل البعد عن الجشع والاستحواذ ومذابح ومسالخ الحضارة الغربية وبعدها عن الانسانية.

وفي يوم 8 ابريل 1791م أبحر من سان مالو بفرنسا ووصل بالتيمور في أمريكا 9 يوليو من ذات السنة وقد طاف بجميع أنحاء القارة الأمريكية الشمالية, من فيلادلفيا الى بوسطن ونيويورك ومنطقة البحيرات, ثم اتجه لأوهايو, ولنتذكر ان مثل هذه الأسفار وقتها كانت مغامرة حقيقية, لصعوبة المواصلات, ما صوره مستكشفا وبطلا في نظر الكثيرين, وهذا ما جعل الرئيس جورج واشنطن يستقبله بحفاوة.

كما استقبل ايضا في بلاده بالقدر نفسه من التشجيع حين عاد يوم 2 يناير 1792م, الا أن موقفه المناصر للملكية جعل رجال الثورة الفرنسية يطاردونه فهرب لبلجيكا وتطوع للمقاومة ضد الثورة وجرح, واضطر للهروب الى انجلترا 1793م التي عاش فيها سبع سنوات عجاف لفه الفقر والحزن والفاقة والمرض المرير, ووسط هذه المعاناة الأليمة شحذت نوائب الدهر عبقريته فكتب مخطوطات أثمن أعماله الأدبية, ويصف فاقته اللندنية بقوله (كنت أمضغ العشب والورق لفرط معاناتي ولضيق ذات اليد) ولكنه في هذه الظروف, أو لهذه الظروف بدأ في كتابة (مساهمة حول الثورات المقارنة), وما لبثت اخبار باريس ان حملت اليه انتقام رعاع الثورة منه, إذ أعدموا أخاه 22 ابريل 1794م, وسجنوا أمه وزوجته وأختيه.

وهنا يمكننا ان نتوقع بيسر موقفه من الثورة الفرنسية وهو يكتب تحت كل هذه الضغوط, ولكنه مع ذلك قدم محاولة لا تعدم حسا تاريخيا أصيلا, مع مسحة دينية مسيحية لا تخلو من تعصب.

وفي سنة 1800م عاد لباريس متخفيا عن خصومه (الثوار) باسم مستعار هو دي لاسان: (طلعت عليهم أنا والقرن الجديد معا), وبسرعة أصبحت حاميته أليزا شقيقة بونابرت, ومن أجلها نشر دراسة عن مدام دي ستايل صديقتها والمنظرة الرومانسية الشهيرة, وقد سمح له الاستقرار النسبي بنشر أول أعماله الملفتة (أتالا) 1801م, ثم نشره مع آخر في طبعة (آتالاورينيه) وقد لقيت تجربته القصصية قبولا عاما, كما صادفت توجهاته ضد الثورية هوى في نفس بونابرت الذي عينه مستشارا اول في السفارة الفرنسية بروما.

وكان هذا الموقع هاما بالنسبة لشاتوبريان فقد كان يسمح له بالعمل تحت امرة (فرش) خال بونابرت, وأيضا لان ايطاليا تعتبر وقتها نافذة مشرعة على الشرق الذي كان الشغف به وبسحره يأكل شاتوبريان من الداخل, وحين شن نابليون حملة لتصفية أنصار الملكية السابقة استقال هو وعاد لباريس متفرغا مؤقتا للكتابة مجتهدا في عدم الاصطدام بديكتاتور الثورة الجديد.

ومع مطلع سنة 1806م انطلق فرانسوا شاتوبريان في رحلته الى الشرق التي كانت تخامره منذ زمن الصبا, (لقد طفت ودرت دورة كاملة حول البحر المتوسط, دون مخاطر تذكر, ومثل القدامى زرت اسبرطة, مررت بأثينا, حللت بالقدس, رسوت بالاسكندرية, تفرجت على آثار قرطاج, وأخيرا استسلمت لجمال قصر الحمراء بالاندلس, دورة كاملة حول المتوسط), وقد دفعه الشعور بأنه أصبح بطلا اسطوريا على شاكلة أبطال هوميروس الى أن يشرع في كتابة سيرته الذاتية سنة 1808م.

وكانت سنة 1811م أهم سني حياة شاتوبريان الأدبية كما صرح بذلك في مقدمة (الرحلة من باريس الى القدس) التي نشرها في السنة نفسها, وفيها بدأ كتابة الكتاب الذي سيشتهر به حتى الان (مذكرات ما وراء القبر) كما عين عضوا بالأكاديمية, وقد جرت العادة ان يلقي كل عضو جديد خطابا يقدم فيه أفكاره وأطروحاته التي أهلته لهذا المنصب العلمي الرفيع, وكان خطاب شاتوبريان مكرسا كله للدفاع عن الحرية في السياسة وأيضا في الفن والإبداع, مما أثار نابليون ضده فقرر استرضاءه بنشر أعمال متتالية (الى بونابرت) (عن آل بوربون) (ضرورة ان نتعلق بحكامنا الشرعيين) وهي نصوص أدت مع سقوط بونابرت في واترلو 1815م الى أن يتخذ الجميع مواقف منه, وأن يعتبروه منتهي الصلاحية، لكن سمعته كأديب كبير جعلتهم يعينونه سفيرا بالسويد وكان هذا نوعا من النفي وقتها, آثر هو تجنبه فرفض السفر وبقي حتى 1823م منشغلا بمستنقع باريس السياسي, حينا وزير دولة وحينا اخر مطاردا مطلوب رأسه, ومنذ سنة 1924م اتجه للصحافة فنشر أعمالا كثيرة منها (مات الملك: عاش الملك) ودافع بحماس شديد عن حرية النشر التي أسس من أجلها (جمعية أنصار الصحافة) 1827م.

ومع مجيء حكومة بولينياك ـ التي تورطت في غزو الجزائر ـ استقال من أية مناصب وتقاعس عن العمل سفيرا بروما, وبسرعة بدأت مصاعبه من جديد مع السلطة, فآثر الفرار الى سويسرا ثم الى پراگ والبندقية، كما نشر مذكراته و(محاولة عن الأدب الانجليزي) وهي دراسة نشرت كمقدمة لعمل ميلتون (الفردوس المفقود), ومع تقدمه في السن فإنه عاد طرفا في صراعات باريس السياسية حتى يوم موته 4 يوليو 1848م عن عمر يناهز الثمانين عاما.


نص متجدد

رغم مرور أكثر من قرن ونصف على موت شاتوبريان فإن أعماله مازالت تنشر باستمرار, ومازالت الدراسات عن مكانته في الحقبة الرومانسية الفرنسية تتوالى, وهي مكانة مميزة مهدت بصدق لرومانسية القرن التاسع عشر التي عمت الأدب والفن وانسربت الى عتبات المسرح والحياة أيضا, وسط واقع بالغ المأساوية, ألقت عليه إخفاقات الثورة الفرنسية, وخيبات عصر الأنوار بظلالها.

وقد شهدت السنوات الماضية ليس فقط ظهور طبعات منقحة من أعمال شاتوبريان الكاملة, بل دفقا من الدراسات عنه, بعضها سعى لإعادة تصنيف ونقد كتبه, سواء رواياته (آتالا ورينيه) و(مغامرات اخر بني سراج) أو مسرحه كمأساة (موسيى: تراجيديا شعرية في خمسة مشاهد), وأيضا دراساته (محاولة عن الثورات المقارنة) و(جمعية فيرون) و(حياة رانسي) ثم (الأعمال السياسية) و(أفق الرسم عبر الزمن), أم ما نشر عنه من دراسات متميزة قديما وحديثا ابتداء منها (عوالم شاتوبريان لجان ريشار, ودراسة جان مورو حول (عبقرية الاسلوب عن شاتوبريان من خلال مذكراته) وأيضا (البحث الكتابة) لبيير بربريس, و(شاتوبريان الرد على الحداثة) ثم (الكتابة من شاتوبريان لرامبو) لايف فاديه, وأخيرا (المنفي والمجد: شاتوبريان ورواية العائلة) لجان رولين, و(شعرية شاتوبريان) لفابيان بارسيجول, و(أدب الرحلة عند شاتوبريان: مساهمة في دراسة جنس أدبي) لفيليب أنطوان, وغيرها من الدراسات المعمقة التي ظهرت اخيرا لترسيخ مكانة هذا المبدع فيما يبدو وأنه ليس فقط حنينا الى العصر الرومانسي, وإنما محاولة نفض غبار عن رموزه التاريخيين في الأدب الفرنسي.

شاتوبريان 1769- 1815

شبابه

كان فرانسوا رينيه دي شاتوبريان أعظم كتاب فرنسا المعاصرين له. قال سانت بيف Saint Beuve في سنة 9481 أنه الأكثر شهرة بين كتابنا المعاصرين(88) وثمة لؤلؤة كبيرة (دانة) أخرى من لآلئ الأدب هو إميل فاج Emile Faguet، كتب في سنة 7881 (ناسيا فولتير): شاتوبريان هو أعظم مَعْلم في تاريخ الأدب الفرنسي منذ بلياد Peliade (حوالي 0551)(98)، ومن المؤكد أن سيادته للأدب الفرنسي لاتضارعها إلاّ سيادة فولتير. وترجع مكانة شاتوبريان أنه انتصر للدين على حساب الفلسفة تماما كما انتصر فولتير للفلسفة على حساب الدين، وقد عاش عمراً طويلاً يكفي لِيَرَ الكفر بالدين يُبعث من جديد. وعلى هذا فإن اتجاهاً ما رغم أنه يلقى ترحاباً في وقت من الأوقات تقل الحماسة له بمرور الوقت، ليولد من رَحِمِه اتجاه آخر مناهض له عبر الأجيال، خلال المعركة الدائرة في نفوس البشر بين الفكرة ونقيضها بحيث لا يكون للاعتدال (الموقف الوسط) وجود.

لقد كتاب إن حياتي والدراما تنقسم إلى ثلاثة فصول (أو مشاهد). من شبابي الباكر حتى سنة 0081 كنت جندياً ورحالة، ومن 0081 حتى 4181 في ظل الحكومة القنصلية والإمبراطورية، كرّست حياتي للأدب والفكر، ومنذ عودة الملكية حتى اليوم [3381] اشتغلت بالسياسة(09). وثمة فصل رابع غائر (4381 - 8481) كان على بطلنا الثلاثي هذا the triple hero أن يعيشه وقد وهنت ذاكرته ترعاه امرأة حنون. إنها فترة ضبابية ضاعت مع الزمن.

كان أسمي في البداية يكتب هكذا: بريا Brien ... ثم بريان Briand ... ذلك أنه في بداية القرن الحادي عشر كان آل بريا Brien (بريان Briand فيما بعد) قد أطلقوا اسمهم على قصر فرنسي في بريتاني Brittany في فرنسا، وأصبح هذا القصر مقراً لبارونية شاتوبريان(19). وعندما فقدت الأسرة العتيدة كل شيء تقريباً سوى قصرها وكبرياءها، ذهب الأب إلى أمريكا وكوّن ثروة متواضعة. وعندما عاد إلى فرنسا تزوّج أبولين دي بيديه Appoline de Bedee التي أنجبت له بنين وبنات عدداً حتى أنه انطوى على نفسه في كآبة استمرت حتى انجاب ابنه الأخير وهو الوحيد - من بين أبنائه - الذي بقيت ذكراه. وعمدت الأم إلى العبادة واستغرقت فيها لتخفف عن نفسها متاعب العمل وما ألمَّ بها من مرض. ومات لهذا الأب أربعة من أبنائه قبل مولد رينيه Rene في 4 سبتمبر سنة 8671 في سانت مالو St. Malo على الشاطئ الفرنسي الشمالي. وقد ذكر فيما بعد. ما أسوأ أن يُرزق المرء بمولود(29) وكانت أخته لوسي Lucie متوعكة دائماً فدمجت متاعبها مع متاعبه ودخلا معا في علاقة مُغرقة جعلت كليهما غير راغبين في الزواج. لقد أضاف ضباب الشمال، والرياح التي تضرب جزيرتهم وبيتهم إلى كآبة روحهما كآبات أخرى، لكنها أصبحت فيما بعد ذكريات عزيزة.

وعندما بلغ التاسعة من عمره انتقلت أسرته إلى عقار في كومبورج Combourg الأمر الذي جلب للأسرة لقب كونت Comte وأصبح رينتيه فيكونت Vicomte (شريف فوق البارون ودون الكونت) لقد تم ارساله الآن إلى مدرسة بالقرب من دول Dol وتلقى تعليمه على يد قسس، حثّتهم أمه لإعداده ليكون قَسّاً، فتلقى على يديهم تعليماً طيباً في الآداب الكلاسيّة، وسرعان ما شرع في الترجمة عن هو ميروس وزينوفون Xenophon. في عامي الثالث في دول Dol .. وضعت الصدفة في يديّ... هو راس Horace غير المهذبة.. فألقيت نظرة على مباهج الجنس غير المعروفة، ذلك الجنس الذي لم أعرفه إلا من خلال أم وأخوات ... إن رعبي من ظلال الشياطين ونار جهنم.. أثَّر فيَّ معنوياً وبدنياً، فظللتُ على براءتي متمسكاً بطهري أحارب ضد عواصف عواطف غير ناضجة، ورعب لا عقلاني من المجهول(39) وأدت طاقته الجنسية - دون أية اتصالات جنسية نعرفها - إلى أن تطورت في خياله صورة امرأة نموذجية أخلص لها (أي لهذه الصورة المتخيّلة) إخلاصاً باطنياً (ينحو نحواً صوفياً) شديداً، مما انحرف به وعاقه عن التطور المعتاد. وكلما اقترب موعد حضوره أول طقس للعشاء الرباني (جزء من القدّاس) يقام له، اعتراه خوف من أن يُدلي لقس الاعتراف بهواجسه الداخلية، وممارساته السرية، وعندما وجد الشجاعة واعترف لقس الاعتراف هدَّأه القس وأراحه وأحلّه من تبعاته (غفر له)، عندها شعر بفرح الملائكة. وفي اليوم التالي أقاموا لي طقوساً سامية محركة للمشاعر، حاولت عبثاً أن أصفها في كتابي عبقرية المسيحية Le Genie du christianisme. إن الحضور الحقيقي للفادي Victim (يقصد المسيح) في القربان المقدّس على مذبح الكنيسة كان واضحاً لي كحضور أمي إلى جانبي. لقد شعرت كما لو أن نوراً قد انبثق في داخلي. فارتعد إجلالا(49) وبعد ثلاثة أشهر غادر كلية (مدرسة) دول College de Dol. إن ذكرى هؤلاء المعلمين الجادين ستبقى دائماً عزيزة إلى نفسي(59). هذا السمو (المقصود هذه المشاعر الدينية) راح يقل كلما أمعن في القراءة مما أدى إلى ظهور قضايا أو أسئلة في حاجة لإجابة في أمور العقيدة. واعترف لوالديه أنه لا يريد أن يكون قساً. فتم إرساله وهو في السابعة عشر من عمره إلى كلية رن College de Rennes لمدة عامين لتؤهله لوظيفة في الحراسة البحرية Naval Guard في بريست Brest. وفي سنة 8871 (كان قد بلغ العشرين) تم تعيينه تحت الاختبار لكن حياته التي اعتاد عليها قبل ذلك بالإضافة إلى الانضباط في البحرية الفرنسية جعلاه خائفاً جداً من العمل في البحرية حتى أنه عاد إلى والديه في كومبورج Combourg ووافق على الالتحاق بكلية دي دينان de Dinan ليكون قساً، وربما قال هذا رغبة في أن يخفّف والده من حدّة توبيخهما له. يقول الحقيقة أنني لم أكن أريد إلا كسب الوقت لأنني لم أكن أعرف ما أريد(69)، وأخيراً التحق بالجيش برتبة ملازم، وتم تقديمه للملك لويس السادس عرش، وكان يمارس الصيد معه، وشهد الاستيلاء على الباستيل، وتعاطف مع الثورة إلى أن قامت في سنة 0971 بإلغاء الرّتب والألقاب والحقوق الاقطاعية. وعندما نذرت كتيبته نفسها للانضمام لجيش الثورة استقال من مهامه واكتفى بدخل متواضع من ميراث تركه له أبوه عند مماته - وفي أبريل سنة 1981 غادر فرنسا قاصداً الولايات المتحدة، وأعلن أنه سيحاول أكتشاف طريق شمالي غربي عبر القطب الشمالي (شمال أمريكا). لقد كنتُ مفكراً حراً متحمساً في ذلك الوقت(79).

ووصل إلى بلتيمور Baltimore في 11 يوليو سنة 1971 ومنها إلى فيلادلفيا، وتناول الغداء مع الرئيس وشنجطن ورفّه عنه بخططه المتسمة بالمبالغة واتخذ طريقه إلى ألباني Albany واستأجر دليلاً واشترى حصانين وركب مزهوا إلى الغرب، وكان معجباً بجلال المشاهد التي رأها حيث الجبال والبحريات والمجاري المائية تتلألأ تحت شمس الصيف. لقد وجد متعة بالغة في هذه المساحات الواسعة المكشوفة وهذا الفن الذي خطته يد الطبيعة، ليكون ملجأ يلجأ إليه المرء هرباً من الحضارة وتكلّفها. وقد سجل تجربته في يوميات نقَّحها في وقت لاحق ونشرها بعنوان: رحلات في أمريكا Voyages en Amerique وظهر في هذه الرحلات بالفعل جمال أسلوبه:

أيتها الحرية البدائية (حرية الفطرة الأولى) لقد استعدتك أخيراً! إنني انطلق مثلما ينطلق الطير، أتنقّل كالذبابة فهي تقود نفسها لا عوائق أمامها، ولا تعرف إرباكاً ولا حيرة إلاّ في اختيارها للمكان الظليل. هنا أنا بطبيعتي كما خلقني الله جل جلال؛ سيد الطبيعة، منتصر أنا إذ يحملني الماء، بينما قاطنو المجاري المائية يصحبونني في طريقي وقاطنو الهواء يغنون أغنياتهم لي، وحيوانات الأرض البرية تحييني وأشجار الغابات تحني ذُراها لي كلما مررت، أليست أصولنا الأولى حُفِرت (سُجّلت) على جبين الإنسان في مجتمعه أو على جبيني؟ اجرِ إذن لتُخرس أنفاسك في مدنك! اذهب لتكون عبداً لقوانينك التافهة، احصل على خبزك بعرق جبينك أو التهم خبز الفقراء. ليقتل بعضنا بعضاً من أجل كلمة، من أجل السيدّ؛ فنتشكك في وجود الله أو نعبده بصيغ عبادة خرافية، أما أنا فسأذهب أتجوّل في قفري المنعزل ففيه لن يقمع أحد فكري ولن يُدمي أحد قلبي، فسأكون حراً كالطبيعة، ولن أعترف بسلطان أحد سوى سلطانه (الله) الذي أبقى لنا الشمس، والذي بإشارة واحدة من يده قادر على اشعال الثورة (المقصود إحداث الاضطراب) في كل العوالم (جمع عالم بفتح اللام)(89).

هنا كل ميراث الحركة الرومانسية: الحرية والطبيعة والصداقة، لكل الكائنات الحية، احتقار للمدن واحتقار لمحاربة الإنسان لأخيه الإنسان من أجل الخبز أو السلطان، هنا رفض للإلحاد والخرافة، هنا نعبد الله بتأمل الطبيعة، هنا يكون الهرب من كل قانون خلا قانون الله. لا يهم - من وجهة نظر أدبية - أن يكون شاتوبريان قد فقد إيمانه الديني، أو أن كثيراً من أوصافه كان أقرب للخيال منه للحقيقة، أو أن النقاد الفرنسيين والامريكيين سرعان ما اكتشفوا مئات المبالغات والمستحيلات والمواضع التي اتسم فيها بعدم الدقة(99)، وإنما المهم أن أسلوبه النثري هنا قد أثَّر تأثيراً كبيراً في مشاعر كل النساء وكثير من الرجال. لم يشهد النثر الفرنسي منذ روسو Rousseau أو بيرناردين دي سانت بيير Bernardin de Sant - Pierre مثل هذا البهاء والخصوبة، ولم تقدّم الطبيعة بهذا الاشراق، ولم يُظهر أحد الحضارة بهذا السخف. إن كل ما تنتظره الحركة الرومانسية هو أن تقدم بشكل مقنع الهنود الحمر (الهنود الأمريكيين) كسادة يتجولون في الفردوس يتربعون على عروش الحكمة، وأن تقدم بشكل مقنع الدين كأساس للأخلاق والفنون والخلاص Salvation. وسرعان ما قدَّم شاتوبريان مثلاً على هذا في قصته أتالا Atala ورينيه Rene، وقدّم مثالا ثالثا في كتابه عبقرية المسيحية The Genus of Christianity.

لقد تجوّل مكتشف الشاعر راكباً خلال ولاية نيويورك واستقبله بعض الأونونداجا Onondago الهنود وأكرموه ونام بشكل بدائي على الثرى (الأرض الأم) بالقرب من نياجارا Niagara وسمع الأصوات المكبوتة لخرير مياه الشلالات. وفي اليوم التالي جلس بشكل تلقائي على شاطئ النهر الذي يُسرع في جريانه ليصل إلى مصبّه. لكم تُقتُ لإلقاء نفسي فيه(001) ولأنه كان شغوفاً لرؤية الشلالات من أدنى فقد هبط المنحدر الصخري فزلَّت قدمه وكُسِر ذراعه، ورفعه الهنود (الحمر) إلى حيث الموضع الآمن. وتخلّى عن حلمه بالاتجاه نحو الشمال الغربي فاتجه جنوباً ووصل إلى الأوهايو Ohio. وعند هذه النقطة تصبح روايته للوقائع والمشاهد مُلتبسةً مشكوكاً فيها. إنه يخبرنا أنه تابع الأوهايو إلى المسيسبِّي ومنه إلى خليج المكسيك ومن هناك عَبْر آلاف الأميال ومئات الجبال إلى فلوريدا. وقارنَ النقّادُ المسافات ووسيلة الانتقال بزمن الرحلة وانتهوا إلى أن روايته مشكوك فيها. كما أنه وظفَ حيوانات المنطقة وغطاءَها النباتي بما لا يتفق أبداً مع طبيعة هذه المنطقة وغطائها النباتي بعد رحلته بمئة سنة(101)، وعلى أية حال فإن قرناً من الزمان يكفي لتغيير الحياة البرية في المنطقة تغييراً حاداً، ولو حتى من خلال انتشار الزراعية والتعدين وارتفاعات الأرض وانخفاضاتها.

وبعد أن مكث مع الهنود الحمر من جماعات السمينول Seminole اتخذ طريقه نحو الشمال الغربي إلى شيليكوث Chillicothe وهي الآن إلينوي Illinois. وهناك قرأ في صحيفة إنجليزية أخبار هروب لويس السادس عشر إلى فارن Varennes (22 يوليو 1971) فأصابه الرعب فمعنى القبض على الملك تعرض حياته - يومياً - للخطر. قلت لنفسي: عُد لفرنسا وقطعت رحلاتي فجأة(201) وفي 2 يناير سنة 2971 وصل فرنسا بعد غياب دام تسعة أشهر، وكان عمره عند عودته لا يتجاوز الثالثة والعشرين.


تطوره

لقد كان قد أنفق تقريباً كل ما لديه من مال، وكان لا يزال غير متيقن ولا آمن في وطن يُعادي الفيكونتات (المقصود النبلاء عامة) ويسير نحو الحرب ومذابح سبتمبر. ونصحته أَخَواته أن يتزوّج المال ودبّرا له عروساً في السابعة عشرة من عمرها قبلت مهراً (دوطة) معتدلة هي سيليست بوسو دي لا فني Celeste Buisson de La Vigne فتزوجها في 12 فبراير سنة 2971. وظلت سيليست المتواضعة مُخلصة له خلال كل التقلبات التي مرت به وتحملت خليلاته وتحملته خلال فترة صراعه مع نابليون مع أنها كانت معجبة به (بنابليون) وبعد سنوات طوال تعلّم شاتوبريان أن يحبها. وذهبا للعيش في باريس معاً بالقرب من أختيه لوسيل Lucile وجولي Julie. وضاع جزء من ثروة زوجته كان يتم استثماره في سندات تصدرها الكنيسة عقب مُصادرة حكومة الثورة للممتلكات الكنسية وخسر رينيه Rene جزءاً آخر على موائد القمار.

وفي 02 أبريل أعلنت الجمعية التشريعية الحرب على النمسا، فكوّن المهاجرون الفرنسيون (الذين تركوا فرنسا إثر أحداث الثورة الفرنسية) كتيبةً لتنضم إلى النمسا للإطاحة بالثورة. وشعر شاتوبريان أن عليه أن ينضم لزملائه النبلاء رغم أنه لم يكن على يقين من رغبته في الاطاحة بالثورة. ترك شاتوبريان زوجته وأخواته في باريس وسرعان ما قرر ثوار باريس سجن (وإعدام) مئات من أفراد الطبقة الارستقراطية. واندفع إلى كوبلنتز Coblenz وانضم لجيش المهاجرين واشترك في حصار ثيونفيل Thionville الفاشل (أول سبتمبر 2971) وجُرح في فخذه، وفي لفتة كريمة تم إطلاق سراحه. ولمّا لم يكن قادراً على العودة لزوجته عبر فرنسا المعبّأة، اتخذ طريقه إلى أوستند Ostend قاطعاً المسافة في غالبها على قدميه، وهناك وجد طريقا إلى جزيرة جيرسي Jerser فاعتنى به خاله، وفي مايو سنة 3971 عبر إلى إنجلترا.

وفي إنجلترا عرف حياة الفقر وتحمّلها رغم صحتي المعتلة ورغم تلاشي الأحلام الرومانسية في الحرية(301). ورفض شاتوبريان الإعانة الماليــة التــي كانــت الحكومة البريطانيــة تقدمهــا للنبلاء الفرنســيين المهاجريــن وراح يتكسّــب بتعليــم الفرنسية لمــن يريد، كما راح يتكسب من التدريس في مدرسة داخلية. وأحب إحدى تمليذاته وهي شارلوت إيفز Ives وبادلته الحب واقترح والدها أن يتزوجها فاعترف لهما أنه متزوّج بالفعل. وفي هذه الأثناء سُجنت زوجته وأخواته في فرنسا، وقطعت مقصلة الثوار رأس أخيه الأكبر وزوجته (أي زوجة أخيه) وجدِّها البطل مالليشيرب Malesherbes في 22 أبريل 4971. أما زوجة شاتوبريان وأخواته فلم يُطلق سراحهن حتى انتهاء فترة الارهاب بسقوط روبيسبير.

وكانت أخته لوسيل قد لاحظت كثيراً سهولة تعامله مع الكلمات فحثته ليكون كاتباً ومؤلفاً. وخلال السنوات التي قضاها في إنجلترا بدأ في كتابة ملحمته النثرية الطويلة (ناتشز Natchez) راح يصب في صفحاتها البالغة 383،2 صفحة أحلامه الرومانسية معتبراً حياة الهنود الحمر (الهنود الأمريكيين) حياةً مثالية. ولرغبته الشديدة في تحقيق الشهرة كفيلسوف نشر في لندن في سنة 7971 كتابه الثورات قديماً وحديثاً، دراسة تاريخية وسياسية وأخلاقية Essia historique, Polilique et moral Sur les revolutions anciennes et modernes. وكان هذا عملاً جديراً بالالتفات من شاب لم يتجاوز التاسعة والعشرين من عمره ينقصه انضباط حياته وإن كان غنياً بالأفكار. لقد برهن شاتوبريان على أن الثورات هيجان يحدث بشكل دوري، وما يتبعها يتخذ دوماً شكل منحنى يبدأ بالثورة ويمر بالأضطراب والفوضى وينتهي بالدكتاتورية. ومن هنا وجدنا الإغريق يخلعون ملوكهم ويُقيمون الجمهوريات ثم يرضخون للأسكندر، ووجدنا الرومان يخلعون ملوكهم ويُقيمون جمهورية ثم يرضخون للقياصرة(401) وهنا نجد أن شاتوبريان يتنبأ بنابليون قبل الثامن عشر من برومير Brumaire بعامين. إن التاريخ دائرة أو أنه دوران متكرر على الدائرة نفسها، مع ظهور أهداب من هذه الدائرة تجعل القديم يبدو جديدا، ومع هذه الانقلابات العظيمة الواضحة يسقط البشر في الشرور نفسها، ويكررون أيضاً ما هو خير. وليس هناك في التاريخ تطور حقيقي، حقيقة إن المعلومات تزداد، وإنما - فقط - لتكون في خدمة الموهوبين الذين لا يتغيَّرون. والإيمان بالتنوير كوسيلة للوصول بالإنسان إلى كمال لا حد له، هذه الفكرة وهم طفولي. ومع هذا فقد نجح التنوير في تقويض دعائم المسيحية (وهذه النتيجة أذهلت معظم القراء) وليس هناك احتمال راجح أن يستعيد الدين مكانته في نفوس شبابنا في هذه القرن حيث السلام السياسي والحرب الفكرية. فأي دين سيحل - إذن محل المسيحية؟ أو بتعبير آخر ما هو الدين الآخر الذي سيُحلِّه المسيحي محل دينه؟ ربما لا دين آخر (هكذا انتهى الشاب المتشكك). فالنزاعات الفكرية والسياسية ستقوّض الحضارة الأوروبية وستعود بأوروبا إلى بربريتها الأولى(501).

لقد حقق هذا الكتاب لشاتوبريان شهرة في أوساط المهاجرين الفرنسيين لكنه صدم أولئك الذين شعروا أن الارستقراطية والدين يجب أن يقفا معاً ويصمدا معاً، أو أن يموتا منفصلين. وقد ترك هذا النقد أثره في شاتوبريان، فقد كانت كتبه التي صدرت بعد ذلك - في جانب كبير منها - اعتذاراً عن هذه الفكرة، لكنه الآن قد غدا متأثراً تأثراً عميقا بخطاب أرسلته له من فرنسا أخته جولي Julie في أول يوليو سنة 8971: صديقي، لقد فقدنا لتوّنا أفضل الأمهات.. لو عرفتَ كثرة الدموع التي ذرفتها أُمُّنا العزيزة بسبب أخطائك، وكم هي هذه الأخطاء الباعثة على الأسى تبدو للجميع واضحة سواء من منظور التقوى والتدين أو العقل. أما وقد عرفت هذا فافتح عينيك وتخلّ عن الكتابة، وإذا استحاب الله لدعائنا واجتعمنا ثانية فستجد بيننا كل السعادة التي يمكن أن تكون على ظهر هذه الأرض(601).

وعندما تلقى شاتوبريان هذا الخطاب، كان معه خطاب آخر يفيد أن أخته جولي هذه قد ماتت أيضاً. وفي مقدمة كتابه عبقرية المسيحية La Genie du Christianisme عزا إلى هذين الخطابين تحوله الكامل الذي ظهر في كتابه هذا الآنف ذكره. إن هذين الصوتين المنبعثين من القبر (صوت أمه وصوت أخته) كانا يطنّان في أذنيَّ، فأصبحت مسيحياً.. بكيتُ وآمنت، فقد فسّر لي موتهما ما يعنيه الموت.

إن مثل هذا التغير المفاجئ والمبهر (الدرامي) يُغري بالتشكك، لكنه لم يكن تشككاً بمعناه الحرفي، وربما أرجع شاتوبريان - الذي لم ينفصل الفيلسوف في شخصه أبداً عن الشاعر - للحظة واحدة، عملية تحوّله من عدم الإيمان إلى الإيمان (بالمسيحية) التي رآها أولاً جميلة ثم رآها مفيدة خيِّرة، ثم - أخيراً - اعتقد أنها - أي المسيحية - رغم أخطائها - تستحق التعاطف معها على المستوى الشخصي كما تستحق دعمها على المستوى العام (بين الناس)، لقــد تأثر فــي الأعــوام الأخيرة من القــرن الثامــن عشــر بخطابــات وصلته من صديقه لويس دي فونتين de Fontanes يصف فيها التفسخ الأخلاقي والانحلال الخلقي الذي حاق بفرنسا، ورغبة الناس المتزايدة في العودة إلى كنائسهم وقُسسهم. وخَلُص فونتين إلى أن هذا التوق الشديد سيجبر الدولة في وقت قريب جداً على العودة للعبادة الكاثوليكية.

وقرر شاتوبريان أن يكون هو الصوت المعبّر عن هذه الحركة (حركة العودة للكاثوليكية) فكتب دفاعاً عن المسيحية ليس من خلال المفاهيم العلمية والفلسفية وإنما من خلال الأخلاق والأدب والفن. لا جُناح إن كانت هذه القصص الفاتنة التي قصّوها علينا في شبابنا خرافات أكثر من كونها تاريخاً حقيقياً. إنها أبهجتنا وأوحت لنا بالكثير، وجعلتنا إلى حد ما متآلفين مع الوصايا العشر التي قام عليها نظامنا الاجتماعي وبالتالي الحضارة المسيحية. أليست جريمة كبرى أن تنزع من الناس العقائد التي ساعدتهم في السيطرة على الفوضى الاجتماعية وتحمل الظلم والشر والمعاناة، والمصير المحتوم الذي لا مهرب منه - الموت؟ وعلى هذا فإن شاتوبريان قد عبّر في مذكراته الأخيرة Memoires عن إيمانه وشكه في الوقت نفسه. إن روحي لا تميل للاعتقاد في شيء حتى في نفسي، وتميل إلى ازدراء كل شيء - الفخامة والعظمة والبؤس والشعوب والملوك، ومع هذا فإن روحي يهيمن عليها العقل الذي يطالبها بالتسليم بكل ما هو جميل: الدين والعدالة والإنسانية والمساواة والحرية والمجد(701). وفي سنة 0081 دعا فونتين Fontanes شاتوبريان للعودة إلى فرنسا، وكان فونتين شخصاً مقبولاً للقنصل الأول (نابليون) وفي مقدوره أن يضمن ألاَّ يتعرض هذا الشاب المهاجر (شاتوبريان) للأذى. وكان نابليون يفكر بالفعل في إعادة الكاثوليكية، وقد يساعده كتاب جيِّد عن فضائل المسيحية في مواجهة سخرية اليعاقبة، تلك السخرية التي لا مناص من مواجهتها إن هو (نابليون) أعاد الكاثوليكية.

وفي 61 مايو سنة 0081 عاد شاتوبريان إلى زوجته وأخته لوسيل Lucile في باريس، وقدّمه فونتين للدوائر الأدبية التي تجمع أفرادها في بيت الكونتيسة بولين دي بومومنت Pauline de Beaumont التي كانت سهلة الانقياد نحو الإثم لكنها جميلة، وهي ابنة الكونت أرمان - مارك دي مونتموري Armand - Mare de Montmorin الذي كان في وقت من الأوقات وزيراً للخارجية في عهد الملك لويس السادس عشر، وقطع الثوار رأسه بالمقصلة بعد ذلك، .سرعان ما أصبحت بولين خليلة شاتوبريان. وفي بيتها الريفي وبتشجيعها انهى كتابه عبقرية المسيحية. ولم يكن يعتقد أن الوقت المناسب قد حان لنشر كتاب يعارض بشدَّة الحركة المتشككة في المسيحية السائدة في دوائر الفكر والأدب، لكن في سنة 1081 قدم لباريس مئة صفحة مستخلصة منه على شكل نص نثري ذي طابع شعري يقدم الفضائل المسيحية والحب الرومانسي بشكل بسيط تغمره الطمأنينة دون لهجة خطابية أو وعظية. وجعله هذا الكتاب - فجأة - حديث المتعلمين في فرنسا ومحبوب النساء وابن الكنيسة الحبيب - تلك الكنيسة التي جرى احياؤها من جديد.

لقد أطلق على كتابه (قصته) هذا اسم اتالا Atala أو حب اثنين من البدائيين في الصحراء. والمشهد الافتتاحي في لويزيانا Louisiana التي يقطنها الهنود الحمر (الأمريكيين) من جماعة ناتشز Natchez Indians والراوي هو شيخ الجماعة أو القبيلة وهو أعمى واسمه شاكتاس Chactas. إنه يقص علينا كيف أسَرَتهُ في شبابه قبيلة معادية وحكمت عليه بالموت حرقا لكن أنقذته أتالا Atala وهي عذراء هندية (من الهنود الحمر) وهربت معه عبر المستنقعات والغابات والجبال والمجاري المائية وأحب كل منهما الآخر لاقترابهما واشتراكهما في مواجهة الأخطار، وطلب منها اكمال الحب بالتواصل الجنسي لكنها رفضت لأنها كانت قد تعهدت أمام أمها التي ماتت أن تظل عذراء طوال عمرها، والتقيا بمبشر مسيحي عجوز أيد تقواها لاعناً الحب كشكل من أشكال السُّكر والزواج كقدر أسوأ من الموت(801)، وتمزقت اتالا Atala بين الدين والجنس (كما في التاريخ) وخرجت من المأزق بتناول السم. وغدا شاكتاس Chactas وحيداً معزولاً لكن المبشّر شرح له الموت باعتباره خلاصاً مباركاً من هذه الحياة:

رغــم ازدحام رأسي بذكريــات أيام كثيرة... فلم يحدث أبداً أن التقيت برجل لم يخدع في حلمه بالسعادة، فليس هناك قلب إلاّ وانطوى على جرح داخلي.. فالروح في صفائها الظاهري تشبه الآبار الطبيعية بين الحشائش الطوال (السفانا) في فلوريدا: إن سطحها يبدو هادئاً رائعاً، ولكن عند النظر إلى قيعانها.. تُدرك وجود التماسيح الكبيرة..(901).

لقد أصبح وصف شاتوبريان لجنازة أتالا Atala حيث تعاون القس والوثني في مواراة جسدها الثرى، وصفاً مشهوراً في الأدب الرومانسي، كما ألهم الفنان جيرود - تريوزن Girodet - Triosen فرسم إحدى أعظم اللوحات في فترة حكم نابليون. إنها لوحة دفن أتالا التي بكى عند رؤيتها نصف سكان باريس في سنة 8081، لكن التراث الكلاسي كان قوياً في فرنسا في سنة 1081 لدرجة تمنع ترحيب النقاد جميعاً بالقصة وابتسم منهم كثيرون (ساخرين) عند قراءة الفقرات المنمّقة (المصاغة بعناية) وعند إدراكهم توظيف الحب والدين والموت (وهو توظيف قديم) لإنعاش القلوب وإيقاظها من غفوتها، وحشد مكوّنات الطبيعة بمختلف مظاهرها وأحوالها لتكون لحناً إلزامياً مصاحباً لأفراح الإنسان وأتراحه. لكن كان هناك أيضاً نقاد آخرون وعدد كبير من القراء امتدحوا بساطة استخدامه للكلمات والموسيقا الهادئة في أسلوبه ووصفه للحياة الحيوانية والنباتية والجبال والغابات والمجاري المائية معبراً عن الأصوات والأشكال والألوان بأزهى عبارة، مما شكَّل خلفية مفعمة بالحياة لأحداث القصة. لقد كان المزاج العام في فرنسا على استعداد لسماع كلمات طيبة عن الدين والطهارة. وكان نابليون يخطط لتصالح مع الكنيسة. لقد حان الآن الوقت المناسبة لنشر كتاب (عبقرية المسيحية).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كتاب عبقرية المسيحية

لقد ظهر هذا الكتاب في خمسة مجلدات في 41 أبريل سنة 2081 في الأسبوع نفسه الذي شهد إعلان الوفاق البابوي (الكونكوردات) وقد كتب جول ليميتر Jules Lemaitre في سنة 5681 إن كتاب عبقرية المسيحية هو أعظم إنجاز في تاريخ الأدب والفكر الفرنسيَّين(011) وقد امتدح فونتين Fontanes الكتاب في مقال بصحيفة المونيتور Moniteur مستخدماً صيغ التفضيل بشكل ينم عن احتفائه الشديد. وقد ظهرت الطبعة الثانية في سنة 3081 مصّدرة بإهداء إلى نابليون. ومنذ هذا الوقت شعر المؤلف أن نابليون هو الشخص الوحيد الذي يتفوَّق عليه (والمعنى أن المؤلف اعتز بنفسه اعتزازاً شديدا، فقد أصبح يحس أنه يلي نابليون مباشرة في الأهمية).

وكلمة genie الفرنسية التي تظهر في عنوان الكتاب لا تعني بالضبط كلمة genius الإنجليزيّة (عبرقية أو نبوغ) رغم أنها تنطوي على ذلك المعنى أيضاً. إنها تعني الشخصية المميزة والروح الخلاق الكامن في صلب الدين، تلك الشخصية وهذه الروح التي انجبت وغدَّت الحضارة الأوروبية بعد الفترة الكلاسية. لقد اقترح شاتوبريان ابطال تنوير القرن الثامن عشر أي الحركة التنويرية Enlightment المعروفة في ذلك القرن مُظهراً أن في المسيحية ما يُغني عنها ففي المسيحية - على حد قوله - فهم متعاطف أو تعاطف فاهم مع حاجات الإنسان وفيها بَلْسم لأحزانه، وفيها إلهام متعدد الجوانب للفن ودعم قوي للنظام الاجتماعي والأخلاق، وهذا يكفي أما مصداقية العقائد والمرويات الكنسية فهي مسألة قليلة الاهمية. فالسؤال الحقيقي هو: هل المسيحية تمثل دعما للحضارة الأوروبية؟ وهل هو دعم لا يُبارى ولا يُجارى ولا يعوّض ولا يمكن فصله عنها؟ - أي عن هذه الحضارة.

لقد كانت صورة التفسخ الأخلاقي والاجتماعي والسياسي في فرنسا الثورة التي طلَّقت نفسها من مسيحيتها الكاثوليكية تمثل برهاناً أقوى وأكثر منطقيّة من حُجج شاتوبريان. لكن شاتوبريان كان رجل مشاعر وأحاسيس وربما كان على حق في تأكيده أن معظم الفرنسيين هم أقرب إليه منهم إلى فولتير وغيره من المفكرين الذين عملوا بحماس على ابعاد عار هيمنة الدين المطلقة. لقد أطلق على نفسه اسم المعادي للمفكرين anti - philosophe. لقد اشتط كثيراً - أكثر من روسو بكثير في حملته ضد المنهج العقلي ووبّخ مدام دي ستيل لدفاعها عن التنوير. وعلى هذا فقد بدأ بالدعوة إلى الإحساس والشعور، وترك العقل في المحل الثاني.

لقد أعلن في البداية إيمانه بالسِّر الأساسي للعقيدة الكاثوليكية وهو التثليث: الرب باعتبار الآب الخالق، والرب باعتباره الابن المخلص أو الفادي، والرب باعتباره الروح القدس الذي يُنير الطريق ويبارك. إن المسألة ليست مصداقية هذا الأمر، فالمهم أنه دون عقيدة في وجود إله مدبِّر تُصبح الحياة معركة لا رحمة فيها وصراعاً وحشياً، وتُصبح الخطايا لا غافر لها ويُصبح الزواج رباطاً ممزقاً هشاً غير قائم على أساس وطيد، وتُصبح الشيخوخة انفصاماً كئيباً ويُصبح الموت شيئاً قبيحاً، وإن كان كرباً لا يمكن اجتنابه. أما الطقوس (الشعائر) الكنسية من تعميد (أو عماد) واعتراف وعشاء مقدس وتثبيت التعميد ومسح المحتضر بالزيت المقدس والسيامة الكهنوتية (مراسم تعيين الكهنة) - فتحيل آلامنا وانهيارنا المخزي إلى تطور روحي متقدم يتم تعميقه بإرشاد القسس والكهنة وتوجيهاتهم وبالطقوس (الشعائر) المؤثرة، وتقوّي موقف الفرد الضعيف بمفرده ليكون كثيراً بإخوانه من المؤمنين بالمسيح المحبوب المخلص وأمه العذراء الشفيعة التي بلا خطيئة، والله الحكيم الكلّي القدرة المراقب المعاقب المسامح والمجازي. بهذا الإيمان يتم خلاص الإنسان من أعظم لعنة يمكن أن تحيق به - أن يكون بلا معنى في عالم بلا معنى.

وراح شاتوبريان يُعارض الفضائل التي أوصى بها الفلاسفة الوثنيون بتلك التي دعت إليها المسيحية: فمن ناحية نجد الجَلَد (الثبات) والاعتدال (ضبط النفس) والتدبر (التعقل) - كل هذه الفضائل تتجه نحو هدف تقدم الفرد، ومن ناحية أخرى نجد الإيمان والأمل وعمل الخير وهي - أي هذه الفضائل الأخيرة تجعل الحياة نبيلة وتقوي الروابط الاجتماعية وتحيل الموت إلى حياة (من خلال فكرة البعث). وقارن وجهة نظر الفيلسوف فيما يتعلق بالتاريخ باعتباره نضالاً وهزائم تلحق بالأفراد والجماعات بالنظرة المسيحية للتاريخ باعتباره جهدا إنسانياً للسمو فوق الخطيّة المتأصلة في طبيعته ولتحقيق آفاق أوسع. إنه لمن الأفضل أن تعتقد أن السماوات تمجد عظمة الرب من أن تعتقد أنها ركام عارض من صخور وتراب، خالدة لكن بلا معني، جميلة لكنها كيئبة. وكيف نستطيع أن نتفكّر في جمال معظم الطيور وكثير من ذوات الأربع دون شعور بأن بعض القداسة كامن في نموّها المَرِن (التدريجي) وأشكالها الفاتنة؟

وبالنسبة للأخلاق فقد بدا الأمرُ لشاتوبريان واضحاً بشكل مؤلم: إن دستورنا الأخلاقي لابد أن يباركه الرب وإلا تردّى ليكون ضد طبيعة الإنسان (الطبيعة البشرية)، فليس هناك دستور أخلاقي من وضع البشر يمكن أن تكون له القوة الكافية للسيطرة على غرائز البشر المناقضة للحياة الاجتماعية. لكن الخوف من الله هو بداية الحضارة وحب الله هو هدف الأخلاق، وأكثر من هذا فإن هذا الخوف (من الله) والحب له لابد أن ينتقل من جيل إلى جيل على أيدي الآباء والمعلمين ورجال الدين. فآباء بلا إله ومعلمون دون دعم من عقيدة دينية ورداء كهنوتي سيجدون الأنانية مستشرية وسيجدون أن الهوي والانفعال والجشع أقوى من كلماتهم غير المؤثرة. وأخيراً لا يمكن أن تكون هناك أخلاق إن لم يكن هناك عالم آخر(111) لابد أن تكون هناك حياة أخرى لتعوضنا عن محنة الفضائل في عالمنا الأرضي.

ودلّل شاتوبريان على أن الحضارة الأوروبية تكاد تكون مدينة كلية للكنيسة الكاثولويكية - بدعمها للأسرة والمدرسة، ودعوتها للفضائل المسيحية، ولمعارضتها للخرافات والخوف اللاعقلاني والممارسات الخاطئة والقضاء عليها، وإلهامها للآداب والفنون وتشجيعها. إن العصور الوسطى قد منعت بحكمة السعي غير الموجّه للوصول للحقيقة، وكان منعها هذا لصالح الجمال فقد تجلى فن العمارة في الكاتدرائيات القوطية بشكل يفوق تجليه في الباثينون Pathenon. والآداب الوثينة فيها الكثير مما هو متعة للعقل والكثير مما هو مفسد للأخلاق. والكتاب المقدس المسيحي أعظم من كتابات هوميروس، والأنبياء أكثر تأثيراً في الناس من الفلاسفة، فأي رواية يمكن مقارنتها في رقتها وتأثيرها بحياة المسيح وتعاليمه؟! إنه لمن الواضح أن كتاباً مثل عبقرية المسيحية لا يمكن أن يكون مقبولاً إلاّ من أولئك الذين كانوا مستعدين عاطفيا للاعتقاد (للإيمان) بسبب تجاوزات الثورة الفرنسية أو بسبب مِحَن الحياة. ومن هنا قال الفيلسوف جوبير Joubert صديق شاتوبريان أنه بحث عن ملجأ في الكاثوليكية هرباً من عالم ثوري مُرعب بدرجة لا تُحتمل(211). وقد يبتسم بعض القراء لتفسيره الطفولي لغاية أو غرض بعض مظاهر الطبيعة عندما يقول إن شَدُو الطيور قد صُمِّم ليتمشي مع آذاننا... فرغم قسوتنا عليها (أي على هذه الطيور) فهي لا تستطيع أن تكُف عن امتاعنا كما لو كانت مضطرة لتنفيذ أوامر إلهية(311). لكن هؤلاء القراء كانوا دوماً منبهرين برقة موسيقا اللفظ والأسلوب حتى أنهم لم يتوقفوا كثيراً لفهم ما ذكره عن النّعم الثلاث لشرح فكرة التثليث في العقيدة المسيحية أو الخوف المالتوسي (الذي أثاره مالتوس) من زيادة عدد السكان زيادة هائلة للدفاع عن فكرة التبتل أو البقاء بلا زواج، تلك الفكرة ذات الأبعاد الكنسية (الإكليريكية). وإذا كانت الحجج التي سافها ضعيفة في بعض الأحيان إلا أن جاذبية أسلوبه غطت على هذا الضعف. إن الطبيعة نفسها ليعتريها المرح إذا سمعت ابتهالات شاتوبريان وتدلّهه في حبها، بعد أن تكون ساخطة معبرة عن سخطها بالزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير المصحوبة بمطر ورعد وبرق.

والسؤال الآن: هل كان شاتوبريان حقاً مؤمناً؟ بدءاً من سنة 1081 إلى آخر حياته سمعنا(411) أنه كفَّ عن صلاة عيد الفصح Easter فلم يعد يشترك في العشاء الرباني ولم يعد يتقدم للكاهن لأداء طقس الاعتراف - وهو الحد الأدنى الذي تطلبه الكنيسة من الأطفال. وقد ذكر سيسموندي Sismondi حوراً معه في سنة 3181:

إن شاتوبريان قد لاحظ تدهور الدين في العالم على مستوى أوروبا وآسيا، وقارن علامات التدهور هذه بتعدد الآلهة على أيام جوليان Julian... وانتهى إلى أن أمم أوروبا قد تختفي مع دياناتها. لقد صُعِقت لروحه المتحررة هذه... لقد تحدث شاتوبريان عن الدين... أنه يعتقد أن الدين ضروري لمساندة الدولة. إنه يعتقد أنه والآخرين ملزمون أو مقيدون بالإيمان بدين أو بتعبير آخر لا فكاك من ذلك(511). إننا مندهشون لكتمانه شكّه في الدين (الكاثوليكي) طوال ستين عاماً، يا له من عبء ثقيل حمله! إنه لم يتخلّص أبداً من التشاؤم الذي ألمَّ به في شبابه والذي وصفه في كتابه رينيه Rene. وفي أواخر حياته قال كان يجب ألا أُولد(611).

شاتوبريان ونابليون

قال نابليون إن كتاب عبرقية المسيحية عمل من رصاص وذهب، وإن كان الذهب فيه أكثر.. إن كل ما هو عظيم ووطني في شخصية الإنسان لابد أن يعترف بعبقرية شاتوبريان(911) وقد رحب نابليون من جانبه بالكتاب باعتباره متفقاً بشكل يدعو للعجب مع الكونكوردات البابوي (الاتفاق مع البابا)، ورتب نابليون لقاء مع المؤلف واعترف به كشخص مهم ذي قيمة وعيَّنه في سنة 3081 كسكرتير أول في السفارة الفرنسية في روما. وقد كتب المؤلف عن هذا اللقاء بتواضع وفخر: لم يكن يهم نابليون كثيراً ألا يكون لدي خبرة في الشؤون العامة، فأنا لم أتمرّس إطلاقاً في الشؤون السياسية العملية، لكنه - أي نابليون - كان يعتقد أن بعض العقول قادرة على الفهم وليست في حاجة للتدريب(021) وسرعان ما لحقته خليلته إلى روما إلاّ أنها - على أية حال - سرعان ما ماتت (5 نوفمبر) وشاتوبريان إلى جوارها، وكانت قد طلبت منه العودة إلى زوجته قبيل وفاتها. وسرعان ما أصبح شاتوبريان شخصاً مقبولاً لدى البابا، وشخصاً مزعجاً لدى السفير كاردينال فيش Cardinal Fesch خال نابليون الذي اشتكى من أن المؤلف الألمعي يتعدى على صلاحيات السفير. ولم يكن الكاردينال بالرجل الذي يسمح بذلك وطلب اعفاءه، فاستدعى نابليون الفيكونت وعيّنه متابعاً للأمور في جمهوري فالي Valais السويسرية الصغيرة. وذهب شاتوبريان إلى باريس لكن عند سماع خبر إعدام دوق دينين Duc dصEnghien أرسل لنابليون استقالته من الخدمة في السلك الدبلوماسي:

عندما جرؤت على التخلي عن نابليون (ترك العمل معه) وضعت نفسي في مكان المساوي له (جعلتُ نفسي كُفواً له) فتوجه نحوي بكل قوة غدره... وكنت في بعض الأحيان منجذباً إليه للمناصب الإدارية التي كان يغريني بها وبفكرة أنني شاهد على تحوّل في المجتمع وليس مجرد تغيير في الأسرات الحاكمة، لكن طبيعة كل منا المختلفة عن طبيعة الآخر في جوانب كثيرة كان لها دوماً اليد العليا. وإذا كان هو (نابليون) سيكون سعيداً إن جعلني أُعدم بإطلاق النار عليّ، فإنني أيضاً لم أكن لأشعر بوخز شديد في ضميري إن رأيته مقتولا(121).

ولم يلحق بشاتوبريان ضرر عاجل. لقد انشغل عن السياسة بمرض زوجته (التي أحبها فترات علاقاته الغرامية) وبموت أخته لوسيل (4081). وفي هذه الأثناء اتخذ من دلفين دي كوستين Delphine de Custine خليلةً له. وفي سنة 6081 سعى ليُحل محلّها ناتالي دي نوال Natalie de Noailles التي اشترطت قيامه برحلةللأماكن المقدسة في فلسطين(221). فترك زوجته في البندقية (فينيسيا) وذهب إلى كورفو Corfu فأثينا فسميرنا Smyrna فالقسطنطينية (استانبول) فالقدس، وعاد عن طريق الاسكندرية، فقرطاجة فأسبانيا ووصل إلى باريس في يونيو 7081. ولقد أظهر شجاعة وقوة احتمال في جولته الشاقة، وكان أثناء الطريق يجمع بجد ومثابرة مواد لكتابين عزَّزا شهرته الأدبية: الكتاب الأول عن الشهداء Les Marytrs de Diocletien (9081) والكتاب الثاني عن رحلته للقدس Itineraire de Paris a Jerusalem (1181).

وبينما كان يُعد لهذين المجلّدين أظهر عداءه لنابليون (الذي كان يتفاوض في تيلست Tilist للوصول إلى سلام) بكتابة مقال في جريدة Mercure de France (ميركيور دي فرانس، والعبارة تعني المؤشر الزئبقي لفرنسا) وفي 4 يوليو سنة 7081. حقيقة أن هذا المقال كان عن نيرون Nero وتاكيتوس Tacitus لكنه كان ينطبق بالفعل على نابليون وشاتوبريان: في الصمت الذليل عندما لا تسمع تنهيدة فلتفكَّ أغلال العبد، ولتطلق حنجرة الراوي (المؤرّخ)، وعندما تكون الرجفة من الطاغية، ويصبح رضاه وسخطه خطراً على نحو سواء، هنا يظهر المؤرّخ ويُصبح مؤتمناً على مهمة الانتقام للأمة. لقد كان ازدهار نيرون ونجاحه عبثاً (بلا جدوى) لأن تايكتوس Tacitus كان بالفعل موجوداً في أنحاء الإمبراطورية (المقصود موجوداً بفكره وكتاباته). لقد نشأ مغموراً (غير معروف) إلى جانب بقايا جيرمانيكوس Germanicus وكان الله العادل قد سلّم بالفعل لطفل غامض (المقصود نيرون) مجد سيادة العالم. إذا كان دور المؤرخ دورا عادلا، فغالباً ما يتعرض للأخطار، لكن هناك مذابح altars (أي أماكن للعبادة) كما أن هناك ميادين للمجد، ومع أن هذه المذابح (أماكن العبادة) مهجورة (لا يرتادها كثيرون) إلا أنها تحتاج لمزيد من التضحيات.. فحيثما توجد فرصة الثروة لا تجد مؤرخاً يحاول الاستحواذ عليها. فالأعمال التي تتسم برحابة الصدر وسعة التفكير هي الأعمال التي نتيجتها التي يمكن التنبؤ بها هي المحنة والموت. ومع ذلك ماذا لو سبب ذكر اسمنا - الذي تردده الأجيال - طعنة في قلب كريم واحد، بعد ألفي عام من موتنا؟(321).

وعند عودة دنابليون من تيلسيت Tilsit أمر تاكيتوس (المقصود بالطبع شاتوبريان) بمغادرة باريس وتم تحذير صحيفة الميركيور Mecure من نشر مقالات أخرى له، وأصبح شاتوبريان مدافعاً متحمساً عن حرية الصحافة. وعاد إلى عقار كان قد اشتراه في وادي لوب Valee - aux Loups في شاتيني Chatenay وعكف على إعداد كتابه عن الشهداء للنشر، وشَطَبَ من مخطوطة الكتاب الفقرات التي قد تُفسَّر على أنها تحط من قدر نابليون. وفي سنة 9081 ثم القبض على أخيه أمان Armand لنقله رسائل من أمراء البوربون خارج فرنسا لأعوانهم في الداخل. وكتب شاتوبريان إلى نابليون طالباً الرحمة لأخيه، ووجد نابليون أن الخطاب ينم عند اعتداد شديد بالنفس فألقاه في النار، وحُوكم أمان وأُدين وأُعدم بإطلاق النار عليه في 13 مارس. ووصل شاتوبريان بعد لحظات قليلة من إعدامه، ولم ينس أبداً المشهد: أمان الميت وقد مزَّقت الرصاصات جمجمته ووجهه وكلب الجزار يلعق دمه ومخه(421). لقد كان هذا هو يوم الجمعة الحزينة Good Friday في سنة 9081.

ودفن شاتوبريان أحزانه بانعزاله والإعداد لكتابه مذكرات من القبر Memoirs dصlutre - tombe، وقد بدأ في كتابة مذكراته هذه في سنة 1181، وكان يكتب هذا العمل بشكل متقطع ليأنس إلى نفسه ويستريح من عناء الرحلة والسياسة، وكتب آخر صفحة منها سنة 1481 ومنع نشرها إلا بعد موته ليصبح عنوانها مذكرات القبر. لقد كانت مذكرات جسورة الفكر، طفولية المشاعر، رائعة الأسلوب. وهنا - على سبيل المثال - نجد اسراع حشود من عينهم نابليون إلى لويس الثامن عشر ليُقسموا يمين الولاء الأبدي له، بعد سقوط نابليون دخلت الرذيلة مستندة إلى ذراع الجريمة - السيد تاليران يسير متسنداً إلى السيد فوشيه Fouche(521)، إننا نجد هنا في هذه الصفحات المكتوبة برويّة وصفاً للطبيعة البشرية يضارع ما هو مكتوب في قصَّته أتالا Atala وقصة رينيه Rene، نجد فيها أحداثاً زاخرة كأحداث حرق موسكو(621). إنها صفحات عامرة بوصف المشاعر:

الأرض أمنا الحنون. لقد أتينا من رَحِمها. في طفولتنا ضمتَّنا إلى صدرها الذي يفيض لبناً وعسلا، وفي شبابنا ورجولتنا أفاضت علينا بالماء البارد والمحاصيل والفاكهة... وعندما نموت تفتح صدرها لنا مرة أخرى وتُلقي علينا غطاء من حشائش وورود، بينما هي تحول أجسادنا بشكل سرّى إلى تراب لنكون من جوهرها، فتنمو من جديد بشكل آخر جميل(721). وبين الحين والحين تومض الفلسفة في كتاباته، لكنها عادة ما تكون متشائمة: التاريخ يعيد نفسه فهو ليس إلاً تكراراً للحقائق نفسها وإن اختلف الناس والزمن(821) إن مذكرات من القبر هو أكثر أعمال شاتوبريان بقاء.

لقد ظل حتى سنة 4181 يعيش في الريف إلى أن أعادته القوات المتحالفة ضد نابليون - بعد انتصارها - إلى فرنسا. هل سيؤدي تقدمهم - كما حدث في سنة 2971 - إلى ثورة الشعب الفرنسي ومقاومته البطولية؟ في الذكرى السنوية الخامسة لاعدام أمان Armand أصدر شاتوبريان نشرة قويّة تحمل عنوان عن بونابرت والبوربون De Bunaparte et des Bourbons انتشرت في فرنسا أثناء تراجع نابليون. وقد أكد المؤلف للأمة أن الرب نفسه يسير على رأس قوات الجيوش المتحالفة ضد نابليون ويجلس في مجلس (اجتماع) الملوك Conncil of the Kings(921). لقد عرض اساءات نابليون - إعدام انجهين Enghein وكادودال Cadoudal و تعذيب بيشجرو Pichegru واغتياله وسجن البابا... وهذه الأخلاق التي جلبها بونابرت (كتب بونابرت بالهجاء الإيطالي Buchjaparte) غريبة على الطبيعة الفرنسية(031). إن حكاماً كثيرين قد قمعوا حرية الصحافة وحرية الكلام، لكن نابليون تمادى إلى أبعد من ذلك فأمر الصحافة بامتداحه مهما كان هذا على حساب الحقيقة. إن الضرائب التي جمعها لم يكن يستحقها فقد جعل من الاستبداد علماً ومن الضرائب مصادرة ومن التجنيد الاجباري مجزرة. لقد مات في معركة روسيا وحدها 006،342 مقاتل بعد معاناة شديدة بينما كان قائدهم (نابليون) في مأمن يأكل أحسن الطعام وتخلّى عن جيشه هارباً إلى باريس(131). كَمْ كان لويس السادس عشر نبيلاً وإنساناً بالمقارنة به!! وكما سأل نابليون أعضاء حكومة الإدارة في سنة 9971: ماذا فعلتم بفرنسا التي كانت متألقة يوم تركتها؟ فكذلك الآن يوجه كل البشر السؤال نفسه لنابليون:

إن البشر جميعاً يتهمونك (أي يتهمون نابليون)، طالبين الثأر منك باسم الدين والأخلاق والحرية. أي مكان لم تنشر فيه الخراب؟ في أي بقعة من بقاع العالم نجت أسرة من دمارك وسلبك ونهبك؟ إن اسبانيا وإيطاليا والنمسا وألمانيا وروسيا تطالبك بأبنائها الذين نحرتهم وبقصورها ومعابدها وخيامها التي أضرمت فيها النار، إن العالم كله يُعلن أنك أكبر مجرم على ظهر البسيطة... إنك أنت الذي أردت في عصرك الحضارة والتنوير أن تحكم بسيف أتيلا Attila وحكمة نيرون. فلتسلِّم الآن صولجانك الحديدي ولتنزل الآن من فوق ركام الخراب الذي جعلته عرشاً لك! إننا نطردك كما طردت حكومة الإدارة. اذهب - إن استطعت - فعقابك الوحيد هو أن ترى الفرحة لسقوطك تعم فرنسا، وأن تتأمل وأنت تذرف دموع الغيظ - مدى سعادة الناس.

والآن من الذي سيحل محله؟ إنه ملك أتى من أسرة نبيلة، نبيل مقدّس بالمولد، نبيل في شخصيته - إنه لويس الثامن عشر، ملك معروف بتنوّره وتحرره من الأحكام المُسَبَّقة (الظلم) وعدم اعترافه بالانتقام أي أنه متسامح إنه ملك أتى يحمل في يده عهداً بالعفو عن كل أعدائه. يا له من أمر رائع أن نرتاح أخيراً بعد كثير من الفوضى والإزعاج وسوء الطالع في ظل السلطة الأبوية لملك شرعي.. أيها الفرنسيون.. أيها الأصدقاء.. أيها الشركاء في المعاناة، دعونا ننسى معاركنا وكراهيتنا وأخطاءنا لننقذ أرض الآباء. دعونا نتعانق فوق أطلال بلدنا العزيز.. وليساعدنا على ذلك وريث هنري الرابع Henry IV ولويس الرابع عشر.. عاش الملك(231) وليس غريباً أن يقول لويس الثامن عشر بعد ذلك أن هذه الصفحات الخمسين كانت تساوي عنده 000،001 جندي(331).

دعونا الآن نترك شاتوبريان للحظة. لقد كان قد انتهى دوره مع أنه بقي له من العمر 43 سنة كان عليه أن يعيشها بعد ذلك. وان عليه أن يلعب دوراً فعالاً في سياسات ما بعد عودة الملكية، وكان أمامه وقت لجمع مزيد من الخليلات وانتهى أخيراً بين ذراعي مدام ريسامييه التي ودّعت الجمال واشتغلت بأعمال الخير وراح يقضي وقتاً يتزايد شيئاً فشيئاً في كتابة مذكراته. والآن فإن عدوّه نابليون سجين في جزيرة بعيدة وهي نفسها - أي الجزيرة - سجينة مياه المحيط، لذا فقد كتب عنه كتابات أكثر اعتدالاً ساعد على اعتدالها مرور الوقت وما حققه (أي شاتوبريان) من انتصار. لقد كتب عنه 654 صفحة. وعاش شاتوبريان حتى سنة 8481 وشهد ثلاث ثورات فرنسية.

وفاته

قبر شاتوبريان


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أعماله

تصنيف أعماله

لعل محاولة تصنيف مكانة شاتوبريان في الخريطة الرومانسية تقتضي أولا ــ لكي نبسّط الأمور ــ ابداء ملاحظة حول الرومانسية نفسها, فقد ظهرت نهاية القرن الثامن عشر وخلال النصف الأول من القرن التاسع عشر, وجاءت كرد فعل على الكلاسيكية والعقلانية اللتين بلغتا ذروتهما في عصر الأنوار, فقد قدم عصر العقل خاصة أدبا منمطا عقلانيا جافا رغم عمقه خاصة عند فولتير وروسو, لم يكن فيه للعاطفة والحياة النابضة مكان واضح, وهذا ما أدى لثورة الرومانسيين على العقلانية ومن ورائها الكلاسيكية.

وباختصار, فقد كانت الرومانسية من الناحية النسقية عودة للماضي, رجوعا للقرون الوسطى, وتمجيدا للعاطفة على حساب العقل, للخيال في مقابل العلم, أو لنقل (للظلامية) في وجه الأنوار, وقد ازدهرت في انجلترا مع ولترسكوت وأيضا في ألمانيا واسبانيا قبل فرنسا, ويمكن ان نلحظ تباشيرها في أعمال جان جاك روسو الذي كان يعلي من شأن العاطفة ويتغنى بالعفوية, وكان أسلوبه غنائيا مشبوبا بأعقد العواطف وأكثرها عذرية وغجرية, كما أدخل الحب الجياش والإحساس بالجمال والتذاوب والفناء في روعة الطبيعة في الأدب الروائي الفرنسي لأول مرة, وعلى نحو مؤثر.

غير أن المؤسس الحقيقي للرومانسية الفرنسية كان بالفعل شاتوبريان, فقد أهلته تجربته مع الحياة, التي أفضنا في الحديث عنها ـ وفاء للتقليد الرومانسي ـ لان يكون رومانسيا من الصنف الأول, فقد كانت قصصه وكتاباته تعكس واقع حياته, تدور أحداثها في تضاعيف من مشاعر الملل والوحدة والحزن العميق, كما ابتكر شخصية محورية في الأدب الرومانسي (هي شخصية البطل العاطفي الذي لا يجد في العالم من يفهمه ولا يجد أنيسا في وحدته) فيتجه لاجترار آلامه, واختلاق عوالمه الخيالية, وابتداع عالم من السحر والأحلام بديل لكل ما هو قائم.

وبالتالي كان تأثير شاتوبريان محوريا على جميع الرومانسيين الفرنسيين اللاحقين, سواء مدام دي ستايل مؤلفة الكتاب الشهير (عن الأدب) 1800م أو في الشعر الرومنطيقي مع ألفونس لامارتين صاحب (تأملات شعرية) وفيكتور هيجو في (أوراق الخريف) وأيضا ألفرد دي فينيه مؤلف (قصائد قديمة وجديدة) وألفرد ديموسيه صاحب المراثى الشهيرة لحبيبته في (الأمسيات).

وسواء أيضا على المسرح الرومانسي مع هيجو (هرنان), وفينيه (شاترتون) التي رسخت شخصية ستلعب دورا كبيرا في خيال الرومانسيين هي شخصية الفنان الحالم الأثيرة عندهم, وأخيرا اثر قصص شاتوبريان ايضا على القصة والأدب الروائي خاصة عند ديماس الاب صاحب الرواية التاريخية الشهيرة (الفرسان الثلاثة) وفيكتور هيجو في رواية (أحدب نوتردام) 1831م, التي تعكس بشكل خاص حنينا للعودة الى القرون الوسطى, وأملا في الخلاص من قبضة عصر العقلانية.

وهذا يصدق ايضا على رومانسيين اخرين في الرواية الفرنسية, مثل ستاندال وبلزاك وجورج ساند الذين بدأت تظهر في اعمالهم الملامح الاولى للواقعية, لكنهم حملوا قسمات واضحة من رومانسية شاتوبريان, الذي يستدعى الان, مثلما استدعي طيلة القرن التاسع عشر, ليثبت انه كان بحق رجل كل الأزمنة, مثلما كان برحلاته رجل كل الأمكنة.

النشأة والمنفى

François-René de Chateaubriand


Last home of Chateaubriand, 120 Rue du Bac, Paris. Chateaubriand had an apartment on the ground floor.

ملكية يوليو

الهامش

المصادر

ببليوگرافيا

  • Chateaubriand's works were edited in 20 volumes by Sainte-Beuve, with an introductory study of his own (1859-60)
    • Sainte-Beuve. Chateaubriand et son groupe littéraire (Paris, 1860)
    • Sainte-Beuve. Other essays in Portraits contemporains, and Causerie du lundis (1851–1862), Nouveaux lundis (1863–1870), Premiers lundis
      • Mémoires d'outreétombe, translated by Teixeira de Mattos (six volumes, New York and London, 1902)
  • Bardoux, Agénor, Chateaubriand (Paris, 1893)
  • Bertrin, La sincérité réligieuse de Chateaubriand (1901)
  • France, Anatole, Lucile de Chateaubriand (Paris, 1879)
  • Lescure, Chateaubriand (Paris, 1892)
  • Maurel, Essai sur Chateaubriand (Paris, 1899)
  • Pailhès, Chateaubriand, sa femme et ses amis (Bordeaux, 1896)
  • Vinet, Alexandre, Madame de Staël et Chateaubriand (Paris, 1857)
  • Villemain, Abel-François, Chateaubriand, sa vie, ses éecrits et son influence (Paris, 1859)

For the reality and fiction in Chateaubriand's American and other journeys:

  • Bédier, Joseph, Etudes critiques (Paris, 1903)
  • Champion, E. L'itinéraire de Paris à Jérusalem par Julien, domestique de Chateaubriand (Paris, 1904)
  • Girard, V., Chateaubriand: Etudes litt. (Paris, 1904)
  • Stathers, Chateaubriand et l'Amérique (Grenoble, 1905)

كتب أخرى جديرة بالذكر:

  • Gribble, Chateaubriand and his Court of Women (New York, 1909)
  • Lemaître, Jules, Chateaubriand (1912)
  • Painter, George D. Chateaubriand: A Biography Volume I (1768-93) The Longed-For Tempests
  • Thomas, L. (ed). Correspondance genéral de Chateaubriand (three volumes, Paris, 1912-13)


وصلات خارجية

مناصب ثقافية
سبقه
Marie-Joseph Chénier
المقعد 19
الأكاديمية الفرنسية

1811-1848
تبعه
Paul de Noailles