شركات توظيف الأموال

الريان والسعد.jpg

شهد عقد الثمانينات في مصر ظهور نشاط توظيف الأموال، لما إتسم به هذا العقد من إنخفاض أسعار الفائدة بالجهاز المصرفي، وإرتفاع أسعار الذهب، وركود السُوق العقاري، فضلاً عن ركود إقتصادى بصفة عامة، لضعف أوجُه الإستثمار. وقد كانت تلك الظروف الإقتصادية مناخاً مُناسباً لظهور هذا النشاط، الذى إجتذب السواد الأعظم من رؤوس الأموال المتوسطة والصغيرة والمُدخرات، نظير عائد شهرى أو سنوى تجاوز أحياناً 3 % شهرياً، وقد إستظل القائمين على هذا النشاط تحت عباءة الدين والأرباح الإسلامية. [1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

فى عام 1952 انهزم التيار الليبرالى بقيادة حزب الوفد أمام التيار القومى بقيادة جمال عبد الناصر، وبهزيمة 1967 انهزم التيار القومى المنحاز للفقراء والمعادى لإسرائيل والمتجه للتنمية المستقلة وصلى الشيخ الشعراوي ركعتين شكرا لله على هزيمة النظام الكافر ولم يصلى على الجنود الابرياء الذى داسهم شارون بدبابته ولم يترحم على الاطفال الذين قتلوا بالنابلم بل صلى شكرا لله على الهزيمة وبرز ما يسمى بالصحوة الإسلامية.

بعد انتصار 1973 وقيام نظام السادات بانتهاج سياسة الانفتاح الاقتصادى واقتصاديات السوق وفتح الاسواق المصرية امام المستثمرين والإفراج عن الاخوان المسلمين وعودة الكثير منهم بمدخراتهم من بلاد الخليج، وذهاب اكثر من مليون مصرى للعمل في الخليج وحققوا مدخرات تلقفها سماسرة تحويل العملة، برزت شركات توظيف الأموال في مطلع الثمانينات ، واستمرت في العمل حتى يونيو 1988 دون قانون ينظم أعمالها ويحكم رقابة الدولة في الإشراف عليها حتى صدر القانون رقم 146 لسنة 1988 لهذا الغرض.

وقد ارتبط ظهور هذه الشركات ببداية التفكير فيما سمى الاقتصاد الإسلامى الذى أشيع أنه يستهدف استثمار الأموال وإيداعها وفقاً لنظام إسلامى بعيداً عن شبهة الربا المرتبطة بفوائد البنوك الحكومية.

ظهر هذا في موجة توظيف الأموال وما صاحبها من المصارف الاسلامية وتجريم وتحريم التعامل مع البنوك العادية لأنها بنوك ربوية، ولا بد من هجرها والتوجه لتوظيف الأموال والبنوك الاسلامية. وفى اواخر السبعينات وأوائل الثمانينات اشتهرت شركات كثيرة في توظيف الأموال منها الشريف والريان والسعد والهدى ""كلها بالالف واللام منل المبارك والفيصل والأحمد تأثرا بالثقافة الوهابية البدوية. وظهر كبار الدعاة يروجون لها، أهمهم الشيخ الشعراوى والدكتور عبد الصبور شاهين، ومعهم كبار الصحفيين وأجهزة الاعلام، وفى الخفاء كان يؤيدهم كبار السياسيين مثل رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب، ووزراء ووكلاء وزارات. ومن الطبيعى أن يتسابق المصريون على إعطاء (شقى العمر) الى تلك الشركات ، بسبب كل هذا الزخم الاعلامى وهوجة الربح المضاعف.[2]

كان أكثر الضحايا من الطبقة المتوسطة، من الحرفيين والمهنيين الذين لا تكفى أموالهم لبناء عمارة أو لإنشاء شركة، ولا يقنعون بهامش الربح الذى يحصلون عليه من البنوك الربوية التى تم تحريمها وتجريمها ووهابيا. عشرات الملايين من المصريين ممن يمتلك فائضا أو مدخرات من بضعة ألوف من الجنيهات الى بضعة مئات الألوف منها هرعوا بألوفهم الى الريان والشريف والسعد ، يحلمون بربح يصل الى عشرين في المائة.

هذا النشاط أجتذب السواد الأعظم من رؤوس الأموال المتوسطة والصغيرة والمُدخرات، نظير عائد شهرى تجاوز أحياناً 3 % شهرياً، وقد أستظل القائمين على هذا النشاط تحت عباءة الدين والأرباح الإسلامية ولكن سُرعان ما تكشف الوجه الحقيقى لتلك الشركات، التى بددت أموال المودعين، إما لخسائر في مُضاربات بالخارج، أو للصرف ببذخ "عائلة الريان كانت تملك اكثر من 20 سيارة مرسيدس" والعيش في ترف، وإما نتيجة عدم الخبرة بأُصول الصناعة والتجارة، التى أداروها بمبالغ ضخمة , لم تكُن أصلاً في حُسبانهم.

وقد خسر الريان بالفعل مائتي مليون دولار في مضاربات الفضة في بورصة لندن وذهب مئات المودعين لاسترداد ودائعهم من الشركة، واتصل أحمد الريان بشركة الراجحي التي كان يتعامل معها في السعودية وتم تحويل مائتي مليون دولار في الحال، وعقد الريان اجتماعا عاما للمودعين في مخازنه بالطريق الصحراوي حضرة الداعية عبد الصبور شاهين امام وخطيب مسجد عمرو بن العاص وعضو مجلس ادارة شركات الريان لتوظيف الاموال وشاهد المودعون كميات الحديد والخشب المخزنة وقال لهم عبد الصبور شاهين " من يريد امواله فالشركة مستعدة لردها فورا وبدأ الصرف ولكن تراجع معظم المودعين وطلبوا الابقاء علي ودائعهم الصكوك ووقعوا في الفخ بسبب الطمع في الربح المضاعف، ولم يعرفوا انه من اموال المودعين الجدد"

ووصف المستشار جابر ريحان المدعي العام الاشتراكي شركات توظيف الأموال بأنها عبارة عن عملية نصب كبرى وكان هناك تراخ من جهات عديدة حيال هذه الشركات.وأشار أمام اللجنة التشريعية بمجلس الشعب انه تبين ان الـ38 شركة التي كانت لدى المدعي العام الاشتراكي لم تحقق أي شركة منها أرباحا تزيد على 2 في المائة. وتساءل كيف يتأتى لهذه الشركات انها كانت تحقق وتسدد أرباحا ما بين 20 و24 في المائة للمودعين إلا اذا كانت تأخذ أموالا من هنا وتضعها هناك.

أفتى الشيخ شلتوت بان أرباح "صندوق التوفير" حلال ولا حرمة فيها، لأن المال المودع في الصندوق ليس ديناً ولم يقترضه منه صندوق التوفير ، وإنما تقدم صاحب المال إلى صندوق التوفير بنفسه طائعاً مختاراً ملتمساً قبول إيداع ماله عنده ، وهو يعرف أن مصلحة التوفير تستغل الأموال المودعة لديها في مشروعات تجارية تحقق فيها ربحاً ، وهى تعطيه الفوائد من خلال تلك الأرباح . وصاحب المال يقصد بإيداع ماله حفظ ذلك المال من الضياع وان التعامل مع صندوق التوفير بتلك الكيفية وبالأرباح المضمونة الثابتة لم تكن معروفا للفقهاء السابقين حين أفتوا بما كان سائدا في عصرهم، ثم استحدث التقدم البشري أنواعا من التعامل الاقتصادي قامت على أسس صحيحة إلا أنها لم تكن معروفة من قبل ، فإن الربح المذكور لا يدخل في نطاق الربا وإنما هو تشجيعٌ على التوفير والتعاون . كما ان التعامل مع البنوك حلال .

وشرح الشيخ بتوضيح معنى الربا الذي نزل القرآن بتحريمه فهو القرض الذي يأخذه المحتاج الجائع المعدم من الثري المرابي الذي يستغل جوع المحتاج ليعطيه قرضاً بربا، (وهو ما لا ينطبق على التعامل مع المصارف والبنوك لأنها لا تتعامل مع الجوعى والمعدمين وإنما تتعامل مع أصحاب مشاريع تجارية وصناعية يفتحون أسواقاً للعمل والوظائف والرواج وبذلك يكون التعامل معها حلالا. كان الشيخ شلتوت شيخا للأزهر في عام 1960وكان آخر نقطة مضيئة من آثار مدرسة الامام محمد عبده . ومن العار أن تتراجع مصر من عصر الامام محمد عبده ( 1849 : 1905 ) و عصر الشيخ شلتوت (1893 : 1963 ). وينتهى الحال بها الى شيوخ الثعبان الأقرع ورضاعة الكبير و التداوى ببول الابل والدفاع عن حديث الذبابة وكاميلبا وعبير.

فى كتاب نصر حامد أبو زيد "نقد الخطاب الدينى" تساءل لماذا يجب ان نحلل الخطاب الدينى تحليلا نقديا و اشار الى قضية توظيف الاموال والفضيحة التى عانى منها المجتمع المصرى والتى ازدحمت بفتوى من رجال الدين ومن السياسيين اشتركوا في الاعلان لشركات توظيف الاموال وانه ربط بين الخطاب الدينى وما حدث في المجتمع من مشاكل بسبب هذا الخطاب وان الفتاوى التى تحدثت عن فوائد البنوك بأنها ربا مما ساعد على انتشار شركات توظيف الاموال . ,وقام الداعية عبد الصبور شاهين الاستاذ الجامعى مع اخرين باتهامه بالكفر وتم الحكم علية بالخروج من الملة وتحريم زوجته علية وهى الاستاذة الجامعية .

في سبتمبر 1989 فتح ملف أحمد الريان؛ حيث اكتشفت الحكومة أن أموال المودعين تحولت إلى سراب بعد أن نهب آل الريان أموالهم وغامروا او قامروا بها في البورصات العالمية، وقاموا بتحويل جزء كبير منها إلى الولايات المتحدة والبنوك الأجنبية، وبلغ ما تم تحويله طبقا للأرقام المعلنة رسميا التي كشف عنها المدعي العام الاشتراكي 3 مليارات و280 مليون جنيه، وأن هناك مسئولين ورجال دين وإعلاميين ساهموا في تهريب هذه الأموال مقابل حصولهم على ما سمي وقتها بـ"كشوف البركة" تحت بند تسهيل وتخليص مصالح شركات توظيف الأموال في المؤسسات الحكومية. وفى اواخر 2006قررت الحكومة بعد عشرين سنة رد بعض مستحقات جميع المودعين وإغلاق الملف بالكامل وصرفت 368مليون جنبه ل47 الف اسرة

وأعلن رئيس الوزراء ان توفير المبالغ تم من خلال ارباح البنك المركزى التى تخلت عنها الحكومة لصالح الاسر التى فقدت ودائعها في شركات توظيف الاموال وأشار ان ما تم بيعة من اصول شركات توظيف الاموال لا يتجاور10%وان ما تبقى من هذه الاصول لايتجاوز 5%بما يعنى ان الحكومة يعنى الشعب المصرى تكفل بنسبة 85%من اموال المودعين.

وهكذا بدأت الدولة تتدخل لحماية المودعين من "النصابين" فوضعت ايديها علي كل ثروات الريان والسعد والشريف وعدد اخر، وادعت انها ستعيد للمودعين اموالهم.ومضى عشرون عاما …..ايام ما دفعوا الاموال كان الدولار ب170 قرش قبضوا مدخراتهم والدولار بستة جنية .

قال عبدا للطيف الشريف لجريدة صوت الامة"2007/1/15":"مسؤلون سرقوا مني 2.5 مليار حينه وزعوها علي بعض، وكلما طالبت بالتحقيق في هذه الفضيحة ادخلوني السجن".


أشهر شركات توظيف الأموال

قانون تنظيم عمل شركات تلفي الأموال

بعد تعثر الكثير من الشركات، واستيلاء بعضها على أموال المودعين، أصدر القانون رقم 146 لسنة 1988، في شأن تنظيم عمل شركات تلقى الأموال، وقد وضع القانون ضوابط لإنشاء شركات تلقى الأموال، وذلك على النحو التالي:

1- لا يجوز لغير شركة المساهمة التى تطرح أسهمها للإكتتاب العام , والمُقيدة في السجل المُعد لذلك بالهيئة العامة لسُوق المال , أن تتلقى أموالاً من الجُمهور.

2- يُقدم طلب تأسيس شركة المساهمة التى يكون من أغراضها العمل في مجال تلقى الأموال لإستثمارها إلى الهيئة , ويُشترط لتأسيس الشركة وقيدها ما يلي:

  • ألا يقل عدد الشُركاء المؤسسين عن عشرين شخصاً.
  • ألا يقل رأس المال المُصدر عن خمسة ملايين جُنيهاً، ولا يزيد عن خمسين مليون جُنيهاً، وأن يكون مدفوعاً بالكامل ومملوكاً كله لمصريين، وأن يُطرح منه نسبة 50 % على الأقل للإكتتاب العام.
  • أن يكون جميع أعضاء مجلس الإدارة والمدير العام من المصريين.
  • تُصدر الشركة صُكوك إستثمار مقابل الأموال التى تتلقاها، وتُحول صُكوك الإستثمار لمالكيها المُشاركين في الأرباح دون المُشاركة في الإدارة.
  • تلتزم الشركة بإيداع الأموال التى تتلقاها طبقاً لأحكام هذا القانون خلال أُسبوع من تاريخ التلقى في حساب خاص بأحد البنوك المُعتمدة والخاضعة لإشراف البنك المركزي، ولا يجوز تحويل أى مبالغ منها إلى الخارج إلا بموافقة البنك المركزى المصرى.
  • وألزم القانون الشركات القائمة وقت صدوره بتقديم قوائم مالية مُعتمدة من مُراقب الحسابات، وإشراف الهيئة العامة لسُوق المال على أعمالها، خلال ثلاثة أشهر من صدوره. إلا أن تلك الشركات كانت تُدار بأُسلوب عائلى أحياناً، وغير رسمى أحياناً أُخرى، فضلاً عن عدم تمكُنها من تقديم الميزانيات، لعدم وجود أُصول وأنشطة حقيقية في أغلب الأحيان. وقامت الهيئة العامة لسُوق المال بإحالة تلك الشركات للنيابة العامة والمُدعى العام الإشتراكى، وصدرت قرارات التحفُظ عليها , وقامت الإدارة بالقبض على أصحاب تلك الشركات، وحصر أموالهم وممتلكاتهم في الداخل والخارج، وحصر أُصول تلك الشركات، حيثُ تولت الجهات القضائية بالتصرُف فيها، ورد جُزء من أموال المودعين، لعدم كفاية الأُصول، ثم تولت الدولة رد باقى الجُزء الآخر.


المصادر