مذكرات الفريق جمال الفيصل في الوحدة والانفصال - الجزء الأول : قيادة الجيش الأول للجمهورية العربية المتحدة

اجتماع الرؤساء جمال عبد الناصر وشكري القوتلي مع عبد السلام عارف أحد قادة ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ في العراق لإعلان تأييد الجمهورية العربية المتحدة للثورة العراقية ويبدو في يسار الصورة الفريق جمال الفيصل - دمشق من شرفة قصر الضيافة - تموز ١٩٥٨.

كتب الفريق جمال الفيصل قائد الجيش الأول (السوري) للجمهورية العربية المتحدة :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لقاء مع المشير

(في أوائل شهر آذار من عام ١٩٥٨ اتصل بي العقيد عبد المحسن أبو النور وطلب مني مقابلة المشير عامر والذي طلب مني بدوره أن أترك قيادة الدرك التي انتدبت إليها لمدة سنة وأعود للجيش ، كما طلب مني المشير مقابلة اللواء حليم كاتم أسرار الجيش لإطلاعي على الأوامر الجديدة التي أعدها المشير وإعطاؤه رأيي فيها.ذهبت إلى مكتب اللواء حليم وقدم لي ثلاث قوائم:

القائمة الأولى تتعلق بإحالة ٧٠ ضابطاً على التقاعد.

القائمة الثانية تتعلق بتعيين :

العقيد عبد المحسن أبو النور (مصري) معاوناً لقائد الجيش العقيد أحمد زكي (مصري) رئيساً للشعبة الأولى العقيد محمد اسطنبولي (سوري) رئيساً للشعبة الثانية العقيد أكرم ديري (سوري) رئيساً للشعبة الثالثة العقيد ألبير عرنوق (سوري) رئيساً للشعبة الرابعة في قيادة الجيش الأول.

كما أطلعني على بعض النشرات التي تتعلق بانتداب بعض الضباط إلى بعض المراكز المدنية أو إلى القيادة بالقاهرة. ولدى عودتي إلى مكتب المشير عامر أبديت له الملاحظات التالية :

إن قانون الجيش السوري لايسمح للقائد العام (المشير عامر) بإحالة الضباط على التقاعد قبل بلوغهم السن القانونية، لذلك فإن قائمة التسريحات غير قانونية ولا يمكن تنفيذها.

يُفضّل أن يرافق تعيين العقيد عبد المحسن أبو النور والمقدم أحمد زكي تعيين ضابطين سوريين في مراكز مماثلة في قيادة الجيش المصري.أما إجراء التنقلات فهذا من صلاحيتك باعتبارك قائداً عاماً ووزيراً للحربية.

ثم أعلمني المشير عامر بأنه سيصدر أمراً بتعييني نائباً لقائد الجيش الأول كما سيصدر أمراً باعتبار رئيس الأركان السوري اللواء عفيف البزري قائداً للجيش الأول في الجمهورية العربية المتحدة ، وفعلاً فقدر صدرت كافة الأوامر المتعلقة بالنقل والتعيين ، أما قائمة الإحالة على التقاعد فقد صدرت بعد عيد الفطر بعد أن تم تعديل قانون الجيش وتعديل سلم رواتب التقاعد ليصبح ٧٥٪؜ من الراتب الذي يتم تقاضيه أثناء الخدمة.

خلال إقامة المشير عامر في دمشق تدارس مع اللواء البزري الذي رفع لرتبة فريق إجراء بعض التعديلات على قانون الجيش السوري وقانون التقاعد بغية التقارب بين القوانين السورية والمصرية ، وبغية توحيد الخطوط الكبرى في قوانين الجيشين . وبعد سفر المشير إلى القاهرة تابع اللواء حليم كاتم أسرار الجيش مناقشة القانونين المذكورين مع مختلف رؤساء الدوائر ، وكان التعديل ينصب بالدرجة الأولى على مايلي:

أ‌- إعطاء الحق للقائد العام (المشير عامر) بإحالة الضباط على التقاعد.

ب‌- إعطاء الحق للقائد العام بانتداب الضباط إلى مختلف وزارات الدولة.

ج‌- تشكيل لجنة للضباط تقوم بدراسة التنقلات والترفيعات والانتداب .

أما قانون التقاعد فقد أجريت عليه بعض التعديلات الهامة وأبرزها :

أ‌- إحالة الضابط على التقاعد حتماً إذا لم يرفع إلى درجة أعلى بعد قضاء مدة معينة في الرتبة السابقة (وقد أحيل على التقاعد وفقاً لهذه المادة عدد كبير من الضباط).

ب- إعطاء الحق للقائد العام بتحديد مبلغ الراتب التقاعدي.

ج- زيادة الراتب التقاعدي زيادة ملحوظة بشكل لا يختلف كثيراً عن الراتب الفعلي.


وجود ضباط مصريين في قيادة الجيش السوري

بعد تشكل القيادة المشتركة للجيشين السوري والمصري مساء ١٩٥٥/١١/٦ والتي كنت فيها رئيس الوفد السوري، كان في سورية العقيد عبد المحسن أبو النور الملحق العسكري المصري ورئيس الوفد المصري للقيادة المشتركة يعاونه أحمد زكي والمقدم علوي. وكان العقيد عبد المحسن على اتصال دائم مع ضباط القيادة السورية الذين كانوا يتهافتون عليه ليكون صلة الوصل بينهم وبين عبد الناصر وكان يجمع المعلومات عن الضباط وكفائتهم وميولهم السياسية وثقافتهم العسكرية، بالإضافة إلى أن النقيب مصطفى حمدون رئيس الشعبة الأولى في حينها قد سلم المقدم أحمد زكي سجلاً للضباط يحوي على كافة المعلومات حتى المعلومات الخاصة بالنقيب حمدون والتي كان يدونها مقابل أسماء الضباط البعثيين لأنه كان بعثياً والضباط الحزبيين عموماً. لذلك تمكن العقيد عبد المحسن أبو النور من معرفة أسماء الضباط البعثيين مع المعلومات الكافية عن كل منهم بواسطة خطيئة ارتكبها النقيب مصطفى حمدون. وعندما قيام الوحدة اتفق المشير عامر مع اللواء البزري على تعيين العقيد عبد المحسن أبو النور كمعاون لقائد الجيش وتعيين أحمد زكي رئيساً للشعبة الأولى (شعبة التنظيم والإدارة) وهكذا فقد استلم المصريون المركزين الرئسيين في الجيش.


الخلاف بين المشير عامر والفريق البزري

عند قيام الوحدة اتفق المشير عامر مع اللواء عفيف البزري على تعيين أحمد زكي رئيساً للشعبة الأولى (شعبة التنظيم والإدارة) . ثم طلب البزري من المشير عامر لاحقاً تعيين المقدم أحمد حنيدي رئيساً للشعبة الأولى ، كما طلب إجراء بعض التعيينات الأخرى إلا أن المشير لم يستجب لطلبه هذا وفسر ذلك (حسب ما قال لي لاحقاً) بأن البعثيين كانوا يرون إسناد هذا المركز إلى ضابط منهم على اعتبار أن الرئيس السابق لهذه الشعبة (مصطفى حمدون) كان منهم وأن تعيين أحمد حنيدي سيعتبر تحيزاً لفئة دون أخرى . وتقرر أخيراً بحث الموضوع في القاهرة مع الرئيس عبد الناصر . إلا أن كل من الفريقين بقي متشبثاً برأيه مما دعا البزري إلى الاستقالة وعين في هيئة تخطيط الجمهورية لكنه وجد نفسه بدون عمل مما اضطره للعودة إلى سورية وطلب إحالته على التقاعد. وتم استلامي لقيادة الجيش الأول في الإقليم السوري في صباح ١٩٥٨/٣/٢٤.


الضباط المصريون في الجيش السوري

كان الجيش السوري يعاني من نقص في الأفراد وخاصة الضباط ، لذلك فقد رأى المشير تلافي هذا النقص بانتداب عدد من الضباط المصريين للعمل في وحدات الجيش السوري مما جعل الضباط السوريين يشعرون بالتنافس غير البريء والمشوب بشيء من التململ. وإني لأذكر أن سلوك الضباط المصريين كان فيه شيئاً من العجرفة والتعالي على زملائهم السوريين .كما أن الضباط السوريين الذين انتدبوا إلى القاهرة كانوا يقضون أوقاتهم بدون عمل جدي أو أنهم كانوا يعاملون كعناصر من الدرجة الثانية ، وقد لفتت نظر المشير لهذا الأمر ولكنه لم يقم بأي شيء حاسم وكانت أمورهم تسير من سيء إلى أسوأ. ومما لا شك فيه أن الضباط السوريين تعودوا على السلطة أو التسلط منذ الانقلاب الأول لذلك فقد كان الضابط السوري يرى في نفسه شيء من الغضاضة عندما كان يعامل معاملة يشوبها الفتور.

استلام وأعمال قيادة الجيش الأول

منذ صباح ١٩٥٨/٣/٢٤ وحتى يوم الانفصال واجهتني صعوبات كبيرة وكبيرة جداً استغرقت مني عملاً يومياً من ١٠-١٢ ساعة وتم إنجاز مايلي :

استيعاب الأسلحة الروسية.

إنشاء المستودعات للأسلحة والذخائر والمحروقات والإمداد والتموين والمهندسين.

بناء الثكنات والمطارات والمساكن الملحقة بها.

إعادة تنظيم الجيش (مدرعات-إشارة-مدفعية-مشاة-احتياط).

وضع برامج التدريب (تدريب الطيارين-البحارة-كلية الأركان-قادة الكتائب-الإيفادات إلى روسيا).

وضع خطط العمليات الهجومية والدفاعية في الجبهات، توحيد المدارس، توحيد المظليين.

إعادة تنظيم الشؤون الإدارية، التوجيه المعنوي.

معالجة نتائج الإنزال الأمريكي في لبنان والإنزال البريطاني في الأردن، وثورة العراق.

تحسين الوضع المادي والمعنوي لوحدات الجبهة وتأسيس نوادي الضباط فيها ، وبناء القرى الأمامية النموذجية المزودة بالماء والكهرباء.

تأسيس المعامل لتأمين التجهيزات والألبسة، تأسيس ورشات صيانة الآليات والدبابات والأسلحة والذخائر.

إحداث المستشفيات الميدانية ، معمل الأطراف الصناعية ، بنك الدم ، مدينة أبناء الشهداء ومدارسها.

تأليف المعجم العسكري بالمصطلحات العسكرية بثلاث لغات (العربية والفرنسية والانكليزية) لتوحيد مصطلحات الجيوش العربية .

وكانت أهم الإنجازات:

إنشاء المستودعات : خوفاً من انقطاع الإمداد بالأسلحة الروسية قام الجيش السوري بشراء كميات كبيرة زائدة عن الحاجة من الأسلحة والذخائر. لذا تم إنشاء مستودعات مستقلة لكل من الذخائر والأسلحة والمعدات والدبابات وورش إصلاحها ، ومستودعات مستقلة لكل من المحروقات ، الألبسة ، وذلك لاحتوائها والحفاظ عليها من التلف في العراء.

إعادة تنظيم الجيش واستيعاب صفقات الأسلحة : تمت إعادة النظر بتشكيلات الجيش وتنظيم وحداته وخاصةً وحدات المدرعات والمدفعية التي تضاعفت تشكيلاتها بمعدل ٣٠٠٪؜، وقمت بالاحتفاظ بالأسلحة التي زادت عن حاجة الوحدات بشكل فني وخصصتها لتسليح ألوية الاحتياط . كما تم بناء ثكنات جديدة رافقت تضخم الجيش وتم تحسين المطارات وتوسيعها بالإضافة إلى التجهيزات الحديثة التي أدخلت إلى كافة المطارات. كما تم بناء مدن سكنية للضباط والأفراد و مراكز لقيادات الأسلحة البحرية والطيران.وقد شمل التنظيم كل ألوية الجيش بعد إدخال الإسلحة الثقيلة إلى تشكيل ألوية المشاة والمدرعات والمشاة المحمولة بحيث أصبح اللواء وحدة قتالية يمكنها القتال بصورة مستقلة مع أسلحة الدعم الداخلة بتشكيلها . أما بالنسبة لسلاح الطيران فقد تم شراء الطيارات الليلية وبدأ الطيارون بالتدرب عليها في روسيا ومصر. وقد تم إنشاء خط ثاني من ألوية الاحتياط للدفاع عن المدن والمراكز الحيوية . وقد استغرقت إعادة تنظيم الجيش وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً يفوق حد التصور.

وضع برامج التدريب: بعد أن تم تجهيز الجيش بالأسلحة الجديدة تمت إعادة النظر في برامج ومناهج التدريب من حيث الأسلوب والطريقة والتنفيذ. مما اضطرنا إلى إعادة النظر في برامج كافة الكليات والمدارس وبرامج تدريب الوحدات ، وهذا التبديل فرض علينا بناء حقول رمي جديدة لأسلحة المشاة والدبابات والمدفعية وخاصة مدفعية م/ط (المضادة للطائرات) وتجهيز هذه الحقول بالمعدات الجديدة. أما تدريب سلاح البحرية والقوات الجوية فقد ألقي على عاتق السلاح البحري المصري والقوات الجوية المصرية بغية توحيد الأساليب وطرق العمل المشترك. كما تم نقل المدارس بغية توحيدها إلى الإقليم الجنوبي الذي تتوفر لديه الإمكانيات الجيدة أكثر مما هو متوفر لدى الإقليم الشمالي، وشمل التدريب في سورية الوحدات المحاربة وما يتبع ذلك من مدارس المشاة والإشارة والمدفعية والمهندسين ، كما تم توحيد وحدات المظليين في كلا الإقليمين.

تأسيس كلية الأركان وقادة الكتائب: تم إنشاء كلية الأركان وكلية قادة الكتائب لمختلف صنوف الأسلحة الأرضية درست فيها لأول مرة في تاريخ الجيش تعاون الأسلحة المختلفة في القتال وكيفية استعمالها.وضع خطط العمليات:أعيد النظر بكافة خطط العمليات الحربية وتم وضع الخطط الجديدة (الدفاعية-الهجومية ، الرد على عمليات محددة والتصدي لها) وفق تنسيق مشترك مع الإقليم الجنوبي.


دعم حركات التحرر العربية

ثورة ١٤ تموز في العراق والعلاقات مع الجمهورية العربية المتحدة

في الصباح الباكر من يوم ١٤ تموز ١٩٥٨ اتصل بي هاتفياً المقدم محمد اسطنبولي رئيس شعبة المخابرات الحربية وأعلمني عن قيام انقلاب عسكري في العراق أطاح بالنظام الملكي التابع لبريطانيا وأعلن قيام النظام الجمهوري، هذا كل ما علمته عن انقلاب العراق في ساعته الأولى. وفوراً أعلمت المشير عامر ببرقية أرسلتها إلى القاهرة وطلب مني في جوابه عليها تأييد الانقلاب وعند ذلك اتصلت بزعماء الانقلاب هاتفياً عن طريق هاتف دير الزور-البوكمال وخلال الاتصال علمت أن زعيم الانقلاب هو الزعيم عبد الكريم قاسم وأن قائد اللواء الذي نفذ عملية الانقلاب هو العقيد عبد السلام عارف وقد سبق لهذين الضابطين أن تعرفا على بعض الضباط السوريين عندما كانا على رأس اللواء العراقي الذي جاء للدفاع عن الأردن أثناء العدوان الثلاثي على مصر. اتصلت بالزعيم عبد الكريم قاسم وطلب مني دعم حركته الانقلابية كما أعلمني أن السيد فائق السامرائي سيصل إلى دمشق للاتصال معنا وفعلاً وصل السيد السامرائي إلى دمشق مساء اليوم التالي وقابلته وطلب تزويد العراق بالأسلحة والذخائر بريطانية الصنع حدث ذلك بينما كان الرئيس عبد الناصر يقوم بزيارة يوغوسلافيا وكان قد غادرها باتجاه الاسكندرية عن طريق البحر فأعلمه الرئيس تيتو بأن الأسطول السادس الأمريكي قد انتشر في أرجاء البحر الأبيض المتوسط فعاد الرئيس إلى يوغوسلافيا وسافر منها إلى روسيا واجتمع مع خورتشوف الذي أبلغه تأييده المطلق . وأثناء إقامته في روسيا علم بخبر الإنزال الأمريكي في لبنان والبريطاني في الأردن ثم عاد إلى سوريا جواً عن طريق إيران. وفي نفس اليوم الذي وصل فيه الرئيس عبد الناصر إلى دمشق وصل العقيد عبد السلام عارف إليها مع وفد عراقي وأمام قصر الضيافة بدمشق خطب الرئيس عبد الناصر معلناً تأييده لثورة العراق كما أعلن العقيد عبد السلام عارف أن العراق يعتمد على تأييد الرئيس عبد الناصر وشعب الجمهورية العربية المتحدة كما أعلن عن استعداد العراق للانضمام إلى الوحدة السورية المصرية وكان يتكلم بلغة سليمة تخللها بعض الآيات القرآنية. وفي المساء عقد اجتماع بين الرئيس والوفد العراقي في منزل المشير عامر بدمشق ثم طلب مني الرئيس الاجتماع بالوفد العراقي المرافق للعقيد عبد السلام عارف وتم الاتفاق مع الوفد العراقي على تزويد العراق بالأسلحة الانكليزية وذخائرها من مصر وخاصة المدافع الساحلية لحماية ميناء شط العرب ومدافع الميدان وكانت تنقل بالبواخر من مصر إلى اللاذقية في سوريا ومنها إلى دمشق ومن دمشق إلى بغداد على متن السيارات العراقية وبالمقابل كانت السيارات العراقية تحمل عند مجيئها من العراق بصفائح البنزين المخصص للطائرات لأن سوريا كانت تعاني نقصاً بالوقود. وخلال عمليات النقل هذه كانت الاتصالات البرقية مستمرة بيني وبين الزعيم عبد الكريم قاسم وكانت عبارة عن طلبات عراقية يجري تلبيتها بسرعة. وخلال الأيام الأولى من الانقلاب العراقي أرسلت أحد الضباط للاطلاع على تقارير حلف بغداد التي كان يرسلها الملحق العسكري العراقي في دمشق العقيد صالح مهدي السامرائي أثناء فترة الانقلابات السورية العديدة وخلال قيام حكومة نوري السعيد في العراق بالدعوة لمشروعي سوريا الكبرى ثم الهلال الخصيب الساعية لضم سوريا إلى الملكية العراقية وعاد الضابط لدمشق وهو يحمل ثلاث حقائب مملوءة أخذها من مقر حلف بغداد في العاصمة العراقية فيها معلومات مفصلة عن بعض السياسيين والعسكريين السوريين والصحف السورية المتعاملة مع النظام العراقي مع تفصيلات عن المبالغ المدفوعة لهذه الجهات وكثير من التقارير الاستخباراتية عن الوضع السياسي في سوريا ووضع الجيش السوري وقطعاته وأمتنع عن ذكر هذه الأسماء . ثم تم تعيين المقدم عبد المجيد فريد من ضباط الإقليم الجنوبي يعاونه المقدم طلعت صدقي كملحق عسكري للجمهورية العربية المتحدة في بغداد وفي الأشهر الأولى لقيام الثورة العراقية دب الخلاف بين زعيمي الثورة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ، فالزعيم عبد الكريم قاسم ويؤيده الشيوعيون ورجال الحزب الوطني الديمقراطي كان يميل لانتهاج سياسة يسارية بينما كان عبد السلام عارف ويؤيده القوميون العرب والبعثيون يطالبون بالوحدة التامة مع مصر وسوريا. وتفاقم الخلاف بينهما وأدى لخلاف بين العراق والجمهورية العربية المتحدة لعبت فيه الأهواء السياسية والميول الحزبية لعبة غير شريفة إلى أن وصل الأمر إلى مهاترات إذاعية وانتهى الأمر بتنحية عبد السلام عارف واستئثار عبد الكريم قاسم بالسلطة مع مجموعة من الضباط اليساريين على رأسهم العقيد المهداوي رئيس المحكمة العسكرية التي قامت بمحاكمة رجالات العهد الملكي بالعراق.


معالجة الإنزال الأمريكي في لبنان

كان لبنان قبيل الثورة العراقية مسرحاً لاضطرابات داخلية بسبب السياسات الغربية التي اتبعها رئيس الجمهورية السيد كميل شمعون وقد انفجرت هذه الاضطرابات بشكل علني إثر اغتيال الصحفي السيد نسيب المتني المعروف بسياسته العربية وأخذت هذه الاضطرابات شكلاً طائفياً كما انقلبت إلى حرب أهلية طائفية بين المسيحيين والمسلمين. وخشي الرئيس شمعون من أن تنتقل عدوى الثورة إلى لبنان فاستدعى الوحدات العسكرية الأمريكية للقيام بإنزال في لبنان . وقد قامت الجمهورية العربية المتحدة بمد يد المساعدة إلى العناصر الوطنية التي كانت تنادي بالشعارات العربية فأمدتهم ببعض الأسلحة للدفاع عن أنفسهم ، إلا أن الثورة بدأت ولم تنتهي إلا بانتهاء مدة ولاية الرئيس شمعون وانتخاب اللواء فؤاد شهاب قائد الجيش اللبناني رئيساً للجمهورية والذي عمل على إحلال الوفاق بين مختلف الأحزاب اللبنانية. وأثناء تلك الأحداث قامت الحكومة اللبنانية بطرد السوريين العاملين في لبنان والذين يبلغ تعدادهم أكثر من مئتي ألف عامل . وخلال فترة بقاء القوات الأمريكية في لبنان اتخذ الجيش السوري بعض التدابير الوقائية العسكرية وانتشرت الوحدات المحاربة على طول الحدود بين سوريا ولبنان. وخلال زيارة الرئيس عبد الناصر الثالثة في دمشق اجتمع مع الرئيس اللبناني فؤاد شهاب على الحدود السورية اللبنانية وقد تم الاجتماع في كوخ خشبي أقامه الجيش الأول على الحدود بينما كان الثلج يهطل بكثرة في مكان الاجتماع وقد تم في الاجتماع المذكور تصفية كافة المسائل التي نتجت عن الجرب الأهلية في لبنان. كما تم تصفية الذيول التي خلفها دخول القوات الأمريكية إلى الأراضي اللبنانية بعد ثورة ١٤ تموز في العراق.

وكان من أهم الأمور التي تم الاتفاق عليها:

إقرار مبدأ عروبة لبنان.

السماح للعمال السوريين بالعودة إلى لبنان.

تعهد الجانب اللبناني بالقضاء على التآمر ضد مصالح الجمهورية العربية المتحدة.

مكافحة العناصر الهدامة والجاسوسية العالمية التي كانت تعمل من لبنان ضد الجمهورية العربية المتحدة.

جمع الأسلحة وإعادتها إلى سوريا.


وبعد انتهاء الاجتماع عاد الرئيس عبد الناصر إلى دمشق ثم سافر بالطائرة بصورة مكتومة من أحد المطارات الحربية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الإنزال البريطاني في الأردن

بعد قيام ثورة العراق قام الملك حسين ملك الأردن باستدعاء الوحدات البريطانية لحماية نظامه فقام الجيش البريطاني بإنزال قطعات عسكرية بريطانية في الأردن عبر إسرائيل مما وضع على عاتق الجيش الأول أعباء عسكرية أخرى حيث اضطر إلى نشر القوات العسكرية على الحدود الأردنية السورية وبقيت هذه الوحدات بالإضافة إلى الوحدات التي انتشرت على الحدود اللبنانية مدة شهرين توقفت خلالها برامج التدريب كما توقفت عملية تنظيم الجيش.

نقل أسلحة من سورية إلى مصر

بعد أن ساءت العلاقات مع العراق في عهد عبد الكريم قاسم ومن ثم مع روسيا توقفت روسيا عن إمداد مصر بالأسلحة ، واستمر توريد السلاح المتعاقد عليه سابقاً إلى سورية. وكانت مصر تؤمن حاجتها من قطع الغيار من مستودعات الجيش السوري . وكانت مصر على معرفة بمحتويات مخازن الجيش السوري لأن قادة الأسلحة كاموا يقومون بإحصاء الموجود منها في المستودعات أثناء قيامهم بجولاتهم التفتيشية ، كما أن القيادة كانت على اطلاع على محتويات الصفقة الروسية إلى سورية. وكانت عملية النقل تتم بإصدار الأمر من مكتب القائد العام بالقاهرة بنقل المعدات وإبلاغه إلى معاون قائد الجيش. و قد تم نقل بعض ذخائر الهاون ١٢٠ وذخائر المدفعية م/ط . وعندما أعلمني قائد سلاح الإشارة بأنه تلقى أمراً بنقل ٥٠ جهاز لاسلكي معدة لألوية الاحتياط ألغيت أمر النقل ولم أنفذه وطلبت من مديرية التسليح وبقية المصالح عدم تنفيذ الأوامر المتعلقة بنقل الأسلحة والمعدات والذخائر من سورية إلى مصر إلا إذا كانت موقعة مني شخصياً وبعد أن يقوم بالاتصال معي هاتفياً لتأكيد التوقيع. وبعد ذلك تم شحن ١٥٠ سيارة مدرعة من ناقلات الجنود ب.ت.ر من روسيا إلى مصر وأدخلت في ملاك الفرقة الرابعة المصرية لإتمام النواقص ، وتبين ذلك عندما قمت بإجراء جرد عام على الصفقات الروسية تبين بعده نقص السيارات المدرعة المذكورة ولدى الاستفسار من الجانب الروسي عنها أعلمنا بأنها شحنت إلى مصر.

قابلت المشير عامر وبحثت معه الأمر وأظهرت له بأن ما حدث يجب أن لا يمر لأن المدرعات المذكورة معدة للجيش الأول وأن أثمانها دفعت من الميزانية السورية، وأن الجيش الأول بحاجة إليها لإتمام ملاكاته بعد ان أعيد تنظيمها. وعندئذٍ أصدر المشير أمره بإعادة المدرعات وهكذا انتهت القضية ولكنها تركت أثراً سيئاً في نفوس الضباط السوريين ، كما تركت أثراً عميقاً في نفس كل من المشير عامر والفريق علي عامر ثم ساءت علاقتي بهما بعد ذلك).


نهاية الجزء الأول.


الجزء الثاني من مذكرات الفريق جمال الفيصل في الوحدة والانفصال على الرابط التالي :


مذكرات الفريق جمال الفيصل في الوحدة والانفصال - الجزء الثاني : مؤامرة الانفصال