رسالة أضحوية في أمر المعاد

رسالة أضحوية في أمر المعاد
نص "رسالة أضحوية في أمر المعاد " لـ ابن سينا. للقراءة والتحميل، انقر الصورة.

رسالة أضحوية في أمر المعاد كتاب من تأليق الحسين بن عبد الله بن الحسن بن سينا، الملقب بـالشيخ الرئيس والذي ولد عام 980، وتوفي عام 1037، ويظهر بوضوح شخصيته الفلسفية فيه، بلا مواربة، ولا مداهنة اعتاد الفلاسفة المسلمون على ممارستها، كما أنه دفع فيه بعربة التأويل إلى مستوى معرفي متقدم، قفز فيها على أسوار الفهم العقائدي التقليدية، في تفسير البعث، وطبيعة الثواب والعقاب الأخروى. والملاحظة الأولية التي تتبادر إلى الذهن عند مناقشة الرسالة الأضحوية؛ هو وجود رأيين متناقضين لابن سينا نفسه في هذه المسألة، فإذا كان ابن سينا هنا يترافع عن رأيه في نفي البعث الجسماني، وإثبات معنوية الثواب والعقاب لا حسيتيهما، فإنه سبق أن خالف هذا الرأي في كتابه «الشفاء»، إذ أقر فيه بالأدلة النقلية، والعقلية جواز البعث الجسماني، ووجود عذاب، ونعيم حسي فعلي.

في هذه الرسالة، يطرح ابن سينا رأيه في قضية البعث والحساب، التي يرى أولا أن الأجساد، ما هي إلا أوعية عابرة، ووقتية، وفانية، وأن الجسد متحول لثابت؛ هي الروح، وعليه فإن الأصل؛ أو الثابت؛ هو الأحق بالبعث وحده، وأن الجسد لا لزومية له، تبعا لهذا الرأي. أما العذاب والنعيم، فهما معنويان لا حسيان، فيهما ترتقي النفس الخيرة، وتتدرج في معارج الكمال، حتى تبلغ الغاية، وهذا هو قمة نعيمها. وتتردى النفس الشقية في مهاوي الشقاء، والضيق حتى المنتهى وهذا هو قمة عذابها. فالسعادة الآخروية: "عند تخلص النفس عن البدن، وآثار الطبيعة، وتجرده من كامل اللذات، ناظرا نظرا عقليا إلى ذات من له الملك الأعظم – الله عز وجل- وإلى الروحانيين – الملائكة- الذين يعبدونه، وإلى العالم الأعلى- الملكوت، وإلى وصول كماله إليه – أي وصول الأنفس الخيرة إلى هذه الحضرة والمعية، فاللذة الجليلة عند ذلك، والشقاوة ضد ذلك". والأنفس الخيرة "تزداد لذات وخيرات بالتلاحق، والأنفس الشريرة، تزداد ألما وشرا بالتلاحق، فإن كل طبقة تتصل بشكلها كيفية وهيئة، اتصالا معقوليا، وإن لذة وألم التلاحق غير متناهية نعني بهذا أن النفوس الفاضلة إذا اتصلت بها نفوس فاضلة تلذذت بها والشريرة ضد ذلك". أما عن الآيات والنصوص التي تحدثت بشكل مباشر، وواضح، سواء عن نعيم حسي ملموس، وعدت فيه بأنهار الخمر، واللبن، والعسل، وممارسة جنسية دائمة مع الكواعب الأتراب الأبكار، أو الآيات التي توعدت الخطاة بالنار والسلاسل والأغلال، فإنه يرى أن هذه النصوص – وكذلك فعل ابن رشد من بعده - خاطبت العرب الذين نزلت فيهم الرسالة، بخطاب واضح ومباشر يفهمونه، من باب ضرب الأمثال، لأنهم كانوا أهل فصاحة ووضوح، ولم يكونوا مؤهلين لتلقى علوم التأويل، التي تتجاوز الحسي إلى المجرد. ومن ناحية أخرى فإن القرآن الكريم، فتح الدلالات السيميائية للراسخين في العلم، لاستنباط المراد الخفي من النص المقدس. وهذا هو مناط التأويل المختلف كليا عن التفسير.

فبينما يؤكد أبو حامد الغزالي (1058-1111)، في كتابه «تهافت الفلاسفة» على إنكار ابن سينا للبعث الجسماني، والعذاب الحسي، ينبري ابن رشد (1126- 1198) مدافعا عن ابن سينا، منطلقا أولا من تجهيل الغزالي، لأن ابن سينا يقر بالعذاب الحسي، والبعث الجسماني في كتابه «الشفاء»، ثم مع الفرضية الجدلية بقول ابن سينا بالبعث الروحاني، والحساب المعنوي، فإن ابن رشد يترافع عنه بوصفه زميلا متأولا لم يخرج من الملة، لأنه يؤمن بالبعث والحساب بشكل عام، ويتأول معناهما، وهي مسألة- بحسب ابن رشد- المؤول فيها خير من المقلد. وهذا يعد دليلا واضحا على عدم وصول هذا الرأي لابن رشد، الذي يقر فيه ابن سينا بمعنوية البعث والحساب، للسبب المذكور أعلاه. ومن العجيب أن الفرقاء الثلاثة، ابن سينا، وابن رشد، وأبو حامد الغزالي، لم يتوافقوا توافقاً تاماً سوى في التواصي بالكتمان، الذي ضاع بسببه الكثير من العلم والتأويل.

فابن سينا يقول في كتابه «منطق المشرقيين» (وما جمعنا هذا الكتاب لنظهره إلا لأنفسنا – أعنى الذين يقومون مقام أنفسنا. وأما العامة، من مزاولي هذا الشأن، فقد أعطيناهم في كتاب الشفاء ما هو كثير). ويقول الغزالي في كتابه «مشكاة الأنوار» (ليس كل سر يكشف ويفشى، ولا كل حقيقة تعرض وتجلى). أما ابن رشد، الذي عاني من التكفير حيا وميتا، فإنه ذهب في كتابه «فصل المقال»، إلى حد تكفير المصرح للجمهور بالتأويل (وأما المصرح بهذه التأويلات لغير أهلها- أي للجمهور- فكافر). لهذا صار الوصول إلى رأي أحدهم النهائي في المسألة الواحدة، مشقة بحثية هائلة، تقع على عاتق الباحثين الجادين، وقليل هم.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً


المصادر

  1. ^ هاني بكري. "حاشية على متن: رسالة أضحوية في البعث والمعاد". القدس العربي.