نهب روما (846)

في عام 849 هاجم العرب ضواحي مدينة روما، بما فيها الڤاتيكان، ونهبو بازيليكا القديس پطرس القديمة وأسوارها الخارجية، لكن أسوار المدينة الرومانية حالت دون أن يلحقوا ضرراً بالمدينة نفسها. نُهبت روما على مدار تاريخها مرات كثيرة؛[1] عادة ما يشار إلى هجوم 846 "بنهب العرب لروما" للتمميز بينه وبين الحوادث الأخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

في عقد 820، بدأ العرب (الذين كان يطلق عليهم إيطاليو العصور الوسطى اسم ساراسينوس) بفتح صقلية. عام 842، حاولت القوات العربية الاستيلاء على پونزا، لكنهم هُزموا على يد أسطول مشترك من ناپولي وگايتا. ومع ذلك، ففي العام نفسه، استولوا على مسينا، صقلية. في نفس الوقت، أشعل رادلخيس الأول من بنڤنتو ومنافسه سيكونلو من سالرنو حرباً أهلية، واستأجر المرتزقة السارسينوس للقتال في كامپانيا.[1]

توالت محاولات فتح القسطنطينية في عصر بني أمية، وبني العباس، ثم ألح العثمانيون - لقرب ديارهم منها - على فتحها، وراحوا وغدوا في غزوها، وحصارها، وفتح ما يحيط بها من مدن، وحصون، إلى أن حاز السلطان محمد الثاني، ابن مراد الثاني ذلك الشرف، حتى صار يعرف به دون غيره، وأضحى لقب الفاتح له قريناً، وأمست صفة الفتح به لصيقة.[2]


روما والأملاك البابوية

لقد قام الأغالبة بحملَ على روما، ودخلوها في لأغسطس 846، وكان ذلك في أيام الأمير أبي العباس محمد بن أبي عقال الأغلب السعدي، رابع أمراء الأَغالبة، والذي حكم من سنة 226 إلى سنة 242 هـ[3].

وأسرع البابا بطلب عون بحري من مدن كمپانيا المتحالفة، وكانت هذه فيما يظهر على استعداد للاستجابة لدعوته، فأرسلت أسطولا لحماية الشواطئ البابوية، غير أن عاصفة حطمت السفن الإسلامية قرب أوسيتا، فلم تعد لتلك المساعدة أية ضرورة.

وذكر المسيو رينو[4]أن المسلمين لما غزوا روما في تلك السنة - أي 846 - صعدوا في نهر الطيبر[5]، ونهبوا [6] كنائس القديسين: بطرس، وبولس [7]، وغزوا أيضاً جنوة في تلك السنة، وعطلوا سدود نهرِها، فنفر الأهالي، وقاتلوهم، وحمل الرهبان، والقسيسون السلاح. [8]

وذكر هنري بيرين[9] أن المسلمين قد حاصروا قلعة القديس آنج في غزاتهم المذكورة على روما.

وأضاف ديفز[10] أن المسلمين - الذين أسماهم بالقَراصِنة العرب - قد أنزلوا التخريب في نفس العام بميناء أوستيا، وظاهر كلامه أن قريب من المدينة البابوية بروما؛ لأنه قرن غزوهما معا.

وكان المسلمون قد غزوا سواحل سيفيتة فكشيا بقرب روما قبل ذلك التاريخ بمدة؛ فقد ذكر المسيو رينو [11] أن المسلمين لما غزوا كورسيكة في سنة 813، وأسروا، وغنموا، أَكْمَن لهم كونت أمبورياس قوة بحرية بقرب مدينة برينيان في طريق عودتهم، فغَنِمَت منهم ثمانية مراكب، كان فيها أكثر من خمسمائة أسير مسلم، فانتقم المسلمون عن ذلك باجتياح سواحل نيس، وبروفنس، وسيفيتة فكشيا بقرب روما.

والظاهر من كلام رينو أن غزو المسلمين لسواحل المدن المذكورة كان بعد التاريخ الذي ذكره - وهو 813 - بفترة قليلة؛ لأنه رتب الأحداث على بعضها، وفقاً لردود الفعل المتتابعة من قبل المسلمين والمسيحيين.

ولكن أرشيبالد لويس قد ذكر مساراً آخر للأحداث، ربط فيه بين الهجوم على المدن الساحلية المذكورة وبين الهجوم على روما في عام 846، فقال: لما حيل بين المسلمين وبين ما يبتغون في تلك المنطقة [12]، تحولوا إلى أراضي البابوية؛ ففي عام 846، أنزل المسلمون على السواحل قوات هزمت الحاميات الموجودة في شيفيتا فكيا، ونوفا أوستيا، وأغارت قواتهم هذه على ضواحي روما ذاتها. [13]

الغارة

أبحرت حشود ضخمة من كامپانيا، ورست في پورتوس واوستيا عام 846. بمجرد بدء الهجوم العربي على المدينة انسحب المقاتلين الرومان للحفاظ على الأسوار الرومانية.[1]

يبدو أن الغزاة العرب كانوا على علم بالكنوز الرومانية الرائعة. بعض من مقدساتها - والمثير للاعجاب - البازيليكا، مثل بازيليكا القديس پطرس القديمة، كانت خارج أسوار أورليان، والتي كانت هدفاً سهل المنال. فقد كانوا "مملوئين حتى قمتهم بأواني طقسية فاخرة وبمدخرات نفيسة مزينة بالجواهر تضم كل الآثار التي تم جمعها مؤخراً". نتيجة لنهب العرب للأماكن المقدسة، ومنها بازيليكا القديس پطرس القديمة، يعتقد المؤرخون أن الغزاة كان على علم بأماكن الكنوز القيمة.[1]

غزو نيس وپروڤنس

قال شكيب أرسلان تعليقاً على خبر غزو المسلمين لسواحل نيس، وپروڤنس، وسيڤيتة فكشيا بقرب روما الذي نقله عن المسيو رينو بقوله[14]:

«الذي عرفته في رومة من روايات بعض أدباء الطليان، والمطلعين منهم على التواريخ، أنه يوجد على مسافة أربعين كيلو متر من رومة قرية، يقال لها: سراسينشكو، أصل أهلها من المسلمين، كان سلفهم غزاة، وقعوا إلى تلك الأرض، وأحاط بهم الأهالي، فقتلوا جانباً، واستسلم لهم الباقون، وتنصروا

[15]، وعمروا تلك القرية، ويقال: إن سحنهم [16] لا تزال تدل على أصلهم العربي، وأن مآكلهم، ومشاربهم، وصنعة الغناء عندهم تدل على عروبتهم، وحتى هذا اليوم تراني أترقب الفُرصة؛ لمشاهدة تلك القرية، والتنقيب عن صحة ما سمعته [17].»

وقد عانت الأَملاك البابوِية الأمرين حين ازداد ضغط المسلمين على الشاطئ الغربي لإيطاليا - المطل على البحر التيراني - بفعل غارات إسلامية حدثت خلال عامي 868، 872 على مدينتي گايتا، وسالرنو، فأرسل البابا يوحنا الثامن إلى ملك الفرنجة شارل الثاني، وإلى الإمبراطورية البيزنطية، وإلى مدن: أمالفي، وجايتا، ونابولي، يلتمس لنفسه، ولأملاكه الحِماية، ولكنه لم يظفر إلا بنجاح ضَئيل؛ لأن القسطنطينية لم تطمئن إلى تقرب البابا من الفرنجة الكارولنجيين، ولأنها كانت مَشْغولة بأمر صِقلية، وبشؤون ممتلكاتها في بلاد الشرق، وأما الملك شارل الفرنجي؛ فلم يكن لديه أسطول يبعث به

[18]، وأما حلف مدن كمبانيا؛ فلم يرغب في معاداة المسلمين أصدقائه حينئذ.

وقد ترتب على تخلي هؤلاء جميعًا عن بابا روما أن ممتلكات الكنيسة في وسط إيطاليا لم تحظ بشيء من السكينة، إلا بعد أن قام البابا بدفع جزية للمسلمين، قدرها خمس وعشرون ألف (25000) قطعة فضية [19].

محاولة العثمانيين فتح روما

بعد أن فتح الجيش العثماني في عهد السلطان محمد الفاتح مدينة أوترانت الإيطالية عنوة في شهر أغسطس من سنة 1480 - وقد مر ذكر هذا عند الحديث عن تاريخ الإسلام في ولاية بوليا - كان السلطان محمد ينوى إكمال فتح جميع إيطاليا، ويقال: إنه أقسم بأن يربط حِصانه في كنيسة القديس بطرس بمدينة روما، ولكن السلطان محمد توفي في شهر مايو من العام الذي يليه[20].

غزو البندقية

قول هنري بيرين: لقد كانت البندقية آنذاك قوة بحرية عظمى، ونجحت قبل عام 1100، واستطاعت أن تطهر الجزء الدِلماشي - البلقاني - من الأدرياتيك من قراصنة البحر، الذين كانوا منتشرين هناك، وأن تحكم قبضتها على كل ساحل البحر الشرقي، ذلك الجزء الذي اعتبرته ضمن نطاقها، وظل كذلك لعدة قرون، ولكي تحافظ على السيطرة على مداخلها إلى البحر المتوسط، ساعدت سنة 1002 الأسطول البيزنطي في طرد المسلمين من جزيرة {{باري]].[21]

والظاهر أنه يقصد إخراج الكلبيين من باري؛ لأن المعروف عن إخراج البيزنطيين وحلفائهم من البَنادقة، وغيرهم للمسلمين من باري أنه كان مُتقدمًا على ذلك التاريخ بمُدَّة كبيرة؛ حيث كان في تاريخ 876 [22]، لكن القول بتحالف البنادقة مع البيزنطيين، لإخراج المسلمين من باري للمرة الثانية يحتاج إلى إثبات تاريخي، ولعله قصد إخراجهم من قاعدة بحرية بإزاء مدينة باري؛ حيث عبر عنها بالجزيرة، وهو تعبير لا يستخدمه المؤرخون الأوربيون - وكذلك غيرهم - المعاصرون سوى في حَقِّ الأرض التي تُحيط بها المياه من جميع جوانبها.

ومن وجهة نظر أرشيبالد لويس؛ فإن المسلمين قد أحرزوا في البحرين: الأدرياتي، والأيوني من النجاح ما لم يحرِوزا مثيله في البحر التيراني[23]، وهذا بخلاف رؤية هنري بيرين[24]، الذي بلغ من رغبته في إظهار مدى تحكم المسلمين في مياه البحر التيراني في فترة من الفترات إلى أن وصفه ببحيرة إسلامية، وكرر هذا الوصف في موضع آخر[25]، ورأى - على النقيض من رأي أرشبيالد - أن الأساطيل البحرية البيزنطية قد استطاعت بمعاونة حلفائها صَدِّ الهجوم الإسلامي على مياه البحر الأدرياتي.[26]

والظاهر أن كلام أرشيبالد هو الصحيح، وقد برهن على ذلك بقوله[27]: كان من نتائج انهزام البندقية[28]، وتأسيس حكومة إسلامية جديدة في باري - وهي مطلة على البحر الأدرياتي - واستيلاء مسلمي كريت على طارنت حوالي ذلك الوقت - أي ما بين عامي 838 -841 - أن تعرض البحر الأدرياتي لغارات الأساطيل العربية؛ ففي سنة 841 ذاتها بدأت هذه الأساطيل غزواتها بالاستيلاء على مدينتي أنكونا، وأوزيرو بجزيرة كرسو، وإحراقها، كما استولت في طريق عودتها إلى بلادها على عدد من سفن البندِقية التجارية العائدة من صقلية، ثم عاودوا الكرة في العام التالي على شمال البحر الأدرياتي، وهزموا أسطولًا بحرياً للبندقية في مياه خليج كوارنيرو.

وقد أقام المسلمون في مدينة باري، وغيرها من مدن شاطئ البحر الأدرياتي قواعد بحرية قوية، مكنتهم من القيام بغارات على وسط إيطاليا، وجنوبها، حيث كانوا يوغلون بعيدًا في غاراتهم الداخلية، منطلقين من تلك المواقع الحَصينة على الشواطئ[29].

ولم تستطع البندقية والقسطنطينية أن تعملا في البحار الإيطالية بعد ذلك إلا في عام 867؛ حيث انتصرت البندقية على المسلمين في البحر تجاه مدينة طارنت، المطلة على البحر الأيوني، والذي يمثل حلقة وصل بين البحرين[30].

ولا شك أن استيلاء البيزنطيين وحلفائهم من البنادقة، وغيرهم على أوترانتو عام 873، وباري عام 876 قد منحهم السيطرة على مياه البحر الأدرياتي، إلا أنه لم يوقف التحرك البحري الإسلامي فيه بصورة كاملة؛ فقد حدثت غارة إسلامية كبيرة على شمال البحر الأدرياتي، تعد الأخيرة من نوعها، وذلك حين أغار أسطول إسلامي على البندقية في عام 875، وأحرق ميناء كوماتشو، الواقع على مصب نهر البو.

وكان انطلاق هذا الأسطول على الأرجح من القاعدة البحرية الإسلامية المحصنة بمدينة طارنت، وهو ما يمثل صورة من صور السيطرة الإسلامية على مياه البحر الأيوني، ويُظْهِر تأثير تلك السيطرة على مَسار الأمور في البحر الأدرياتي[31].

وأما في العصر العثماني؛ فقد كان لاستيلاء العثمانيين على أكثر بلاد البلقان، الواقعة شرق البحر الأدرياتي دورًا بارزًا في تَمْكين أَساطيلهم من مُزاحمة أساطيل جمهورية البندقية البحرية الكبرى بمياهه، وتَبادُل الصَّوْلة عليه.

غزو الأغالبة

شهدت حركة المسلمين في البحرين: التيراني، والأدرياتي فترة فتور، لم يتحرك فيها المسلمون ضد جيرانهم المسيحيين إلا حركات طفيفة جداً، عَقِب الحَمْلة التي أرسلها البيزنطيون في صقلية قرب بلرم عام 848، ولعل هذا يرجع إلى ما وقع من صراع بحري بين مسلمي جزيرة كريت من الربضيين، ومسلمي جزيرة صِقلية من الأغالبة، ثم انتهت فترة الهدوء النسبي المذكورة عندما حاقَت الهزيمة بأسطول بيزنطي، مكون من أربعين سفينة تجاه ساحل إقليم أبوليا، وسقطت مدينة شلفودة بصِقِلِّيَّة في يد بَلِرم بعد مهاجمتها بَرَّا، وبحرًا[32].

تبعاتها

عززت روما دفاعاتها بعد النهب، وصدت غارة 849؛ ولم يهاجمها الأسطول العربي مرة أخرى.[1]

انظر أيضاً

الهامش

  1. ^ أ ب ت ث ج Barbara Kreutz (1996). Before the Normans: Southern Italy in the Ninth and Tenth Centuries. University of Pennsylvania Press. pp. 25–28.
  2. ^ "صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في روما والأَمْلاك البابَوِيَّة". منتدى أهل التاريخ. 2013-05-29. Retrieved 2013-06-10.
  3. ^ أطلس تاريخ الإسلام لحسين مؤنس (ص180).
  4. ^ تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان (ص152-ص155). وقد ذكر أمير البيان في حاشية (ص155) أن مسيو رينو قد نقل ذلك عن مجموعة البولنديين، وتاريخ مدينة نيس للمسيو لويس دورنت، وفي مخطوط لمؤلف اسمه أغيو فريدو محفوظ في مكتبة تورينو.
  5. ^ وقع في الأصل (الطير)، ونهر التيبر، أو التيفر: هو ثاني أطول نهر في إيطاليا، ويبدأ من سلسلة جبال توسكان ويتدفق جنوبًا لمسافة 405 كم، وفي نهايته يعبر بمدينة روما، قبل أن يصب في البحر الأبيض المتوسط في منطقة أوستيا، وكان يعد وسيلة تجارة مهمة في العهود الرومانية.
  6. ^ الأولى عند ترجمة العبارات المنقولة عن المستشرقين أن يراعى اختيار الألفاظ الغير قادحة، فالوصف الصحيح لأخذ الأموال، والتحف، وغيرها في مثل تلك الغزوات هو وصف الغنيمة، وهو وصف شرعي لما يغنمه المسلمون في غزوهم لديار الكفار، أما وصف النَّهْب، فيتَعَمَّد المستشرقون استخدامه لغَمْز المسلمين الغُزاة، وتصويرهم على كونهم مجموعة من اللصوص، وقُطَّاع الطرق، مع كونهم يُعَبِّرون عن نهبهم لثروات المسلمين بلفظ الاستعمار - وهو طلب عُمْران الأرض وإصلاحها - وهو في حقيقته استخراب، ولا زالوا يدلسون على الناس بوصف نهبهم البغيض لديار الإسلام بألفاظ معسولة، مثل: إعادة الإعمار، ونحوها.
  7. ^ وقد ذكر ديفز في كتابه أوروبا في العصور الوسطى ذلك أيضًا (ص71).
  8. ^ لا شك في أن تعويل المستشرقين على المصادر الأوروربية القديمة، ذات الطابع الكنسي، له دور كبير في محاولة إضْفاء صفة اللُّصُوصِيَّة على الغزاة المسلمين، والبطولة المزعومة على قساوسة النصارى ورهبانهم.
  9. ^ تاريخ أوروبا في العصور الوسطى الحياة الاقتصادية والاجتماعية (ص12).
  10. ^ أوروبا في العصور الوسطى (ص71).
  11. ^ تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان (ص141،140).
  12. ^ يقصد بذلك الإشارة إلى هزيمة المسلمين البحرية أمام تحالف مدن: نابولي، وأمالفي، وجايتا، وسرنتو في البحر الأدرياتيكي، والذي أفقدهم السيادة البحرية فيه لفترة من الزمن.
  13. ^ تاريخ القوى البحرية والتجارية (ص216).
  14. ^ تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان حاشية (ص141).
  15. ^ لا يشك عاقل أن ذلك التَنَصُّر - لو صح وقوعه بهذه الصورة - كان تحت وقع الإكراه أخذًا بالرُّخْصة، ولا يُعْقَل أن مجاهدًا مسلمًا يقع في أسر أعدائه، يكون مستعدًا للتخلي عن دينه بمجرد الوقوع في الأسر، إلا على سبيل التقية، والمداراة، ولا ننسى ما كان يفعله النصارى في مُسْلِمي الأندلس؛ لإجبارهم الدخول في النصرانية الكاثوليكية، ولا شك أيضًا أن بقاء الأجيال تلو الأجيال تحت حكم الكفار - مع العجز عن الهجرة إلى ديار الإسلام - يؤول إلى نُشوء أجيال تتأقلم مع الأوضاع القائمة في البلاد التي نشأت فيها، ويتلاشى مع مرور الوقت استحضار حالة الإكراه، واستصحاب نية الهجرة إلى دار الإسلام، فيصير النسل نصرانيًا قُحًّا مع تعاقب الأزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
  16. ^ السَّحْنَةُ، والسَّحْناءُ، بسُكُون الحاء، وتَحْرِيكها في كليهما: لينُ البَشَرَةِ، والنَّعْمَةُ، والهَيْئَةُ، واللَّوْنُ. انظر: تاج العروس (35/173).
  17. ^ وقال في مجلة المنار، عدد شهر المحرم، من عام 1342هـ بعد أن وصف دخول المسلمين لروما بالاجتياح: ورد في التواريخ: أن العرب صعدوا إلى رومة من مصب نهر التيبر، واجتاحوا البلدة، وأخذوا من كنيسة مار بطرس تابوتًا من فضة، ولكنهم لم يستقروا برومة، ثم إن العرب كانوا يختلفون إلى ضواحي رومة، ويَشُنُّون الغارات فيها، وفي إحدى المرار اجتمع عليهم الأهالي، فهزموهم، فخَلُص منهم فئة إلى البحر، وفئة استؤصلت بالسيف، وفئة من بقايا السيوف لاذت بمكان منيع هناك، وناضلت عن نفسها، وبقيت تحمي نفسها، إلى أن وقع الصلح بينها وبين أهل البلاد، ولأسباب مجهولة عندنا تفاصيلها، تركوا تَوَطُّن تلك الأرض، فالآن على مسافة 40 كيلو متر من رومة، قرية اسمها (سارازينسكو) Sarrasinesco، من اسمها يعرف أن أهلها أصلًا مسلمون؛ لأن (سارازينو) معناه مسلم كما لا يخفى، وليس الدليل على كون أهل هذه القرية عربًا هو الاسم فقط، بل حدثني الكونت كولالتو صاحب جريدة رومة الإيطالية التي تصدر بالقاهرة - وهو من جِلَّة أُدباء الطليان وفُحول الكتاب - أن أهالي قرية سارازينسكو هم إلى يومنا هذا حافظون عاداتهم العربية، ومآكلهم العربية، ولا يزالون يعزفون بآلات الطرب العربية، مما لا يوجد عند قوم سواهم في إيطالية، وإن سحناتهم إلى هذا اليوم سحنات العرب، لا يتمارى في ذلك من رآهم، انتهى.
  18. ^ تَقَدَّم معنا عند الحديث عن جهود ملوك أوروبا لمواجهة الزحف الإسلامي في إيطاليا ما ذكره المسيو رينو من أن الملك شارل الثاني الفرنجي قد نوى أن يذهب بجيش إلى إيطاليا بعد استيلاء الأغالبة على جنوبها، وتَعَرُّض الباباوية في روما للخطر من جَرَّاء ذلك، ولكنه توفي في سنة 876 م، ولم يُعَلِّل رينو عدم ذهابه هناك بعدم وجود أسطول لديه.
  19. ^ تاريخ القوى البحرية والتجارية (ص219). وقد تم التصرف في بعض العبارات التي لا تخلو من النزعة الصليبية في عبارات المؤلف المذكور.
  20. ^ تاريخ الدولة العلية العثمانية (ص176،175).
  21. ^ تاريخ أوروبا في العصور الوسطى الحياة الاقتصادية والاجتماعية لهنري بيرين، ترجمة الدكتور عطية القوصي (ص26).
  22. ^ القوى البحرية والتجارية لأرشيبالد لويس (ص219،218).
  23. ^ المرجع السابق (ص215).
  24. ^ تاريخ أوروبا في العصور الوسطى (ص23).
  25. ^ انظر: المرجع السابق (ص34).
  26. ^ غالى هنري بيرين في (ص10) في دور البيزنطيين في التصدي البحري للمسلمين، فقال: وإذا كانت الإمبراطورية البيزنطية بسبب أسطولها الحربي قد نجحت في دفع اللطمة الإسلامية عن بحر إيجه، والأدرياتيك، وعن سواحل إيطاليا الجنوبية، وعن البحر التيراني؛ ثأرًا من المسلمين، وكل ما استطاع أن يستخلصه منهم، إلا أنها بالنسبة لإفريقية وإسبانيا؛ فإنها اكتفت بتطويقها من الجنوب والغرب، وفي نفس الوقت وضعت يدها على جزر البليار، وكورسيكا، وسردينيا، وصقلية، وجعلتهم قواعد لأسطولها في هذا البحر، الأمر الذي أعاد إليها سيادتها عليه، ومع مطلع القرن الثامن الميلادي، عادت التجارة الأوروبية إلى هذا المربع البحري الكبير، وبقيت الحركة الاقتصادية باتجاه بغداد حركة شرقية، ولقد قال ابن خلدون عن ذلك متأثرًا: لم يعد في استطاعة لوح خشب واحد للمسلمين أن يطفو على مياه هذا البحر،انتهى. وزعمه أن بيزنطة وضعت يدها على كل هذه الجزر التي ذكرها غير صحيح، بل سيطر الحلف البيزي الجنوي على سردينيا، وكورسيكا، وسيطرت ملكة أراجون على جزر البليار، وسيطر النورمان على صقلية.
  27. ^ القوى البحرية والتجارية (ص216،215).
  28. ^ كانت البندقية قد انهزمت أمام أسطول إسلامي في فترة مبكرة في حوالي عام 840 م، ولم تستطع أن تنتقم من هزيمتها إلا بعد ما يزيد على ربع القرن بمعاونة البيزنطيين في الهجوم على باري.
  29. ^ المرجع السابق (ص218).
  30. ^ الموضع السابق.
  31. ^ المرجع السابق (ص219،218).
  32. ^ المرجع السابق (ص216 ،217).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر