عزيز جاسم الموسوي

عزيز جاسم الموسوي
Aziz Jasem Al-Musawi.jpg
الجنسيةعراقي
المهنةكاتب ومفكر وروائي
الأقاربمحسن الموسوي

عزيز السيد جاسم أو عزيز جاسم الموسوي (ت. 1991)، كاتب ومفكر قومي عربي عراقي. له كثير من الأعمال في السياسة والفكر والرواية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

ولد الموسوي في الناصرية، محافظة ذي قار، العراق.

يقول عزيز عن نفسه:

«في قرية الغازية الوديعة ـ ناحية النصرـ فتحت عينيَّ على الدنيا وكانت صورة علي بن أبي طالب رضي الله عنه معلقة على الحائط ! تلك هي الصورة التقليدية الشائعة بألوانها الساخنة وبالمهابة المميزة لوجهه الكريم تحيط برأسه هالة نور!! وكانت صورة الأمام حاضرة في البيت مثل البيت والأب والأم والأخ والأخت! فلم يكن ممكنا أن يكون البيت بدون صورة!! .... بعد أكثر من ثلاثين سنة هي رحلة طويلة في الكدح والمعاناة الذهنية أهديت لي صورة لعلي بن أبي طالب مصورة عن متحف اللوفر بباريس وهي صورة اقرب إلى حقيقة علي من سواها !وربما هي من رسم احد الرهبان ففي الصورة شموخ عجيب وقوة هائلة واستقرار تاريخي !كان عليٌّ راكباً حصانه حيث ظهر اعل من حجعة السرج! ولكنه بدا متبوئا مقعدا تاريخيا شديد العلو...»

ومن الطرائف التي يرويها أخوه محسن الموسوي: يقول إن مدير المدرسة الابتدائية الوحيدة في قرية الغازية ، وكان اسمه صبري فرج الله ينقل هذا الرجل أن عزيز السيد جاسم زعل على المدرسة ومزق شهادته التي تشهد أنه الناجح الأول في صفه ، وذلك بسبب طريقة كتابتنا لاسمه فيها ، إذ كتبناه عزيز جاسم علي، فقال مخاطبا المدير محاولا كبت غضبه: "أستاذ أنا عزيز السيد جاسم وانتم كتبتم في الشهادة عزيز جاسم علي أنا لا أوافق لان اسمي عزيز السيد جاسم"، وهكذا كتب اسمه حين انتقل إلى الثانوية، والطريفة الثانية التي ينقلها إلينا أخوه محسن الموسوي هي: أن والدته كانت تحتفظ بأوراق ومستندات عن ديوان الوالد وأملاكه والمبالغ التي يطلبها السيد جاسم من الدائنين ، وحين خرجت الوالدة من البيت لقضاء بعض الأشغال تسلل عزيزـ الذي كان صبيا ـ بهدوء واحرق الوثائق والأوراق ، ولما رجعت الوالدة لم تغضب ولم تعنف عزيز وإنما قالت : عفية عزيز خلي نبدي جديد ونعتمد على رواحنة.

أكمل عزيز السيد جاسم دراسته الابتدائية في قرية الغازية، ومن ثم انتقل إلى الناصرية ليكمل فيها دراسة الإعدادية، ولكنه كان يرجع في أثناء العطلة الصيفية إلى الغازية، ليعمل في طاحونة ومعمل للثلج وفي أثناء ذلك انتظم إلى تنظيمات الحزب الشيوعي، وهو في الخامسة عشرة من عمره، واستطاع أن ينظم أصدقاءه الشباب في مدينة النصر لهذا التنظيم، كان عزيز السيد جاسم كثير المطالعة في هذه الفترة إذ استطاع الاطلاع على الفكر الماركسي، فضلا عن مؤلفات مشاهير الكتاب الغربيين أمثال فولتير وجان جاك روسو وغيرهم وفي الوقت نفسه لم يمنعه الانشغال بالفكر الماركسي من قراءة كتب التاريخ والأدب العربي والإسلامي، الأمر الذي جعله يكتنز علما وثقافة واسعين، مما سهل عليه استقطاب الشباب أمثاله وقد مكنه هذا الأمر من لعب دور المحرض والقائد للشباب، فأودع السجن مرات عدة في الناصرية اثر قيادته عدد من المظاهرات للمطالبة بمستقبل أفضل، وقد بلغ هذا الدور أوجه بعد قيام ثورة 14 تموز ، عندما اظهر عزيز السيد جاسم مقدرة على الكتابة في أمور تحريض الجماهير، فضلا عن مقدرته على قيادة تلك الجماهير وتنظيمها، ولاسيما صفوف الشباب.

كانت كتابات عزيز السيد جاسم في تلك الفترة تركز على الهوية العربية والإسلامية للحركات التحررية العربية، مما جعله يصطدم بموقف الحزب الشيوعي الذي ينتمي إليه ، وعلى اثر ذلك قرر ترك الحزب الشيوعي عام 1960، وعبثا حاول رفاقه ثنيه عن قراره هذا، فقد أصر على حرية الفكر ورفض القوالب الفكرية والأجوبة الجاهزة، مؤكدا خصوصية الوضع العربي وأصالة الفكر الإسلامي بعيدا عن المصالح الضيقة والتعصب الفئوي، ومن بين ما أثر عنه في تلك الفترة أقوالا منها: كل ما يدعو إلى الخير يتصل بعضه ببعض، وإن كل ما يخدم الناس يخدم الرب، وأن الجانبين الاقتصادي والسياسي للماركسية لا يتناقضان مع الإسلام، وان الاستعمار والظلم والدكتاتورية والقتل سواء.. هذه هي الحقيقة التي لا مراجعة فيها، وان الجماعات توحدها المصلحة. أما الحرية فلا توحد إلا الأحرار وكرماء النفس، وان الفكر الحر لا يعرف التأطير، وان الذهن الحر يتفتح على الدوام على الأفكار والمستجدات ويكرس طموحات وتطلعات الناس ، وإن المثقف الحقيقي مثقف حر، وبحكم ذلك فهو أكثر من سواه قدرة على معاينة ظواهر الاستعباد، وكذلك يكون أكثر من سواه إدراكاً لقيمة التوجهات السياسية التي تخدم الحرية وأكثر استبشارا بها.

في بداية 1969 انتقل من الناصرية إلى بغداد ليلتحق بجريدة الثورة، جريدة حزب البعث الحاكم وقتها، في العراق. كان أخوه محسن الموسوي، مترجما في الجريدة. بعد سنة أو أقل أصبح عزيز السيد جاسم، رئيس تحرير مجلة الغد التي تصدر عن جريدة الثورة وأصبح متنفذا ومنظرا لحزب البعث قبل أن يصبح رئيس تحرير مجلة وعي العمال الناطقة باسم اتحاد نقابات العمال، الذراع القمعية لحزب البعث ضد عمال العراق. في العام الواحد كانت تصدر له أربعة أو خمسة كتب. وفي ذلك الوقت كان الموسوي على علاقة جيدة بصدام حسين، وكان يجمعهما لقاء كل أسبوع تقريباً، وأحيانا يطلب منه صدام المجئ أكثر من مرة في الأسبوع ليكتب له وينظر له فيخرج في الأسبوع التالي كتاب جديد لعزيز السيد جاسم متضمنا وجهات نظر صدام في الحزب الشيوعي وفي الجبهة الوطنية وفي المسألة الكردية وفي الدين وفي الماركسية وفي القومية وفي موقع حزب البعث وفي قدرة الفكر البعثي على حل مشاكل العصر المعقدة.[1]


معارضة النظام

تعرض في عهد حكم صدام حسين للاعتقال مرتين، في الأولى طلب منه النظام وبأمر من صدام حسين نفسه تأليف بعض الكتب التي لا تتماشى مع أفكاره ومبادئه مثل كتاب بعنوان "صدام حسين وصلاح الدين الأيوبي"، فتم اعتقاله مع شقيقه محسن الموسوي في إحدى الدور التابعة للمخابرات العراقية في منطقة الكرادة في جانب الرصافة من بغداد، وقد سمح له ولشقيقه خلال هذه الفترة بالتمشي خارج البيت بصحبة شقيقه وتحت أنظار الحراس لساعة أو ساعتين كل ليلة.وخلال فترة اعتقاله هذه خضع السيد جاسم لإرادة النظام وقام بتأليف الكتب المطلوبة فأطلق سراحه بعد فترة وليعتقل مرة ثانية بعد أحداث انتفاضة آذار 1991.[2]

اختفاؤه

اختفت أخباره حيث لم تنفع توسطات بعض الأدباء العراقيين والعرب من أجل إطلاق سراحه، ويعتقد أنه بقي مغيباً في سجن أبي غريب قسم الأحكام الخاصة ولم يعثر عليه أو على جثمانه حتى اليوم.

في مقابله متلفزه مع أخيه الدكتور محسن الموسوي لبرنامج اضاءات اعلن عن احتمالية تصفيته من قبل النظام الصدامي في نفس العام الذي اعتقلوه فيه أي 1991.

حياته الفكرية

أتحف عزيز السيد جاسم المكتبة العربية بأكثر من أربعين مؤلفا توزعت بين السياسة والفكر والنقد والتاريخ والفلسفة ،من أهم أعماله: محمد الحقيقة العظمى، ومتصوفة بغداد، وتأملات في الحضارة والاغتراب، والاغتراب في حياة وشعر الشريف الرضي، وديالكتيك العلاقة المعقدة بين المادية والمثالية، والمجالسية في النظرية والتطبيق، والدليل في التنظيم، ومسائل مرحلية في النضال العربي، وعشرات من المقالات والبحوث في شتى صنوف المعرفة، فضلا عن المناضل، وهي رواية شأنها شأن رواية الزهر الشقي، فضلا عن المفتون التي هي آخر ما نشر له وقد قدمها أخوه محسن الموسوي لدور النشر واشرف عليها. على أن أهم مؤلفاته قاطبة هو كتابه الشهير عن الإمام علي بن أبي طالب بعنوان علي بن أبي طالب سلطة الحق، وربما كان هذا الكتاب فعل التطهير الذي أراد به عزيز أن يزيح عنه الأدران التي علقت بروحه نتيجة تعاطيه السابق مع الفكر البعثي، بعد توظيفه عقله المستنير لخدمة ظلامية البعث، فكان المنظر الأبرز والأهم في حزب لم يعرف ابلغ من القتل لغة وسبيلاً، ولكن هذا الكتاب كان القشة التي قصمت ظهر عزيز، بالرغم من أنه مقتول به أم بدونه،فقد فرض عزيز السيد جاسم بهذا الكتاب على البعثيين معادلة جديدة، غير معادلة الرصاص والسجون ، أنها طريقة جديدة للتحدي لم يألفوها سابقا.

جاء في هذا الكتاب ما نصه:

«...أما الإقتداء بعلي فإنه أمر لا يمكن التحدث عنه إلا بالصعوبات التي تذكرك بالمحال، الذي يحتاج إذلاله إلى أعاجيب القدرة!! إن الكثير من الكتاب والباحثين والدارسين كتبوا عن علي بن أبي طالب آلاف المجلدات والكتب والأعمال الأدبية ! وأرى أن الكتابة صعبة لأن شخصية علي بن أبي طالب بالغة الثراء في جميع جوانبها!! وفي التاريخ هناك الأسكندر العظيم يعشق الفلسفة فيأخذ معه أرسطو وهو أستاذه! وهناك أفلاطون الفيلسوف وأستاذه سقراط، وهناك بوذا وكونفوشيوس وقادة الثورات والمصلحون، كل متخصص في ميدانه. أما علي بن أبي طالب فهو الحاوي على جميع سمات العبقرية المتعددة! فهو الخليفة والقائد وهو المحارب العظيم وهو الفيلسوف وهو الأستاذ في العدل والمؤسس لعلم النحو وهو الفقيه والقاضي والعالم بالحساب والفلك! وهو أمير البلاغة والشاعر والحكيم والحافظ لتراث محمد رســـول الله- ص - وهو الأخلاقي الرفيع والأنموذج في كل شيء يستطيع المرء أن يتعلم عنه أشياء كثيرة ولكن لا يستطيع أن يكون مثله...»

تكمن أهمية هذا الكتاب في كونه يمثل حلقة من حلقات الرفض والمعارضة التي تبناها السيد جاسم، ففي كتابه متصوفة بغداد حاول السيد جاسم إهانة الحكام من خلال تصغير شأنهم، ولكنه في كتاب علي سلطة الحق، اتخذ من شخصية الإمام علي قدوة للوقوف بوجه كل جبار عتيد ، وهو أمر ما كان يجرأ على طرحه ـ آنذاك ـ أشخاص يحسبون أنفسهم معارضين لصدام حسين وهم يتنعمون في أوربا وأمريكا ،ومما لاشك فيه أن مجرد النطق باسم الإمام علي آنذاك يمثل تحديا لسلطة ترفع الإسلام والعدالة الاجتماعية زورا وبهتانا شعارا لها لتحقيق أغراضها، ومن ثم فإننا أمام رعب حقيقي، ومخاطرة لا تخلو من رائحة الدم، وفضلا عن ذلك فقد اتخذ عزيز السيد جاسم من الإمام علي قدوة له في رفض ومعارضة السلطة، وبعبارة أخرى لقد أعلن السيد جاسم نفسه معارضا في وقت كان المرء لا يعرف متى يأتيه الدور ليقطع رأسه، ومن جهة أخرى حاول السيد جاسم في هذا الكتاب أن يحذو حذو مؤلف ألف ليلة وليلة، الذي أراد أن ينتقد السلطة العباسية، وذلك عندما جعل الخليفة يتنكر بزي الإعراب ويتفقد أحوال رعيته ليلا، فالسيد جاسم هنا حاول أن يجعل من شخصية الإمام علي مثابة للساعين صوب الحرية والعدالة الاجتماعية، فاستشهد بما يروى عن الإمام علي من قصص في هذا الخصوص، وهي قصص أكثر من أن تحصى، وبهذا اتخذ عزيز السيد جاسم من شخصية الإمام قناعا استتر به واحتمى من سلطة البعثيين ، ولاسيما عندما تحدث عن الفرق بين السلطة الشرعية والسلطة غير الشرعية، ومن جانب آخر ، فان الكتاب يمثل القمة في فكر السيد جاسم، ذلك لأنه استطاع أن يجمع فيه خلاصة ما يؤمن به من أفكار قومية وماركسية، ولاسيما من خلال تحليله الفكري لفكرة الصراع الطبقي في المجتمع الإسلامي، ودور رأس المال والغنائم التي يحصل عليها المسلمون، في دفع اقتصاديات هذا المجتمع، وفضلا عن ذلك راح السيد جاسم تحليل خطب الإمام وأقواله تحليلا أسلوبيا ، وكأنك أمام ناقد فذ متمرس في الكتابة النقدية، ولهذه الأسباب مجتمعة رفضت السلطة وقتها طبع الكتاب بحجة انه يثير النزعة الطائفية، مما حدا بالكاتب أن يطبعه في بيروت، فثارت نقمة السلطة عليه، فطالبه صدام حسين بكتابة كتب شبيهة بكتابه عن الإمام علي تتحدث عن شخصيات إسلامية ، كشخصية صلاح الدين الأيوبي، وتمت مضايقته حتى نفذ ما أرادت ولكنها لم تكف عنه إلى أن ضيعته في غياهب السجون والمعتقلات.

الموسوي والرواية

وجد عزيز السيد جاسم مثل غيره من الكتاب أن طريق الرواية سيمكنه من ممارسة دوره الفكري عبر مساحة إبداعية أخري أكثر حرية ومرونة من الإنتاج الفكري بصيغة المنهجية القاسية، التي لابد لها من منطق تستند إلى مقدمات للوصول إلى النتائج المرجو ، وعلى الرغم من انشغاله بالكتابة الموسوعية ، فقد كتب في التاريخ والاجتماع والسياسة والتصوف والنقد، ونجح في ذلك كله، وعلى الرغم من عدم تفرغه للكتابة الروائية إلا انه أبى إلا أن يخوض تجربتها ، فكان له ما أراد، فكتب في بداية الأمر مجموعة قصص قصيرة بعنوان الديك وقصص أخرى، اتبعها بثلاثية المناضل، التي صدر الجزء الأول منها في عام 1970، إلا أن انشغالاته منعته من إكمال مشروعه الروائي، وبقي هذا الجزء يتيما، وفي عام 1988 اصدر روايته الثانية الزهر الشقي، وبين صدور الروايتين ستة عشر عاما اصدر خلالها السيد جاسم ثمانية عشر كتابا في مختلف صنوف المعرفة. أما رواية المفتون، فصدرت بعد تغيبه في سجون دولة صدام حسين بثلاثة عشر عاماً، ففي عام 2003 يعود عزيز السيد جاسم إلى واجهة الرواية العراقية من خلال رواية جديدة تحمل اسم المفتون صدرت له عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وهي آخر ما كتبه عزيز السيد جاسم، وقد تكفل أخوه الدكتور محسن الموسوي مشقة نشر الرواية وحمل مسودتها إلى المطبع .

رواية المناضل

كان للسجن حصة كبيرة في الإبداع العربي عامة، والروائي خاصة، فقد سجل لنا الشعر العربي قديمه وحديثه، أجمل القصائد التي تحدثت عن هذا المكان المخيف، وفي الرواية العربية كان هذا الموضوع حاضرا بكل قوة، فعبد الرحمن منيف في شرق المتوسط صور لنا ما يلاقيه رجب من أهوال في سجون الطغاة، وقد صنف الناقد إرفنج هاو في كتابه السياسة والرواية الروايات فقال : ليس كل رواية تتحدث عن سجن أو سجين رأي هي رواية سجن، وليس كل رواية تتحدث عن مجموعة حركية أو سجين حركي هي رواية سياسية ، فبعض الروايات التي تعاملت مع معاناة السجناء ركزت على معاناة السجين الحركي وتجاهلت ما سواه من سجناء، فتأرجحت بين الرواية السياسية ورواية السجن، ومن ثم فان ما يميز رواية السجن السياسي عن رواية السجن العادية، هو تعاملها مع العلاقة القائمة بين الفكر السائد والأوضاع السياسية العامة.

في ضوء ما تقدم نفهم روايات عزيز السيد جاسم ، ففي روايته الأولى المناضل التي تدور أحداثها في العراق من الحكم الملكي حتى قيام ثورة 14 تموز، وهو زمن يرى فيه الناقد باسم عبد الحميد حمودي زمننا للتناقضات والصراعات. أما بطل هذه الرواية فهو بابل، وهو شخصية اقرب إلى عزيز السيد جاسم نفسه، لقد حاول المؤلف هنا تسليط الضوء على فئة المثقفين ـ أمثاله ـ الذين يئسوا من العمل السياسي أو فشلوا في الاستمرار فيه فابتعدوا عن تياراته ، وتمثلهم هنا شخصية بابل الذي وجد أن هناك عدم تطابق بين ما يؤمن به بوصفه منتميا إلى تنظيم سياسي ينبغي أن يكون طوباويا، وبين الواقع المعيش، الأمر الذي جعله يتراجع وينكفئ على نفسه حاملا أمراضه معه، وهاهم المنتمون الآخرون يتساقطون الواحد تلو الآخر، وينكفؤن على أنفسهم مثله تماما ، وهذا الكلام ينطبق على شخصية (حسين) ـ صديق بابل ـ المدان أبدا، فضلا عن دلال ــ حبيبته السابقة ـ التي لجأت إلى الزواج حلا لمشكلتها الشخصية عندما كان بابل في الإبعاد تارة وفي المعتقل تارة أخري ، بسبب انسحابه من التنظيم، بعد معاناة طويلة مع العمل السياسي الجماهيري وسط مدن فلاحية صغيرة ، لأنه كان يحمل عليه ملاحظات، لم يأخذها المنظمون كغفور الأعمى بنظر الاعتبار ، لأنه كان يؤمن بالعنف حلا وحيدا شافيا لكل المشكلات.


رواية الزهر الشقي

لا تبتعد رواية عزيز السيد جاسم الثانية الزهر الشقي عن هذه الأجواء، إذ تعد أنموذجا رائدا في مجال رواية السجن السياسي، ولاسيما بعد جمعها بين صور الاعتقال في الخارج و صور التعذيب و التحقيق في داخل السجون، فالرواية تحكي أحداث مثقف عراقي اتهم بالسياسة، والخيانة كذباً وبهتاناً، وهو وائل الجابري، الذي هو نسخة من بابل في رواية المناضل، وزمن هذه الرواية أوسع من سابقتها رواية المناضل، فهي تمتد طولا وعرضا، تأخذ من ذكريات التجربة النضالية والاجتماعية الماضية وتنطلق إلي زمن ثورة 1958، بل تصل أحداثها إلى 5 حزيران عام 1967، لتقودنا إلي تجارب العمل السياسي في العراق ،وما يحيط به من مناخ اجتماعي وما يقدمه من شخصيات ظالمة مستبدة تؤذي ، واخرى مظلومة،حانقة ترفض العيش تحت خيمة التنظيم وتريد العمل بحرية، فيجعلها هذا الموقف عرضة لصنوف الاضطهاد ، حتى يصل الأمر إلى إعلان الحرب الاجتماعية والسياسية عليها، وتحكي هذه الرواية لنا أيضا ما يلاقيه المنسحبون من التنظيم، كبابل بطل رواية المناضل ووائل الجابري بطل رواية الزهر الشقي، فضلا عن أصدقائهما من لدن السلطة الحاكمة، وعلى سبيل المثال تأتي الشرطة هنا لتبحث عن المطابع السرية المزعومة التي تطبع ما يلوث عقول الناس، في مشهد يبث الرعب في صفوف البسطاء والعامة، ولم تنفع توسلات ورجاءات الجابري وآلاف الشبان أمثاله من ثني سجانيهم من التحقيق معهم، والتحقيق يعني بعرف هؤلاء التعذيب والاهانة والتعليق على عامود الحديد وتقطيع الأصابع واحدا تلو الآخر، فضلا عن شتى أنواع التعذيب وضروبه، كالركل والرفس واللكم إلى درجة الإغماء، حتى يصل الأمر إلى القتل، ذلك لأن الداخل للمعتقل لابد له من الاعتراف بأي شيء حتى يخلص نفسه من التعذيب، فهو مجرم سواء أثبتت براءته أم لم تثبت ،وهذا ما حصل للجابري وأصدقائه، والغريب في الأمر أن السجانين لا يكلون ولا يتعبون من حفلات التحقيق، لا بل أنهم يستأنسون ويتلذذون به، ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن محسن الموسوي ـ شقيق الراحل ـ قد افرد في كتابه النقدي (انفراط العقد المقدسي، منعطفات الرواية العربية بعد محفوظ) أكثر من عشرين صفحة للحديث عن رواية أخيه الزهر الشقي، وهو نقد يمكن أن يقال عليه أنه نقد الأحبة والأخوة، نقد المعجبين ، ذلك لأنه نقد عائلي بامتياز تتحول فيه مفردات النقد الأدبي إلى نشيد اخوي بغطاء موضوعي، ومن ثم فنحن هنا أمام أجمل ما قيل في عزيز السيد جاسم.

رواية المفتون

جاء في مقدمة هذه الرواية التي لم يذكر اسم كاتبها، ومن المرجح أن يكون كاتبها هو شقيق المؤلف الدكتور محسن الموسوي: إن الرواية فريدة في كونها واحدة من النصوص القليلة المعنية بوضع العراق الحديث منذ سنة 1958 أي منذ العهد الملكي وصولا إلى ما تلاه،..... فهي تصور البلاء الذي نكبت به البلاد منذ أن اعتلى دفة الحكم فيها نظام شعاراته تبرر له التحكم في الحياة العامة للناس، أن الذي يميز هذه الرواية هو أن حوارها يحتوي مجموعة من اللغات، التي يتقاطع بعضها مع بعضها الآخر، فينفرط الصوت في لغات متعددة تأخذ من الهضاب والأعالي والسهول والسجون والمستشفيات لغاتها الخاصة. وهكذا يكون صوت خلف الأعور، بجئيره، الوجه الآخر للطغيان، فهو مجنون يمارس سطوته من موقعه في تلة عالية تتيح أن يرى الآخرون نثاياه وحريمه. انه الوجه الدفين للمتسلط. لكنه محاصر بجنونه الذي يقصيه عن الآخرين، بينما يمده بمناعة خاصة وصوت رهيب. وعالمه، بعد ذلك، هو (الغروسك): عالم المتسلطين عندما يتمدد ويتضخم خارج حدود الواقع، فيبدو بمثل هذه الأوضاع المثيرة للضحك مرة وبتباعد الآخرين عنها مرة أخرى، ويمثل هذه السعة، تقدم هذه الرواية بعدا آخر للكتابة السرية، تلك التي بمقدورها أن تقول الكثير في فسحة صغيرة نسبيا: و"المفتون"، بعد هذه التوطئة القصيرة، رواية ما بعد الاستعمار بامتياز. أنها من بين النصوص الفريدة التي تستكمل ما كتبه فانون في "المعذبون في الأرض" عن ولادات الدولة المريضة.[3]

الشخصيتان الرئيستان في الرواية هما هارون وهو طبيب النفسي في الخامسة والربعين من العمر، حصل على شهادة الماجستير في الطب النفسي بعد عناء طويل ومثابرة ودراسة متفانية في ظل ظروف قاهرة، ويوسف اليعقوبي وهو شاب جذاب يظهر مرة على انه مريض نفسي، ومرة أخرى يظهر علينا على انه شاب له قدرة عالية في التحكم بمن حوله، ويشترك الاثنان في كونهما من أصول ريفية هاجرا إلى المدينة ، شأنهم شأن الكثيرين من أبناء العشائر من الأرياف والقرى العراقية، وعندما انتقلوا إلى المدينة نقلوا معهم ميراثهم الثقافي، وبهذا انتقلت التقاليد والعادات الريفية إلى المدينة نفسها وأصبحت المدينة منتفخة بتشويهات متداخلة شبه حضارية وقروية وبدائية وعشائرية وظهرت أجيال جديدة تحاكي من الخارج أخر تقليعة أوروبية، لكنها في الوقت نفسه تحمل في داخلها تيارات همجية واصواتا بدائية لم تخمدها مؤثرات المدينة.

تبدأ الرواية بحوار يدور بين الطبيب هارون ومريضه يوسف اليعقوبي ،عن السكين التي يرى اليعقوبي أنها يجب أن تكون صديقا دائما للإنسان ، وفي نهاية المحادثة بين الاثنين يستنتج الطبيب النفسي ملاحظات عدة يدونها في دفتر ملاحظاته عن الحالة المريضية التي أمامه ممثلة بيوسف اليعقوبي، وهي ملاحظات متناقضة كتناقض يوسف نفسه، فهو وحش في أهاب شاب جميل ، والغريب في الأمر أن يوسف اليعقوبي المريض النفسي، صار يراجع عيادة الطبيب هارون لا بوصفه مريضا نفسيا حسب، بل بوصفه معجبا بشخصية الطبيب، الذي يكتشف أن هذا الإعجاب راجع إلى الصورة الذهنية التي كونها يوسف عنه ، على انه مناضل سياسي سابق وبطل لكنه انزوى في عيادته المتواضعة رافضا الظلم، وبالمقابل فان هارون قد أعجب بشخصية مريضه هو الآخر، ولاسيما بعد ذكاءه ،وجماله المميز، فهو صاحب وجه شفاف، وعينين عسليتين تستحمين على أجفان طويلة،وأنف دقيق مرتفع قليلاً لأعلى، وفم صغير بأسنان دقيقة، فضلا عن ملامح أخرى محسوسة وغير مرئية تترك انطباعاً سريعاً على مزايا فاتنة في الوجه، والشعر الأسود الفاحم المتناثر في خصلات فوضوية تلّمها فتنة خاصة. يخبر الطبيب هارون مريضه يوسف، بأنه قد تم تعيين وزير جديد للداخلية، وانه وعد الناس على فتح صفحة جديدة، سوف يحرص فيها على أن يكون خادما مطيعا للقانون، كما انه وعد بإطلاق سراح السجناء السياسيين، لكن ذلك لم يحصل إنما حصل العكس ، فقد القي القبض على هارون الطبيب بتهمة سياسية، وبهذا أضيف شخص جديد إلى قائمة المثقفين السجناء، ليتم إبعاده إلى إحدى مدن الاهوار البعيدة. تثير هذه الرواية تساؤلا ربما يكون تقليديا مفاده؛ هل يخلق مجتمع الظلم والقسوة شخصيات غير سوية أم أن الشخصيات غير السوية هي التي تخلق مجتمعات من هذا النوع؟ لكن سرعان ما يكتشف القارئ أن العلاقة الجدلية التي رسمها الكاتب تصور سيفا ذا حدين وان كان هناك تشديد على أن النظام السياسي الظالم هو أكثر قدرة على خلق العديد من حالات الخلل النفسي ، لقد حاول عزيز السيد جاسم في هذه الرواية أن يطرح معاناته بوصفه مثقفا مقموعا من سلطة غاشمة، الأمر الذي منعه من نشرها في ظل نظام متسلط وشمولي، وكذلك الأسباب التي منعت شقيقه الدكتور محسن الموسوي من نشر هذه الرواية إلى فترة ما بعد صدام حسين.

ويرى القاص حميد المختار في إحدى مقابلاته: أن هذه الرواية تسرد وقائع التاريخ العراقي الحديث منذ ثورة 14 تموز وكأنه يقول بان هذه الثورة رغم نياتها الحسنة لكنها فتحت لنا أبواب جهنم ( فضاعت المقاييس وانعدمت الأنظمة والقوانين وكثرت التصرفات الاعتباطية وأصبحت الحياة مشدود بالقوة إلى ما يأتي من الأعلى، وهكذا كثر الترحم على العهد الملكي وصدرت مقالات وكتب كثيرة منذ خاتمة الستينيات كلها تبكي حياةً مضت)، لكنه حين أدان تلك الفترة إنما يريد الإدانة الباطنية الخفية للنظام البعثي الذي جاء هو الأخر بانقلاب مما دفع البلاد إلى الخراب التام ، هو لم يقل ذلك لكنه أوحى لنا به واستطاع أن يوصل أفكاره الخطيرة من خلال الحوارات التي تدور بين شخصياته الرئيسية كالحوارات الطويلة بين يوسف اليعقوبي والدكتور هارون ثمة الكثير من الرغبات المتداخلة للشخصيات ،هذه الشخصيات المستمدة من عمق الحضارات العراقية المليئة برموزها ومناخاتها الأسطورية وهي من سمات عمقها وقدرتها على التمظهر الواضح ، وكأن السيد جاسم يقول لنا أن المفكر حين يكتب رواية فانه يحاول أن يفرغ فيها كل ثقافته وأرائه ونظراته فعن طريق السرد الروائي يمكن للمفكر أن يقول الكثير بسهولة ويسر وقد سبقه في ذلك البعض من الفلاسفة مثل سارتر في أعماله الروائية والمسرحية ( كالغثيان ) ، (والذباب ) أما عزيز السيد جاسم فقد أعطى في هذه الرواية وجهة نظره عن التاريخ الحديث برؤية علم الاجتماع الذي أنجز السيد جاسم من خلاله الكثير من أطروحاته وكتبه ، أن المفتون رواية أفكار بامتياز وهي إضافة نوعية ليس في جنس الرواية فقط وإنما هي خطوة مضافة لمتون علم الاجتماع الخاص بولادات الدول وانهيار المجتمعات.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من أعماله

للموسوي 60 كتاب ومؤلف شملت التاريخ والفلسفة والرواية، ومنها:

  • المفتون، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2004، ويعتقد أنها آخر روايته.[4]
  • متصوفة بغداد، طبع مرتين، الأولى صدرت عن الدار العربية للموسوعات والثانية عن المركز الثقافي العربي عام 1997.
  • علي بن أبي طالب - سلطة الحق.
  • تأملات في الحضارة والاغتراب، صدر عام 1987 عن دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع.
  • الاغتراب في حياة وشعر الشريف الرضي.
  • ديالكتيك العلاقة المعقدة بين المادّية والمثاليّة.
  • المجالسية في النظرية والتطبيق.
  • الدليل في التنظيم.
  • مسائل مرحلية في النضال العربي
  • المناضل، دار الطليعة، 1972
  • محمد الحقيقة العظمى.
  • متصوفة بغداد.
  • الزهر الشقي.
  • الديك وقصص أخرى.

حياته الشخصية

عائلة عزيز السيد جاسم ، مكونة من الأم التي هي ابنة السيد حيدر السيد فياض وقد أنجبت ثمانية أولاد أربعة ذكور وأربع إناث، أكبر الذكور سيد عزيز ويأتي بعده محسن والثالث هو السيد محمد، وله حكاية معروفة مع علي حسن المجيد أيام ما كان السيد محمد مديرا لناحية النصر، ورابع الذكور هو سيد عباس. أما الوالد فهو سيد جاسم ابن الفقيه سيد علاوي وثمة عمومة تربطه مع السادة القرابات وهم أولاد عم السادة القزاونة، كان السيد جاسم يسكن في قرية أبو هاون وتربطه صلات حميمة بالسيد عبد المهدي المنتفجي والد السيد عادل عبد المهدي.[5]

ذكراه

في نوفمبر 2011، أفتتح نصب تذكاري لعزيز الموسوي في ناحية النصر، بغداد.[6]

المصادر

  1. ^ "عزيز السيد جاسم كاتبا صداميا". الحوار المتمدن. 2011-07-05. Retrieved 2012-06-01.
  2. ^ عبدالجبار العتابي (2010-02-10). "كشف معلومات جديدة عن تصفية المفكر عزيز السيد جاسم". إيلاف. Retrieved 2010-02-10.
  3. ^ مقدمة رواية المفتون ، لعزيز السيد جاسم ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، ط1 ، 2003.
  4. ^ "عزيز السيد جاسم المغيب يعود بعد 13 عاما برواية ضد اضطهاد السلطة للمثقفين". جريدة الأهرام. 2004-01-05. Retrieved 2012-05-31.
  5. ^ "في ذكرى عزيز السيد جاسم.. الإنسان والمفكر والروائي". أدب وفن. 2011-05-11. Retrieved 2012-05-31.
  6. ^ "نصب تذكاري للمفكر عزيز السيد جاسم في ناحية النصر شمال ذي قار". أخبار الناصرية. 2011-11-13. Retrieved 2012-05-31.