سرد تاريخى لفتح بيت المقدس

{{{الصراع}}}
300px-Al aqsa moschee 2.jpg
التاريخمن شوال 15 هـ، الموافق نوفمبر 636 م إلى ربيع الأول 16 هـ, الموافق ابريل 637 م.
الموقع
النتيجة صلح يقتضي بتسليم المدينة للمسلمين
المتحاربون
المسلمون Flag of the Greek Orthodox Church.svg الامبراطورية البيزنطية
القادة والزعماء
أبوعبيدة بن الجراح
خالد بن الوليد
عمرو بن العاص
شرحبيل بن حسنة
يزيد بن أبي سفيان‎
البطريرك صفرونيوس
القوى
~20,000 غير معروف

فتح القدس جزء من الصراع العسكري الذي وقع في 637 الموافق 16 للهجرة بين الإمبراطورية البيزنطية والخلافة الراشدة. وقد بدأت عندما قام جيش المسلمين، تحت قيادة أبو عبيدة، بمحاصرة القدس في شوال الموافق نوفمبر تشرين الثاني 636. وبعد ستة أشهر، وافق البطريرك صفرونيوس للاستسلام، بشرط إذا قدم فقط الخليفة الراشدي. وفي عام 16 هـ، سافر الخليفة عمر بن الخطاب إلى القدس لتسلم مفاتيح المدينة.

الفتح الإسلامي لمدينة القدس أكد توطيد السيطرة العربية على فلسطين والسيطرة التي لم تهدد مرة أخرى حتى الحروب الصليبية في أواخر القرن الحادي عشر وعبر القرن الثالث عشر. وهكذا، جاء الفتح الإسلامي تعريفا للعالم بمكانة القدس في الإسلام، كما في المسيحية واليهودية. بعد الفتح الإسلامي للقدس، سمح لليهود بزيارة وممارسة شعائرهم الدينية بحرية في القدس من قبل الخليفة عمر بعد ما يقرب من 500 سنة من طردهم من الأراضي المقدسة من قبل الرومان.[1]


بعد أن انتصر المسلمون في اليرموك، أمر أبو عبيدة خالدًا أن يخرج في إثر الروم إلى أن وصل حمص، وأخذ أبو عبيدة جيشه إلى دمشق.


قسم أبو عبيدة رضي الله عنه منطقة الشام إلى مناطق أربعة، كالتالي:

الأولى: دمشق وما حولها بإمارة يزيد بن أبي سفيان.

الثانية: منطـقـة فلسطين بإمرة عمرو بن العاص.

الثالثة: منطـقـة الأردن بإمرة شُرَحْبِيل بن حسنة.

الرابعة: حمص وما حولها، بإمرته هو.

فتح بيت المقدس

تختلف المصادر التاريخية فيما بينها في بعض تفاصيل فتح بيت المقدس ولكنها تتفق في الأحداث الكبرى للفتح، وفي النتيجة، حيث أصبحت بيت المقدس بأيدي المسلمين كلياً بعد الفتح العمري لها. بعد أن استتب الأمر في سوريا بفتح دمشق سنة (15هـ/636م) كتب أبو عبيدة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يستشيره في التوجه إلى قيسارية أو إلى بيت المقدس، وجمع عمر المسلمين واستشارهم، فقال علي بن أبي طالب (ت40هـ/660م) يا أمير المؤمنين مر صاحبك ينزل بجيوش المسلمين إلى بيت المقدس فإذا فتح الله بيت المقدس، صرف وجهه إلى قيسارية، فإنها تفتح بعد إن شاء الله تعالى. وينقل لنا الواقدي نص جواب كتاب عمر إلى أبي عبيدة: (بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عامله بالشام أبي عبيدة، أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه، قد ورد عليَّ كتابك وفيه تستشيرني إلى أي ناحية تتوجه، وقد أشار ابن عم رسول الله بالمسير إلى بيت المقدس، فإن الله يفتحها على يديك، والسلام). فلما وصل الكتاب إلى أبي عبيدة، قرأه على المسلمين ففرحوا بالمسير إلى بيت المقدس، وضرب المسلمون حصاراً حول المدينة استمر أربعة أشهر وصبروا على البرد والشتاء فلما ضاق حال أهلها طلبوا الأمان والصلح من أبي عبيدة، ويورد لنا الطبري وابن الأثير وابن كثير ومجير الدين سبب الفتح، أن أهل إيلياء عندما شعروا أن المسلمين مصممون على فتح المدينة، وأن مقاومتهم لن تجدي نفعاً، رأوا أن يتم الصلح حتى تحفظ دماؤهم وأموالهم وكنيستهم. واشترطوا على ما ذكره الواقدي وخليفة بن خياط والبلاذري أن يكون المتولي لإجراء العقد معهم عمر بن الخطاب، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك، فقدم عمر بيت المقدس، وقام صفرونيوس بتسليم المدينة له وأعطى عمر أهلها عهد الأمان المشهور، وفيه طمأنهم على الحرية التامة في ممارسة شعائرهم وحفظ كنائسهم وأموالهم وأعراضهم. وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وثيقة الأمان لأهل المدينة وهي التي عرفت فيما بعد بالعهدة العمرية. وأما تاريخ الفتح العمري لبيت المقدس، فالروايات التاريخية متباينة عند المؤرخين، فيذكر البلاذري أن فتحها تم سنة سبع عشرة للهجرة بينما يتفق اليعقوبي وابن عساكر على أن عمر صالح أهل إيلياء على الجزية، وأعطاهم الأماكن وكتب لهم الكتاب سنة ست عشرة للهجرة، وذكر كل من الطبري وابن الأثير وابن كثير الفتح في حوادث سنة خمس عشرة، وأورد مجير الدين روايتين فقال: (كان هذا الفتح في سنة خمس عشرة من الهجرة الشريفة، قاله ابن الجوزي وغيره من المؤرخين، وقيل في سنة ست عشرة). وعلى الرغم من هذا التباين، فإن المرجح في هذا أن يكون الفتح قد تم سنة خمس عشرة للهجرة، وذلك لكثرة المؤرخين المجمعين على هذا التاريخ والله أعلم. فتح قيساريــة توقف الجيش الإسلامي أمام قيسارية طويلاً، ولم يستطع المسلمون فتحها إلا بعد سبع سنوات من الحصار بين مد وجزر، وعليه فإن قيسارية كانت آخر المدن الفلسطينية فتحاً. وفي سنة فتحها، والقائد الفاتح اختلاف في الروايات عند المؤرخين. ويتفق كل من خليفة بن خياط واليعقوبي والطبري وابن كثير وابن خلدون على أن فتح قيسارية تم على يد معاوية ابن أبي سفيان، بينما يرى الواقدي أن فتحها كان على يد عمرو بن العاص. وقد كانت الاتفاقيات التي كتبت لهذه المدن واحدة، كانت على كتاب مدينة لد وتشبه الكتاب الذي أُعطي لأهل بيت المقدس، والكتب التي أُعطيت لأهل مدن الشام الأخرى حيث تتفق جميعها في إعطاء الأمان لأهل هذه المدن، أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم. نص العهد الذي أعطاه الإسلام للقدس بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل ايلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صلبهم، ولا من شئ من أموالهم ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود وعلى أهل ايلياء أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص . فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم. ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية ، ومن احب من أهل ايلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم وصلبهم، فانهم آمنون على أنفسهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أهله، لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية شهد على ذلك، كتب وحضر سنة 15 هـ، عمر بن الخطاب خالد بن الوليد - عبد الرحمن بن عوف - معاوية بن أبي سفيان.


وأخذ خالد معه إلى قطاع حمص؛ لأن بقية شمال الشام لم يفتح بعد، بالإضافة إلى أنه كره أن يعطيه إمرة أحد قطاعات الشام فيغضب عمر لذلك (لأن عمر قرر عزله، حتى لا يفتن الناس به).

وكانت مهمة كل قائد في كل منطقة أن يطهر المنطقة من جنود الروم وأتباعهم، فبدأ كل أمير بتنفيذ تلك المهمة في قطاعه، وقضوا بقية رجب في ذلك..

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عمر بن الخطاب يتسلم مفاتيح القـدس:

لما استسلم أهل (إيلياء / القدس) للمسلمين، اشترطوا عليهم أنهم لن يسلموا مفاتيح القدس إلا لرجل تنطبق عليه مواصفات خاصة، اختلف فيها في كتب التاريخ، وقيل إنها لم تكن من طلبات أهل القدس، ولكن ذكرت مواصفات جسمية لرجل معين، وأن اسمه يتكون من ثلاثة حروف، فوجد المسلمون أن هذه المواصفات لا تنطبق إلا على الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.

فجاء عمر رضي الله عنه، من المدينة المنورة ليتسلم مفاتيح القدس، واستخلف عليًّا رضي الله عنه على المسلمين في المدينة المنورة. (يرد في كتب التاريخ أنه استشار عثمان، وعليًّا، فأشار عليه عثمان بألا يذهب، وأشار عليه علي بأن يذهب، وأخذ برأي علي).

وهناك احتمال آخر، أن يكونوا قد أخذتهم العزة، ألا يسلموا تلك المدينة الحصينة، ذات القيمة العالية عندهم للجيش الإسلامي، فأحبوا أن يسلموها إلى أعلى قيادة في المسلمين، حتى يظل معلومًا أنها استعصت على جميع الجيوش الإسلامية، وبقيت حتى جاءها أمير المسلمين بنفسه، وتسلم مفاتيحها.

وهناك رأي (رواية ثالثة) تذكر أن أهل القدس لم يطلبوا مجيء عمر، ولكن أبا عبيدة لما رأى صعوبة فتحها أرسل إلى عمر، لكي يأتيه بمدد يعينهم.

في كل الأحوال، فإن الثابت تاريخيًّا أن عمر جاء من المدينة المنورة لفتح القدس بنفسه.

وكانت الهيئة التي جاء بها عمر رضي الله عنه مختلَفًا فيها أيضًا، هناك رواية مشهورة جدًّا نعلمها جميعًا، على الرغم من أنها رواية ضعيفة، لا توجد حتى في تاريخ ابن كثير، تذكر هذه الرواية، أنه جاء هو وغلامه على دابة وحده (وهو أمر مُستغرَب، لأن الدولة الإسلامية كانت غنية جدًّا آنذاك، بعد فتح الفرس، وانتصارات المسلمين المتوالية في الشام)، وكانا يتناوبان الركوب على الدابة، حتى وصلا إلى أرض الشام، واقتربا من الجيش الإسلامي، ورآهم الجيش، وبعض أهل القدس، فاعترضتهم مخاضة (أي وحل)، وكان دور عمر في المشي، ودور الغلام في الركوب، فأَصَرَّ عمر على أن يمشي، ويترك الغلام راكبًا دابته، ودخل هذه المخاضة بقدميه، خالعًا نعله.

لما رأى سخرنيوس بطريرك القدس ذلك التصرف، قال: "إن دولتكم باقية على الدهر، وقال: فدولة الظلم ساعة، ودولة العدل إلى قيام الساعة".

وهناك رواية أخرى تذكر أن أبا عبيدة بن الجراح لما رأى ذلك، ورآه يرتدي ملابس قديمة، فأسرع إليه، وقال له: يا عمر قد صنعت اليوم صنيعًا عظيمًا عند أهل الأرض، صنعت كذا، وكذا، (وقال له: إنك دخلت البلد بهذه الهيئة الرَّثَّة، ومشيت على الوحل) وأن هذا لا يليق بوالي المسلمين.

فضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صدره، وقال له: ولو كان غيرك قالها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تبتغون العزة في غيره، أذلكم الله!!.

إذ لا يؤمن عمر بهذه المظاهر، والوجاهة الفارغة التي يهتم بها الروم، وإنما العزة لله وللمسلمين.

وقد وردت هذه الرواية في كتاب لابن الجوزي، في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم توجد عند العديد من المؤرخين، حتى إن رواية ابن كثير المشابهة لهذه الرواية، يذكر فيها أن عمر جاء على ناقته، فاعترضته مخاضة، فنزل من ناقته حتى يعبر على قدمه، ثم عاد وركبها مرة أخرى، ولم يأتِ ذكر الغلام.

وهناك روايات أخرى (أعتقد أنها رواية الطبري في تاريخ الرسل والملوك)، تزعم أنه جاء رضي الله عنه، بجيش لنجدة المسلمين، وقالوا: إنه كان على مقدمة هذا الجيش العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وأن هذا الجيش ذهب مستعدًا لفتح القدس ومحاصرتها مع الجيش الإسلامي الموجود في الشام.

وبين هذين الرأيين أقوال كثيرة، وهناك من لم يتعرض لهيئة مجيء عمر أصلاً، ويذهبون إلى أن ذلك دلالة على أنه جاء في هيئة حسنة، لا تثير الاستغراب!

لم يدخل عمر إلى القدس مباشرة، وإنما ذهب إلى منطقة الجابية وكان المسلمون هناك مستعدين لاستقباله، مع أبي عبيدة بن الجراح، وخالد، ويزيد، فرحبوا به ترحيبًا عظيمًا، وهمَّ أبو عبيدة أن يقبل يدَ عمر بن الخطاب، فهَمَّ عمر أن يقبل قدم أبي عبيدة, (وردت في الطبري) فكفَّ أبو عبيدة، فكفَّ عمر.

وهو موقف يوضح لنا درجة التواضع التي كانوا عليها، رضوان الله عليهم أجمعين.

وقام في الجابية يخطب خطبة طويلة عصماء، جاء فيها:

أيها الناسُ أصلحوا سرائركم تَصلُحْ علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تُكْفَوْا أَمْرَ دنياكم"، وقال فيها أيضا: "فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد"، وقال أيضا: "ولا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما.



نص العهدة العمرية:

حضر والي القدس بعد الأرطبون من القدس إلى الجابية (وكان يُدعَى: العَوَّام)، واتفقا على صلح القدس، وكتب عمر بن الخطاب (العهدة العمرية)، التي حفظها التاريخ، وأجمع عليها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا نصها:

بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحيمِ، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان -وإيلياء هي القدس- أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها.

أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم، ولا يُضَارّ أحدٌ منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود, نعم أيها المسلمون، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود, كان هذا طلب أهل القدس أنفسهم؛ لأنهم كانوا يكرهون اليهود بشدة , وكان اليهود يذبحون أسرى النصارى عند الفرس , حتى إنه في رواية أخرى للمعاهدة .

ولو مرَّ بها يهوديٌّ، لا يبيت فيها ليلة لأنهم كانوا يعادون اليهود عداءً حقيقيًّا , وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن ، وعليهم أن يخرِجُوا منها الروم، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصُلُبَهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنهم، ومن أقام منهم فعليه مثل ما على أهل إيلياء.

ومن شاء أن يسير مع الروم، سار مع الروم وهو آمن، ومن شاء أن يرجع إلى أهله، رجع إلى أهله، وهو آمن، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية، شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان وكُتِبَ وحُضِرَ سنة خمس عشرة.


وهكذا كان صلحًا في غاية التسامح مع أهل المدينة، وكل من يسكن معهم فيها.

وبذلك سُلِّمَتْ مفاتيحُ القدس لعمر بن الخطاب نفسه، وبدأت نفوس المسلمين في الجابية تشتاق إلى دخول الأرض المقدسة, ورؤية المسجد الأقصى، ورؤية مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعدَّ المسلمون، وتحركت الجيوش لدخول القدس فتحًا.


قطاع حمص:

خرج أبو عبيدة من حمص إلى حماة، ففتحها، ثم اتجه إلى حلب، وحاصرها بضعة أيام، ثم نزل أهل حلب على العهد، وصالحوه على الجزية، وفُتِحَتْ بذلك حلب صلحًا، ثم توجه بعد ذلك إلى المنطقة المهمة مدينة أنطاكية، وهي مهمة؛ لأن هرقل اتخذها مقرًّا له في الشام، وذلك حتى يكون قريبًا من جيشه، وبعيدًا عن أراضي المعارك، (وهي مدينة من الشام، أخذها الاستعمار وأعطاها لتركيا).

وكان هرقل قد فكر في الفرار بعد هزيمة الروم في اليرموك، وعلمه أن المسلمين يتجهون لحمص، ويستعدون لفتح شمال الشام.

إلا أن الروايات اختلفت فيما فعله، البعض يذهب إلى أنه توجه إلى منطقة الرها شمالي الجزيرة (بين الفرات ودجلة)، حينما عرض نصارى تلك المنطقة مساعدته، فلما توجه إلى هذه المنطقة، وعلم عمر بذلك، أرسل رسالة إلى سعد بن أبي وقاص في القادسية، وأمره بأن يرسل من جيشه من يحاربه، فأرسل سعد عمر بن مالك رضي الله عنه، ففتح عمر مدينة هيف، وقرقسياء ووصل قرب هرقل، فهرب هرقل إلى القسطنطينية.!!

وهناك رواية أخرى تذهب إلى أنه ترك أنطاكية مباشرة، إلى القسطنطينية.

وكان هرقل يحب سوريا جدًّا، حتى إنه عندما كان يذهب للحج في بيت المقدس، كان يمر على سوريا في طريق عودته، وكان يقف على تلٍّ عالٍ هناك ويقول:

"عليكِ السلام يا سوريا، تسليم مودعٍ لم يقضِ منك وطرًا، وهو عائد!", أما هذه المرة فيقف على نفس هذه التلة، ويقول: "قد كنت سلمتُ عليكِ من قبل تسليم المسافر، أما اليوم فعليك السلام يا سوريا، تسليم المفارق، سلام مودع لا يرى أنه يرجع إليك أبدًا، لا يعود روميٌّ إليكِ أبدًا إلا خائفًا، عليك يا سوريا السلامُ ونعم البلدُ هذا للعدو"..


وهكذا يودع هرقل سوريا وداعًا نهائيًّا، وكان يود لو لم يحارب المسلمين، وسلَّم الشام كلها دون قتال، إلا أن وزراءه أبوا عليه إلا الحرب!!.

قبل أن يصل أبو عبيدة إلى أنطاكية، وعلى بعد نحو 5 أميال شرق أنطاكية، يلتقي بقوات رومية في منطقة مهروبة ويدور بينهما قتال سريع ينتصر فيه أبو عبيدة، وتتراجع القوات إلى حصون أنطاكية، وأنطاكية بها جبل يحيطها شرقًا، ومن الجهة الأخرى سورٌ عالٍ جدًّا، ولا شك أن هذا من أسباب جَعْلِ هرقل منها مقرًّا له، فيحاصر أبو عبيدة أنطاكية، ولا تصمد كثيرًا؛ فتستسلم، وتقبل الجزية..

بعد أن فتح أبو عبيدة أنطاكية، تصله معلومات أن هناك مجموعة من القوات الرومية تجمعت في منطقة مَعَرَّة نصرين شمال شرقي حلب، فأخذ جيشه من أنطاكية إلى معرة نصرين فيدور هناك قتال سريع، وتُفتح معرة نصرين في النهاية..

ثم ينتقل شمالاً إلى قورس ويفتحها صلحًا، وهي مدينة على الحدود السورية التركية، وبذلك يكون قد طَهَّرَ الشام كله من الروم، ولا يكتفي بذلك بل يأخذ جيوشه ويتجه شرقًا حتى يصل إلى منبج على نهر الفرات، فيفتحها صلحًا، ثم يتجه جنوبًا إلى مدينة بالس فيفتحها صلحًا.

وبذلك ينتهي عام 15هـ، وقد تطهر شمال وشرق الشام تمامًا من الجيوش الرومية..

في هذا الوقت تأتيه الأنباء أن عمرو بن العاص قد استعصى عليه فتح مدينة القدس، وكذلك يافا وقيسرية، ويكون في حمص بعض المدن التي لم تفتح بعد، فيُؤَمِّر أبو عبيدة بعضًا من قواده، ليتوجهوا إلى فتح بقية البلاد الحمصية، ويتجه هو إلى مدينة القدس.

تخرج قوة من حلب تفتح مدينة بوقة، وتخرج قوة أخرى تفتح مدينة خُنَاصِرَة، وثالثة تفتح مدينة سرمين، ثم يستخلف أبو عبيدة على مدينة حمص عُبَادة بن الصَّامِت رضي الله عنه (الذي قال عنه عمر: إنه رجلٌ بألف رجل), ويوصيه بثلاث مدن اللاذقية، وجبلة، وطرطوس، وكلها مدن ساحلية.

فيتجه عبادة إلى اللاذقية، ويحاصرها فتستعصي عليه، ويأتي أهلَها مددٌ، فيحتال عبادة رضي الله عنه لفتحها، فيَصُفَّ نصف جيشه صفوفًا أمام المدينة، ويجعل النصف الآخر مختبئًا خلفه، يحفر حفرًا عميقة، وخنادق طويلة، وأهل اللاذقية لا يعلمون عن ذلك شيئًا، ثم لما حفر تلك الحفر والخنادق، أخذ جيشه، في النهار، وتوجه باتجاه حمص، موهمًا أهل اللاذقية أنه ينسحب، ولما جَنَّ الليل عاد مرة أخرى..


فتح بيت المقدس:

بعد أن فتح عمرو بن العاص رفح، وانتهى من هذه المنطقة توجه بجيشه إلى القدس، وحاصرها، ومكث في حصارها مدة طويلة، وللقدس أهمية عظمى عند المسلمين كما نعلم؛ لأن فيها أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وهي مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أرض إسلامية يحرص المسلمون على استعادتها دائمًا.

بعد أن أعيت عمرو بن العاص رضي الله عنه كل الحيل، على الرغم من أنه داهية العرب الذي قال عنه عمر بن الخطاب: "لقد رمينا أرطبون الروم، بأرطبون العرب، فانظروا عَمَّ تنفرج"، فكر في أن يحتال للأمر، فقام بدخول القدس بنفسه، باعتباره رسولاً من رسل المسلمين إلى أرطبون حتى يفاوضه، وغرضه أن يدخل فيبحث عن نقطة ضعف تمكنه من اقتحام تلك المدينة الحصينة، فذهب بنفسه، وبمفرده لأرطبون، وتحدثا سويًّا حديثًا طويلاً لم يرد في كتب التاريخ! ولكن يبدو أنه كان فيه مباراة ذكاء قوية جدًّا، لدرجة أن أرطبون الروم قال بعد انتهاء المناقشة: "والله إن هذا لعمرو، أو الذي يأخذ عمرو برأيه"؛ لأنه يعرف عمرو بن العاص، ويسمع عن دهائه ومكره، أو الذي يستشيره عمرو، ففكر في قتله، وقال: إنه لن يصيب المسلمين مصيبة أعظم من هذه، فأمر أحدَهم سرًّا أن يقتله، وشعر عمرو بفطنته بذلك، (وهناك من روى أن أحد العرب أَسَرَّ له بأنه سيقتل)، ففكر, كيف يخرج من هذا المأزق؟ فقال لأرطبون: إنني واحد من عشرة أرسلنا عمر بن الخطاب، لنعاون هذا الوالي (يقصد عمرو بن العاص) فإن أردت أن أذهب، وأعود إليك بالعشرة فتسمع منهم ويسمعوا منك، فإن وافقوا على رأيك، كان هو الرأي، وإن رفضوا عرفت أمرك! ففكر أرطبون أن عشرة أفضل من واحد، فتركه يخرج، فخرج عمرو، وبمجرد خروجه كبر المسلمون تكبيرًا شديدًا، فتعجب الروم، وعلموا أنه (عمرو بن العاص)، وقال أرطبون: "خدعني الرجل، والله إنه لأدهى الخلق".

وحمد عمرو بن العاص الله على عودته، وقال: "واللهِ لا أعودُ لمثلها أبدًا"، إذ كان ذلك جرأة كبيرة منه، وكان بعد ذلك إذا أقسم قال: "والذي أنجاني من أرطبون"..

أرسل عمرو إلى أبي عبيدة، ينبئه بتعذر فتح القدس عليه، فجاءه أبو عبيدة من مدينة بالس حتى يحاصر معه مدينة القدس، ثم جاء شرحبيل بن حسنة، ثم خالد بن الوليد من قنسرين حتى يحاصر معهم القدس، وحاصروها حصارًا شديدًا لشهور طويلة.

ووجد أهل المدينة أن المسلمين مستمرون في الحصار، فلم يكن من أرطبون إلا أن هرب من القدس، وتوجه إلى مصر، ومكث هناك فترة طويلة، مع حامية الروم هناك، حتى جاءه بعد ذلك عمرو بن العاص في فتح مصر.

(هذا القائد المحنك على الرغم من ذكائه، وسعة حيلته، إلا أنه يخاف على نفسه، فإذا به ينجو بنفسه، ويترك قومه للهلكة!! وفي المقابل نجد قادة المسلمين يضحون بأنفسهم، حتى يبحث عن نقطة ضعف العدو، وخالد، الذي كان يجعل علامة بدء القتال أن يبدأ هو، وكانوا دائمًا في مقدمة الصفوف، ولم يكونوا ليتراجعوا في أحلك الظروف، ارجع لموقعة الجسر مثلاً (إذ كان آخر المسلمين انسحابًا هو قائدهم).


قطاع فلسطين: توجه عمرو بن العاص رضي الله عنه من بيسان إلى مدينة سبطية شمال غرب نابلس، ( ويذكر أن فيها قبر سيدنا زكريا u)، ثم يتجه منها إلى نابلس، ثم جنوب غرب، يفتح مدينة اللد ومدينة عمواس، ثم توجه جنوبًا إلى بيت جبرين، مرورًا بأجنادين، ثم اتجه جنوبًا وفتح رفح، واتجه شمالاً مرة أخرى ففتح عسقلان على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ثم يافا، وقيل: إنها استعصت عليه!! ثم توجه إلى قيسرية فحاصرها فترة واستعصت عليه، ولم يستطع أن يفتحها.

وهكذا فإن في النصف الثاني من عام 15هـ استطاع عمرو بن العاص أن يفتح فلسطين كلها، باستثناء 3 مدن، هي (قيسيرية، ويافا، وأهمهم القدس, أولى القبلتين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم), استعصت تلك المدن على عمرو.

وكانت أسوار القدس عالية، وكانت حاميتها -على الرغم من صغر عددها- صابرة على القتال، وكان قائد الروم عليها رجلاً يُضْرَبُ به المثل في الدهاء والمكر، وهو أرطبون وهو ذائع الصيت، يعرفه العرب حتى قبل الفتوحات، وضربوا به المثل في المكر والحيلة والدهاء.


قطاع الأردن:

فتح شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه مدينة سيفيه ثم مدينة جرش، ثم اتجه شمالاً وفتح مدينة أفيق، ثم فتح منطقة الجولان شمال شرق بحيرة طبرية، (هذه المدن التي كانت أرضًا للجهاد، ثم ها هي مدينة جرش اليوم، يقام فيها احتفالات غنائية، وسينمائية، في حين نجد الجولان في يد اليهود!!).

أصعب مناطق الشام كان قطاع حمص: وفيه أرسل أبو عبيدة خالد بن الوليد لفتح قنسرين، وقال: إنه سيتوجه لفتح حلب، وكان في قنسرين على الرغم من صغرها حامية رومية قوية جدًّا، وفيها حصن ضخم، على رأسها، قائد من كبار قادة الروم، يدعى ميناس، وكان وزير هرقل، واتخذ من قنسرين مقرًّا له، فتوجه إليه خالد بن الوليد، ودار بينهما قتال شديد خارج حدود قنسرين، واستمر القتال فترة طويلة، وصبر الروم، حتى قُتِلَ ميناس، وعلى غير عادتهم ظلوا يقاتلون بعد مقتل قائدهم، (وهي المعركة الوحيدة التي صمدوا فيها) وفَنَوْا عن آخرهم! لم يتبق منهم أحد، ولم يفر منهم أحد، وكان شهداء المسلمين (في المقابل) قليلين جدًّا، فانتصر خالد انتصارًا عظيمًا في هذه المنطقة.

كان هناك بعض العرب الموالين للروم في قنسرين، ولما هزم الروم، وقُتل قائدُهم هربوا، فحاصر خالد الحصن، ورفض القوم الخروج منه، فقال خالد: "لو كنتم في السحاب لحملنا اللهُ إليكم، أو لأنزلكم إلينا ", لما سمعوا هذا الكلام، ألقى الله U في قلوبهم الرعب، فلم يكن منهم إلا أن استسلموا، وطلبوا الأمان، ومصالحة المسلمين على الجزية، فقبل منهم خالد ذلك، ولما بلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعجب، وقال: "أَمَّرَ خالدٌ نفسه، يرحم الله أبا بكر، كان أعلم بالرجال مني! إني لم أعزله عن ريبة، لكن الناس عَظَّموه، فخشيتُ أن يُوكَلُوا إليه"، أي أن أداءه يفرض عليه أن يجعله أميرًا، ولم يكن عزله إلا أنه خاف أن يفتن به الناس، ويظنوا أن النصر من عند خالد، يقول ذلك بعد أن عزله بعامين، رضي الله عنهما، وأُمِّرَ على منطقة قنسرين، وبقي فيها رضي الله عنه.


قطاع دمشق: توجه يزيد من دمشق غربًا إلى بيروت، وعبر الجبال الشاهقة، (طريق وعر وشاق) وفتحها، ثم اتجه جنوبًا وفتح صيدا، ثم عاد لبيروت، واتجه منها شمالاً جبيل ثم توجه إلى طرابلس التي استعصت عليه، فتركها، وتوجه إلى عرقة على بحر الروم..

وكان في مقدمة جيشه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، لأول مرة، وهو الذي فتح طرابلس بعد ذلك، وساحل البحر الأبيض المتوسط كله، وينتهي به المطاف إلى ولاية الشام, وكانت منطقة دمشق من أسهل المناطق فتوحًا بشكل عام.


المراجع

  1. ^ جيل موشيه (1997)، ص.70-71.

المصادر

  • أكرم إبراهيم آغا (2004). سيف الله خالد بن الوليد - حياته وحملاته. طبعة جامعة أكسفورد : باكستان. ISBN 0-19-597714-9
  • محمد بن عمر الواقدي : فتح الشام.
  • بنفنستي، ميرون (1998). مدينة الحجر : التاريخ الخفي للقدس، طبعة جامعة كاليفورنيا. ISBN 0-520-20768-8
  • إدوارد جيبون (1862). تاريخ انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية، المجلد 6، طبعة جيه دي موريس.
  • جيل، موشيه (فبراير 1997) التاريخ الفلسطيني من 634-1099، طبعة جامعة كامبريدج. ISBN 0-521-59984-9
  • ليو جريتس، صموئيل جيم نون (2002). الحدود الرومانية الشرقية والحروب الفارسية (الجزء الثاني). طبعة روتليدج. ISBN 0-415-00342-3
  • هالدون، جون (1990). بيزنطة في القرن السابع : التحول في الثقافة. طبعة جامعة كامبريدج. ISBN 0-521-31917-X
  • هوبي، ليزلي ج (2000). المدينة المقدسة : القدس في لاهوت العهد القديم، كتب مايكل جليزر. ISBN 0-8146-5081-3
  • عماد الدين الأصفهاني. الفتح القسي في الفتح القدسي.
  • لويس، برنارد (2002، الطبعة السادسة) العرب في التاريخ جامعة أكسفورد للصحافة. ISBN 0-19-280310-7
  • نيكول، ديفيد (1994)، اليرموك 636 م : الفتح الإسلامي لسوريا، طبعة اسبري. ISBN 1-85532-414-8
  • رنسبرن، ستيفن (1987، الطبعة الثانية)، تاريخ الحروب الصليبية : الحملة الصليبية الأولى. كتب البطريق : لندن. ISBN 978-0-521-34770-9