صلاح المحرزي

اللواء صلاح المحرزي (1930 - ) لواء سابق في الجيش المصري كان في طليعة الضباط المصريين الذي ذهبوا إلى اليمن لتدريب الجيش اليمني الحديث وزرع بذور الثورة.

ولد في الزقازيق المصرية عام 1930 مستمر حتى اليوم على قناعته بأن ما قام به هو ورفاقه في اليمن انطلق من شعور قومي عربي وليس لأي مصلحة أو هدف آخر في خمسة عشر يناير من سنة 1957 ودع الزوجة التي تحملت معه طيلة الوقت والوالدة وابن اسمه أحمد وذهب إلى اليمن ليصل إلى هناك ويكتشف أشياء في الواقع وصفها في كتابه الصامت الحائر وثورة اليمن وصفا دقيقا كانت مأساوية لرجل مثله يذهب من مصر إلى اليمن يصف كيف شاهد الوضع بعد أن وصل إلى الحديدة ونزل هناك وكان معه سفير باكستان.

الفرقة الموسيقية تحيي كان عبارة عن مجموعة يعني كرنفال كل واحد لابس لبس شكل اللي لابس بتاع جاكتة بتاعت مطافيء الجيش الإنجليزي الحمراء اللي لابس زنوبة اللي لابس ده وكل واحد ماسك آلة موسيقية ويضرب اللحن اللي هو عاوزه لدرجة كانت صدمة بالنسبة للسفير الباكستاني نزلنا وكان موجود العامل بتاع الحديدة سلم علينا وقال أنا مندوب الإمام بحيي البعثة وإلى آخره وتفضلوا على دار الضيافة هو قال كلمة دار الضيافة قصر الضيافة وذهني سرح للقصور أيام الخلفاء الراشدين وأيام الأمويين قصر إحنا رايحينه والحديدة الحقيقة قامت بدور يعني مخادع من بعيد تشوف كان البيوت المعمولة من القش فيه بتعمل زي السراب فتهيأ لنا إنها عبارة عن قصور فعلا وإلى آخره وكل ما نقرب نقرب وجت عبارة عن مجموعة من البيوت القش ومش أكثر من خمس ست سبع بيوت من الحجر وناس من قبائل الزنانيق يعني جذورهم حبشية أو زنجية شبه عراه وأراضي في منتهى القذارة ووصلنا إلى در الضيافة اللي سموها قصر الضيافة وكانت صدمة لرئيس البعثة أنه ممثل قصر الضيافة كده عبارة عن يعني بيت من البيوت القديمة مبني من الحجر علشان تخوش له لازم تنزل ثلاث درجات لتحت وأربع عساكر من جنود الإمام لابسين اللبس إياه ده وقاعدين على الأرض بياكلوا قات وكان معانا رئيس ضابط العلاقات ورئيس المرافق كان اسمه العقيد حجر فالعقيد حجر عاوز يظهر عسكرية بقى فقال يعني سلام سلام للبعثة العسكرية طبعا محدش سأل عنه.

كان إهمال البعثة العسكرية المصرية من قبل حاكم اليمن آنذاك الإمام أحمد مقصوداً. فسيد اليمن لم يكن بالأصل مرتاحا لزعامة الرئيس جمال عبد الناصر الأمر الذي جعل مصر تراهن آنذاك على ابنه الإمام البدر. ولكن البعثة المصرية أصرت على البقاء والدخول شيئا فشيئا إلى قلوب القبائل وزعمائها وإلى عقل الإمام الذي كان حذرا جدا من كل البعثات العسكرية الأجنبية نظرا للمحاولة الانقلابية التي تعرض لها علي الضابط العراقي الأصل جمال جميل.

كان اليمن مقطوعا عن العالم الخارجي وشديد التخلف آنذاك ويشكل صدمة لزائريه الشيء اللي صدمني حالة الإنسان العربي اليمني لا حق له في شيء إلا إنه يصلي ويدعي لأهل بيت حميد الدين، فقر جوع قرى بالكامل تموت من الجوع في تهامة أمراض منتشرة وكنت أستغرب إزاي سمو اليمن ده باليمن السعيد إزاي الدولة دي هي تنتمي لجامعة الدول العربية والإنسان اليمني بهذه الحالة وعلمت الثورات اليمنية اللي كانت والانتفاضات اللي حصلت قبل كده كيف كانت تنتهي بكارثة يباح فيها دم كل يمني رجل أو امرأة بحيث إنه كان فيه عيد يعتبره الإمام أحمد اسمه عيد النصر هذا العيد كان بيعتبره اليمنيين اليوم الأسود اللي أبيحت فيه صنعاء بعد ما فشل الانقلاب اللي قام به جمال جميل أحد ضباط البعثة العراقية اللي تزوج يمنية وبقي في اليمن وتفاعل معاهم وقام بثورته وفسدت هذه الثورة.

رغم كل هذه المآسي فأن البعثة المصرية حرصت على تقديم كل ما لديها من خبرة عسكرية وكان معظم قادتها من ذوي الخبرة فصلاح المحرزي كان قد تخرج من الكلية الحربية عام 1949 ثم من كلية أركان الحرب عام 1966 وسرعان ما أصبح كبير معلمي البعثة العسكرية في اليمن وقائد كتيبة مشاة ووصل به الأمر إلى أن أصبح رئيس استطلاع القوات المصرية ومسؤول شؤون قبائل اليمن، عادت البعثة في المرة الأولى إلى القاهرة بتقرير عن الأوضاع الصعبة في اليمن ثم قرر الرئيس جمال عبد الناصر إرسالها مجددا إلى هناك وكان المرور مجددا بالسعودية وعودة إلى المشاكل خصوصا حين طلبت البعثة العسكرية المصرية الذهاب إلى مكة المكرمة

"ورحنا زرنا الكعبة، دعيت وكان أول لقاء لي بالكعبة الشريفة وحزنت وأنا بأقبل الحجر الأسود اجتاحتنا مشاعر متعددة خد بالك متناقضة مع بعضها، ثورة في مصر كانت حلم بالنسبة لنا وزعيم قلما يجود به الزمن ولكن للأسف هناك جيوب أخرى صديدية خدت بالك بتشوه هذا الدور وهذه العظمة وهذا الزعيم اللي إحنا كنا بننتظره وبنحلم بيه ثم العالم العربي ربنا إدا له كل المقومات ولكن لا يملك من نفسه إلا الخضوع والارتماء في أحضان أسياد ما هم بأسياد. وأنا أمامي فدعيت وقلت يا رب معجزة من عندك، تاريخنا إسلامنا لا نستحق ما نحن عليه هزائمنا كلها بأيدينا."


اللواء المصري صلاح المحرزي يحتفظ مع زوجته بالكثير من الصور عن تلك التجربة اليمنية في عهد الإمام أحمد ولكن الصور الأهم هي تلك تحفظها ذاكرته وفي الذاكرة محطات كثيرة فيها من المجد بقدر ما فيها من الدماء والدموع فالبعثة المصرية كانت أقنعت آنذاك الإمام أحمد بتدريب بعض قواته والإمام عزلها صيفا في حر قلعة الزيدية وشتاء في صقيع منطقة عمران ورغم ذلك فإن اللواء المصري صلاح المحرزي ورفاقه نجحوا في إقناع ابن الإمام أحمد أي الإمام البدر بإنشاء لواء عسكري بأمرته، وكان في ذلك أول إنجاز كبير للجيش اليمني من جهة وأول بذور الثورة على عهد الإمام. من جهة ثانية حتى ولو أن الرئيس جمال عبد الناصر لم يكن مستعجلا على قلب الإمام أحمد. تم إقناع الإمام البدر وكذلك الإمام أحمد بضرورة توسيع قاعدة الجيش خصوصا أن الجيش الإنجليزي المحتل كان يكثف اعتداءاته، اشترط الإمام أن يكون أبناء القبائل هم الضباط تم إنشاء مركز للتدريب في منطقة تعز ونجحت البعثة العسكرية المصرية فيما كان الانفصال قد وقع بين مصر وسوريا فتم إرسال بعض الضباط المصريين العاملين سابقا في سوريا إلى اليمن وكان بينهم ضابط موالي للقيادي العسكري الكبير شمس بدران وهو الذي تسبب بإنهاء مهمة ضيفنا اللواء صلاح المحرزي في اليمن حين اختلفا الرجلان، عاد صلاح المحرزي خائبا إلى القاهرة وبقي فيها ثلاثة أشهر حتى طلبه المشير عبد الحكيم عامر في مهمة إنقاذ.

ذهب اللواء صلاح المحرزي إلى الجبل الأسود في اليمن كلف بمهمة صعبة تقضي بإعادة تلك الكتيبة المصرية العاملة هناك إلى الطريق القويم، أعطاه المشير عبد الحكيم عامر سلطة إعدام من يشاء منها ولكن حين وصل اللواء المحرزي إلى مكان الكتيبة وجدها في حالة مأساوية ووجد الكثير من أعضائها جثثا هامدة بعد اشتباكات دامية مع أبناء القبائل.

نجح اللواء صلاح المحرزي في إعادة الاعتبار للكتيبة المصرية في اليمن، ولكن وبعد إحدى تلك المعارك الضارية بين الجيش المصري الداعم للثورة وبين القبائل الموالية للملكية قُتِل أحد الوجهاء، جرت مصالحة تعرض في خلالها اللواء المحرزي لعملية اغتيال بالسم وضعته ابنة الوجيه له وتم إنقاذ حياته في اللحظة الأخيرة

وأما الخطوة المهمة الأخرى التي قام بها فتمثلت بالصلح الذي ساهم به شخصيا بين الثورة وبين الشيخ عبد الله الأحمر الذي كان قد أختلف آنذاك مع قائد الثورة عبد الله السلال رغم دعمه الكبير للثورة في بدايتها، وجد الشيخ عبد الله الأحمر نفسه مع رجاله وبينهم ضباط كبار محاصرين بين قوات السلال والجيش المصري من جهة وبين الملكيين من جهة ثانية، كان طلعت حسن علي قائد القوات المصرية يريد جلبهم فأقنعه اللواء صلاح المحرزي بتجنيب مصر مشاكل كثيرة خصوصا أنها كانت آنذاك قد دخلت مرحلة حرجة في الحرب مع إسرائيل في سياق النفس الطويل بعد النكسة.

هكذا انتهت مهمة اللواء صلاح المحرزي في اليمن الذي أحبه وخدمه ذهب بمهمات عسكرية إلى هناك أربع مرات وقاد في اليمن خمس كتائب وبعد اليمن تولى منصباً كبيراً في الاستخبارات المصرية بعد أن كان قد أصبح قائداً للواء مشاة، كل ذلك التاريخ بات اليوم مادة يرويها المحرزي لأبنائه وأحفاده.

يقول صلاح الدين المحرزي: الثورة اليمنية سُرِقت من أبنائها في أيامها الأولى بوفاة على عبد المغني قائد الثورة بعد عدة أيام قلائل من قيامها، بعد ما مات على عبد المغني الأطماع والمصالح الشخصية قامت بدور كبير جداً لإزاحة هؤلاء الثوار، البذور الحقيقية البراعم النقية لجيل جديد من الشعب اليمني بحيث أزاحته وسحبت منه حقه في قيادة هذه الثورة وفي التفاعل معها وفي حمايتها وفي تولي شؤونها بحيث أصبحوا إما في القبور نتيجة استشهادهم في المعارك أو في السجون أو مرضى يعانوا من الفقر والإهمال.